المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(حوادث السنة السادسة) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٢

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْبَاب السَّادِس من الْمَقْصد الثَّانِي فِي ذكر موَالِيه وخدامه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك)

- ‌(الْبَاب السَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(حوادث السّنة الأولى من الْهِجْرَة)

- ‌(حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ)

- ‌(أَمر بني قينقاع

- ‌(حوادث السّنة الثَّالِثَة)

- ‌(وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد)

- ‌(حوادث السّنة الرَّابِعَة)

- ‌(غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْخَامِسَة)

- ‌(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)

- ‌(حوادث السّنة السَّابِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الثَّامِنَة)

- ‌(حوادث السّنة التَّاسِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الْعَاشِرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة)

- ‌(فصل فِي صِفَاته الحسية

- ‌(فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه

- ‌(فصل فِي خَصَائِصه

- ‌(فصل فِي معجزاته

- ‌(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)

- ‌(أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رضي الله عنه

- ‌(نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رضي الله عنه

- ‌(ذكر نسبه رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌(ذكر وَفَاته شَهِيدا رضي الله عنه

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رضي الله عنه

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

الفصل: ‌(حوادث السنة السادسة)

(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)

فِيهَا غَزْوَة بني لحيان فِي ربيع الأول انْتهى فِيهَا

إِلَى غران وادٍ عِنْد عسفان فِي مِائَتي رجل فَهَرَبُوا فَأَقَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ يبْعَث السَّرَايَا لكل نَاحيَة فَلم يَجدوا أحدا فَرجع للمدينة بعد تِسْعَة عشر يَوْمًا قَائِلا آيبون تائبون لربنا حامدون وفى الْمَوَاهِب لحيان بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا لُغَتَانِ فِي ربيع الأول سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي جُمَادَى الأولى فِي رَأس سِتَّة أشهر من قُرَيْظَة قَالَ ابْن حزم الصَّحِيح أَنَّهَا فِي الْخَامِسَة قَالُوا وجد رَسُول الله

على عَاصِم بن ثَابت وَأَصْحَابه وَجْداً شَدِيدا فأظهر أَنه يُرِيد الشَّام وعسكر فِي مِائَتي رجل وَمَعَهُمْ عشرُون فرسا واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن أم مَكْتُوم ثمَّ أسْرع الْمسير حَتَّى انْتهى إِلَى بطن غران وَاد بَين أمج وَعُسْفَان وَبَينهَا وَبَين عسفان خَمْسَة أَمْيَال حَيْثُ مصاب أَصْحَاب الرجيع الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة فترحم عَلَيْهِم ودعا لَهُم فَسمِعت بِهِ بَنو لحيان فَهَرَبُوا فِي رُءُوس الْجبَال فَلم يقدر مِنْهُم على أحد فَأَقَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ يبْعَث السرايَا فِي كل ناحيةِ ثمَّ خرج حَتَّى أَتَى عسفان فَبعث أَبَا بكر فِي عشرَة فوارس لتسمع بِهِ قُرَيْش فيذعرهم فَأتوا كرَاع الغميم ثمَّ رجعُوا وَلم يلْقوا أحدا وَانْصَرف

وَلم يلق كيداً وَهُوَ يَقُول آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون وَغَابَ عَن الْمَدِينَة أَربع عشرَة لَيْلَة وَقيل سَبْعَة عشرَة لَيْلَة وفيهَا غَزْوَة الغابة وَهِي غَزْوَة ذِي قَرَدٍ فِي ربيع الأول فِي خَمْسمِائَة

ص: 200

غَابَ خمس لَيَال وَصلى صَلَاة الْخَوْف أَيْضا وقَرَد بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وبالدال الْمُهْملَة وَهُوَ مَاء على بَرِيد من الْمَدِينَة قبل الْحُدَيْبِيَة وَعند البُخَارِيّ أَنَّهَا كَانَت قبل خَيْبَر بِثَلَاثَة أَيَّام وفى مُسلم نَحوه قَالَ مغلطاي وفى ذَلِك نظر لإِجْمَاع أهل السّير على خلَافهَا انْتهى قَالَ الْقُرْطُبِيّ شَارِح مُسلم لَا يخْتَلف أهل السّير أَن غَزْوَة ذِي قرد كَانَت قبل الْحُدَيْبِيَة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر مَا فِي الصَّحِيح من التَّارِيخ لغزوة ذِي قرد أصح مِمَّا ذكره أهل السّير انْتهى وسببها أَنه كَانَ لرَسُول الله

عشرُون لقحة وَهِي ذَوَات اللَّبن الْقَرِيبَة الْعَهْد بِالْولادَةِ ترعى بِالْغَابَةِ وَكَانَ ابْن أبي ذَر فِيهَا فَأَغَارَ عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الفِزَاري لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فاستاقوها وَقتلُوا ابْن أبي ذَر وَقَالَ ابْن إِسْحَاق كَانَ فيهم رجل من غفار وَامْرَأَة فَقتلُوا الرجل وَسبوا الْمَرْأَة فركبت نَاقَة لَيْلًا حِين غفلتهم تُرِيدُ النَّبِي

ونذرت لَئِن نجت لتنحرنها فَلَمَّا قدمت على النَّبِي

أخْبرته بذلك فَقَالَ لَا نذر فِي مَعْصِيّة وَلَا لأحد فِيمَا لَا يملك وَنُودِيَ يَا خيل الله ارْكَبِي وَكَانَ أول مَا نُودي بهَا وَركب رَسُول الله

فِي خَمْسمِائَة وَقيل سَبْعمِائة واستخلف على الْمَدِينَة

ص: 201

ابْن أم مَكْتُوم وَخلف سعد بن عبَادَة فِي ثَلَاثمِائَة يَحْرُسُونَ الْمَدِينَة وَقد كَانَ عقد لِلْمِقْدَادِ بن عَمْرو لِوَاء فِي رمحه وَقَالَ لَهُ امْضِ حَتَّى تلحقك الْخُيُول وَأَنا على أثرك فَأدْرك أخريات الْعَدو وَقتل أَبُو قَتَادَة مسْعدَة فَأعْطَاهُ رَسُول الله

فرسه وسلاحه وَقتل عكاشة بن مُحصن أبان بن عَمْرو وَقتل من الْمُسلمين مُحرز بن نَضْلَة قَتله مسْعدَة وَأدْركَ سَلمَة بن الْأَكْوَع الْقَوْم وَهُوَ على رجلَيْهِ فَجعل يرميهم بِالنَّبلِ وَيَقُول // (من الرجز) //

(خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع

وَالْيَوْم يَوْم الرضع)

يَعْنِي يَوْم هَلَاك اللئام من قَوْلهم لئيم راضع أَي رضع اللؤم فِي بطن أمه وَقيل مَعْنَاهُ الْيَوْم يعرف من أَرْضَعَتْه الْحَرْب من صغره وتدرب بهَا وَيعرف غَيره وَلحق رَسُول الله

النَّاس والخيول عشَاء قَالَ سَلمَة فَقلت يَا رَسُول الله إِن الْقَوْم عطاش فَلَو بعثتني فِي مائَة رجل استنقذتُ مَا فِي أَيْديهم من السَّرْح وَأخذت بأعناق الْقَوْم فَقَالَ

ملكتَ فَأَسْجِحْ وَهِي بِهَمْزَة قطع ثمَّ سين مُهْملَة ثمَّ جِيم مَكْسُورَة ثمَّ حاء مُهْملَة أَي فارفق وَأحسن والسجَاحة السهولة أَي لَا تَأْخُذ بالشدة بل ارْفُقْ فقد حصلت النكاية فِي الْعَدو وَللَّه الْحَمد ثمَّ قَالَ إِنَّهُم الْآن ليقرون فِي غطفان وَذهب الصَّرِيخ إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف فَجَاءَت الأمداد فَلم تزل الْخَيل تَأتي وَالرِّجَال على أَقْدَامهم وعَلى الْإِبِل حَتَّى انْتَهوا إِلَى رَسُول الله

بِذِي قرد فاستنقذوا عشر لقاح وأفلت الْقَوْم بِمَا بَقِي وَهِي عشر وَصلى رَسُول الله

بِذِي قرد صَلَاة الْخَوْف وَأقَام يَوْمًا وَلَيْلَة وَرجع وَقد غَابَ خمس لَيَال وَقسم فِي كل مائَة من أَصْحَابه جَزوراً ينحرونها

ص: 202

وفيهَا غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة هِلَال ذِي الْقعدَة فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَبَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت حِين أرسل عُثْمَان فحبسوه فِي مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو فِي الصُّلْح فواعدهم

عشر سِنِين فَأَقَامَ بضعَة عشر يَوْمًا هُنَاكَ وَهُوَ مُعْتَمر فتحلَل من عمرته وَرجع فَنزلت عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق سُورَة الْفَتْح وَفِي الْمَوَاهِب الْحُدَيْبِيَة بتَخْفِيف الْيَاء وتشديدها بِئْر سمي الْمَكَان بهَا وَقيل شَجَرَة وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ قَرْيَة قريبَة من مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحرم وَهِي على تِسْعَة أَمْيَال من مَكَّة خرج عليه السلام من الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ هِلَال ذِي الْقعدَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة للْعُمْرَة وَأخرج مَعَه زَوجته أم سَلمَة فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة وَيُقَال وَخَمْسمِائة وَقيل ألف وثلاثمائة وَالْجمع بَين هَذِه الْأَقْوَال أَنهم كَانُوا أَكثر من ألف وَأَرْبَعمِائَة فَمن قَالَ ألف وَخَمْسمِائة جبر الْكسر وَمن قَالَ وَأَرْبَعمِائَة ألغاه وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الْبَراء ألف وَأَرْبَعمِائَة أَو أَكثر وَاعْتمد على هَذَا الْجمع النَّوَوِيّ وَأما رِوَايَة ألف وثلاثمائة فَيمكن حَمْلُها على مَا اطلع عَلَيْهِ واطلع غَيره على زِيَادَة مِائَتَيْنِ لم يطلع هُوَ عَلَيْهِم وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة وَأما قَول ابْن إِسْحَاق إِنَّهُم كَانُوا سَبْعمِائة فَلم يُوَافقهُ أحد عَلَيْهِ قَالَه استنباطاً من قَول جَابر نحرنا الْبَدنَة عَن عشرَة وَكَانُوا نحرُوا سبعين بَدَنَة وَهَذَا لَا يدل على أَنهم لم ينحروا غير الْبدن مَعَ أَن بَعضهم لم يكن أحرم أصلا وَجزم مُوسَى بن عقبَة أَنهم كَانُوا ألفا وسِتمِائَة وَعند ابْن أبي شيبَة من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع ألف وَسَبْعمائة

ص: 203

وَحكى ابْن سعد ألفا وَخَمْسمِائة وَخَمْسَة وَعشْرين واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وَلم يخرج مَعَه بسلاحِ إِلَّا سلَاح الْمُسَافِر السيوف فِي الْقرب وَفِي البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَ خرج رَسُول الله

عَام الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحليفة قلد الْهدى وأشعر وَأحرم مِنْهَا وَفِي رِوَايَة أحرم مِنْهَا بِعُمْرَة وَبعث عينا لَهُ من خُزَاعَة وَسَار النَّبِي

حَتَّى إِذا كَانَ بغدير الأشطاط أَتَاهُ عينه فَقَالَ إِن قُريْشًا جمعُوا لَك جموعاً وَقد جمعُوا لَك الْأَحَابِيش وهم مقاتلوك وصادُوك عَن الْبَيْت ومانعوك فَقَالَ أَشِيرُوا عَليّ أَيهَا النَّاس أَتَرَوْنَ أَن أميل إِلى عِيَالهمْ وذراري هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يصدونا عَن الْبَيْت فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله خرجت عَامِدًا لهَذَا الْبَيْت لَا تُرِيدُ قتال أحد وَلَا حَرْب أحد فَتوجه لَهُ فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امضوا على اسْم الله وروى أَحْمد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول مَا رَأَيْت أحدا قطّ كَانَ أَكثر مُشَاورَة لأَصْحَابه من رَسُول الله

وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ النَّبِي

إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم فِي خيل لقريش طَلِيعَة فَخُذُوا ذَات الْيَمين فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هم بقترة الْجَيْش فَانْطَلق يرْكض نذيراً لقريش وَسَار النَّبِي

حَتَّى إِذا كَانَ بالثَّنية الَّتِي يهْبط عَلَيْهِم مِنْهَا بَركت رَاحِلَته فَقَالَ النَّاس حل حل فألحت يَعْنِي تمادتْ على عدم الْقيام فَقَالُوا خلأت القصوى خلأت القصوى فَقَالَ النَّبِي

مَا خلأت القصوى وَمَا ذَاك لَهَا بِخلق وَلَكِن

ص: 204

حَبسهَا حَابِس الْفِيل أَي حَبسهَا الله عَن دُخُول مَكَّة كَمَا حبس الْفِيل عَن دُخُولهَا ومناسبة ذَلِك أَن الصَّحَابَة لَو دخلُوا مَكَّة على تِلْكَ الصُّورَة وصدهم قُرَيْش لوقع بَينهم الْقِتَال المفضى إِلَى سفك الدِّمَاء وَنهب الْأَمْوَال كَمَا لَو قدر دُخُول الْفِيل لَكِن سبق فِي علم الله أَنه سيدخل فِي الْإِسْلَام مِنْهُم خَلْق كثير وسيخرج من أصلابهم نَاس يسلمُونَ ويجاهدون ثمَّ قَالَ

وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إياهَا ثمَّ زجرها فَوَثَبت قَالَ فَعدل عَنْهُم حَتَّى نزل بأقصى الْحُدَيْبِيَة على ثَمد قَلِيل المَاء يَعْنِي حُفْرَة فِيهَا مَاء قَلِيل يتبرضه النَّاس تبرضاً أَي يأخذونه قَلِيلا قَلِيلا فَلم يلبث النَّاس حَتَّى نَزَحُوهُ وشكي إِلَى رَسُول الله

الْعَطش فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته ثمَّ أَمرهم أَن يَجْعَلُوهُ فِيهِ فوَاللَّه مَا زَالَ يَجِيش بِالريِّ حَتَّى صدرُوا عَنهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نَفَرٍ من قومه من خُزَاعَة وَكَانُوا عَيْبَة نصح لرَسُول الله

من أهل تهَامَة فَقَالَ إِنِّي تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة مَعَهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادُوك عَن الْبَيْت والعُوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة جمع عَائِذ وَهِي النَّاقة ذَات اللَّبن والمطافيل الْأُمَّهَات الَّتِي مَعهَا أطفالُهَا يُرِيد أَنهم خَرجُوا لَهُم بذوات الألبان من الْإِبِل ليروو بألبانها وَلَا يرجِعوا حَتَّى يمنعوه أَو كني بذلك عَن النِّسَاء مَعَهُنَّ الْأَطْفَال وَالْمرَاد أَنهم خَرجُوا بنسائهم وَأَوْلَادهمْ لإِرادة طول الْمقَام ليَكُون أدعى إِلى عدم الْفِرَار فَقَالَ رَسُول الله

إِنَّا لم نأت لقِتَال أحدٍ وَلَكنَّا جِئْنَا معتمرين وَإِن قُريْشًا قد نهكتهم الْحَرْب فأضرت بهم فإِن شَاءُوا ماددتهم مُدَّة ويخلوا بيني وَبَين النَّاس فإِن أظهر فَإِن شَاءُوا أَن يدخلُوا فِيمَا دخل فِيهِ النَّاس فعلوا وَإِلَّا فقد جموا يعْنى استراحوا وَإِن أَبَوا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأقاتلنهم على أَمْرِي حَتَّى تنفرد سالفتي أَي صفحة الْعُنُق كنى بذلك عَن الْقَتْل أَو لينفذن الله أمره فَقَالَ بديل سأبلغهم مَا تَقول فَانْطَلق حَتَّى أَتَى

ص: 205

قُريْشًا فَقَالَ إِنَّا قد جئناكم من عِنْد هَذَا الرجل وسمعناه يَقُول قولا فإِن شِئْتُم أَن نعرضه عَلَيْكُم فعلنَا فَقَالَ سفهاؤهم لَا حَاجَة لنا أَن تخبرنا عَنهُ بِشَيْء وَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُم هَات مَا سمعته فَقَالَ سمعته يَقُول كَذَا وَكَذَا فَحَدثهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِي

فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود فَقَالَ أَي قوم ألستم بالوالد قَالُوا بلَى قَالَ أولست بِالْوَلَدِ قَالُوا بلَى قَالَ فَهَل تتهموني قَالُوا لَا قَالَ ألستم تعلمُونَ أَنِّي استنفرت أهل عكاظ فَلَمَّا بلحوا عليّ أَي تمنعوا من الْإِجَابَة جِئتُكُمْ بأهلي وَوَلَدي وَمن أَطَاعَنِي قَالُوا بلَى قَالَ إِن هَذَا قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد أَي خصْلَة خير وَصَلَاح اقبلوها ودعوني آته فَأَتَاهُ فَجعل يكلم النَّبِي

فَقَالَ النَّبِي

نَحوا من قَوْله لبديل فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك أَي مُحَمَّد أَرَأَيْت إِن استأصلتَ قَوْمك هَل سمعتَ بأحدٍ من الْعَرَب اجتاح أَصله قبلك وِإن تكن الْأُخْرَى فَإِنِّي وَالله لَا أرى وُجُوهًا وَإِنِّي لأرى أشواباً يعْنى أخلاطاً من النَّاس خليقاً أَن يفرُّوا ويدَعوك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رضي الله عنه امصص بظر اللات أَنَحْنُ نفر عَنهُ أَو ندعه قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا مُبَالغَة من أبي بكر فِي سَب عُرْوَة فإِنه أَقَامَ معبود عُرْوَة وَهُوَ صنمه مقَام أمه وَحمله على ذَلِك مَا أغضبهُ بِهِ من نِسبته الْفِرَار إِليهم والبَظر بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَة والظاء الْمُعْجَمَة الساكنة قِطْعَة تبقى بعد الْخِتَان فِي فرج الْمَرْأَة وَاللات اسْم صنم وَالْعرب تطلق هَذَا اللَّفْظ فِي معرض الذَّم انْتهى فَقَالَ عُرْوَة من هَذَا فَقَالُوا أَبُو بكر فَقَالَ أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد كَانَت لَك عِنْدِي لم أجزك بهَا لأجبتك قَالَ وَجعل يكلم النَّبِي

فَكلما تكلم أَخذ بلحيته

والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم على رَأس النَّبِي وَمَعَهُ السَّيْف وَعَلِيهِ المغفر فَكلما أَهْوى عُرْوَة بِيَدِهِ إِلَى لحية النَّبِي

ضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ اكفف يدك عَن لحية النَّبِي

قَالَ الْعلمَاء وَقد كَانَت عادةُ الْعَرَب أَن يتَنَاوَل الرجل لحية من يكلمهُ لَا سِيمَا عِنْد الملاطفة وَفِي الْغَالِب إِنما يصنع ذَلِك النظير بالنظير فَكَانَ النَّبِي

يُفْضِي

ص: 206

لعروة استمالةً وتأليفاً والمغيرة يمنعهُ إجلالاً للنَّبِي

وتعظيماً قَالَ فَرفع عُرْوَة رَأسه فَقَالَ من هَذَا قَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غُدَر أَلَسْت أسعى فِي غدرتك وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة وَأخذ أَمْوَالهم ثمَّ جَاءَ فَأسلم فَقَالَ النَّبِي

أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق أَصْحَاب النَّبِي

بِعَيْنِه فَيرى أَنهم مَا تنخم رَسُول الله

نخامة إِلَّا وقعتْ فِي يَد رجل مِنْهُم فَذَلِك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم أمرا ابتدروا لأَمره وإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدُّون إِليه النّظر تَعْظِيمًا لَهُ قَالَ فِي فتح الْبَارِي فِيهِ إِشَارَة إِلَى الرَّد على مَا خشيه من فرارهم فكأنهم قَالُوا بِلِسَان الْحَال من يُحِبهُ هَذِه الْمحبَّة ويعظمه هَذَا التَّعْظِيم كَيفَ يظنّ بِهِ أَنه يفر عَنهُ ويسلمه لعَدوه بل هم أَشد اغتباطاً بِهِ وبدينه وَنَصره من هَذِه الْقَبَائِل الَّتِي تداعى بَعْضهَا لمُجَرّد الرَّحِم وَالله أعلم انْتهى قَالَ فَرجع عُروة إِلى أَصْحَابه فَقَالَ أَي قوم وَالله لقد وفدت على الْمُلُوك ووفدت على قَيْصر وكسرى وَالنَّجَاشِي وَالله إنْ رأيتُ ملكا قطّ يعظمه أَصْحَابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا وَالله إِن يتنخم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا توضَأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدُّون إِليه النّظر تَعْظِيمًا لَهُ وِإنه قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها فَقَالَ رجل من بني كنَانَة دَعونِي آته فَقَالُوا ائته فَلَمَّا أشرف على النَّبِي

قَالَ رَسُول الله

هَذَا فلَان وَهُوَ من قوم يعظمون البُدنَ فابعثوها لَهُ فبعثوها لَهُ واستقبله النَّاس يلبون فَلَمَّا رأى ذَلِك قَالَ سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لهَؤُلَاء أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه قَالَ رَأَيْت الْبدن قد أعلمت وأشعرت فَمَا أرى أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مِكرَزُ بن حَفْص بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْكَاف وَفتح الرَّاء بعْدهَا زَاي فَقَالَ دَعونِي آته فَلَمَّا أشرف عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي

هَذَا مكرز وَهُوَ رجل فَاجر فَجعل يكلم النَّبِي

فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْل

ص: 207

ابْن عَمْرو قَالَ معمر فَأَخْبرنِي أَيُّوب عَن عِكْرِمَة أَنه لما جَاءَ سُهَيْل قَالَ النَّبِي

إِنَّه قد سهل من أَمركُم مَا صَعب وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق فَأرْسلت قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَت اذْهَبْ إِلى هَذَا الرجل فَصَالحه فَقَالَ النَّبِي

قد أَرَادَت قُرَيْش الصُّلْح حِين بعثت هَذَا فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي

جرى بَينهمَا القَوْل حَتَّى وَقع بَينهمَا الصلحُ على أَن تُوضَع الحربُ بَينهم عشر سِنِين وَأَن يَأْمَن بَعضهم بَعْضًا وَأَن يرجع عَنْهُم عَامهمْ هَذَا وَقَالَ معمر قَالَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه فجَاء سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ هَات اكْتُبْ بَيْننَا وَبَيْنك كتابا فَدَعَا النَّبِي

عليا وَقَالَ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ سُهَيْل أما الرَّحْمَن الرَّحِيم فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كنت تكْتب فَقَالَ الْمُسلمُونَ وَالله لَا نكتبها إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ النَّبِي

اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ثمَّ قَالَ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَفِي حَدِيث عبد الله بن مُغفل عِنْد الْحَاكِم فَكتب هَذَا مَا صَالح مُحَمَّد رسولُ الله أهل مَكَّة

الحَدِيث فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رسولُ الله مَا صَدَدْنَاك وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ النَّبِي

وَالله إِنِّي لرَسُول الله وِإن كذبتموني وَفِي رِوَايَة لَهُ يعْنى البُخَارِيّ وَلمُسلم فَقَالَ النَّبِي

لعَلي امحه فَقَالَ مَا أَنا بِالَّذِي أمحاه وَهِي لُغَة فِي أمحوه قَالَ الْعلمَاء وَهَذَا الَّذِي فعل عَليّ من بَاب الْأَدَب وَالْمُسْتَحب لِأَنَّهُ لم يفهم من النَّبِي

تحتم محو عَليّ نَفسه وَلِهَذَا لم يُنكر عَلَيْهِ وَلَو حتم محوه لنَفسِهِ لم يجز لعَلي تَركه انْتهى ثمَّ قَالَ

أَرِنِي مَكَانهَا فَأرَاهُ مَكَانهَا فمحاها

ص: 208

وَكتب ابْن عبد الله وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي فَأخذ رَسُول الله

الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله

هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَقد تَمسك بِظَاهِر هَذِه الرِّوَايَة أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَادّعى أَن النَّبِي

كتب بِيَدِهِ بعد أَن لم يكن يُحْسن أَن يكْتب فشنع عَلَيْهِ عُلَمَاء الأندلس فِي زَمَانه ورموه بالزندقة وَأَن الَّذِي قَالَه يُخَالف الْقُرْآن حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ شعرًا // (من الْبَسِيط) //

(بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بِآخِرَةٍ

وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ كَتَبَا)

فَجَمعهُمْ الْأَمِير فاستظهر الْبَاجِيّ عَلَيْهِم بِمَا لَدَيْهِ من الْمعرفَة وَقَالَ هَذَا لَا يُنَافِي الْقُرْآن بل يُؤْخَذ من مَفْهُوم الْقُرْآن أَنه قيد النَّفْي بِمَا قبل وُرُود الْقُرْآن قَالَ تَعَالَى {وَمَا كنتَ تَتلُوا مَن قَبله مِن كِتابِ وَلَا تَخُطهُ بيمِينِك} وَبعد أَن تحققت أمْنِيته وتقررت بذلك معجزته وَأمن الارتياب فِي ذَلِك لَا مَانع من أَن يعرف الْكِتَابَة بعد ذَلِك من غير تَعْلِيم فَتكون معْجزَة أُخْرَى وَذكر ابْن دحْيَة أَن جمَاعَة من الْعلمَاء وافقوا الْبَاجِيّ على ذَلِك مِنْهُم شَيْخه أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي وَآخَرُونَ من عُلَمَاء إفريقية وَاحْتج بَعضهم لذَلِك بِمَا أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق مُجَالد عَن عون بن عبد الله مَا مَاتَ رَسُول الله

حَتَّى كتب وَقَرَأَ قَالَ مُجَاهِد فَذَكرته لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ صدق قد سَمِعت من يذكر ذَلِك وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَردت آثارٌ تدل على مَعْرفَته حُرُوف الْخط وَحسن تصورها كَقَوْلِه لكَاتبه تضع الْقَلَم على أُذُنك فَإِنَّهُ أذكر لَك وَقَوله لمعاوية ألق الدواة وحرف الْقَلَم وَفرق السِّين وَلَا تعور الْمِيم إِلَى غير ذَلِك قَالَ وَهَذَا وَإِن لم يثبت أَنه كتب فَلَا يبعد أَن يرْزق علم وضع الْكِتَابَة فإِنه أُوتِيَ علم كل شَيْء وَأجَاب الْجُمْهُور بِضعْف هَذِه الْأَحَادِيث وَعَن قصَّة الْحُدَيْبِيَة بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة

ص: 209

وَالْكَاتِب فِيهَا هُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَقد صرح فِي حَدِيث الْمسور بن مخرمَة بِأَن عليا هُوَ الَّذِي كتب فَيحمل على أَن النُّكْتَة فِي قَوْله فَأخذ الْكتاب وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب لبَيَان أَن قَوْله أَرِنِي إِيَّاهَا أَنه إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى أَن يرِيه مَوضِع الْكَلِمَة الَّتِي امْتنع عليّ من محوها لكَونه كَانَ لَا يحسن الْكِتَابَة وعَلى أَن قَوْله بعد ذَلِك فَكتب فِيهِ حذف تَقْدِيره فمحاها فَأَعَادَهَا لعَلي فَكتب أَو أطلق كتب بِمَعْنى أَمر بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ كثير كَقَوْلِه كتب إِلى كسْرَى وَقَيْصَر وعَلى تَقْدِير حمله على ظَاهره فَلَا يلْزم من كِتَابَة اسْمه الشريف فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ لَا يحسن الْكِتَابَة أَن يصير عَالما بِالْكِتَابَةِ وَيخرج عَن كَونه أميَّاً ككثير من الْمُلُوك وَيحْتَمل أَن يكون جرب يَده بِالْكِتَابَةِ حِينَئِذٍ وَهُوَ لَا يحسن فَخرج الْمَكْتُوب على وفْق المُرَاد فَيكون معْجزَة أُخْرَى فِي ذَلِك الْوَقْت خَاصّا وَلَا يخرج بذلك عَن كَونه أُمِّيا وَبِهَذَا أجَاب أَبُو جَعْفَر السمناني أحد أَئِمَّة الْأُصُول من الأشاعرة وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَتعقب ذَلِك السُّهيْلي وَغَيره بِأَن هَذَا وَإِن كَانَ مُمكنا وَيكون آيَة أُخْرَى لكنه يُنَاقض كَونه أُمِّيا لَا يكْتب وَهِي الْآيَة الَّتِي قَامَت بهَا الْحجَّة وأفحم الجاحد وانحسمت الشُّبْهَة فَلَو جَازَ أَن يصير يكْتب بعد ذَلِك لعادت الشُّبْهَة وَقَالَ المعاند كَانَ يحسن يكْتب لكنه كَانَ يكتم ذَلِك قَالَ السُّهيْلي والمعجزات يستحيلُ أَن يدْفع بَعْضهَا بَعْضًا وَالْحق أَن معنى قَوْله فَكتب أَمر عليا أَن يكْتب انْتهى قَالَ وَفِي دَعْوَى أَن كِتَابَة اسْمه الشريف فَقَط على هَذِه الصُّورَة يسْتَلْزم مناقضة المعجزة وَيثبت كَونه غير أُمِّي نظر كَبِير وَالله أعلم انْتهى وَأما قَوْله اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَقَوله أما الرَّحْمَن الرَّحِيم فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ. . إِلَى آخِره فَقَالَ الْعلمَاء وافقهم عليه الصلاة والسلام فِي ترك كِتَابَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ وَكَذَا وافقهم فِي مُحَمَّد بن عبد الله وَترك كِتَابَة رَسُول الله

ص: 210

للْمصْلحَة المهمة الْحَاصِلَة بِالصُّلْحِ مَعَ أَنه لَا مفْسدَة فِي هَذِه الْأُمُور أما الْبَسْمَلَة وباسمك اللَّهُمَّ فمعناها واحدْ وَكَذَا قَوْله مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ أَيْضا رَسُوله وَلَيْسَ فِي ترك وصف الله تَعَالَى فِي هَذَا الْموضع بالرحمن الرَّحِيم مَا يَنْفِي ذَلِك وَلَا فِي ترك وَصفه

هَذَا بالرسالة مَا ينفيها فَلَا مفْسدَة فِيمَا طلبوه وَإِنَّمَا كَانَت الْمفْسدَة تكون لَو طلبُوا أَن يكْتب مَا لَا يحل من تَعْظِيم آلِهَتهم وَنَحْو ذَلِك انْتهى قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَكتب هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ

على أَن يخلوا بَيْننَا وَبَين الْبَيْت فنطوف بِهِ فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَا تتحدَث الْعَرَب؛ أَنا أخدنا ضغطة، وَلَكِن ذَلِك من الْعَام الْمقبل فَكتب فَقَالَ سُهَيْل: وعَلى أَنه لَا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلينا قَالَ الْمُسلمُونَ سُبْحَانَ الله كَيفَ يرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جَاءَ مُسلما الضغطة بِالضَّمِّ قَالَ فِي الْقَامُوس الضّيق وَالْإِكْرَاه انْتهى فَإِن قلت مَا الْحِكْمَة فِي كَونه عليه الصلاة والسلام وَافق سهيلاً على أَنه لَا يَأْتِيهِ مِنْهُم رجل وَإِن كَانَ على دين الْإِسْلَام إِلَّا يردهُ إِلى الْمُشْركين فَالْجَوَاب أَن الْمصلحَة المترتبة على هَذَا الصُّلْح مَا ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده الظَّاهِرَة الَّتِي كَانَت عَاقبَتهَا فتح مَكَّة وَإِسْلَام أَهلهَا كلهم وَدخُول النَّاس فِي دين الله أفواجَاً وَذَلِكَ أَنهم قبل الصُّلْح لم يَكُونُوا يختلطون بِالْمُسْلِمين وَلَا تتظاهر عِنْدهم أُمُور النَّبِي

كَمَا هِيَ وَلَا يخلون بِمن يعلمهُمْ بهَا مفصَّلة فَلَمَّا حصل صلح الْحُدَيْبِيَة اختلطوا بِالْمُسْلِمين وَجَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة وَذهب الْمُسلمُونَ إِلى مَكَّة وخلوا بأهليهم وأصدقائهم وَغَيرهم مِمَّن يستنصحونه وسمعوا مِنْهُم أَحْوَال النَّبِي

ومعجزاته الظَّاهِرَة وأعلام نبوته المتظاهرة وَحسن سيرته وَجَمِيل طَرِيقَته وعاينوا بِأَنْفسِهِم كثيرا من ذَلِك فمالت نفوسُهم إِلى الْإِيمَان حَتَّى بَادر خلق كثير مِنْهُم إِلى الْإِسْلَام قبل فتح مَكَّة فأسلموا بَين صلح الْحُدَيْبِيَة وَفتح مَكَّة وازداد الْآخرُونَ ميلًا إِلى الْإِسْلَام فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَسْلمُوا كلهم لما كَانَ قد تمهد لَهُم من الْميل وَكَانَت الْعَرَب غير قُرَيْش فِي

ص: 211

الْبَوَادِي قَالَ الله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نصرُ الله وَالفَتحُ وَرَأيت الناسَ يَدخلوُنَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا} فَالله وَرَسُوله أعلم انْتهى قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فبينماهم كَذَلِك إِذْ دخل أَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو يُوسُف فِي قيوده قد خرج من أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رمى بِنَفسِهِ بَين أظهر الْمُسلمين فَقَالَ سُهَيْل هَذَا يَا مُحَمَّد أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ أَن ترده إِلَيّ فَقَالَ

إِنَّا لم نمض الْكتاب بعد قَالَ فوَاللَّه إِذن لَا أصالحك على شَيْء أبدا قَالَ النَّبِي

فأجزه إِلي قَالَ مَا أَنا بمجيزه لَك قَالَ بلَى فافعل قَالَ مَا أَنا بفاعلِ قَالَ مكرز بلَى قد أجزنا ذَلِك قَالَ أَبُو جندل أَي معشر الْمُسلمين أُرَدُ إِلى الْمُشْركين وَقد جِئْت مُسلما إِلَّا ترَوْنَ مَا قد لقِيت وَكَانَ عُذبَ فِي الله عذَابا شَدِيدا زَاد ابْن إِسْحَاق فَقَالَ النَّبِي

يَا أَبَا جندل اصبر واحتسب فإِنا لَا نغدر وَإِن الله جَاعل لَك فرجا ومخرجاً ووثب عمر يمشي إل جنبه وَيقرب مِنْهُ قَائِم السَّيْف وَيَقُول اصبر فإِنما هم الْمُشْركُونَ وَإِن دم أحدهم كَدم الْكَلْب يعرض لَهُ بقتل أَبِيه فَلَمَّا لم يفعل قَالَ عمر ضنَّ الرجل بِأَبِيهِ قَالَ الخطَابي تأوَّل العلماءُ مَا وَقع فِي قصَّة أبي جندل على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الله قد أَبَاحَ التقية للْمُسلمِ إِذا خَافَ الْهَلَاك وَرخّص لَهُ أَن يتَكَلَّم بالْكفْر مَعَ إِضْمَار الإِيمان إِن لم يُمكنهُ التورية فَلم يكن رده إِليهم إسلاماً لأبي جندل إِلى الْهَلَاك مَعَ وجود السَّبِيل إِلى الْخَلَاص من الْمَوْت بالتقية وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه إِنَّمَا رده إِلى أَبِيه وَالْغَالِب أَن أَبَاهُ لم يبلغ بِهِ إِلى الْهَلَاك وَإِن عذبه أَو سجنه فَلهُ مندوحة بالتقية أَيْضا وَأما مَا يخَاف عَلَيْهِ من الْفِتْنَة فإِن ذَلِك امتحان من الله يَبْتَلِي بِهِ صَبر عباده الْمُؤمنِينَ وَاخْتلف الْعلمَاء هَل يجوز الصُّلْح مَعَ الْمُشْركين على أَن يرد إِلَيْهِم من جَاءَ مُسلما من عِنْدهم أم لَا

ص: 212

فَقيل نعم على مَا دلّت عَلَيْهِ قصَّة أبي جندل وَأبي بَصِير وَقيل لَا وَأَن الَّذِي وَقع فِي الْقِصَّة مَنْسُوخ وَأَن ناسخه حَدِيث أَنا بَرِيء من مُسلم بَين الْمُشْركين وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة تفصل بَين الْعَاقِل وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَلَا يُرَدان وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة منَاط جَوَاز الرَّد أَن يكون الْمُسلم بِحَيْثُ لَا تجب عَلَيْهِ الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَالله أعلم قَالَ فِي فتح الْبَارِي قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فَقَالَ عمر بن الخطَاب فَأتيت النَّبِي

فَقلت ألستَ نَبِي الله حَقًا قَالَ بلَى قلت ألستَ على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت فَلم نعطي الدَنية فِي ديننَا إِذن قَالَ إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه وَهُوَ ناصري قلت أَو لست كنت تحدثنا أَنا نأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى فأخبرتك أَنا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ قَالَ فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا أَبَا بكر أَلَيْسَ هَذَا نبيَّ الله حَقًا قَالَ بلَى قلت أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قلت فَلم نعطي الدَنية فِي ديننَا إِذن قَالَ أَيهَا الرجل إِنَّه رَسُول الله

وَلَيْسَ يَعْصِي ربه وَهُوَ ناصره فَاسْتَمْسك بغرزه فوَاللَّه إِنَّه على الْحق قلت أَو لَيْسَ كَانَ يحدثنا أَنا سنأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى أفأخبرك أَنا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ إِنَّك آتيه فمطوف بِهِ قَالَ الْعلمَاء لم يكن سُؤال عمر رضي الله عنه وَكَلَامه الْمَذْكُور شَكاً بل طلبا لكشف مَا خَفِي عَلَيْهِ وحثاً على إِذلال الْكفَّار وَإِظْهَار الإِسلام كَمَا عرف فِي خلقه وقوته فِي نصرته الدّين وإِذلال المبطلين وَأما جَوَاب أبي بكر لعمر رضي الله عنهما بِمثل جَوَاب النَّبِي

فَهُوَ من الدَّلَائِل الظَّاهِرَة على عظم فَضله

ص: 213

وبارع علمه وَزِيَادَة عرفانه ورسوخه وزيادته فِي كل ذَلِك على غَيره وَكَانَ الصُّلْح بَينهم مُدَّة عشر سِنِين كَمَا فِي السّير وَأخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر وَلأبي نعيم فِي مُسْند عبد الله بن دِينَار كَانَت أَربع سِنِين وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم فِي البيع من الْمُسْتَدْرك وَالْأول أشهر وَكَانَ الصُّلْح على وضع الْحَرْب بِحَيْثُ يَأْمَن النَّاس ويكف بَعضهم عَن بعض وَألا يدْخل الْبَيْت إِلَّا الْعَام الْقَابِل ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يدخلوها إِلَّا بجلبان السِّلَاح وَهُوَ القراب بِمَا فِيهِ والجلبان بِضَم الْجِيم وَسُكُون اللَّام شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغموداً وَرَوَاهُ القتيبي بِضَم الْجِيم وَاللَّام وَتَشْديد الْبَاء وَقَالَ هِيَ أوعية السِّلَاح بِمَا فِيهَا وَفِي بعض الرِّوَايَات إِلَّا بجلبان السِّلَاح السَّيْف والقوس وِإنما اشترطوا ذَلِك ليَكُون علما وأمارة السّلم إِذْ كَانَ دُخُولهمْ صلحا وَقَالَ مكي بن أبي طَالب القيرواني فِي تَفْسِيره وَبعث عليه الصلاة والسلام بِالْكتاب إِلَيْهِم مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان وَأمْسك سُهَيْل بن عَمْرو عِنْده فَأمْسك الْمُشْركُونَ عُثْمَان فَغَضب الْمُسلمُونَ وَقَالَ مغلطاي فاحتبسته قُرَيْش عِنْدهَا فَبلغ النَّبِي

أَن عُثْمَان قد قتل فَدَعَا النَّاس إِلَى بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة على الْمَوْت وَقيل على أَلا يَفروا انْتهى وَوضع النَّبِي

شِمَاله فِي يَمِينه وَقَالَ هَذِه عَن عُثْمَان وَفِي البُخَارِيّ فَقَالَ

بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِه بيعَة عُثْمَان فَضرب بهَا على يَده

الحَدِيث

ص: 214

وَلما سمع الْمُشْركُونَ بِهَذِهِ خَافُوا فبعثوا بعثمان وَجَمَاعَة من الْمُسلمين وَفِي هَذِه الْبيعَة نزل قَوْله تَعَالَى {إنَ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنمَا يُبَايِعُونَ الله يَد الله فَوق أَيْديهم} 10 وَقَوله تَعَالَى {لقد رَضِي اللهُ عَنِ المُؤمنِينَ} وَحلق النَّاس مَعَ النَّبِي

ونحروا هداياهم بِالْحُدَيْبِية قَالَ مغلطاي وَأرْسل الله ريحًا فَحملت شُعُورهمْ فألقتها فِي الْحرم وَأقَام

بِالْحُدَيْبِية بضعَة عشر يَوْمًا وَقيل عشْرين يَوْمًا ثمَّ قفل وَفِي نفوس بَعضهم شَيْء فَأنْزل الله تَعَالَى سُورَة الْفَتْح يسليهم بهَا وَيذكرهُمْ نعْمَة الله فَقَالَ تَعَالَى {إنّا فَتحَنَا لَكَ فتحا مُبينًا} قَالَ ابْن عَبَّاس وَأنس والبراء بن عَازِب الْفَتْح هُنَا فتح الْحُدَيْبِيَة وَوُقُوع الصُّلْح بعد أَن كَانَ المُنَافِقُونَ يظنون أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول والمؤمنون إِلى أَهْليهمْ أبدا أَي حسبوا إِلَّا يرجِعوا بل يقتلُون كلهم وَأما قَوْله تَعَالَى {وأثابهم فتحا قَرِيبا} فَالْمُرَاد فتح خَيْبَر على الصَّحِيح فَإِنَّهَا وَقعت فِيهَا الْمَغَانِم الْكَثِيرَة للْمُسلمين وَقد روى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن مجمع بن حَارِثَة قَالَ شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة فَلَمَّا انصرفنا وجدنَا رَسُول الله

وَاقِفًا عِنْد كرَاع الغميم وَقد جمع النَّاس قَرَأَ عَلَيْهِم {إنَا فَتحَنَا لَكَ فَتحاً مُبينَاً} الْحُدَيْبِيَة وَغفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وتبايعوا بيعَة الرضْوَان وأطعموا نخيل خَيْبَر وَظَهَرت الرّوم على فَارس وَفَرح الْمُسلمُونَ بنصر الله وَأما قَوْله تَعَالَى {إذَا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} وَقَوله

لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح فَفتح مَكَّة بالِاتِّفَاقِ

ص: 215

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فَبِهَذَا يرْتَفع الإِشكال وتجتمع الْأَقْوَال وَالله أعلم ثمَّ رَجَعَ

إِلَى الْمَدِينَة وَفِي هَذِه السّنة كسفت الشَّمْس وظَاهَرَ أَوْس بن الصَّامِت من امْرَأَته خَولَةَ وفيهَا استسقى فِي رَمَضَان ومطر النَّاس فَقَالَ النَّبِي

أصبح من النَّاس مُؤمن بِاللَّه وَكَافِر بالكواكب قَالَه مغلطاي وَجزم الدمياطي فِي سيرته بِأَن تَحْرِيم الْخمر كَانَ فِي سنة الْحُدَيْبِيَة وَذكر ابْن إِسْحَاق أَنه كَانَ فِي وقْعَة بني النَّضِير وَهِي بعد أحد وَذَلِكَ سنة أَربع على الرَّاجِح وَفِيه نظرا لِأَن أنسا كَانَ الساقي يَوْم حرمت وَأَنه لما سمع الْمُنَادِي بتحريمها بَادر فأراقها وَلَو كَانَ سنة أَربع لَكَانَ أنس يصغر عَن ذَلِك وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بسندٍ صحيحٍ عَن ابْن عَبَّاس إِنما نزل تَحْرِيم الْخمر فِي قبيلتين من الْأَنْصَار شربوا فَلَمَّا ثمل الْقَوْم عَبث بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا أَن صحوا جعل الرجل يرى فِي وَجهه وَرَأسه الْأَثر فَيَقُول صنع هَذَا أخي فلَان وَكَانُوا إخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهم ضغائن فَيَقُول وَالله لَو كَانَ بِي رحِيما مَا صنع بى هَذَا حَتَّى وَقعت فِي قُلُوبهم الضغائن فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة {يَا أَيُهَا الذَينَ آمَنُوا إنمَا اَلخمُر وَاَلْمَيسِرُ} إِلَى {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ نَاس من المتكلفين هِيَ رِجْس وَهِي فِي بطن فلَان وَفُلَان وَقد قتل يَوْم أحد فَأنْزل الله {لَيسَ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالحاتِِ جنَاح فِيمَا طَعمُوا} إِلَى {الْمُحْسِنِينَ} وَآيَة تَحْرِيم الْخمر نزلت فِي عَام الْفَتْح قبل الْفَتْح وَالله أعلم

ص: 216

وفيهَا سَرِيَّة مُحَمَّد بن مَسلمة فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلى القرظاء من بني بكر بن كلاب بضرية وَهِي على سبع لَيَال من الْمَدِينَة عَاشر الْمحرم فَلَمَّا أَغَارُوا عَلَيْهِم هربوا فعنم وَجَاء آخر الْمحرم وَمَعَهُ ثُمَامَة بن أَثَال أَسِيرًا وعكاشة بن مُحصن الْأَسدي فِي ربيع الأول إِلَى مَاء لبني أَسد يُقَال لَهُ عمْرَة مَرْزُوق فِي أَرْبَعِينَ فغنم وَلم يلق كيداً وَمُحَمّد بن مسلمة أَيْضا إِلَى ذِي القصَة فِي ربيع الأول مَعَه عشرَة إِلى بني ثَعْلَبَة وهم مائَة فَقتلُوا إِلَّا ابْن مسلمة فَبعث إِلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة فِي ربيع الآخر بِأَرْبَعِينَ رجلا فغنموا نعما وَشاء وأسروا رجلا فَأسلم وَزيد بن حَارِثَة فِي ربيع الآخر إِلى بني سليم بالجموع فغنموا نعما وَشاء ثمَّ إِلى الْعيص فِي جُمَادَى الأولى وَمَعَهُ مائَة وَسَبْعُونَ رَاكِبًا يعْتَرض عيرًا لِصَفْوَان بن أُميَّة فَأسر مِنْهُم نَاسا مِنْهُم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع فَأَجَارَتْهُ زَوجته زَيْنَب ابْنة رَسُول الله

ثمَّ إِلى الطَرَف مَاء على سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا من الْمَدِينَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة بِخَمْسَة عشر لبني ثَعْلَبَة فَأصَاب نعما وَشاء ثمَّ إِلَى حسمى وَرَاء وَادي الْقرى فِي جُمَادَى الْآخِرَة إِلى قوم من جذام قطعُوا الطَّرِيق على دحْيَة فَقتل مِنْهُم قتلا ذريعاً وَأصَاب مَغَانِم كَثِيرَة ثمَّ ردهَا عَلَيْهِم

جَمِيعهَا لما جَاءَهُ زيد بن رِفَاعَة وَسَأَلَهُ فِي ذَلِك وَأسلم

ص: 217

ثمَّ إِلَى وادى الْقرى فِي رَجَب فَقتل من الْمُسلمين قَتْلَى وَارْتثَّ زيد ثمَّ إِلَى أم قرفة فَاطِمَة بنت ربيعَة الفزارية بِنَاحِيَة وَادي الْقرى فربطها بَين بَعِيرَيْنِ حَتَّى مَاتَت وَفِي مُسلم أَن أَمِير هَذِه السّريَّة أَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَى دومة الجندل فِي شعْبَان يَدْعُو أَهلهَا إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم كثير بن الْأَصْبَغ بن عمر الْكَلْبِيّ وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَتزَوج عبد الرَّحْمَن ابْنَته تماضر فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَضرب الْجِزْيَة على من لم يسلم وَعلي بن أبي طَالب إِلَى بني سعد بِفَدَكَ فغنم نعما وَشاء وَعبد الله بن عتِيك لقِتَال أبي رَافع عبد الله أَو سَلام ابْن أبي الْحقيق على الْخلاف فِيهِ فِي رَمَضَان وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر فَقَتَلُوهُ فِي دَاره بِخَيْبَر وَعبد الله بن رَواحة فِي ثَلَاثِينَ رجلا إِلَى أَسِير بن رزام الْيَهُودِيّ بِخَيْبَر فَقتل وَقتل مَعَه نَحْو الثَّلَاثِينَ وكرز بن جَابر فِي عشْرين رجلا إِلَى العرنيين الَّذين اجتووا الْمَدِينَة فَأمر النَّبِي

أَن يشْربُوا من لقاحه ويتداووا فَلَمَّا أَصْبحُوا قتلوا راعي النَّبِي

يساراً النوبي وَاسْتَاقُوا اللقَاح فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وسمل أَعينهم وَكَانُوا ثَمَانِيَة وَنزل {إِنمَا جزاؤا الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} وَعَمْرو بن أُميَّة الضمرِي انْظُر وَمَعَهُ سَلمَة بن أسلم ليصادفا غرَّة من أبي سُفْيَان

ص: 218

بن حَرْب فيقتلاه فَفطن لذَلِك وهرب وَسبب ذَلِك أَن أَبَا سُفْيَان أرسل إِلَى النَّبِي

من يقْتله غدراً فَأقبل الرَّسُول وَمَعَهُ خنجر ليغتاله فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي

قَالَ إِن هَذَا ليريدُ غدراً فَجَذَبَهُ أسيد بن الْحضير بداخلة إزَاره فَإِذا بالخنجر فَسقط فِي يَده فَقَالَ

اصدقنى مَا أَنْت قَالَ وَأَنا آمن قَالَ نعم فَأخْبرهُ بِخَبَرِهِ فخلى عَنهُ

وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَمَعَهُ سَلمَة بن أسلم وَيُقَال جَبَّار بن صَخْر إِلَى أبي سُفْيَان وَقَالَ إِن أصبْتُمَا مِنْهُ غرَّة فاقتلاه وَمضى عَمْرو بن أُميَّة يطوف بِالْبَيْتِ لَيْلًا فَرَآهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَأخْبر قُريْشًا بمكانه فخافوا وطلبوه وَكَانَ فاتكاً فِي الْجَاهِلِيَّة فحشد لَهُ أهل مَكَّة وتجمعوا فهرب عَمْرو وَسَلَمَة فلقي عَمْرو عبيد الله بن مَالك التَّمِيمِي فَقتله وَقتل آخر وَلَقي رسولَين لقريش بعثا يتجسسان الْخَبَر فَقتل أَحدهمَا وَأسر الآخر فَقدم بِهِ الْمَدِينَة فَجعل عَمْرو يخبر رَسُول الله

وَهُوَ عليه الصلاة والسلام يضْحك

ص: 219