الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
لَا يُؤَخَّرُ قِصَاصُ الطَّرَفِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ مُخْطِرًا، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ.
هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» لِلرُّويَانِيِّ أَنَّهُ نَصَّ فِي «الْأُمِّ» عَلَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ قِصَاصَ الطَّرَفِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَلَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ رَجُلٍ، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي الْجَمِيعِ مُتَوَالِيًا سَوَاءٌ قَطَعَهَا الْجَانِي مُتَوَالِيَةً أَمْ مُتَفَرِّقَةً.
وَقِيلَ: يُفَرَّقُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُفَرَّقُ إِنْ فَرَّقَ، وَيُوَالِي إِنْ وَالَى، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ فِي الْحَالِ.
فَصْلٌ
الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ، وَلَا تُحَدُّ لِلْقَذْفِ، وَلَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ الْحَامِلُ مِنْ زِنًى أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ وَجَبَتِ الْعُقُوبَةُ قَبْلَ الْحَمْلِ أَمْ بَعْدَهُ، حَتَّى إِنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ حَبَلَتْ مِنْ زِنًى بَعْدَ الرِّدَّةِ، لَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ.
وَإِذَا وَضَعَتْ لَا تُسْتَوْفَى الْعُقُوبَةَ حَتَّى تَسْقِيَ الْوَلَدَ اللَّبَنَ، وَمَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إِلَى أَنَّهَا لَا تُمْهَلُ لِإِرْضَاعِهِ اللَّبَنَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ دُونَهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ مَعَ أَنَّهُ تَأْخِيرٌ يَسِيرٌ، ثُمَّ إِذَا أَرْضَعَتْهُ اللَّبَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُرْضِعُهُ، وَلَا مَا يَعِيشُ بِهِ الْوَلَدُ مِنْ لَبَنِ بَهِيمَةٍ وَغَيْرِهِ، فَوَجْهَانِ.
قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ: يُقْتَصُّ مِنْهَا، وَلَا يُبَالَى بِالطِّفْلِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ إِلَى أَنْ تُوجَدَ مُرْضِعَةٌ أَوْ مَا يَعِيشُ بِهِ، أَوْ تُرْضِعُهُ هِيَ حَوْلَيْنِ وَتَفْطِمُهُ، لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ احْتِيَاطًا لِلْحَمْلِ، فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ، وَتَيَقُّنُ
حَيَاتِهِ أَوْلَى، فَلَوْ بَادَرَ مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَقَتَلَهَا، فَمَاتَ الطِّفْلُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَاتِلٌ لِلطِّفْلِ عَمْدًا، فَيَلْزَمُهُ قَوَدُهُ.
كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا فِي بَيْتٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ، وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنِ النَّصِّ، وَعَنِ الْمَاسَرْجِسِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: عَلَيْهِ دِيَةُ الْوَلَدِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ لَوْ غَصَبَ طَعَامَ رَجُلٍ فِي الْبَادِيَةِ أَوْ كِسْوَتُهُ، فَمَاتَ جُوعًا أَوْ بَرْدًا، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَتَوَقَّفَ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الدَّرْسِ قَالَ: لَا ضَمَانَ فِيهِمَا.
أَمَّا إِذَا أَمْكَنَ تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ بِمَرَاضِعَ يَتَنَاوَبْنَ عَلَيْهِ، أَوْ بِلَبَنِ شَاةٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ تُوجَدْ مُرْضِعَةٌ رَاتِبَةٌ، فَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَصْبِرَ لِتُرْضِعَهُ هِيَ لِئَلَّا يَفْسُدَ خُلُقُهُ وَنُشُوؤُهُ بِالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ وَطَلَبَ الْقِصَاصَ، أُجِيبَ إِلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَتْ مُرْضِعَةٌ رَاتِبَةٌ، فَلَهُ الِاقْتِصَاصُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ وَجَدَ مَرَاضِعَ وَامْتَنَعْنَ، أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ.
وَالْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ كَالْقِصَاصِ، وَأَمَّا الرَّجْمُ وَسَائِرُ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا تُسْتَوْفَى وَإِنْ وُجِدَتْ مُرْضِعَةٌ، بَلْ تُرْضِعُهُ هِيَ، وَإِذَا انْقَضَى الْإِرْضَاعُ لَمْ يُسْتَوْفَ أَيْضًا حَتَّى يُوجَدَ لِلطِّفْلِ كَافِلٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَنَّهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ كَمَا سَبَقَ.
فَرْعٌ.
تُحْبَسُ الْحَامِلُ فِي الْقِصَاصِ إِلَى أَنْ يُمْكِنَ الِاسْتِيفَاءُ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا كَانَ فِي الْمُسْتَحِقِّينَ صَبِيٌّ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَجْمٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ تُحْبَسْ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقِيلَ: تُحْبَسُ، كَالْقِصَاصِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَإِطْلَاقُ هَذَا الْوَجْهِ بَعِيدٌ.
وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، فَلَا مَعْنًى لِلْحَبْسِ مَعَ أَنَّهُ بِعَرْضِ السُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ.
فَرْعٌ.
جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ إِذَا ثَبَتَ الْحَمْلُ بِإِقْرَارِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ شَهَادَةِ النِّسْوَةِ، فَلَوِ ادَّعَتِ الْجَانِيَةُ الْحَمْلَ، هَلْ يَمْتَنِعُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا؟ وَجْهَانِ.
قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: نَعَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا أَدْرِي أَيَقُولُ هَؤُلَاءِ بِالصَّبْرِ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَمْ إِلَى ظُهُورِ الْمَخَايِلِ، وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي، فَإِنَّ التَّأْخِيرَ أَرْبَعُ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ بَعِيدٌ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَعَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ: لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ مِنْ مَنْكُوحَةٍ يُخَالِطُهَا زَوْجُهَا، وَهَذَا إِنْ أَرَادَ بِهِ إِذَا ادَّعَتِ الْحَمْلَ، فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَطَةِ وَالْوَطْءِ بِغَيْرِ دَعْوَاهَا، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ.
فَرْعٌ.
إِذَا قُتِلَتِ الْحَامِلُ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرْنَا بِهِ، نُظِرَ، إِنْ بَادَرَ إِلَيْهِ الْوَلِيُّ مُسْتَقِلًّا، أَثِمَ وَوَجَبَتْ غِرَّةُ الْجَنِينِ إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَتَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَلِيِّ، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا مُتَأَلِّمًا فَمَاتَ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي قَتْلِهَا، فَقَتَلَهَا، فَنَتَكَلَّمُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ.
أَحَدُهَا: الْإِثْمُ وَهُوَ تَبَعٌ لِلْعِلْمِ فَإِنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَالْإِمَامُ بِالْحَمْلِ، أَثِمَا، وَإِنْ جَهِلَا، فَلَا، وَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا، اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ.
الثَّانِي: الضَّمَانُ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلِ الْجَنِينُ، فَلَا ضَمَانَ، وَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا مُتَأَلِّمًا فَمَاتَ بِهِ، فَفِيهِ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ. وَإِنِ انْفَصَلَ سَلِيمًا، ثُمَّ مَاتَ، لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ.
الثَّالِثُ: فِيمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْوَلِيُّ عَالِمَيْنِ أَوْ جَاهِلَيْنِ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْوَلِيِّ، لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَقِيلَ:
عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا، وَالْوَلِيُّ جَاهِلًا، فَإِنْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ إِذَا عَلِمَا عَلَى الْإِمَامِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ.
وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَالِمًا وَالْإِمَامُ جَاهِلًا، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ، وَقِيلَ: عَلَى الْإِمَامِ لِتَقْصِيرِهِ.
وَحَيْثُ ضَمَّنَّا الْوَلِيَّ، فَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ، وَحَيْثُ ضَمَّنَّا الْإِمَامَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَفِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ مَا يَجِبُ بِخَطَأِ الْإِمَامِ فِي الِاجْتِهَادِ، هَلْ هُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ هُنَا: أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ سَلِمَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرَيُّ، وَإِذَا قُلْنَا: الدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، لِقُرْبِهَا مِنَ الْقُرُبَاتِ، وَبُعْدِهَا مِنَ التَّحَمُّلِ.
وَلَوْ بَاشَرَ الْقَتْلَ نَائِبُ الْإِمَامِ، أَوْ جَلَّادُهُ دُونَ الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا، فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا إِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْوَلِيِّ وَعَلِمَ الْوَلِيُّ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ آلَةُ الْإِمَامِ، وَلِهَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِذَا جَرَى عَلَى يَدِهِ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَهَلْ يُؤَثِّرُ عِلْمُ الْوَلِيِّ مَعَ الْجَلَّادِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَالِمِينَ، ضَمِنُوا أَثْلَاثًا، هَذَا كُلُّهُ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ، أَمَّا الْأُمُّ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي حَدٍّ أَوْ عُقُوبَةٍ عَلَيْهَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: هَذَا إِذَا مَاتَتْ بِأَلَمِ الضَّرْبِ.
فَإِنْ مَاتَتْ بِأَلَمِ الْوِلَادَةِ، وَجَبَتْ دِيَتُهَا، وَإِنْ مَاتَتْ مِنْهُمَا، وَجَبَ نِصْفُ دِيَتِهَا وَالْمُرَادُ إِذَا ضَرَبَهَا فِي الْحَدِّ، فَأَفْضَى إِلَى الْإِجْهَاضِ وَمَاتَتْ.
فَرْعٌ.
إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْإِمَامُ الْحَمْلَ فَأَذِنَ لِلْوَلِيِّ فِي الْقَتْلِ، ثُمَّ عَلِمَ، فَرَجَعَ عَنِ الْإِذْنِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْوَلِيُّ رُجُوعَهُ، فَقَتَلَ، فَعَلَى مَنِ الضَّمَانُ؟ .
يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا عَفَا الْمُوَكِّلُ عَنِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَعْلَمِ الْوَكِيلُ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ.
لَيْسَ الْمُرَادُ مِمَّا أَطْلَقْنَاهُ مِنَ الْعِلْمِ بِالْحَمْلِ وَعَدَمِهِ، حَقِيقَةَ الْعِلْمِ، بَلِ الْمُرَادُ ظَنٌّ مُؤَكَّدٌ بِمَخَايِلِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّةِ الْمُمَاثَلَةِ:
وَهِيَ مُشْتَرَطَةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فَإِذَا قَتَلَهُ قَتْلًا مُوحِيًا بِمُحَدَّدٍ، كَسَيْفٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ بِمُثَقَّلٍ، أَوْ خَنَقَهُ، أَوْ غَرَّقَهُ فِي مَاءٍ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ، أَوْ جَوَّعَهُ حَتَّى مَاتَ، أَوْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ.
وَيُسْتَثْنَى عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ.
إِحْدَاهَا: إِذَا قَتَلَهُ بِسِحْرٍ، اقْتُصَّ مِنْهُ بِالسَّيْفِ، لِأَنَّ عَمَلَ السِّحْرِ حَرَامٌ وَلَا يَنْضَبِطُ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا قَتَلَهُ بِاللِّوَاطِ، وَهُوَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، بِأَنْ لَاطَ بِصَغِيرٍ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ كَمَسْأَلَةِ السِّحْرِ.
وَالثَّانِي: تُدَسُّ فِي دُبُرِهِ خَشَبَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ آلَتِهِ وَيُقْتَلُ بِهَا، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: هَذَا إِنْ تُوُقِّعَ مَوْتُهُ بِالْخَشَبَةِ، وَإِلَّا فَالسَّيْفُ.
وَالثَّالِثُ: لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْإِهْلَاكَ، فَيَكُونُ الْقَتْلُ بِهِ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا أَوْجَرَهُ خَمْرًا حَتَّى مَاتَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
الصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، وَالثَّانِي: يُوجَرُ مَائِعًا، كَخَلٍّ أَوْ مَاءٍ أَوْ شَيْءٍ مُرٍّ، وَالثَّالِثُ: لَا قِصَاصَ، لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَتْلَ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ.
وَلَوْ سَقَاهُ بَوْلًا، فَكَالْخَمْرِ، وَقِيلَ: يُسْقَى بَوْلًا، لِأَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ مَاءً نَجِسًا، أُوجِرَ مَاءً طَاهِرًا.
فَرْعٌ.
كَمَا تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِي طَرِيقِ الْقَتْلِ، تُرَاعَى فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ، فَفِي التَّجْوِيعِ يُحْبَسُ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ، وَفِي الْإِلْقَاءِ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ يُلْقَى فِي مَاءٍ وَنَارٍ مِثْلِهِمَا، وَيُتْرَكُ تِلْكَ الْمَدَّةَ، وَتُشَدُّ قَوَائِمُهُ عِنْدَ الْإِلْقَاءِ
فِي الْمَاءِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ، وَفِي التَّخْنِيقِ يُخْنَقُ بِمِثْلِ مَا خَنَقَ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَفِي الْإِلْقَاءِ مِنَ الشَّاهِقِ يُلْقَى مِنْ مِثْلِهِ وَتُرَاعَى صَلَابَةُ الْمَوْضِعِ، وَفِي الضَّرْبِ بِالْمُثَقَّلِ يُرَاعَى الْحَجْمُ وَعَدَدُ الضَّرَبَاتِ.
وَإِذَا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَدْرِ الْحَجَرِ، أَوْ قَدْرِ النَّارِ، أَوْ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ فَعَنِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ.
قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ.
مَتَى عَدَلَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ غَيْرِ السَّيْفِ إِلَى السَّيْفِ، مُكِّنَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى وَجْهِ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ مِنَ الْخَنْقِ إِلَى السَّيْفِ، وَالْمَذْهَبُ: الْأَوَّلُ.
فَرْعٌ.
إِذَا جُوِّعَ الْجَانِي مُدَّةَ تَجْوِيعِهِ، أَوْ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مِثْلَ مُدَّتِهِ، أَوْ ضُرِبَ بِالسَّوْطِ وَالْحَجَرِ كَضَرْبِهِ، فَلَمْ يَمُتْ، فَقَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا: يُزَادُ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَمُوتَ، وَالثَّانِي: يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، وَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا: يُفْعَلُ الْأَهْوَنُ مِنْهُمَا، وَهَذَا أَقْرَبُ، وَالْأَوَّلُ: أَظْهَرُ عِنْدَ الْبَغَوِيُّ.
وَقِيلَ: يَعْدِلُ فِي السَّوْطِ وَالْحَجَرِ إِلَى السَّيْفِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ قَتَلَ نَحِيفًا بِضَرَبَاتٍ تَقْتُلُ مَثْلَهُ غَالِبًا، وَعَلِمْنَا أَوْ ظَنَنَّا ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَمُوتُ بِتِلْكَ الضَّرَبَاتِ لِقُوَّةِ جُثَّتِهِ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُضْرَبُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ.
فَرْعٌ.
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الِاقْتِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْمُوحِي، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُوحِي مِنَ الْقَتْلِ، كَالْجُرُوحِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ إِذَا سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، فَلَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ بِحَيْثُ يُقْتَصُّ فِيهَا لَوْ وَقَفَتْ، كَالْمُوضِحَةِ وَقَطْعِ الْكَفِّ، فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَحُزَّ رَقَبَتَهُ، وَلَهُ أَنْ يُوضِحَهُ أَوْ يَقْطَعَ كَفَّهُ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ حَزَّ رَقَبَتَهُ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَقُولَ: أَمْهِلُونِي مُدَّةَ بَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ جِنَايَتِي، لِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ.
وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْهَلَهُ إِلَى السِّرَايَةِ كَمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَقُولَ: أَرِيحُونِي بِالْقَتْلِ أَوِ الْعَفْوِ، بَلِ الْخِيَرَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِذَا اقْتَصَّ فِي مُوضِحَةِ الْجِنَايَةِ، أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ مِثْلِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوضِحَ مَوْضِعًا آخَرَ، وَلَا أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا آخَرَ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا حَزُّ الرَّقَبَةِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ بِحَيْثُ لَا يُقْتَصُّ فِيهَا لَوْ وَقَفَتْ، كَالْجَائِفَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، فَهَلْ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِهَذَا الطَّرِيقِ تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ، أَمْ يَجِبُ الْعُدُولُ إِلَى حَزِّ الرَّقَبَةِ؟ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَجَافَهُ كَجَائِفَتِهِ، فَلَمْ يَمُتْ، فَهَلْ يُزَادُ فِي الْجَوَائِفِ، وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ بِطَرِيقِ الْجَائِفَةِ، فَقَالَ: أُجِيفُهُ، ثُمَّ أَعْفُو عَنْهُ إِنْ لَمْ يَمُتْ، لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ، إِنَّمَا يُمَكَّنُ إِذَا قَالَ: أُجِيفُهُ ثُمَّ أَحُزُّ رَقَبَتَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَرْمِيهِ مِنَ الشَّاهِقِ ثُمَّ أَعْفُو، قَالَ: وَلَوْ أَجَافَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ، عُزِّرَ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ، بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ.
وَالْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِالْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا؟ يَجْرِيَانِ فِيمَا قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ، وَيَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةٌ، أَوْ سَاعِدًا مِمَّنْ لَا كَفَّ لَهُ، وَالْقَاطِعُ سَلِيمٌ، هَلْ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَالسَّاعِدِ؟ .
فَرْعٌ.
الْمُمَاثَلَةُ مَرْعِيَّةٌ فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ، كَمَا هِيَ مَرْعِيَّةٌ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ بِشَرْطِ إِمْكَانِ رِعَايَتِهَا، فَلَوْ أَبَانَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِهِ بِمُثَقَّلٍ، لَمْ يُقْتَصَّ إِلَّا بِالسَّيْفِ.
وَلَوْ أَوْضَحَ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ، لَمْ يُوضَحْ بِالسَّيْفِ، بَلْ يُوضَحُ بِحَدِيدَةٍ خَفِيفَةٍ، فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَوْثُوقًا بِهِ مَضْبُوطًا، قُوبِلَ بِمِثْلِهِ، كَفَقْءِ الْعَيْنِ بِالْأُصْبُعِ.
فَرْعٌ.
قَطَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ سَاعِدَهُ مِنَ الْمِرْفَقِ قَبْلَ انْدِمَالِ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ، فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَطَرِيقُ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الْأَوَّلِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنَ الْكُوعِ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ، حُزَّتْ رَقَبَتُهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ لَهُ سَاعِدٌ بِلَا كَفٍّ، اقْتُصَّ مِنْهُ بِقَطْعِ مِرْفَقِهِ، ثُمَّ يُقْتَلُ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ سَلِيمَةً، فَهَلْ تُقْطَعُ مِنَ الْمِرْفَقِ ثُمَّ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ، أَمْ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحَزِّ؟ قَوْلَانِ وَيُقَالُ: وَجْهَانِ.
أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» لِتَرِدَ الْحَدِيدَةُ عَلَى مَوْرِدِهَا فِي الْجِنَايَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ الْكَفِّ الْهَالِكَةِ بِهَلَاكِ النَّفْسِ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْعَفْوَ عَنِ الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ أَقْطَعَهُ مِنَ الْكُوعِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَإِنَّهُ أَحَدُ الْقَاتِلِينَ، وَقَدِ اسْتَوْفَى النِّصْفَ بِالْيَدِ الَّتِي قَطَعَهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الثَّانِي عَلَى مَالٍ، فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ إِلَّا قَدْرَ أَرْشِ السَّاعِدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ إِلَّا السَّاعِدَ.
فَرْعٌ.
إِذَا اقْتُصَّ مَنْ قَاطِعِ الْيَدِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَحُزَّ رَقَبَتَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَالْيَدُ الْمُسْتَوْفَاةُ مُقَابِلَةٌ
بِالنِّصْفِ، فَإِنْ مَاتَ الْجَانِي، أَوْ قُتِلَ ظُلْمًا، أَوْ فِي قِصَاصٍ آخَرَ، تَعَيَّنَ أَخْذُ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ، فَقُطِعَتْ يَدَاهُ قِصَاصًا، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ، فَلِلْوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَةِ الْجَانِي، فَلَوْ عَفَا، فَلَا مَالَ لَهُ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ، وَهَذِهِ صُورَةٌ يُسْتَحَقُّ فِيهَا الْقِصَاصَ وَلَا تُسْتَحَقُّ الدِّيَةُ بِالْعَفْوِ عَلَيْهَا، وَلَوِ اقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِ الْيَدِ، فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقْتَصِّ.
وَلَوْ مَاتَا جَمِيعًا بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ فِي الْيَدِ، نُظِرَ، إِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا، أَوْ مَاتَا مَعًا، فَوَجْهَانِ.
الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي تَرِكَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي أَوَّلًا، فَهَلْ يَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَمْ لَا شَيْءَ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ، وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَقَدْ أَخَذَ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ.
فَرْعٌ.
قَطَعَهُ، فَحَزَّ الْمَقْطُوعُ رَقَبَةَ الْجَانِي، فَإِنْ مَاتَ الْمَقْطُوعُ بِالسِّرَايَةِ، صَارَ قِصَاصًا، وَإِنِ انْدَمَلَ، قُتِلَ قِصَاصًا، وَفِي تَرِكَةِ الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ لِقَطْعِهِ الْيَدَ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.
فَرْعٌ.
قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ بِالسِّرَايَةِ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصَيْنِ، نَقَلَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْمَقْتُولِ دُونَ الْمَقْطُوعِ، لِأَنَّ قِصَاصَ الْمَقْطُوعِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وُجُوبِهِ لِلْمَقْتُولِ، لَكِنْ لِوَلِيِّ الْمَقْطُوعِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، فَإِذَا قَتَلَهُ الْآخَرُ، أَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَتَوَقَّفَ فِي تَخْصِيصِ الِاقْتِصَاصِ فِي النَّفْسِ