الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِنَقْصِ حَالِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ إِذَا كَثُرَ مَالُهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ رَقِيقًا فَعَلَيْهِ مُدٌّ وَنِصْفٌ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا جِنْسُ الطَّعَامِ فَغَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ الشَّعِيرِ أَوِ الْأُرْزِ أَوِ التَّمْرِ أَوْ غَيْرِهَا، حَتَّى يَجِبَ الْأَقِطُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الَّذِينَ يَقْتَاتُونَهُ. وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يَلِيقُ بِحَالِ الزَّوْجِ إِلْحَاقًا لِلْجِنْسِ بِالْقَدْرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنِ اخْتَلَفَ قُوتُ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَكُنْ غَالِبًا وَجَبَ مَا يَلِيقُ بِحَالِ الزَّوْجِ.
الْوَاجِبُ الثَّانِي: الْأُدْمُ وَجِنْسُهُ غَالِبُ أُدْمِ الْبَلَدِ مِنَ الزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْخَلِّ وَالْجُبْنِ وَغَيْرِهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْفُصُولِ، وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَوَاكِهُ فِي أَوْقَاتِهَا فَتَجِبُ، وَيَعُودُ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي الطَّعَامِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا يَلِيقُ بِالزَّوْجِ، وَأَمَّا قَدْرُهُ، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ هُوَ إِلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي، فَيَنْظُرُ فِي جِنْسِ الْأُدْمِ، وَيُقَدِّرُ بِاجْتِهَادِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُدُّ، فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَعَلَى الْمُوسِرِ مِثْلَيْهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَهُمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا اللَّحْمَ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يُطْعِمُهَا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ رِطْلَ لَحْمٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَعَلَى الْمُوسِرِ رِطْلَانِ وَالْمُتَوَسِّطِ رِطْلٌ وَنِصْفٌ، وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الْإِعْطَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالتَّوْسِيعِ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله هَذَا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ مِصْرَ لِعِزَّةِ اللَّحْمِ عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَأَمَّا حَيْثُ يَكْثُرُ اللَّحْمُ، فَيُزَادُ بِحَسَبِ عَادَةِ الْبَلَدِ: وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: يَجِبُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ عَلَى الْمُوسِرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَطْلٌ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَفِي وَقْتِ الْغَلَاءِ يَجِبُ فِي أَيَّامٍ مَرَّةً عَلَى
مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْقَفَّالُ: لَا مَزِيدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ لِأَنَّ فِيهِ كِفَايَةً لِمَنْ قَنِعَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَجِبُ الْأُدْمُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُعْطِيهَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُوسِرِ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْأُدْمُ أَيْضًا لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا غَدَاءً، وَالْآخَرُ عَشَاءً عَلَى الْعَادَةِ.
فَرْعٌ
لَوْ تَبَرَّمَتْ بِالْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْأُدْمِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُ الزَّوْجَ إِبْدَالُهُ، إِذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ وَتُبْدِلُ هِيَ إِنْ شَاءَتْ.
فَرْعٌ
فِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ أَنَّهَا لَوْ صَرَفَتْ شَيْئًا مِنَ الْأُدْمِ إِلَى الْقُوتِ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَبْدَلَتِ الْجِنْسَ الَّذِي قَبَضَتْهُ مِنَ الْأُدْمِ بِجِنْسٍ آخَرَ، جَازَ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلزَّوْجِ، وَقِيلَ: لَهُ الْمَنْعُ مِنْ إِبْدَالِ الْأَشْرَفِ بِالْأَخَسِّ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَتْ تَقْنَعُ بِالْخُبْزِ، وَلَا تَأْكُلُ الْأُدْمَ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْهُ، كَمَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنَ الطَّعَامِ بِأَنْ لَا تَأْكُلَ بَعْضَهُ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْمُجَوِّزِ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنْ إِبْدَالِ الْأَشْرَفِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ تَرْكِ التَّأَدُّمِ.
فَرْعٌ
لَهَا عَلَى الزَّوْجِ آلَاتُ الطَّبْخِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، كَالْكُوزِ وَالْجَرَّةِ وَالْقِدْرِ وَالْمِغْرَفَةِ وَالْقَصْعَةِ وَنَحْوِهَا، وَيَكْفِي كَوْنُهَا مِنْ خَشَبٍ، أَوْ حَجَرٍ،
أَوْ خَزَفٍ. قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُزَادَ فِي الْجِنْسِ عَلَى ذَلِكَ، وَيُقَالُ: الزِّيَادَةُ مِنْ رُعُونَاتِ الْأَنْفُسِ، وَيَجِبُ أَنْ يَجِبَ لِلشَّرِيفَةِ الظُّرُوفُ النُّحَاسِيَّةُ لِلْعَادَةِ.
الْوَاجِبُ الثَّالِثُ: الْخَادِمُ. النِّسَاءُ صِنْفَانِ، صِنْفٌ لَا يَخْدِمْنَ أَنْفُسِهِنَّ فِي عَادَةِ الْبَلَدَ، بَلْ لَهُنَّ مَنْ يَخْدِمُهُنَّ، فَمَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ، فَعَلَى الزَّوْجِ إِخْدَامُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الْخَادِمِ قَوْلَانِ، وَسَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْإِخْدَامِ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا، وَالِاعْتِبَارُ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَلَوِ ارْتَفَعَتْ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الزَّوْجِ الْخَادِمِ، لَمْ يَجِبْ، صَرَّحَ بِهِ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ. وَالْوَاجِبُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَإِنِ ارْتَفَعَتْ مَرْتَبَتُهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَمْلِيكُهَا جَارِيَةً، بَلِ الْوَاجِبُ إِخْدَامُهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، أَوْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَادِمِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَحْرَمًا لَهَا، وَفِي مَمْلُوكِهَا وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ اخْتِلَافٌ، وَفِي الذِّمِّيَّةِ وَجْهَانِ، لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ اسْتِخْدَامَهَا، ثُمَّ إِنْ أَخْدَمَهَا بِمُسْتَأْجَرَةٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ أَخْدَمَهَا مَمْلُوكَتَهُ، فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا بِالْمِلْكِ، وَإِنْ أَخْدَمَهَا بِكِفَايَةٍ مِنْ صُحْبَتِهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فَهَذَا مَوْضِعُ نَفَقَةِ الْخَادِمِ. وَالْقَوْلُ فِي جِنْسِ طَعَامِهَا كَهُوَ فِي جِنْسِ طَعَامِ الْمَخْدُومَةِ، وَأَمَّا قَدْرُهُ، فَقِيلَ: لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجِ، بَلْ يَجِبُ مُدٌّ مُطْلَقًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ، وَالْمُوسِرِ مُدٌّ وَثُلُثٌ، وَالْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: مُدٌّ وَثُلُثٌ، وَقِيلَ: مُدٌّ وَسُدُسٌ. وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْخَادِمِ الْأُدْمَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا وَيُكْتَفَى بِفَضْلِ الْمَخْدُومَةِ. وَالصَّحِيحُ: نَعَمْ. فَعَلَى هَذَا جِنْسُهُ جِنْسُ أُدْمِ الْمَخْدُومَةِ، وَفِي نَوْعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا كَالْمَخْدُومَةِ، وَأَصَحُّهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ دُونَ نَوْعِ أُدْمِ الْمَخْدُومَةِ، وَطَرَدَ الْوَجْهَانِ فِي نَوْعِ
الطَّعَامِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِ الْخَادِمِ اللَّحْمَ وَجْهَانِ، ثُمَّ قُدِّرَ أُدْمُهَا بِحَسَبِ الطَّعَامِ.
فَرْعٌ
قَالَتْ: أَنَا أَخْدِمُ نَفْسِي، وَطَلَبَتِ الْأُجْرَةَ، أَوْ نَفَقَةَ الْخَادِمِ، لَا يَلْزَمُهُ، وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إِلَى خِلَافٍ فِيهِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوِ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِاعْتِيَاضِ عَنِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: أَنَا أَخْدِمُهَا لِتَسْقُطَ مُؤْنَةُ الْخَادِمِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ، وَتُعَيَّرُ بِهِ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ كَغَسْلِ الثَّوْبِ، وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، وَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ، دُونَ مَا يَرْجِعُ إِلَى خِدْمَةِ نَفْسِهَا كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَى يَدِهَا، وَحَمْلِهِ إِلَى الْمُسْتَحَمِّ وَنَحْوِهِمَا وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ وَظِيفَةِ الْخَادِمِ. وَعَلَى هَذَا إِذَا تَوَلَّى بِنَفْسِهِ مَا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ، فَقَدْ تَوَلَّى عَمَلَ الْخَادِمِ، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ تَمَامَ النَّفَقَةِ، أَمْ شَطْرَهَا، أَمْ تُوَزَّعَ عَلَى الْأَفْعَالِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَهَذَا فِيهِ كَلَامَانِ، أَحَدُهُمَا: ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ كِفَايَتُهُ فِي حَقِّ الْمَخْدُومَةِ الشَّرِيفَةِ الطَّبْخُ وَالْغَسْلُ وَنَحْوُهُمَا دُونَ حَمْلِ الْمَاءِ إِلَيْهَا لِلشُّرْبِ وَحَمْلِهِ إِلَى الْمُسْتَحَمِّ، لِأَنَّ التَّرَفُّعَ عَنْ ذَلِكَ رُعُونَةً لَا عِبْرَةَ بِهَا. الثَّانِي: قَالَ الْبَغَوِيُّ يَعْنِي بِالْخِدْمَةِ مَا هُوَ حَاجَتُهَا، كَحَمْلِ الْمَاءِ إِلَى الْمُسْتَحَمِّ، وَصَبِّهِ عَلَى يَدِهَا، وَغَسْلِ خِرَقِ الْحَيْضِ وَنَحْوِهَا، فَأَمَّا الطَّبْخُ وَالْكَنْسُ وَالْغَسْلُ، فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا عَلَى خَادِمِهَا، بَلْ هُوَ عَلَى الزَّوْجِ إِنْ شَاءَ، فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ بِغَيْرِهِ، فَالْكَلَامَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَظَّفُ النَّوْعَانِ عَلَى خَادِمِ الْمَرْأَةِ، وَالِاعْتِمَادُ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.
قُلْتُ: الَّذِي أَثْبَتَهُ الزَّازُ مِنَ الطَّبْخِ وَالْغَسْلِ وَنَحْوِهُمَا هُوَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْمَخْدُومَةِ، وَالَّذِي نَفَاهُ الْبَغَوِيُّ مِنْهُمَا هُوَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ
كَغَسْلِ ثِيَابِهِ، وَالطَّبْخِ لِأَكْلِهِ وَنَحْوِهُ، وَالطَّرَفَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْجَمِيعِ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
تَنَازَعَا فِي تَعْيِينِ الْخَادِمِ الَّتِي تَخْدِمُهَا مِنْ جَوَارِيهِ أَوْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا فَهَلِ الْمُتَّبَعُ اخْتِيَارُ الْمَخْدُومَةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ لَهَا، وَقَدْ تَكُونُ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَرْفَقَ بِهَا وَأَسْرَعَ مُوَافَقَةً، أَمِ الْمُتَّبَعُ اخْتِيَارُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كِفَايَتُهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الصَّحِيحُ الثَّانِي هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ، أَمَّا إِذَا أَخْدَمُهَا خَادِمًا وَأَلِفَتْهَا، أَوْ كَانَتْ حَمَلَتْ مَعَهَا خَادِمًا، فَأَرَادَ إِبْدَالَهَا، فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِقَطْعِ الْمَأْلُوفِ إِلَّا إِذَا ظَهَرَتْ رِيبَةٌ أَوْ خِيَانَةٌ، فَلَهُ الْإِبْدَالُ.
فَرْعٌ
لَوْ أَرَادَتِ اسْتِخْدَامَ ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ مِنْ مَالِهَا، فَلِلزَّوْجِ مَنْعُهُنَّ دُخُولَ دَارِهِ، وَكَذَا لَوْ حَمَلَتْ مَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ دَارِهِ مَنْ زَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ أَبَوَيْهَا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ إِذَا اسْتَصْحَبَتْهُ.
فَرْعٌ
إِذَا كَانَتِ الْمَنْكُوحَةُ رَقِيقَةً، لَكِنَّهَا جَمِيلَةً تُخْدَمُ فِي الْعَادَةِ، لَمْ يَجِبْ إِخْدَامُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لِنَقْصِهَا، وَقِيلَ: وَجْهَانِ، ثَانِيهِمَا يَجِبُ لِلْعَادَةِ.
فَرْعٌ
الْمَبْتُوتَةُ الْحَامِلُ هَلْ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ؟ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا ابْنُ الْمَرْزُبَانِ عَلَى أَنَّ نَفَقَتَهَا لِلْحَمْلِ أَمْ لِلْحَامِلِ، إِنْ قُلْنَا: لِلْحَامِلِ، وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا. الصِّنْفُ الثَّانِي مَنْ تَخْدِمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ فَيُنْظَرُ إِنِ احْتَاجَتْ إِلَى الْخِدْمَةِ لِزَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ، لَزِمَ الزَّوْجَ إِقَامَةُ مَنْ يَخْدِمُهَا وَيُمَرِّضُهَا، وَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ
الْكِفَايَةُ بِوَاحِدَةٍ، لَزِمَهُ الزِّيَادَةُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَسَوَاءٌ هَنَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، هَذَا مَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ رحمهم الله فِي الْمَرَضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْمَرَضُ دَائِمًا، وَجَبَ الْإِخْدَامُ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْآخِذُونَ عَنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مُحْوِجٌ إِلَى الْخِدْمَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِخْدَامُ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَّخِذَ خَادِمًا مِنْ مَالِهَا فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَكْفِيَهَا حَمْلَ الطَّعَامِ إِلَيْهَا، وَالْمَاءَ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَشِبْهَ ذَلِكَ.
الْوَاجِبُ الرَّابِعُ: الْكِسْوَةُ، فَتَجِبُ كِسْوَتُهَا عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَتَخْتَلِفُ بِطُولِ الْمَرْأَةِ وَقِصَرِهَا وَهُزَالِهَا وَسِمَنِهَا، وَبِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ، وَلَكِنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَفِي كَلَامِ السَّرَخْسِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْكِسْوَةِ حَالُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَلْبَسُ مِثْلَهُ مِثْلَهَا.
وَأَمَّا عَدَدُ الْكِسْوَةِ، فَيَجِبُ فِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلَ وَخِمَارٌ وَمَا تَلْبَسُهُ فِي الرِّجْلِ مِنْ مُكَعَّبٍ أَوْ نَعْلٍ، وَفِي الشِّتَاءِ تُزَادُ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ، وَقَدْ يُقَامُ الْإِزَارُ مَقَامَ السَّرَاوِيلِ، وَالْفَرْوُ مَقَامَ الْجُبَّةِ إِذَا كَانَتِ الْعَادَةُ لُبْسُهُمَا، كَذَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَعَنِ الْمِنْهَاجِ لِلْجُوَيْنِيِّ أَنَّ السَّرَاوِيلَ لَا تَجِبُ فِي الصَّيْفِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي الشِّتَاءِ، وَفِي الْحَاوِي أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْقُرَى إِذَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ أَنْ لَا يَلْبَسْنَ فِي أَرْجُلِهِنَّ شَيْئًا فِي الْبُيُوتِ، لَمْ يَجِبْ لِأَرْجُلِهِنَّ شَيْءٌ.
وَأَمَّا جِنْسُ الْكِسْوَةِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: يَكْسُوهَا الْمُوسِرُ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ لَيِّنِ الْبَصْرَةِ أَوِ الْكُوفَةِ، أَوْ وَسَطِ بَغْدَادَ، وَالْمُعْسِرُ مِنْ غَلِيظِهَا، وَالْمُتَوَسِّطُ مَا بَيْنَهُمَا، وَأَرَادَ الْمُتَّخَذَ مِنَ الْقُطْنِ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِالْكِتَّانِ أَوِ الْخَزِّ أَوِ الْحَرِيرِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَنِ الشَّيْخِ أَبِي
مُحَمَّدٍ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَأَصَحُّهُمَا اللُّزُومُ، وَتَفَاوَتَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ فِي مَرَاتِبِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مَا ذَكَرَ عَلَى عَادَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنَّ لَوْ كَانَ عَادَةُ الْبَلَدِ لُبْسَ الثِّيَابِ الرَّقِيقَةِ كَالْقَصَبِ الَّذِي لَا يَصْلُحْ سَاتِرًا، وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ، لَمْ يُعْطِهَا مِنْهُ، لَكِنْ مِنَ الصَّفِيقِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْجَوْدَةِ كَالدَّيْبَقِيِّ وَالْكِتَّانِ الْمُرْتَفِعِ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَإِذَا لَمْ تَسْتَغْنِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ بِالثِّيَابِ عَنِ الْوَقُودِ يَجِبُ مِنَ الْحَطَبِ أَوِ الْفَحْمِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
فَرْعٌ
هَذَا الْمَذْكُورُ حُكْمُ لِبَاسِ الْبَدَنِ، وَأَمَّا الْفَرْشُ، فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَفْرِشُهُ لِلْقُعُودِ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَعَلَى الْمُوسِرِ طِنْفِسَةٌ فِي الشِّتَاءِ، وَنِطْعٌ فِي الصَّيْفِ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ زِلِّيَّةٌ، وَعَلَى الْفَقِيرِ حَصِيرٌ فِي الصَّيْفِ وَلِبْدٌ فِي الشِّتَاءِ، وَتُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الطِّنْفِسَةُ وَالنِّطْعُ بَعْدَ بَسْطِ زِلِّيَّةٍ أَوْ حَصِيرٍ فَإِنَّ الطِّنْفِسَةَ وَالنِّطْعَ لَا يُبْسَطَانِ وَحْدَهُمَا، وَهَلْ عَلَيْهِ فِرَاشٌ تَنَامُ عَلَيْهِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا وَتَنَامُ عَلَى مَا يَفْرِشُهُ نَهَارًا، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ لِلْعَادَةِ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ مُضَرَّبَةٌ وَثِيرَةٌ أَوْ قَطِيفَةٌ، وَيَجِبُ لَهَا مِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ أَوْ كِسَاءٌ فِي الشِّتَاءِ، وَفِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ لِامْرَأَةِ الْمُوسِرِ مِنَ الْمُرْتَفِعِ، وَلِامْرَأَةِ الْمُعْسِرِ مِنَ النَّازِلِ، وَالْمُتَوَسِّطِ، وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ يَجِبُ أَيْضًا شِعَارٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ، وَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ نَوْعًا وَكَيْفِيَّةً حَتَّى قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي «الْبَحْرِ» : لَوْ كَانُوا
لَا يَعْتَادُونَ فِي الصَّيْفِ لِنَوْمِهِمْ غِطَاءً غَيْرَ لِبَاسِهِمْ، لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ آخَرُ.
فَرْعٌ
تَجِبُ لِلْخَادِمِ الْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَمِيصٍ، وَفِي السَّرَاوِيلِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وَالرُّويَانِيِّ تَجِبُ، وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَمِيلُ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَأُمًّا الْمِقْنَعَةُ، فَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ وَجُوبَهَا، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: تَجِبُ فِي الشِّتَاءِ وَكَذَا فِي الصَّيْفِ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، لَمْ تَجِبْ إِنْ كَانَتْ عَادَةُ إِمَاءِ الْبَلَدِ كَشْفَ الرَّأْسِ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجِبُ لِلْخَادِمِ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةٌ أَوْ فَرْوٌ، وَيَجِبُ الْخُفُّ لِلْخَادِمِ دُونَ الْمَخْدُومَةِ، وَيَجِبُ لَهَا مَا تَلْتَحِفُ بِهِ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَا يُفْرَشُ وَتَنَامُ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ تَجْلِسُ عَلَيْهِ كَبَارِيَةٍ فِي الصَّيْفِ، وَقِطْعَةِ لِبْدٍ فِي الشِّتَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مِخَدَّةٍ وَشَيْءٍ تَتَغَطَّى بِهِ فِي اللَّيْلِ مِنْ كِسَاءٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي «الْبَحْرِ» : وَلَا يَجِبُ لَهَا الْفِرَاشُ، بَلْ يُكْتَفَى بِالْوِسَادَةِ وَالْكِسَاءِ، وَمَا وَجَبَ يَجِبُ مِمَّا يَلِيقُ بِالْخَادِمِ جِنْسًا وَنَوْعًا، وَيَكُونُ دُونَ كِسْوَةِ الْمَخْدُومَةِ.
فَرْعٌ
قِيَاسُ مَسَائِلِ الْبَابِ أَنَّهُ يَجِبُ زِيَادَةٌ عَلَى الْجُبَّةِ الْوَاحِدَةِ حَيْثُ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَلَا تَكْفِي الْوَاحِدَةُ.
الْوَاجِبُ الْخَامِسُ: آلَاتُ التَّنَظُّفِ، فَعَلَى الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ مَا تَتَنَظَّفُ بِهِ، وَتُزِيلُ الْأَوْسَاخَ الَّتِي تُؤْذِيهَا وَتُؤْذِي بِهَا كَالْمُشْطِ وَالدُّهْنِ، وَمَا تَغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ مِنْ سِدْرٍ أَوْ خَطْمِيِّ أَوْ طِينٍ عَلَى عَادَةِ الْبُقْعَةِ، وَالرُّجُوعُ
فِي قَدْرِهَا إِلَى الْعَادَةِ، وَيَجِبُ مِنَ الدُّهْنِ مَا يُعْتَادُ اسْتِعْمَالُهُ غَالِبًا كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِذَا اعْتَادُوا التَّطَيُّبَ بِالْوِرْدِ، أَوِ الْبَنَفْسَجِ، وَجَبَ الْمُطَيِّبُ، وَأَبْدَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ احْتِمَالًا فِي الدُّهْنِ إِذَا قَالَ الزَّوْجُ: هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَأَنَا لَا أُرِيدُهُ. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، وَأَمَّا مَا يُقْصَدُ لِلتَّلَذُّذِ وَالِاسْتِمْتَاعِ كَالْكُحْلِ وَالْخِضَابِ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ، بَلْ ذَلِكَ إِلَى اخْتِيَارِهِ، فَإِنْ شَاءَ هَيَّأَهُ لَهَا، وَإِذَا هَيَّأَ لَهَا أَسْبَابَ الْخِضَابِ، لَزِمَهَا الِاخْتِضَابُ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الطِّيبُ، وَلَا يَجِبْ إِلَّا مَا يُقْصَدُ بِهِ قَطْعُ السُّهُوكَةِ وَيَجُبُّ الْمَرْتَكَ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِدَفْعِ الصُّنَانِ إِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ.
فَرْعٌ
لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ تَعَاطِي الثَّوْمِ، وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ مُؤْذِيَةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ تَنَاوَلِ السُّمُومِ بِلَا خِلَافٍ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ الْمَنْعُ، وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مَنْ أَكَلِ مَا يُخَافُ مِنْهُ حُدُوثُ مَرَضٍ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ.
فَرْعٌ
لَا تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ الدَّوَاءَ لِلْمَرَضِ، وَلَا أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لِحِفْظِ الْأَصْلِ، فَكَانَتْ عَلَيْهَا كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمُكْرِي مَا يَحْفَظُ الْعَيْنَ الْمُكْرَاةَ، وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ الطَّعَامُ وَالْأُدْمُ فِي أَيَّامِ الْمَرَضِ، وَلَهَا صَرْفُ مَا تَأْخُذُهُ إِلَى الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ.
فَرْعٌ
هَلْ عَلَى الزَّوْجِ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ لَهَا؟ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ، وَعَسُرَ الْغَسْلُ إِلَّا فِي الْحَمَّامِ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَأَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا - الْوُجُوبُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّمَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً.
فَرْعٌ
إِذَا احْتَاجَتْ إِلَى شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْغَسْلِ إِنْ كَانَتْ تَغْتَسِلُ مِنْ الِاحْتِلَامِ، لَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَ قَطْعًا وَكَذَا إِنِ اغْتَسَلَتْ عَنِ الْحَيْضِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنِ اغْتَسَلَتْ عَنِ الْجِمَاعِ وَالنِّفَاسِ، لَزِمَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ، وَيُنْظَرُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ إِلَى أَنَّ السَّبَبَ مِنْهُ كَاللَّمْسِ أَمْ لَا؟
فَرْعٌ
لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ زَوْجَتِهِ، نَذَرَتِ التَّضْحِيَةَ أَمْ لَا.
فَرْعٌ
لَا يَجِبُ لِلْخَادِمَةِ آلَاتُ التَّنَظُّفِ، لِأَنَّهَا لَا تَتَنَظَّفُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ، بَلِ اللَّائِقُ بِالْخَادِمَةِ أَنْ تَكُونَ شَعِثَةً لِئَلَّا تَمْتَدَّ إِلَيْهَا الْعَيْنُ، لَكِنْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ، وَتَأَذَّتْ بِالْهَوَامِّ، لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَتَرَفَّهُ بِهِ، كَذَا اسْتَدْرَكَهُ الْقَفَّالُ وَاسْتَحْسَنُوهُ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْطِي الْخَادِمَةَ الدُّهْنَ وَالْمُشْطَ.
فَرْعٌ
فِي وُجُوبِ تَجْهِيزِ الزَّوْجَةِ الْمَيِّتَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْجَنَائِزِ، وَيَجْرِيَانِ فِي تَجْهِيزِ الْخَادِمَةِ، وَرَأَى الْمُتَوَلِّي تَرْتِيبَهُمَا عَلَى الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ عَلَقَةَ النِّكَاحِ تَبْقَى فِي الْغُسْلِ وَالْإِرْثِ، وَكَذَا فِي التَّجْهِيزِ.
الْوَاجِبُ السَّادِسُ: الْإِسْكَانُ، فَيَجِبُ لَهَا مَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا فِي الْعَادَةِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يَلِيقُ بِالزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا، وَلَهُ إِسْكَانُهَا فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُسْتَعَارِ بِلَا خِلَافٍ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ الْإِنْفَاقِ، فِي هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ هِيَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: مَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِاسْتِهْلَاكِهِ كَالطَّعَامِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: إِحْدَاهَا: يَجِبُ التَّمْلِيكُ فِي الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ، وَمَا يُسْتَهْلَكُ مِنْ آلَةِ التَّنَظُّفِ كَالدُّهْنِ وَالطِّينِ، وَإِذَا أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِبْدَالِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةُ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ لَوْ قَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِمَا يَضُرُّهَا فَلَهُ مَنْعُهَا. وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ يَجِبُ فِيهَا التَّمْلِيكُ أَيْضًا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَوْضِعَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ إِذَا أَخْدَمَهَا بِمَمْلُوكَتِهَا أَوْ بِحُرَّةٍ غَيْرِ مُسْتَأْجَرَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَتَهَا، فَيُمَلِّكُهَا نَفَقَتَهَا كَمَا يُمَلِّكُهَا نَفَقَةَ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُمَلِّكُهَا نَفَقَتَهَا كَمَا يُمَلِّكُ الزَّوْجَةَ، وَتَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ لِتُوَفِّرَ حَقَّ الْخِدْمَةِ، وَيَجُوزَ أَنْ يُقَالَ: يُمَلِّكُ الزَّوْجَةَ لِتَدْفَعَهَا إِلَى الْخَادِمَةِ وَعَلَى هَذَا لَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْمَأْخُوذِ، وَتَكْفِي مُؤْنَةَ الْخَادِمَةِ مِنْ مَالِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ قَبَضَتِ الزَّوْجَةُ النَّفَقَةَ، فَتَلَفَتْ أَوْ سُرِقَتْ، لَا يَلْزَمُهُ إِبْدَالُهَا.
الثَّالِثَةُ: الَّذِي يَجِبُ تَمْلِيكُهُ مِنَ الطَّعَامِ الْحَبُّ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا الْخُبْزُ وَالدَّقِيقُ، فَلَوْ طَلَبَتْ غَيْرَ الْحَبِّ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ بَذَلَ غَيْرَهُ، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ، وَهَلْ عَلَيْهِ مَعَ الْحَبِّ مُؤْنَةُ طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ؟ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: لَا كَالْكَفَّارَةِ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ. وَالثَّانِي: إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ عَادَتُهُمُ الطَّحْنُ وَالْخَبْزُ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا، وَإِلَّا فَنَعَمْ، وَبِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَصَحُّهَا: الْوُجُوبُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا فِي حَبْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَعَلَى هَذَا تَجِبُ مُؤْنَةُ طَبْخِ اللَّحْمِ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ. وَلَوْ بَاعَتِ الْحَبَّ، أَوْ أَكَلَتْهُ حَبًّا، فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا مُؤْنَةَ إِصْلَاحِهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ.
الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لَهُ تَكْلِيفُهَا الْأَكْلَ مَعَهُ لَا مَعَ التَّمْلِيكِ وَلَا دُونَهُ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ، فَفِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ، أَقْيَسُهُمَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي «الْبَحْرِ» : لَا تَسْقُطُ وَإِنْ جَرَيَا عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: تَسْقُطُ فَإِنَّهُ اللَّائِقُ بِالْبَابِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُهُمَا لِجَرَيَانِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْأَعْصَارِ، وَاكْتِفَاءُ الزَّوْجَاتِ بِهِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ طَلَبَتِ النَّفَقَةَ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَاسْتُنْكِرَ، وَبَنَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى الْمُعَاطَاةِ، إِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَنِ النَّفَقَةِ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَيْهَا غَرَامَةُ مَا أَكَلَتْ، ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِي الزَّوْجَةِ الْبَالِغَةِ، أَوْ صَغِيرَةٍ أَكَلَتْ مَعَهُ بِإِذْنِ الْقَيِّمِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَأْذَنِ الْقَيِّمُ، فَالزَّوْجُ مُتَطَوِّعٌ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ سُقُوطُ نَفَقَتِهَا إِذَا أَكَلَتْ مَعَهُ بِرِضَاهَا وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» وَعَلَيْهِ جَرَى النَّاسُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَلَا إِنْكَارٍ وَلَا خِلَافٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً طَالَبَتْ بِنَفَقَةٍ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَتْ لَا تَسْقُطُ مَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم بِإِطْبَاقِهِمْ عَلَيْهِ لَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَاقْتَصَّهُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهِ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّادِسَةُ: لَوْ تَرَاضَيَا بِاعْتِيَاضِهَا عَنِ النَّفَقَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثِيَابًا وَنَحْوَهَا، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوِ اعْتَاضَتْ خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ رِبًا، وَقَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْحَبَّ وَإِصْلَاحَهُ وَقَدْ فَعَلَهُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ نَفَقَةِ زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَلَا بَيْعُ نَفَقَةٍ حَالَّةٍ لِغَيْرِ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِهَا قَطْعًا.
السَّابِعَةُ: النَّفَقَةُ تُسْتَحَقُّ يَوْمًا فَيَوْمًا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَفِي «الْمُهَذَّبِ» إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ. وَلَوْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ يَوْمٍ، ثُمَّ مَاتَتْ، أَوْ أَبَانَهَا فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ، بَلِ الْمَدْفُوعُ لِوَرَثَتِهَا لِوُجُوبِهِ بِأَوَّلِ النَّهَارِ. وَلَوْ مَاتَتْ أَوْ أَبَانَهَا فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ يَوْمِهَا كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَلَوْ نَشَزَتْ فِي النَّهَارِ، فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَطْعًا، وَلَوْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ فَهَلْ تَمْلِكُ الزِّيَادَةَ عَلَى نَفَقَةِ الْيَوْمِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا لِلشَّكِّ فِي اسْتِمْرَارِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، كَالْأُجْرَةِ وَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَشَزَتْ، اسْتَرَدَّ نَفَقَةَ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ أَبَانَهَا، اسْتَرَدَّ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا صِلَةٌ مَقْبُوضَةٌ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا تَمْلِكُ إِلَّا نَفَقَةَ يَوْمٍ، فَكُلَّمَا دَخَلَ يَوْمٌ مَلَكَتْ نَفَقَتَهُ.
الثَّامِنَةُ: نَفَقَةُ الْخَادِمِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَفِي اسْتِرْدَادِ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهَا كَنَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ بِلَا فَرْقٍ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا تَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْكِسْوَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ تَمْلِيكُهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ، بَلْ يَكُونُ إِمْتَاعًا كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ. وَأَصَحُّهُمَا وَيُنْسَبُ إِلَى النَّصِّ: يَجِبُ تَمْلِيكُهَا كَالنَّفَقَةِ وَالْأُدْمِ وَكِسْوَةِ الْكَفَّارَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي كِسْوَةِ الْخَادِمِ وَطَرَدَهُ الْبَغَوِيُّ فِي كُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْفُرُشِ وَظُرُوفِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمُشْطِ، وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» الْفُرُشَ وَالظُّرُوفَ بِالْمَسْكَنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِسْوَةَ تُدْفَعُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تُجَدَّدُ كِسْوَةُ الصَّيْفِ لِلصَّيْفِ، وَالشِّتَاءِ لِلشِّتَاءِ، وَأَمَّا مَا يَبْقَى سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ كَالْفُرُشِ وَالْبُسُطِ وَالْمُشْطِ، فَإِنَّمَا تُجَدَّدُ فِي وَقْتِ تَجْدِيدِهِ، وَكَذَلِكَ جُبَّةُ الْخَزِّ وَالْإِبْرَيْسَمِ لَا يُجَدَّدُ فِي كُلِّ شَتْوَةٍ، وَعَلَيْهِ تَطْرِيَتُهَا عَلَى الْعَادَةِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ تَمْلِيكِ الْكِسْوَةِ صُوَرٌ:
مِنْهَا: لَوْ سَلَّمَ إِلَيْهَا كِسْوَةَ الصَّيْفِ، فَتَلَفَتَ فِي يَدِهَا قَبْلَ مُضِيِّ الصَّيْفِ فَلَا تَقْصِيرَ، لَزِمَهُ الْإِبْدَالُ إِنْ قُلْنَا: الْكِسْوَةُ إِمْتَاعٌ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ أَتْلَفَتْهَا، أَوْ تَمَزَّقَتْ قَبْلَ أَوَانِ التَّمَزُّقِ لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهَا فِيهَا، وَتَحَامُلِهَا عَلَيْهَا، فَإِنْ قُلْنَا: الْكِسْوَةُ تَمْلِيكٌ، لَمْ يَلْزَمِ الْإِبْدَالُ، وَإِنْ قُلْنَا: إِمْتَاعٌ، لَزِمَهَا قِيمَةُ مَا أَتْلَفَتْ، وَلَزِمَهُ الْإِبْدَالُ.
وَمِنْهَا: لَوْ سَلَّمَ إِلَيْهَا كِسْوَةَ الصَّيْفِ، فَمَاتَتْ فِي أَثْنَائِهِ، أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ، أَوْ أَبَانَهَا، فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا إِنْ قُلْنَا: إِمْتَاعٌ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَمِنْهَا: إِذَا لَمْ يَكْسُهَا مُدَّةً، صَارَتِ الْكِسْوَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ إِنْ قُلْنَا بِالتَّمْلِيكِ، وَإِلَّا، فَلَا.
وَمِنْهَا: إِنْ قُلْنَا: إِمْتَاعٌ، لَمْ يَجُزْ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقَرِيبِ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، فَفِي الِاعْتِيَاضِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الِاعْتِيَاضِ عَنِ النَّفَقَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَعْطَاهَا كِسْوَةَ الصَّيْفِ فَمَضَى الصَّيْفُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ لِرِفْقِهَا بِهَا، فَعَلَيْهِ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ، إِنْ قُلْنَا بِالتَّمْلِيكِ، وَعَلَى الْإِمْتَاعِ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَا يُزَادُ لِلشِّتَاءِ حَتَّى يَبْلَى مَا عِنْدَهَا.
وَمِنْهَا: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَدْفُوعَ مِنْهَا، وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُ إِنْ قُلْنَا بِالْإِمْتَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إِلَّا بِرِضَاهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ أَلْبَسَهَا ثِيَابًا مُسْتَعَارَةً، أَوْ مُسْتَأْجَرَةً، لَمْ يَجُزْ عَلَى قَوْلِنَا تَمْلِيكٌ، وَيَجُوزُ عَلَى الْإِمْتَاعِ، فَإِنْ تَلَفَ الْمُسْتَعَارُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الزَّوْجِ.
وَمِنْهَا: لَيْسَ بَيْعُ الْمَقْبُوضِ إِنْ قُلْنَا إِمْتَاعٌ، وَيَجُوزُ عَلَى التَّمْلِيكِ كَالْقُوتِ، فَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ دُونَ الْمَقْبُوضِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ، وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّ لِلزَّوْجِ غَرَضًا فِي تَجَمُّلِهَا.
فَرْعٌ
لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهَا ثَمَنَ الْكِسْوَةِ، بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثِّيَابِ، وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْخِيَاطَةِ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي مُسْقِطَاتِ النَّفَقَةِ
لِلْبَابِ مُقَدِّمَةٌ وَأَصْلٌ، أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ، فَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِ النَّفَقَةِ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ، وَالْكِسْوَةُ أَوَّلُ كُلِّ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ كَمَا سَبَقَ، وَذَلِكَ بَعْدَ حُصُولِ التَّمْكِينِ، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ، فَلِلنَّفَقَةِ تَعَلُّقٌ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ تَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ، وَفِيمَا تَجِبُ بِهِ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ: تَجِبُ بِالْعَقْدِ كَالْمَهْرِ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّمْكِينِ بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا لِلْمَرِيضَةِ وَالرَّتْقَاءِ، لَكِنْ لَوْ نَشَزَتْ سَقَطَتْ فَالْعَقْدُ مُوجِبٌ، وَالنُّشُوزُ مُسْقِطٌ، وَإِذَا حَصَلَ التَّمْكِينُ، اسْتَقَرَّ الْوَاجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا كَالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، إِلَّا أَنَّ الْأُجْرَةَ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا بِالْعَقْدِ جُمْلَةً لِلْعِلْمِ بِهَا، وَالنَّفَقَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةُ الْجُمْلَةِ، وَالْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ، بَلْ بِالتَّمْكِينِ يَوْمًا فَيَوْمًا، فَلَوِ اخْتَلَفَا، فَقَالَتْ: مُكِّنْتُ مِنْ وَقْتِ كَذَا. وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَلَا بَيِّنَةَ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ قَطْعًا. وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى التَّمْكِينِ، وَقَالَ: أَدَّيْتُ نَفَقَةَ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ، وَأَنْكَرَتْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا عِنْدَهَا أَمْ غَائِبًا، وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهَا الزَّوْجُ بِالزِّفَافِ، وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ مِنْهُ، وَلَا عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَمَضَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ، وَجَبَتْ نَفَقَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ، فَلَا. وَلَوْ تَوَافَقَا عَلَى التَّمْكِينِ، وَادَّعَى أَنَّهَا بَعْدَهُ نَشَزَتْ، وَأَنْكَرَتْ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا