الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ قَدْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ؛ وَأَنَّ أُمَّهُ إِذَا كَانَتْ عَتِيقَةً وَالْأَبُ رَقِيقٌ؛ فَعَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهَا؛ فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ، انْجَرَّ وَلَاءُ الْوَلَدِ إِلَى مَوْلَى الْأَبِ، وَتَحَمُّلُ عَقْلِهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْوَلَاءِ؛ فَيَتَحَمَّلُهُ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ.
فَلَوْ جَنَى مُتَوَلِّدٌ مِنْ عَتِيقَةٍ وَرَقِيقٍ؛ فَالدِّيَةُ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ، وَلَوْ جَرَحَ رَجُلًا؛ فَأَعْتَقَ أَبُوهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيجَابُهُ عَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ؛ لِزَوَالِ اسْتِحْقَاقِهِ الْوَلَاءَ، وَلَا عَلَى مُعْتِقِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَرَايَةٍ وُجِدَتْ قَبْلَ انْجِرَارِ الْوَلَاءِ إِلَيْهِ، وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِوُجُودِ جِهَةِ الْوَلَاءِ؛ هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْأَصْحَابِ، وَلِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ احْتِمَالٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْوَلَاءِ كَعَدَمِهِ؛ وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ مِنْهَا:
مُتَوَلِّدٌ مِنْ عَتِيقَةٍ وَرَقِيقٍ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا، أَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا؛ فَمَاتَ بِهِ رَجُلٌ؛ فَالدِّيَةُ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ؛ فَإِنْ أَعْتَقَ أَبُوهُ، ثُمَّ حَصَلَ الْهَلَاكُ، فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ. ثُمَّ لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا، ثُمَّ عَتَقَ، ثُمَّ تَرَدَّى فِيهَا شَخْصٌ. أَوْ رَمَى إِلَى صَيْدٍ، فَعَتَقَ، ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ شَخْصًا؛ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ إِنْسَانٍ خَطَأً؛ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، ثُمَّ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، صَارَ السَّيِّدُ بِإِعْتَاقِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ؛ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ وَكَمَالِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَيَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ؛ قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَجِيءُ وَجْهَانِ؛ السَّيِّدُ يَفْدِيهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ كُلِّ الدِّيَةِ وَكُلِّ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ فِي الرِّقِّ.
وَمِنْهَا: رَمَى ذِمِّيٌّ صَيْدًا؛ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَ إِنْسَانًا؛ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَةِ الذِّمِّيِّ وَلَا الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إِنَّمَا يَحْمِلُهَا مَنْ كَانَ عَاقِلَةً فِي حَالَتَيِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ؛ وَلَوْ رَمَى يَهُودِيٌّ صَيْدًا، ثُمَّ تَنَصَّرَ، ثُمَّ أَصَابَ
شَخْصًا، قَالَ الْأَصْحَابَ: إِنْ قُلْنَا: لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ مُرْتَدٌ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يُقِرُّ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانُوا؛ وَلْيَكُنْ تَحَمُّلُهُمْ عَلَى خِلَافٍ نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّصِلًا بِهِ.
وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ رَجُلًا خَطَأً، وَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ؛ فَأَرْشُ الْجُرْحِ عَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ، وَالْبَاقِي فِي مَالِهِ؛ فَإِنْ زَادَ أَرْشُ الْجُرْحِ عَلَى دِيَةٍ بِأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ؛ فَالْوَاجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ؛ قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ وَوَافَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ قَطَعَ بِهِ فِي «الْمُهَذَّبِ» أَنَّ الْأَرْشَ وَالزَّائِدَ عَلَى الْعَاقِلَةِ الذِّمِّيِّينَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجُرْحِ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَجَنَى عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جِنَايَةً أُخْرَى خَطَأً، وَمَاتَ مِنْهُمَا؛ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الذِّمِّيُّونَ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجُرْحِ نِصْفَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَعَلَيْهِمُ النِّصْفُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَأَرْشِ مُوضِحَةٍ؛ فَهُوَ عَلَى الذِّمِّيِّينَ، وَمَا زَادَ إِلَى تَمَامِ النِّصْفِ؛ فَعَلَى الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مُذَفَّفًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ: أَرْشُ الْجُرْحِ الْوَاقِعِ فِي الْكُفْرِ عَلَى الذِّمِّيِّينَ، وَالْبَاقِي إِلَى تَمَامِ الدِّيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفِي «النِّهَايَةِ» وَ «الْبَيَانِ» إِنَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَنْ جُرِحَ ثُمَّ قُتِلَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ جُرْحِهِ فِي الدِّيَةِ؛ وَأَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الدُّخُولُ؛ فَجَمِيعُ الدِّيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ فَجُرْحُهُ مَعَ آخَرَ خَطَأٌ، بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ أَنَّ الدِّيَةَ تُوَزَّعُ عَلَى الْجَارِحِينَ أَمْ عَلَى الْجِرَاحَاتِ؟ إِنْ قُلْنَا: عَلَى الْجَارِحِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِالْجُرْحَيْنِ؛ فَحِصَّةُ جُرْحِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الرُّبْعُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا جُرْحُ الْكُفْرِ؛ فَإِنْ كَانَ أَرْشُهُ كَرُبُعِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَعَلَى الذِّمِّيِّينَ الرُّبْعُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الرُّبْعِ؛ فَعَلَيْهِمْ قَدْرُ الْأَرْشِ، وَالزِّيَادَةُ إِلَى تَمَامِ الرُّبْعِ فِي مَالِ الْجَانِي؛ وَإِنْ وَزَّعْنَا عَلَى الْجِرَاحَاتِ؛ فَثُلْثُ الدِّيَةِ وَهُوَ حِصَّةُ جُرْحِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَجُرْحُ الْكُفْرِ إِنْ كَانَ
أَرْشُهُ كَثُلْثِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَعَلَى الذِّمِّيِّينَ الثُّلْثُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، فَعَلَيْهِمُ الْأَرْشُ، وَالْبَاقِي إِلَى تَمَامِ الثُّلْثِ فِي مَالِ الْجَانِي.
وَمِنْهَا: لَوْ جَرَحَ شَخْصًا خَطَأً، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِالسِّرَايَةِ، فَأَرْشُ الْجُرْحِ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَاقِي إِلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْجَانِي؛ فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ كَالدِّيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ بِأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ؛ فَقَدْرُ الدِّيَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ.
وَلَوْ جَرَحَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ، ثُمَّ أَسْلَمُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ؛ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ إِذْ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ. وَلَوْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ؛ فَارْتَدَّ الْجَارِحُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ؛ فَهَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ جَمِيعُ الدِّيَةِ اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ، أَمْ عَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجُرْحِ وَمَا زَادَ فِي مَالِ الْجَانِي؟
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: فِيهِ قَوْلَانِ، وَجَزَمَ آخَرُونَ بِوُجُوبِ الْجَمِيعِ عَلَيْهِمْ إِنْ قَصُرَ زَمَانُ الرِّدَّةِ الْمُتَخَلِّلَةِ، وَخَصُّوا الْقَوْلَيْنِ بِطُولِ زَمَانِهَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَجِيءُ وَجْهٌ أَنَّ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلْثَيِ الدِّيَةِ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فِي حَالَيْنِ.
وَلَوْ رَمَى سَهْمًا إِلَى صَيْدٍ وَارْتَدَّ، فَأَصَابَ شَخْصًا، أَوْ رَمَى الْمُرْتَدُّ صَيْدًا فَأَسْلَمَ فَأَصَابَ السَّهْمَ؛ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ حَالُهُ رَمْيًا وَإِصَابَةً، وَلَوْ تَخَلَّلَتِ الرِّدَّةُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ؛ فَكَذَا الْجَوَابُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُمْ خَرَّجُوهَا عَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِي: فِي مَالِهِ.
الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: بَيْتُ الْمَالِ؛ فَيَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَا وَلَاءٍ، أَوْ لَهُ عَصَبَةٌ مُعْسِرُونَ، أَوْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبِ؛ فَيَجِبُ الْبَاقِي فِي بَيْتِ الْمَالِ إِنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا؛ فَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا، بَلِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ؛ كَمُسْلِمٍ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَلَا بَيْتَ مَالٍ، وَهَلْ يَتَحَمَّلُ أَبُوهُ وَابْنُهُ؟ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ وَلَا بَيْتُ مَالٍ، وَقُلْنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، هَلْ