الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُخَيَّرُ السَّيِّدُ فِي تَسْلِيمِ عَيْنِهَا أَوْ بَدَلِهَا مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ؛ وَإِذَا لَزِمَ الْفِدَاءُ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ قَبْلَهُ؛ فَفِيمَا يَفْدِيهِ بِهِ؟ الطَّرِيقَانِ فِيمَنْ قَتَلَ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَهُ لِحُصُولِ الْيَأْسِ مِنْ بَيْعِهِ بِمَا يَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهِ.
وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: اخْتَرْتُ الْفِدَاءَ، أَوْ قَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ؛ فَوَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ وَلَا يَقْبَلُ رُجُوعَهُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَبْقَى خِيَارُهُ كَمَا كَانَ، وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا؛ فَإِنْ مَاتَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِحَالٍ.
فَصْلٌ
إِذَا جَنَتْ مُسْتَوْلَدَة عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَجَبَ عَلَى سَيِّدِهَا الْفِدَاءُ، وَفِيمَا يَفْدِيهِ بِهِ طَرِيقَانِ؛ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَالْأَرْشُ، وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ، كَالْقِنِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْبَيْعِ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ يَوْمِ الْجِنَايَةِ، أَمْ يَوْمِ الِاسْتِيلَادِ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، وَلَوْ جَنَتْ جِنَايَتَيْنِ، وَقُلْنَا: يَفْدِي بِالْأَرْشِ؛ لَزِمَ السَّيِّدَ الْأُرُوشُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ: إِنَّ الْوَاجِبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى دُونَ الْقِيمَةِ وَفِدَاهَا بِهِ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ قِيمَتِهَا يَفِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَدَاهَا بِأَرْشِهَا أَيْضًا.
وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْأُولَى كَالْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَالْبَاقِي مِنَ الْقِيمَةِ لَا يَفِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَظْهَرُهَا: أَنَّ الْجِنَايَاتِ كُلُّهَا كَوَاحِدَةٍ، فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فَدَاءَ وَاحِدٍ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ فِدَاءٌ، وَالثَّالِثُ: إِنْ فَدَى الْأُولَى قَبْلَ جِنَايَتِهَا الثَّانِيَةِ؛ لَزِمَهُ فَدَاءٌ آخَرُ، وَإِلَّا فَوَاحِدٌ، وَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ فَدَاءً وَاحِدًا، اشْتَرَكَ فِيهِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَوْلَدَةِ أَلْفًا وَأَرْشُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِنَايَتَيْنِ أَلْفًا؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَبَضَ الْأَلْفَ، اسْتَرَدَّ الثَّانِي مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ.
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَأَرْشُ الْأُولَى أَلْفٌ وَالثَّانِيَةُ خَمْسُمِائَةٍ، يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِثُلْثِ
الْأَلْفِ وَلَوْ كَانَتِ الْأُولَى خَمْسَمِائَةٍ وَالثَّانِيَةُ أَلْفًا، أَخَذَ الثَّانِي مِنَ السَّيِّدِ خَمْسَمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَرَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِثُلْثِ خُمْسِ الْمِائَةِ الَّتِي قَبَضَهَا لِيَصِيرَ مَعَهُ ثُلْثَا الْأَلْفِ، وَمَعَ الْأَوَّلِ ثُلْثُهُ، ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ عِنْدَ تَخَلُّلِ الْفِدَاءِ فِيمَا إِذَا دَفَعَ السَّيِّدُ الْفِدَاءَ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ؛ أَمَّا إِذَا دَفَعَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ قَطْعًا.
وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي الْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَإِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَمَهْمَا زَادَتِ الْجِنَايَةُ، زَادَ الِاسْتِرْدَادُ، وَشُبِّهَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا قُسِّمَتْ تَرِكَةُ إِنْسَانٍ عَلَى غُرَمَائِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ وَكَانَ حَفَرَ بِئْرَ عُدْوَانٍ فَهَلَكَ بِهَا شَيْءٌ، زَاحَمَ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ وَالْوَرَثَةَ، وَاسْتَرَدَّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ؛ فَلَوْ هَلَكَ آخَرُ، زَادَ الِاسْتِرْدَادُ.
فَرْعٌ
جَنَى الْقِنُّ؛ فَمَنَعَ السَّيِّدُ بَيْعَهُ وَاخْتَارَ الْفِدَاءَ، ثُمَّ جَنَى؛ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، لَزِمَهُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِهَا وَقِيمَتُهُ، وَلَوْ جَنَى جِنَايَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ السَّيِّدُ أَوْ أَعْتَقَهُ، لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا فَدَاءٌ وَاحِدٌ.
فَرْعٌ
وَطِئَ الْجَانِيَةَ؛ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ، كَمَا أَنَّ وَطْءَ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخٌ، وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي إِجَازَةٌ.
وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الِالْتِزَامِ، مَعَ أَنَّهُ لَوِ الْتَزَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ وَيُخَالِفُ الْخِيَارَ؛ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِفِعْلِهِ فَسَقَطَ بِهِ، وَخِيَارُ السَّيِّدِ هُنَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ.
فَرْعٌ
جَنَتْ جَارِيَةٌ لَهَا وَلَدٌ، أَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ
الْجِنَايَةِ، أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَرْشُ؛ فَإِنْ لَمْ يَجُزِ التَّفْرِيقُ، بِيعَ مَعَهَا وَصُرِفَتْ حِصَّةُ الْأُمِّ إِلَى الْأَرْشِ، وَحِصَّةُ الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ، وَهَلْ تُبَاعُ حَامِلًا بِحَمْلٍ كَانَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ أَوْ حَدَثٍ؟ إِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ لَا يُعْرَفُ، بِيعَتْ، كَمَا لَوْ زِيدَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، وَإِلَّا فَلَا تُبَاعُ حَتَّى تَضَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِجْبَارُ السَّيِّدِ عَلَى بَيْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ.
فَرْعٌ
لَوْ لَمْ يُفِدِ السَّيِّدُ الْجَانِيَ وَلَا سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ، بَاعَهُ الْقَاضِي، وَصَرَفَ الثَّمَنَ إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِالْأَرْشِ، جَازَ إِنْ كَانَ نَقْدًا؛ وَكَذَا إِنْ كَانَ إِبِلًا، وَقُلْنَا: يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا.
الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْجَنِينِ
فِيهِ أَطْرَافٌ:
الْأَوَّلُ: الْمُوجِبُ وَهُوَ جِنَايَةٌ تُوجِبُ انْفِصَالَ الْجَنِينِ مَيْتًا؛ فَهَذِهِ قُيُودٌ: الْأَوَّلُ: الْجِنَايَةُ وَهِيَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَنِينِ مِنْ ضَرْبٍ، وَإِيجَارُ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا أَثَرَ لِلَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ وَنَحْوِهَا، كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الدِّيَةِ.
الثَّانِي: الِانْفِصَالُ؛ فَلَوْ مَاتَتِ الْأُمُّ وَلَمْ يَنْفَصِلْ جَنِينٌ، لَمْ يَجِبْ عَلَى الضَّارِبِ شَيْءٌ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُنْتَفِخَةَ الْبَطْنِ، فَضَرَبَهَا شَخْصٌ فَزَالَ الِانْتِفَاخُ، أَوْ كَانَتْ تَجِدُ حَرَكَةً فِي بَطْنِهَا فَزَالَتْ، لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ رِيحًا فَانْفَشَّتْ، ثُمَّ هَلْ يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الْجَنِينِ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ أَمِ الِانْفِصَالِ التَّامِّ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ لِتَحَقُّقِ وَجُودِهِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا، فَخَرَجَ رَأْسُ الْجَنِينِ مَثَلًا، وَمَاتَتِ الْأُمُّ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ، أَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا فَمَاتَتْ؛ فَعَلَى الْأَصَحِّ تَجِبُ الْغُرَّةُ لِتَيَقُّنِ وَجُودِهِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا، وَلَوْ قُدَّتْ نِصْفَيْنِ، وَشُوهِدَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَلَمْ يَنْفَصِلْ؛ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، وَلَوْ
خَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّ رَجُلٌ رَقَبَتَهُ؛ فَعَلَى الْأَصَحِّ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالصِّيَاحِ حَيَاتَهُ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الِانْفِصَالَ؛ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ.
وَلَوْ صَاحَ وَمَاتَ؛ فَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْخِلَافِ.
الثَّالِثُ: كَوْنُ الْمُنْفَصِلِ مَيْتًا؛ فَلَوِ انْفَصَلَ حَيًّا، نُظِرَ؛ إِنْ بَقِيَ زَمَانًا سَالِمًا غَيْرَ مُتَأَلِّمٍ ثُمَّ مَاتَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الضَّارِبِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَوْ بَقِيَ مُتَأَلِّمًا حَتَّى مَاتَ، وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَا حَيَاتَهُ؛ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَحْيَاءِ.
وَسَوَاءٌ اسْتَهَلَّ، أَوْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ؛ كَتَنَفُّسٍ وَامْتِصَاصِ لَبَنٍ وَحَرَكَةٍ قَوِيَّةٍ؛ كَقَبْضِ يَدٍ وَبَسْطِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمُجَرَّدِ الِاخْتِلَاجِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا عُلِمَتِ الْحَيَاةُ؛ فَسَوَاءٌ كَانَ انْتَهَى إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ أَمْ لَمْ يَنْتَهِ، وَبَقِيَ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ، لِأَنَّا تَيَقَّنَا الْحَيَاةَ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِهَا.
وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِيهِ، أَوْ لِوَقْتٍ لَا يَتَوَقَّعُ أَنْ يَعِيشَ، بِأَنْ يَنْفَصِلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: إِنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ أَنْ يَعِيشَ أَوْ كَانَ انْتَهَى إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ؛ فَفِيهِ الْغُرَّةُ دُونَ الدِّيَةِ.
وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ هَذَا الْجَنِينَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ؛ فَإِنِ انْفَصَلَ لَا بِجِنَايَةٍ، فَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ. وَإِنِ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَكَذَلِكَ؛ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي، وَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ.
وَلَوِ انْفَصَلَ مَيِّتًا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ مِنَ الضَّرْبِ، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ كَمَا لَوِ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ؛ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا.
فَرْعٌ
سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغُرَّةِ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ ثَابِتَ النِّسَبِ أَوْ غَيْرِهِ، تَامُّ الْأَعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا، وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي الضَّرْبِ؛ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا؛ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ، وَجَبَ غُرَّتَانِ، وَلَوْ أَلْقَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا وَمَاتَ الْحَيُّ، وَجَبَ دِيَةٌ وَغُرَّةٌ، وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ مَيْتَةٍ فَانْفَصَلَ مِنْهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ،
فَلَا غُرَّةَ؛ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ: يَجِبُ لِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ يَبْقَى فِي جَوْفِهَا حَيًّا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ.
فَرْعٌ
أَلْقَتِ الْمَضْرُوبَةُ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَمَاتَتْ، وَلَمْ يَنْفَصِلِ الْجَنِينُ بِتَمَامِهِ؛ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْغُرَّةِ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ نِصْفُ غُرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تُضْمَنُ بِنِصْفِ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يَنْفَصِلَ كُلُّهُ، وَلَوْ أَلْقَتْ يَدَيْنِ أَوْ رِجْلَيْنِ، أَوْ يَدًا وَرِجْلًا، وَجَبَتْ غُرَّةٌ قَطْعًا.
وَلَوْ أَلْقَتْ مِنَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، أَوْ رَأْسَيْنِ؛ فَغُرَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: غُرَّتَانِ، وَلَوْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ فَغُرَّتَانِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَنَانِ بِحَالٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله خِلَافَهُ وَجَوَّزَ بَدَنَيْنِ لِرَأْسٍ، كَرَأْسَيْنِ لِبَدَنٍ.
وَلَوْ أَلْقَتْ عُضْوًا؛ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا؛ فَلَهُ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ فَقِيدَ ذَلِكَ الْعُضْوِ، فَيُنْظَرُ، إِنْ أَلْقَتْهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَزَوَالِ أَلَمِ الضَّرْبِ؛ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، لَمْ تَجِبْ إِلَّا غُرَّةٌ، وَبِقَدْرِ الْعُضْوِ مُبَانًا مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَجَبَ دِيَةٌ وَدَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ. وَإِنْ عَاشَ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ وُجُوبَ نِصْفِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ تُرَاجَعُ الْقَوَابِلُ، فَإِنْ قُلْنَ: إِنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَ فِيهِ حَيَاةٌ، وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ.
وَكَذَا إِنْ عَلِمْنَا انْفِصَالَ الْيَدِ مِنْهُ بَعْدَ خَلْقِ الْحَيَاةِ؛ بِأَنْ أَلْقَتْهَا ثُمَّ انْفَصَلَ الْجَنِينُ عَقِبَ الضَّرْبِ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي حَالِهِ، وَجَبَ نِصْفُ الْغُرَّةِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ، وَلِيَكُنْ إِطْلَاقُ الْبَغَوِيِّ مَحْمُولًا عَلَى ذَا التَّفْصِيلِ.
وَإِنْ أَلْقَتْهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، لَمْ يَضْمَنِ الْجَنِينَ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، لِزَوَالِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِفِعْلِهِ. وَأَمَّا الْيَدُ، فَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ نِصْفُ غُرَّةٍ لَهَا، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ أَوْ عَاشَ، فَقِيلَ: يَجِبُ نِصْفُ غُرَّةٍ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ
شَخْصٍ فَانْدَمَلَ ثُمَّ مَاتَ، وَقِيلَ: تُرَاجَعُ الْقَوَابِلُ كَمَا سَبَقَ.
وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ يَدًا، ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَا يَدَ لَهُ، فَإِنْ ضَرَبَ الثَّانِي قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَانْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا، فَالْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا. وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا، فَإِنْ عَاشَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي سِوَى التَّعْزِيرِ. وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ، وَإِنْ ضَرَبَ الثَّانِي بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ فَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْغُرَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي غُرَّةٌ كَامِلَةٌ. كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَانْدَمَلَ، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَى الثَّانِي دِيَةٌ. وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ، ثُمَّ إِنْ عَاشَ فَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي إِلَّا التَّعْزِيرُ. وَإِنْ مَاتَ، فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَصِلَ الْجَنِينُ كَامِلَ الْأَطْرَافِ؛ فَيُنْظَرُ؛ إِنِ انْفَصَلَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ؛ فَمُقْتَضَى مَا سَبَقَ فِيمَنْ أَلْقَتْ ثَلَاثَ أَيْدٍ، أَنْ يُقَالَ: إِنِ انْفَصَلَ مَيْتًا، لَمْ يَجِبْ إِلَّا غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّتِي أَلْقَتْهَا كَانَتْ يَدًا زَائِدَةً، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ؛ فَالْوَاجِبُ غُرَّةٌ، وَإِنْ عَاشَ، لَمْ يَجِبْ إِلَّا حُكُومَةٌ؛ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ، وَفِي «التَّتِمَّةِ» وَ «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ إِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَجَبَ غُرَّتَانِ، إِحْدَاهُمَا لِلْيَدِ، وَالْأُخْرَى لِلْجَنِينِ.
وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ، وَجَبَ دِيَةٌ وَغُرَّةٌ، وَلَوْ أَلْقَتْ أَوَّلًا جَنِينًا كَامِلًا، ثُمَّ يَدًا؛ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنِ انْفَصَلَ الْجَنِينُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، لَمْ يَجِبْ بِسَبَبِ الْجَنِينِ شَيْءٌ، وَلَوْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ، فَأَلْقَتِ الْيَدَ، ثُمَّ ضَرَبَهَا آخَرُ، فَأَلْقَتِ الْجَنِينَ؛ فَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّ ضَمَانَ الْجَنِينِ عَلَى الثَّانِي؛ سَوَاءٌ ضَرَبَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا وَجَبَ فِيهِ غُرَّةٌ. وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ.
وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنْ يُقَالَ: إِنْ ضَرَبَ الثَّانِي قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَانْفَصَلَ مَيِّتًا، وَجَبَتِ الْغُرَّةُ عَلَيْهِمَا، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا وَعَاشَ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ حُكُومَةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي إِلَّا التَّعْزِيرُ. وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ.