الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُبُوَّةِ عَنْهُمَا، وَهَذَا غَلَطٌ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَ أَحَدِهِمَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا أُخْتُهُ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَصَارَ كَمَا لَوِ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ بِخِلَافِ الْأُخْتِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأُخْتِ التَّحْرِيمُ، فَصَارَ كَاشْتِبَاهِ الْمَاءِ بِالْبَوْلِ، فَإِنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا، فَإِنْ جَوَّزْنَا نِكَاحَ إِحْدَاهُمَا فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي الْمُشْتَبِهَةِ، فَإِنَّ فِيهَا عَلَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي الرَّجُلَيْنِ أَيُّهُمَا الْأَبُ، ثُمَّ يَنْكِحُ بِنْتَ مَنْ لَا يَرَاهُ أَبًا، وَإِذَا نَكَحَ وَاحِدَةً، ثُمَّ فَارَقَهَا، فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى؟ وَجْهَانِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: نَعَمْ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، فَصَارَ كَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إِلَى جِهَةٍ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى بِاجْتِهَادٍ آخَرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ كَالْأَوَانِي.
فَصْلٌ
طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ، فَالرَّضِيعُ ابْنُ الْمُطَلِّقِ وَالْمَيِّتِ، وَلَا تَنْقَطِعَ نِسْبَةُ اللَّبَنِ بِمَوْتِهِ وَطَلَاقِهِ، سَوَاءٌ ارْتَضَعَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَسَوَاءٌ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ أَمْ طَالَتْ كَعَشْرِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ انْقَطَعَ اللَّبَنُ ثُمَّ عَادَ، أَمْ لَمْ يَنْقَطِعْ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُحَالُ اللَّبَنُ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنِ انْقَطَعَ وَعَادَ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ كَمَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا يَلْحَقُهُ، هَكَذَا خَصَّصَ الْبَغَوِيُّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إِذَا انْقَطَعَ وَعَادَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِطَرْدِهِ فِي صُورَةِ اسْتِمْرَارِ اللَّبَنِ، وَكَيْفَ كَانَ فَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ. فَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ
الْعِدَّةِ زَوْجًا، وَوَلَدَتْ مِنْهُ، فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِلثَّانِي، سَوَاءٌ انْقَطَعَ وَعَادَ، أَمْ لَمْ يَنْقَطِعْ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَبَعٌ لِلْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ لِلثَّانِي. وَأَمَّا قَبْلَ الْوِلَادَةِ مِنَ الزَّوْجِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا أَوْ أَصَابَهَا وَلَمْ تَحْبَلْ، أَوْ حَبِلَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ حُدُوثِ اللَّبَنِ لِهَذَا الْحَمْلِ، فَاللَّبَنُ لِلْأَوَّلِ، سَوَاءٌ زَادَ عَلَى مَا كَانَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ انْقَطَعَ، ثُمَّ عَادَ أَمْ لَا، وَيُقَالُ: أَقَلُّ مُدَّةٍ يَحْدُثُ فِيهَا اللَّبَنُ لِلْحَمْلِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. وَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ حُدُوثِ اللَّبَنِ لِلْحَمْلِ، فَإِمَّا أَنْ يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَنْقَطِعْ، أَوِ انْقَطَعَ مُدَّةً يَسِيرَةً، فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا: أَنَّهُ لَبَنُ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلثَّانِي، وَالثَّالِثُ: لَهُمَا. وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَيْضًا: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لَهُمَا، وَالثَّالِثُ إِنْ زَادَ اللَّبَنُ فَلَهُمَا، وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ. وَلَوْ نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ، فَنَكَحَتْ، وَلَهَا لَبَنٌ ثُمَّ حَبِلَتْ مِنَ الزَّوْجِ، فَحَيْثُ قُلْنَا فِيمَا سَبَقَ: إِنَّ اللَّبَنَ لِلثَّانِي أَوْ لَهُمَا، فَهُنَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: هُوَ لِلْأَوَّلِ، فَهُوَ هُنَا لِلْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَلَا أَبَ لِلرَّضِيعِ. وَلَوْ حَبِلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الزِّنَا وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ زَوْجٍ، فَحَيْثُ قُلْنَا هُنَاكَ: اللَّبَنُ لِلْأَوَّلِ، أَوَّلُهُمَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: هُوَ لِلثَّانِي، فَلَا أَبَ لِلرَّضِيعِ. وَلَوْ نُكِحَتِ امْرَأَةٌ لَا لَبَنَ لَهَا، فَحَبِلَتْ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالزَّوْجِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ، إِنْ جَعَلْنَا اللَّبَنَ لِلْأَوَّلِ لَمْ يُجْعَلِ الْحَمْلُ مُؤَثِّرًا وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَنْفَصِلَ الْوَلَدُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ لِلثَّانِي أَوْ لَهُمَا، ثَبَتَتْ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الرَّضَاعِ الْقَاطِعِ لِلنِّكَاحِ وَحُكْمِ الْغُرْمِ
فِيهِ طَرَفَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي الْغُرْمِ عِنْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ. الرَّضَاعُ الطَّارِئُ قَدْ يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَسَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ يَقْطَعُهُ لِاقْتِضَائِهِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَهَا إِذَا أَرْضَعَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، ثَبَتَتِ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ، وَانْقَطَعَ النِّكَاحُ. فَإِذَا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ، فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ مِنَ النَّسَبِ أَوِ الرَّضَاعِ، أَوْ جَدَّتُهُ أَوْ بِنْتُهُ أَوْ حَافِدَتُهُ مِنْهُمَا، أَوْ زَوْجَةُ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ بِلِبَانِهِمْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ لَمْ يُؤَثِّرْ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَصِيرَ رَبِيبَةَ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ، وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ. وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَةٌ أُخْرَى لَهُ بِلَبَنِهِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَثَبَتَتِ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ، لِأَنَّهَا بِنْتُهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِهِ فَسَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، ثُمَّ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِالرَّضَاعِ تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى إِنْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ فَاسِدًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الِانْفِسَاخُ مِنْ جِهَتِهَا بِأَنْ دَبَّتْ فَرَضَعَتْ مِنْ نَائِمَةٍ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْغُرْمُ لِلزَّوْجِ، سَوَاءٌ قَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ فَسْخَ النِّكَاحِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُرْضِعَةٌ غَيْرُهَا أَمْ لَا، لِأَنَّ غَرَامَةَ الْإِتْلَافِ لَا تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ،
وَفِيمَا إِذَا لَزِمَهَا الْإِرْضَاعُ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، ثُمَّ نَصَّ هُنَا أَنَّ عَلَى الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَنَصَّ أَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إِذَا رَجَعُوا يَلْزَمُهُمْ جَمِيعُ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَقِيلَ: فِيهِمَا قَوْلَانِ نَقْلًا وَتَخْرِيجًا، وَقِيلَ: بِتَقْرِيرِ النَّصَّيْنِ، لِأَنَّ فُرْقَةَ الرَّضَاعِ حَقِيقِيَّةٌ، فَلَا تُوجِبُ إِلَّا النِّصْفَ. وَفِي الشَّهَادَةِ النِّكَاحُ بَاقٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِزَعْمِ الزَّوْجِ وَالشُّهُودِ، لَكِنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُضْعِ، فَغَرِمَا قِيمَتَهُ، كَالْغَاصِبِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَغْصُوبِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلَيْنِ، فَهَلْ هُمَا فِي كُلِّ الْمُسَمَّى وَنِصْفِهِ، أَمْ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ وَنِصْفِهِ؟ قَوْلَانِ، فَحَصَلَ فِي الرَّضَاعِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: جَمِيعُهُ، وَالثَّالِثُ: نَصِفُ الْمُسَمَّى، وَالرَّابِعُ جَمِيعُهُ.
فَرْعٌ
نَكَحَ الْعَبْدُ صَغِيرَةً، فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، فَلِلصَّغِيرَةِ نَصِفُ الْمُسَمَّى فِي كَسْبِهِ، وَلِسَيِّدِهِ الرُّجُوعُ عَلَى أُمِّ الْعَبْدِ بِالْغُرْمِ، لِأَنَّهُ بَدَلَ الْبُضْعَ، فَكَانَ لِلسَّيِّدِ كَعِوَضِ الْخُلْعِ.
فَرْعٌ
صَغِيرَةٌ مُفَوَّضَةٌ أَرْضَعَتْهَا أُمُّ الزَّوْجِ، فَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمُتْعَةُ، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ بِالْمُتْعَةِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الذَّاهِبِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ هُنَاكَ وَكَذَا هُنَا، وَالصُّورَةُ إِذَا كَانَتِ الصَّغِيرَةُ أَمَةً، فَزَوَّجَهَا السَّيِّدُ بِلَا مَهْرٍ، لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ الْحُرَّةَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهَا التَّفْوِيضُ.
فَرْعٌ
حَلَبَ أَجْنَبِيٌّ لَبَنَ أُمِّ الزَّوْجِ، أَوْ كَانَ مَحْلُوبًا، فَأَخَذَهُ، وَأَوْجَرَهُ الصَّغِيرَةَ فَالْغُرْمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَفِي قَدْرِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ. وَلَوْ أَوْجَرَهَا
خَمْسَةُ أَنْفُسٍ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خُمُسُ الْغُرْمِ، وَلَوْ أَوْجَرَهَا وَاحِدٌ مَرَّةً، وَآخَرَانِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، فَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا أَمْ عَلَى عَدَدِ الرَّضَعَاتِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.
فَرْعٌ
أُكْرِهَتْ عَلَى الْإِرْضَاعِ، فَهَلِ الْغُرْمُ عَلَيْهَا، أَمْ عَلَى الْمُكْرِهِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: عَلَيْهَا، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ.
فَرْعٌ
تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ، فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ قَطْعًا وَالْكَبِيرَةِ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا جَدَّةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ أُخْتُهَا أَوْ بِنْتُ أُخْتِهَا فَكَذَلِكَ. وَيَجُوزُ فِي الصُّوَرِ أَنْ يَنْكِحَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَجْمَعَهُمَا. وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُ الْكَبِيرَةِ، فَحُكْمُ الِانْفِسَاخِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَحْرُمُ الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إِنْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ مَدْخُولًا بِهَا لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ، وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَالْغُرْمُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ كَمَا سَبَقَ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْكَبِيرَةِ إِذَا قُلْنَا بِانْفِسَاخِ نِكَاحِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَمْسُوسَةً، فَإِنْ كَانَتْ، فَعَلَى الزَّوْجِ مَهْرُهَا الْمُسَمَّى، وَهَلْ تَغْرَمُ الْمُرْضِعَةُ لَهُ؟ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّ الْبُضْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَتَقَوَّمُ لِلزَّوْجِ، وَلِهَذَا لَوِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِرِدَّتِهَا بَعْدَ الْمَسِيسِ لَا غُرْمَ عَلَيْهَا، وَأَظْهَرُهُمَا: تَغْرَمُ لَهُ مَهْرَ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، ثُمَّ رَجَعُوا يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ. وَكَمَا لَوِ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَأَنْكَرَتْ، وَصَدَّقْنَاهَا بِيَمِينِهَا، فَنَكَحَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرَّجْعَةِ لِلْأَوَّلِ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهَا عَلَى الثَّانِي، وَتَغْرَمُ لِلْأَوَّلِ مَهْرَ مِثْلِهَا، لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ بُضْعَهَا عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
إِنَّمَا يَجِبُ الْغُرْمُ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ عَلَى أُمِّ الزَّوْجِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا إِذَا أَرْضَعَتْ أَوْ مَكَّنَتِ الصَّغِيرَةَ مِنْ الِارْتِضَاعِ، وَلَا يُؤَثِّرُ مَعَ إِرْضَاعِهَا ارْتِضَاعُ الصَّغِيرَةِ، فَلَا يُحَالُ الِانْفِسَاخُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَتْ ذَاتُ اللَّبَنِ نَائِمَةً، فَدَبَّتْ إِلَيْهَا الصَّغِيرَةُ، فَارْتَضَعَتْ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، أَحَلْنَا الِانْفِسَاخَ عَلَى فِعْلِ الصَّغِيرَةِ، فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبَةِ اللَّبَنِ، لِأَنَّهَا لَا فِعْلَ لَهَا. وَقَالَ الدَّارَكِيُّ: عَلَيْهَا الْغُرْمُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَا مَهْرَ لِلصَّغِيرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَا أَثَرَ لِفِعْلِهَا، فَعَلَى الْأَصَحِّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ فِي مَالِهَا حَيْثُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ، بِنِسْبَةِ مَا يَغْرَمُ لَهَا مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ بُضْعَ الْكَبِيرَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ. وَلَوْ وَصَلَتْ قَطْرَةٌ بِتَطْيِيرِ الرِّيحِ إِلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبَةِ اللَّبَنِ، وَيَجِيءُ فِيهِ وَجْهُ الدَّارَكِيِّ، وَلَوِ ارْتَضَعَتْ مِنْهَا وَهِيَ مُسْتَيْقِظَةٌ سَاكِتَةٌ، فَهَلْ يُحَالُ الرَّضَاعُ عَلَى الْكَبِيرَةِ لِرِضَاهَا بِهِ أَمْ لَا لِعَدَمِ فِعْلِهَا كَالنَّائِمَةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوِ ارْتَضَعَتِ الصَّغِيرَةُ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ رَضْعَتَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا الْأُمُّ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَنَّ الْغُرْمَ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُرْضِعَاتِ، أَوْ عَلَى الرَّضَعَاتِ، إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، سَقَطَ مِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى نِصْفُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، سَقَطَ مِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى خُمْسَاهُ، وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، هَكَذَا قَالَهُ صَاحِبَا «الْمُهَذَّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنَ
الْأَقْوَالِ السَّابِقَةِ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا الْأُمُّ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ ارْتَضَعَتِ الصَّغِيرَةُ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ الْمَرَّةَ الْخَامِسَةَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: فِي نَظِيرِهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ، وَهُوَ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَعَاقِبَاتٍ هَلْ يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِالثَّالِثَةِ وَحْدَهَا، أَمْ بِالثَّلَاثِ؟ إِنْ عَلَّقْنَا بِالثَّالِثَةِ يُحَالُ التَّحْرِيمُ عَلَى الرَّضْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَتَكُونُ كَمَا لَوِ ارْتَضَعَتِ الْخَمْسَ وَصَاحِبَةُ اللَّبَنِ نَائِمَةٌ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَيَسْقُطُ مَهْرُ الصَّغِيرَةِ. وَإِنْ عَلَّقْنَا بِالثَّلَاثِ، تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ هُنَا بِالرَّضَعَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَقِيَاسُ التَّوْزِيعِ عَلَى الرَّضَعَاتِ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ خُمُسُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ مَهْرِ الْمِثْلِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ.
الطَّرَفُ الثَّانِي فِي الْمُصَاهَرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّضَاعِ:
فَمَنْ نَكَحَ صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مُرْضِعَتُهَا، لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ مِنَ الرَّضَاعِ. وَلَوْ نَكَحَ صَغِيرَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ، حُرِّمَتِ الْمُرْضِعَةُ عَلَى الْمُطَلِّقِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ مَنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَلَا نَظَرَ إِلَى التَّارِيخِ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ كَبِيرَةً فَطَلَّقَهَا، فَنَكَحَتْ صَغِيرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ الْمُطَلِّقِ، حُرِّمَتْ عَلَى الْمُطَلِّقِ أَبَدًا كَمَا تُحَرَّمُ عَلَى الصَّغِيرِ، لِأَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ. وَلَوْ نَكَحَتْ صَغِيرًا فَفَسَخَتْ نِكَاحَهُ بِغَيْبَةٍ، ثُمَّ نَكَحَتْ آخَرَ، فَأَرْضَعَتِ الْأَوَّلَ بِلَبَنِ الثَّانِي، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ ابْنًا لِلثَّانِي، فَهِيَ زَوْجَةُ ابْنِ الثَّانِي، وَزَوْجَةُ أَبِي الْأَوَّلِ. وَلَوْ جَاءَتْ زَوْجَةٌ أُخْرَى لِلثَّانِي، وَأَرْضَعَتِ الْأَوَّلَ بِلَبَنِ الثَّانِي، انْفَسَخَ نِكَاحُ الَّتِي كَانَتْ زَوْجَةَ الصَّغِيرِ. وَلَوْ زَوَّجَ مُسْتَوْلَدَتَهُ بِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ، فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ السَّيِّدِ، حُرِّمَتْ عَلَى السَّيِّدِ وَالصَّغِيرِ مَعًا أَبَدًا، وَحَكَى ابْنُ الْحَدَّادِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ عَلَى السَّيِّدِ، وَأَنَّ الْمُزَنِيَّ أَنْكَرَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْأَصْحَابُ
فَجَعَلُوا نَقَلَ الْمُزَنِيِّ غَلَطًا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَكِنْ يُمْكِنُ تَخْرِيجُ مَا نُقِلَ عَلَى قَوْلٍ فِي الْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِجْبَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ، أَوْ عَلَى قَوْلٍ فِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ ذِكْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ بِعَبْدِهِ بِحَالٍ، فَإِنَّا إِذَا لَمْ نُصَحِّحِ النِّكَاحَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْآرَاءِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ الِابْنِ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ غَيْرِ السَّيِّدِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، لِأَنَّهَا أَمَةٌ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرِ ابْنًا لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَرْضَعَتِ الْمُطَلَّقَةُ الصَّغِيرَ الَّذِي نَكَحَتْهُ بِغَيْرِ لَبَنِ الزَّوْجِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَا تَحْرُمُ هِيَ عَلَى الْمُطَلِّقِ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ، فَأَرْضَعَتْهَا أَمَةٌ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا بِلَبَنِ غَيْرِهِ، بَطَلَ نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ، وَحُرِّمَتَا أَبَدًا. وَلَوْ كَانَ تَحْتَ زَيْدٍ كَبِيرَةٌ، وَتَحْتَ عَمْرٍو صَغِيرَةٌ، فَطَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجَتَهُ وَنَكَحَ زَوْجَةَ الْآخَرِ، ثُمَّ أَرْضَعَتِ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ وَاللَّبَنُ لِغَيْرِهِمَا، حُرِّمَتِ الْكَبِيرَةُ عَلَيْهِمَا أَبَدًا، لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِمَا، فَإِنْ كَانَا دَخَلَا بِالْكَبِيرَةِ، حُرِّمَتِ الصَّغِيرَةُ عَلَيْهِمَا أَبَدًا، وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ زَيْدٌ بِهَا حِينَ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّغِيرَةُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا، وَإِذَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، فَعَلَى زَوْجِهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَيَرْجِعُ بِالْغُرْمِ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَلَا يَجِبُ لِلْكَبِيرَةِ شَيْءٌ عَلَى زَوْجِهَا إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ مِنْهَا. وَلَوْ كَانَ تَحْتَ زَيْدٍ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ، فَطَلَّقَهُمَا، فَنَكَحَهُمَا عَمْرٌو، ثُمَّ أَرْضَعَتِ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ فَحُكْمُ تَحْرِيمِهِمَا عَلَيْهِمَا عَلَى مَا فَصَّلْنَا، وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ عَمْرٌو بِالْكَبِيرَةِ لِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي نِكَاحِهِ.