الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر قتل زيد بن الدثنة رضي اللَّه تعالى عنه
قال ابن إسحاق وابن سعد: فاشترى زيدا صفوان بن أمية، وأسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه أمية بن خلف وحبسه عند ناس من بني جمح ويقال عند نسطاس غلامه. فلما انسلخت الأشهر الحرم بعثه صفوان مع غلامه نسطاس إلى التنعيم وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط من قريش، منهم أبو سفيان بن حرب. فقال أبو سفيان حين قدّم ليقتل:«أنشدك اللَّه يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟» قال: «واللَّه ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي» . فقال أبو سفيان: «ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا» . ثم قتله نسطاس، وأسلم بعد ذلك. وذكر ابن عقبة أن زيدا وخبيبا قتلا في يوم واحد وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع يوم قتلا وهو يقول:«وعليكما السلام» .
ذكر قصة قتل خبيب بن عدي رضي اللَّه تعالى عنه وما وقع في ذلك من الآيات
قال أبو هريرة كما في الصحيح [ (1) ] : «فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل» .
وقال ابن عقبة: «واشترك في ابتياع خبيب، زعموا أبا إهاب بن عزيز، وعكرمة بن أبي جهل، والأخنس بن شريق [ (2) ] ، وعبيدة بن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وصفوان بن أمية وبنو الحضرمي، وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر» وقال ابن إسحاق: «فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر لأمه» . وقال ابن هشام: كان ابن أخته لا ابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه الحارث. قال أبو هريرة كما في الصحيح: «وكان خبيب بن عدي قتل الحارث يوم بدر» . انتهى. فجلس خبيب في بيت امرأة يقال لها ماويّة مولاة حجير بن أبي إهاب، وأسلمت بعد ذلك فأساؤوا إساءة. فقال لهم:«ما يصنع القوم الكرام هنا بأسيرهم» فأحسنوا إليه بعد.
وروى ابن سعد عن موهب مولى الحارث أنهم جعلوا خبيبا عنده، فكأنه كان زوج ماويّة. قالت ماوية كما عند محمد بن عمر، وموهب كما عند ابن سعد أنهما قالا لخبيب:
«ألك حاجة؟» فقال: «نعم لا تسقوني إلا العذاب ولا تطعموني ما ذبح على النّصب وتخبروني إذا أرادوا قتلى» .
[ (1) ] أخرجه البخاري في الموضع السابق (4086) .
[ (2) ] الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزيز بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي أبو ثعلبة حليف بني زهرة
…
اسمه أبي وإنما لقب الأخنس لأنه رجع ببني زهرة من بدر لما جاءهم الخبر إن أبا سفيان نجا بالعير فقيل: خنس الأخنس ببني زهرة فسمي بذلك ثم أسلم الأخنس فكان من المؤلفة وشهد حنينا ومات في أول خلافة عمر ذكره أبو موسى عن ابن شاهين. الإصابة 1/ 23.
وروى البخاري عن بعض بنات الحارث بن عامر، قال خلف في الأطراف: اسمها زينب، وابن إسحاق ومحمد بن عمر عن ماويّة قالت زينب:«ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وأنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه اللَّه تعالى خبيبا» .
وقالت ماويّة: «اطلعت عليه من صير الباب وإنه لفي الحديد وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرّجل يأكل منه وما أعلم في أرض اللَّه تعالى عنبا يؤكل» . زاد محمد بن عمر:
كان خبيب يتهجّد بالقرآن فكان يسمعه النساء فيبكين ويرفقن عليه.
فلما انسلخت الأشهر الحرم، وأجمعوا على قتله قالت ماوية كما عند محمد بن عمر:
«فأتيته فأخبرته فو اللَّه ما اكترث بذلك» . وقال: «ابعثني بحديدة أستصلح بها» . قالت: «فبعثت إليه بموسى مع أبي حسين بن الحارث» . قال محمد بن عمر: وكانت تحضنه ولم يكن ابنها.
فلما ولّى الغلام قلت: «واللَّه أدرك الرجل ثأره، أيّ شيء صنعت؟ بعثت هذا الغلام بهذه الحديدة، فيقتله ويقول: رجل برجل» . فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال: «لعمرك أما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة؟» ثم خلّى سبيله. فقلت: «يا خبيب إنما أمنتك بأمانة اللَّه» فقال خبيب: «ما كنت لأقتله وما نستحلّ في ديننا الغدر» .
وفي الصحيح عن أبي هريرة [ (1) ] : « [فمكث عندهم أسيرا حتى إذا أجمعوا قتله] استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها فأعارته، قالت فغفلت عن صبي لي حتى أتاه، فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذلك مني، وفي يده الموسى. فقال:
«أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء اللَّه» . قال الحافظ: والجمع بين الروايتين أنه طلب الموسى من كل منهما، وكان الذي أوصله إليه ابن أحدهما. وأما ابن الذي خشيت عليه حين درج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فهذا غير الذي أحضر إليه الحديدة. واللَّه تعالى أعلم.
فأخرجوه في الحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة. فلم يتخلّف أحد إمّا موتور فهو يريد أن يتشفّى بالنظر من وتره، وإما غير موتور فهو مخالف للإسلام وأهله. فلما انتهوا به إلى التنعيم أمروا بخشبة طويلة فحفروا لها.
فلما انتهوا بخبيب إليها قال: «هل أنتم تاركي فأصلّي ركعتين؟» قالوا: نعم. فركع ركعتين أتمّهما من غير أن يطوّل فيهما. ثم أقبل على القوم فقال: «أما واللَّه لولا أن تظنوا أني إنما طوّلت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة» .
[ (1) ] أخرجه البخاري (4086) .
وذكر ابن عقبة رحمه الله تعالى أنه صلى الركعتين في موضع مسجد التنعيم. قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، كما في الصحيح [ (1) ] :«فكان خبيب رضي الله تعالى عنه أول من سنّ هاتين الركعتين عند القتل» انتهى. ثم قال خبيب: «اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا» . قال معاوية بن أبي سفيان: «لقد حضرت مع أبي سفيان، فلقد رأيتني وإن أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب» . وكانوا يقولون أن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه. وقال حويطب بن عبد العزّى: وأسلم بعد ذلك: «لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذنيّ وعدوت هاربا فرقا أن أسمع دعاءه» ، وكذلك قال جماعة منهم.
فلما صلى الركعتين جعلوه على الخشبة ثم وجّهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا، ثم قالوا له:«ارجع عن الإسلام نخل سبيلك» . قال: «لا والله ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعا» . قالوا: «أفتحب أن محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟» قال: «لا والله ما أحب أن يشاك محمد شوكة وأنا جالس في بيتي» . فجعلوا يقولون: «ارجع يا خبيب» .
فقال: «لا أرجع أبدا» . قالوا: «أما واللات والعزى» لئن لم تفعل لنقتلنّك. فقال: «إن قتلى في الله لقليل» . ثم قال: «اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، الله إنه ليس هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام، فبلّغه أنت عني السلام» . فلما رفع على الخشبة استقبل الدعاء. وروى محمد بن عمر عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أصحابه فأخذته غمية كما كانت تأخذه فلما نزل عليه الوحي سمعناه يقول: «وعليه السلام ورحمة الله وبركاته» . ثم قال: «هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام» .
وفي رواية أبي الأسود عن عروة: «فجاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأخبر أصحابه بذلك» . قال ابن عقبة رحمه اللَّه تعالى: فزعموا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس:
«وعليك السلام، خبيب قتلته قريش» .
ثم دعا المشركون أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم ببدر كفّارا، فأعطوا كل غلام رمحا وقالوا:
هذا الذي قتل آباؤكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا فاضطرب على الخشبة، فانقلب فصار وجهه إلى الكعبة، فقال:«الحمد للَّه الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه» ثم قتلوه رحمه اللَّه تعالى.
وفي حديث أبي هريرة: «ثم قام إليه أبو سروعة» - واسمه كما في الصحيح في غزوة بدر عن أبي هريرة، وجزم جماعة من أهل النسب أنه أبو سروعة أخو عقبة بن الحارث، وأسلم
[ (1) ] أخرجه البخاري (4086) .
بعد ذلك- (فقتله) وذكر أبو عمر في الاستيعاب أن أبا صبيرة بن العبدري قتل خبيبا مع عقبة وصوابه أبو ميسرة كما عند ابن إسحاق رحمه اللَّه تعالى. وروى ابن إسحاق بسند صحيح عن عقبة بن الحارث قال: «لأنا كنت أضعف من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة. ثم طعنته بها حتى قتلته» وذكر محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر وغيرهما أن خبيبا رضي اللَّه تعالى عنه حين رأى ما صنعوا به قال:
لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا
…
قبائلهم واستجمعوا كلّ مجمع
وكلّهم مبدي العداوة جاهد
…
علي لأنّي في وثاق مضيّع
وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم
…
وقرّبت من جذع طويل ممنّع
وقد خيّروني الكفر والموت دونه
…
وقد هملت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت إنّي لميّت
…
ولكن حذاري حرّ نار تلفّع
إلى اللَّه أشكو غربتي ثمّ كربتي
…
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش صبّرني على ما يراد بي
…
فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزّع
لعمرك ما آسي إذا متّ مسلما
…
على أي جنب كان في اللَّه مصرعي
فلست بمبد للعدوّ تخشّعا
…
ولا جزعا إنّي إلى اللَّه مرجعي
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن خبيبا رضي اللَّه تعالى عنه قال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي جنب كان في اللَّه مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزّع
وروى الإمام أحمد بن عمرو بن أمية رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش قال: «فجئت خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون فرقيت- وفي لفظ فصعدت فيها- فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد، فسمعت وجبة خلفي فالتفتّ فلم أر خبيبا، وكأنما ابتلعته الأرض فلم أر لخبيب أثرا حتى الساعة» وذكر أبو يوسف رحمه اللَّه تعالى في كتاب اللطائف عن الضحاك رحمه اللَّه تعالى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرسل المقداد والزبير في إنزال خبيب عن خشبته ودخلا إلى التنعيم فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى فأنزلاه فحمله الزبير على فرسه وهو رطب لم يتغير منه شيء، فنذر بهم المشركون فلما لحقوهم قذفه الزبير فابتلعته الأرض فسمّي بليع الأرض.
وذكر القيرواني في حلى العليّ أن خبيبا لما قتل جعلوا وجهه إلى غير القبلة فوجدوه مستقبلا لها فأداروه مرارا ثم عجزوا فتركوه. وروى ابن إسحاق عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى