الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِينِي: يَلْزَمُ الْحَرْبِيَّ ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ: وَيُعْزَى هَذَا إِلَى الْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ.
بَابُ مَا يُشْتَرَطُ مُسَاوَاةُ الْقَتِيلِ الْقَاتِلَ فِيهِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَمَا لَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ
.
الْخِصَالُ الَّتِي يَفْضُلُ الْقَاتِلُ الْقَتِيلَ بِهَا كَثِيرَةٌ، وَلَا يُؤَثِّرُ مِنْهَا فِي مَنْعِ الْقِصَاصِ إِلَّا ثَلَاثٌ وَهِيَ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوِلَادَةُ.
فَإِنِ اسْتَوَى الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي عَدَمِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ وُجُودِ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ، جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا قُتِلَ الْمَفْضُولُ بِالْفَاضِلِ وَلَا عَكْسَ.
الْخَصْلَةُ الْأُولَى: الْإِسْلَامُ، فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، أَوْ مُعَاهِدًا، وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهِدُ بِالْمُسْلِمِ، وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، وَلَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ اقْتُصَّ مِنْهُ، وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ مُعَاهِدًا، وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بِالسِّرَايَةِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ.
فَإِنْ جَرَحَ جُرْحًا يُوجِبُ قِصَاصًا، كَقَطْعِ طَرَفٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاطِعُ، ثُمَّ سَرَى، وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ قَطْعًا، ثُمَّ إِذَا طَرَأَ إِسْلَامُ الْقَاتِلِ بَعْدَ الْقَتْلِ، أَوْ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرْفِ، اسْتَوْفَى الْإِمَامُ الْقِصَاصَ بِطَلَبِ الْوَارِثِ، وَلَا يُفَوِّضُهُ إِلَيْهِ حِذَارًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ، فَيُفَوِّضَهُ إِلَيْهِ.
وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، ثُمَّ ارْتَدَّ، أَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ، فَلَا قِصَاصَ، لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ حَالَةَ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقِصَاصُ.
وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لِكَافِرٍ، فَهَلْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ، وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ
الْقِصَاصِ، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالِ: لَا قِصَاصَ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِجُزْءِ الْحُرِّيَّةِ جُزْءُ الْحَرِّيَّةِ، وَبِجُزْءِ الرِّقِّ جُزْءُ الرِّقِّ، بَلْ يُقْتَلُ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِهِ.
وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، أَوْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى الْمَالِ، وَأَوْجَبْنَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ مَثَلًا، لَا نَقُولُ: نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَنِصْفَ الْقِيمَةِ فِي رَقَبَتِهِ، بَلْ يَجِبُ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَرُبُعُ الْقِيمَةِ فِي مَالِهِ، وَرُبُعُ الدِّيَةِ وَرُبُعُ الْقِيمَةِ فِي رَقَبَتِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ شَائِعًا، لَزِمَ قَتْلُ الْبَعْضِ الْحُرِّ بِالْبَعْضِ الْحُرِّ وَالرَّقِيقِ مَعًا.
فَرْعٌ.
قَتَلَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ حُرًّا ذِمِّيًّا، أَوْ حُرٌّ ذِمِّيٌّ عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ قَتَلَ كَافِرٌ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ، أَوِ الِابْنُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ، لَا قِصَاصَ، لِأَنَّ الْحُرَّ وَالْمُسْلِمَ وَالْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِمَفْضُولِهِ.
فَرْعٌ.
قَتَلَ الْمَكَاتَبُ أَبَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدًا لَهُ غَيْرَ أَبِيهِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.
قُلْتُ: إِذَا أَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ، اسْتَوْفَاهُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ، لِأَنَّهُمَا عَبْدَانِ لِلسَّيِّدِ، قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ: الْوِلَادَةُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَالِدٍ يَقْتُلُ وَلَدَهُ، وَالْأُمُّ كَالْأَبِ وَكَذَلِكَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَمِيعًا، وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ وَابْنُ سَلِمَةَ قَوْلًا فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ،
وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ، قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا لَا يَقْبَلُهُ الْأَصْحَابُ مَنْصُوصًا وَلَا مُخْرَجًا، وَلَوْ حَكَمَ قَاضٍ بِقَتْلِ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: يُنْقَضُ حُكْمُهُ، وَلْيَكُنْ هَذَا فِيمَا يُوَافِقُنَا فِيهِ مَالِكٌ رحمه الله.
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إِنْ أَضَجْعَهُ وَذَبَحَهُ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ، فَلَا، لِاحْتِمَالِ قَصْدِهِ التَّأْدِيبَ، وَعِنْدَنَا: لَا فَرْقَ.
فَرْعٌ.
يُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.
فَرْعٌ.
قَتَلَ الْأَبُ الرَّقِيقُ عَبْدَ ابْنِهِ، فَلَا قِصَاصَ، لِأَنَّ قِصَاصَهُ لِابْنِهِ، وَلَوْ قَتَلَ الِابْنُ الرَّقِيقُ عَبْدَ أَبِيهِ، فَلِلْأَبِ الْقِصَاصُ.
فَرْعٌ.
لَوْ قَتَلَ مَنْ يَرِثُهُ وَلَدُ الْقَاتِلِ، لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ، مِثَالُهُ: قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، أَوْ زَوْجَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَتْ أَمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، فَوَرِثَ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ، أَوْ بَعْضَهُ، بِأَنْ قَتَلَ أَبَا زَوْجَتِهِ، ثُمَّ مَاتَتِ الزَّوْجَةُ، وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ ابْنَ عَتِيقِ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ وَوَرِثَهُ الْوَلَدُ، فَلَا قِصَاصَ.
وَكَذَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ الْقِصَاصَ، بِأَنْ قَتَلَ أَحَدَ الِابْنَيْنِ أَبَاهُ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْآخَرُ، فَوَرِثَهُ الْقَاتِلُ.
فَرْعٌ.
تَدَاعَى رَجُلَانِ مَوْلُودًا مَجْهُولًا، ثُمَّ قَتَلَهُ أَحَدُهُمَا، أَوْ قَتَلَاهُ، فَلَا قِصَاصَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا، وَكَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي
الْقَتْلِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الَّذِي أُلْحِقَ بِهِ، وَيُقْتَصُّ مِنَ الْآخَرِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنَ الْآخَرِ، لِأَنَّ إِلْحَاقَ الْقَائِفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَلَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ الَّذِي يَسْقُطُ بِالشُّبَهَاتِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ أَحَدُهُمَا، فَأَلْحَقَهُ بِالْآخَرِ، اقْتُصَّ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِمَا، وَيَعُودُ فِيهِ وَجْهُ ابْنِ كَجٍّ، وَإِنْ رَجَعَا عَنِ الدَّعْوَةِ، لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا، لِأَنَّهُ صَارَ ابْنًا لِأَحَدِهِمَا، وَفِي رُجُوعِهِ إِبْطَالُ حَقِّ الْوَلَدِ.
وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا، وَأَصَرَّ الْآخَرُ، فَهُوَ ابْنُ الْآخَرِ، فَيَقْتَصُّ مِنَ الرَّاجِعِ إِنِ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، أَوْ إِنِ انْفَرَدَ هُوَ بِقَتْلِهِ، هَذَا إِذَا لَحِقَ الْمَوْلُودُ أَحَدَهُمَا بِالدَّعْوَةِ، أَمَّا إِذَا لَحِقَ بِالْفِرَاشِ، بِأَنْ نُكِحَتْ مُعْتَدَّةٌ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَمِنَ الثَّانِي، أَوْ فُرِضَ وَطْءُ شُبْهَةٍ، فَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ، أَوْ بِانْتِسَابِ الْمَوْلُودِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَوْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا، فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِلثَّانِي، أَمْ يَبْقَى الْإِبْهَامُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَى الْقَائِفِ، أَوْ يَنْتَسِبَ؟ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا: ثَانِيهِمَا، فَإِذَا أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا، اقْتَصَّ مِنَ الْآخَرِ إِنِ انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ، أَوْ شَارَكَ فِيهِ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا، أَوِ انْتَسَبَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَقَتَلَهُ الَّذِي لَحِقَهُ، لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ، لَحِقَهُ وَاقْتُصَّ مِنَ الْأَوَّلِ.
فَرْعٌ.
أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْأَبَ وَالْآخَرُ الْأُمَّ، فَلَهُمَا حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتُلَاهُمَا مَعًا، وَالثَّانِي: عَلَى التَّعَاقُبِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّعَاقُبِ بِزُهُوقِ الرُّوحِ لَا بِالْجُرْحِ.
الْحَالُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَقْتُلَاهُمَا مَعًا، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، فَلِلْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْعَافِي، وَإِنْ لَمْ
يَعْفُ، قُدِّمَ لِلْقِصَاصِ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ، أَوْ بِالْمُبَادَرَةِ بِلَا قُرْعَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الْقَاتِلُ بِحَقٍّ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُقْتَصُّ مَحْجُوبًا، سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ وَرِثَ الْقِصَاصَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ بَعْضَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبُهُ، فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْمُبَادِرِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَاقَبَ الْقَتْلَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ أَوَّلًا، وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي، فَإِذَا اقْتَصَّ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ مِنَ الثَّانِي، وَقُلْنَا: الْقَاتِلُ بِحَقٍّ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ، أَوْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَحْجُوبًا، فَلِوَرَثَةِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ يُطَالِبُونَ بِهِ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْقِصَاصِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَلْ يُقَدَّمُ بِالْقُرْعَةِ، أَمْ يُقْتَصُّ مِنَ الْمُبْتَدِئِ بِالْقَتْلِ؟ وَجْهَانِ.
مَيْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَبِالثَّانِي أَجَابَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
قُلْتُ: لَمْ يُعَبَّرْ عَنْ تَرْجِيحِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا يَنْبَغِي، فَقَدْ قَطَعَ بِالْإِقْرَاعِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَطَعَ بِالثَّانِي الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ، مَعَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْإِقْرَاعَ، وَالْأَرْجَحُ مَا نَقَلَهُ عَنِ الْأَصْحَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَادَرَ مَنْ أَرَدْنَا الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ لِابْتِدَائِهِ بِالْقَتْلِ، عَادَ النَّظَرُ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ هَلْ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَأَنَّهُ هَلْ خَلَفَ الْمَقْتُولَ مَنْ يَحْجُبُهُ كَمَا سَبَقَ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْقَتْلَانِ مَعًا، وَأَقْرَعْنَا لِلِابْتِدَاءِ، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا، أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَكِيلًا، جَازَ، لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْآخَرُ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ لَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَلَا تَبْقَى الْوِكَالَةُ حِينَئِذٍ، قَالَ:
وَعِنْدِي أَنَّ تَوْكِيلَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ وَكِيلُهُ، فَقَتَلَ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لَكِنْ إِذَا قَتَلَ مُوَكِّلَهُ، بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ.
قُلْتُ: وَلَوْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ وَكِيلًا قَبْلَ الْإِقْرَاعِ، صَحَّ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَكِيلَيْنِ، فَإِذَا اقْتَصَّ أَحَدُهُمَا، انْعَزَلَ الْآخَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ.
أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ، قَتَلَ الثَّانِي أَكْبَرَهُمْ، ثُمَّ الثَّالِثُ أَصْغَرَهُمْ، وَلَمْ يُخَلِّفِ الْقَتِيلَانِ غَيْرَ الْقَاتِلَيْنِ، فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الثَّالِثِ، وَيَسْقُطَ عَنِ الثَّانِي الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُ وَرِثَ مَا كَانَ الصَّغِيرُ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ.
قَتَلَ زَيْدٌ ابْنًا لِعَمْرٍو، وَعَمْرٌو ابْنًا لِزَيْدٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مُتَفَرِّدٌ بِالْإِرْثِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ الْقَطَّانِ، أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَقَعُ التَّقَاصُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَجِيءِ هَذَا الْوَجْهِ فِي الْأَخَوَيْنِ.
قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِنَقْلِ الْوَجْهِ فِي الْأَخَوَيْنِ عَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ.
لَوْ شَهِدَ الِابْنُ عَلَى أَبِيهِ بِمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ.
فَرْعٌ.
يُكْرَهُ لِلْجَلَّادِ قَتْلُ وَالِدِهِ حَدًّا وَقِصَاصًا.