الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكى المقري في تذكرته أنها للزمخشري. ولما دُفن وجد مكتوب على قبره:
قد كان صاحبُ هذا القبر جوهرة
…
لطيفة صاغها الباري من النُطَفِ
عزّت فلم تعرف الأيام قيمتها
…
فردّها غيرةً منه إلى الصدفِ
وأمر أن يكتب على قبره:
هذا ماجناه أبي علَيْ
…
يَ وما جنيتُ على أحدْ
ومن كلامه:
أبا العلاء بن سليمانا
…
عماك قد أولاك إحسانا
لو عاينت عيناك هذا الورى
…
لم يلْقَ إنسانُك إنسانا
وله:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة
…
وحُقَّ لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الأيامُ حتى كأننا
…
زجاجٌ ولكن لا يعاد لنا سَبْكُ
وله:
من كان يطلب من أيامهِ عجباً
…
فلي ثمانون عاماً لا أرى عجبا
الناس كالناس والأيام واحدةٌ
…
والدهرُ كالدهرِ والدنيا لمن غلبا
ومن نصائحه:
إذا بلغ الوليد لديك عشراً
…
فلا يدخل على الحرمِ الوليدُ
فإن خالفتني ونبذتَ نصحي
…
فأنت وإن أفدت غِنىً بليدُ
حماة
ثم إنا قوّضنا خيام المقيل، وأخذنا في الرحيل، فأتينا على خان الشيخون وهو في وادٍ مخضل وحوله ضيعتان بعيدتان، ثم أشرفنا على بساتين حماه المورقة، ومحاسنها المونقة، وهي مدينة قديمة من عهد سليمان عليه السلام، وجامعها
وكنيستها بالسوق الأعلى، جُدّد في خلافة المهدي، وكان فيه لوح من الرخام مكتوب فيه أنه جُدّد من خراج حمص، وكانت من أعمال حلب وكانت حمص كرسي هذه البلاد. ومن غرائب أخبار حماة أن الزكي بن عبد الرحمن لما اجتمع بالملك المظفر قبل أن يلي حماة أنشده:
متى أراك ومن تهوى وأنت كما
…
تهوى على رغمهم روحين في بدنْ
هنالك أنشدوا الآمال حاضرة
…
هُنّيت بالملك والأحباب والوطنْ
فوعده أنه إذا ملك حماة يعطيه ألف دينار، فلما ملكها أنشده:
مولاي هذا الملك قد نلته
…
برغم مخلوق من الخالقِ
والدهر منقاد لما شئته
…
وذا أوان الموعد الصادقِ
فدفع له الألف وأقام معه، ولزمته أسفار فأنفق فيها ذلك المال، ولم يحصل بيده زيادة على ذلك، فقال:
ذاك الذي أعطوه لي جملة
…
قد استردّوه قليلا قليلْ
فليت لم يعطوا ولم يأخذوا
…
وحسبنا الله ونعم الوكيلْ
فبلغ ذلك المظفر فأخرجه من دار كان أنزله فيها، فقال في ذلك:
أتخرجني من كِسْر بيت مهدّم
…
ولي فيك من حسن الثناء بيوتُ
فإن عشت لا أعدم مكاناً يضمني
…
وإن مت تدري ذكر من سيموتُ
فحبسه المظفر، فقال: ما ذنبي!؟ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأمر بخنقه. فلما أحس بذلك قال:
أعطيتني الألف إجلالا وتكرمة
…
يا ليت شعري أم أعطيتني ديتي
فكان حاله كحال من قال:
وكنت كالمتمني أن يرى فَلَقاً
…
من الصباح فلما أن رآه عمي
ولله در من قال:
ربّما يرجو الفتى نفع فتى
…
خوفه أولى به من أمله
رُبّ من ترجو به دفعَ الأذى
…
سوفَ يأتيكَ الأذى من قِبَله
ولحماة النهر العاصي، قال في الخريدة: وهو نهر حماة وحمص، مخرجه من قدس ومصبه البحر بأرض السُوَيديّة من أنْطاكية، وسُمّي العاصي لأن أكثر الأنهار تتوجّه إلى الجنوب وهذا يتوجّه نحو الشمال، انتهى. وهذا التعليل إنَّما يتم لو كان المتوجّه نحو الشمال هو وحده دون غيره من الأنهار، فتأمّل. وفيه الناعورة التي يضرب بها المثل، وقد أكثر الشعراء فيها، فمن ذلك:
ناعورة في النهر أبصرتها
…
تشوّق الداني والقاصي
قد نبهتني للتقى والهُدى
…
لأنها تبكي على العاصي
وقال:
نواعير في عاصي حماة إذا بكت
…
عليه دعتْ من عَبرتي مدمعاً قاصي
وإني على نفسي لأجْدر بالبكا
…
إذا كانت الأخشاب تبكي على العاصي
وقال:
حماة في بهجتها جنة
…
فهي من الهمِّ لنا جُنّه
لا تيأسوا من رحمةِ الِله قد
…
أبصرتم العاصي في الجَنّه
وقال:
وناعورة قد ضاعفت بنُواحها
…
نُواحي فأجرت مُقلتيّ دُموعُها
وقد ضَعُفت مما تئنّ وقد غدت
…
من الضَعف والشكوى تعدّ ضلوعُها
وقال:
قاسوا حماةَ بجلّق فأجبتهم
…
هذا قياسٌ باطل وحياتكمْ
فعروسُ جامع جلق ما مثلها
…
شتان بين عروسها وحماتكمْ
وقال:
تاللهِ إن حماة شامةُ شامكم
…
وعروسها بمحاسنٍ متزايده
ودمشقكم بعذراها الشيبي قد
…
ولّت شبيبتها وأمست بارِده
وقال:
قالوا تسلّى عن ثمارِ شُطوطها
…
فأجبتُ لا والتين والزيتونِ
يا عاذلي على محبّتها لكم
…
في ذاك دينكم ولى أنا ديني
في ناعورة لابن نباته:
وناعورة قالت وقد حال لونها
…
وأضلعها كادت تعدُّ من السقمِ
أدورُ على قلبي لأني فَقَدته
…
وأما دموعي فهي تجري على جسمي
وقال:
يروقُ امتداد الجسرِ والقصرِ فوقّه
…
فيجلو طباق العيش بالمدّ والقصرِ
وقد أصبحت تلك الجزيرة جنّة
…
ألم تنظر الأنهار من حولها تجري
تفوق عيونَ الزهرِ بين شطوطها
…
عيونَ المها بين الرصافةِ والجسرِ
وإن جُزْنَ تلك الغيد بين غصونها
…
سلبن الحشا من حيث أدري ولا أدري
فيا جيرة العاصي إذا ذقت ماءكم
…
أهيم كأني قد ثَمِلت من السُّكرِ
ولولا بقايا طعمهِ في مذاقتي
…
لما ظهرت هذي الحلاوة في شعري
وكم رامَ ذاكَ البحر يشبه لفظهُ
…
فقلت انزلوا يا قوم في ساحل البحرِ
فآه على وادي حماة تأسفّاً
…
خلافا لمن قد قال آه على مصرِ
فكم مر لي فيها حلاوة ليلة
…
فكانت شبيهَ الخال في وجَنْة الدهرِ
وفي غيرها كم كنتُ أقضي لياليا
…
تمرّ بلا نفع وتحسب من عمري