الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُمِلَ بِقَوْلِ مَنْ يَدْعُو إِلَى الِاشْتِرَاكِ. وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ ابْنٌ لَا يَقْدِرُ إِلَّا عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا، وَلِلِابْنِ ابْنٌ مُوسِرٌ، فَعَلَى ابْنِ الِابْنِ بَاقِي نَفَقَتُهُمَا، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَا عَلَيْهِمَا بِالشَّرِكَةِ، أَوْ يُخَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ، فَذَاكَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا، رَجَعْنَا إِلَى اخْتِيَارِ الْأَبَوَيْنِ إِنِ اسْتَوَتْ نَفَقَتُهُمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ، اخْتَصَّ أَكْثَرُهُمَا نَفَقَةً بِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ يَسَارًا، وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ فِي الصُّورَتَيْنِ مُخْتَلِفَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا، بَلْ يَنْبَغِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُقَالَ: تُخْتَصُّ الْأُمُّ بِالِابْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَإِذَا اخْتَصَّتْ بِهِ، تَعَيَّنَ الْأَبُ لِإِنْفَاقِ ابْنِ الِابْنِ.
فَصْلٌ
لَا تَلْزَمُ الْعَبْدَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ، بَلْ إِنْ كَانَتِ الْأُمُّ حُرَّةً، فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، فَهُوَ رَقِيقُ نَفَقَتِهِ عَلَى مَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَأَبَوَاهُ رَقِيقَانِ، فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي فُرُوعِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ صِيَانَةً لِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ لِسَيِّدِهِ أَيْضًا، جَازَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ، لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ مُكَاتَبَةَ السَّيِّدِ، إِنْ جَعَلْنَا الْوَلَدَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، لِجَوَازِ أَنْ تُعْتَقَ الْمُكَاتَبَةُ وَالْوَلَدُ، وَيَعْجَزُ الْمُكَاتَبُ، فَيَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ، هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقٌ بِتَجْوِيزِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوِ اسْتَوْلَدَ الْمُكَاتَبُ جَارِيَةَ نَفْسِهِ، أَوْ كُنَّا لَا نُجَوِّزُ لَهُ ذَلِكَ، فَيَتَكَاتَبُ الْوَلَدُ عَلَيْهِ، وَيُنْفِقُ الْمُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِنْ أَكْسَابِهِ، لِأَنَّهُ إِنْ عُتِقَ، فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ رَقَّ، رَقَّ الْوَلَدُ أَيْضًا، فَيَكُونُ قَدْ أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ.
فَرْعٌ
هَلْ تَجِبُ نَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى وَلَدِهِ الْحُرِّ؟ عَنْ «الْحَاوِي» أَنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: لَا، لِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ عَنْ سَيِّدِهِ.
قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ، عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى سَيِّدِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ، قَالَ فِي «الْبَسِيطِ» : الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ، لِأَنَّهَا كَالْغَرَامَاتِ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ تَامَّةٌ أَمْ نِصْفُهَا؟ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ نَفَقَةٌ كَامِلَةٌ، لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ مُحْتَاجًا، هَلْ يُلْزِمُهُ قَرِيبُهُ الْحُرُّ نَفَقَتَهُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ.
قُلْتُ: الرَّاجِحُ الْوُجُوبُ، وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُمَا عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُوَرَّثُ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُوَرَّثُ كَالْأَحْرَارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْحَضَانَةِ
هِيَ الْقِيَامُ بِحِفْظِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ بِمَا يُصْلِحُهُ، وَوِقَايَتِهِ عَمَّا يُؤْذِيهِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ، لَكِنَّهَا بِالْإِنَاثِ أَلْيَقُ، لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقَ، وَأَهْدَى إِلَى التَّرْبِيَةِ، وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ. وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ عَلَى الْأَبِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ، كَالنَّفَقَةِ، وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ طَلَبُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا، وَفِي الْبَابِ طَرَفَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي صِفَاتِ الْحَاضِنِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنْ كَانَ أَبُو الطِّفْلِ عَلَى النِّكَاحِ، فَالطِّفْلُ مَعَهُمَا يَقُومَانِ بِكِفَايَتِهِ، الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ، وَالْأُمُّ بِالْحَضَانَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَإِنَّ تَفَرَّقَا بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَالْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ إِنْ رَغِبَتْ فِيهَا، لَكِنْ لِاسْتِحْقَاقِهَا شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: كَوْنُهَا مُسْلِمَةً، إِنْ كَانَ الطِّفْلُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرَةٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَهَا الْحَضَانَةُ، وَقِيلَ: الْأُمُّ الذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنَ الْأَبِ الْمُسْلِمِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا حَضَانَتُهُ لِأَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْتِيبُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَحَضَانَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُؤْنَةُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَعَلَى أُمِّهِ إِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَلَدُ
الذِّمِّيِّينَ فِي الْحَضَانَةِ كَوَلَدِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهَا، وَلَوْ وَصَفَ صَبِيٌّ مِنْهُمُ الْإِسْلَامَ، نَزَعَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ صَحَّحْنَا إِسْلَامَهُ أَمْ لَا، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ كَفَالَتِهِ، وَالطِّفْلُ الْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ تَثْبُتُ لِقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ حَضَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: كَوْنُهَا عَاقِلَةً، فَلَا حَضَانَةَ لِمَجْنُونَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ جُنُونُهَا مُطْبِقًا، أَوْ مُنْقَطِعًا، إِلَّا إِذَا كَانَ لَا يَقَعُ إِلَّا نَادِرًا، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ، كَيَوْمٍ فِي سِنِينَ، فَلَا يَبْطُلُ الْحَقُّ بِهِ، كَمَرَضٍ يَطْرَأُ وَيَزُولُ، وَالْمَرَضُ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، كَالسُّلِّ وَالْفَالِجِ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤْلِمُ أَوْ يُشْغِلُ الْأَلَمُ عَنْ كَفَالَتِهِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِهِ، سَقَطَ حَقُّ الْحَضَانَةِ، وَإِنْ كَانَ تَأْثِيرُهُ يُعَسِّرُ الْحَرَكَةَ وَالتَّصَرُّفَ، سَقَطَتِ الْحَضَانَةُ فِي حَقِّ مَنْ يُبَاشِرُهَا بِنَفْسِهِ دُونَ مَنْ يُشِيرُ بِالْأُمُورِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَوْنُهَا حُرَّةً، فَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقَةٍ وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، فَحَضَانَتُهُ لِمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ بَعْدَ الْأُمِّ مِنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا، فَحَضَانَتُهُ عَلَى السَّيِّدِ، وَهَلْ لَهُ نَزْعُهُ مِنَ الْأَبِ وَتَسْلِيمُهُ إِلَى غَيْرِهِ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ، وَلَوْ كَانَتِ الْأُمُّ حُرَّةً وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ، بِأَنْ سُبِيَ طِفْلٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ، أَوْ قَبِلَتِ الذِّمَّةَ، فَحَضَانَتُهُ لِلسَّيِّدِ، وَفِي الِانْتِزَاعِ مِنْهَا الْوَجْهَانِ، وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُكَاتَبَةُ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا، لَا حَضَانَةَ لَهُنَّ، لَكِنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ، إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْكِتَابَةِ، سُلِّمَ إِلَيْهَا، لَا لِأَنَّ لَهَا حَضَانَةٌ، بَلْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا. وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا لَهُ حُكْمُهَا، يُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَحَضَانَتُهُ لِسَيِّدِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَهَلْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي وَلَدِهَا مِنَ السَّيِّدِ؟ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ: لَا حَضَانَةَ لَهَا لِنَقْصِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَهَا الْحَضَانَةُ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، ثُمَّ السَّيِّدُ أَوْلَى بِالْوَلَدِ بَعْدَ السَّبْعِ، وَلَوْ كَانَ وُلِدَ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ، فَنِصْفُ حَضَانَتِهِ لِسَيِّدِهِ، وَنِصْفُهَا لِمَنْ
يَلِي حَضَانَتَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ الْأَحْرَارِ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ، أَوْ عَلَى اسْتِئْجَارِ حَاضِنَةٍ، أَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَذَاكَ، وَإِنْ تَمَانَعَا، اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ حَاضِنَةً، وَأَوْجَبَ الْمُؤْنَةَ عَلَى السَّيِّدِ وَعَلَى مَنْ يَقْتَضِي الْحَالُ الْإِيجَابَ عَلَيْهِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: كَوْنُهَا أَمِينَةً، فَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقَةٍ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: كَوْنُهَا فَارِغَةً خَلِيَّةً، فَلَوْ نَكَحَتْ أَجْنَبِيًّا، سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا لِاشْتِغَالِهَا بِحُقُوقِ الزَّوْجِ، فَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجُ، لَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَا يُؤَثِّرُ رِضَا السَّيِّدِ بِحَضَانَةِ الْأَمَةِ، فَقَدْ يَرْجِعَانِ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ، فَلَوْ نَكَحَتْ عَمَّ الطِّفْلِ، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا تَبْطُلُ حَضَانَتُهَا لِأَنَّ الْعَمَّ صَاحِبُ حَقِّ الْحَضَانَةِ، وَشَفَقَتُهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَةِ الطِّفْلِ، فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى كَفَالَتِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي، وَيُقَالُ: إِنَّ صَاحِبَ التَّلْخِيصِ خَرَّجَهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْجَدَّةَ إِذَا نَكَحَتْ جَدَّ الطِّفْلِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا مِنَ الْحَضَانَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ، ثَبَتَ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ أَجْنَبِيٍّ، وَالثَّانِي: يَبْطُلُ حَقُّ الْأُمِّ، وَلَيْسَ الْعَمُّ كَالْجَدِّ لِأَنَّ الْجَدَّ وَلِيٌ تَامُّ الشَّفَقَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي نِكَاحِ الْأُمِّ الْعَمَّ، يَطَّرِدَانِ فِي كُلِّ مَنْ لَهَا حَضَانَتُهُ، نَكَحَتْ قَرِيبًا لِلطِّفْلِ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، بِأَنْ نَكَحَتْ أُمُّهُ ابْنَ عَمِّ الطِّفْلِ، أَوْ عَمَّ أَبِيهِ، أَوْ نَكَحَتْ خَالَتُهُ الَّتِي لَهَا حَضَانَةٌ عَمَّ الطِّفْلِ، أَوْ نَكَحَتْ عَمَّتُهُ خَالَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ إِنَّمَا يَبْقَى الْحَقُّ إِذَا نَكَحَتِ الْجَدَّةُ جَدَّ الطِّفْلِ، أَوِ الْأُمُّ عَمَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ إِذَا رَضِيَ الَّذِي نَكَحَتْهُ بِحَضَانَتِهَا، فَإِنْ أَبَى، فَلَهُ الْمَنْعُ، وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ.
فَرْعٌ
إِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لَهَا الْحَضَانَةُ إِذَا كَانَ الْأَبَوَانِ مُقِيمَيْنِ فِي بَلَدٍ، فَإِنْ سَافَرَ أَحَدُهُمَا، فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -
وَهَلْ يُشْرَطُ اسْتِحْقَاقُهَا أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ إِنْ كَانَ رَضِيعًا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا، بَلْ لَهَا الْحَضَانَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، أَوِ امْتَنَعَتْ مِنَ الْإِرْضَاعِ، وَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مُرْضِعَةً تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ، وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: يُشْتَرَطُ لِعُسْرِ اسْتِئْجَارِ مُرْضِعَةٍ تُخَلِّي بَيْتَهَا، وَتَنْتَقِلُ إِلَى مَسْكَنِ الْأُمِّ، وَعَلَى هَذَا لَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ زِيَارَتِهِ.
فَرْعٌ
لَوْ أَسْلَمَتِ الْكَافِرَةُ، أَوْ أَفَاقَتِ الْمَجْنُونَةُ، أَوْ عَتَقَتِ الْأَمَةُ، أَوْ رَشَدَتِ الْفَاسِقَةُ، أَوْ طُلِّقَتِ الَّتِي سَقَطَ حَقُّهَا بِالنِّكَاحِ، تَثْبُتُ لَهَا الْحَضَانَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا، هَذَا هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ، وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِلرَّجْعِيَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إِنِ اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ لَهَا الْحَضَانَةُ إِذَا رَضِيَ الزَّوْجُ بِأَنْ يَدْخُلَ الْوَلَدُ بَيْتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ، لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُدْخِلَهُ بَيْتَهُ، وَكَذَا فِي الْبَائِنِ، وَإِذَا رَضِيَ، ثَبَتَ حَقُّهَا بِخِلَافِ رِضَاهُ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِاسْتِحْقَاقِهِ الِاسْتِمْتَاعَ، وَاسْتِهْلَاكَ مَنَافِعِهَا فِيهِ، وَهُنَا لِلْمَسْكَنِ، فَإِذَا أَذِنَ صَارَ مُعِيرًا.
فَرْعٌ
إِذَا امْتَنَعَتِ الْأُمُّ مِنَ الْحَضَانَةِ، أَوْ غَابَتْ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ: أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْجَدَّةِ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ، أَوْ جُنَّتْ، وَالثَّانِي: تَنْتَقِلُ إِلَى الْأَبِ، وَالثَّالِثُ: إِلَى السُّلْطَانِ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْأُمِّ كَمَا لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ، أَوْ عَضَلَ، يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ، فَعَلَى الصَّحِيحِ مَتَى امْتَنَعَ الْأَقْرَبُ مِنَ الْحَضَانَةِ، كَانَتْ لِمَنْ يَلِيهِ لَا لِلسُّلْطَانِ، لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ، وَالْقَرِيبُ الْأَبْعَدُ أَشْفَقُ مِنَ السُّلْطَانِ.