الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن سيرين: كانت هذه القصة العرنيّين قبل أن تنزل الحدود. وعند ابن عوانة عن ابن عقيل عن أنس أنه صلب اثنين وسمل اثنين قال الحافظ: كذا ذكر ستة فقط فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزّعة. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [المائدة 33] . فلم يسمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عينا ولم يقطع لسانا ولم يزد على قطع اليد والرّجل ولم يبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثا بعد ذلك إلا نهاهم عن المثلة. وكان بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة. قال محمد بن عمر وابن سعد: كانت اللّقاح خمس عشرة لقحة ذهبوا منها بالحناء.
تنبيهات
الأول: تقدم أن نفرا من عكل وعرينة بالواو العاطفة من غير شك. قال الحافظ: «وهو الصواب. وهي رواية البخاري في المغازي وإن وقع غيرها بأو» وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل» . قال الحافظ. «وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان: عكل قبيلة من تيم الرّباب بكسر الراء وتخفيف الموحدة: الأولى من عدنان، وعرينة من قحطان في بجيلة وقضاعة. فالذي في بجيلة- وهو المراد هنا- عرينة بن نذير- بفتح النون وكسر الذال المعجمة- ابن قسر- بقاف مفتوحة فسين مهملة ساكنة فراء- ابن عبقر، وعبقر أمّه بجيلة. والعرن حكّة تصيب الخيل والإبل في قوائمها.
ووقع عند عبد الرزاق بسند ساقط أن عكلا وعرينة من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر، لا يجتمعون مع عكل وعرينة أصلا.
الثاني: ذكر ابن إسحاق أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد، وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. وذكرها البخاري بعد الحديبية، وكانت في ذي القعدة منها. وذكر محمد بن عمر إنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد، وابن حبّان وغيرهما.
الثالث: اختلف في أمير هذه السرية فقال ابن إسحاق والأكثرون: كرز- بضم الكاف وسكون الراء وزاي- ابن جابر الفهري- بكسر الفاء. وقال موسى بن عقبة إن أميرها سعيد- كذا عنده بزيادة ياء تحتية- والذي ذكره غيره سعد- بسكون العين- ابن زيد الأنصاري الأشهلي.
قال الحافظ، فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة. وذكر بعضهم أن أمير هذه السرية جرير بن عبد اللَّه البجليّ، وتعقب بأن إسلامه كان بعد هذه السرية بنحو أربع سنين.
الرابع: ظاهر بعض الروايات أن اللّقاح كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصرّح بذلك في رواية البخاري في المحاربين فقال: إلا أن تلحقوا بإبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: «فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة» . والجمع بينهم أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل، فأمرهم أن يخرجوا مع راعية، فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا، وظهر مصداق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن المدينة تنفي خبثها.
الخامس: احتج من قال بطهارة بول ما أكل لحمه بما في قصة العرنيّين من أمره لهم بشرب ألبانها وأبوالها، وهو قول الإمام مالك وأحمد، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والاصطخري والروياني. وذهب الإمام الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره. واحتج ابن المنذر بقوله توزن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة. قال: ومن زعم أن هذا خاصّ بأولئك الأقوام لم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل. قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل ظاهر قال الحافظ: وهو استدلال ضعيف لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته. وقد دلّ على نجاسة الأبوال
حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: « [دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ] .
وكان القاضي أبو بكر بن العربي الذي تعلق بهذا الحديث ممن قال بطهارة أبوال الإبل، وعورض بأنه أذن لهم في شربها للتداوي. وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب، فكيف يباح الحرام بما لا يجب؟ وأجيب بمعنى أنه ليس بحال ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقد تأوّله لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام 119] فما اضطرّ إليه المرء فهو غير محرّم عليه كالميتة للمضطر، واللَّه تعالى أعلم. قال الحافظ وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح ولا الأمر واجب غير مسلم فإن الفطر في رمضان حرام، ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسّفر مثلا. وأما قول غيره: ولو كان نجسا ما جاز التداوي به
لقوله صلى الله عليه وسلم: «أن اللَّه تعالى لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها» .
رواه أبو داود من حديث أم سلمة: فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار. وأما في حالة الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يردّ قوله صلى الله عليه وسلم في الخبر إنها ليست بدواء، إنها داء في سؤال من سأل من التداوي بها فيما رواه مسلم فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق بها غيرها من المسكر.
والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات أن الحديث باستعماله في حالة الاختيار دون غيره
ولأن شربه يجرّ إلى مفاسد كثيرة لأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم. قاله الطحاوي بمعناه.
قال الشيخ تقي الدين السبكي: كان في الخمر منفعة في التداوي بها فلما حرّمت نزع اللَّه الدواء منها، وأما أبوال الإبل
فقد روى ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أبوال الإبل شفاء للذّربة بطونهم» .
والذّرب بذال معجمة فساء المعدة. فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، وبهذا الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها.
السادس: لم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذكره في الإفراد، وكذا مسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس:«ثم مالوا على الرّعاء فقتلوهم» بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس. فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم مع راعي اللّقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذكر بعضهم معه غيره. ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوّز في الإتيان بصيغة الجمع. قال الحافظ: وهو الراجح لأن أصحاب المغازي لم يؤكد أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار واللَّه تعالى أعلم.
السابع: في صحيح مسلم فيمن أرسلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في طلب العرنيّين أنهم من الأنصار، فأنطلق الأنصار تغليبا، وقيل للجميع أنصار بالمعنى الأعمّ.
الثامن: استشكل القاضي عدم سقيهم بالماء بالإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع. وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا وقع منه نهي عن سقيهم.
قال الحافظ: وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كان في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه أن من ليس معه إلا ماء لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيممّ بل يستعمله ولو مات مطلقا.
وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطّش آل بيته، في قصة رواها النّسائي، فيحتمل أنهم تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة كما ذكر ابن سعد.
التاسع: في رواية: «سمّر أعينهم» ، بتشديد الميم. وفي رواية بالتخفيف. ولم تختلف روايات البخاري في أنها بالراء ووقع عند مسلم:«فسمل» باللام. قال الخطّابي: «السّمل» هو فقء العين بأي شيء كان. والسّمر لغة في السّمل ومخرجهما متقارب وقد يكون من المسمار
يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت كما في رواية الصحيح: فكحلهم بها. فهذا يوضّح ما تقدم ولا يخالف رواية السّمل لأنه فقء العين بأي شيء كان.
العاشر: في بيان غريب ما سبق:
محارب: بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء وبالموحدة.
يسار: بفتح التحتية والسين المهملة وبالراء.
اللّقاح: بكسر اللام جمع لقحة بفتح اللام وكسرها وسكون القاف: الناقة ذات اللّبن. قال أبو عمر: ويقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر.
الحمى: بكسر الحاء المهملة وفتح الميم المخففة.
عكل: بضم العين المهملة وسكون الكاف بعدها لام.
عرينة: بعين مهملة فراء فتحتية فنون فهاء تأنيث مصغّر.
السّقم: بفتح السين المهملة وضمها طول مدة المرض.
الهزال: بضم الهاء وتخفيف الزاي ضدّ السّمن.
عظمت بطونهم: انتفخت.
الصّفّة: بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء والمراد ههنا موضع مظلّل في آخر المسجد النبوي في شماليّة يسكنه الغرباء ممن ليس لهم موضع يأوون إليه ولا أهل اجتووا المدينة: قال الفزاري لم يوافقهم طعامها وقال أبو بكر بن العربي: هو بمعنى استوخموا. وقال غيره: داء يصيب الجوف.
استوخموا المدينة: لم يوافق هواؤها أبدانهم.
طحلوا: بضم الطاء وكسر المهملتين وباللام: أعيوا وهزلوا.
الموم: بضم الميم وسكون الواو [وهو] البرسام بكسر الموحدة سرياني معرّب، يطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وورم الصدر والمراد هنا الأخير.
الضّرع: بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وبالعين المهملة وهو لذات الظّلف كالثّدي للمرأة.
ابغنا: اطلب.
الرّسل: بكسر الراء وسكون السين المهملة وباللام: اللّبن.
الذّود: بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة وهو [الإبل إذا كانت] ما
بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل غير ذلك.
فيفاء: بفاءين الأولى مفتوحة بينهما تحتية ساكنة وبالألف الممدودة موضع ويقال له فيفاء الخبار كغزال وفيف من غير إضافة.
والخبار: بخاء معجمة مفتوحة فموحدة مخففة. وبعد الألف راء. قال في النهاية:
وبعضهم يقول بالحاء المهملة والتحتية المشددة.
عدوا عليه: ظلموه.
استاقوا: من السّوق وهو السير العنيف.
السّرح: بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة: المال السائم، وسرحتها أرسلتها ترعى.
الصّريخ: بفتح الصاد وكسر الراء المهملتين وبالخاء المعجمة، فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم. وهذا الصارخ أحد الراعيين.
آثارهم: جمع أثر أي: بقية الشيء أي في طلبهم.
الأكوع: بفتح أوله وسكون الكاف وفتح الواو وبعين مهملة.
أبو رهم: بضم الراء وسكون الهاء.
الغفاري: بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء.
أبو ذرّ: بفتح الذال المعجمة.
بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية وبالدال المهملة.
مكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون التحتية وبالثاء المثلثة.
جعال: بجيم مكسورة فعين مهملة فلام ككتاب.
سويد: بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون التحتية وبالدال المهملة.
كرز: بضم الكاف وسكون الراء فزاي.
القايف: بالقاف والتحتية والفاء: الذي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه والجمع القافة، يقال: قال الرجل الأثر قوفا من باب قال..
المسك: بفتح الميم وسكون السين المهملة: الجلد.
أدركوا: بالبناء للمفعول.
الحرّة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها أقرب إلى المكان
الذي فعلوا فيه ما فعلوا.
الكتف: بفتح الكاف وكسر الفوقية والفاء: وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب.
الرّغابة: بكسر الراء وبالغين المعجمة والموحدة: أرض متصلة بالجرف بضم الجيم والراء كما قاله أبو عبيد البكري والقاضي والحازمي، وقال المجد اللغوي:«واد رغيب ضخم كثير الأخذ واسع كرغب بضمتين» مجتمع الأسيال.
سمّر: بفتح السين والميم المشددة وبتخفيفها ثم راء.
كسمل: بفتح السين المهملة والميم وباللام: فقأ أعينهم بأي شيء كان.
قطع يده ورجله من خلاف: أي إحداهما من جانب والأخرى من جانب آخر.
نبذ الشيء: طرحه.
كدم يكدم: بكسر الدال المهملة وضمها عضّ بمقدم أسنانه.
لم يحسمهم: لم يقطع سيلان دمائهم بالكيّ.
أبو قلابة: بكسر القاف والموحدة.
سيرين: بكسر السين المهملة وسكون التحتية وكسر الراء وتحتية وبالنون.
المثلة: بضم الميم وسكون المثلثة ويروى بفتح أوله ويروى بضمهما معا: وهي ما يفعل من التشويه بالقتلى وجمعه مثلات بضمتين. وقال أبو عمر: المثلة بالضم فالسكون والمثل بفتح أوله وسكون ثانية قطع أنف القتيل وأذنه.
الحنّاء: بحاء مهملة فنون مشددة.