الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يريد صاحبيه زيدا وجعفرا، ثم نزل. فلما نزل أتاه ابن عمر له بعرق من لحم فقال:«شد بهذا صلبك فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت» . فأخذه من يده، ثم انتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا؟ ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه. ووقع اللّواء من يده فاختلط المسلمون والمشركون وانهزم بعض الناس، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا. قال سعيد بن أبي هلال رحمه الله تعالى: وبلغني أن زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة دفنوا في حفرة واحدة. وفي حديث أبي عامر رضي الله تعالى عنه عند ابن سعد أن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه لما قتل «انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى لم أر اثنين جميعا. ثم أخذ اللواء رجل من الأنصار ثم سعى به حتى إذا كان أمام الناس ركزه ثم قال: إليّ أيها الناس. فاجتمع إليه الناس حتى إذا كثروا مشى باللواء إلى خالد بن الوليد. فقال له خالد:
لا آخذه منك أنت أحقّ به فقال الأنصاري والله ما أخذته إلا لك» .
ذكر تأمير المسلمين خالد بن الوليد بعد قتل أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهزمه المشركين، وإعلام الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح
قال ابن إسحاق: ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم. فقالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل. فاصطلح الناس على خالد بن الوليد.
وروى الطبراني عن أبي اليسر الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة فدفعت إلى خالد وقال [له ثابت بن أقرم] أنت أعلم بالقتال مني. قال ابن إسحاق: «فلما أخذ الراية خالد بن الوليد دافع القوم وحاشى بهم ثم انحاز وانحيز عنه وانصرف بالناس» .
هكذا ذكر ابن إسحاق أنه لم يكن إلا المحاشاة والتخلص من أيدي الروم الذين كانوا مع من انضمّ إليهم أكثر من مائتي ألف والمسلمون ثلاثة آلاف. ووافق ابن إسحاق على ذلك شرذمة. وعلى هذا سمّي هذا نصرا وفتحا باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدوّ وتراكمهم وتكاثرهم عليهم وكان مقتضي العادة أن يقتلوا بالكلّيّة وهو محتمل لكنه خلاف الظاهر من
قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى فتح الله عليكم» [ (1) ] .
والأكثرون على أن خالدا ومن معه رضي الله تعالى عنهم قاتلوا المشركين حتى هزموهم. ففي حديث أبي عامر عند ابن سعد أن خالدا لما أخذ
[ (1) ] أخرجه البخاري 7/ 585 (4262) .
اللّواء «حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا» .
وروى الطبراني برجال ثقات عن موسى بن عقبة قال: ثم اصطلح المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد المخزومي فهزم الله تعالى العدوّ وأظهر المسلمين. وروى محمد بن عمر الأسلمي عن عطاف بن خالد لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم وقالوا وقد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين. قال:
فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم. وذكر ابن عائذ في مغازيه نحوه.
وروى محمد بن عمر عن الحارث بن الفضل رحمه الله تعالى: لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآن حمي الوطيس» [ (1) ] .
وروى القرّاب في تاريخه عن برذع بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: اقتتل المسلمون مع المشركين سبعة أيام. وروى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما وهذا الذي ذكره أبو عامر والزهري، وعروة، وابن عقبة، وعطّاف بن خالد، وابن عائذ وغيرهم هو ظاهر
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: «ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله على يديه» [ (2) ] .
وفي حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً كما سيأتي. ثم أخذ خالد بن الوليد اللواء ولم يكن من الأمراء، هو أمّر نفسه.
ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه، ثم قال:«اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره» [ (3) ] .
فمن يومئذ سمّي خالد بن الوليد «سيف الله» ، رواه الإمام أحمد برجال ثقات ويزيده قوّة ويشهد له بالصحة ما رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والبرقاني عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه قال: «خرجت [مع من خرج] مع زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما في غزوة مؤتة ورافقتني مدديّ من المسلمين من اليمن، ليس معه غير سيفه. فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المدديّ طائفة من جلد، فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدّرقة، ومضينا ولقينا جموع الروم فيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهّب وسلاح مذهّب، فجعل الرومي يغزو المسلمين، فقعد له المدديّ خلف صخرة فمرّ به الرومي فعرقب فرسه بسيفه وخرّ الرومي فعلاه بسيفه فقتله وحاز سلاحه وفرسه. فلما فتح الله تعالى على المسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السّلب. قال عوف، فأتيت خالدا وقلت له: أما
[ (1) ] أخرجه مسلم 3/ 1398 كتاب الجهاد (76- 1775) من حديث عباس وأحمد في المسند 1/ 207 وعبد الرزاق (9741) .
[ (2) ] أخرجه البخاري (4262) .
[ (3) ] أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 368 وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 513.