الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حوادث السّنة الرَّابِعَة)
فِيهَا غَزْوَة بني النَّضِير بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة المبسوطة قَبيلَة كَبِيرَة من الْيَهُود فِي ربيع الأول سنة أَربع وَذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي الثَّالِثَة قَالَ السُّهيْلي وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكرهَا بعد بدر لما روى عقيل بن خَالِد وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة مستدلاً بقوله تَعَالَى {وَأَنزَلَ الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم} الْأَحْزَاب 26 قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن حجر وَهُوَ استدلالْ واهٍ فَإِن الْآيَة نزلت فِي شَأْن بني قُرَيْظَة فَإِنَّهُم الَّذين ظاهروا الْأَحْزَاب وَأما بَنو النَّضِير فَلم يكن لَهُم فِي الْأَحْزَاب ذِكر بل كَانَ من أعظم الْأَسْبَاب فِي جمع الْأَحْزَاب مَا ذكر من إجلائهم فَإِنَّهُ كَانَ من رُءُوسهم حييّ بن أَخطب وَهُوَ الَّذِي حَسّنَ لبني قُرَيْظَة الْغدر وموافقة الْأَحْزَاب حَتَّى كَانَ من هلاكهم مَا كَانَ فَكيف يصير السابقُ لاحقاً انْتهى وَقد تقدم أَن عَامر بن الطُّفَيْل أعتَقَ عَمْرو بن أُميَّة لما قتل أهل بِئْر مَعُونَة عَن رَقَبَة عَن أمه فَخرج عَمْرو إِلَى الْمَدِينَة فصادف رجلَيْنِ من بني عَامر مَعَهُمَا عَقد وعهد من رَسُول الله
لم يشْعر بِهِ عَمْرو فَقَالَ لَهما عَمْرو من أَنْتُمَا فذكرا لَهُ أَنَّهُمَا من بني عَامر فَتَركهُمَا حَتَّى نَامَا فَقَتَلَهُمَا عَمْرو وظَن أَنه ظفر بِبَعْض ثأر أَصْحَابه فَأخْبر رَسُول الله
بذلك فَقَالَ لقد قتلتَ قَتِيلين لأَدِيَنهُمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَخرج عليه الصلاة والسلام إِلَى بني النَّضِير يَسْتَعِين بهم فِي دِيَة الْقَتِيلين اللَّذين قَتلهمَا عَمْرو بن أُميَّة للجوار الَّذِي كَانَ
عقده لَهما وَكَانَ بَين بني النَّضِير وَبَين بني عَامر عقد وَحلف فَلَمَّا أَتَاهُم عليه السلام يَسْتَعِينهُمْ فِي دِيَتهمَا قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم نعينك على مَا أحببتَ مِمَّا استعنتَ بِنَا عَلَيْهِ ثمَّ خلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا إِنكم لن تَجِدُوهُ على مثل هَذَا الْحَال وَكَانَ رَسُول الله
إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم قَالُوا مَن رجل يَعْلُو هَذَا البيتَ فيلقي هَذِه الصَّخْرَة عَلَيْهِ فيقتله ويريحنا مِنْهُ فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بن جحاش بن كَعْب
فَقَالَ أَنا لذَلِك فَصَعدَ ليلقي عَلَيْهِ الصَّخْرَة وَرَسُول الله
فِي نفر من أَصْحَابه فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي رضي الله عنهم قَالَ ابْن سعد فَقَالَ سَلام بن مشْكم للْيَهُود لَا تَفعلُوا وَالله ليُخبَرَن بِمَا هممتم وَإنَّهُ لنقض للْعهد الَّذِي بَيْننَا وَبَينه قَالَ ابْن إِسْحَاق وأتى رَسُول الله
الخَبَرُ من السَّمَاء بِمَا أَرَادَ الْقَوْم فَقَامَ عليه الصلاة والسلام مظْهرا أَنه يقْضِي حَاجَة وَترك أَصْحَابه فِي مجلسهم وَرجع مسرعاً إِلَى الْمَدِينَة واستبطأ النَّبِي
أَصْحَابه فَقَامُوا فِي طلبه حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ فَأخْبرهُم بِمَا أَرَادَت الْيَهُود من الْغدر بِهِ قَالَ ابْن عقبَة وَنزل فِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُهَا اَلَذِين آمَنُوا اَذكُرُوا نِعمَتَ الله عَلَيْكُم إِذ هَم قَوم أَن يبسُطوا إِلَيكُم أَيدِيَهُم. .} الْآيَة الْمَائِدَة 11 قَالَ ابْن إِسْحَاق فَأمر عليه الصلاة والسلام بالتهيؤ لحربهم والمسير إِلَيْهِم قَالَ ابْن هِشَام وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم ثمَّ سَار بِالنَّاسِ حَتَّى نزل بهم فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَال قَالَ ابْن إِسْحَاق فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ بالحصون فَقطع النّخل وحرقها وَخرب فَنَادَوْهُ يَا مُحَمَّد قد كنت تنهَى عَن الْفساد وتعيبه على من صنعه فَمَا بَال قطع النّخل وتخريبها قَالَ السُّهيْلي قَالَ أهل التَّأْوِيل وَقع فِي نفوس بعض الْمُسلمين من هَذَا الْكَلَام شَيْء حَتَّى أنزل الله {مَا قَطَعتُم مِن لينَةٍ} الْآيَة الْحَشْر 5 واللينة أَلْوَانُ التَّمْر مَا عدا الْعَجْوَة والبرني فَفِي هَذِه الْآيَة أَنه
لم يقطع من نَخْلهمْ إِلَّا مَا لَيْسَ بقوت للنَّاس وَكَانُوا يقتاتون الْعَجْوَة وَفِي الحَدِيث الْعَجْوَة من الْجنَّة وتمرها يغذو أحسن غذَاء والبرنيُ أَيْضا كَذَلِك فَفِي قَوْله تَعَالَى (مَا قطعْتُمْ من
لينَة} الْحَشْر 5 وَلم يقل من نَخْلَة على الْعُمُوم تَنْبِيه على كَرَاهَة قطع مَا يقتات ويغذو من شجر الْعَدو إِذا رجى أَن يصل إِلَى الْمُسلمين قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد كَانَ رَهْط من بني عَوْف بن الْخَزْرَج مِنْهُم عبد الله بن أبي ابْن سلول بعثوا إِلَى بني النَّضِير أَن اثبتوا وتمنعوا فَإنَّا لن نسلمكم إِن قوتلتم قاتلنا مَعكُمْ وَإِن أخرجتم خرجنَا مَعكُمْ فتربصوا فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فَلم ينصروهم فسألوا رَسُول الله
أَن يجلبهم عَن أَرضهم ويكف عَن دِمَائِهِمْ وَعَن ابْن سعد أَنهم حِين هموا بغدره
وأعلمه الله بذلك بعث إِلَيْهِم مُحَمَّد ابْن مَسلمة أَن اخْرُجُوا من بلدي فَلَا تساكنوني بهَا وَقد هممتم بِمَا هممتم من الْغدر وَقد أجلتكم عشرا فَمن رئي مِنْكُم بعد ذَلِك ضربت عُنُقه فَمَكَثُوا على ذَلِك أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ وتكاروا من النَّاس إبِلا فَأرْسل إِلَيْهِم عبد الله بن أبي أَن لَا تخْرجُوا من دِيَارهمْ وَأقِيمُوا فِي حصونكم فَإِن معي أَلفين من قومِي من الْعَرَب يدْخلُونَ حصنكم وتمدكم قُرَيْظَة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حُيَي بِمَا قَالَ ابْن أبي فَأرْسل إِلَى رَسُول الله
إِنَّا لَا نخرج من دِيَارنَا فَاصْنَعْ مَا بدا لَك فأظهر
التَّكْبِير وكَبر الْمُسلمُونَ بتكبيره وَسَار إِلَيْهِم عليه الصلاة والسلام فِي أَصْحَابه فصلى الْعَصْر بفِناء بني النَّضِير وَعلي يحمل رايته فَلَمَّا رَأَوْا رَسُول الله
قَامُوا على حصونهم مَعَهم النبل وَالْحِجَارَة واعتزلهم ابْن أبي وَلم يُعِنْهُمْ وَكَذَا حفاؤهم من غطفان فيئسوا من نَصرهم فَحَاصَرَهُمْ
وَقطع نَخْلهمْ وَقَالَ لَهُم عليه السلام اخْرُجُوا مِنْهَا وَلكم دماؤكم وَمَا حملَتِ الإبلُ إِلَّا الحلْقَةَ وَهِي بِإِسْكَان اللَّام قَالَ فِي الْقَامُوس الدرْع فَنزلت الْيَهُود على ذَلِك وَكَانَ حَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا فَكَانُوا يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم ثمَّ أجلاهم عَن الْمَدِينَة قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة وحملوا النِّسَاء وَالصبيان وتحملوا على سِتّمائَة بعير فَلَحقُوا بِخَيْبَر وحزن المُنَافِقُونَ عَلَيْهِم حزنا شَدِيدا وَقبض
الْأَمْوَال وَوجد من الْحلقَة خمسين درعاً وَخمسين بَيْضَة وثلاثمائة وَأَرْبَعين سَيْفا وَكَانَت بَنو النَّضِير