الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلّمه في أن يترك عمر وأن يأذن له في التخلف ففعل. وخرج ونادى مناديه عزمت لا يتخلّف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لن أوتي بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشيا. فلم يتخلّف عن البعث أحد. وخرج أبو بكر يشيّع أسامة فركب من الجرف لهلال ربيع الآخر في ثلاثة آلاف فيهم ألف فارس، وسار أبو بكر إلى جنبه ساعة وقال:«أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه إنما أنا منفّذ لأمر أمر به «رسول الله صلى الله عليه وسلم» - فخرج سريعا فوطئ بلادا هادية لم يرجعوا عن الإسلام جهينة وغيرها من قضاعة. حتى نزل وادي القرى، فسار إلى أبنى في عشرين ليلة. فقدم له عين له من بني عذرة يدعى حريثا، فانتهى إلى ابني، ثم عاد فلقي أسامة على ليلتين من أبنى فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم وحثّهم على السّير قبل اجتماعهم. فسار إلى أبني وعبأ أصحابه ثم شنّ عليهم الغارة فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليهم وحرّق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلعهم فصارت أعاصير من الدواخين وأجال الخيل في عرصاتهم وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة على فرس أبيه سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة، وأسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك.
فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذّ السّير فورد وادي القرى في تسع ليال ثم بعث بشيرا إلى المدينة بسلامتهم ثم قصد بعد في السير فسار إلى المدينة ستّا حتى رجع إلى المدينة ولم يصب أحد من المسلمين. وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقّونهم سرورا بسلامتهم ودخل على فرس أبيه سبحة واللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى إلى باب المسجد فدخل فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته. وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
تنبيهان
الأول: ذكر محمد بن عمر، وابن سعد أن أبا بكر رضي الله عنه كان ممّن أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج مع أسامة إلى أبنى، وجرى عليه في المورد وجزم به في العيون، والإشارة، والفتح في مناقب زيد بن حارثة. وأنكر ذلك الحافظ أبو العباس بن تيمية فقال في كتابه الذي ردّ فيه على ابن المطهّر الرافضي:«لم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر وعثمان في جيش أسامة، فقد استخلفه يصلّي بالمسلمين مدة مرضه إلى أن مات وكيف يتصوّر أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس؟» وبسط الكلام على
ذلك. فقلت: وفيما ذكره نظر من وجهين أولهما قوله: لم ينقل أحد من أهل العلم إلخ فقد ذكره محمد بن عمر، وابن سعد وهما من أئمة المغازي: ثانيهما قوله: وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة؟ إلخ ليس بلازم، فإن إرادة النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيش أسامة كان قبل ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اشتد به المرض استثنى أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس. وقال ابن سعد:
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال حدثنا المعمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريّة فيها أبو بكر وعمرو استعمل عليهم أسامة بن زيد، وكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ فذكر الحديث.
الثاني: في بيان غريب ما سبق:
أبنى: بضم الهمزة وسكون الموحدة وفتح النون فألف مقصورة.
الشّراة: بفتح الشين المعجمة والراء المخففة: جبل.
البلقاء: بفتح الموحدة وسكون اللام وبالقاف والمدّ.
أغر: بقطع الهمزة وكسر الغين المعجمة وبالراء: فعل أمر.
تسبق: بالجزم جواب شرط محذوف وحرّك بالكسر طلبا للخفّة.
اللّبث: بفتح اللام وسكون الموحدة الإقامة.
العيون: جمع عين وهو الجاسوس.
الأربعاء: بتثليث الموحدة والأفصح الكسر.
بدئ: بالبناء للمفعول وهمز آخره أي ابتدئ.
حمّ: بتشديد الميم والبناء للمفعول.
صدّع: بضم الصاد وكسر الدال المشددة وبالعين المهملات أي حصل له صداع في رأسه أي وجع ما.
فلما أصبح يوم الخميس: يجوز في «يوم» النّصب على الظرفية والرفع على أنه فاعل أصبح.
عسكر: جمع عسكره أي جيشه.
الجرف: بضم الجميم والراء وبالفاء موضع على ثلاثة أميال من المدينة.
انتدب: أسرع الخروج.
بريدة: بضم الموحدة وفتح الراء.
الحصيب: بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وبالموحدة.
حريش: بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية وبالشين المعجمة.
عصّب: بتشديد الصاد المهملة.
المقالة: بتخفيف اللام.
القطيفة: كساء له خمل.
وأيم الله: من ألفاظ القسم كقولك لعمرو الله، وفيها لغات كثيرة وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها همزة وصل وقد تقطع.
الخليق: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وسكون التحتية وبالقاف أي حقيق وجدير.
لمخيلان: بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية أي لمظنة كل خير.
أنفذوا: بقطع الهمزة. وكسر الفاء.
المعسكر: بفتح الكاف: الموضع الذي فيه العسكر.
لدّوه: بفتح اللام- الدّواء- الذي يصبّ من أحد جانبي الفم وهما لديداه ولددته فعلت به ذلك.
طأطأ: بهمزة ساكنة بعد الطاء الأولى وهمزة مفتوحة بعد الطاء الثانية.
وأمر النّاس بالرحيل: الناس منصوب مفعول أمر وفاعله عائد على أسامة.
كلم أبو بكر: بالبناء للمفعول.
شنّ عليهم الغارة: فرّق عليهم الرجال من كل وجه.
حرّق: بتشديد الراء.
أعاصير: جمع إعصار وهو ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود.
التّعبئة: بفتح الفوقية وسكون العين المهملة وكسر الموحدة وفتح الهمزة فتاء تأنيث.
سبحة: بفتح السين المهملة وسكون الموحدة.
أغذّ السّير: بفتح الهمزة والغين والذال المعجمتين: أسرع.
وادي القرى: بضم القاف وفتح الراء والقصر.
حمص: مدينة معروفة من مشارق الشام لا تنصرف للعجمية والتأنيث والعلمية.
الرابطة: براء فألف فموحدة فطاء مهملة فتاء تأنيث: الجماعة الذين يحفظون من وراءهم من العدو.