الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ:«كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ؛ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» فَمَعْنَاهُ: مَنْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ لَهُ؛ فَلَا بَأْسَ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُوَافَقَةَ، فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُعَلَّقٌ بِمَعْرِفَةِ الْمُوَافَقَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ قَصْدَ السَّاحِرِ، وَلَا يُشَاهِدُ تَأْثِيرَ السِّحْرِ؛ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ السَّاحِرِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي، وَسِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا؛ فَقَدْ أَقَرَّ بِقَتْلِ الْعَمْدِ. وَإِنْ قَالَ: وَهُوَ يَقْتُلُ نَادِرًا، فَهُوَ إِقْرَارٌ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْتُ مِنِ اسْمِ غَيْرِهِ إِلَى اسْمِهِ؛ فَهُوَ إِقْرَارٌ بِالْخَطَأِ، ثُمَّ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَدِيَةُ الْخَطَأِ الْمُخَفَّفَةِ كِلَاهُمَا فِي مَالِ السَّاحِرِ، وَلَا تُطَالَبُ الْعَاقِلَةُ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ عَلَيْهِمْ لَا يُقْبَلُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَاقِلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ فِي «الْوَجِيزِ» هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ خَطَأٌ وَسَبْقُ قَلَمٍ، لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَلَا هُوَ فِي «الْوَسِيطِ» .
فَرْعٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْأُمِّ» : لَوْ قَالَ: أُمَرِّضُ بِسِحْرِي وَلَا أَقْتُلُ، وَأَنَا سَحَرْتُ فُلَانًا فَأَمْرَضْتُهُ؛ عُزِّرَ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لَا أَمْرَضُ بِهِ، وَلَكِنْ أُوذِيَ؛ نُهِيَ عَنْهُ؛ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ؛ لِأَنَّ السِّحْرَ كُلُّهُ حَرَامٌ.
فَرْعٌ
إِذَا قَالَ: أَمْرَضْتُهُ بِسِحْرِي وَلَمْ يَمُتْ بِهِ؛ بَلْ بِسَبَبٍ آخَرَ، نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي «الْمُخْتَصَرِ» أَنَّهُ لَوْثٌ يُقْسِمُ بِهِ الْوَلِيُّ، وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ وَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي «الْأُمِّ» وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ مُتَأَلِّمًا إِلَى أَنْ
مَاتَ، حَلَفَ الْوَلِيُّ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ، وَذَلِكَ قَدْ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِرِ؛ وَإِنِ ادَّعَى السَّاحِرَ الْبُرْءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ الْبُرْءُ فِيهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ نَصُّ «الْمُخْتَصَرِ» .
فَرْعٌ
قَالَ: قَتَلْتُ بِسِحْرِي جَمَاعَةً، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا؛ فَلَا قِصَاصَ وَلَا يُقْتَلُ حَدًّا؛ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
فَرْعٌ
إِذَا أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْعَيْنِ فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا.
قُلْتُ: وَلَا دِيَةَ فِيهِ أَيْضًا وَلَا كَفَّارَةَ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُعِينِ بِالْبَرَكَةِ؛ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ، وَأَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَإِذَا اسْتَغْسَلْتُمْ فَاغْسِلُوا» قَالَ الْعُلَمَاءُ: الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ: اغْسِلْ دَاخِلَةَ إِزَارِكَ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَى الْمَعِينِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ.
وَقَدْ جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرِهَا أَوْضَحْتُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ «الْأَذْكَارِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْعَاقِلَةِ وَمَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَفِي جِنَايَةِ الرَّقِيق
قَدْ سَبَقَ عِنْدَ ذِكْرِ جِهَاتِ تَخْفِيفِ الدِّيَةِ وَتَغْلِيظِهَا، أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ عَلَى الْجَانِي، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ وَسَوَاءٌ فِي الْعَمْدِ كَانَ مُوجِبًا لِلدِّيَةِ ابْتِدَاءً كَقَتْلِ الْأَبِ الِابْنَ، أَمْ كَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، ثُمَّ عُفِيَ عَلَى الدِّيَةِ. وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ أَيْضًا دِيَةَ الْأَطْرَافِ فِي
جِنَايَةِ الْعَمْدِ، ثُمَّ بَدَلُ الْعَمْدِ يَجِبُ حَالًا عَلَى قِيَاسِ أَبِدَالِ الْمَتْلَفَاتِ، وَبَدَلُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، يَجِبُ مُؤَجَّلًا، وَفِي الْبَابِ أَطْرَافٌ: الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْعَاقِلَةِ، وَالثَّانِي: فِي صِفَتِهِمْ، وَالثَّالِثُ: فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ عَلَيْهِمْ؛ وَهَذِهِ الْأَطْرَافُ مُخْتَصَّةٌ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ، وَالرَّابِعُ: فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ.
أَمَّا الْعَاقِلَةُ فَجِهَاتُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثٌ: الْقَرَابَةُ وَالْوَلَاءُ وَبَيْتُ الْمَالِ، وَلَيْسَتِ الْمُحَالَفَةُ وَالْمُوَالَاةُ مِنْ جِهَاتِ التَّحَمُّلِ. وَلَا يَتَحَمَّلُ الْحَلِيفُ وَلَا الْعَدِيدُ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ؛ فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا. وَلَا يَتَحَمَّلُ أَيْضًا عِنْدَنَا أَهْلُ الدِّيوَانِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ أَمَّا جِهَةُ الْقَرَابَةِ؛ فَإِنَّمَا يَتَحَمَّلُ مِنْهَا مَنْ كَانَ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ وَهُمُ الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ وَالْأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ. وَأَمَّا أَبُو الْجَانِي وَأَجْدَادُهُ وَبَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ؛ فَلَا يَتَحَمَّلُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ وَأُصُولُهُ؛ فَلَمْ يَتَحَمَّلُوهُ، كَمَا لَا يَتَحَمَّلُ الْجَانِي.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِدِيَةِ مَقْتُولَةٍ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَالْوَلَدَ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ لِرَجُلٍ مَعَهُ ابْنُهُ:«لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» أَيْ: لَا يَلْزَمُكَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مُوجَبُ جِنَايَتِكَ.
فَلَوْ جَنَتِ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا؛ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مَانِعَةٌ.
فَرْعٌ
يُقَدَّمُ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ فَأَقْرَبُهُمْ. وَمَعْنَى التَّقْدِيمِ: أَنْ يُنْظَرَ فِي الْوَاجِبِ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ، وَفِي الْأَقْرَبِينَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ وَفَاءٌ إِذَا وُزِّعَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ لِقِلَّةِ الْوَاجِبِ أَوْ لِكَثْرَتِهِمْ، وُزِّعَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُشَارِكُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ وَإِلَّا فَيُشَارِكُهُمْ فِي التَّحَمُّلِ مَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
وَالْمُقَدَّمُ مِنَ الْعَاقِلَةِ الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْمِيرَاثِ. وَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ