الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدٍ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إِلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْبَاقِي، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، قَالَ الْإِمَامُ: قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ بَعِيدٌ، وَكَيْفَ يُرِيقُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ دَمٍ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ لِتَحْصِيلِ عُشْرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً، يُقْتَلُ بِأَحَدِهِمْ وَوَجَبَتْ دِيَةُ الْبَاقِينَ فِي مَالِهِ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيمَنْ يُقْتَلُ بِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَطَعَ أَيْدِيَ جَمَاعَةٍ، قُطِعَ بِوَاحِدٍ، وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إِذَا وَقَعَتِ الْجِنَايَاتُ مَعًا، قُتِلَ، أَوْ قُطِعَ بِهِمْ جَمِيعًا، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ إِلَى حِصَّتِهِ مِنَ الدِّيَةِ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
هَذَا إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَقَتَلَ الْجَمَاعَةَ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبَةِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ، فَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ
فِي اجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي اقْتِضَاءِ الْقِصَاصِ.
الْجِنَايَاتُ الصَّادِرَةُ مِنْ جَمَاعَةٍ الْوَارِدَةُ عَلَى وَاحِدٍ الْمُسْتَعْقِبَةُ مَوْتَهُ إِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لَوِ انْفَرَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الشُّرَكَاءِ كَمَا سَبَقَ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا لِتَقَاعُدِ الْفِعْلِ عَنْ إِيجَابِ الْقِصَاصِ بِأَنْ قَتَلُوهُ خَطَأً أَوْ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بِأَنْ قَتَلَ حُرَّانِ عَبْدًا، فَلَا قِصَاصَ.
وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَلِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ أَسْبَابٌ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ جِنَايَةُ بَعْضِهِمْ ضَعِيفَةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزُّهُوقِ كَالْخَدْشَةِ الْخَفِيفَةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا، وَكَأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ سِوَى الْجِنَايَاتِ الْبَاقِيَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ بَعْضُهَا بِقُوَّتِهِ بِحَيْثُ يَقْطَعُ نِسْبَةَ الزُّهُوقِ إِلَى سَائِرِ الْجِنَايَاتِ، بِأَنْ جَرَحَهُ جَمَاعَةٌ، ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ آخَرُ، فَقِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الْحَازِّ، وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ، فَجَارِحُونَ، يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِمْ مُقْتَضَاهُ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ أَوْ مُخَفَّفَةٍ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الطَّرَفِ
الرَّابِعِ مِنَ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، وَعَدَّ مِنْ نَظَائِرِهِ أَنْ يَصْعَدَ بِهِ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَرْبِطَ فِي عُنُقِهِ حَبْلًا، وَيَشُدَّهُ إِلَى فَوْقٍ، فَيَجِيءُ آخَرُ فَيُنَحِّي مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُنَحِّي.
الثَّالِثُ: أَنْ تَنْدَمِلَ بَعْضُ الْجِرَاحَاتِ، ثُمَّ يُوجَدُ الْبَاقِي، فَعَلَى مَنِ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ مَا تَقْتَضِيهِ جِرَاحَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قِصَاصُ النَّفْسِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ.
وَإِذَا جَرَحَهُ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ، وَادَّعَى الْأَوَّلُ الِانْدِمَالَ، وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِذَا عَفَا عَنِ الثَّانِي، لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إِلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَمَالَ الدِّيَةِ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالِانْدِمَالِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُ أَحَدِهِمَا خَطَأٌ، بِأَنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا عَمْدًا، وَالْآخَرُ خَطَأً، فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ نِصْفُ دِيَةِ الْخَطَأِ، وَفِي مَالِ الْعَامِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْعَمْدِ إِنْ كَانَتْ جِنَايَةٌ لَا تُوجِبُ قِصَاصًا، أَوْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى الدِّيَةِ.
فَإِنْ قَطَعَ طَرَفًا، فَعَلَيْهِ قِصَاصُهُ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا، وَالْآخَرُ شِبْهَ عَمْدٍ، لَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَتَجِبُ نِصْفُ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِهِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» أَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله قَوْلًا أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى شَرِيكِ الْمُخْطِئِ، ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْعَقَارِبِ وَتَمَنَّى الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ، أَنَّهُ لَا قِصَاصَ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَمْتَنِعَ الْقِصَاصُ مِنْ بَعْضِهِمْ لِمَعْنًى فِيهِ، فَلَهُ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِعْلُ مَنْ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ مَضْمُونًا، بِأَنْ شَارَكَ الْأَبُ أَجْنَبِيًّا فِي قَتْلِ الْوَلَدِ، فَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الْقِصَاصُ، وَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَمِثْلُهُ لَوْ شَارَكَ حُرٌّ عَبْدًا فِي قَتْلِ عَبْدٍ أَوْ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فِي قَتْلِ ذِمِّيٍّ، لَا قِصَاصَ عَلَى الْحَرِّ وَالْمُسْلِمِ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ، وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ، فَجَرَحَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ
جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ عَتَقَ الْمَجْرُوحُ، فَجَرَحَهُ حُرٌّ وَمَاتَ مِنْهُمَا، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَوِ انْفَرَدَ بِجِنَايَتِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا، بِأَنْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ وَمُسْلِمٌ مُسْلِمًا، وَمَاتَ مِنْهُمَا، أَوْ قُطِعَتْ يَدُ إِنْسَانٍ فِي سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ، ثُمَّ جَرَحَهُ رَجُلٌ عُدْوَانًا، أَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَجَرَحَهُ غَيْرُهُ، أَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، ثُمَّ عُقِدَتِ الذِّمَّةُ لِلْمَجْرُوحِ، فَجَرَحَهُ ذِمِّيٌّ آخَرُ، أَوْ جَرَحَ صَائِلًا، ثُمَّ جَرَحَهُ غَيْرُهُ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الصُّوَرِ، قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا: الْوُجُوبُ كَشَرِيكِ الْأَبِ، وَالثَّانِي: لَا، بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوْ جَرَحَهُ سَبُعٌ، أَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ أَوْ حَيَّةٌ، وَجَرَحَهُ مَعَ ذَلِكَ رَجُلٌ، فَطَرِيقَانِ، أَشْهَرُهُمَا: طَرَدَ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنْ لَا قِصَاصَ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ.
وَمَوْضِعُ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَنْ يَقْصِدَ السَّبُعُ الْجِرَاحَةَ، فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ السَّبُعُ عَلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ، فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ السَّبُعُ بِالْجُرْحِ أَمْ لَا، فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ.
ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَ جُرْحُ السَّبُعِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا، وَإِلَّا فَشَرِيكُهُ شَرِيكُ الْجَارِحِ شِبْهَ عَمْدٍ، وَلَوْ جَرَحَ رَجُلٌ عَبْدَهُ، وَجَرَحَهُ عَبْدٌ، أَوْ عُتِقَ، فَجَرَحَهُ عَبْدٌ، أَوْ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمَا، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ السَّيِّدِ طَرِيقَانِ أَشْهَرُهُمَا، طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ.
وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، لِأَنَّ فِعْلَ السَّيِّدِ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ، فَشَرِيكُهُ شَرِيكٌ عَامِدٌ ضَامِنٌ، كَشَرِيكِ الْأَبِ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ، وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؟ .
إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَشَرِيكِ السَّيِّدِ، وَإِلَّا فَكَشَرِيكِ الْحَرْبِيِّ، وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ، وَلَوْ رَمَى اثْنَانِ سَهْمَيْنِ إِلَى مُسْلِمٍ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ، وَقَدْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَعْلَمِ
الْآخَرُ أَنَّ هُنَاكَ مُسْلِمًا، فَوُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْعَالِمِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَرِيكِ السَّيِّدِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْجَاهِلِ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ.
فَرْعٌ.
وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْعَامِدَيْنِ، يُبْنَى عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ أَمْ خَطَأٌ؟ إِنْ قُلْنَا: عَمْدٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا، كَذَا أَطْلَقَهُ مُطْلِقُونَ.
وَعَنِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ عَقْلَ مِثْلِهِ، وَفِي مَجْنُونٍ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزِ، فَأَمَّا مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ بِحَالِ، فَعَمْدُهُ خَطَأٌ، وَشَرِيكُهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ قَطْعًا، وَعَلَى هَذَا جَرَى الْأَئِمَّةُ، مِنْهُمُ الْبَغَوِيُّ.
فَرْعٌ.
إِذَا جَرَحَ شَخْصٌ شَخْصًا جِرَاحَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: عَمْدٌ، وَالْأُخْرَى: خَطَأٌ، فَمَاتَ بِهِمَا، فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ، لِأَنَّ الزُّهُوقَ لَمْ يَحْصُلْ بِعَمْدٍ مَحْضٍ.
وَتَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي مَالِهِ، وَنَصِفُ الْمُخَفَّفَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْقِصَاصُ بِجِرَاحَةِ الْعَمْدِ، بِأَنْ تَكُونَ قَطْعُ طَرَفٍ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، فَأَسْلَمَ، فَجَرَحَهُ ثَانِيًا، أَوْ قَطَعَ يَدَ إِنْسَانٍ قِصَاصًا، أَوْ بِسَرِقَةٍ، ثُمَّ جَرَحَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى ظُلْمًا، أَوْ قَطَعَ الصَّائِلَ دَفْعًا، فَلَمَّا وَلَّى، جَرَحَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ.
وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْجِرَاحَةِ الْوَاقِعَةِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ فِي الْقِتَالِ، ثُمَّ جَرَحَهُ بَعْدَهُ، أَوِ السَّيِّدُ عَبْدَهُ ثُمَّ جَرَحَهُ بَعْدَ عَتْقٍ، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ، وَجَرَحَهُ ثَانِيًا.
وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ ذِمِّيٍّ، فَأَسْلَمَ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، أَوْ حَرٌّ يَدَ عَبْدٍ، فَعُتِقَ، فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ.
وَيَجِبُ قِصَاصُ الطَّرَفِ الْمَقْطُوعِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِنِ اقْتَصَّ فِي الطَّرَفِ، أَخَذَ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَفَا، أَخَذَ دِيَةَ حُرٍّ مُسْلِمٍ.
وَلَوْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ ذِمِّيٍّ، فَأَسْلَمَ الْقَاطِعُ، ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَلَا قِصَاصَ فِي النَّفْسِ، وَيَجِبُ قِصَاصُ الطَّرَفِ الْمَقْطُوعِ أَوَّلًا، فَإِنْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ، أَخَذَ دِيَةَ ذِمِّيٍّ.
فَرْعٌ.
إِذَا دَاوَى الْمَجْرُوحُ نَفْسَهُ بِسُمٍّ قَاتِلٍ، بِأَنْ شَرِبَهُ، أَوْ وَضَعَهُ عَلَى الْجُرْحِ، فَإِنْ كَانَ السُّمُّ مُذَفَّفًا، فَالْمَجْرُوحُ قَاتِلُ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْجَارِحِ قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَرْشُ جِرَاحَتِهِ أَوِ الْقِصَاصُ إِنْ تَعَلَّقَ بِهَا قِصَاصُ طَرَفٍ، وَإِنْ كَانَ السُّمُّ مِمَّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَالْجَارِحُ شَرِيكٌ لِصَاحِبِ شِبْهِ عَمْدٍ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ، أَوِ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إِنِ اقْتَضَتْهُ.
وَإِنْ كَانَ السُّمُّ قَاتِلًا غَالِبًا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمَجْرُوحُ ذَلِكَ، فَهُوَ كَالْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ عَلِمَهُ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ طَرِيقَانِ.
أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَشَرِيكِ جَارِحِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ، لِكَوْنِهِ قَصَدَ التَّدَاوِيَ لَا الْإِهْلَاكَ.
فَرْعٌ.
لَوْ خَاطَ جُرْحَهُ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ، لَمْ يُؤَثِّرْ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ، وَعَلَى الْجَارِحِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَاطَهُ تَدَاوِيًا فِي لَحْمِ حَيٍّ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ الطَّرِيقَانِ فِي التَّدَاوِي بِالسُّمِّ الْقَاتِلِ غَالِبًا.
وَفِي الصُّورَتَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَجْرُوحُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْمُرَ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَلَوِ اسْتَقَلَّ بِهِ غَيْرُهُ، فَهُوَ وَالْأَوَّلُ جَارِحَانِ مُتَعَدِّيَانِ.
وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ فِي مَجْرُوحٍ، فَإِنْ كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا، فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا،
فَدَاوَاهُ لِمَصْلَحَتِهِ، فَمَاتَ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْإِمَامِ قَوْلَانِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، فَمَاتَ مِنْهُ.
فَإِنْ قُلْنَا: لَا قِصَاصَ، وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ، وَهَلْ هِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ.
وَحُكْمُ الْجَارِحِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا تَوَلَّاهُ الْمَجْرُوحُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ جَعَلْنَا وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُشَارَكَةِ الْعَامِدِ الَّذِي لَا يَضْمَنُ، لَمْ يَجِبْ هُنَا الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُ شَارَكَ مَنْ فِعْلُهُ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ، أَوِ الدِّيَةِ.
وَإِنْ نَزَّلْنَا الْمَجْرُوحَ مَنْزِلَةَ الْمُخْطِئِ لِقَصْدِهِ التَّدَاوِيَ، وَلَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ، فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ، فَغَلِطَ وَخَاطَ فِي حَيٍّ، فَالْجَارِحُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ قَطْعًا.
قَالَ الْقَفَّالُ: وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي الْجِلْدِ فَغَلِطَ وَأَصَابَتِ الْإِبْرَةُ اللَّحْمَ، وَأَمَّا الْكَيُّ فَكَالْخِيَاطَةِ، فَيَنْظُرُ أَكَوَى لَحْمًا مَيِّتًا أَوْ حَيًّا يُؤْلِمُ وَلَهُ سِرَايَةٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمُدَاوَاةِ بِمَا لَا يَضُرُّ، وَلَا يُخْشَى مِنْهُ هَلَاكٌ، وَلَا بِمَا عَلَى الْمَجْرُوحِ مِنْ قُرُوحٍ، وَلَا بِمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَضَنًى.
فَرْعٌ.
قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ، فَتَآكَلَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ، فَقَطَعَ الْمَقْطُوعُ كَفَّهُ خَوْفًا مِنَ السِّرَايَةِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَتَآكَلْ إِلَّا مَوْضِعُ الْقَطْعِ، فَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي إِلَّا الْقِصَاصُ فِي الْأُصْبُعِ، أَوْ أَرْشُهَا إِنْ لَمْ يَسْرِ إِلَى النَّفْسِ.
فَإِنْ سَرَى، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَانِي فِي النَّفْسِ، الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْخِيَاطَةِ، وَإِنْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْكَفِّ، ثُمَّ قَطَعَهَا، نُظِرَ، أَقَطَعَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ أَمْ فِي حَيٍّ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْخِيَاطَةِ.
وَلَوْ جَرَحَ عُضْوًا، فَدَاوَاهُ الْمَجْرُوحُ فَتَآكَلَ الْعُضْوُ، فَسَقَطَ، فَإِنْ كَانَ مَا دَاوَاهُ بِهِ لَا يُورِثُ التَّآكُلَ، فَعَلَى الْجَارِحِ ضَمَانُ الْعُضْوِ.
وَإِنْ كَانَ يُورِثُ التَّآكُلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ، فَلَوْ قَالَ الْجَانِي: دَاوَيْتُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ التَّآكُلُ، وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مَعْلُومَةٌ، وَغَيْرُهَا
مِنَ الْأَسْبَابِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُصَدَّقُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ إِنْسَانٍ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ، فَقَالَ الْوَارِثُ: مَاتَ بِالسِّرَايَةِ، وَقَالَ الْجَانِي: بَلْ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَأَيُّهُمَا الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْوَارِثُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْأُمِّ» .
فَرْعٌ.
ضَرَبَ جَمَاعَةٌ رَجُلًا بِسِيَاطٍ، أَوْ عَصًى خَفِيفَةٍ حَتَّى قَتَلُوهُ، نُظِرَ، إِنْ كَانَتْ ضَرَبَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلَةً لَوِ انْفَرَدَتْ، فَعَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى الدِّيَةِ، فَهَلْ تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، أَمْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ؟ قَوْلَانِ، أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ.
لِأَنَّ الضَّرَبَاتِ تُلَاقِي ظَاهِرَ الْبَدَنِ، فَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ قَاتِلًا، بِأَنْ ضَرَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ ضَرْبَةً، فَمَاتَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: لَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ، وَالثَّانِي: يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ، لِئَلَّا يَصِيرَ ذَرِيعَةً إِلَى الْقَتْلِ، وَأَصَحُّهَا: أَنَّهُمْ إِنْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبُوهُ تِلْكَ الضَّرَبَاتِ، فَعَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ وَقَعَتِ اتِّفَاقًا، فَلَا.
وَإِذَا لَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ قَطْعًا، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ وَاحِدٌ سَوْطَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، وَآخَرُ خَمْسِينَ سَوْطًا، أَوْ مِائَةً قَبْلَ زَوَالِ أَلَمِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَوَاطُؤٌ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ ضَرْبَ الْأَوَّلِ شِبْهُ عَمْدٍ.
وَالثَّانِي شَرِيكٌ لَهُ، وَيَجِبُ بِضَرْبِ الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَبِضَرْبِ الثَّانِي نِصْفُ دِيَةِ الْعَمْدِ، وَأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ وَاحِدٌ خَمْسِينَ، ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ سَوْطَيْنِ قَبْلَ زَوَالِ أَلَمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي عَالِمًا بِضَرْبِ الْأَوَّلِ، فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْإِهْلَاكِ مِنَ الثَّانِي.
وَالْأَوَّلُ شَرِيكُهُ، وَيَجِبُ بِضَرْبِ الْأَوَّلِ نِصْفُ