المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(شرح ما وقع في هذه الرسالة من الغريب) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٢

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْبَاب السَّادِس من الْمَقْصد الثَّانِي فِي ذكر موَالِيه وخدامه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك)

- ‌(الْبَاب السَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(حوادث السّنة الأولى من الْهِجْرَة)

- ‌(حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ)

- ‌(أَمر بني قينقاع

- ‌(حوادث السّنة الثَّالِثَة)

- ‌(وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد)

- ‌(حوادث السّنة الرَّابِعَة)

- ‌(غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْخَامِسَة)

- ‌(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)

- ‌(حوادث السّنة السَّابِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الثَّامِنَة)

- ‌(حوادث السّنة التَّاسِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الْعَاشِرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة)

- ‌(فصل فِي صِفَاته الحسية

- ‌(فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه

- ‌(فصل فِي خَصَائِصه

- ‌(فصل فِي معجزاته

- ‌(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)

- ‌(أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رضي الله عنه

- ‌(نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رضي الله عنه

- ‌(ذكر نسبه رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌(ذكر وَفَاته شَهِيدا رضي الله عنه

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رضي الله عنه

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

الفصل: ‌(شرح ما وقع في هذه الرسالة من الغريب)

فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وأرضاه وَالله مَا بذلت مَا بذلت وَأَنا أُرِيد نكثه وَلَا أَقرَرت بِمَا أَقرَرت وَأَنا أبغي حولا عَنهُ وَإِن أخسر النَّاس صَفْقَة عِنْد الله من آثر النِّفَاق واحتضن الشقاق وَبِاللَّهِ سلوة من كل كارث وَعَلِيهِ التَّوَكُّل فِي جَمِيع الْحَوَادِث ارْجع إِلَى مَنْزِلك يَا أَبَا حَفْص ناقع الْقلب مبرود الغليل فسيح البال فَلَيْسَ وَرَاء مَا سمعته وقلته إِلَّا مَا شدّ الأزر وَيَضَع الإصر والوزر وَيجمع الألفة وَيرْفَع الكلفة ويوقع الزلفة بمعونة الله عز وجل وَحسن توفيقه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رضي الله عنه فَانْصَرف عمر رضي الله عنه وَهَذَا أصعب مَا مر بناصيتي بعد فِرَاق رَسُول الله

قَالَ أَبُو حَيَّان وروى لنا هَذَا كُله أَبُو حَامِد ثمَّ أخرج لنا أَصله فقابلناه بِهِ فَمَا كَانَ غادر مِنْهُ إِلَّا مَا لَا بَال لَهُ فَأَما مَا رَوَاهُ أَبُو مَنْصُور الْكَاتِب فَإِنَّهُ خَالف فِي أحرف فِي حَوَاشِي الْكتاب كل حرف بِإِزَاءِ نَظِيره الَّذِي هُوَ مبدل مِنْهُ وَقد كَانَ أَبُو مَنْصُور بلغَة الْعَرَب أبْصر وَفِي غرائبها أنفذ وَإِنَّمَا قدمت رِوَايَة أبي حَامِد لِأَنَّهُ بشأن الشَّرِيعَة أعلم ولأعاجيبها أحفظ وَفِيمَا أشكل مِنْهَا أفقه فَكَانَ إِسْنَاد الحَدِيث من جِهَته وَقَالَ لنا أَبُو مَنْصُور الْكَاتِب فِي حَدِيثه وَلما حضر عَليّ إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَهُ أَبُو بكر رضي الله عنه إِن عِصَابَة أَنْت فِيهَا لمعصومة وَإِن أمة أَنْت فِيهَا لمرحومة وَلَقَد أَصبَحت عَزِيزًا علينا كَرِيمًا لدينا نَخَاف الله إِذا سخطت ونرجوه إِذا رضيت وَلَوْلَا إِنِّي شدهت لما أجبْت لما دعيت إِلَيْهِ وَلَقَد حط الله عَن ظهرك مَا أثقل بِهِ كاهلي وَمَا أسعد من نظر الله إِلَيْهِ بالكفاية وَإِنَّا إِلَيْك محتاجون وبفضلك عالمون وَإِلَى الله عز وجل بك فِي جَمِيع الْأَحْوَال راغبون

(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)

المفن الَّذِي يتَصَرَّف فِي كل فن المخلط الَّذِي يخلط بعض الْأُمُور بِبَعْض المزيل الَّذِي يفصل بَعْضهَا عَن بعض الْمَعْنى الَّذِي يتَصَرَّف فِي الْمعَانِي الجوى الْهوى الجواء النَّاحِيَة المتنفس الاسْتِرَاحَة والاتساع السَّقِيفَة سَقِيفَة بني سَاعِدَة الَّتِي اجْتمع فِيهَا الْأَنْصَار عِنْد موت النَّبِي

الْفَنّ النَّوْع

ص: 354

يجمع على فنون الْمَتْن فِي الحَدِيث نَصه على وَجهه وَهُوَ من كل شَيْء ظَهره الحقاق جمع حقة وَهُوَ وعَاء يَجْعَل فِيهِ الطَّبِيب والأعلاق والغوص الدُّخُول فِي الشَّيْء الغامض نَسِيج وَحده أَي فريد مَا لَهُ نَظِير وَأَصله فِي الثَّوْب الرفيع الَّذِي لَا مِثَال لَهُ يصنع لَهُ منسج وَحده لَا ينسج عَلَيْهِ غَيره فاستعير ذَلِك للرجل الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي فنه سرد الحَدِيث نَصه وَوصل إِسْنَاده الهنة اللَّطِيف من كل شَيْء رخص عرها أَزَال مكروهها وَأَصله من العر وَهُوَ دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فيكوي غير الْمُصَاب بِهِ فيشفي قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //

(

...

. .

كَذِي العرِّ يكْوى غَيْره وَهْوَ رَاتِعُ)

التلكؤ التَّأَخُّر الشماس النفار التهمهم والهمهمة كَلَام لَا يُصَرح بِهِ النّفاس المنافسة والحسد ذَات الْبَين الْحَال الْمُتَّصِلَة من قَوْله تَعَالَى {لقد تقطع بَيْنكُم} الْأَنْعَام 94 الظهير الْمعِين الَّذِي يشد بِهِ الظّهْر يُدمن أرضه بالسرجين أَي يصلحها بِهِ مثاءة والثأي الْفساد وَأَصله فِي الخرز وَهُوَ أَن يثقب الخرزة فَيصير الاثنتين وَاحِدَة يُقَال أثأت الخرز فَهُوَ مُثأَى المغبوط الَّذِي يتنافس فِيهِ خوار الْعَنَان يُقَال فرس خوار الْعَنَان إِذا كَانَ رَاكِبه يصرفهُ حَيْثُمَا أَرَادَ فَضرب مثلا الدوح الشّجر الْعَظِيم الردء العون يندمل يبرأ السبر إِدْخَال فتيل فِي الْجرْح ليرى قدر عمقه غير آل أَي مقصر من الألو وَهُوَ التَّقْصِير الْجهد بِالضَّمِّ الطَّاقَة وبالفتح الْغَايَة وَقد يسوى بَينهمَا القالى الْمُبْغض الكاره الْجد التشمير وَالِاجْتِهَاد مغرقة أَي يغرق فِيهِ مفرقة من الْفرق وَهُوَ الْفَزع والروع يَقُول يفزع من السّير فِيهِ الجو الْهَوَاء أكلف أغبر أغلف شَدِيد الظلمَة جلواء ظَاهِرَة النُّجُوم صلعاء لَا نَبَات فِيهَا الصعُود الْمُرْتَفع وبضم الصَّاد الْمصدر وَكَذَلِكَ الهبوط بِالْفَتْح الْمَكَان المنحدر وبالضم الْمصدر الشنوف الْمُبْغض العنوف الشَّديد الثالب الطاعن الضغن الْعَدَاوَة رائد الْبَوَار قَائِد الْهَلَاك شجار الْفِتْنَة الشجار خشب الهودج ضربه مثلا يدلى بالغرور الإدلاء الإدخال فِي الْأَمر وَأَصله إِدْخَال الدَّلْو فِي الْبِئْر القعة التَّأَخُّر وَالْقعُود عَن الْأَمر وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم وَقع الرجل فَهُوَ وَقع إِذا اشْتَكَى لحم قَدَمَيْهِ وَلم يقدر على الْمَشْي الثقوب النَّاقة

ص: 355

الغريرة اللَّبن قَالَ وَالصَّوَاب ثقوب الْعَدَاوَة والثقوب الْحَطب وَمَا يهيج بِهِ النَّار يزجى يسير الناجذ آخر الأضراس أقاد ضالتك ردهَا الحوص بِالْحَاء الْمُهْملَة ضيق فِي الْعين وبالمعجمة غور فِيهَا الصعداء النَّفس العالي وَالْغَضَب والهم وَلَا يغيص أَي مَا يبين وَلَا يفهم الْهدى الطَّرِيق الْمُسْتَقيم الضراء من الشّجر وَكَذَلِكَ الْخمر يُقَال يمشي فلَان لفُلَان الضراء إِذا كَانَ يخفي لَهُ الْعَدَاوَة حَتَّى يجد فرْصَة قَالَ الشَّاعِر

(يمشى الضراء وَيَتَّقِي

)

وَأَصله أَن يسْتَتر الصَّائِد من الصَّيْد حَتَّى يرميه ينقبض أَي يضيق الفضاء المتسع من الأَرْض الشنان جمع شنة وَهِي الْقرْبَة البالية الْيَابِسَة القعقعة صَوتهَا إِذا حركت للبعير الشارد سكن يضْرب مثلا لمن يهدد بِمَا لَا حَقِيقَة لَهُ الوعوعة صَوت الذِّئْب الشنآن الْعَدَاوَة يربب ويشبب وَأَصله من شب النَّار إِذا أوقدها الغمار المَاء الْكثير وَهُوَ جمع غمرة لغمره من يدْخل فِيهِ الأمراس الحبال الَّتِي يستسقى بهَا الصاب الصَّبْر نكرع نشرب العُباب الموج العِياب جمع عَيْبَة وعَاء كَبِير تحدج تنظر تشحذ تحد النشب الضّيَاع السبد الْوَبر يَعْنِي الْإِبِل اللبد الصُّوف يَعْنِي الْغنى تَقول الْعَرَب مَا لَهُ سبد وَلَا لبد الهلة الفرحُ وَمَا يسر بِهِ الرجل البلة أَصْلهَا الرُّطُوبَة ثمَّ اسْتعْمل بِمَعْنى الصِّلَة الرحب السعَة الذلاقة الفصاحه المكنونات المستورات الأعطان مبارك الْإِبِل بعد الْورْد عِنْد المَاء المخبور المجرب أرهص قدم وأصل قلص شمر الأردان الأكمام يظلع يعرج عطا تنَاول المض والمضض والمضاضة الحرقة واللجاجة فِي الْأَمر الأجاج ضد العذب وَلَا تحلم يُقَال حلم الْأَدِيم إِذا وَقع فِيهِ السوس والعضب الْقَاطِع نبا ينبو إِذا ضرب فَلم يقطع يجاحش يدافع يتضاءل يتصاغر ينتفج أَي يتفرشح الحوجاء الْحَاجة اللوجاء إتباع وتداخل فِي الْأَمر التَّعْرِيض ضد التَّصْرِيح الْكِنَايَة كَذَلِك يختلج يضطرب الْعِصَابَة الْجَمَاعَة حدب مُشفق الشجراء جمع شجير وَهُوَ الصّديق أصفقت اجْتمعت الإيالة السياسة نشرا النشر أَن تَنْتَشِر الْغنم فِي المرعى فتعدو عَلَيْهَا الذئاب السدى الشَّيْء

ص: 356

المهمل العدا الْأَعْدَاء العرى الْعُرْيَان العباهل الْإِبِل الَّتِي لَا حَافظ لَهَا الطلاحي الَّتِي كلت فَلم تقدر على النهوض المباهل الْإِبِل الَّتِي لَا تمنع أخلافها فيحلبها كل من أَرَادَ صدع بملء فِيهِ أظهر بِكَلَامِهِ ودفاعه بِيَدِهِ أَي الذائد الدَّافِع الْحَائِط الْحَافِظ الَّذِي يحوط وَكَذَلِكَ الواقي الْهَادِي الَّذِي يمشي إِلَى الْأَمر الأسدّ الْحَادِي الَّذِي يمشى وَرَاء الْإِبِل اليافوخ أصل الدِّمَاغ الصوى عَلامَة تجْعَل فِي الطَّرِيق يهتدى بهَا أوضح بَين الرادع القامع الغاوي الضال الْمُفْسد الضغن الْعَدَاوَة الغل البغض الثمام شجر ضَعِيف هنيهة أَي سَاعَة ذوق من القَوْل أَي طرف المحلمة أَن يحلم فِي أَشْيَاء لَا حَقِيقَة لَهَا الملحمة مَوضِع الْقِتَال المقحمة دُخُول الْإِنْسَان فِيمَا لَا يَنْبَغِي التَّأْلِيف التعطيف والتسكين الفتر مَا بَين السبابَة والإبهام مشوبة أَي ممزوجة معتل أَي مستضعف الرفغ أصل الْفَخْذ الصالي المتسخن بالنَّار الْقَرار الْمَكَان الَّذِي يسْتَقرّ بِهِ المَاء لعيّ وسي السي إتباع العي كَقَوْلِهِم حسن بسن وَشَيْطَان ليطان وجائع بَائِع الرتق ضد الفتق الرهق فَسَاد الشَّيْء الخنزوانة التكبر الْفراش عِظَام رقاق الشجا مَا يغص بِهِ من عود وَعظم وَشبهه الوحرة الحقد الشراسيف أَطْرَاف الضلوع الدحس ورم يُصِيب الدَّابَّة فِي حافرها شبه بِهِ الانتفاخ من الْغَضَب الداس الْبَحْث عَن الْأَخْبَار والتجسس الخور الضعْف لبست بِسَبَبِهِ جلد النمر يُقَال لبس فلَان لفُلَان جلد النمر إِذا تنكر وتهيأ لحربه الشحناء العداوه السرى سير اللَّيْل ابْن أنقد بِالدَّال الْمُهْملَة الْقُنْفُذ الْعوَان الَّتِي كَانَ لَهَا زوج الْخمْرَة شدّ الْخمار على الرَّأْس الحَصان الْمَرْأَة العفيفة الْخِبْرَة الاختبار الفرعاء الْكَثِيرَة الشّعْر الْخَال الحديدة الَّتِي يفرق بهَا الشّعْر محتبس مُقَيّد معبد مذلل ملمس أَي مَا يلمس مانس أَي تَأْثِير المزع الْقطع الأثرة أَي مَا يُؤثر بِهِ الرجل دون غَيره أَي يخص مَأْمُونَة على الرتق والفتق يَعْنِي الْإِصْلَاح وَالْفساد مفتئتا يعْنى بِغَيْر اختيارهم الحمية الأنفة انتكث رشاها نقض حبلها انتضب مَاؤُهَا يُقَال نضب المَاء إِذا جف وأنضبته أَنا وانتضبته الأيد الْقُوَّة بِأَيّ تدرع من الدرْع ولهت أَي حنت تطامن انخفض الحبوة الْعَطِيَّة سربله ألبسهُ سربالها قربى

ص: 357

أمس أَي ألصق الْعرق الأَصْل البازل الْجمل المسن الهبع الصَّغِير من أَوْلَاد الْإِبِل وَهُوَ الَّذِي يُولد فِي آخر زمن النِّتَاج فَإِن ولد فِي أَوله فَهُوَ ربع تهدر بِهِ شقشقتك يُقَال هدر الْبَعِير إِذا صَاح والشقشقة مَا يخرج من حلقه عِنْد هديره الصاغية الْقَرَابَة المناضلة المراماة بِالسِّهَامِ حدبت أَي أنفت وَقيل خضعت وَهُوَ لَا معنى لَهُ هُنَا وَالصَّوَاب الأول الْفظ اطرَح السخيمة الْعَدَاوَة النفاث مَا ينفث بِهِ يمض إهابك أَي يشق جِلْدك ويفري قادمتك أَي يقطع والقادمة ريش مقدم الْجنَاح جمعهَا قوادم استبرأتها أَي تَخَيَّلت مِنْهَا التزمل الالتفاف أتوجى أتعارج حلت معلوطة أَي نزلت والمعلوطة النَّاقة وسم عُنُقهَا بالنَّار وَاسم تِلْكَ السمة العلاط مخروطة أَي دقيقة الْمُؤخر وَهُوَ مَكْرُوه فِي الْإِبِل وَيُقَال للناقة إِذا زجرت حل حل يُقَال حلحلت بِالْإِبِلِ إِذا قلت لَهَا حل حل فَإِذا لم تزدجر يُقَال حل لَا حليت أَي لَا ظَفرت وَلَا فزت فهيسى هيسى يضْرب مثلا لمن وَقع فِي داهية وَأمر عَظِيم يحْتَاج إِلَى الانزعاج وَترك الإخلاد إِلَى الرَّاحَة وَفِي الْقَامُوس هيسى هيسى على الْكسر يضْرب للتمكن من الْأَمر والإغراء بِهِ انْتهى والهيس السّير الشَّديد وأصل هَذَا الْمثل أَن طمسا أوقعت بجديس وأبادتها بِسَبَب قصَّة أمرهَا يطول جرت بَينهمَا فَقَالَ فِي ذَلِك بعض الرِّجَال هَذَا الْمثل الَّذِي ضرب عليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَذِه الرسَالَة لعَا هَذِه كلمة تقال عِنْد الْعَرَب للعاثر إِذا عثر دُعَاء لَهُ مَعْنَاهَا انْتَعش وقم على غره يُقَال طويت الثَّوْب على غره بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء الْمُهْملَة وَالْهَاء أَي على طيه الأول يضْرب مثلا لِلْأَمْرِ الَّذِي لم يُغير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مخطي قدمي حَيْثُ تخطو قدمي أزمت على فاسي فاس اللجام مَا يدْخل مِنْهُ فِي فَم الْفرس يُقَال أزم الْفرس على فاس اللجام إِذا عض عَلَيْهِ اسْتِعَارَة للسكوت الأدالة هِيَ انقلاب الْأُمُور الغرب الْحَد اللحاء القشر الرشاء الْحَبل أورينا من أورى الزند إِذا ظهر مِنْهُ النَّار الماتح فِي قَوْله وَإِن متحنا الَّذِي يخرج الدَّلْو وَمن أمثالهم أعرف من الماتح باست المائح مَقْصُور مقروح الجوى دَاء يعترى فِي الْجوف العصام حَبل الْقرْبَة يضْرب بِهِ مثلا المؤازرة المعاونة تداعت أَي دَعَا بَعْضهَا بَعْضًا

ص: 358

الْعَهْد هُنَا الْقرَان الهمهمة كَلَام لَا يُصَرح بِهِ الأنشوطة الْعقْدَة الَّتِي تجبذ بطرفها فتنحل الليطة قشر الْبَيْضَة الغيابة مَا أظل الْإِنْسَان فَوق رَأسه كالسحابة أَو الغبرة محلقة أَي مستديرة استأصلها انتزعها من أَصْلهَا الشأفة قرحَة تخرج فِي الْقدَم فتكوى يضْرب بهَا مثلا الجرثومة بِضَم الْجِيم والثاء الْمُثَلَّثَة الأَصْل وجرثومة كل شَيْء أَصله والجرثومة مَا يجْتَمع فِي أصل الشّجر هوَّر لَيْلهَا أَصله من هور الرجل الْبُنيان إِذا هَدمه فيريد أذهب لَيْلهَا النكث النَّقْض حولا أَي تحولاً احتضن أَي تأبط والحضن الْإِبِط الشقاق الْخلاف ناقع الْقلب أَي يرتوي مبرود الغليل الغليل حرقة الْعَطش الفسيح الْوَاسِع اللبان الصَّدْر الأزر الْقُوَّة الْوزر الثّقل وَأَرَادَ هُنَا الْإِثْم الإصر الثّقل شدهت أَي تحيرت الْكَاهِل أَعلَى الْمَنْكِبَيْنِ انْتَهَت الرسَالَة وَقد نقلتها من كتاب المسامرة للشَّيْخ الْأَكْبَر الْعَارِف بربه سَيِّدي محيي الدّين بن عَرَبِيّ وَقد بالغت فِي تصحيحها وضبطها وبذلت فِي ذَلِك وسعي وجهدي وقابلتها بنسخة أُخْرَى فَصحت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَللَّه الْحَمد والْمنَّة قلت هَذِه الرسَالَة وَإِن أوردهَا الإِمَام الْمَذْكُور فِي كِتَابه الْمَزْبُور فعندي فِي صِحَة اتصالها لمن رويت عَنهُ وَهُوَ أَبُو النفاخ مولى أبي عُبَيْدَة عَن أبي عُبَيْدَة رضي الله عنه وَهم بِلَا شكّ إِذْ فِيهَا أَلْفَاظ نسبت إِلَى عمر رضي الله عنه تحيل الْعَادة نطقه بهَا فِي حق مثل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا خُصُوصا قَوْله مَا هَذِه الخنزوانة الَّتِي فِي فرَاش رَأسك وَمَا هَذَا الشجا وَمَا هَذِه الوحرة وَمَا هَذَا الدحس والدلس وَمَا هَذَا الَّذِي لبست وَقَوله يمض إهابك ويفري قادمتك وَقَوله تقرع السن من نَدم وتشرب المَاء ممزوجاً بِدَم إِلَى غير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الفاضحة والكلمات الْجَارِحَة فحمى الله تَعَالَى عمر أَن يَقُول مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فِي حق مثل عليّ الَّذِي يَقُول هُوَ فِيهِ لَوْلَا عَليّ لهلك عمر إِذْ مثل هَذِه الْأَلْفَاظ مَا صدرت من بَعضهم لبَعض فِي زمن الْجَاهِلِيَّة الجهلاء فَكيف بعد الْإِسْلَام وامتلاء قُلُوبهم وأسماعهم بأنوار النُّبُوَّة وأخبار السَّمَاء وَكَذَلِكَ مَا فِيهَا من قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حلت معلوطة

إِلَى آخر مَا رَوَاهُ عَن عَليّ مِمَّا يشْعر بل يُصَرح بِعَدَمِ رِضَاهُ بالبيعة لأبي بكر وسكوته

ص: 359

وتمثيله بقوله أزمت على فاسي وَالتَّصْرِيح بِأَن التظاهر وَاقع عَلَيْهِ أَنه إِنَّمَا ترك شِفَاء غيظه لسابق قَول وسالف عهد يَعْنِي من النَّبِي

بِالْوَصِيَّةِ لَهُ بترك الْقِتَال كَمَا تدعيه الروافض وَقَوله وَإِنِّي عَادل إِلَى جماعتكم ومبايع لصاحبكم وصابر على مَا سَاءَنِي وسركم وَغير ذَلِك من الْأَلْفَاظ الَّتِي نسبت إِلَيْهِ مِمَّا تدل تعريضاً وَتَصْرِيحًا على عدم رِضَاهُ بالبيعة لأبي بكر وَأَنه مقهور عَلَيْهَا مضطهد فِيهَا معدول عَنهُ بهَا مخذول فِي أمرهَا كَمَا هُوَ عقدَة عقيدة الروافض فَإِنَّهُم اعتقدوا ذَلِك وَلم يفطنوا لما يلْزم على ذَلِك من نِسْبَة القبائح والرذائل إِلَى الإِمَام الْمَعْصُوم فِي زعمهم الَّتِي لَا تُضَاف إِلَى من لَهُ أدنى شهامة وَلَا يرضى بهَا كريم وَلَا ذُو كَرَامَة من اتصافه بالجبن والذلة مَعَ اتصافه بضدهما عِنْد كل أهل مِلَّة بل وَجَمِيع بني هَاشم وَمن يليهم من جملَة الْمُهَاجِرين وَمن السُّكُوت عَن الْحق وَالْإِقْرَار على الظُّلم والعق وَمن تواطؤ الصَّحَابَة جَمِيعهم على الحيف وَالظُّلم والجهالة الْمَنْفِيّ ذَلِك عَنْهُم بِشَهَادَة لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضلاله فَلَا تغتر بِمَا حوته هَذِه الرسَالَة المجهولة رجال الْإِسْنَاد فتعدل إِلَيْهَا عَمَّا تقدم مِمَّا روته أَئِمَّة الحَدِيث الخبراء النقاد وَكَانَ الصَّوَاب أَلا تثبت فِي إصدار وَلَا إِيرَاد وَلَكِن جرى قلم التَّقْدِير بِمَا أَرَادَ وَقد اطَّلَعت على قصيدة فِي تَفْصِيل مَا يلْزم من قَالَ بِعَدَمِ أَهْلِيَّة أبي بكر للخلافة وَأَن عليا منع عَنْهَا قهرا فَسكت عَجزا وبابع قسراً وَهِي للعلامة الفهامة الشَّيْخ عبد الْحَيّ الشَّامي نظمها فِي ذيل كتاب صنفه الإِمَام عبد الله بن أسعد اليافعي نفع الله بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنى فاستكتب الشَّيْخ الْمَذْكُور الْكتاب الْمَذْكُور رجل من السَّادة الْأَشْرَاف فَكتب لَهُ وَكتب هَذِه القصيدة فِي ذيله من نظمه وَهِي // (من الرجز) //

(محاسنٌ لنَشْرها أَشّمٌّ

إلَاّ طَيِّها طَوْدُ العُلَى الأشمُّ)

(معارجٌ ليسَ إِلَى سَنَامِهَا

إِلَّا قَوى العزمَاتِ يَسمُو)

(أُقْعِدّ عَنْهَا قصراً أمثالُنَا

ونَالَهَا حَرُّ الأديمِ شَهْمُ)

(صَاحبَهُ التوفيقُ فِي سُلُوكِهِ

فهَمُّهُ الأهمُّ فَالأهمُّ)

(ونحنُ لَا هَذَا وَلَا تِلْكَ وَلَا

لنا بِمَا تَحْتَ النقابِ عِلْمُ)

(كأنْما المقصودُ مِنْ وجودنا

نفسٌ تطاعُ وَهوى يؤمُّ)

ص: 360

(نَقْرَأ آثارَ الألى بهم عَلَا

عنِ الحضيضِ فِي الحظوظِ عَزْمُ)

(فنتمنَّى أَن نفوزَ فوزَهُمْ

بأنفسٍ بالفوزِ لَا تهمُّ)

(تلكَ الأمانِي المصْدرات أَهْلها

بالغُرْم مِنْ حيثُ يرجَّى الغُنْمُ)

(سبحانَكَ اللهُمَّ يَا أولى بِنَا

هَبْنَا لكَ اللهُمَّ يعْفُو الْجُرمُ)

(لَا حولَ إِلَّا بكَ أَي مَهْرَبٍ

للعبْدِ عَن حكمٍ قَضَاهُ خَتْمُ)

(رُحْمَاكَ يَا ذَا الطولِ نرجو أبدَاً

فِي كُلِّ مَا يخصُّ أَو يعمُّ)

(فَلَا تَكلنَا للقوَى واسلُكْ بِنَا

مَسْلَكَ قومٍ لرضاكَ أَمُّوا)

(ألقومُ خيرُ القومِ لَا يشقى بهمْ

جليسُهُمْ وَلَا يهيه هَمُّ)

(ألسادةُ الطهرُ مصابيحُ الدجَى

بلِ الهدَى والجَهْل مُدْلهمُّ)

(ألتائبونَ العابدونَ الحامِدُون

الراكعونَ الساجدُونَ الرحْمُ)

(ألعارفونَ بالإلَهِ الغارفونَ

من عطاهُ الخائفونُ الكتْمُ)

(هُمُ الغياثُ للعبادِ وبهمْ

تحيا البلادُ ويزولُ الغَمُّ)

(وهم محلُّ نظرِ الْإِلَه مِنْ

عبادِهِ هم الرُّقى والسّمُّ)

(طوبَى لِمَنْ صفَتْ لَهُ قلوبُهُمْ

وويْحَ مَنْ لَهُ بسوءٍ هَمُّوا)

(إِذْ هُمْ على بينةٍ مِنْ ربِّهِمْ

وَمَنْ عداهُمْ هَمجٌ وبَهْمُ)

(سارَتْ بهم نجائبُ القصْدِ على

منهجِ صدقٍ مَا نحاه فدْمُ)

(فمنهمُ أهْلُ القبابِ والألَى

خاضو العبابَ حيْثُ ضَلِّ الفهْمُ)

(ومنهمُ الأفرادُ لم يعرِّجُوا

على سوى التفريدِ مذ أَلَمُّوا)

(ومنهُمُ أهُل الخفاءِ والفنا

ومنهُمُ مَنْ بالظهورِ يَنْمُو)

(وَمِنْهُمُ أهلُ السطا مُظَاهرا

جلالَ عدلٍ يَقْتَضِيهِ الحكمُ)

(ومنهمُ مظاهرُ الرحمةِ والجمالِ

فضلا عَمَّ فِيهِ الحلْمُ)

(كُلاًّ نمدُّ هَؤُلَاءِ وهَؤُلَاءِ

مِنْ عطاهُ وعطاهُ الجَمُّ)

(وكَلُّهُمْ على افتراقِ حالِهِمْ

يجمعُهُمْ مِنَ التصوُّفِ اسْمُ)

(فليتَ شعري مَا الَّذِي ينكرُهُ

مِنْ أمرِهِمْ قومٌ عَمُوا وصَمُّوا)

(أينكرونَ رفْضَهُمْ لذاتِهِمْ

فِي اللهِ حَتَّى مَا بهَا مُلِمُّ)

ص: 361

(أم قَطْعَهُمْ مألوفَهُمْ أم زهدهُمْ

فِي الجاهِ والرتبةِ مهما تَسمو)

(أم دَفْنَهُم وجودَهُم فِي تربةِ الخُمُولِ

عافٍ اسمُهُمْ والرسْمُ)

(أم صَبْرهم على الأَذى أم صفْحُهُمْ

مَعَ اقتدارٍ إنْ رُمُوا أَن يُصْمُوا)

(أم كونَهُمْ مذ بايَعُوا اللهَ على

نفوسِهِمْ بشأنها مَا اهتَمُّوا)

(قد استوَى عندهُم فِي جَنْبِ مَرْضاة

الإلهِ مَدْحُهُمْ والذَمُّ)

(تراهُمُ كالأرضِ يُلْقَى فَوْقهَا الْقُبْحُ

فيبدى الحسنَ مِنْهَا الكتْمُ)

(مآثرٌ حباهُم الله بهَا

مِنْ دونِ عليا مستماها النجْمُ)

(مَاذَا عسَى يُحْصى المديح مِنْ ثَنَا

قوْمٍ لَهُم فِي الذكْرِ ذكْرٌ ضَخْمُ)

(أَعَزَّهُمْ ذُو العِزِّ أَن يعرفَهُمْ

مَنْ لَا لَهُ مِنَ اليقينِ سَهْمُ)

(فهُمْ خبايا فِي زَوَايَا غَيْرَةِ اللهِ

وفِي طرزِ الوجودِ رَقْمُ)

(حياهُمُ الله وَأَحْيَانا بِهِمْ

لَعَلَّنَا إليهمُ نُضَمَّ)

(وقَدِّسِ اللهُمَّ رُوحَ

اليافعيِّ إِنَّه بمثلِهِ يُؤْتَمُّ)

(جزاه مَوْلَانَا الرِّضَا فَإِنَّهُ

مُصَنِّف بَحر حجى خِضَمُّ)

(قد قامَ بِاللَّه وقالَ الْحق فِي

تأليفِهِ والحقُّ لَا يغمُّ)

(فَهُوَ كتابٌ قد حوَى مباحثَاً

يُلْقَمُ أحجاراً لَدَيْهَا الخصْمُ)

(وَمن يكُنْ قِيَامه لله لَا

لنفْسِهِ فَدَسْتُهُ الأتمُّ)

(حبرته برسْمِ مولى أصلُهُ

أزكَى الأصولِ فَهُوَ عَنهُ يَسْمُو)

(فَرْعُ الذينَ هُمْ أَئِمَّة الورَى

وهُمْ معاقلُ الهُدّى والعصْمُ)

(بيتُ النبيِّ وَالَّذين حُبُّهُمْ

دِينِي وإيماني بِهِ يتمُّ)

(كُلُّ كمالٍ فِي الورَى فَإِنَّمَا

هم روحُهُ والعالمونَ جِسْمُ)

(تَوارَثُوا ملكَ المعالِي خلفا

عنْ سلفٍ كل أَتَاهُ قسمُ)

(مَا نَالَ مِنْ قربِ الإلهِ نائلٌ

إِلَّا بهمْ وَمَا مقالِي زَعْمُ)

(مدينةُ العلْمِ عليٌّ بابُهَا

نَص بِهِ لَدَى الجدالِ حسْمُ)

(يَأَهْلَ بيتٍ لَا يضامُ جارُهُمْ

إِنِّي بكُمْ يَا قومُ مستذمُّ)

(وليسَ إِلَّا أنْتُمُ وَسِيلَتِي

يَوْمَ عَنِ الرضيعِ تسلو الأُمُّ)

ص: 362

(أنتُمْ لخيرِ عدةٍ وعدة

إِذا نبا السيفُ وطاش السهْمُ)

(أعظِمْ بكُمْ غوثاً إِذا عظيمةٌ

توهن الجِلْد لَهَا والعظْمُ)

(أنتمْ ضياءُ الكونِ كلَّ زمنٍ

تنيرُهُ مِنْكُم بُدُور تِمٌّ)

(كيفَ وشمسُ الفلواتِ جدكمْ

لكُمْ تسامى عربها والعُجْمُ)

(لَا وَالَّذِي أَعلَى بِهِ أقدارَكُمْ

لأنتُمُ الأعلَوْنَ حَقًا فاسموا)

(هَذَا هُوَ الْفَخر الَّذِي لَا يُدَّعَى

حسْبُ الدَّعِيِّ خزيُهُ والإثْمُ)

(وَمَا جرَى مِنَ العظائِمِ الَّتِي

من كَيِّهَا على القلوبِ وسْمُ)

(تلكَ بأمْرِ اللهِ وَالله لَهُ

مشيئةٌ فِي خلقِهِ وحُكْمُ)

(مَا كانَ فِي أمِّ الكتابِ مبرمَاً

فمستحيلٌ حَلُّهُ والبرمُ)

(ومَنْ بِهَذَا الفضْلِ أولَى منكُمُ

والأمثلُونَ لِلأشدِّ سمُّوا)

(على لسانٍ صادقٍ مُنَبأ

بالغيْبِ وحيَا لَيْسَ فِيهِ رَجْمُ)

(هَذَا على أَنِّي كنْتُ لم أطِق

سماعَ مجْرى الطّفِّ أَو أصمُّ)

(كأنَّ وقْعَ ذكرِهِ فِي مسمعِي

وقْعُ الحسامِ بالحشا يحمُّ)

(حتَّى أريتُ مَا بِهِ من حُكْمٍ

عَن رُتَبٍ لأَهْلهَا تتمُّ)

(سَعَادَة قَعْسَاء دُونَ بَعْضهَا

يَهُونُ كُلُّ كارثٍ يهمُّ)

(نالَ بهَا حَهْدَ الشقاءِ أهلُهُ

وفَازَ بالزلفَى ذووها العظْمُ)

(وَهَذِه الدُّنْيَا أَقَلُّ خطراً

مِنْ أَن تكونَ للحَبِيبِ قسْمُ)

(وأنتمُ الأحبابُ والحبُّ وَمَا

للفضْلِ غَيْرِ بيتكُمْ ملمُّ)

(بحبِّكُمْ قُدِّمَ من قدَّمه الله

على الأمَّةِ فَهُوَ القدْمُ)

(برغْمِ أنفِ رافضيٍّ مُفْرِطٍ

مفرِّطٍ فِيمَا عَلَيْهِ الجّمُّ)

(عجبْتُ من عصبَة إفْكٍ أبغضوا

حبيبَ مَنْ إِلَى هَوَاهُ انضمُّوا)

(وهْو أحبُّ صاحبٍ إِلَى الإمامِ

حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ العِلْمُ)

(قد نسبوا إِلَى عليٍّ نِسْبَة

يجلُّ عَنْهَا قدرُهُ وَيْسمُو)

(إِذْ يزعمونَ غَصْبَ قومٍ حقَّهُ

وهْوَ كَمَا علمْتُ ذَاك القرْمُ)

ص: 363

(فأيُّ وجهٍ لسكوتِ مثلِهِ

عَنْ مِثْلِها إِن صَحَّ هَذَا الزعْمُ)

(كيفَ نقُول يَا غلاة الأمْر فِي

قَضيَّةٍ مَا جَاءَ فِيهَا حُكْمُ)

(أجاهلاً كانَ عليٌّ أَن مَا

قَدْ تَمَّ بَغْيٌ ولديْكُمْ علْمُ)

(حاشا جنابَ بَاب حصْنِ العلمِ أنْ

يجهَلَ أمرا ضرُّهُ أَعَمُّ)

(أَو قيلَ أغضَى عَالما يلزمَكُمْ

إقرارُهُ الظالمُ وَهُوَ ظُلْمُ)

(وَهَذِه أدهَى من الألى استَحوا

مِنَ الإمامِ ويْحَكُمْ وزمُّوا)

(أعاجزاً كَانَ عنِ الدفاعِ أَمْ

خافَ المماتَ وَهُوَ ذاكَ الشهْمُ)

(رأتْ بَنو هاشِمَ حَقًا دونه

حيلَ وعَنْ صاحِبِهِمْ لم يَحْمُوا)

(جُبْنٌ بهم أم بالسيوفِ فللٌ

أم بالرقَى قد حُلَّ مِنْهُم عَزْمُ)

(أم أجْمَعَ الكلُّ على الباطِلِ مِنْ

أَجْلِ أبي بَكْرٍ لبئسَ الزعْمُ)

(أهكذا مَنْ حَبَّ قومَاً ينتحِي

تنقيصَهُمْ أينَ الذكا والفهْمُ)

(كَيفَ يقالُ فِي الصحابةِ الكِرام

إنهُمْ بغَيْرِ حقٍّ هَمُّوا)

(وهُمْ أجَلُّ رُتْبَة مِمَّا إِلَى

جنابِهِمْ فِي ضمْنِ ذَا ينضمُّ)

(حاشا قلوباً أرضعَتْ ثدْي الهُدَى

فِي مهْدِ قربِ الوحْيِ مِمَّا نمُّوا)

(لَو علمُوا حَقِّيَةَ الأمْرِ لَمَا

خِيفَ لديهمْ فِي الْإِلَه خَصْمُ)

(بل عصبَةُ الجهلِ بحمْقِ رأيِهمْ

قد حاولوا أَن يَمْدَحُوا فذمُّوا)

(عزَوْا إِلى الكاملِ فِي مِدْحتِهِمْ

نقائصاً سماعُها يُصِمُّ)

(نبرأ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ جملَة

إِلَى الَّذِي إلَيْه فِيهِ الحُكْمُ)

(ونرتجي مِنْهُ هِدَايَةً إِلى

مناهِجِ الحقِّ لَهَا نَؤُمُّ)

(وبالرسولِ والذينَ مَعَهُ

لقدْ تشفَّعْنَا لما يهمُّ)

(أوفِرْ لنا اللهُمَّ من حُبهِمُ

حظَّا بهمْ لِشَمْلنَا يَلُمُّ)

(واجعلْ لنا هَذَا الكتابَ حُجَّةً

ومشرعاً لَهُ رضَاكَ خَتْمُ)

(وارحَمْ بِهِ مؤلفاً وكاتبَاً

وقارئاً وسامعَاً يأتمُّ)

(واجْزِ الجزاءَ الأوفر الأوفَى لِمَنْ

بكتبه استَخْدَمَنَا لتَسْمُو)

(السَّيِّد ابْن السَّيِّد ابْن سيدٍ

عقْد فخارٍ لم يشنهُ فَصْمُ)

ص: 364

(عبد الْكَرِيم ابْن الكَرِيم صِنوه

فَخُلُقٌ ومَحْتِدٌ وإسْمُ)

(بِجَدِّهِ وجِدِّهِ وجُودِهِ

لُذْ واعتصِمْ واغْنَ عَدَاكَ العُدْمُ)

(خدمْتُ علياه بِهِ ممتثلاً

لأمْرِهِ وهْوَ عليَّ حَتْمُ)

(أعملْتُ أقلامي بِهِ قامَتْ على

أُمِّ الرءوسِ طاعَة تَؤُمُّ)

(لَا بِدْعَ أَن طابَتْ فَمن تاريخِهِ

محاسنٌ لنَشْرِها أَشَمُّ)

(مَعَ اعترافِي بالقصُورِ راجياً

مِنْهُ الَّذِي عَوَّدِنيهِ الحلْمُ)

(حسْبُ الطروسِ مفخراً أَن نالها

بسَعْيها فِي راحَتَيْكُمْ لَثْمُ)

(أَو قصر المَدْح فَفِي تاريخِهِ

محامدٌ لُحسْنِهِ تَتِمُّ)

وَالْحَاصِل أَنه وَردت الْأَحَادِيث فِي شَأْن خلَافَة أبي بكر الصّديق وَهِي الْأَحَادِيث الْأَرْبَعَة عشر الْآتِيَة الْمُسْتَدلّ على حقية خِلَافَته وأحقيته بهَا الْمصدر بهَا الْأَحَادِيث الْآتِيَة فَإِنَّهَا تَنْبِيه سَابق مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَتَقْرِير لَاحق من الصَّحَابَة وَشَهَادَة مِنْهُم بِصِحَّة خِلَافَته وَأَنَّهَا لم تكن إِلَّا بِحَق إِذْ بَعْضهَا مُصَرح بخلافته على التَّرْتِيب الْوَاقِع مِنْهُ عليه الصلاة والسلام تَارَة من فهم الصَّحَابَة خُصُوصا أَحَادِيث مرائيه

فَإِنَّهَا أَحَادِيث مُتَّفق على صِحَّتهَا وَكَذَلِكَ حَدِيث الْأَمر بالاقتداء بِأبي بكر وَفهم الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم من ذَلِك التَّنْبِيه على الْخلَافَة وَحَدِيث استخلافه عليه الصلاة والسلام لما ذهب

ليصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف بقباء وَحَدِيث استخلافه عَلَيْهَا أَيْضا فِي مرض

ص: 365

وَفَاته وَهُوَ من أوضح الْأَدِلَّة وَعَلِيهِ اعْتمد عمر وَعلي وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة فِي الِاسْتِدْلَال على خِلَافَته وعَلى أحقيته بهَا وَوَجهه أَنه كَانَ عليه الصلاة والسلام قد تأهب للنقلة إِلَى ربه فعين أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ للْإِمَامَة ثمَّ عورض بِعرْض غَيره عَلَيْهِ لذَلِك فَمنع مِنْهُ ثمَّ لما تقدم غَيره كره ذَلِك وَصرح بِالْمَنْعِ ثمَّ أكده بكرار الْمَنْع فَقَالَ لَا لَا لَا ثمَّ أرْدف ذَلِك بِمَا فِيهِ تَعْرِيض بالخلافة بل تَصْرِيح بقوله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر فَذكر ذَلِك بتكرار كل ذَلِك مَعَ علمه

بِأَن ذَلِك مَظَنَّة الْخلَافَة فَإِنَّهُ كَانَ عليه الصلاة والسلام إمَامهمْ فِي الصَّلَاة وَالْحَاكِم عَلَيْهِم فَلَمَّا أَقَامَ أَبَا بكر ذَلِك الْمقَام مَعَ توفر هَذِه الْقَرَائِن الحالية والمقالية علم أَنه أَرَادَ ذَلِك وَفِي قَوْله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر إِشَارَة بل أفْصح عبارَة وَلَوْلَا اعْتِمَاده

على تِلْكَ الْإِشَارَة المصرحة بِإِرَادَة الْخلَافَة لما أهمل أمرهَا وَأَشَارَ إِلَى أَن الْعُدُول عَن أبي بكر إِلَى غَيره من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين بقوله يَأْبَى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَإِنَّمَا كَانَ عدم التَّصْرِيح بهَا مِنْهُ

اكْتِفَاء بنصبه إِمَامًا عِنْد إِرَادَة الِانْتِقَال عَنْهُم وإحالته على فهم ذَلِك عَنهُ وَلم يُصَرح بالتنصيص عَلَيْهَا لِأَنَّهُ ممتثل لما يُوحى إِلَيْهِ لَا ينفذ شَيْئا إِلَّا بِأَمْر ربه بالتنصيص لينفذ قَضَاؤُهُ وَقدره سُبْحَانَهُ فِي ابتلاء قوم عميت أَبْصَارهم بِمَا ابْتَلَاهُم بِهِ وَلَيْسَ فضل من انْقَادَ للحق بزمام الْإِشَارَة ودله نور بصيرته عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ فَإِن من لم يعْتَقد ذَلِك بعد بُلُوغ هَذِه الْأَحَادِيث وَالْعلم بِتِلْكَ الْقَرَائِن الحالية والمقالية فَالظَّاهِر عناده ورده للحق بعد تبينه وَمِنْهَا حَدِيث الْحِوَالَة يَعْنِي الْمَرْأَة الَّتِي تَعْنِي الْمَوْت فَقَالَ ائتي أَبَا بكر وَهُوَ من أَدِلَّة الْأَدِلَّة وأوضحها وحديثها من أصح الْأَحَادِيث وَإِن صحت الزِّيَادَة على مَا رَوَاهُ مُسلم وَهِي قَوْله عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ الْخَلِيفَة بعدِي

ص: 366

كَانَ ذَلِك نصا فِي الْبَاب وكحديث إِرَادَة كتب الْعَهْد وَقَوله

فَإِنِّي أَخَاف أَن يتَمَنَّى متمن أَو يَقُول قَائِل أَنا أولى وَفِي رِوَايَة كَيْلا يطْمع فِي الْأَمر طامع أَو يتَمَنَّى متمن ثمَّ قَالَ ويأبى الله والمؤمنون إِلَّا أَبَا بكر وَفِي رِوَايَة أَبى الله والمؤمنون أَن يخْتَلف عَلَيْهِ وَهَذَا صَرِيح فِي الْبَاب أَنه نَص على إِمَامَته بتوليه من جِهَته

وَأَنه لم يكْتب بل عرف بِأَنَّهُ يكون الْخَلِيفَة بعده فَجعل الله سُبْحَانَهُ ذَلِك بِإِجْمَاع الْمُسلمين فَعلم بِمَا تقرر إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ على حقية خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف لَو لم يرد نَص عَلَيْهَا بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ ومفادها ظَنِّي وَحكى بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من أبي بكر فقد خطأ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرتقع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه كَيفَ والنصوص القرآنية والسنية ظَاهِرَة أما نُصُوص السّنة الدَّالَّة على خِلَافَته الْوَارِدَة عَنهُ

فقد ذكرنَا بَعْضهَا هُنَا إِجْمَالا وَسَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي فِي شَأْن أبي بكر وَهِي الْأَرْبَعَة عشر حَدِيثا الَّتِي فِي أَولهَا الْمُسْتَدلّ بهَا عَلَيْهَا وَأما النُّصُوص القرآنية فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا مَن يَرتَدَ مِنكُم عَن دينه فسوفَ يَأتِي اللهُ بِقَوم يُحُبهُم وَيُحِبونَه} إِلَى قَوْله {واسِع عَلِيمُ} الْمَائِدَة 54 وَذَلِكَ أَنه لما ارْتَدَّت الْعَرَب بعد مَوته عليه الصلاة والسلام جاهدهم أَبُو بكر وَالصَّحَابَة حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام كَمَا سَيَأْتِي شرح ذَلِك قريبَاً وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {قل للمخالفين مِنَ الأعرإبِ سَتدعَونَ إِلىَ قَومٍ أولي بَأسِ شَدِيدِ} إِلَى {أليمَاً} الْفَتْح 16

ص: 367

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جوَيْرِية أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم هم بَنو حنيفَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن أبي حَاتِم وَابْن قُتَيْبَة وَغَيرهمَا هَذِه الْآيَة حجَّة على خلَافَة الصّديق لِأَنَّهُ الَّذِي دَعَا إِلَى قِتَالهمْ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ سَمِعت الإِمَام أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج يَقُول خلَافَة الصّديق فِي الْقُرْآن فِي هَذِه الْآيَة قَالَ لِأَن أهل الْعلم أَجمعُوا على أَنه لم يكن بعد نُزُولهَا قتال دعوا إِلَيْهِ إِلَّا دُعَاء أبي بكر لَهُم وَلِلنَّاسِ إِلَى قتال أهل الرِّدَّة وَمن منع الزَّكَاة قَالَ فَدلَّ ذَلِك على وجوب خلَافَة أبي بكر الصّديق وافتراض طَاعَته إِذْ أخبر الله أَن الْمُتَوَلِي عَن ذَلِك يعذبه عذابَاً أليمَاً قَالَ ابْن كثير وَمن فسر الْقَوْم بِأَنَّهُم فَارس وَالروم فالصديق هُوَ الَّذِي جهز الجيوش إِلَيْهِم وَتَمام أَمرهم كَانَ على عهد عمر وَعُثْمَان وهما فرعا الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَإِن قلت يُمكن أَن يُرَاد بالداعي فِي الْآيَة النَّبِي

أَو عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت لَا يُمكن ذَلِك مَعَ قَوْله لن تتبعونا وَمن ثمَّ لم يدعوا إِلَى محاربة لأولئك فِي حَيَاته

إِجْمَاعًا وَأما عَليّ فَلم يتَّفق لَهُ فِي خِلَافَته قتال لطلب الْإِسْلَام أصلا بل لطلب الْإِمَامَة ورعاية حُقُوقهَا وَأما من بعده فهم عندنَا ظلمَة وَعند غَيرنَا كفار فَتعين أَن ذَلِك الدَّاعِي الدَّاعِي الَّذِي يجب باتباعه الْأجر الْحسن الْمَوْعُود بِهِ فِي الْآيَة وبعصيانه الْعَذَاب الْأَلِيم الْمَوْعُود بِهِ فِيهَا أَيْضا أحد الْخُلَفَاء الثَّلَاثَة وَحِينَئِذٍ فَيلْزم عَلَيْهِ خلَافَة أبي بكر على كل تَقْدِير لِأَن حقية خلَافَة الْأَخيرينِ فرع عَن حقية خِلَافَته إِذْ هما فرعاها الناشئان عَنْهَا المترتبان عَلَيْهَا وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللهُ الذَينَ آمَنُوا مِنكم وَعمِلوُا الصالحاتِ ليستَخلِفَنهُم فِي الأرضِ} إِلَى قَوْله {لَا يشركِوُنَ بيِ شَيئاً} النُّور 55 قَالَ الْعَلامَة ابْن كثير هَذِه الْآيَة منطبقة على خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الحميد الْمهرِي قَالَ إِن خلَافَة أبي بكر وَعمر فِي كتاب الله بقوله تَعَالَى {وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا} النُّور 55 الْآيَة وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {للِفُقَراء الْمُهَاجِرين} إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ هم الصادقون}

ص: 368

الْحَشْر 8 وَجه الدّلَالَة تَسْمِيَة الله إيَّاهُم صَادِقين وَمن شهد لَهُ الله سُبْحَانَهُ بِالصّدقِ لَا يكذب فَعلم أَن مَا أطبقوا عَلَيْهِ من قَوْلهم لأبي بكر يَا خَليفَة رَسُول الله هم صَادِقُونَ فَحِينَئِذٍ كَانَت الْآيَة شاهدة على خِلَافَته أخرجه الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن الإِمَام أبي بكر بن عَيَّاش وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {اهدِنَا الصِّرَاط المُستَقِيم صرَاط الَّذين أنعمتَ عليهِم} الفاتحه 6، 7 قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ هَذِه الْآيَة تدل على خِلَافَته أبي بكر لِأَن تَقْدِير الْآيَة اهدنا صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم وَالله تَعَالَى بَين فِي الْآيَة الْأُخْرَى الَّذين أنعم عَلَيْهِم بقوله {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النبين وَالصدِيقِينَ وَالشُهَداء وَالصالِحينَ} النِّسَاء 69 وَلَا شكّ أَن رَأس الصديقين وَرَئِيسهمْ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَكَانَ معنى الْآيَة أَن الله أَمر أَن نطلب الْهِدَايَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَبُو بكر وَسَائِر الصديقين وَلَو كَانَ أَبُو بكر ظالمَاً لما جَازَ الِاقْتِدَاء بِهِ فَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ دلَالَة الْآيَة على إِمَامَة أبي بكر وحقيتها وَاعْلَم أَنه

لم ينص بالخلافة على أحد بِعَيْنِه عِنْد الْمَوْت وَإِنَّمَا وَردت مِنْهُ ظواهر تدل على أَنه علم بإعلام الله تَعَالَى لَهُ أَنَّهَا لأبي بكر فَأخْبر بِتِلْكَ الظَّوَاهِر وَلم يُؤمر بالتنصيص على أحد بِعَيْنِه وَقد مرت الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِيمَا تقدم قَرِيبا وَلَو وَجب على الْأمة مبايعة غير أبي بكر الصّديق رضي الله عنه لبالغ عليه الصلاة والسلام فِي تَبْلِيغ ذَلِك الْوَاجِب إِلَيْهِم بِأَن ينص عَلَيْهِ نصا جلياً بِنَقْل شهير حَتَّى يبلغ الْأمة مَا لَزِمَهُم فَلَمَّا لم ينْقل ذَلِك مَعَ توفر الدَّوَاعِي إِلَى نَقله دلّ على أَنه لَا نَص وتوهم أَن عدم تبليغه للْأمة لعلمه بِأَنَّهُم لَا يأتمرون بأَمْره فَلَا فَائِدَة فِي التَّبْلِيغ بَاطِل فَإِن ذَلِك غير مسْقط عِنْد وجوب التَّبْلِيغ عليه الصلاة والسلام أَلا ترى أَنه بلغ سَائِر التكاليف للآحاد الَّذين علم مِنْهُم أَنهم لَا يأتمرون فَلم يسْقط الْعلم بِعَدَمِ ائتمارهم التَّبْلِيغ عَنهُ وَاحْتِمَال أَنه بلغ أَمر الْإِمَامَة سرا للْوَاحِد والاثنين وَأَنه نقل كَذَلِك لَا يُفِيد لِأَن سَبِيل مثل هَذِه الشُّهْرَة لصيرورته بِتَعَدُّد التَّبْلِيغ وَكَثْرَة المبلغين أمرا مَشْهُورا إِذْ هُوَ من أهم الْأُمُور لما يتَعَلَّق بِهِ من مصَالح الدّين وَالدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهِ من دفع مَا قد يتَوَهَّم فِيهِ من إثارة الْفِتْنَة وَاحْتِمَال أَنه بلغ ذَلِك مشتهراً وَلم ينْقل

ص: 369

أَو نقل وَلم يشْتَهر فِيمَا بعد عصره بَاطِل أَيْضا إِذْ لَو اشْتهر لَكَانَ سَبيله أَن ينْقل نقل الْفَرَائِض لتوفر الدَّاعِي على نقل مهمات الدّين فالشهرة هُنَا لَازِمَة لوُجُود النَّص فَحَيْثُ لَا شهرة وَلَا نَص بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدّم يَعْنِي على التَّعْيِين لوَاحِد بِعَيْنِه لَا لعَلي وَلَا لغيره فَلَزِمَ من ذَلِك بطلَان مَا تنقله الروافض وَغَيرهم من الأكاذيب يسوّدون بِهِ أوراقهم من نَحْو أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي مُخَاطبا بِهِ عليا كرم الله تَعَالَى وَجهه وَمن خبر سلمُوا على عَليّ بإمرة الْمُؤمنِينَ مِمَّا لَا وجود لَهُ فضلا عَن اشتهاره كَيفَ وَمَا نقلوه من هذَيْن الْحَدِيثين وَمَا شابههما مِمَّا يرونه حَدِيثا من قَوْله

لعَلي أَنْت قَاضِي دِيني بِكَسْر الدَّال وَمَا يرونه حَدِيثا أَيْضا من قَوْله

عَليّ خير الْبشر فَمن أبي فقد كفر فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كذب بَاطِلَة مَوْضُوعَة مفتراة عَلَيْهِ

أَلا لعنة الله على الْكَاذِبين وَلم ينْقل أحد من أَئِمَّة الحَدِيث أَن شَيْئا من هَذِه الْأَحَادِيث بلغ مبلغ الْآحَاد المطعون فِيهَا بل كلهم مجمعون على أَنَّهَا افتراء وَكذب مَحْض وَبِنَاء مرفض من أَبنَاء رفض فَإِن زعم هَؤُلَاءِ الجهلة الكذبة على الله وَرَسُوله وعَلى أَئِمَّة الْإِسْلَام ومصابيح الظلام أَن هَذِه الْأَحَادِيث صحت عِنْدهم قُلْنَا لَهُم هَذَا محَال إِذْ كَيفَ تنفردون بِصِحَّة تِلْكَ الْأَخْبَار مَعَ أَنكُمْ لم تتصفوا قطّ بِرِوَايَة وَلَا بِصُحْبَة مُحدث ويجهل تِلْكَ الْأَحَادِيث مهرَة الحَدِيث وسُياقه الَّذين أفنوا أعمارهم فِي الرحلات والأسفار الْبَعِيدَة وبذلوا جهدهمْ فِي طلبه وَفِي السَّعْي إِلَى كل من ظنُّوا عِنْده قَلِيلا مِنْهُ حَتَّى جمعُوا الْأَحَادِيث ونقبوا عَنْهَا وَعَلمُوا صحيحها من سقيمها ودونوها فِي كتبهمْ على غَايَة من الِاسْتِيعَاب وَنِهَايَة من التَّحْرِير وَكَيف لَا وَالْأَحَادِيث الموضوعات جَاوَزت مئات الألوف وهم مَعَ ذَلِك يعْرفُونَ وَاضع كل حَدِيث مِنْهَا وَسبب وَضعه وَالْحَامِل لواضعه على الْكَذِب والافتراء

ص: 370

على رَسُول الله

فجزاهم الله خير الْجَزَاء إِذْ لَوْلَا حسن صنعهم لاستولى المبطلون والمتمردة المفسدون على الدّين وغيروا معالمه وخلطوا الْحق بكذبهم حَتَّى لَا يتَمَيَّز عَنهُ فضلوا وأضلوا ضلالا مُبينًا لَكِن لما حفظ الله تَعَالَى على نبيه شَرِيعَته من الزيغ والتبديل وَجعلُوا من أكَابِر عُلَمَاء أمته فِي كل عصر طَائِفَة على الْحق لَا يضرهم مَن خذلهم لم يبال الدّين بهؤلاء الكذبة المبطلين الجهلة فَلذَلِك قطعت الْعَادة المطردة القطيعة بكذبهم واختلاقهم فِيمَا زعموه من نَص على عَليّ صَحَّ عِنْدهم دون غَيرهم إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق نَعُوذ بِاللَّه من مثله وَأما قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة لَكِن وقى الله شَرها فَمن عَاد إِلَى مثلهَا فَاقْتُلُوهُ فَهَذِهِ اللَّفْظَة مِمَّا تشبث بِهِ الروافض وَقَالُوا إِنَّهَا قادحة فِي حقية خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذَلِكَ من غباوتهم وجهالاتهم إِذْ لَا دلَالَة فِي ذَلِك لما زعموه لِأَن مَعْنَاهُ أَن الْإِقْدَام على مثل ذَلِك من غير مشورة الْغَيْر وَمن غير حُصُول الِاتِّفَاق عَلَيْهِ مَظَنَّة للفتنة فَلَا يقدمن أحد على مثل ذَلِك على أَنِّي أقدمت عَلَيْهِ فَسلمت على خلاف الْعَادة ببركة صِحَة النِّيَّة وَخَوف الْفِتْنَة لَو حصل توان فِي هَذَا الْأَمر لَا أَنَّهَا فلتة بِمَعْنى على غير الْحق وَالصَّوَاب فَهَذَا شَيْء عُجاب وَهَذَا أحد متعلقاتهم الَّتِي يعتمدونها وعقائدهم الَّتِي يعتقدونها وَسَيَأْتِي بَيَانهَا قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قيل مَا ذكرتموه مِمَّا أوردتموه فِي حق أبي بكر واستدللتم بِهِ على أَنه الْخَلِيفَة بعد رَسُول الله

معَارض بِمَا جَاءَ فِي حق عَليّ رضي الله عنه فقد وَردت أَحَادِيث تدل على أَنه الْخَلِيفَة بعد رَسُول الله

فَمِنْهَا حَدِيث سعد بن أبي وَقاص وَابْن عَبَّاس أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي قَالَ لَهُ ذَلِك وَقد اسْتَخْلَفَهُ لما ذهب إِلَى غَزْوَة تَبُوك // (أخرجه الشَّيْخَانِ) // وَأحمد فِي مُسْنده والحافظ أَبُو الْقَاسِم الدِّمَشْقِي فِي الموافقات وَغَيرهم وَجه الدّلَالَة أَن

ص: 371

مُوسَى اسْتخْلف هَارُون عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه فَمُقْتَضى التنظير بَينهمَا أَن يكون خَلِيفَته عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه كَمَا كَانَ هَارُون من مُوسَى وَذَلِكَ ظَاهر جلي وَمِنْهَا حَدِيث يَوْم غَدِير خُم مَن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ إِلَى آخر الحَدِيث // (أخرجه أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَغوِيّ) // وَفِي بعض طرقه ألستم تعلمُونَ إِنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ من كنت مَوْلَاهُ فَإِن هَذَا يَعْنِي عليا مَوْلَاهُ وَجه الدّلَالَة أَن الْمولى فِي اللُّغَة الْعَتِيق وَالْمُعتق وَابْن الْعم والعصبة وَمِنْه {خفت الْمولى من وراءى} مَرْيَم 5 وَسموا بذلك لأَنهم يلونه فِي النّسَب من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب ويطاق على الحليف وَالْجَار والناصر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين ءامنوا وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم} مُحَمَّد 11 وَفِي قَول ابْن عَرَفَة وَالْوَلِيّ وَمِنْه الْآيَة قَالَ بَعضهم أَي وليهم والقائم بأمرهم وَأما الْكَافِر فقد خذله وعاداه وَمِنْه أَيْضا قَوْله

أَي امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن مَوْلَاهَا فنكاحها بَاطِل فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أوجه لَا يَصح الْحمل على شَيْء من الْأَرْبَعَة الأول مِنْهَا إِذْ لَا معنى لَهُ فِي الحَدِيث وَكَذَا لَا يَصح على الْمَعْنى الْخَامِس إِلَّا على وَجه بعيد فَإِنَّهُ يُرَاد بالحليف النَّاصِر والمتبادر إِلَى الذِّهْن خِلَافه إِذْ الحليف من وجدت مِنْهُ صُورَة المحالفة حَقِيقَة وَالْمجَاز خلاف الظَّاهِر وَكَذَا لَا يَصح الْحمل على الْمَعْنى السَّادِس وَهُوَ الْجَار إِلَّا أَن يُرِيد بِهِ المجير بِمَعْنى النَّاصِر وَمِنْه وَإِنِّي جَار لكم أَي مجير فَرجع إِلَى معنى النَّاصِر فَتعين أحد الْمَعْنيين النَّاصِر وَالْمولى بِمَعْنى الْمُتَوَلِي وأيا مَا كَانَ أَفَادَ الْمَقْصُود إِذْ مَعْنَاهُ من كنت مُتَوَلِّي أمره والناظر فِي مصْلحَته وَالْحَاكِم عَلَيْهِ فعلي فِي حَقه كَذَلِك ويقابل هَذَا الْمَعْنى بقوله ألستم تعلمُونَ إِنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم

ص: 372

وَمَا ذَاك إِلَّا لما ذَكرْنَاهُ من النّظر فِيمَا يصلحهم وَفِي الْأَحْكَام عَلَيْهِم أَو يكون مَعْنَاهُ من كنت ناصره ومنصفه مِمَّن ظلمه والآخذ لَهُ بِحقِّهِ وبثأره فعلي من حَقه كَذَلِك وَقد تعذر وَصفه بذلك فِي حَيَاة النَّبِي

فَتعين أَن يكون المُرَاد بِهِ بعد وَفَاته وَمِنْهَا وَهُوَ أقواها سنداً ومتناً حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن إِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ ولي كل مُؤمن بعدِي // (أخرجه أَحْمد) // وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو حَاتِم وَحَدِيث بُرَيْدَة لاتقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي أخرجه أَحْمد وَحَدِيثه الآخر من كنت وليه فعلي وليُّه وَجه الدّلَالَة أَن الْوَلِيّ فِي اللُّغَة الْمولى قَالَه الْفراء وَالْمُتوَلِّيّ وَمِنْه {أنَتَ ولي فيِ آلدُنيَا وَالآخِرةَ} يُوسُف 101 أَي متولى أمرى فيهمَا وضد الْعَدو يعبي الْمُحب والناصر وَلَا يتَّجه حمله على الْمُحب وَلَا على الْمُتَوَلِي إِذْ لَا يكون لتقييده بالبعدية معنى فِي الْحَدِيثين الْأَوَّلين فَإِنَّهُ رضي الله عنه تَعَالَى كَانَ محباً مُتَوَلِّيًا للْمُؤْمِنين حَيَاة الْمُصْطَفى

وَبعد وَفَاته والْحَدِيث الثَّالِث مَحْمُول على الْأَوَّلين فِي إِرَادَة البعدية حملا للمطلق على الْمُقَيد فَتعين أحد الْمعَانِي الثَّلَاثَة وأيا مَا كَانَ أَفَادَ الْمَقْصُود أما بِمَعْنى النَّاصِر فقد تقدم تَوْجِيهه فِي الحَدِيث قبله وَأما معنى الأول فَإِن حمل الْمولى على معنى الْمُحب فَلَا تصح إِرَادَته بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فَظَاهر فِي الْمَقْصُود بل صَرِيح وَالله أعلم قُلْنَا الْجَواب من وَجْهَيْن أما الأول فَإِن الْأَحَادِيث الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي خلَافَة أبي بكر رضي الله عنه مُتَّفق على صِحَّتهَا وَهَذِه الْأَحَادِيث غايتها أَن تكون حَسَنَة وَإِن صَحَّ مِنْهَا شَيْء عِنْد بَعضهم فَلَا يصلح معارضَاً لما اتّفق عَلَيْهِ

ص: 373

وَمن عَجِيب أَمر هَؤُلَاءِ الجهلة أَنا إِذا استدللنا عَلَيْهِم بالأحاديث الصَّحِيحَة الدَّالَّة صريحَاً على خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَخَبَر اقتدوا باللذين من بعدِي وَغَيره من الْأَخْبَار الناصة على خِلَافَته قَالُوا هَذَا خبر وَاحِد وَلَا يُغني فِيمَا يطْلب فِيهِ الْيَقِين وَإِذا أَرَادوا أَن يستدلوا على مَا زعموه من النَّص على خلَافَة عَليّ أَتَوا بأخبار لَا تدل على زعمهم كَخَبَر من كنت مَوْلَاهُ وَخبر أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى مَعَ أَنَّهَا آحَاد وَإِمَّا بأخبار بَاطِلَة كَاذِبَة متيقنة الْبطلَان وَاضِحَة الْوَضع والبهتان لَا تصل إِلَى دَرَجَة الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي هِيَ أدنى مَرَاتِب الْآحَاد كَخَبَر أَنْت الْخَلِيفَة من بعدِي وَمَا بعده مِمَّا تقدم ذكره آنِفا فَتَأمل هَذَا التَّنَاقُض الصَّرِيح وَالْجهل الْقَبِيح لكِنهمْ لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عَن الْحق يَزْعمُونَ التَّوَاتُر فِيمَا يُوَافق مَذْهَبهم الْفَاسِد وَإِن أجمع أهل الحَدِيث والأثر على أَنه كذب مَوْضُوع مختلق ويزعمون فِيمَا يُخَالف مَذْهَبهم أَنه آحَاد بل وباطل وَإِن اتّفق أُولَئِكَ على صِحَّته وتواتر رِوَايَته تحكماً مِنْهُم وعناداً أَو زيغاً عَن الْحق فقوتلوا وَبِكُل شَرّ قوبلوا الْوَجْه الثَّانِي من وَجْهي الْجَواب تَسْلِيم صِحَّتهَا مَعَ بَيَان أَن لَا دَلِيل لَهُم فِيهَا أما قَوْله فِي الحَدِيث الأول إِن مُوسَى اسْتخْلف هَارُون عِنْد ذَهَابه إِلَى ربه إِلَى آخر مَا قيل قُلْنَا الْجَواب من وَجْهَيْن الأول نقُول هَذَا عدُول عَمَّا نطق بِهِ لِسَان الْحَال والمقال فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لعلى تِلْكَ الْمقَالة حِين اسْتَخْلَفَهُ لما توجه إِلَى غَزْوَة تَبُوك وَذَلِكَ اسْتِخْلَاف حَال الْحَيَاة فَلَمَّا رأى تألمه بِسَبَب التَّخَلُّف إِمَّا أسفا مِنْهُ على الْجِهَاد أَو بِسَبَب مَا عرض لَهُ من أَذَى الْمُنَافِقين على مَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَرِيبا قَالَ لَهُ تِلْكَ الْمقَالة إِيذَانًا لَهُ بعلو مكانته مِنْهُ إِلَى إِقَامَته مقَام نَفسه فالتنظير بَينه وَبَين هَارُون إِنَّمَا كَانَ من اسْتِخْلَاف مُوسَى لَهُ مُنْضَمًّا إِلَى الْأُخوة وَشد الأزر والعضدية وَكَانَ ذَلِك كُله حَال الْحَيَاة مَعَ قيام مُوسَى فِيمَا اسْتَخْلَفَهُ بعد يشْهد بذلك صُورَة الْحَال فَلْيَكُن الحكم فِي عَليّ

ص: 374

كَذَلِك مُنْضَمًّا إِلَى مَا ثَبت لَهُ من أخوة النَّبِي

وَشد أزره وعضده بِهِ غير أَنه لَا يُشَارِكهُ فِي النُّبُوَّة كَمَا شَارك هَارُون مُوسَى فَلذَلِك قَالَ

إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أَو بعد بعثتي على سَبِيل التنظير وَلَا إِشْعَار فِي ذَلِك بِمَا بعد الْوَفَاة لَا بِنَفْي وَلَا بِإِثْبَات بل نقُول وَلَو حمل على مَا بعد الْوَفَاة لم يَصح تَنْزِيل عَليّ من النَّبِي

منزلَة هَارُون من مُوسَى لانْتِفَاء ذَلِك فِي هَارُون فَإِنَّهُ لم يكن الْخَلِيفَة بعد مُوسَى هَارُون وَإِنَّمَا كَانَ الْخَلِيفَة بعده يُوشَع بن نون وَأما هَارُون فقد مَاتَ فِي حَيَاة مُوسَى فَعلم قطعا أَن المُرَاد بِهِ الِاسْتِخْلَاف حَال الْحَيَاة لمَكَان التشابه وَلَا يوحد إِلَّا فِي حَال الْحَيَاة لَا يُقَال عدم اسْتِخْلَاف مُوسَى هَارُون بعد وَفَاته إِنَّمَا كَانَ لفقد هَارُون حِينَئِذٍ وَلَو كَانَ هَارُون حَيا لاستخلفه وَلم يسْتَخْلف غَيره بِخِلَاف عَليّ مَعَ النَّبِي

وَإِنَّمَا يتم دليلكم أَن لَو كَانَ هَارُون حَيا بعد وَفَاته واستخلف غَيره لأَنا نقُول الْكَلَام مَعكُمْ فِي تَبْيِين أَن المُرَاد بِهَذَا القَوْل الِاسْتِخْلَاف فِي حَال الْحَيَاة لمَكَان التَّنْزِيل منزلَة هَارُون من مُوسَى ومنزلة هَارُون من مُوسَى فِي الِاسْتِخْلَاف لم تتَحَقَّق إِلَّا فِي حَال الْحَيَاة فَثَبت أَن المُرَاد بِهِ مَا تحقق لَا أَمر آخر وَرَاء ذَلِك وَإِنَّمَا يتم متعلقكم مِنْهُ أَن لَو حصل اسْتِخْلَاف هَارُون بعد وَفَاة مُوسَى ثمَّ نقُول هَب أَن المُرَاد الِاسْتِخْلَاف عِنْد الذّهاب إِلَى الرب فَلم قُلْتُمْ إِن ذَلِك بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يكون ذَلِك كَذَلِك أَن لَو لم يكن إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَمْنُوع إِذْ الذّهاب المُرَاد إِلَى الرب سُبْحَانَهُ فِي الْحَيَاة أَيْضا وَهل كَانَ ذهابُ مُوسَى إِلَى ربه إِلَّا فِي حَال حَيَاته وَالصَّلَاة مُنَاجَاة وَالدُّعَاء كَذَلِك وَالْحجاج والعمار وفدُ الله تَعَالَى فَهَل الذّهاب إِلَى شَيْء من ذَلِك إِلَّا ذَهَابًا إِلَى الرب حَقِيقَة ومطابقتها أوقع من مُطَابقَة الذّهاب بِالْمَوْتِ فَكل ذَاهِب إِلَى طَاعَة ربه ذَاهِب إِلَى ربه لِأَنَّهُ مُتَوَجّه إِلَيْهِ بهَا وَإِن كَانَ فِي بعض التَّوَجُّه أوقع مِنْهُ فِي غَيره وَهَذِه كالأنواع مِنْهُ

ص: 375

فَيكون النَّبِي

اسْتخْلف عليا وَهُوَ ذَاهِب إِلَى ربه بِالْخرُوجِ إِلَى طَاعَته فِي الْجِهَاد كَمَا اسْتخْلف مُوسَى هَارُون فِي حَال حَيَاته ذَاهِبًا إِلَى ربه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم الْوَجْه الثَّانِي أَن سِيَاق هَذَا القَوْل خبر وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ مَا بعد الْوَفَاة لوقع لَا محَالة كَمَا وَقع كل مَا أخبر بِوُقُوعِهِ فَإِن خَبره

حق وَصدق {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهوى إِن هُوَ إِلا وَحي يوحَى} النَّجْم 3، 4 وَلما لم يَقع عُلم قطعا أَنه لم يرد ذَلِك وَقَوله عليه الصلاة والسلام إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن أذهب إِلَّا وَأَنت خليفتي على أَهلِي فَإِنَّهُ

لم يستخلفه إِلَّا عَلَيْهِم والقرابةُ مُنَاسبَة لذَلِك وَأما على الْمَدِينَة فالمستخلف مُحَمَّد بن سَلمَة وَقيل سِبَاع بن عرفطة وَذكره ابْن إِسْحَاق فَقَالَ خلف رَسُول الله

فِي غَزْوَة تَبُوك عليا على أَهله وَأمره بِالْإِقَامَةِ فيهم فأرجفَ المُنَافِقُونَ وَقَالُوا مَا خَلفه إِلَّا استثقالاً قَالَ فَأخذ عَليّ سلاحه وَخرج حَتَّى لحق برَسُول الله

وَهُوَ نَازل بالجرف فَقَالَ يَا نَبِي الله زعم المُنَافِقُونَ أَنَّك مَا خلفتني إِلَّا أَنَّك استثقلتني فتخففت مني فَقَالَ عليه الصلاة والسلام كذبُوا وَلَكِنِّي خلفتك لما تركت ورائي فَارْجِع فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي وَأهْلك أَلا ترْضى يَا عَليّ أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي أَو يكون الْمَعْنى إِلَّا وَأَنت خليفتي فِي أَهلِي فِي هَذِه الْقَضِيَّة على تَقْدِير عُمُوم استخلافه فِي الْمَدِينَة إِن صَحَّ ذَلِك وَيكون ذَلِك لِمَعْنى اقْتَضَاهُ فِي تِلْكَ الْمدَّة عَلِمَهُ رَسُول الله

وجهله غَيره يدل عَلَيْهِ أَنه

اسْتخْلف غَيره رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا كَثِيرَة ومرات عديدة أَو يكون الْمَعْنى الَّذِي يَقْتَضِيهِ حالك وأمرك أَلا أذهب فِي جهةٍ إِلَّا وَأَنت خليفتي لِأَنَّك مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى لمَكَان قربك وأخذك عني لَكِن قد يكون شخوصُكَ معي فِي وَقت أَنْفَع لي من استخلافك أَو يكونُ الْحَال يَقْتَضِي أَن

ص: 376

المصلحةَ فِي استخلافِ غَيْرك فيتخلف حكم الِاسْتِخْلَاف عَن مُقْتَضَاهُ بمعارض أقوى مِنْهُ يَقْتَضِي خِلَافه وَلَيْسَ فِي شيءِ من هَذَا كُله دَلِيل على أَنه الْخَلِيفَة بعد مَوته

وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَقَوله فِيهِ فَتعين أحد مَعْنيين إِمَّا النَّاصِر وَإِمَّا الْمولى بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فَنحْن نقُول بِمُوجبِه لَا بالتقدير الَّذِي قدروه وَالْمعْنَى الَّذِي عَلَيْهِ نزلوه لَا بل يكون التَّقْدِير من كنتُ ناصرَهُ فعلي ناصرهُ لِأَن عليا جلَّى من الكروب فِي الحروب مَا لم يجله غَيره وَفتح الله على يَدَيْهِ فِي زَمَنه

مَا لم يفتح على يَد غَيره وشهرةُ ذَلِك تغني عَن الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ والتطويل فِيهِ وَإِذا كَانَ بِهَذِهِ المثابة كَانَ ناصراً من كَانَ النَّبِي

ناصره لما أشاد الله بِهِ من دعائم الْإِسْلَام المثبتة لِرَبِّهَا مِنْهُ فِي عنق الْخَاص وَالْعَام بنصرة الْمُسلمين وإشادة منار الدّين وَيكون الْمَعْنى من كنت ناصرَهُ فعلي ناصره وَإِن كَانَ ذَلِك وَاجِبا على كل وَاحِد من الصَّحَابَة بل من الْأمة لَكِن أثبت بذلك لعَلي نوع اختصاصٍ لِأَنَّهُ أقربهم إِلَيْهِ وأولاهم بالانتصار لمن نَصره وَهَذَا أولى من حمل النَّاصِر على الْمَعْنى الَّذِي ذَكرُوهُ لما يسْتَلْزم ذَلِك من الْمفْسدَة الْعَظِيمَة والوصمة الفظيعة فِي جلة أَصْحَاب رَسُول الله

من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار على مَا سنقرره فِي الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث الَّذِي أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن مِمَّا يدل على أَنه لَا يجوز حمله على معنى الِاسْتِخْلَاف بعده عليه الصلاة والسلام وَلَا على معنى الْمُتَوَلِي ليَكُون التَّقْدِير فعلي وليه أَي مُتَوَلِّي أمره بعده فَلَا يَصح ذَلِك إِذْ الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه لم يرد

ذَلِك فِي الْحَالة الراهنة فَيكون هَذَا الحَدِيث الثَّانِي كالحديث الثَّالِث الَّذِي سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي قَرِيبا على أَنا نقُول لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد الْوَلِيّ الْمُنعم اسْتِعَارَة من مولى الْعتْق التفاتاً إِلَى الْمَعْنى الْمُتَقَدّم آنِفا فِي معنى النَّاصِر فَيكون التَّقْدِير من أنعم الله عَلَيْهِ بالهداية على يَدي نبيه إِلَى الْإِسْلَام وَالْإِيمَان حَتَّى اتّصف النَّبِي

بِأَنَّهُ مَوْلَاهُ فقد أنعم الله عَلَيْهِ أَيْضا باستقامة أَمر دينه وأمانه من أَعدَاء الدّين وخذلانهم وَقُوَّة الْإِسْلَام وإشادة دعائمه على يَد عَليّ بن أبي طَالب بِمَا

ص: 377

اخْتصَّ بِهِ من دون غَيره مِمَّا تقدم بَيَانه مِمَّا يصحح الاتصاف بِأَنَّهُ مولى لَهُ أَيْضا وَقد حكى الْهَرَوِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَن معنى الحَدِيث من أَحبَّنِي وتولاني فليحب عليا وليتولهُ قَالَ فِي الرياض النضرة وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعدْ يَعْنِي مَا حَكَاهُ الْهَرَوِيّ إِذْ كَانَ قياسهُ على هَذَا التَّقْدِير أَن يَقُول من كَانَ مولَايَ فَهُوَ مولى عَليّ وَيكون الْمولى بِمَعْنى الْوَلِيّ ضد الْعَدو فَلَمَّا كَانَ الْإِسْنَاد إِلَى اللَّفْظ على الْعَكْس من ذَلِك بَطل هَذَا الْمَعْنى وَلَو قَالَ مَعْنَاهُ من كنت أتولاه وأحبه فعلي يَتَوَلَّاهُ وَيُحِبهُ كَانَ أنسبَ للفظ الحَدِيث وَهُوَ ظَاهر لمن تَأمله نعم يتَّجه مَا ذكره الْهَرَوِيّ من وَجه آخر بِتَقْدِير حذفٍ فِي الْكَلَام على وَجه الِاخْتِصَار تَقْدِيره من كنت مَوْلَاهُ فسبيلُ الْمولى يَعْنِي وَحقه أَن يحب ويتولى فعلي أَيْضا مَوْلَاهُ لقُرْبه مني ومكانته من تأييد الْإِسْلَام فَيُحِبهُ وليتوله كَذَلِك وَأما الحَدِيث الثَّالِث فَقَوْلهم فَيتَعَيَّن حمل الْوَلِيّ على النَّاصِر أَو الْمُتَوَلِي

إِلَى آخر مَا قَالُوهُ قُلْنَا الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن أَيْضا الأول القَوْل بِالْمُوجبِ على الْمَعْنيين مَعَ الْبَيَان بِأَنَّهُ لَا دَلِيل لكم فِيهِ أما على معنى النَّاصِر فَلَمَّا بَيناهُ فِي الحَدِيث قبله وَأما بِمَعْنى الْمُتَوَلِي فقد كَانَ ذَلِك إِذْ قد تولى عَليّ رضي الله عنه أَمر الْأمة بالخلافة وَإِن كَانَ بعده من كَانَ بعده فقد صدق عَلَيْهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه تولى الْأمة بعده عليه الصلاة والسلام حَقِيقَة وَمثل هَذَا قد ورد وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِب عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه النَّبِي

رأى فِي مَنَامه حوريةَ فَقَالَ لَهَا لمن أَنْت فَقَالَت للخليفة من بعْدك عُثْمَانُ وَحِينَئِذٍ فَتكون فَائِدَة ذكره

ذَلِك للتّنْبِيه على فَضِيلَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والتمرنِ على محبته فَإِنَّهُ سيلي عَلَيْكُم ويتولى أَمركُم وَمن تتَوَقَّع إمرته فَالْأولى أَن يمرن القلبُ على مودته ومحبته ومجانبة بغضه ليَكُون أدعى إِلَى الانقياد وأسرع للطواعية وَأبْعد

ص: 378

عَن الْخلف وَيشْهد لهَذَا الْمَعْنى وَغَيره حثه

فِي هَذِه الْخطْبَة على أهل بَيته عُمُوما وعَلى عَليّ خُصُوصا ويرشد إِلَيْهِ أَيْضا مَا ابْتَدَأَ بِهِ

هَذَا الحَدِيث وَلَفظه عِنْد الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح أَنه

خطب بغدير خم ثامن عشر ذِي الْحجَّة مرجعه من حجَّة الْوَدَاع تَحت شجرات بُرِّح لَهُ مَا تحتهَا بعد صَلَاة الظّهْر فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّه قد نَبَّأَنِي اللطيفُ الْخَبِير أَنه لم يُعَمر نَبِي إِلَّا نصف عمر الَّذِي يَلِيهِ من قبله وَإِنِّي لأَظُن أَنِّي يُوشك أَن أدعى فَأُجِيب وَإِن مستول وَإِنَّكُمْ مسؤولون فَمَاذَا أَنْتُم قَائِلُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك قد بلغت وجهدت وَنَصَحْت فجزاك الله خيرا فَقَالَ ألستم تَشْهَدُون أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن جنته حق وناره حق وَأَن الْمَوْت حق وَأَن الْبَعْث بعد الْمَوْت حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور قَالُوا بلَى نشْهد بذلك قَالَ اللَّهُمَّ أشهد ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الله مولَايَ وَأَنا مولى الْمُؤمنِينَ وَأَنا أولى بهم من أنفسهم وَفِي رِوَايَة ألستم تعلمُونَ أَنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قَالُوا بلَى قَالَ فَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ وانصر من نَصره واخذل من خذله وأدر الْحق مَعَه أَيْنَمَا دَار ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي فَرَطُكم وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ على الْحَوْض حوضاً عرضه كَمَا بَين بُصرى إِلَى صنعاء فِيهِ عدد نُجُوم السَّمَاء قِدحانٌ من فضَّة وَإِنِّي سَائِلكُمْ حِين تردون عَليّ وَإِنِّي تَارِك فِيكُم الثقلَيْن فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا الثّقل الْأَكْبَر كتاب الله عز وجل سببٌ طرفه بيد الله وطرفه بِأَيْدِيكُمْ فاستمسكوا بِهِ لَا تضلوا وَلَا تبدلوا وعترتى أهل بَيْتِي فَإِنَّهُ قد نَبَّأَنِي اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهُمَا لن يفترقا حَتَّى يردا على الْحَوْض وَيشْهد لَهُ أَيْضا أَن سبَب ذَلِك كَمَا نَقله الْحَافِظ شمس الدّين بن الْجَوْزِيّ

ص: 379

عَن ابْن إِسْحَاق أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تكلم فِيهِ بعضُ من كَانَ مَعَه فِي الْيمن فَلَمَّا قضى

حجه خطب هَذِه الْخطْبَة تَنْبِيها على قدره وردا على من تكلم فِيهِ كبريدة بن الْحصيب كَمَا فِي البُخَارِيّ أَنه كَانَ يبغضه وَسبب ذَلِك مَا صَححهُ الذَّهَبِيّ أَنه خرج مَعَه إِلَى الْيمن فَرَأى مِنْهُ جفوة فنقصه للنَّبِي فَجعل وَجه النَّبِي

يتَغَيَّر فَقَالَ يَا بريده لَا تقع فِي عليّ فَإِن عليا مني وَأَنا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيكُم بعدِي وَلَا يجوز حمله على أَنه الْمولى عقب وَفَاته

فِي الْأَحَادِيث كلهَا لوجوه الأول أَن لفظ الحَدِيث لفظ الْخَبَر مِمَّن لَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ كَذَلِك لوقع لَا محَالة كَمَا وَقع كل مَا أخبر عَنهُ فَلَمَّا لم يَقع ذَلِك دَلَّ على أَن المُرَاد بِهِ غَيره لَا يُقَال لم لَا يجوز أَن يكون المُرَاد بِلَفْظ الْخَبَر الْأَمر لأَنا نقُول يلْزم على ذَلِك محذوران الأول صرف اللَّفْظ عَن ظَاهره وَذَلِكَ مَرْجُوح وَالظَّاهِر رَاجِح فَوَجَبَ الْعَمَل بِهِ الثَّانِي أَن ذَلِك يعْنى أَمر الْخلَافَة أَمر عَظِيم مُهِمّ فِي الدّين تتوفر عَلَيْهِ دواعي الْمُسلمين وَمثل ذَلِك لَا يكْتَفى فِيهِ بالألفاظ المجملة بل يجب فِيهِ التَّصْرِيح بِنَصّ الظَّاهِر الْوَجْه الثَّانِي لُزُوم مفْسدَة عَظِيمَة فِي الْحمل على ذَلِك هِيَ نسبةُ الْأمة إِلَى الِاجْتِمَاع على الضَّلَالَة واعتقادُ خطأ جَمِيع الصَّحَابَة باجتماعهم على تَوْلِيَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَذَلِكَ منفي بقوله

لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة وَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمصير إِلَيْهِ دفع لهَذَا الْمَحْذُور وَنفي للظلم وَالْخَطَأ

ص: 380

عَن الجم الْغَفِير الْمَشْهُود لَهُم بِأَنَّهُم كَالنُّجُومِ من اقْتدى بِأَيِّهِمْ اهْتَدَى خُصُوصا من أمَرَ

بالاقتداء بِهِ من بعده وَشهد بِالرشد لمن أطاعه وَمَا تدعيه الرافضة من أَن عليا وَمن تَابعه فِي ترك الْمُبَادرَة إِلَى بيعَة أبي بكر إِنَّمَا بَايعُوهُ بعد ذَلِك تقية فَلَا إِجْمَاع على بيعَة أبي بكر فِي نفس الْأَمر فَهَذَا غايةُ الْفساد لما يلْزم عَلَيْهِ من نِسْبَة القبائح والرذائل وَقد قدمنَا بَيَان ذَلِك وَكَيْفِيَّة مبايعته من إرْسَال ابْنه الْحسن إِلَى أبي بكر وخطبة عَليّ كرم الله وَجهه واعتذاره بالعذر الْحسن الْجَمِيل فَانْظُرْهُ فِي أول خلَافَة الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الثَّالِث أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أبي بكر دلّت على أَنه الخليفةُ عقيب وَفَاته

وَقد بَين وَجه دلالتها كَمَا ستراها قَرِيبا على خِلَافَته مصدرا بهَا الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي شَأْنه وَأَحَادِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مترددةٌ بَين احْتِمَالَيْنِ فِي الْحمل على أحدِهما توفيق بَين الْأَحَادِيث كلهَا وَنفى للمحذور اللَّازِم فِي حق الصَّحَابَة كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَفِي الْحمل على الثَّانِي إِلْغَاء لبعضها وَتَقْرِير لذَلِك الْمَحْذُور فَكَانَ الْحمل على مَا يحصل بِهِ التَّوْفِيق وينفي بِهِ الْمَحْذُور أولى عملا بالأحاديث كلهَا وَكَيف يتَطَرَّق خلافُ ذَلِك إِلَى الْوَهم وَقد روى عَن عَليّ وَغَيره من الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم مَا يشْهد بِصِحَّتِهِ وتتبادر الأفهام عِنْد سَمَاعه إِلَى أَنه مَانع من تطرق تِلْكَ الأوهام أم كَيفَ يحل اعْتِقَاد غير ذَلِك والإجماعُ على خِلَافه فالإجماع على خلَافَة أبي بكر قاضِ بِالْقطعِ بحقيتها لِأَن مفَادَ الْإِجْمَاع القطعُ ومفاد خبر الْوَاحِد ظَنِّي وَلَا تعَارض بَين قَطْعِيّ وظني بل يعْمل بالقطعي ويلغي الظني على أَن الظني لَا عبرةَ بِهِ جملَة كَافِيَة عِنْد الشِّيعَة فَإِن قيل أَي إجماعِ انْعَقَد مَعَ تخلف مثل عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَبني هَاشم أجمع والمقداد وخَالِد بن سعد بن الْعَاصِ وَابْن عَبَّاس وَأبي ذَر وعمار بن يَاسر وَهَؤُلَاء من جِلةِ أهل العقد والحل قُلْنَا كَانَ تأخرهُم إِمَّا لتأثر خواطرهم بترك الْمُشَاورَة فِي أَمر الْبيعَة والاستبداد بهَا دونهم فَإِن الزبير وَطَلْحَة قد أفصحا بذلك وبادرا بالبيعة فِي الْيَوْم الثَّانِي وَإِمَّا للتروي اجْتِهَادًا مِنْهُم فَلَمَّا ظهر لَهُم الْأَمر بَايعُوا وَالله أعلم بالحقائق سُبْحَانَهُ

ص: 381

الْوَجْه الثَّالِث من أوجه الْجَواب عَن الحَدِيث الثَّالِث لم لَا يجوز أَن يكون الْوَلِيّ هُنَا بِمَعْنى الْمُحب الموَالِي ضد الْعَدو وَالتَّقْدِير وَهُوَ متوليكم ومحبكم بعدِي وَيكون المُرَاد بالبعدية هُنَا البعدية فِي الرُّتْبَة لَا بعدية وَفَاته

أَي الْمُتَقَدّم فِي تولي الْمُسلمين ومحبتهم أَنا ثمَّ على فِي الدرجَة الثَّانِيَة لمكانته مني وقربه ومناسبته فَهُوَ أولى بمحبة من أحبه وتولي من أتولاه ونصرة من أنصره وإحارة من أجيره وَالْحَاصِل أَن هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث من كتب مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا على إِمَامَة عَليّ كرم الله وَجهه وَكَيف يكون نصا وَلم يحْتَج بِهِ هُوَ وَلَا الْعَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَا غَيرهمَا وَقت الْحَاجة إِلَى الِاحْتِجَاج وَإِنَّمَا احْتج بِهِ عَليّ فِي خِلَافَته يَقُول رَاوِي ذَلِك أَبُو الطُّفَيْل كَمَا عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار جمع عَليّ النَّاس بالرحبة يَعْنِي بالعراق لما آلتْ إِلَيْهِ الخلافةُ فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُم أُشهد الله من شهد يَوْم غَدِير خم إِلَّا قَامَ وَلَا يقوم رجل يَقُول نبئت وَبَلغنِي إِلَّا رجل سمعتْ أذنَاهُ ووعى قلبه فَقَامَ سبعةَ عشرَ صحابياً وَفِي رِوَايَة ثَلَاثُونَ فَقَالَ هاتوا مَا سَمِعْتُمْ فَذكرُوا الحَدِيث الْمُتَقَدّم وَمن جملَته من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ صَدقْتُمْ وَأَنا عَلَى ذَلِك من الشَّاهِدين فَلَو كَانَ نصا لاحتج بِهِ وَمنع غَيره كَمَا منع أَبُو بكرِ الْأَنْصَار بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فأطاعوه مَعَ كَونه خبرَ واحدٍ وَتركُوا الْإِمَامَة وادعاءها

ص: 382

لأَجله فَكيف حِينَئِذٍ يتَصَوَّر وجود نَص جلي يقيني لعَلي وَهُوَ بَين قوم لَا يعصون خبرَ الْوَاحِد فِي أَمر الْإِمَامَة وهم من الصلابة فِي الدّين بِالْمحل الأرفع بِشَهَادَة بذلهِمُ الأنفسَ والأموالَ ومهاجرتهم الْأَهْل والأوطانَ وقتلهم الْأَوْلَاد والآباءَ فِي نصرةِ الدّين وَلم يحْتَج عَليّ عَلَيْهِم بذلك النَّص الْجَلِيّ بل وَلَا قَالَ أحد مِنْهُم عَنهُ طلع النزاع فِي أَمر الْإِمَامَة لم يتنازعون فِيهَا وَالنَّص الْجَلِيّ قد عين فلَانا لَهَا فَإِن زعم زاعم أَن عليا قَالَ لَهُم ذَلِك فَلم يطيعوه كَانَ جَاهِلا ضَالًّا مفترياً مُنْكرا للضروريات فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يقلهُ كرم الله وَجهه إِلَّا عِنْدَمَا آلت إِلَيْهِ الْخلَافَة بِشَهَادَة رَاوِيه أبي الطُّفَيْل وَلم يحْتَج بِهِ عِنْد وَفَاته

فسكوتُه عَن الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَى أَيَّام خِلَافَته قَاض على من عِنْده أدنى فهم وعقل بِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ أَنه لَا نَص فِيهِ على خِلَافَته عقيب وَفَاته

ص: 383

على أَن عليا نَفسه صرح بِأَنَّهُ

لم ينص عَلَيْهِ وَلَا على غَيره كَمَا سَيَأْتِي عَنهُ وَفِي البُخَارِيّ وَغَيره حَدِيث خُرُوج عَليّ وَالْعَبَّاس من عِنْد النَّبِي

وَقَول الْعَبَّاس وَقد أَخذ بيد عَليّ إِنَّك بعد ثَلَاث عبدُ الْعَصَا وَالله لأرى أَن رَسُول الله

متوفي فِي وَجَعه هَذَا وَإِنِّي لأعرف الْمَوْت فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب فلنذهب إِلَى رَسُول الله

نَسْأَلهُ فِيمَن يكون هَذَا الْأَمر فَإِن كَانَ فِينَا علمنَا ذَلِك وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا فَقَالَ عَليّ وَالله إِن سألناها رَسُول الله

فَمَنَعَنَاهَا لَا يعطيناها الناسُ أبدا فَهَذَا صَرِيح فِيمَا ذَكرْنَاهُ من أَنه

لم ينص على أحد عِنْد مَوته وكل عَاقل يجْزم بِأَنَّهُ حَدِيث من كنت مَوْلَاهُ لَيْسَ نصا فِي إِمَامَة عَليّ وَإِلَّا لَم يَحتج هُوَ وَالْعَبَّاس إِلَى مُرَاجعَته

الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث البُخَارِيّ مَعَ قرب الْعَهْد جدا بيومئذ بَينهمَا نَحْو الشَّهْرَيْنِ وتجويز النسْيَان على سَائِر الصَّحَابَة السامعين لخَبر يَوْم الغدير مَعَ قرب الْعَهْد وهم من هم فِي الْحِفْظ والذكاء والفطنة وَعدم التَّفْرِيط والغفلة فِيمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ

محَال عادي يجْزم الْعَاقِل بِأَدْنَى بديهة أَنهم لم يَقع مِنْهُم نِسْيَان وَلَا تَفْرِيط وبأنهم حالَ بيعتهم لأبي بكر كَانُوا ذاكرين لذَلِك الحَدِيث عَالمين بِهِ وَبِمَعْنَاهُ فَزعم الشِّيعَة والرافضة أَن الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم علمُوا هَذَا النَّص وَلم ينقادوا لَهُ عناداً أَو مُكَابَرَة بِالْبَاطِلِ وَقَوْلهمْ إِنَّمَا تَركهَا عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ تقية كذب وافتراء أَيْضا لما قدمْنَاهُ فِيمَا مر وَمِنْه إِنَّمَا كَانَ فِي مَنْعَة من قومه وعشيرته مَعَ كثرتهم وشجاعتهم وَأَنه احْتج أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْأَنْصَار لما قَالُوا منا أَمِير ومنكم أَمِير بِخَبَر الْأَئِمَّة من قُرَيْش فَكيف سلمُوا لَهُ هَذَا الِاسْتِدْلَال ولأي شَيْء لم يَقُولُوا ورد النَّص على إِمَامَة عَليّ فَكيف تحتج أَنْت بِمثل هَذَا الْعُمُوم وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ أصل عقيدة الشِّيعَة تضليل الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم وَإِنَّمَا نبه عَليّ الشِّيعَة لأَنهم أقل فحشاً فِي عقائدهم من الرافضة وَذَلِكَ لِأَن الرافضة يَقُولُونَ بتكفير الصَّحَابَة لأَنهم عاندوا بترك النَّص على إِمَامَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

ص: 384

بل زَاد أَبُو كَامِل وَهُوَ من رؤوسهم الْمُتَقَدِّمين فَكفر عليا زاعما أَنه أعَان الكفارَ على كفرهم وأيدهم على كتمان ذَلِك وعَلى ستر مَا لَا يتم الدّين إِلَّا بِهِ لِأَنَّهُ لم يرو عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَنه احْتج بِالنَّصِّ على إِمَامَته بل تَوَاتر عَنهُ إِن أفضلَ الْأمة أَبُو بكر وَعمر فَإِنَّهُ قبل من عمر إِدْخَاله إِيَّاه فِي الشورى وَقد اتخذ الْمُلْحِدُونَ كَلَام هَؤُلَاءِ السفلة الكَذَبة ذَرِيعَة لطعنهم فِي الدّين وَالْقُرْآن وَقد تصدى بعض الْأَئِمَّة للرَّدّ عَلَيْهِم وَمن جملَة مَا قَالَه أُولَئِكَ الْمُلْحِدُونَ كَيفَ يَقُول الله {كنُتُم خيرَ أُمةٍ أُخرِجَت لِلناسِ} آل عمرَان 110 وَقد ارْتَدُّوا بعد وَفَاة نَبِيّهم إِلَّا نَحْو سِتَّة أنفس مِنْهُم لامتناعهم من تَقْدِيم أبي بكر وَعدم رضاهم ببيعته فَانْظُر إِلَى حجَّة الملحد تجدها عينَ حجَّة الرافضة قَاتلهم الله تَعَالَى أَنِّي يؤفكون بل هم أَشد ضَرَرا على الدّين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر فرق الضلال كَمَا صرح بِهِ عَليّ رضي الله عنه بقوله تفترق الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة شَرها من ينتحل حبنا وَيُفَارق أمرنَا وَوَجهه مَا اشتملوا عَلَيْهِ من افترائهم قبائحَ الْبدع وغاياتِ العناد والكذبَ حَتَّى تسلطت الملاحدةُ بِسَبَب ذَلِك على الطعْن فِي الدّين وأئمة الْمُسلمين بل قَالَ القاضى أَبُو بكر الباقلاني إِن فِيمَا ذهبت إِلَيْهِ الرافضةُ مِمَّا ذكر إبطالاً لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ إِذا أمكن اجتماعُ الصَّحَابَة على الكتم للنصوص أمكن فيهم الكذبُ والتواطؤ عَلَيْهِ لغَرَض فَيمكن أَن سَائِر مَا نقلوه من الْأَحَادِيث زور وَيُمكن أَن الْقُرْآن عُورضَ بِمَا هُوَ أفْصح مِنْهُ كَمَا تدعيه الْيَهُود وَالنَّصَارَى فكتمته الصَّحَابَة وَكَذَا مَا نَقله سَائِر الْأُمَم عَن جَمِيع الرُّسُل يجوز

ص: 385

الْكَذِب فِيهِ والزور والبهتان لأَنهم أقرُّوا ذَلِك فِي هَذِه الْأمة الَّتِي قد جَاءَ الْقُرْآن بِأَنَّهَا خير أمة أخرجت للنَّاس فادعاؤهم إِيَّاه فِي بَاقِي الْأُمَم أَحْرَى وَأولى فَتَأمل الْمَفَاسِد الَّتِي ترتبت على مَا أصَّلَهُ هَؤُلَاءِ وَقد أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه مَا من أهل الْأَهْوَاء أَشد زوراً من الرافضة وَكَانَ إِذا ذكرهم عابهم بالرذالة والسقاطة وَأَنَّهُمْ لَا يتَوَجَّه مَعَهم خطاب وَلَا يرجعُونَ إِلَى رشد وَلَا إِلَى صَوَاب وَعَن الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ لما قدم عَليّ رضي الله عنه الْبَصْرَة فِي أثر طَلْحَة وَالزُّبَيْر يُرِيد قِتَالهمْ قَالَ لَهُ ابْن الْكواء وَقيس بن عباد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا تخبرنا عَن مسيرك هَذَا الَّذِي سرت فِيهِ ستتولى على الْأمة وتضرب النَّاس بَعضهم بِبَعْض أَعهد من رَسُول الله

إِلَيْك فحدثنا بِهِ فَأَنت الموثوق بِهِ الْمَأْمُون على مَا سَمِعت قَالَ أما أَن يكون عِنْدِي من رَسُول الله

عهد فَلَا وَالله لَئِنْ كنت أولَ من صدق بِهِ لَا أكونُ أول من كذب عَلَيْهِ وَلَو كَانَ عِنْدِي من النَّبِي

عهد بذلك مَا تركت أخوي تيم وعدي يقومان على منبره ولقاتلتهما لَو لم أجد إِلَّا بردى وَلَكِن رَسُول الله

لم يُقتل قتلا وَلم يمت فَجْأَة مكث فِي مَرضه أَيَّامًا وليالي يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن فيؤذنه بِالصَّلَاةِ فيأمر أَبَا بكر فَيصَلي بِالنَّاسِ وَهُوَ يرى مَكَاني وَلَقَد أرادتِ امْرَأَة من نِسَائِهِ صرفَهُ عَن أبي بكر فَأبى وَغَضب وَقَالَ أنتن صواحبُ يُوسُف يظهرن خلاف مَا يبدين مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ فَلَمَّا قبض الله نبيه

وقعنا فِي أمورنا ثمَّ اخترنا لدنيانا من رضيه رَسُول الله

لديننا وَكَانَت الصلاةُ أعظمَ أَرْكَان الْإِسْلَام وقواعِد الدّين فبايَعنا أَبَا بكر فَكَانَ لذَلِك أَهلا لم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديتُ إِلَى أبي بكر حَقه وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الحدودَ بسوطي فَلَمَّا قبض ولاها عمر فَأخذ بِسنة صَاحبه وَمَا يعرف من أمره فَبَايَعْنَاهُ وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ منا اثْنَان فأديتُ إِلَى عمر حَقه وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ الحدودَ بسوطي فَلَمَّا قبض تذكرتُ فِي نفس قَرَابَتي وسابقتي وفضلي وَأَنا أَظن أَن لَا يعدل بِي

ص: 386

وَلَكِن خَشِي أَلا يعملُ الخليفةُ بعده ذَنبا إِلَّا لحقه فِي قَبره فَأخْرج مِنْهَا نَفسه وَولده وَلَو كَانَت مُحَابَاة مِنْهُ لآثر وَلَده وَلَكِن برِئ مِنْهَا إِلَى ستةِ نفر من قُرَيْش أَنا أحدهم فَلَمَّا اجْتمع الرهطُ تذكرتُ فِي نَفسِي قَرَابَتي وسابقتي وَأَنا أَظن أَن لن يعدلُوا بِي فَأخذ عبدُ الرَّحْمَن بن عَوْف مواثيقَ على أَن نسْمع ونطيع لِمَنْ ولاه الله عز وجل أمرنَا ثمَّ أَخذ بيد عُثْمَان فَضرب يَده على يَده فَنَظَرت فِي أَمْرِي فَإِذا طَاعَتي قد سبقت بيعتي وَإِذا ميثاقي قد أُخِذَ لغيري فَبَايعْنَا عُثْمَان فأديتُ لَهُ حقهُ وعرفتُ لَهُ طَاعَته وغزوتُ مَعَه فِي جُنُوده وكنتُ آخذ إِذا أَعْطَانِي وأغزو إِذا أغزاني وأضرب بَين يَدَيْهِ بسوطي فَلَمَّا أُصِيب عُثْمَان نظرتُ فِي أَمْرِي فَإِذا الخليفتان اللَّذَان أخذاها بِعَهْد رَسُول الله

إِلَيْهِمَا فِي الصَّلَاة قد مضيا وَهَذَا الَّذِي أَخذ لَهُ مِيثَاق قد أصيبَ فبايعني أهلُ الْحَرَمَيْنِ وأهلُ هذَيْن المصرين أخرجه أَبُو أَحْمد حَمْزَة بن الْحَارِث وَأَبُو الْفضل ابْن خيرون وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن عَسَاكِر والذهبي وَغَيرهم وَابْن السمان فِي الْمُوَافقَة وَزَاد بعد قَوْله وَأهل هذَيْن المصرين قَوْله ثمَّ إِن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان جَاءَ يضربني بِأَهْل الشَّام فَكنت وَالله أَحَق بهَا مِنْهُ وَالله لَو أَن أَبَا بكر حِين بُويِعَ نازعوه لقَاتل وَلَو أَن عمر نوزع حِين بُويِعَ لقَاتل فَقَالَا صدقت يَا أَبَا الْحسن وبررت واحتججت وَكنت أَحَق بهَا مِنْهُ وَفِي رِوَايَة عَبدة أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ أخبرنَا عَن قتالك هذَيْن الرجلَيْن يعنيان طَلْحَة وَالزُّبَيْر وهما صاحباك فِي الْهِجْرَة وَفِي بيعَة الرضْوَان وَفِي الشورى قَالَ بايعاني بِالْمَدِينَةِ وخلعاني بِالْبَصْرَةِ وَلَو أَن رجلا بَايع أَبَا بكر ثمَّ خلعه قَاتَلْنَاهُ أَلا وَلَو أَن رجلا بَايع عمر ثمَّ خلعه قَاتَلْنَاهُ قلت كَأَنِّي أنظر وأسمع رَافِضِي الِاعْتِقَاد يُنكر هَذِه الروايةَ وَيبْطل إسنادها وينقض مبناها ويقوض عمادها إِلَّا قَوْله فِيهَا وَأَنا أَظن أَن لَا يعدلُوا بِي

إِلَى قَوْله فَبَايعْنَا عُثْمَان فَإِنَّهُ يتَّخذ ذَلِك شبهةَ دليلٍ وبرهانٍ لما يَعْتَقِدهُ من الْكَذِب وَالْبَاطِل والبهتان عَلَيْهِ من الله مَا يسْتَحق قلت وَمن جملَة زعم الرافضة أَن عليا إِنَّمَا سكت عَن النزاع والثيار فِي أَمر

ص: 387

الْخلَافَة وطلبها لِأَن النَّبِي

أوصاه أَلا يُوقع بعده فتْنَة وَلَا يسل سَيْفا وَسمعت من بعض غُلاتِهِم أَن عليا كَانَ يتحدث مَعَ فَاطِمَة فِي شَأْن الْخلَافَة وَكَأَنَّهَا تلومه فِي سُكُوته فَأذن الْمُؤَذّن حِينَئِذٍ فَقَالَ لَهَا عَليّ رضي الله عنه لَوْلَا خوفي انْقِطَاع هَذَا الصَّوْت أَو الذّكر مُشِيرا إِلَى الْأَذَان لجعلتُ أرْضهَا سماءها فَإِن صَحَّ كَلَام هَذَا الغالي فقد اخْتلفت العلتان عَلَيْهِم الْوَصِيَّة فِي الأول وَالْخَوْف فِي الثَّانِي وكلا العلتين معلولٌ بِأَنَّهُ افتراء وَكذب وضلالة وحمق وغباوة وجهالة عَمَّا يَتَرَتَّب على ذَلِك إِذْ كَيفَ يعقل مَعَ هَذَا الَّذِي زعموه أَنه جعله إِمَامًا والياً على الْأمة بعده وَمنعه من سل السَّيْف على من امْتنع من قبُول الْحق وَلَو كَانَ مَا زعموه صَحِيحا لما سل كرم الله وَجهه السيفَ فِي حَرْب صفّين وَغَيرهَا وَقَاتل بِنَفسِهِ وَأهل بَيته وشيعته وبارز الألوفَ مِنْهُم وَحده أَعَاذَهُ الله من مُخَالفَة وَصِيَّة رَسُول الله

وَأَيْضًا فَكيف يتعقلون أَنه

يوصيه بِعَدَمِ سل السَّيْف على من يَزْعمُونَ فيهم أَنهم مجاهرون بأقبح أَنْوَاع الْكفْر من مُخَالفَة أمره

وَدفع من نَصَ على أَنَّهَا لَهُ والتمالؤِ والاجتماعِ على إعطائها لغير من هِيَ لَهُ وَمنع فَاطِمَة رضي الله عنها إرثها بِغَيْر دَلِيل فهما وَمن نحا نَحْوهمَا عِنْدهم مرتدون حماهم الله من ذَلِك وَرَضي الله عَنْهُم فجهادُ مثل هَؤُلَاءِ حتم على الْأمة عُمُوما وعَلى الْخَلِيفَة خُصُوصا قَالَ بعض أَئِمَّة أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ من العترة الطاهرة وَقد تأملتُ كلماتِهم يَعْنِي الرافضة فَرَأَيْت قوما أعْمَى اللهُ بصائرهم فَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب على مقالتهم من الْمَفَاسِد أَلا ترى إِلَى قَوْلهم إِن عمر رضي الله عنه قاد عليا بحمائل سَيْفه وَحصر فَاطِمَة فهابت فَأسْقطت ولدا اسْمه المحسن فقصدوا بِهَذِهِ الْفِرْيَة القبيحة والغباوة الَّتِي أورثتهم الْعَار والبوار والفضيحة إيغارَ الصُّدُور على عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلم يبالوا بِمَا يَتَرَتَّب وَيلْزم على ذَلِك من نسبةِ عَليّ إِلَى الذلة وَالْعجز والخَوَر بل نِسْبَة جَمِيع بني هَاشم وهم أهل النجدة والنخوة والأنفة إِلَى ذَلِك الْعَار الَّذِي لَا أقبحَ مِنْهُ عَلَيْهِم بل نِسْبَة جَمِيع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم إِلَى ذَلِك مَعَ مَا استفاض وتواتر عَنْهُم من غيرتهم لنبيهم وَدينهمْ وَشدَّة غضبهم عِنْد

ص: 388

انتهاك حرماته حَتَّى قَاتلُوا فَقتلُوا الآباءَ والأبناءَ فِي طَلَبهمْ مرضاة الله تَعَالَى ومرضاة رَسُوله لَا يُتَوَهَّمُ إلحاقُ أدنى نقصِ أَو السُّكُوت على بَاطِل من هَؤُلَاءِ الْعِصَابَة الكمل الَّذين طهرهم الله من كل رِجْس ودنس وَنقص على لِسَان نبيه فِي الْكتاب وَالسّنة كَمَا تقدم بِوَاسِطَة صحبتهم لَهُ

وَمَوته وَهُوَ رَاض عَنْهُم وبسبب صدقهم فِي محبته واتباعه إِلَّا عبد أضلّهُ الله وخذله فباء مِنْهُ تَعَالَى بعظيم الخسار والبوار وأحله نَار جَهَنَّم وَبئسَ الْقَرار نسْأَل الله السَّلامَة من الموبقات فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات آمين ولهذه الطائفةِ الرذلة شبه لَا حاجةَ لنا إِلَى إيرادها وتسويد الطِّرْس بسوادها فقد ردهَا الْأَئِمَّة المتقدمون والمتأخرون فِي غير مَا كتاب وأماطوا عَن مشوهاتها الْخمار والنقاب وَقد رَوَتْ أقاويلَ الْأَئِمَّة المعتبرين من أهل الْبَيْت فِي الترضي عَن الشَّيْخَيْنِ وتوليهما وَالثنَاء عَلَيْهِمَا الأئمةُ الحفاظُ الَّذين عَلَيْهِم المعوّل فِي معرفَة الحَدِيث والْآثَار وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم الْمُتَّصِلَة فَمِنْهَا مَا أخرجه أَبُو نعيم عَن الإِمَام الْحسن الْمثنى ابْن الْحسن السبط أَنه لما قيل لَهُ ذَلِك أَي أَن خبر من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ نصُّ فِي إِمَامَة عليِّ قَالَ أما وَالله لَو يَعْنِي بذلك الإِمارة وَالسُّلْطَان لأفصح لَهُم بِهِ فَإِن رَسُول الله

كَانَ أنصح للْمُسلمين ولقال لَهُم ياأيها النَّاس هَذَا ولي أَمْرِي والقائم عَلَيْكُم بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا مَا كَانَ من هَذَا شَيْء فوَاللَّه لَئِن كانَ الله ورسولهُ اختارَا عليَّاً لهَذَا الْأَمر والقيامِ بِهِ للْمُسلمين من بعده ثمَّ تَرَكَ عَليّ أَمر الله وَرَسُوله أنْ يقومَ بِهِ أَو يعْذر فِيهِ إِلَى الْمُسلمين إنْ كانَ أعظم النَّاس خطيئةَ لَعَلي إِذْ ترك أَمر الله وَرَسُوله وحاشاه من ذَلِك وَفِي رِوَايَة عَنهُ وَلَو كَانَ هَذَا الْأَمر كَمَا تَقول وَأَن الله اخْتَار عليا للْقِيَام على النَّاس لَكَانَ أعظم النَّاس خَطِيئَة أَن ترك أَمر رَسُول الله

وَلم يقم بِهِ فَقَالَ الرجل ألم يقل رَسُول الله

من كنت مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن مَا تقدم ذكره وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه لما قدم

ص: 389

الْمَدِينَة سألَ أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد الباقر عَن أبي بكر وَعمر فترحم عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة إِنَّهُم يَقُولُونَ عندنَا بالعراق إِنَّك تتبرأ مِنْهُمَا فَقَالَ معَاذ الله كذبُوا وَرب الْكَعْبَة ثمَّ ذكر لأبي حنيفَة تزويجَ عَليّ ابنتَه أم كُلْثُوم بنت فَاطِمَة من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَنه لَو لم يكن لَهَا أَهلا لما زوجه إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة لَو كتبت إِلَيْهِم فَقَالَ لَا يطيعونني بالكتب وتزويج عَليّ أم كُلْثُوم لعمر رضي الله عنه يقطع بِبُطْلَان مَا زعمته الرافضة فِيهِ قلت وَجه الْقطع مَا يلْزم أَن عليا زوج ابْنَته أم كُلْثُوم من كافرٍ على زعمهم الْفَاسِد معلومٍ كفرُه وسببُ كفره فيبطلوا أصلَهم فِي اعْتِقَاد العصمةِ لواجبها إِذْ تَزْوِيج الْكَافِر بالمسلمة حرَام بِنَصّ {لَا هُنَ حِل لَهم وَلَا هُم يحلوُنَ لَهنُ} الممتحنة 10 وَهَذِه الرِّوَايَة عَن الْحسن وأشباههُا من الرِّوَايَات زور عِنْدهم وافتراء وَكذب صراح لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا مراء لِأَنَّهَا تَفُت فِي أعضادهم وتنكث قواهم وتبت قوتهم وَتحل عراهم وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله الْمَحْض بن الْحسن الْمُتَقَدّم ذكره لقب بالمحض لِأَنَّهُ أول من جمع ولادَة الْحسن والحشين وَالْحُسَيْن لِأَن أمه فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَكَانَ شيخَ بني هَاشم وَرَئِيسهمْ أَنه سُئِلَ أتمسح على الْخُفَّيْنِ فَقَالَ أَمسَح عَلَيْهِمَا قد مسح عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ لَهُ السَّائِل إِنَّمَا أَسأَلك أنتَ أتمسح عَلَيْهِمَا قَالَ ذَلِك أعجزُ لَك أخبر عَن عمر وتسألني عَن رَأْيِي فعمر خيرٌ مني وملء الأَرْض من مثلي فَقيل لَهُ هَذَا تقية فَقَالَ نَحن بَين الْقَبْر والمنبر اللَّهُمَّ هَذَا قولي فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فَلَا يسمع قولي أحد بعدِي ثمَّ قَالَ من هَذَا الَّذِي يزْعم أَن عليا كَانَ مقهورا وَأَن النَّبِي

أمره بِأَمْر فَلم ينفذهُ فَكفى بِهَذَا إزراء ومنقصة وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن ولد عبد الله الْمَحْض وَهُوَ السَّيِّد مُحَمَّد الملقب بِالنَّفسِ الزكية أَنه قَالَ لما سُئِلَ عَن الشَّيْخَيْنِ لَهُمَا عِنْدِي أفضلُ من عَليّ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن مُحَمَّد الباقر أَنه قَالَ أجمع بَنو فَاطِمَة على أَن نقُول فِي الشَّيْخَيْنِ أحسنَ مَا يكون من القَوْل

ص: 390

وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق عَن أَبِيه مُحَمَّد الباقر أَن رجلا جَاءَ إِلَى أَبِيه زين العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن أبي بكر فَقَالَ عَن الصّديق فَقَالَ الرجل وتسميه الصّديق فَقَالَ لَهُ ثكلتك أمك وَقد سَمَّاهُ صديقا رَسُول الله

والمهاجرون وَالْأَنْصَار وَمن لم يسمه صديقَاً فَلَا صدق الله قولَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة فَأحب أَبَا بكر وَعمر وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن عُرْوَة عَن عبد الله سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّدًا الباقر عَن حلية السَّيْف فَقَالَ لَا بَأْس بهَا قد حلي أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه سَيْفه قَالَ قلت وَتقول الصّديق قَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق فَمن لم يقل الصّديق فَلَا صدق الله قولَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأخرجه ابْن الْجَوْزِيّ فِي صفة الصفوة وَزَاد فَوَثَبَ وثبةً واستقبل فَقَالَ نعم الصّديق نعم الصّديق وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قَالَ مَا أَرْجُو من شَفَاعَة عَليّ شَيْئا إِلَّا وَأَنا أَرْجُو من شَفَاعَة أبي بكر مثله وَلَقَد ولدني مرَّتَيْنِ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن زيد بن عَليّ أَنه قَالَ لمن تَبرأ مِنْهُمَا أعلم وَالله أَن البراءةَ من الشَّيْخَيْنِ البراءةُ من عَليّ فَتقدم أَو تَأَخّر وَمِنْهَا مَا أخرجه الْحَافِظ عمر بن شبة أَن زيدا هَذَا قيل لَهُ إِن أَبَا بكر انتزع من فاطمةَ فَدكَ فَقَالَ إِنَّه كَانَ رحِيما وَكَانَ يكره أَن يُغير شَيْئا تَركه رَسُول الله

فَأَتَتْهُ فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَت لَهُ إِن رَسُول الله

أَعْطَانِي فدك فَقَالَ هَل لَك بَينه فَشهد لَهَا عَليّ وَأم أَيمن فَقَالَ لَهَا فبرجل وَامْرَأَة تستحقينها ثمَّ قَالَ زيد وَالله لَو رَجَعَ الأمرُ فِيهَا إِلَيّ لقضيتُ بِقَضَاء أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا قَالَ انطلقتِ الْخَوَارِج فبرئت مِمَّن دون أبي بكر وَعمر وَلم يستطيعوا أَن يَقُولُوا فيهمَا شَيْئا وانطلقتم أَنْتُم فطفرتم أَي وثبتم فَوق ذَلِك فبرئتم مِنْهُمَا فَمن بَقِي فوَاللَّه مَا بَقِي أحد إِلَّا برئتم مِنْهُ يُخَاطب بذلك الرافضة لما قَالُوا لَهُ ابرأ من الشَّيْخَيْنِ وَنحن نُبَايِعك فَأبى فَقَالوا إِنَّا نرفضك فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الرافضة فَمن حِينَئِذٍ سموا الرافضة وسيمت

ص: 391

شيعتهُ بالزيدية وَمِنْهَا مَا أخرجه ابْن عَسَاكِر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قلت لمُحَمد ابْن الْحَنَفِيَّة هَل كَانَ أَبُو بكر أولَ الْقَوْم إسلاماً قَالَ لَا قلت فَبِمَ علا أَبُو بكر وَسبق حَتَّى لَا يذكر أحد غير أبي بكر قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ أفضلَهم إسلاماً حِين أسلم حَتَّى لحق بربه وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن سَالم بن أبي حَفْصَة وَهُوَ شيعي لكنه ثِقَة قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن على وجعفر بن مُحَمَّد عَن الشَّيْخَيْنِ فَقَالَا يَا سَالم تولهما وابرأ من عدوهما فَإِنَّهُمَا كَانَا إمامَي هدَى وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ قَالَ دخلت على أبي جَعْفَر فَقَالَ وَأرَاهُ قَالَ ذَلِك من أَجلي اللَّهُمَّ إِنِّي أتولى أَبَا بكر وَعمر وأحبهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد

يَوْم الْقِيَامَة وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ دخلتُ على جَعْفَر بن مُحَمَّد وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحب أَبَا بكر وَعمر وأتولاهما اللَّهُمَّ إِن كَانَ فِي نَفسِي غير هَذَا فَلَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد

وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا قَالَ قَالَ لي يَا سَالم أيسب الرجل جَدَهُ أَبُو بكرٍ جدي لَا نالتني شَفَاعَة مُحَمَّد إِن لم أكن أتولاهما وَأَبْرَأ من عدوهما وَمِنْهَا مَا أخرجه عَن جَعْفَر الصَّادِق أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا يزْعم أَنَّك تتبرأ من أَبى بكر وَعمر فَقَالَ برىء الله من فلَان إِنِّي لأرجو أَن يَنْفَعنِي الله بِقَرَابَتِي من أبي بكر وَلَقَد مَرضت فأوصيت إِلَى خَالِي عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَمِنْهَا مَا أخرجه هُوَ والحافظ عمر بن شبة عَن كثير قلت لأبى جَعْفَر وَمُحَمّد ابْن عَليّ أَخْبرنِي أظَلَمَكم أَبُو بكر وَعمر من حقكم شَيْئا فَقَالَ ومُنزلِ القرآنِ على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيراً مَا ظلمنَا من حَقنا مَا يزن حَبَّة خَرْدَل قَالَ قلت أفأتولاهما جعلني الله فدَاك قَالَ نعم يَا كثير تولهما فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ

ص: 392

وَجعل يصك عنق نَفسه وَيَقُول مَا أصابكَ فبعنقي ثمَّ قَالَ برىء الله ورسولهُ من الْمُغيرَة بن سعيد وَأبي زَيْنَب فَإِنَّهُمَا كذبا علينا أهلَ الْبَيْت وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن بسام الصَّيْرَفِي قلت لأبي جَعْفَر مَا تَقول فِي أبي بكر وَعمر فَقَالَ وَالله إِنِّي لأتولاهما وَأَسْتَغْفِر لَهما وَمَا أدْركْت أحدا من أهل بَيْتِي إِلَّا وَهُوَ يتولاهما وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن إِمَام الْمَذْهَب مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن جَعْفَر بن أبي طَالب قَالَ وَليَنا أَبُو بكر خيرُ خَليفَة وأرحَمُه لنا وأحنَاهُ علينا وَفِي رِوَايَة فَمَا وَليَنا أحد من النَّاس مثله وَفِي أُخْرَى فَمَا رَأينَا قطّ مَنْ كَانَ خيرَاً مِنْهُ وَمِنْهَا مَا أخرجه يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر أَنه قيل لَهُ إِن فلَانا حَدثنِي أَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صدروهم مِّن غِلٍّ} الْحجر 47 نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي قَالَ وَالله فيهم نزلت ففيمن نزلت إِلَّا فيهم قيل فَأَي غل هُوَ قَالَ غل الْجَاهِلِيَّة إِن بني تيم وَبني عدي وَبني هَاشم كَانَ بَينهم شَيْء فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أسلم هَؤلاءِ القومُ تحَابوا فأخذتْ أبَا بكر الخاصرةُ فَجعل عَليّ يسخن يَده ويكمد بهَا خاصرةَ أبي بكر فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن على أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي هَذِه الْبُطُون الثَّلَاثَة تيم وعدي وَبني هَاشم وَقَالَ مِنْهُم أَنا وَأَبُو بكر وَعمر وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد الباقر وَأَنه قيل لَهُ هَل كَانَ أحد من أهل الْبَيْت يسب أَبَا بكر وَعمر قَالَ معَاذ الله بل يتولونهما وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهما وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِمَا وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر أَيْضا عَن أَبِيه عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَنه قَالَ لجَماعَة خَاضُوا فِي أبي بكر وَعمر ثمَّ فِي عُثْمَان أَلا تخبروني أَنْتُم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ {الذِينَ أُخْرِجُوأ مِن دِياَرِهِم وَأموَالِهِم يبتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللهِ ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هُمُ الصّاَدِقوُنَ} الْحَشْر 8 قَالُوا لَا / قَالَ فَأنْتم (وَالَّذين تبوءو الدَّارَ وَالإيمانَ مِن قبلِهم يحبِونَ مَن هَاجَرَ إِلَيْهِم وَلَا

ص: 393

يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرونَ عَلى أنفُسِهم) {إِلَى} (المُفلحُونَ} الْحَشْر 9 قَالُوا لَا قَالَ أما أَنْتُم فقد برئتم أَن تَكُونُوا فِي أحد هذَيْن الْفَرِيقَيْنِ وَأَنا أشهد أَنكُمْ لَسْتُم من {وَالَّذين جَاءُوا مِن بعدهمِ يَقُولونَ رَبًنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الذينَ سَبَقُونَا بالإيمانِ} {إِلَى} (رَءوف رَحيِم} الْحَشْر 10 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن فُضَيْل بن مَرْزُوق سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْحسن ابْن الْحسن أَخا عبد الله بن الْحسن يَقُول وَالله قد مَرَقَت علينا الرافضة كَمَا مرقت الحرورية عَلَى عَلِيً وَمِنْهَا مَا أخرجه عَنهُ أَيْضا سَمِعت الْحسن بن الْحسن يَقُول لرجل من الرافضة لَئِن أمكن الله مِنْكُم لنقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف وَلَا نقبل مِنْكُم تَوْبَة وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ ذكر عُثْمَان عِنْد الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَي عَليّ أَتَاكُم الْآن يُخْبِركُمْ عَنهُ إِذْ جَاءَ عَليّ قَالَ الزُّهْرِيّ مَا أَدْرِي أسمعهم يذكرُونَ عُثْمَان أم سَأَلُوهُ عَنهُ فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عُثْمَان من الَّذين {اتقَوا وآمَنُوا ثُمَ اتقوأ وأحسَنُوأ وَالله يُحِبُ المحسنِينَ} الْمَائِدَة 93 وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاطِب من طرق قَالَ دخلتُ عَلَى عَليّ رضي الله عنه فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أردْت الْحجاز وَإِن النَّاس يَسْأَلُونِي فَمَا تَقول فِي قتل عُثْمَان وَكَانَ عَليّ مُتكئا فَجَلَسَ فَقَالَ يَا بن حَاطِب وَالله إِنِّي لأرجو أَن أكونَ أَنا وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّن غِلٍّ} الْحجر 47 الْآيَة وَمِنْهَا مَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ كنت جَالِسا عِنْد مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة فَذكرُوا عُثْمَان فنهانا مُحَمَّد وَقَالَ كفوا فغدونا يَوْمًا آخر فنلنا مِنْهُ أَكثر مِمَّا كَانَ قبل فَقَالَ ألم أنهكم عَن هَذَا الرجل قَالَ وَابْن عَبَّاس جَالس عِنْده فَقَالَ يَابْنَ عَبَّاس أَتَذكر عَشِيَّة الْجمل وَأَنا عَن يَمِين عَليّ وَفِي يَدي الرَّايَة وَأَنت عَن يسَاره إِذْ سمع هدة فِي المربد فَأرْسل رَسُولا فجَاء الرَّسُول فَقَالَ هَذِه عَائِشَة تلعن قتلةَ عُثْمَان فِي المربد فَرفع عَليّ يَدَيْهِ حَتَّى بلغ

ص: 394

بهما وَجهه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَقَالَ أَنا ألعن قتلة عُثْمَان لعنهم الله فِي السهل والجبل قَالَ فَصدقهُ ابْن عَبَّاس ثمَّ أقبل علينا فَقَالَ فيّ وَفِي هَذَا لَكُم شاهدُ عدل وَأخرج عَن مَرْوَان بن الحكم أَنه قَالَ مَا كَانَ أحد أدفعَ عَن عُثْمَان من عَليّ قيل لَهُ فَمَا بالكم تسبونه على المنابر قَالَ إِنَّه لَا يَسْتَقِيم لنا الْأَمر إِلَّا بذلك وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ يأهل الْكُوفَة اتَّقوا الله عز وجل وَلَا تَقولُوا فِي أبي بكر وَعمر مَا ليسَا لَهُ بِأَهْل وَأخرج أَيْضا عَن جُنْدُب الْأَسدي أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن آتاهُ قوم من أهل الْكُوفَة والجزيرة فَسَأَلُوهُ عَن أبي بكر وَعمر فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ انْظُر إِلى أهل بلدك يَسْأَلُونِي لَهُما عِنْدِي أفضل من عَليّ وَأخرج آدم عَن عبد الله بن الْحسن أَنه قَالَ وَالله لَا يَقبَلُ الله توبةَ عبد تَبرأ مِنْهُمَا وإنهما ليعرضان على قلبِي فأدعو الله عز وجل لَهما أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى الله عز وجل وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي أَن جعفراً الصادقَ أَتَاهُم وهم يُرِيدُونَ أَن يرتحلوا من الْمَدِينَة فَقَالَ إِنَّكُم إِن شَاءَ الله من صالحي مصركم فأبلغوني عني من زعم إِنِّي إِمَام مفترَضُ الطَّاعَة فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيء وَمن زعم إِنِّي بَرِيء من أبي بكر وَعمر فَأَنا مِنْهُ بَرِيء وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَنهُ رضي الله عنه أَنه قَالَ إِن الخبثاء من أهل الْعرَاق يَزْعمُونَ أَنا نقع فِي أبي بكر وَعمر وهما وَالِدَايَ أَي لِأَن أمه أم فَرْوَة ابنةُ الْقَاسِم الْفَقِيه ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر وأمهما أَسمَاء بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَمن ثمَّ سبق لَهُ قَوْله ولدني أَبُو بكر مرَّتَيْنِ وَمِنْهَا مَا أخرجه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد الباقر قَالَ من لم يعرف فضلَ أبي بكر وَعمر فقد جهل بِالسنةِ قَالَ بعض الْأَئِمَّة صدق وَالله إِنَّمَا نَشأ من الشِّيعَة والرافضة وَغَيرهمَا مَا نَشأ من الْبدع والضلالات من جهلهم بِالسنةِ وَفِي الطيوريات بِسَنَدِهِ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رجل لعَلي رضي الله عنه نسمعك تَقول فِي الْخطْبَة اللَّهُمَّ أَصْلحنَا بِمَا أصلحت بِهِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين فمَن هم فاغرورقت عَيناهُ فَقَالَ هما حبيبا نبيي أَبُو بكر

ص: 395

وَعمر إِمَامًا الْهدى وشيخَا الْإِسْلَام ورَجُلا قُرَيْش المقتدى بهما بعد رَسُول الله

مَنِ اقْتدى بهما عُصِم وَمن اتبع آثارهما هُدِيَ الصراطَ الْمُسْتَقيم وَمن تمسك بهما فَهُوَ من حزب الله قلت وَمِنْهَا مَا رَأَيْته فِي شرح الْمَقَاصِد للعلامة السعد التَّفْتَازَانِيّ رحمه الله وَنَصه نعم مَا قَالَ الْمَأْمُون العباسي وجدت أَرْبَعَة فِي أَرْبَعَة الزّهْد فِي الْمُعْتَزلَة وَالْكذب فِي الرافضة والمروءة فِي أَصْحَاب الحَدِيث وَحب الرياسة فِي أَصْحَاب الرَّأْي ثمَّ قَالَ أَوْلَاد الوَصيً الموسومون بالدراية المعتصمون بالرواية لم تكن مَعَهم هَذِه التعصبات والأحقاد وَلَا هَذِه البواطن الخبيثة فِي سوء الِاعْتِقَاد وَلم يذكرُوا عَن الصَّحَابَة إِلَّا الكمالات والترضي عَنْهُم والترحم عَلَيْهِم فِي سَائِر الْحَالَات وَلم يسلكوا مَعَ رُؤَسَاء الْمذَاهب من عُلَمَاء الْإِسْلَام إِلَّا طَرِيق الإجلال والإعظام وَهَا هُوَ الإِمَام عَليّ الرضي ابْن الإِمَام مُوسَى الكاظم مَعَ جلالة قدره ونباهة ذكره وَكَمَال علمه وهداه وورعه وتقاه قد كتب على ظهر كتاب عهد الْمَأْمُون لَهُ بالخلافة مَا يُنبئ عَن قبُول عَهده ووفور شكره وحمده والتزام مَا شَرط عَلَيْهِ فَكتب فِي أثْنَاء سطور الْعَهْد تَحت قَول الْمَأْمُون وسميته الرضي رَضِي الله تَعَالَى عَنْك وأرضاك وَتَحْت قَوْله وَتَكون لَهُ الإمرة الْكُبْرَى بعدِي بل جُعلتُ فدَاك وَفِي مَوضِع آخر وصلتك رحم وجزيت خيرا قَالَ وَهَذَا الْعَهْد بخطهما مَوْجُود إِلَى الْآن فِي المشهد الرضوي بخراسان وآحادُ الشيعةِ فِي هَذَا الزَّمَان لَا يسمحون بالترضي عَن كبار الصَّحَابَة فضلا عَن بني الْعَبَّاس فقد رَضوا مِنْهُم رَأْسا بِرَأْس وَمن الْبَين الْوَاضِح فِيمَا أوردنا هَذِه الرِّوَايَات فِي شَأْنه مَا كتبه أميرُ الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب قد جعلتُ هَكَذَا لآل بني كاكلة على كَافَّة بَيت مَال الْمُسلمين كل عَام مِائَتي مِثْقَال ذَهَبا عينا إبريزاً كتبه عمر بن الْخطاب فَكتب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رضي الله عنه {للهِ الْأَمر من قبل وَمن بعد ويَومَئِذٍ يفرح المُؤمنونَ بِنَصر الله} الرّوم 4 أَنا أول من اتبع أمرَ من أعز الْإِسْلَام وَنصر الدّين وَالْأَحْكَام ورسمتُ بِمثل مَا رسم لآل بني كاكلة فِي كل عَام مِائَتي مِثْقَال ذَهَبا عينا إبريزا واتبعث أَثَره وَجعلت لَهُم مثل مَا رسم عمر إِذْ

ص: 396