الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يلقه إلا يهودي، فاغتمَّ لذلك ثم عزم على أن لا يحل ما عقده مع الله تعالى، فاستشار اليهودي فقال له: إن الله تعالى يقول: هو الذي يسيركم في البر والبحر فلولا أن البرّ أفضل من البحر لما قدّمه عليه، فرجع الشيخ مسروراً بذلك والله وليّ التوفيق. الشيخ الفرفوري:
أبا خالد أحسنت لا زلت محسناً
…
رفيقاً بمن يهوى جواريك هاديا
ثنيتُ عِنان الفُلك عنك مودعاً
…
وداع امرئ لا يرجع الدهر ثانيا
وقال آخر:
ولقد ركبتُ البحرَ أرجو راحةً
…
فشهدتُ فيه مواقعَ الأهوالِ
وعزمت أن لا عدت فيه ثانياً
…
وهجرته في سائر الأحوالِ
فائدة
يقال من خواص الفَيْروزَج أنه ما رؤي في إصبع غريق قط، قال بعض فقهاء اليمن: وكان في نفسي شيء من ذلك فاتّفق أنّا وجدنا غريقاً في نهر وقد بقى فيه رمق، فحملناه إلى اليبس، فلما سكن جأشه قال: ما هذا الموضع؟ فسمّيناه له. فقال: إني وقعت بأرض كذا. فإذا بين الموضعين سفر خمسة أيام!! ثم إنه طلب مأكولاً فذهبنا لإحضاره، فانقضَّ عليه الجدار الذي كان تحته فقضى عليه، فعجبنا من مسامحة البحر وتعدّي الجدار، فلما أخذنا في تجهيزه رأينا في يده خاتم فضة
فيروزج، فعلمنا صحة خاصيته، ثم بعناه وجهزناه به، انتهى. بمعناه من كتاب عقود النحر في نوادر البحر.
ولا يخفى عليك أن الخاصية قد تتخلف، وهي طبيعة مجهولة ولله درّ القائل:
لي مدة لا بد أبلغها
…
محتومة فإذا انقضت مت
لو ساورتني الأسدُ ضارية
…
لغلبتها إن لم يجئ وقت
ومن كتاب البحر: ينبغي لراكبه أن يكون ممتلئاً من الطعام عند ركوبه، فإذا حصل له القيء كان في معدته ما يستخرجه، ويستحب له مسح ظاهر الأنف وباطنه بالإسْفيداج، وشمَّ الصندل والماورد، واستعمال شراب الحِصْرِم.
ثم لم نزل كذلك، نجوب فيافي المهالك، حتى نظر الباري تعالى إلينا بعين الرحمة، وكشف عنّا بمنِّه غمائم الغُمَّة، ونحن في موج يرفع ويخفض ويجرجرنا إلى ما يُسقم ويُمرض، والريح تضرب الشراع وتمزق القلاع:
فيا ليت ما بيني وبين أحبتي
…
من البعد ما بيني وبين المراجعِ
فأقمنا على الماءِ تجاه جبال رودس أياماً لوقوف الريح:
ونحن في مركب كالنون يذكرنا
…
موسى بن عمران في يم بتابوتِ
ما كان أغناك عن بحر وعن خطرٍ
…
وبُعْد أهل وتغريب وتشتيتِ
قد شابت رؤوس الجبال واكتست عمائم الثلج، وخاضت آراء الرجال في الهَرْج والمَرْج، وتمزقت بالأهوية القلوب والأستار، والبارق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار.
هذي خُفوق البرق والقلب الذي
…
ضُمَّت عليه جوانحي خَفَقَان
ولما أمسينا ذات ليلة هبت علينا نسمة سارت بها الركبان، فوصلنا إلى رودس أقل ما كان يتوقع، بل ربما كان ذلك في الواقع:
كعرشِ بلقيس لما جاء مُختطَفاً
…
إلى سليمان يسعى من رسوم سبا
فنزلنا من تلك المينا الأمينة إلى هاتيك المدينة، وقد أسفر الصباح عن اليوم الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول، فإذا هي بلدة لطيفة الشمائل وريفة المنازل، ذات أسوار مانعة وأشجار يانعة، وطيور مختلفة وقصور مؤتلفة، إلا أن ماءها أثقل من الرصاص، والإقامة بها تقوم مقام القصاص، وقد قامت بها سوق الفسوق