الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَعُرُوضِ الْقَتْلِ عَلَى إِمْسَاكِ الْمُمْسِكِ.
لَكِنْ لَوْ أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ فِي مَضِيقٍ، وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَّبِعِ، وَلَوِ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ؛ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ. وَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى السَّقْفِ مِنْ عُلُوٍّ؛ فَانْخَسَفَ بِهِ لِثِقَلِهِ؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنِ الْمُتَّبِعِ إِذَا أَلْقَى الْمَطْلُوبُ نَفْسَهُ فِي مَاءٍ، أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ قَصْدًا، أَرَدْنَا بِهِ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا؛ فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ أَمْ خَطَأٌ؟ إِنْ قُلْنَا: خَطَأٌ، ضُمِنَ؛ وَإِلَّا فَلَا.
فَرْعٌ
سَلَّمَ صَبِيًّا إِلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ السِّبَاحَةَ، فَغَرِقَ، وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ فَهَلَكَ. وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ، كَمَا لَوْ وَضَعَهُ فِي مَسْبَعَةٍ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ يُعَلِّمُهُ السِّبَاحَةَ بِنَفْسِهِ فَغَرِقَ، وَلَوْ أَدْخَلَهُ الْمَاءَ لِيَعْبُرَهُ بِهِ؛ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ خَتَنَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ أَكْلَةٍ؛ فَمَاتَ مِنْهُ.
كَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَوْ سَلَّمَ بَالِغَ نَفْسِهِ، لِيُعَلِّمْهُ السِّبَاحَةَ؛ فَفِي «الْوَسِيطِ» أَنَّهُ إِنْ خَاضَ مَعَهُ اعْتِمَادًا عَلَى يَدِهِ، فَأَهْمَلَهُ؛ احْتُمِلَ أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ.
فَصْلٌ
فِي بَيَانِ الْحَفْرِ الَّذِي هُوَ فِي مَحَلِّ عُدْوَانٍ وَغَيْرِهِ، وَالْحَفْرُ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ؛ أَحَدُهَا: إِذَا حَفَرَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ؛ فَلَا عُدْوَانَ؛ فَلَوْ دَخَلَ مِلْكَهُ دَاخِلٌ بِإِذْنِهِ، وَتَرَدَّى فِيهِ، لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ إِذَا عَرَّفَهُ الْمَالِكُ أَنَّ هُنَاكَ بِئْرًا، أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَالدَّاخِلُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ التَّحَرُّزِ؛ فَأَمَّا إِذَا لَمْ
يَعْرِفْهُ، وَالدَّاخِلُ أَعْمَى، أَوِ الْمَوْضِعُ مُظْلِمٌ؛ فَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّهُ كَمَا لَوْ دَعَاهُ لِطَعَامٍ مَسْمُومٍ؛ فَأَكَلَهُ.
وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ، وَدَعَا إِلَيْهَا رَجُلًا، فَتَرَدَّى فِيهَا، فَفِي الضَّمَانِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ، أَظْهَرُهُمَا: الْوُجُوبُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا وَعَنِ الْبِئْرِ مَعْدَلٌ فَقَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَقَوْلَانِ مُرَتَّبَانِ؛ وَأَوْلَى الْوُجُوبُ. وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ وَأَطْعِمَةٍ فِيهَا طَعَامٌ مَسْمُومٌ.
الْمَوْضُوعُ الثَّانِي: إِذَا حَفَرَ فِي مَوَاتٍ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِلِارْتِفَاقِ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهَا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ كَالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الْبِئْرُ جَبَّارٌ» .
الثَّالِثُ: إِذَا حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ نُظِرَ إِنْ حَفَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ؛ فَهُوَ كَحَفْرِهِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ حَفَرَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ؛ لِكَوْنِهِ عُدْوَانًا، وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ هَلَكَ بِهِ دَابَّةٌ أَوْ مَالُ آخَرَ، وَجَبَ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ. وَهَلْ يُجْعَلُ رِضَى الْمَالِكِ بِبَقَاءِ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ كَرِضَاهُ بِالْحَفْرِ؟ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْغَصْبِ؛ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ عَبْدًا؛ فَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ؛ فَلَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ؛ فَضَمَانُ مَنْ يَتَرَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَتِيقِ.
وَلَوْ حَفَرَ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الشَّرِيكِ، تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَفْرُ فِي الْمُشْتَرَكِ؛ وَإِذَا حَفَرَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مُتَعَدِّيًا، وَدَخَلَهُ رَجُلٌ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَتَرَدَّى فِيهَا؛ فَفِي تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِالْحَافِرِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي «الْبَيَانِ» : لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: حَفَرَ بِإِذْنِي، لَمْ يُصَدَّقْ.
الرَّابِعُ: إِذَا حَفَرَ فِي شَارِعٍ نُظِرَ؛ إِنْ كَانَ ضَيِّقًا يَتَضَرَّرُ النَّاسُ بِالْبِئْرِ فِيهِ، وَجَبَ ضَمَانُ مَا هَلَكَ بِهَا؛ سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْإِذْنُ فِيمَا يَضُرُّ. وَإِنْ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهَا لِسَعَةِ الشَّارِعِ، أَوِ انْعِطَافِ مَوْضِعِ الْبِئْرِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْحَفْرُ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، كَالْحَفْرِ