المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثمّ الذراعُ من الأصابع أربع … من بعدها عشرونَ ثمّ - رحلة الشتاء والصيف

[محمد كبريت]

فهرس الكتاب

- ‌ديباجة المؤلف

- ‌ ينبع النخل

- ‌وادي نبط

- ‌فائدة

- ‌الحوراء

- ‌فائدة

- ‌أكْرَه

- ‌الأزلم

- ‌المُوَيْلِح

- ‌عيون القصب

- ‌مغاير شعيب

- ‌الحويطات

- ‌فائدة

- ‌عجرود

- ‌البُوَيْب

- ‌مصر

- ‌الجامع الأزهر

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌نهر النيل

- ‌عين شمس

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌ذكر فضل النيل

- ‌ذكر ما قيل في النيلمن الأشعار البديعة والمعاني المنيعة

- ‌لطيفة

- ‌قصة ظريفة

- ‌حكاية لطيفة

- ‌ومن محاسن مصر

- ‌بركة الفيل

- ‌مدراس

- ‌حوادث غريبة بمصر

- ‌نكتة

- ‌نكتة

- ‌فائدة

- ‌الطريق إلى مكة المشرفة

- ‌القاهرة المعزية

- ‌نكتة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌ما قيل في مصر

- ‌من الأشعار الرائقة والنكت الفائقة

- ‌مشهد سيدنا الحسين وذكر مقتله

- ‌قصة

- ‌القرافة

- ‌بولاق

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌غريبة

- ‌نكتة لطيفة

- ‌قصة

- ‌فائدة

- ‌فوائد

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌ رودس

- ‌الديار العثمانية

- ‌السلطان مراد

- ‌ذكر نسب المولى المذكور

- ‌أخبار آل عثمان

- ‌فائدة

- ‌الطاعون

- ‌بغداد

- ‌لطيفة

- ‌ذكر القسطنطينية العظمى

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌الشوق للوطن

- ‌العودة إلى المدينة

- ‌غريبة

- ‌فائدة

- ‌حلب المحروسة

- ‌فائدة

- ‌المعرَّة

- ‌حماة

- ‌نكتة لطيفة

- ‌حمص

- ‌جِنان الشام

- ‌الجامع الأموي

- ‌فائدة

- ‌أمطار وبَرَد غريبة الشكل

- ‌فائدة

- ‌محاسن الشام

- ‌غريبة

- ‌‌‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌لطيفة

- ‌سيل في الكعبة المشرفة

- ‌لطيفة

- ‌‌‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌ضريح ابن عربي

- ‌المحمل السلطاني

- ‌التنبؤ بخراب العالم

- ‌تبوك

- ‌لطيفة

- ‌المدينة المنورة

- ‌أم القرى

- ‌الخاتمة

الفصل: ثمّ الذراعُ من الأصابع أربع … من بعدها عشرونَ ثمّ

ثمّ الذراعُ من الأصابع أربع

من بعدها عشرونَ ثمّ الأصبعُ

ستُّ شعيراتٍ فبطن شعيرةٍ

منها إلى ظهرٍ لأخرى يوضعُ

ثم الشعيرةُ ست شعراتٍ غدت

من شعر بغل ليس فيه تضعضعُ

‌غريبة

حكى القزويني عن صاحب تحفة الغرائب أن في حدّ خليج القسطنطينية قرية فيها بيت من الحجر، وفي البيت صورة الرجال والنساء والخيل والبغال وغيرها من الحيوانات، فمن أصابه وجع في عضو من أعضائه، يدخل ذلك البيت ويدنو من مثل صورته، ويمسح بيده مثل العضو الموجع من الصورة، ثم يمسح العضو الموجوع، فإن وجعه يزول في الحال.! قاله في الآثار. ومن العجائب المشهودة بهذا الخليج، البرج القائم في وسط مائه التيار. ثم إنّا سرنا وقد زمجرت تلك الرعود، فشهدنا ذلك اليوم الموعود.

في يوم بردٍ ترى أنفاسه

تشوّه الأوجهَ من قَرْصها

تودُّ فيه الشمسُ من بردِهِ

لو جرّت النار إلى قُرْصها

وقال:

قالوا أضرّ بنا السحابُ بقطره

لما رأوه لعبرتي يحكي

لا تعجبوا مما ترون فإنَّما

هذى السماء لعبرتي تبكي

ثم أتينا على قبيزة، وهي بلدة بديعة المعاني، آهلة المغاني، فنزلنا بخانها الأمين المأمون، وقد رمينا بسهام بردها الميمون، وقد أوقدوا الحطب بذلك الخان، حتى كادت الأنفس تزهق لتكاثف الدخان.

وهكذا المرء في أيام غُربته

يلقى من الضَيم ما لم يَجْرِ بالبالِ

ولما كان آخر الليل، قمنا منه حتى أتينا على خليج الديل وقت الشروق، وهو

أوسع من خليج اسكدار، فقطعناه في مركب صغير، ثم مَرَرْنا بالديل، وهو اسم لقرية لطيفة، فلما كان بعد الظهر أتينا على جاور كوى ومعناه قرية نصارى، وفيها نهر عظيم يدور بتلك الشعاب، وفيها اجتمعنا بأمين البصرة، الأمير محمود أغا ولما هدأ الليل قمنا نقطع هاتيك القِلال، وأنا بحال من قال:

ص: 188

قلبي الخفوقُ ومدمعي الجاري دما

مهما جرى ذكر العذيب أو اللّوى

وإذا تألّقَ بارقٌ من بارقِ

فهناك ينشرُ مِنْ هواه ما انطوى

فلما كان الضحى أتينا أزنيق وهي بلدة مسوّرة، بها الجداول والأشجار المختلفة الثمار، وإليها ينسب الفخار الأزنيقي، لأن بها مصانعه وأحجاره.

ثم أتينا على لفقة وهي قرية لطيفة ذات أشجار يانعة وريفة، ثم أتينا على سقوت وهي بلدة رحيبة الجناب، مخضرة الأرجاء والرحاب، ثم أتينا على أسكي شهر ومعناه بلدة قديمة، وقد حفت بالأشجار، وجرت بين رياضها الأنهار، ومن العجائب بها حمّامها الذي ماؤه أحرَّ من الجمر، من غير صنعة بشرية، لأن منابعه من معادن كبريتية، وبها النهر التيار الذي لا يجاز إلا من جسره:

أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً

ويوماً له يوم الترحل خامسُ

وعلى ذكر الجسر:

خطَّ على ماءِ الشبابِ الذي

بخده جسر من الشعرِ

صار طريقاً لي إلى سلوتي

وكنت فيه موثق الأسرِ

وقال:

ومما قضى الدهرُ الملمُّ بنَزْلة

على الفرسِ الميمونِ يبقى بها كسري

ولما قضى لم أقض غير تعجبٍ

ولكن رأيت اليسر يدنو مع العسرِ

فاكتريت بها بغلاً لا نَقْص في معايبه، ولا يوجد ما يدانيه في مثالبه،

ص: 189

فما زلت أسير به وأنا معه أسير، وما زال يسير بي والطرف منه حسير:

أسير مثل أسير وهو يعرُجُ بي

كأنَّه نازلٌ ينحط من درجِ

فإن رماني على ما فيه من عرج

فما عليه إذا ما متُّ من حرجِ

وقال:

وقد كان مركوبي أعزّ خيولهم

وأكرمهم إذ كان وافي الشرائطِ

وكنتُ عليه مطمئناً وثابتاً

كأنّي منه راكب فوق حائطِ

ثم أقمنا على بلدة السلطان السيد غازي، وهي بلدة آهلة المغاني، بديعة المعاني، سميت باسم فاتحها في سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وقبره على الجبل المطل عليها، وعليه مدرسة عظيمة، وحولها منازل عامرة بسكانها.

ثم أتينا على ينكي خان ومعناه الخان الجديد، وهو من بناء الوزير خسرو باشا، عمّره سنة تسع وثلاثين وألف، وحوله منازل حدثت بحدوثه. ثم أتينا على بياض وهي قرية قوية البرد والأهوية، وذلك لكثرة الثلج على جبالها، وشدةّ أخلاق رجالها.

ومن العجائب أن أقيم ببلدةٍ

يوماً وأسلمُ من أذى أحوالها

قال البصير: الثلج ما تصاعد من البحر إلى كرة الزمهرير ليكون مطراً، فتنعكس عليه الرياح الباردة، فينعقد ويسقط في البلاد البعيدة عن الشمس كالدقيق، وهو بارد في الثالثة يابس في الثانية، ونفعه في الحُمَّيَات الحارة، والحكّة وضعف المعدة عن الحرّ، ويسمن الحيوان غير الإنسان.

والثلجُ في الرومِ قد شاهدتُ موقعه

كأنَّه القطن يهوي وهو مندوفُ

وقال:

انظر إلى وسط البسيطة أبيضاً

لم تبد فيه شامة سوداءُ

كَرُمَ السحابُ فعمَّ بالثلج الثرى

إن الكريم له اليد البيضاءُ

تقي الدين السبكي:

أقول للسرو إذ كساه

ثلج بدا نوره وأنهج

زمُرد أنت في لُجين

فقال أبهى سناً وأبهج

ثم أتينا على قرية تسمى بلاوضون وهي كثيرة الخيرات، بها الأشجار

ص: 190

المؤتلفة، والأزهار المختلفة. ثم أتينا على آق شهر ومعناه قرية بيضاء، وقد اخضلَّت في أرجائها الأشجار، وتغنَّت على أغصانها الأطيار، وفيها جدول ماء يدور بشوارعها، وبالقرب من خانها جامع جمع المحاسن، وهو بناء الوزير حسن باشا وتاريخه غيط، ولها تربة معمورة، وقبورها مبنية بالأحجار المخدومة كمقابر الروم.

وما ينفعُ الإنسانَ بنيان قبرهِ

إذا كان فيه جسمهُ يتهدّمُ

وفيها ضريح الخواجة ناصر الدين صاحب التفسير، المتوفى سنة ست وثمانين وثلاثمائة، والعامة تزعم أنه جحا الذي يضرب أمثاله في الجد والهزل، وهو من فزارة وكنيته أبو الغصن. قيل: كان يحفر بظهر الكوفة، فقيل له: مالك؟ قال: دفنت دراهمي هنا وما أهتدي إليها. فقيل: كان عليك أن تعلّمها. قال: قد فعلت. قيل: ماذا؟ قال: كانت عليها سحابة تظلها. والحكايات عنه لا تكاد تضبط كثرة، كذا في المستقصى. ورأيت في بعض التعاليق أنه كان فاضلاً ماجناً، وقد عمل الناس على لسانه كثيراً من النكت والنوادر، كما عملوا على لسان المجنون، ولابن أبي اليمن الغفاري مؤلَف في ذلك، يشتمل على ألف ورقة. حُكِيَ عنه أنه سئل مرة عن القيامة فقال: بموتي تقوم.

حُكي أن الزهراء بنية من عجائب الدنيا أنشأها أبو المظفر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقب بالناصر، أحد ملوك بني أمية بالأندلس، بقرب قرطبة في أول سنة مائة وخمس وعشرين، ومسافة ما بينهما أربعة أميال وثلث ميل، وطول الزهراء من الشرق والغرب ألفان وسبعمائة ذراع، وعرضها من القبلة إلى

الجنوب ألف وخمسمائة ذراع، وعدد السواري التي فيها أربعة آلاف سارية، وعدد أبوابها يزيد على خمسة عشر ألف باب. وكان الناصر المذكور يقسِّم جباية الأموال ثلاثاً، فثلث للجند، وثلث مدّخر، وثلث ينفقه على عمارة الزهراء، وكانت

ص: 191

جباية الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألف دينار، ومن السوق المستخلص سبعمائة ألف وخمسمائة وستون ديناراً، وهي من أهول بنيان الدنيا وأجلّ خطراً، ذكر ذلك ابن بشكوال في تاريخ الأندلس.

ثم أتينا على أيلغين وهي بلدة عظيمة، وبها جامع لا نظير له في تلك الجادة، بني باسم السلطان مراد سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وعليه أوقاف وصدقات، ولها بَرْدٌ كأنَّه ضرب المسامير، لكثرة الثلج والهواء البارد في شمس الحمل. وفيها حمّام للرجال وحمّام للنساء، وماؤه حار لا بصنع البشر. وفيها أبنية محكمة عالية، تدل على عظم بانيها.

-

ثم أتينا على لادك وهي خيف لطيف. ثم إننا قَدِمنا قونية، فنزلنا بجوار الملاخنكار صاحب المثنوي، وأقمنا بها ثلاثة أيام، كأنَّها ساعة من منام، لما فيها من الخيرات وصفاء الخاطر، وهي بلدة عظيمة مسوّرة بسور يعرب عن قوّة بانيه.

حكى السيوطي: أن مروان آخر ملوك بني أمية افتتحها سنة ست ومائة، وهي كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار، محفوفة بالأزهار، أهويتها كأنَّها تهب بنسمات الأسحار، رأيت بها خمسين حانوتاً تصنع بها الحلوى الملوّنة، ولا يبقى آخر النهار منها شيء، وهي منتصف الطريق إلى حلب، وللمُلا في ضحوة الخميس والاثنين وبعد صلاة الجمعة، حضرة بالدفوف والقصب، تأخذ بمجامع القلوب الخلية فيتواجدون عليها:

قال:

ومن يك وجدُه وجداً صحيحاً

فلم يحتج إلى طرب المغني

له من وجده طربٌ بديع

وسكر دائم من غير دنِّ

ص: 192

وقال غيره ولا يزالون مختلفين:

ما في التواجد إن فكرتَ من حرج

ولا المثاني ولا الأصوات تعجبني

فكلّ معنى بديع من محاسنهِ

وكلّ ناطقة في الكون تطربني

ثم سرنا نقطع تلك القفار، ونجوب هاتيك الحرار، حتى أتينا على أسمل، وهي قرية لطيفة. ثم أتينا على قرابيار ومعناه العين السوداء، وهي قرية مخضرة الأكناف، وفيها خان وجامع فيه مياه يردها المسافرون، وفي جنوب القرية بالقرب من الآكام، قليب ماؤه مسائغ، ترده أهل القرية إذا قصَّر ماء الجامع.

ثم لم نزل نسير في واد فسيح الرحاب، حتى أتينا على أركلى وهي بلدة عامرة، وبساتينها زاهية زاهرة، وبها نهر لطيف يطوف بأكنافها، وهي من بناء هِرَقلينوس، يقال إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوه إلى الإسلام، فقال: بلدي قليلة الماء وأريد أن يجري فيها نهر، فقال: خذ آية من كتاب الله تعالى وأكتبها في ورقة وضعها في أي موضع شئت ينبع فيه الماء ويعم بلدك، فحكى ذلك لبطارقته فوعدوه بالإسلام إن صح ذلك، فكتب آية من كتاب الله تعالى، وأتى إلى شعب يابس عندهم

ص: 193

ووضعه في شق صخرة، فنبع الماء وعمّ جميع بلده، فآمن هو وأهل دولته، وجعل جميع ما يصل إليه هذا الماء وقفاً على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي إلى الآن يضبط ما فيها لجهة المدينة المنورة، فيها دور كثيرة، وحولها نحو ألف وخمسمائة بيت، وقرى وضياع وبساتين، وجامع وقاضي.

ثم أتينا على خان محمد باشا وهو بناء محكم، وعنده قرية لطيفة، وقبله عقبة ينزلها الراكب كرامة للسلطان مراد، زعموا أنَّه نزل عندها ومشى على قدميه،

ولعلَّ ذلك شفقة على الدواب.

ثم سرنا بين رياض وأزهار، وحياض وأنهار، حتى أتينا على العقبة وما أدرك ما العقبة، فيا لها من عقبة نالنا منها أليم العقاب، ومسنا من بردها أحر العذاب. ثم أتينا جفته خان ومعنى جفته زوج، وذلك لأن هنالك خانين متقابلين.

ثم أتينا على خان بيري باشا فسرنا على أطراف تلك الجبال، لغزارة تلك الأنهار، ثم أحوج الأمر إلى خوضها فدخلناها، وكنا نخوض مع الخائضين، وهي أربعون مخاضة، وكلها من نهر واحد يدور في تلك الشعاب.

ثم أتينا على جاووش خان وهو بين رياض تتعبق، وحياض تتدفق.

ثم أتينا على وادي مخضل فيه نهر غزير يقال له شاقط.

ثم أتينا على أدنه وشاهدنا رياضها الحسنه.

دخلتها وشعاع الشمس متقد

وحرها في الحشا تذكو هواجرهُ

ص: 194

في موكبٍ من عيون لو رميت بها

صرف الزمان لما دارت دوائرهُ

وهي بلدة حسنة الترتيب، بديعة الوضع العجيب، عمارتها عثمانية، وقلعتها سليمانية، وبها عمارة الأمير خليل بن رمضان باشا، من الطوائف أيام الجراكسة من بيت السلطنة، وكانوا تارة يطيعون صاحب مصر، وتارة يطيعون صاحب الروم، وفيها الجوامع والمدارس، وعلى نهرها جسر يشتمل على خمس عشرة عقداً، وعليه دولاب عجيب الوضع، يقال لهذا النهر سايح وربما قيل سيحون ولعله شبيه به. قال ابن خِلِّكان: سَيْحون بفتح السين المهملة وسكون الباء المثناه من تحت، وهو وراء جيحون فيما وراء بلاد الترك، وبينهما مسافة خمسة عشر يوماً، وهذان النهران مع عظمهما وسعة عرضهما يجمدان في زمن الشتاء، وتعبر القوافل عليهما بدوابها وأثقالها، ويبقيان كذلك ثلاثة أشهر، انتهى، من وفيات الأعيان من ترجمة أبي طالب محمد أول ملوك السلجوقية.

وعلى ذكر الدولاب:

أبدى لنا الدولاب قولاً معجباً

لما رآنا قادمين إليهِ

أبكي وأشكو ما لقيت من الهوى

قلبي معي وأنا أدورُ عليهِ

وقال الذهبي:

وروضة دولابها

إلى الغصونِ قد شكى

من حين ضاع نشرها

دار عليه وبكى

ورأيت بها عنباً أحمر شديد الحمرة في كبر البيض، وبها من أنواع الفواكه شيء كثير، وأهلها يرحلون منها أيام الصيف إلى الأيْلَة، إلا العاجز الذي حبسه عجزه:

أقمت بها يوماً تقضَّى كأنَّه

خيال غزال زار وَهْمَ حبيبهِ

ويوماً حكى طيب الوصال وثالثاً

تقاضت به الأرواح نفحة طيبهِ

ثم برزت منها ورحلت عنها والقلب يتأسف عليها، والنظر يتشوَّف إليها، حتى أتينا على نهر عظيم يقال له جايح، وعليه جسر عظيم ويقال أنه يتصل

ص: 195

بجيحون، النهر العظيم الفاصل بين خوارزم وبلاد خراسان وبين بُخارى وسمرقند، وكلّ ما كان من تلك الناحية فهو ما وراء النهر.

ثم أتينا على قرط كلال في ليلة النصف من شعبان، وفي مثل هذه الليلة يستدبر الإنسان القمر ويكشف رأسه، وينظر إلى ظل عنقه في ضوء القمر، فإن وجده مخلصاً فإنه لا يموت في ذلك العام، وإن كان لاصقا بين جنبيه فإنه يموت فيه، ومثل ذلك ما يفعل وقت شروق الشمس عند حلولها برج الحمل، ونحو ما يروى أن من رأى السُها ليلة المحرم بين العشاءين لم يمت في عامه، والسُها ثابت في الخامس والسادس على العناق، وهو الثاني من البنات، ومن علامته أنه لا يثبت عليه البصر، كذا في برهان البراهمة. وعلى ذكر السها:

وحملتُ أعباَء الغرام وثقلهِ

فراداً وحاربتُ الزمانَ وحيدا

ورَعيت أنجمهُ فأكسبتُ السها

سقمي وأَكسبَ جفني التسهيدا

وقال:

يا شَمالا هبَّ من أكناف مَنْ

وكّلَ الطرفَ بأن يرعى السُها

خبّريني هل حبيبي ذاكر

ليَ أم عمّا ألاقيه سَها

وقال:

تالله ما فارقت أرضاً لكم

إلا ورافقت السهى والسهادِ

ولا توجهت إلى نحوها

إلا وواجهت الرشا والرشادِ

وقرط كلال هذا واد فيه خانات متعددة، وأرضه معشبة جيدة وماؤها معين، ولها بادية تأتي إلى الركب بما يحتاج إليه.

ثم أتينا على ياباس فلم نزل نسير في أوعار، وأحجار وأنهار، حتى أشرفنا على بساتينها التي طابت بالأنفاس، وشاهدنا محاسنها القائل لسان التصديق في جواب الاستفهام عنها لا باس:

للهِ كم نزهة يا صاحِ قد جمعت

في روضةٍ أزهرت تُدعى بياباس

وكم بديع سبت عقلي شمائلُه

ورُحت من فرحي بالوهم في ياس

ص: 196