المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(المقصد الثالث في ذكر الخلفاء الأربعة وذكر خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٢

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْبَاب السَّادِس من الْمَقْصد الثَّانِي فِي ذكر موَالِيه وخدامه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك)

- ‌(الْبَاب السَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(حوادث السّنة الأولى من الْهِجْرَة)

- ‌(حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ)

- ‌(أَمر بني قينقاع

- ‌(حوادث السّنة الثَّالِثَة)

- ‌(وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد)

- ‌(حوادث السّنة الرَّابِعَة)

- ‌(غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْخَامِسَة)

- ‌(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)

- ‌(حوادث السّنة السَّابِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الثَّامِنَة)

- ‌(حوادث السّنة التَّاسِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الْعَاشِرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة)

- ‌(فصل فِي صِفَاته الحسية

- ‌(فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه

- ‌(فصل فِي خَصَائِصه

- ‌(فصل فِي معجزاته

- ‌(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)

- ‌(أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رضي الله عنه

- ‌(نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رضي الله عنه

- ‌(ذكر نسبه رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌(ذكر وَفَاته شَهِيدا رضي الله عنه

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رضي الله عنه

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

الفصل: ‌(المقصد الثالث في ذكر الخلفاء الأربعة وذكر خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه)

(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

قَالَ ابْن إِسْحَاق ابتدىء رَسُول الله

بشكواه الَّتِي قَبضه الله تَعَالَى فِيهَا إِلَى مَا أَرَادَ بِهِ من كرامته وَرَحمته فِي لَيَال بَقينَ من صفر أَو فِي أول شهر ربيع الأول فَكَانَ أول مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُول الله

من ذَلِك فِيمَا ذكر لي أَنه خرج إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد من جَوف اللَّيْل فَاسْتَغْفر لَهُم ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَلَمَّا أصبح ابتدىء بوجعه من يَوْمه ذَلِك قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني عبد الله بن عمر عَن عبيد الله بن جُبَير مولى الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن أبي مويهبة مولى رَسُول الله

قَالَ بعث إِلَيّ رَسُول الله

من جَوف اللَّيْل فَقَالَ يَا أَبَا مويهبة إِنِّي قد أمرت أَن أسْتَغْفر لأهل البقيع فَانْطَلق معي فَانْطَلَقت مَعَه فَلَمَّا وقف بَين أظهرهم قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْمَقَابِر لِيهن لكم مَا أَصْبَحْتُم فِيهِ مِمَّا أصبح النَّاس فِيهِ أَقبلت الْفِتَن كَقطع اللَّيْل المظلم تتبع أخراها أولاها الْآخِرَة شَرّ من الأولى ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ يَا أَبَا مويهة إِنِّي قد أُوتيت مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة فخيرت بَين ذَلِك وَبَين لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة قَالَ أَبُو مويهة فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي فَخذ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة قَالَ لَا وَالله يَا أَبَا مويهبة لقد اخْتَرْت لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ثمَّ اسْتغْفر لأهل البقيع وَانْصَرف فَبَدَأَ بِهِ فِي صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم وَجَعه الَّذِي قَبضه الله فِيهِ وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت لما رَجَعَ عليه الصلاة والسلام من البقيع وجدني وَأَنا أجد صداعَاً فِي رَأْسِي وَأَنا أَقُول وارأساه فَقَالَ بل أَنا وَالله

ص: 324

وارأساه يَا عَائِشَة ثمَّ قَالَ لي وَمَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك وكفنتك وَصليت عَلَيْك ودفنتك قَالَت فَقلت وَالله لكَأَنِّي بك لَو قد فعلتَ ذَلِك لقد رجعتَ إِلَى بَيْتِي فأعرست فِيهِ بِبَعْض نِسَائِك قَالَت فَتَبَسَّمَ رَسُول الله

وتتام بِهِ وَجَعه وَهُوَ يَدُور على نِسَائِهِ حَتَّى استعزَّ بِهِ مَرضه يَعْنِي اشْتَدَّ وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة فَدَعَا نِسَاءَهُ فاستأذنهن فِي أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ فَخرج عليه الصلاة والسلام بَين رجلَيْنِ من أَهله أَحدهمَا الْفضل بن الْعَبَّاس وَرجل آخر هُوَ عَليّ بن أبي طَالب عاصباً رَأسه تخط قدماه حَتَّى دخل بَيْتِي وَلما غمره الوجع قَالَ أريقوا عليّ من سبع قرب من آبار شَتَّى حَتَّى أخرج إِلَى النَّاس فأعهد إِلَيْهِم قَالَت فأقعدناه فِي مخضب لحفصة بنت عمر فصببنا عَلَيْهِ المَاء حَتَّى طفق يَقُول حسبكم حسبكم وَقَالَ الزُّهْرِيّ حَدثنِي أَيُّوب بن بشر أَنه عليه الصلاة والسلام خرج عاصباً رَأسه حَتَّى جلس على الْمِنْبَر ثمَّ كَانَ أول مَا تكلم بِهِ أَن صلى على أَصْحَاب أحد واستغفر لَهُم وَأكْثر الصَّلَاة عَلَيْهِم وَقَالَ إِن عبدا خَيره الله بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده فَاخْتَارَ مَا عِنْد الله قَالَ ففهمها أَبُو بكر رضي الله عنه وَعرف أَنه يُرِيد نَفسه فَبكى وَقَالَ بل نَحن نفديك بِأَنْفُسِنَا وأبنائنا فَقَالَ على رسلك يَا أَبَا بكر ثمَّ قَالَ انْظُرُوا هَذِه الْأَبْوَاب اللافظة فِي الْمَسْجِد فسدوها إِلَّا بَاب أبي بكر ثمَّ استبطأ النَّاس فِي بعث أُسَامَة فَقَالَ أَيهَا النَّاس أنفذوا بعث أُسَامَة

ص: 325

بن زيد فلعمري إِن قُلْتُمْ فِي إمارته لقد قُلْتُمْ فِي إِمَارَة أَبِيه من قبله وَكَانَ قد سمع قَول النَّاس فِي إِمَارَة أُسَامَة أمَّر غُلَاما حَدثا على جلة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَإنَّهُ لخليق بالإمارة وَإِن كَانَ أَبوهُ لخليقاً بهَا ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر وانكمش النَّاس فِي جهازهم واستُعزَّ أَي اشْتَدَّ برَسُول الله

وَجَعه فَخرج أُسَامَة وَخرج جَيْشه مَعَه حَتَّى نزلُوا الجرف من الْمَدِينَة على فَرسَخ فَضرب بِهِ عسكره وتتام النَّاس وَثقل رَسُول الله

فَأَقَامَ أُسَامَة وَالنَّاس ينتظرون مَا الله قَاض فِي رَسُوله ثمَّ اجْتمع إِلَى رَسُول الله

من نِسَائِهِ أم سَلمَة ومَيْمُونَة وَنسَاء من نسَاء الْمُسلمين مِنْهُنَّ أَسمَاء بنت عُمَيْس وَعِنْده الْعَبَّاس عَمه فَأَجْمعُوا أَن يلدُّوه واللد رفع اللِّسَان وَإِدْخَال المسعط فِي الْحلق من وسط الْفَم فَإِن كَانَ من أحد الشقين فَهُوَ الْإِيجَار وَأما اللدود فَهُوَ الدَّوَاء نَفسه فَلَمَّا أَفَاق عليه الصلاة والسلام قَالَ من وضع هَذَا بِي قَالُوا يَا رَسُول الله عمك قَالَ هَذَا دَوَاء أَتَى بِهِ نسَاء جئن من نَحْو هَذِه الأَرْض وَأَشَارَ نَحْو أَرض الْحَبَشَة قَالَ وَلم فَعلْتُمْ ذَلِك قَالَ عَمه خشينا يَا رَسُول الله أَن يكون بك دَاء الْجنب فَقَالَ عليه الصلاة والسلام إِن ذَلِك لداء مَا كَانَ الله ليقذفني بِهِ أَو ليعذبني وَفِي رِوَايَة إِنَّهَا لم تسلط عَليّ لَا يبْقى أحد فِي الْبَيْت إِلَّا لد إِلَّا عَمي فَلَقَد لدت مَيْمُونَة وَإِنَّهَا لصائمة لقسم رَسُول الله

عُقُوبَة لَهُم بِمَا صَنَعُوا وَلما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ الَّذِي قبض فِيهِ رَسُول الله

خرج عاصباً رَأسه إِلَى الصُّبْح وَأَبُو بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا خرج تفرج النَّاس فَعرف أَبُو بكر أَنه رَسُول الله

فنكص عَن مُصَلَّاهُ فَدفع عليه الصلاة والسلام فِي ظهر أبي بكر وَقَالَ صل بِالنَّاسِ وَجلسَ رَسُول الله

إِلَى جنبه فصلى قَاعِدا عَن يَمِين أبي بكر

ص: 326

فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة أقبل على النَّاس فَكَلَّمَهُمْ رَافعا صَوته حَتَّى خرج صَوته من بَاب الْمَسْجِد يَقُول أَيهَا النَّاس سعرت النَّار وَأَقْبَلت الْفِتَن كالليل المظلم إِنِّي وَالله مَا تمسكون عَليّ بِشَيْء وَإِنِّي لم أحل إِلَّا مَا أحل الْقُرْآن وَلم أحرم إِلَّا مَا حرم الْقُرْآن فَلَمَّا فرغ رَسُول الله

من كَلَامه قَالَ لَهُ أَبُو بكر يَا رَسُول الله إِنِّي أَرَاك قد أَصبَحت بِنِعْمَة من الله وَفضل كَمَا تحب وَالْيَوْم يَوْم بنت خَارِجَة يَعْنِي زَوجته أفآتيها قَالَ نعم ثمَّ دخل رَسُول الله

وَخرج أَبُو بكر إِلَى أَهله بالسنح بِالسِّين الْمُهْملَة المضمومة والحاء الْمُهْملَة آخر الْحُرُوف اسْم مَكَان بِالْعَالِيَةِ قَالَ وَخرج عَليّ بن أبي طَالب يَوْمئِذٍ على النَّاس من عِنْد رَسُول الله

فَقَالَ لَهُ النَّاس يَا أَبَا الْحسن كَيفَ رَسُول الله

فَقَالَ أصبح بِحَمْد اله بارئاً قَالَ فَأخذ الْعَبَّاس بيد عَليّ ثمَّ قَالَ لَهُ أَنْت وَالله عبد الْعَصَا بعد ثَلَاث أَحْلف بِاللَّه لقد رَأَيْت الْمَوْت فِي وَجه رَسُول الله

كَمَا كنت أعرفهُ فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب فَانْطَلق بِنَا إِلَى رَسُول الله

فَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِينَا عَرفْنَاهُ وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا النَّاس فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنِّي وَالله لَا أفعل ذَلِك وَالله لَئِن منعناها لَا يؤتيناها أحد بعده فَتوفي رَسُول الله

حِين اشْتَدَّ الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم وروى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة قَالَ قَالَت عَائِشَة لما رَجَعَ عليه الصلاة والسلام ذَلِك الْيَوْم من الْمَسْجِد دخل إليَّ فاضطجع فِي حجري فَدخل عَليّ رجل من آل أبي بكر وَفِي يَده سواك أَخْضَر فَنظر رَسُول الله

إِلَيْهِ نظرا عرفت أَنه يُريدهُ فَقلت أَتُحِبُّ أَن أُعْطِيك هَذَا السِّوَاك قَالَ نعم قَالَت فَأَخَذته فمضغته حَتَّى لينته ثمَّ أَعْطيته إِيَّاه فاستن كأشد مَا رَأَيْته اسْتنَّ بسواك قطّ ثمَّ وَضعه وَوَجَدته عليه الصلاة والسلام يثقل فِي حجري فَذَهَبت أنظر

ص: 327

فِي وَجهه فَإِذا بَصَره قد شخص وَهُوَ يَقُول بل الرفيق الْأَعْلَى من الْجنَّة قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت عَائِشَة رضي الله عنها تَقول مَاتَ رَسُول الله

بَين سحرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي لم أظلم فِيهِ أحدَاً فَمن سفهي وحداثة سني أَن رَسُول الله

قبض وَهُوَ فِي حجري ثمَّ وضعت رَأسه على وسَادَة ثمَّ قُمْت مَعَ النِّسَاء ألتدم وأضرب وَجْهي وَعَن سَالم بن عبيد الْأَشْجَعِيّ قَالَ لما مَاتَ رَسُول الله

صَار عُثْمَان يضْرب على وَجهه كالنساء وأقعد عَليّ رضي الله عنهما وَأخذ عمر رضي الله عنه بقائم سَيْفه وَقَالَ لَا أسمع أحدا يَقُول مَاتَ رَسُول الله

إِلَّا ضربت عُنُقه بسيفي وَيَقُول إِنَّمَا أرسل إِلَيْهِ كَمَا أرسل إِلَى مُوسَى عليه الصلاة والسلام فَلبث عَن قومه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَالله إِنِّي لأرجو أَن يقطع أَيدي رجال وأرجلهم فَقَالَ النَّاس يَا سَالم اطلب صَاحب رَسُول الله

قَالَ فَخرجت من الْمَسْجِد فَإِذا بِأبي بكر فَلَمَّا رَأَيْته أجهشت بالبكاء فَقَالَ مَالك يَا سَالم أمات رَسُول الله

فَقلت إِن هَذَا عمر بن الْخطاب يَقُول لَا أسمع أحدا يَقُول مَاتَ رَسُول الله

إِلَّا ضربت عُنُقه بسيفي هَذَا فَأقبل أَبُو بكر حَتَّى دخل فَلَمَّا رَآهُ النَّاس سعوا إِلَيْهِ فَدخل على النَّبِي

وَهُوَ مسجى بِبُرْدَةٍ فَرفع الْبردَة عَن وَجهه وَوضع فَاه على فِيهِ فَقبله فاستنشأ الرّيح ثمَّ سجاه ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ إِن كَانَ مُحَمَّد إِلَهكُم الَّذِي تعبدونه فَإِن إِلَهكُم قد مَاتَ وَإِن كَانَ إِلَهكُم الَّذِي فِي السَّمَاء فَإِن إِلَهكُم حَيّ لَا يَمُوت ثمَّ تَلا {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَد خلت مِن قَبْلِهِ الرسُل} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} قَالَ الزُّهْرِيّ فَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب قَالَ وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن تَلَاهَا أَبُو بكر حَتَّى عقرت وَأَنا قَائِم وخررت إِلَى الأَرْض وَأثبت حِينَئِذٍ أَن رَسُول الله

قد مَاتَ قَالَ فوَاللَّه لكأن النَّاس لم يعلمُوا أَن هَذِه الْآيَة نزلت حَتَّى

ص: 328

تَلَاهَا أَبُو بكر رضي الله عنه يَوْمئِذٍ فَأَخذهَا النَّاس عَن أبي بكر فَإِنَّمَا هِيَ فِي أَفْوَاههم وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن عمر حَدثهُ قَالَ أقبل أَبُو بكر من السنح منزله بِالْعَالِيَةِ حِين بلغه الْخَبَر إِلَى بَيت عَائِشَة رضي الله عنها فَأَذنت لَهُ فَدخل فكشف عَن وَجه رَسُول الله

فَجعل يقبله ويبكي وَيَقُول توفّي والذى نَفسِي بِيَدِهِ صلوَات الله عَلَيْك يَا رَسُول اله مَا أطيبك حَيا وَمَيتًا وَفِي رِوَايَة عَن عَائِشَة فَوضع فَاه بَين عَيْنَيْهِ وَوضع يَدَيْهِ على صدغيه وَقَالَ وانبياه واخليلاه واصفياه أخرجه ابْن عَرَفَة الْعَبْدي ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ عمر يكلم النَّاس وَيَقُول وَهُوَ شاهر سَيْفه من قَالَ إِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ

إِلَى آخِره فَقَالَ لَهُ على رسلك يَا عمر أنصت فَأبى عمر إِلَّا أَن يتَكَلَّم فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر لَا ينصت جَاءَ إِلَى الْمِنْبَر فَقَامَ عَلَيْهِ ونادى أَيهَا النَّاس اجلسوا وأنصتوا فجلسوا وأنصتوا فَتشهد شَهَادَة الْحق ثمَّ قَالَ إِن الله تَعَالَى نعى إِلَيْكُم نَبِيكُم وَهُوَ حَيّ بَين أظْهركُم ونعى لكم أَنفسكُم وَهُوَ الْمَوْت حَتَّى لَا يبقي أحدا أَلا إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَد خلت مِن قبلِهِ الرسُل} إِلَى قَوْله {الشاكرِين} آل عمرَان 144 وَقَالَ {إِنك مَيتُ وَإِنَّهُم ميتُونَ} الزمر 30 وَقَالَ {كل نَفسٍ ذائقَةُ الْمَوْت} آل عمرَان 185 وَقَالَ {وَلَا تَدعُ مَعَ الله إِلهاً آخَرَ لَا إلَهَ إِلَّا هُو كل شَيءٍ هَالِك إِلَّا وَجهَهُ} الْقَصَص 88 وَقَالَ {كُلُ مَنْ عَلَيْهَا فَانِ وَيبقى وَجهُ رَبِك ذوُ الجَلَالِ وَالإكرامِ} الرَّحْمَن 26، 27 ثمَّ قَالَ إِن الله عز وجل عمّر مُحَمَّدًا وأبقاه حَتَّى أَقَامَ دين الله وَأظْهر أَمر الله وَبلغ رِسَالَة الله وجاهد أَعدَاء الله حَتَّى توفاه الله على ذَلِك وترككم على الطَّرِيقَة فَلَا يهْلك هَالك إِلَّا بعد التنبه والشفاء والنور فَمن كَانَ الله ربه فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت فليعبده وَمن كَانَ يعبد مُحَمَّدًا أَو يرَاهُ إلهَاً فقد هلك إلهه فَأَقْبَلُوا أَيهَا النَّاس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكُم فَإِن دين الله قَائِم وكلمته بَاقِيَة وَإِن الله نَاصِر دينه ومعز أَهله وَإِن كتاب الله بَين أظْهركُم وَهُوَ النُّور والشفاء وَبِه هدى الله مُحَمَّدًا

وَفِيه حَلَال الله وَحَرَامه

ص: 329

وَلَا وَالله مَا نبالي من أجلب علينا من خلق الله إِن سُيُوفنَا مسلولة مَا وضعناها بعد ونجاهد من خَالَفنَا كَمَا جاهدنا مَعَ رَسُول الله

فَلَا يبْقين أحد إِلَّا على نَفسه قَالَ ابْن إِسْحَاق لما قبض عليه الصلاة والسلام انحاز هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار بأجمعهم إِلَى سَقِيفَة بني سَاعِدَة منزل سعد بن عبَادَة وَاعْتَزل عَليّ بن أبي طَالب وَبَنُو هَاشم وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة بن عبيد الله وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وعمار بن يَاسر والمقداد بن عَمْرو والبهراني وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَجَمَاعَة آخَرُونَ فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله

وانحاز الْمُهَاجِرُونَ مَا عدا أُولَئِكَ إِلَى أبي بكر الصّديق وانحاز مَعَهم أسيد بن حضير فِي بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار فانحازت إِلَى أبي بكر وَعمر فَقَالَ إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار مَعَ سعد بن عبَادَة قد انحازوا إِلَيْهِ فَإِن كَانَ لكم بِأَمْر النَّاس حَاجَة فأدركوا النَّاس قبل أَن يَتَفَاقَم الْأَمر وَرَسُول الله

فِي بَيته لم يفرغ عَن أمره وَقد أغلق دونه الْبَاب أَهله قَالَ عمر فَقلت لأبي بكر انْطلق بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا حَتَّى نَنْظُر مَا هم عَلَيْهِ فَانْطَلَقْنَا نؤمهم حَتَّى لقيَنا رجلَانِ صالحان فذكرا لنا الَّذِي صنع الْقَوْم وَقَالا أَيْن تُرِيدُونَ يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت نُرِيد إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار فَقَالَا لَا عَلَيْكُم أَن تقربوهم واقضوا أَمركُم يَا معشر الْمُهَاجِرين فَقلت وَالله لنأتينهم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى جئناهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة فَإِذا هم مجتمعون وَإِذا بَين ظهرانيهم رجل مزمل فَقلت مَا هَذَا قَالُوا سعد بن عبَادَة فَقلت مَا لَهُ قَالُوا وجع فَلَمَّا جلسنا قَامَ خطيبهم فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله وَقَالَ أما بعد فَنحْن أنصار الله وكتيبة الْإِسْلَام وَأَنْتُم يَا معشر الْمُهَاجِرين رَهْط منا وَقد دفت دافة مِنْكُم أَي دبّ قوم مِنْكُم بالاستعلاء والترفع علينا تُرِيدُونَ أَن تختزلونا من أصلنَا وتحضنونا من الْأَمر أَي تنحونا عَنهُ وتستبدوا بِهِ دُوننَا فَلَمَّا سكت أردْت أَن أَتكَلّم وَقد كنت زوّرت مقَالَة أعجبتني أردْت أَن أقولها بَين يَدي أبي بكر فَقَالَ لي أَبُو بكر على رسلك فَكرِهت أَن أعصيه وَكَانَ أعلم مني ثمَّ تكلم فوَاللَّه مَا ترك من كلمة أعجبتني فِي تزويري إِلَّا قَالَهَا فِي بديهته وَأفضل

ص: 330

قَالَ أما بعد فَمَا ذكرْتُمْ من خير فَإِنَّكُم أَهله وَلم تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب نسبا وداراً وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن أَيهمَا شِئْتُم وَأخذ بيَدي وَيَد أبي عُبَيْدَة فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا وَكَانَ وَالله أَن أقدَّم فَتضْرب عنقِي لَا يقربنِي ذَلِك من إِثْم أحبَّ إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر من الْأَنْصَار أَنا جُذيلها المحكَك وعُذَيقها المرجب وَقَامَ يحجل بِهَذِهِ الْكَلِمَة منا أَمِير ومنكم أَمِير يَا معشر قُرَيْش وَقَامَ رجل آخر مِنْهُم فَقَالَ إِن رَسُول الله

كَانَ إِذا اسْتعْمل الرجل مِنْكُم يقرن مَعَه رجلا منا فنرى أَن يَلِي هَذَا الْأَمر رجلَانِ مِنْكُم وَمنا وَتَتَابَعَتْ خطباؤهم على ذَلِك وَكثر اللَّغط وَارْتَفَعت الْأَصْوَات حَتَّى خشيت الِاخْتِلَاف فَقَامَ زيد بن ثَابت فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار تعلمُونَ أَن رَسُول الله

كَانَ من الْمُهَاجِرين وخليفته من الْمُهَاجِرين وَنحن كُنَّا أنصار الله فنكون أنصار خَلِيفَته ثمَّ أَخذ بيد أبي بكر فَقَالَ هَذَا صَاحبكُم فَبَايعهُ عمر ثمَّ بَايعه الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فَقَالَ قَائِل قتلتم سَعْدا فَقَالَ عمر قتل الله سَعْدا قَالَ عَطاء بن السَّائِب لما اسْتخْلف أَبُو بكر أصبح وعَلى رقبته أَثوَاب يتجر فِيهَا فَلَقِيَهُ عمر وَأَبُو عُبَيْدَة فَكَلمَاهُ فَقَالَ من أَيْن أطْعم عيالي قَالَا انْطلق حَتَّى نفرض لَك قَالَ ففرضوا لَهُ كل يَوْم شطر شَاة وماكسوه فِي الرَّأْس والبطن قَالَ فِي الرياض قَالَ ابْن قُتَيْبَة بُويِعَ أَبُو بكر الصّديق بالخلافة يَوْم قبض عليه الصلاة والسلام فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وبويع بيعَة الْعَامَّة على الْمِنْبَر فِي الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء قَالَ أَبُو عمر وتخلف عَن بيعَته سعد بن عبَادَة وَطَائِفَة من قومه الْخَزْرَج وَطَائِفَة من قُرَيْش ثمَّ بَايعُوهُ بعد غير سعد بن عبَادَة فَإِنَّهُ لم يبايعه وَلم يُبَايع بعده عمر إِلَى أَن مَاتَ بحوران فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنْهُمَا

ص: 331

قَالَ ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ وَغَضب رجال من الْمُهَاجِرين فِي بيعَة أبي بكر مِنْهُم عَليّ وَالزُّبَيْر فدخلا فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله

ومعهما السِّلَاح فجَاء عمر بن الْخطاب فِي عِصَابَة من الْمُسلمين مِنْهُم أسيد بن حضير وَسَلَمَة بن وقش وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي وَمُحَمّد بن مَسْلمة وَيُقَال كَانَ فيهم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فكلموهما فَأخذ أحدهم سيف الزبير فَضرب بِهِ الْحجر حَتَّى كَسره والضارب بِسيف الزبير هُوَ مُحَمَّد بن سَلمَة أخرجه مُوسَى بن عقبَة قَالَ فِي الرياض وَهُوَ مَحْمُول على تَقْدِير صِحَّته على تسكين نَار الْفِتْنَة وإغماد سيفها لَا على قصد إهانة الزبير قلت بل التحريك فِي هَذَا التسكين تخلف عَن بيعَة أبي بكر يَوْمئِذٍ سعد بن عبَادَة وَطَائِفَة من الْخَزْرَج وعَلى بن أبي طَالب وابناه وَالزُّبَيْر وَالْعَبَّاس عَم رَسُول الله

وَبَنوهُ من بني هَاشم وَطَلْحَة وسلمان وعمار وَأَبُو ذَر والمقداد وَغَيرهم وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ثمَّ إِنَّهُم بَايعُوا كلهم فَمنهمْ من أسْرع بيعَته وَمِنْهُم من تَأَخّر حينا إِلَّا مَا روى عَن سعد بن عبَادَة فَإِنَّهُ لم يُبَايع أَبَا بكر وَلَا عمر إِلَى أَن مَاتَ كَمَا تقدم آنِفا وَقَالَ ابْن سعد أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عمر حَدثنِي مُحَمَّد بن صَالح عَن الزبير بن الْمُنْذر بن أبي أسيد السَّاعِدِيّ أَن أَبَا بكر بعث إِلَى سعد بن عبَادَة أَن أقبل فَبَايع فقد بَايع النَّاس فَقَالَ لَا وَالله لَا أبايع حَتَّى أراميكم بِمَا فِي كِنَانَتِي وأقاتلكم بِمن معي قَالَ فَقَالَ بشير بن سعد يَا خَليفَة رَسُول الله إِنَّه أبي ولجّ وَلَيْسَ بمبايعكم أَو يقتل وَلنْ يقتل حَتَّى يقتل مَعَه وَلَده وعشيرته وَلنْ يقتلُوا حَتَّى تقتل الْخَزْرَج فَلَا تحركوه فقد استقام لكم الْأَمر وَلَيْسَ بضاركم وَإِنَّمَا هُوَ رجل وَاحِد مَا تُرك فَقبل أَبُو بكر نصيحة بشير قَالَ فَلَمَّا ولي عمر لقِيه ذَات يَوْم فَقَالَ إيه يَا سعد فَقَالَ إيه يَا عمر فَقَالَ عمر أَنْت صَاحب مَا أَنْت صَاحبه قَالَ نعم وَقد أفضي إِلَيْك هَذَا الْأَمر وَقد كَانَ وَالله صَاحبك أحب إِلَيْنَا مِنْك وَقد وَالله أَصبَحت كَارِهًا لجوارك فَقَالَ عمر إِنَّه من كره جوَار جَاره تحوّل عَنهُ قَالَ أما إِنِّي غير مستسر بذلك وَأَنا متحول إِلَى

ص: 332

جوَار من هُوَ خير مِنْك فَلم يلبث أَن خرج مُهَاجرا إِلَى الشَّام فَمَاتَ بحوران لِسنتَيْنِ وَنصف من خلَافَة عمر سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة وَقَالَ مُحَمَّد بن عمر حَدثنَا يحيى بن عبد الْعَزِيز بن سعد بن عبَادَة عَن أَبِيه قَالَ مَا علم بِمَوْت سعد حَتَّى سمع بِالْمَدِينَةِ غلْمَان فِي بِئْر ممية أَو بِئْر سكنهم يقتحمون نصف النَّهَار قَائِلا من الْبِئْر // (من الهزج) //

(قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَرْزَجِ

سَعْدَ بْنَ عُبَادَهُ)

(رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ

فَلَمْ نُخْطِىءْ فُؤَادَهْ)

فذعر الغلمان فحفظ ذَلِك الْيَوْم فوجدوه الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَإِنَّمَا جلس يَبُول فِي ثقب فَقتل سَاعَته ووجدوه قد اخضر جلده رضي الله عنه قَالَ وَكَانَ سعد لَا يُصَلِّي بصلاتهم وَلَا يَصُوم بصومهم وَإِذا حج لم يفض بإفاضتهم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين لما بُويِعَ أَبُو بكر وتخلف عَليّ كرم الله وَجهه عَن مبايعته وَجلسَ فِي بَيته بعث إِلَيْهِ أَبُو بكر مَا أَبْطَأَ بك عني أكرهت إمارتي قَالَ عَليّ مَا كرهت إمارتك ولكنى آلَيْت أَلا أرتدي بردائي إِلَى الصَّلَاة حَتَّى أجمع الْقُرْآن قَالَ ابْن سِيرِين فبلغني أَنه كتبه عَليّ على تَنْزِيله وَلَو أُصِيب ذَلِك الْكتاب لوجد فِيهِ علم كثير وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن عليا مكث سِتَّة أشهر حَتَّى توفيت فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ثمَّ بَايع أَبَا بكر وَلم يُبَايع أحد من بني هَاشم حَتَّى بَايع عَليّ رضي الله عنه وكرم وَجهه وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة أَن فَاطِمَة أرْسلت إِلَى أبي بكر تسأله مِيرَاثهَا من رَسُول الله

قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة إِن فَاطِمَة سَأَلت أَبَا بكر بعد وَفَاة رَسُول الله

أَن يقسم لَهَا مِيرَاثهَا مِمَّا ترك رَسُول الله

مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْهِ من الْمَدِينَة وفَدك وسهمه من خَيْبَر فَقَالَ لَهَا إِن رَسُول الله

ص: 333

قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَغضِبت وهجرت أَبَا بكر فَلم تكَلمه حَتَّى توفيت ودفنها عَليّ لَيْلًا وَلم يؤْذِن بهَا أَبَا بكر وَأرْسل أَزوَاج

إِلَى أبي بكر يسألنه ميراثهن مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله حَتَّى كنت أَنا رددتهن فَقلت لَهُنَّ أَلا تتقين الله ألم تسمعن من رَسُول الله

يَقُول لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال كفافاً وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ أَن رَسُول الله

قَالَ لَا يقتسم ورثتي دِينَارا وَلَا درهما مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عيالي فَهُوَ صَدَقَة وَعَن أبي صَالح مولى أم هانىء أَن فَاطِمَة دخلت على أبي بكر فَقَالَت يَا أَبَا بكر أَرَأَيْت لَو مت الْيَوْم من كَانَ يرثك قَالَ أَهلِي وَوَلَدي فَقَالَت مَالك تَرث رَسُول الله

دون أَهله وَولده قَالَ مَا فعلت يَا بنة رَسُول الله قَالَت بلَى قد عَمَدت إِلَى فدك وَقد كَانَت صَافِيَة لرَسُول الله فَأخذت وعمدت إِلَى مَا أنزل الله من السَّمَاء فَرَفَعته منا فَقَالَ لم أفعل حَدثنِي رَسُول الله

أَن الله يطعم النَّبِي الطعمة مَا كَانَ حَيا فَإِذا قبض رَفعهَا قَالَت أَنْت وَرَسُول الله أعلم مَا أَنا بسائلتك بعد مجلسي هَذَا وَعَن أبي الطُّفَيْل لما قبض النَّبِي

أرْسلت فَاطِمَة إِلَى أبي بكر أَنْت ورثتَ رَسُول الله

أم أَهله قَالَ لَا بل أَهله قَالَت فَأَيْنَ سَهْمه قَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله

يَقُول إِن الله إِذا أطْعم نَبيا طعمة ثمَّ قَبضه جعلهَا للَّذي يقوم من بعده فَرَأَيْت أَن أرده على الْمُسلمين قَالَت أَنْت وَمَا سَمِعت من رَسُول الله أعلم رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَعَن أنس رضي الله عنه أَن فَاطِمَة أَتَت أَبَا بكر فَقَالَت قد علمنَا الَّذِي

ص: 334

خلقنَا عَنهُ من الصَّدقَات أهل الْبَيْت ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ {وَاعلَمُوا أنْما غَنِمتُم مِّن شَيء فَإنَ لِلهِ خُمسَهُ وَللرسُولِ} الانفال 41 إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ لَهَا بِأبي وَأمي أَنْت ووالدك وعَلى السّمع وَالْبَصَر كتاب الله وَحقّ رَسُول الله وَحقّ قرَابَته أَنا أَقرَأ من كتاب الله مثل الَّذِي تقرئين وَلَا يبلغ علمي فِيهِ أَن لذِي قرَابَة رَسُول الله

هَذَا السهْم كُله من الْخمس يجْرِي بجملته عَلَيْهِم قَالَت أَفَلَك هُوَ ولقرابتك قَالَ لَا وَأَنت عِنْدِي أمينة مصدقة فَإِن كَانَ رَسُول الله

عهد إِلَيْك فِي ذَلِك عهدا أَو وَعدك موعداً أوجبه لكم حَقًا صدقتك وسلمته إِلَيْك قَالَت لَا إِلَّا أَن رَسُول الله

حِين أنزل عَلَيْهِ ذَلِك قَالَ أَبْشِرُوا آل مُحَمَّد فقد جَاءَكُم الْغنى قَالَ أَبُو بكر صدقت فلك الْغنى وَلم يبلغ علمي فِيهِ وَلَا لهَذِهِ الْآيَة سهم أَن يسلم هَذَا السهْم كُله كَامِلا وَلَكِن لكم الْغنى الَّذِي يغنيكم ويفضل عَنْكُم فانظري هَل يوافقك على ذَلِك أحد مِنْهُم فَانْصَرَفت إِلَى عمر فَذكرت لَهُ كَمَا ذكرت لأبي بكر فَقَالَ لَهَا مثل الَّذِي رَاجعهَا بِهِ أَبُو بكر فعجبت فظنت أَنَّهُمَا قد تذاكرا ذَلِك واجتمعا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَمْزَة العسكري عَن ابْن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ قَالَ لما مَرضت فَاطِمَة رضي الله عنها أَتَاهَا أَبُو بكر فَاسْتَأْذن فَقَالَ عَليّ يَا فَاطِمَة هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن عَلَيْك فَقَالَت أَتُحِبُّ أَن آذن لَهُ قَالَ نعم فَأَذنت لَهُ فَدخل عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا فَقَالَ وَالله مَا تركتُ الدَّار وَالْمَال والأهل وَالْعشيرَة إِلَّا ابْتِغَاء مرضاة الله وَرَسُوله ومرضاتكم أهل الْبَيْت ثمَّ ترضاها حَتَّى رضيت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي من سمع من ابْن عَبَّاس يَقُول كَانَ عمر عرض علينا أَن يُعْطِينَا من الْفَيْء مَا يرى أَنه لنا من الْحق فرغبنا عَن ذَلِك وَقُلْنَا لَهُ مَا سمى الله من حق ذِي الْقُرْبَى وَهُوَ خمس الْخمس فَقَالَ عمر لَيْسَ لكم مَا تدعون لكم حق إِنَّمَا جعل الله الْخمس لأصناف سماهم أسعدهم فِيهِ حظاً أَشَّدهم فاقة وَأَكْثَرهم

ص: 335

عيالاً قَالَ فَكَانَ عمر يُعْطي من قبل منا من الْخمس والفيء مَا يرى أَنه لنا فَأخذ منا نَاس وَترك نَاس وَذكر أَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان النضري قَالَ كنت عِنْد عمر رضي الله عنه فَأَتَاهُ حَاجِبه يرفأ فَقَالَ هَل لَك فِي عُثْمَان وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد يستأذنون قَالَ نعم فَدَخَلُوا وسلموا وجلسوا ثمَّ لبث يرفأ قَلِيلا ثمَّ قَالَ لعمر هَل لَك فِي عَليّ وَالْعَبَّاس قَالَ نعم فَلَمَّا دخلا سلما فَجَلَسَا فَقَالَ الْعَبَّاس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بيني وَبَين هَذَا الظَّالِم الْفَاجِر الغادر الخائن قلت الْعلم أَمَانَة وَلَوْلَا أَن هَذِه الْأَلْفَاظ مَذْكُورَة فِي فتح الْبَارِي وَغَيره لما ذكرتها رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وأرضاهما فاستبّا فَقَالَ عُثْمَان وَغَيره يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بَينهمَا وأرح أَحدهمَا من الآخر فَقَالَ أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان أَن رَسُول الله

قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قَالَا قد قَالَ ذَلِك قَالَ فَإِنِّي أحدثكُم عَن هَذَا الْأَمر إِن الله كَانَ قد خص رَسُوله فِي هَذَا الْفَيْء بِشَيْء لم يُعْطه غَيره فَقَالَ تَعَالَى {وَما أَفَاء اللهُ عَلى رَسُولِه مِنهم فَمَا أوجَفتُم عَلَيهَ مِن خَيلِ وَلا رِكابٍ وَلَكنَّ الله يَسُلطُ رُسُلَه عَلىَ مَن يَشَاء وَأللهُ عَلى كل شَيء قَدِير} الْحَشْر 6 فَكَانَت هَذِه خَالِصَة لرَسُول الله

وايمُ الله مَا اخْتَارَهَا دونكم وَلَا اسْتَأْثر بهَا عَلَيْكُم لقد أعطاكموها وبثها فِيكُم حَتَّى بَقِي مِنْهَا هَذَا المَال فَكَانَ رَسُول الله

ينْفق على أَهله نَفَقَة سنتهمْ من هَذَا المَال ثمَّ يَجْعَل مَا بقى مجعل مَال الله أنشدكما بِاللَّه هَل تعلمان ذَلِك قَالَا نعم قَالَ ثمَّ توفى الله نبيه فَقَالَ أَبُو بكر أَنا ولي رَسُول الله

وخليفته فقبضها وَعمل فِيهَا بِمَا عمل بِهِ رَسُول الله

وأنتما تزعمان أَن أَبَا بكر فِيهَا كَاذِب فَاجر غادر وَالله يعلم إِنَّه فِيهَا لصَادِق بار رَاشد ثمَّ توفاه الله فَقلت أَنا ولي رَسُول الله

وَولي أبي بكر فقبضتها سنتَيْن من إمارتي أعمل فِيهَا بِعَمَلِهِ وأنتما حِينَئِذٍ وَأَقْبل على عَليّ وَالْعَبَّاس تزعمان إِنِّي فِيهَا كَاذِب فَاجر غادر وَالله يعلم إِنِّي فِيهَا لصَادِق بار رَاشد تَابع للحق ثمَّ جئتماني وكلمتكما وَاحِدَة وأمركما جَمِيع فجئتني تَسْأَلنِي عَن نصيبك يَا عَبَّاس من ابْن أَخِيك وَجَاءَنِي هَذَا يُشِير إِلَى عَليّ يسألنى عَن نصيب امْرَأَته من أَبِيهَا

ص: 336

فَقلت لَكمَا إِن رَسُول الله

قَالَ لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة فَلَمَّا بدا لي أَن أدفعها إلَيْكُمَا قلت إِذا شِئْت دفعتها إلَيْكُمَا على أَن عَلَيْكُمَا عهد الله وميثاقه لتعملان فِيهَا بِمَا عمل فِيهَا رَسُول الله

وَبِمَا عمل فِيهَا أَبُو بكر وَإِلَّا فَلَا تكلماني فقلتما ادفعها إِلَيْنَا بذلك فدفعتها إلَيْكُمَا أنشدكما بِاللَّه هَل دفعتها إلَيْكُمَا بذلك قَالَا نعم قَالَ أفتلتمسان منى قَضَاء غير ذَلِك فوالذي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض لَا أَقْْضِي فِيهَا غير ذَلِك حَتَّى تقوم السَّاعَة فَإِن عجزتما عَنْهَا فادفعاها إِلَيّ أكفيكماها فانصرفا فَكَانَت هَذِه الصَّدَقَة بيد عَليّ غلب عَلَيْهَا الْعَبَّاس ثمَّ كَانَت بيد الْحُسَيْن ثمَّ بيد عَليّ بن الْحُسَيْن وَالْحسن المثني ابْن الْحسن السبط يتداولانها ثمَّ بيد زيد وَهِي صَدَقَة رَسُول الله

حَقًا قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لما توفّي رَسُول الله

اشرأب النِّفَاق وارتدت الْعَرَب وانحازت الْأَنْصَار وَاخْتلفُوا أَيْن يدْفن رَسُول الله

فَمَا وجد عِنْد أحد من ذَلِك علم فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه سَمِعت رَسُول الله

يَقُول مَا من نَبِي يقبض إِلَّا دفن تَحت مضجعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاثه فَمَا وجدوا عِنْد أحد علما من ذَلِك فَقَالَ أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله

يَقُول نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا أول اخْتِلَاف وَقع بَين الصَّحَابَة وَلما اشتهرت وَفَاته عليه الصلاة والسلام بالنواحي وارتدت طوائف من الْعَرَب وَمنعُوا الزَّكَاة نَهَضَ أَبُو بكر الصّديق إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ عمر فتر عَن قِتَالهمْ فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا أَو عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله

لقاتلتهم على منعهَا فَقَالَ عمر كَيفَ نقاتلهم وَقد قَالَ عليه الصلاة والسلام أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَمن قَالَهَا عصم مني مَاله وَدَمه إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابه على الله فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة فَإِن الزَّكَاة حق المَال وَقد قَالَ إِلَّا

ص: 337

بِحَقِّهَا قَالَ عمر فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر رضي الله عنه لِلْقِتَالِ فَعرفت أَنه الْحق وَذكر جمَاعَة من المؤرخين وَغَيرهم أَن رَسُول الله

كَانَ وَجه أُسَامَة بن زيد رضي الله عنهما فِي سَبْعمِائة رجل إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل بِذِي خشب قبض رَسُول الله

وارتدت الْعَرَب فاجتمعت الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَقَالُوا للصديق ردّ هَؤُلَاءِ يعْنى أُسَامَة وَأَصْحَابه فَقَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَو جرت الْكلاب بأرجل أَزوَاج النَّبِي

مَا رددت جَيْشًا جهزه رَسُول الله

وَلَا حللت لِوَاء عقده رَسُول الله

وَأمر أُسَامَة أَن يمْضِي لوجهه وَقَالَ أَبُو بكر أَرَأَيْت أَن تَأذن لعمر رضي الله عنه بالْمقَام عِنْدِي أستأنس بِهِ وأستعين بِرَأْيهِ فَقَالَ أُسَامَة رضي الله عنه قد فعلت وَسَار أُسَامَة فَجعل لَا يمر بقبيلة تُرِيدُ الارتداد إِلَّا قَالُوا لَوْلَا أَن لهَؤُلَاء قُوَّة مَا خرج مثل هَذَا الْجَيْش من عِنْدهم فَلَقوا الرّوم فقاتلوهم وهزموهم وَرَجَعُوا سَالِمين وَكَانَ لعَلي من النَّاس وَجه حَيَاة فَاطِمَة فَلَمَّا توفيت استنكر عَليّ وُجُوه النَّاس فالتمس مصالحة أبي بكر وَلم يكن بَايع تِلْكَ الْأَشْهر فَأرْسل ابْنه الْحسن إِلَى أبي بكر أَن ائتنا وَلَا يأتنا أحد مَعَك وَكره أَن يَأْتِيهِ عمر لما علم من شدته فَقَالَ عمر وَالله لَا تدخل عَلَيْهِم وَحدك فَقَالَ أَبُو بكر وَالله لآتينهم وحدي وَمَا عَسى أَن يصنعوا بى فَانْطَلق أَبُو بكر حَتَّى دخل على عَليّ وَقد جمع بني هَاشم عِنْده فَقَامَ عَليّ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنَّهُ لم يمنعنا أَن نُبَايِعك إِنْكَار لفضيلتك لَا نفاسة عَلَيْك بِخَير سَاقه الله إِلَيْك وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فاستبديتم بِهِ علينا ثمَّ ذكر قرَابَته مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَحقه فَلم يزل عَليّ يذكر ذَلِك حَتَّى بَكَى أَبُو بكر فَلَمَّا صمت على رضي الله عنه تشهد أَبُو بكر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فوَاللَّه لقرابة رَسُول الله

أحب إِلَيّ أَن أصلهم من قرابتى وَالله

ص: 338

مَا آلوكم فِي هَذِه الْأَحْوَال الَّتِي كَانَت بيني وَبَيْنكُم من الْخَيْر وَلَكِنِّي سَمِعت من رَسُول الله

يَقُول لَا نورث مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة وَإِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال

إِلَى آخر مَا تقدم وَفِي رِوَايَة أما بعد فوَاللَّه مَا فعلت ذَلِك إِلَّا أَنِّي خشيت الْفِتْنَة. . إِلَى آخر مَا تقدم من قَوْله لفاطمة فِي السَّابِق وَإِنِّي وَالله لَا أذكر صَنِيعه فِيهِ إِلَّا صَنعته إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ عَليّ موعدك العشية لِلْبيعَةِ فَلَمَّا صلى أَبُو بكر الظّهْر أقبل على النَّاس ثمَّ عذر عليا بِبَعْض مَا اعتذر بِهِ لَهُ ثمَّ قَامَ عَليّ فَعظم من حق أبي بكر فَذكر فضيلته وسابقته ثمَّ مضى إِلَى أبي بكر فَبَايعهُ وَأَقْبل النَّاس على عَليّ فَقَالُوا أصبت وأحسنت هَذَا حَدِيث صَحِيح مُتَّفق عَلَيْهِ قَالَ فِي الرياض قَوْله استبديتم أَو استبددتم أَي انفردتم بِهِ دُوننَا وَقَوله كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا المُرَاد بِالْأَمر الْخلَافَة وَيُؤَيِّدهُ أَن عليا بعث إِلَى أبي بكر ليبايعه فَقدم الْعذر فِي تخلفه أَولا فَقَالَ لم نمتنع نفاسة عَلَيْك وَلَا كَذَا وَلَا كَذَا وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فَعلم بِالضَّرُورَةِ أَن الْأَمر الْمشَار إِلَيْهِ بلام الْعَهْد هُوَ مَا تضمنه الْكَلَام الأول فَالْمُرَاد بِهِ حق فِي الْخلَافَة إِمَّا بِمَعْنى الأحقية أَي كُنَّا نظن أَنا أَحَق مِنْكُم بِهَذَا الْأَمر بقرابتنا من رَسُول الله

مُضَافا إِلَى مَا اجْتمع فِينَا من أَهْلِيَّة الْإِمَامَة مِمَّا ساوينا فِيهِ غَيرنَا وَإِمَّا بِمَعْنى إِنِّي أستحق استحقاقاً مُسَاوِيا لاستحقاقكم على تَقْدِير انضمام الْقَرَابَة إِلَيْهِ إِذْ الْقَرَابَة معنى تحصل بِهِ الراجحية وَإنَّهُ لَيْسَ بِأَحَق وَلَا يلْزم من تخلفه تِلْكَ الْمدَّة عدم صِحَة خلَافَة أبي بكر وَلَا من سُكُوته عَن الْإِنْكَار الْإِقْرَار على الْبَاطِل لأَنا نقُول إِن تخلفه لرُؤْيَته الأحقية لَهُ كَانَ أول وهلة وَغَابَ عَنهُ إِذْ ذَاك مَا كَانَ يُعلمهُ من حق أبي بكر وَفِيه من قَول رَسُول الله

مِمَّا سَيذكرُ فِي فضائله من الْأَرْبَعَة عشر الحَدِيث الدَّالَّة على خِلَافَته ظَاهرا بل وصريحاً إِن صحت زِيَادَة قَوْله فِي الحَدِيث وَهُوَ الْخَلِيفَة من بعدى فَلَمَّا اجْتمع الجم الْغَفِير على ولَايَة أبي بكر اتهمَ

ص: 339

نظره فِي حق نَفسه ثمَّ إِنَّه لم ير الْمُبَادرَة إِلَى إِظْهَاره والمطالبة بِمُقْتَضَاهُ حَتَّى بذل جهده فِي التنقير وَالنَّظَر وإمحاص الْفِكر فَإِن ذَلِك من الوقائع الْعَظِيمَة فِي الدّين وَفِيه تَفْرِيق كلمة من أجمع من الْمُسلمين فَلم يقنع فِيهِ بتبادر النّظر خشيَة استمالة الْهوى الْجبلي وَحب الرياسة الطبيعي وَلَا رأى الْمُوَافقَة لما اسْتَقر فِي ذهنه من رُؤْيَة أحقيته فِيمَا يسْتَحق بِهِ الْإِمَامَة وَتعين وجوب الْقيام بِالْأَمر عَلَيْهِ لكَونه أَحَق وَكَانَ ذَلِك فِي بَادِي النّظر قبل الإمعان فِيهِ فَتخلف عَن الْأَمريْنِ سالكاً فِي ذَلِك الطَّرِيق الْوَرع وَالِاحْتِيَاط فِيمَا عِنْده باذلاً جهده فِي الِاجْتِهَاد وَالنَّظَر تِلْكَ الْمدَّة مُجْتَهدا فَلَمَّا تبين لَهُ أحقية أبي بكر وفضيلته بتذكر مقتضيات الْأَفْضَلِيَّة وَوَافَقَ ذَلِك موت فَاطِمَة رضي الله عنها أرسل إِلَى أبي بكر وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ استبان أحقيته وَسِيَاق هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن تِلْكَ الرُّؤْيَة قد زَالَت وَلم يكن ذكره الْقَرَابَة إِقَامَة للحجة على أبي بكر فَإِنَّهُ يعْتَذر وَلَا تلِيق المحاجة بالمعتذر وَإِنَّمَا كَانَ إِظْهَارًا لمستند تخلفه وبياناً لمعتمد تمسكه لكيلاً يظنّ فِيهِ أَن تخلفه كَانَ لهوى مُتبع بِغَيْر هدى من الله تَعَالَى لَا عَن اجْتِهَاد وَنظر وَإِن لم يكن صَحِيحا إِذْ الْمُجْتَهد مَعْذُور وَإِن أَخطَأ وَلذَلِك كَانَ لَهُ أجر وَهَذَا التَّأْوِيل مِمَّا يجب اعْتِقَاده وَيَنْبَغِي الْمصير إِلَيْهِ وَمَا قَالَه بَعضهم من أَنه رضي الله عنه إِمَّا أَن يعْتَقد صِحَة خلَافَة أبي بكر مَعَ أحقيته فَيكون تخلفه عَن الْبيعَة ومفارقة الْجَمَاعَة وَنزع ربقة الطَّاعَة عُدُولًا عَن الْحق وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَهُوَ مبرأ عَن ذَلِك ومنزه عَنهُ أَو لَا يعْتَقد صِحَّتهَا فَيكون قد أقرّ على الْبَاطِل لِأَنَّهُ رضي الله عنه قد أقرّ الطير على مَكَانهَا وَلم يظْهر مِنْهُ نَكِير على فعلهم لَا بقول وَلَا بِفعل مَعَ قُوَّة إيمَانه وَشدَّة بأسه وَكثر ناصره وَكفى بفاطمة وَالْعَبَّاس عَمه وَبنى هَاشم بأجمعهم وَمن مَعَه من الصَّحَابَة ظهيراً ونصيراً مَعَ مَا أسس لَهُ عليه الصلاة والسلام من الْقَوَاعِد فِي العقائد وَأَن موالاته ومحبته من محبته وَالدُّعَاء لمن وَالَاهُ وعَلى من عَادَاهُ وَمَعَ ذَلِك كُله لم يظْهر مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ حَال مثله من إِنْكَار الْبَاطِل بِحَسب طاقته فَلَو كَانَ

ص: 340

بَاطِلا لزم تَقْرِيره الْبَاطِل وَاللَّازِم بَاطِل كَذَلِك فالملزوم كَذَلِك فقد تقدم الْجَواب عَنهُ آنِفا وَالْقَوْل الَّذِي تدعيه الروافض وَمن نحا نحوهم أَن سُكُوته كَانَ تقية بَاطِل غريق فِي الْبطلَان فَإِن مُقْتَضى ذَلِك إِمَّا ضعف فِي الدّين أَو فِي الْحَال فَالْأول بَاطِل إِجْمَاعًا وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لما قَررنَا آنِفا وَيُؤَيِّدهُ قَوْله عليه الصلاة والسلام فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْحسن الْبَصْرِيّ المتضمن نفي الْعَهْد إِلَيْهِ بالخلافة وَفِيه لَو كَانَ عِنْدِي عهد من النَّبِي

فِي ذَلِك مَا تركت أَخا بني تيم بن مرّة وَعمر بن الْخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيَدي وَلَو لم أجد إِلَّا بردتي هَذِه الحَدِيث وَهَذَا أدل دَلِيل على أَنه لم يسكت تقية إِذْ لَو علم بطلَان ذَلِك وَأَنه المتصف بهَا دونه لتعين عَلَيْهِ الْقيام وَكَانَ كالعهد إِلَيْهِ وَقد أخبر رضي الله عنه أَنه لَو تعين عَلَيْهِ بالعهد إِلَيْهِ لقَاتل وَلَقَد أحسن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم حَيْثُ قَالَ لبَعض الروافض لَو كَانَ الْأَمر كَمَا تَقولُونَ أَن النَّبِي

اخْتَار عليا لهَذَا الْأَمر وَالْقِيَام على النَّاس بعده كَانَ عَليّ أعظم النَّاس جرما وخطيئة إِذْ ترك أَمر رَسُول الله

أَن يقوم بِهِ ويُعذر إِلَى النَّاس فَقَالَ لَهُ الروافض ألم يقل عليه الصلاة والسلام من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ فَقَالَ الْحسن أما وَالله لَو يَعْنِي بهَا رَسُول الله

الْأَمر وَالسُّلْطَان لأفصح بِهِ كَمَا أفْصح بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج وَالصِّيَام ولقال أَيهَا النَّاس إِنَّه الْوَلِيّ بعدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا أخرجه ابْن السمان فِي الْمُوَافقَة فَإِن قيل أَلا يجوز أَن يكون المُرَاد بِالْأَمر فِي قَول عَليّ الْمِيرَاث وبالحق حق الْمِيرَاث فَيكون تَقْدِير الْكَلَام كُنَّا نظن أَن لنا قسما خَلفه رَسُول الله

حَقًا وَأَنَّك منعتنا إِيَّاه وأصررت على الْمَنْع فَلم تصح لذَلِك خلافتك فَلذَلِك تخلفنا عَن الْبيعَة وَيدل على هَذَا جَوَاب أبي بكر بِنَفْي الْمِيرَاث على الرِّوَايَة الأولى وَإِلَّا

ص: 341

لما كَانَ جَوَابا فَوَجَبَ الْمصير إِلَى هَذَا الْمَعْنى صونا لكَلَام هَذَا الفصيح عَن الزلل وَهُوَ من أفْصح الْعَرَب وأعرفهم بِمَا يَقُول قُلْنَا صُورَة الْحَال وَسِيَاق الْمقَال يَشْهَدَانِ بِخِلَافِهِ ويتبرآن مِنْهُ فَإِن اعتذار عَليّ رضي الله عنه إِنَّمَا كَانَ عَن تخلفه عَن الْبيعَة فَقَالَ لم يمنعنا أَن نُبَايِعك يَا أَبَا بكر إِنْكَار لفضيلتك وَلَا نفاسة لخير سَاقه الله إِلَيْك. . إِلَى آخِره وَلم يجر فِي حَدِيثه ذكر الْمِيرَاث والمبادر مِنْهُ إِلَى الْفَهم عِنْد سَماع هَذَا اللَّفْظ لَيْسَ إِلَّا الْخلَافَة وَجَوَاب أبي بكر رضي الله عنه مَحْمُول على تقدم كَلَام آخر تَركه الرَّاوِي وَيكون لما فرغ عَليّ رضي الله عنه من قَوْله كُنَّا نظن أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا تعرض لذكر الْمِيرَاث ثمَّ اعتذر عَن الْمُبَايعَة فأغنى أَبَا بكر عَن الْجَواب عَن قَوْله كُنَّا نرى إِذْ يَقْتَضِي أَن تكون تِلْكَ الرُّؤْيَة سَابِقَة ثمَّ انْقَطَعت وَأَن رُؤْيَته الْآن غير تِلْكَ هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم من سِيَاق لَفظه كرم الله وَجهه فَمَا عَسى أَن يَقُول لَهُ أَبُو بكر وَقد دلّ كَلَامه على تغير نظره والإجابة على مبايعته ورؤية الْحق فِي ذَلِك فاستغنى أَبُو بكر عَن جَوَاب فصل الْبيعَة وَعدل إِلَى جَوَاب فصل الْمِيرَاث أَو نقُول لم يجر للميراث فِي هَذَا الْمجْلس ذكر إِلَّا أَنه كَانَ قد ذكر قبل ذَلِك وَجرى فِي حَدِيث فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا حِين جَاءَت إِلَى أبي بكر فطلبت الْمِيرَاث فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْمجْلس الْمَعْقُود لإِزَالَة صُورَة الوحشة الظَّاهِرَة وَالدُّخُول فِيمَا دخلت فِيهِ الْجَمَاعَة وَاعْتذر عَليّ بِمَا اعتذر بِهِ وَقبل أَبُو بكر عذره ثمَّ أنشأ أَبُو بكر ذكر الْمِيرَاث معتذراً مِمَّا توهم فِيهِ أَولا نافياً لَهُ حَالفا على الاتصاف بِخِلَافِهِ محتجاً بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره وَقصد بذلك إِزَالَة بقايا الوحشة إِن كَانَت حَتَّى لَا يبْقى لَهَا أثر وَأما منع أبي بكر فَاطِمَة عَن الْإِرْث فادعت الرافضة أَن فِي ذَلِك مِنْهُ احتجاجاً بِخَبَر الْوَاحِد مَعَ معارضته لآيَة الْمَوَارِيث الَّتِي استدلت بهَا فَاطِمَة رضي الله عنها وَلَيْسَ ادعاؤهم صَحِيحا إِذْ هُوَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يحكم بِخَبَر الْوَاحِد الَّذِي هُوَ مَحل الْخلاف وَإِنَّمَا حكم بِمَا سَمعه من رَسُول الله

وَهُوَ عِنْده قَطْعِيّ فيساوي آيَة الْمَوَارِيث فِي قَطْعِيَّة الْمَتْن وَأما حمله على مَا فهم مِنْهُ فلانتفاء الِاحْتِمَالَات الَّتِي يُمكن تطرقها إِلَيْهِ بِقَرِينَة

ص: 342

الْحَال فَصَارَ عِنْده دَلِيلا قَطْعِيا مُخَصّصا لعُمُوم تِلْكَ الْآيَات مَعَ أَن أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم ينْفَرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث فقد رَوَاهُ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَعلي نَفسه وَالْعَبَّاس وَعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وَسعد كلهم كَانُوا يعلمُونَ ذَلِك وَإِنَّمَا انْفَرد أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ باستحضاره أَولا ثمَّ استحضره الْبَاقُونَ وَعَلمُوا أَنهم سَمِعُوهُ مِنْهُ

فالصحابة فِي موافقتهم أَبَا بكر على حكمه لم يعملوا بِرِوَايَة أبي بكر وَحدهَا وَإِن كَانَت كَافِيَة أَي كَافِيَة فِي ذَلِك وَإِنَّمَا عمِلُوا بهَا وَبِمَا انْضَمَّ إِلَيْهَا من علم أفاضلهم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ وَأما عذر فَاطِمَة رضي الله عنها فِي طلبَهَا مَعَ رِوَايَته لَهَا الحَدِيث فَيحْتَمل أَنه لكَونهَا رَأَتْ أَن خبر الْوَاحِد لَا يخصص الْقُرْآن كَمَا قيل بِهِ فاتضح عذره فِي الْمَنْع وعذرها فِي الطّلب فَلَا يشكل عَلَيْك ذَلِك قَالَ الْعَلامَة ابْن حجر قلت قد تقدم فِيمَا نَقله الذَّهَبِيّ عَن الزُّهْرِيّ بِرِوَايَة صَالح مولى أم هانىء أَن فَاطِمَة قَالَت لأبي بكر بعد رِوَايَته الحَدِيث لَهَا أَنْت وَرَسُول الله أعلم مَا أَنا بسائلتك بعد مجلسي هَذَا فَهجرَته فَلم تكمله حَتَّى مَاتَت صَرِيح كَمَا ترى فِي أَنَّهَا لم تسأله بعد رِوَايَته الحَدِيث فَلَا حَاجَة إِلَى الِاعْتِذَار عَنهُ بِمَا ذكره وَالله أعلم فَعلم بِمَا ذَكرْنَاهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ على حَقِيقَة خلَافَة الصّديق وَأَنه أهل لَهَا وَذَلِكَ كَاف وَلم يرد نَص عَلَيْهَا بل الْإِجْمَاع أقوى من النُّصُوص الَّتِي لم تتواتر لِأَن مفاده قَطْعِيّ وَمفَاده ظَنِّي وَحكى النَّوَوِيّ بأسانيد صَحِيحَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ من قَالَ إِن عليا كَانَ أَحَق بِالْولَايَةِ من أبي بكر فقد خطأ أَبَا بكر وَعمر والمهاجرين وَالْأَنْصَار وَمَا أرَاهُ يرْتَفع لَهُ مَعَ هَذَا عمل إِلَى السَّمَاء وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمار بن يَاسر نَحوه فَإِن قيل الحَدِيث الأول يدل على أَن سَبَب التَّخَلُّف الألية على أَنه لَا يرتدى رِدَاءَهُ إِلَّا إِلَى الصَّلَاة حَتَّى يجمع الْقرَان وَحَدِيث الْحسن فِي دُعَائِهِ أَبَا بكر يدل على أَن التَّخَلُّف كَانَ لما رَآهُ من أَن لَهُ حَقًا فَكيف يجمع بَينهمَا أم كَيفَ تكون الألية يعْنى الْقسم عذرا فِي التَّخَلُّف عَن الْأَمر الْوَاجِب الْمُتَعَيّن والحنث لأَجله وَاجِب

ص: 343

كَنَظِيرِهِ فِي التَّخَلُّف عَن الصَّلَاة الْوَاجِبَة قُلْنَا الْجمع يُمكن بِأَن يكون سَبَب الِامْتِنَاع عَن الْبيعَة وتخلفه أَولا مَا ذكره من قَوْله كُنَّا نظن ثمَّ خطر لَهُ كرم الله وَجهه جمع الْقرَان وَهُوَ فِي مهلة النّظر الْمُتَقَدّم ذكره فآلى تِلْكَ الألية ثمَّ أرسل إِلَى أبي بكر ثمَّ لقِيه عمر فَقَالَ لَهُ تخلفت عَن بيعَة أبي بكر فَقَالَ إِنِّي آلَيْت

إِلَى آخِره ووافى ذَلِك ظُهُور أحقية أبي بكر عِنْده فَأرْسل إِلَيْهِ معتذرَاً فِي التَّخَلُّف وَاقْتضى نظره لَهُ إِذْ ذَاك أَن هَذَا الْقدر كَاف فِي الطواعية والانقياد وَالدُّخُول فِيمَا دخل فِيهِ الْجَمَاعَة فَلم ير الْحِنْث مَعَ الْبيعَة خشيَة أَن ينْقل عَنهُ وينقسم نظره عِنْد مُلَابسَة النَّاس ومخالطتهم فَأَقَامَ إِظْهَار عذره مقَام حُضُوره إِلَّا أَنه رأى الْيَمين عذرا وَلَا أَنه بَقِي على مَا كَانَ عَلَيْهِ من رُؤْيَة أحقيته كَذَا فِي الرياض رِسَالَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَاتِّبَاع سيدنَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه مَعَ سيدنَا أبي عُبَيْدَة عَامر بن الْجراح رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجَوَاب سيدنَا عَليّ كرم الله وَجهه عَن ذَلِك ومبايعته لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ عَن أبي حَيَّان عَليّ بن مُحَمَّد التوحيدي الْبَغْدَادِيّ قَالَ سمرنا لَيْلَة عِنْد القَاضِي أبي حَامِد أَحْمد بن بشر المروروزي العامري فِي دَار أبي حبشان فِي شَارِع المازبان فتصرف إِلَى الحَدِيث كل متصرف وَكَانَ أَبُو حَامِد وَالله مفنَاً مِخْلطاً مزيلاً معنياً غزير الرِّوَايَة لطيف الدِّرَايَة لَهُ فِي كل جو متنفس وَمن كل نَار مقتبس فَجرى حَدِيث السَّقِيفَة وشأن الْخلَافَة فَركب كل منا متْنا وَقَالَ قولا وَعرض بِشَيْء وَنزع إِلَى فن فَقَالَ هَل فِيكُم من يحفظ رِسَالَة سيدنَا أبي بكر الصّديق إِلَى سيدنَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَجَوَاب عَليّ لَهُ ومبايعته إِيَّاه عقب تِلْكَ المناظرة فَقَالَت الْجَمَاعَة الَّتِي بَين يَدَيْهِ لَا وَالله قَالَ هِيَ من بَنَات الحقاق ومخبآت الصناديق فِي الخزائن ومذ حَفظتهَا مَا رويتها إِلَّا للمهلبي أبي مُحَمَّد فِي وزارته وكتبها عني بعده فِي خلْوَة وَقَالَ لَا أعرف على وَجه الأَرْض رِسَالَة أَعقل مِنْهَا وَلَا أبين وَإِنَّهَا لتدل على حكم وَعلم وفصاحة وفقاهة ودهاء وَدين وَبعد غور وَشدَّة غوص فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر الْعَبادَانِي أَيهَا القَاضِي لَو أتممت الْمِنَّة

ص: 344

بروايتها سمعناها وَنحن أوعى لَهَا عَنْك من المهلبى وَأوجب ذماماً عَلَيْك فَانْدفع فَقَالَ حَدثنَا الخزاعى بِمَكَّة حَدثنَا ابْن أبي ميسرَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن فليح أَنبأَنَا عِيسَى بن دأب أَنبأَنَا صَالح بن كيسَان وَيزِيد بن رُومَان وَكَانَ معلم عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ أَنبأَنَا هِشَام بن عُرْوَة قَالَ أنبأنى أَبُو النفاخ مولى أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح وروى هَذَا الحَدِيث وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ جَرَاءَة ظَاهِرَة وَكَانَ من محفوظاته الْقَدِيمَة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بدهر ذاكرنا بأحرف من هَذِه الرسَالَة ابْن هَارُون وَكَانَ نَسِيج وَحده حفظا وبياناً واتباعاً فعرفناه اْن الحَدِيث عندنَا من جِهَة أبي حَامِد فَزعم أَن أستاذه ابْن شَجَرَة أَحْمد بن كَامِل القاضى سرده وَلم يكن فِيهِ صَالح بن كيسَان وَذكر مولى أبي عُبَيْدَة أَبَا النفاخ بالنُّون وَالْفَاء وحالف فِي أحرف وَأَنا أكرر عَلَيْهِ الرسَالَة والْحَدِيث بعد ذكرهمَا وأسمى حرفا حرفا مِمَّا وَقع فِيهِ الْخلاف على جِهَة التَّصْحِيف أَو على جِهَة التحريف على أننى مَا سَمِعت بِحَدِيث فِي طوله وغرابته بِأَحْسَن سَلامَة مِنْهُ وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّهُ صَار إِلَيْنَا من رِوَايَة هذَيْن الشَّيْخَيْنِ العلامتين وَكَانَ سَمَاعنَا من أبي حَامِد سنة سِتِّينَ وَمن أبي مَنْصُور سنة خمس وَسبعين قَالَ أَبُو حَامِد قَالَ أَبُو النفاخ سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح يَقُول لما اسْتَقَرَّتْ الْخلَافَة لأبى بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ولحظ بِعَين الهيبة وَالْوَقار وَإِن كَانَ لم يزل كَذَلِك بعد هنيَّة كَاد الشَّيْطَان بهَا فَدفع الله شَرها ورحض عرها وَيسر خَيرهَا وأزاح ضيرها ورد كيدها وقصم ظهر النِّفَاق والفسوق من أَهلهَا بلغ سيدنَا أَبَا بكر الصّديق عَن سيدنَا عَليّ بن أبي طَالب تلكؤ وشماس وتهمهم ونفاس وَكره اْن يتمادى الْحَال وتبدو الْعَدَاوَة وتنفرج ذَات الْبَين وَيصير ذَلِك دريئة لجَاهِل مغرور أَو عَاقل ذِي وَهن أَو صَاحب سَلامَة ضَعِيف الْقلب خوار الْعَنَان دعانى فحضرته وَعِنْده سيدنَا عمر بن الْخطاب وَحده وَكَانَ يُدمن أرضه بالسرجين وَكَانَ عمر قباله ظهيرَا مَعَه يقتبس بِرَأْيهِ ويستملي على لِسَانه فَقَالَ لي أَبُو بكر الصّديق يَا أَبَا عُبَيْدَة مَا أَيمن ناصيتك وَأبين الْخَيْر بَين عَيْنَيْك وعارضيك وَلَقَد كنت من رَسُول الله

بِالْمَكَانِ المحوط وَالْمحل المغبوط وَلَقَد قَالَ فِيك فِي يَوْم مشهود أَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة وَطَالَ

ص: 345

مَا أعز الله بك الْإِسْلَام وَأصْلح فَسَاده على يَديك وَلم تزل للدّين ملْجأ وَلِلْمُؤْمنِينَ دوحاً ولأهلك ركنا ولاخوانك ردْءًا قد أردتك لأمر لَهُ مَا بعده خطره مخوف وصلاحه مَعْرُوف وَإِن لم يندمل جرحه بمسبرك وَلم تستجب حيته لرقيتك فقد وَقع الْيَأْس وأعضل الْبَأْس واحتيج بعد ذَلِك إِلَى مَا هُوَ أَمر من ذَلِك وأعلق وأعسر مِنْهُ وأغلق وَالله أسأَل تَمَامه بك ونظامه على يَديك فتأت لَهُ يَا أَبَا عُبَيْدَة وتلطف فِيهِ وانصح لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ

ولهذه الْعِصَابَة غير آل جهدا وَلَا قَالَ جدا وَالله كالئك وناصرك وهاديك ومبصرك وَبِه الْحول والتوفيق امْضِ إِلَى عَليّ واخفض جناحك لَهُ واغضض من صَوْتك عِنْده وَاعْلَم أَنه سلالة أبي طَالب ومكانه مِمَّن فقدناه بالْأَمْس

مَكَانَهُ وَقل لَهُ الْبَحْر مغرقه وَالْبر مفرقه والجو أكلف وَاللَّيْل أغلف وَالسَّمَاء جلواء وَالْأَرْض صلعاء والصعود مُتَعَذر والهبوط متعسر وَالْحق رءوف عطوف وَالْبَاطِل شنوف عنوف والضغن رائد الْبَوَار والتعريض شجار الْفِتْنَة القعة ثقوب الْعَدَاوَة وَهَذَا الشَّيْطَان متكىء على شِمَاله متحبل بِيَمِينِهِ نافج حضنيه لأَهله ينْتَظر بهم الشتات والفرقة ويدب بَين الْأمة بالشحناء والعداوة عنادَا لله عز وجل وَلِرَسُولِهِ

ولدينه ناكباً يوسوس بِالْفُجُورِ ويُدلى بالغرور ويمنى أهل الشرور ويزجى إِلَى أوليائه بِالْبَاطِلِ دأباً لَهُ مذ كَانَ على عهد أَبينَا آدم عليه الصلاة والسلام وعاده مِنْهُ مُنْذُ أهانه الله عز وجل فِي سالف الدَّهْر لَا يُنجى مِنْهُ إِلَّا عض الناجذين على الْحق وغض الطّرف عَن الْبَاطِل والعاجل وَوَطْء هَامة عَدو الله وعدو الدّين بالأشد فالأشد والأحد فالأحد واسلام النَّفس لله عز وجل فِيمَا حَاز رِضَاهُ وجنب سخطه وَلَا بُد الْآن من قَول ينفع إِذا ضرّ السُّكُوت وَخيف غبه وَلَقَد أرشدك من أَفَادَ ضالتك وصادقك من أَحْيَا مودته لَك بعتابك وَأَرَادَ الْخَيْر بك من آثر الْبَقَاء مَعَك مَا هَذَا الَّذِي تسول لَك نَفسك ويدوى بِهِ قَلْبك ويلتوى بِهِ عَلَيْك رَأْيك ويتخاوص دونه طرفك ويسرى فِيهِ ظعنك ويتراد مَعَه نَفسك وتكثر مَعَه صعداؤك وَلَا يفِيض بة لسَانك أعجمة بعد إفصاح أم تلبيس بعد أيضاًح أدين غير دين الله عز وَجهه أخُلق غير خُلق الْقرَان أهْدى غير هدى النَّبِي

أمثلى يمشى إِلَيْهِ الضراء أَو تدب إِلَيْهِ الخمراء أم مثلك ينقبض عَلَيْهِ الفضاء

ص: 346

أَو تكسف فِي عينه القمراء مَا هَذِه القعقعة بالشنان وَمَا هَذِه الوعوعة بالشنآن إِنَّك جد عَارِف باستجابتنا لله عز وجل وَلِرَسُولِهِ وخروجنا عَن أوطاننا وَأَمْوَالنَا وَأَوْلَادنَا وأحبتنا هِجْرَة إِلَى الله تَعَالَى ذكره ولنصرة نبيه

فِي زمَان أَنْت فِيهِ فِي كن الصِّبَا وخدر الغرارة غافل عَمَّا يشبب ويربب لَا تعي مَا يُرَاد ويشاد وَلَا تحصل مَا يساق ويقاد سوى مَا أَنْت جَار عَلَيْهِ إِلَى غايتك الَّتِي إِلَيْهَا عدى بك وَعِنْدهَا حط رحلك غير مَجْهُول الْقدر وَلَا مجحود الْفضل وَنحن فِي أثْنَاء ذَلِك نعاني أحوالاً تزيل الرواسِي ونقاسي أهوالاً تشيب النواصي خائضين غمارها راكبين تيارها نتجرع صابها ونشرح عيابها ونكرع عبابها ونحكم أساسها ونبرم أمراسها والعيون تحدج بالجد والأنوف تعطس بالنكد والصدور تستعر بالغيظ والأعناق تتطاول بالفخر والشفار تشحذ بالمكر وَالْأَرْض تميدُ بالخوف وَلَا نَنْتَظِر عِنْد الْمسَاء صباحاً وَلَا عِنْد الصَّباح مسَاء وَلَا ندفع فِي نحر أَمر إِلَّا أَن نحسو الْمَوْت دونه وَلَا نبلغ إِلَى شَيْء إِلَّا بعد جرع الْغصَص مَعَه، وَلَا نقوم منآداً إِلَّا بعد الْيَأْس من الْحَيَاة عِنْده فادين فِي كل ذَلِك لرَسُول الله

بِالْأَبِ وَالأُم وَالْخَال وَالْعم والنشب والسبد واللبد والهلة والبلة والأهل وَالْولد بِطيب نفس وقرور عين ورحب أعطان وثبات عزائم وَصِحَّة عقول وطلاقة وَجه وذلاقة ألسن هَذَا إِلَى خفيات أسرار ومكنونات أَخْبَار كنت عَنْهَا غافلاً وَلَوْلَا حَدَاثَة سنك لم تكن عَن شَيْء مِنْهَا ناكلاً كَيفَ وفؤادك مشهوم وعودك معجوم وغيبك مخبور وَالْقَوْل فِيك كثير والآن قد بلغ الله بك وأرهص الْخَيْر لَك وَجعل لَك مرادك بَين يَديك وعقلك بَين عَيْنَيْك وَعَن علم أَقُول مَا تسمع فَارْتَقِبْ زَمَانك وقلص إِلَيْهِ أردانك ودع التعبيس والنحبيس بِمن لَا يظلع لَك إِذا خطا وَلَا يتزحزح عَنْك إِذا عطا وَالْأَمر غض والنفوس فِيهَا مض وَإنَّك أَدِيم هَذِه الْأمة فَلَا تحلم لجاجاً وسيفها العضب فَلَا تنبو اعوجاجاً وماؤها العذب فَلَا تحل أجاجا وَالله لقد سَأَلت رَسُول الله

عَن هَذَا الْأَمر فَقَالَ لي يَا أَبَا بكر هُوَ لمن يرغب عَنهُ لَا لمن يرغب فِيهِ ويجاحش عَلَيْهِ وَلمن يتضاءل لَهُ لَا لمن ينتفجُ إِلَيْهِ وَلمن يُقَال لَهُ هُوَ لَك لَا لمن يَقُول هُوَ لي

ص: 347

وَالله لقد شاورني رَسُول الله

فِي الصهر فَذكر فتياناً من قُرَيْش فَقلت لَهُ أَيْن أَنْت من عَليّ فَقَالَ إِنِّي لأكْره لفاطمة ضيق شبابه وحداثة سنه فَقلت لَهُ مَتى كنفته يدك ورعته عَيْنك حفت بهما الْبركَة وأسبغت عَلَيْهِمَا النِّعْمَة مَعَ كَلَام كثير خطبت بِهِ عَنْك ورغبت فِيك وَمَا كنت عرفت مِنْك فِي ذَلِك حوجاء وَلَا لوجاء فَقلت مَا قلت وَأَنا أرى مَكَان غَيْرك وَأَجد رَائِحَة سواك وَكنت لَك إِذْ ذَاك خيرا مِنْك الْآن لي وَلَئِن كَانَ عرض بك رَسُول الله

فقد كنى عَن غَيْرك وَإِن كَانَ قَالَ فِيك فَمَا سكت عَن سواك وَإِن يختلج فِي نَفسك شَيْء فَهَلُمَّ فَالْحكم مرضِي وَالصَّوَاب مسموع وَالْحق مُطَاع وَلَقَد نُقل رَسُول الله

إِلَى مَا عِنْد الله عز وجل وَهُوَ عَن هَذِه الْعِصَابَة رَاض وَعَلَيْهَا حدب يسره مَا يسرها ويكيده مَا يكيدها ويرضيه مَا يرضيها ويسخطه مَا أسخطها ألم تعلم أَنه لم يدع أحدا من أَصْحَابه وخلطائه وأقاربه وشجرائه إِلَّا أبانه بفضيلة وَخَصه بمكرمة وأفرده بجلالة لَو أصفقت الْأمة عَلَيْهِ لَكَانَ عِنْده إيالتها وكفالتها وكرامتها وغزارتها أتظن أَنه

ترك الْأمة نشرا سدى بَين عدا عباهل سباهل طلاحى مباهل مَفْتُونَة بِالْبَاطِلِ مغبونة عَن الْحق لَا رائد وَلَا ذائد وَلَا سائق وَلَا قَائِد وَلَا حَائِط وَلَا واقي وَلَا هادي وَلَا حادي كلا وَالله مَا اشتاق إِلَى ربه وَلَا سَأَلَهُ الْمصير إِلَى رضوانه حَتَّى ضرب الصوى وأوضح الْهدى وَأمن المهالك والمطاوح وَسَهل الْمُبَارك والمهايع وَإِلَّا بعد أَن شدخ يَا فوخ الشّرك بِإِذن الله عز وجل وشرم أنف النِّفَاق لوجه الله تَعَالَى جدُّه وجدع أنف الْفِتْنَة فِي ذَات الله تبَارك اسْمه وتفل فِي وَجه الشَّيْطَان بعون الله جلّ ذكره وصدع بملء فِيهِ وَيَده أَمر الله عز وجل وَبعد فَهَؤُلَاءِ الْأَنْصَار والمهاجرون عنْدك ومعك فِي دَار وَاحِدَة وبقعة جَامِعَة إِن استقاموا بِي لَك وأشاروا عِنْدِي بك فَأَنا أول وَاضع يَدي فِي يدك وصاير إِلَى رَأْيهمْ فِيك وَإِن تكن الْأُخْرَى فَادْخُلْ فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ وَكن العون على مصالحهم والفاتح لمغالقهم والمرشد لضالهم والرادع لغاويهم فقد أَمر الله عز وجل بالتعاون على الْبر وأهاب إِلَى التناصر على الْحق وَدعنَا نقض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا بصدور بريئة من الغل ونلقى الله عز وجل بقلوب

ص: 348

سليمَة من الضغن وَبعد فَالنَّاس ثُمَامَة فارفق بهم واحن عَلَيْهِم وَلنْ لَهُم وَلَا تشق نَفسك بِنَا خَاصَّة فيهم واترك ناجم الحقد حصيدا وطائر الشد وَاقعا وَبَاب الْفِتْنَة غلقاً فَلَا قَالَ وَلَا قيل وَلَا لوم وَلَا تبيع وَالله عز وجل على مَا نقُول شَهِيد وَبِمَا نَحن عَلَيْهِ بَصِير قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رضي الله عنه فَلَمَّا تهيأت للنهوض قَالَ لي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كن لَدَى الْبَاب هُنيهة فلي مَعَك ذوق من القَوْل فوقفت وَلَا أَدْرِي مَا كَانَ بعدِي إِلَّا أَنه لَحِقَنِي وَوَجهه يَبْدُو متهللاً وَقَالَ قل لعَلي الرقاد محلمة واللجاج ملحمة والهوى مقحمة وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم وَحقّ مشَاع أَو مقسوم ونبأ ظَاهر أَو مَكْتُوم وَإِن أَكيس الْكيس من منح الشارد تألفاً وقارب الْبعيد تلطفا وَوزن كل امرىء بميزانه وَلم يخلط خَبره بعيانه وَلم يَجْعَل فتره مَكَان شبره وَلَا خَيره مَكَان شَره وَلَا خير فِي معرفَة مشوبة بنكرة وَلَا علم معتل فِي جهل // (من المتقارب) //

(وَلَسْنَا كَجِلْدَةِ رفْع الْبَعِيرِ

بَيْنَ الْعِجَانِ وَبَيْنَ الذَّيَبْ)

وكل صال فبناره وكل سيل فَإلَى قراره وَمَا كَانَ سكُوت هَذِه الْعِصَابَة إِلَى هَذِه الْغَايَة لِعي وَلَا سي وَلَا كَلَامهَا الْيَوْم لفتق وَلَا رتق وَلَا فرق وَلَا رهق قد جدع الله لمُحَمد

أنف كل ذِي كبر وقصم ظهر كل جَبَّار وَقطع لِسَان كل كذوب فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال مَا هَذِه الخنزوانة الَّتِي فِي فرَاش رَأسك وَمَا هَذَا الشجى الْمُعْتَرض فِي مدارج أنفاسك وَمَا هَذِه الوحرة الَّتِي أكلت شراسيفك والقذاة الَّتِي أعشت ناظريك وَمَا هَذَا الدحس والداسُ اللَّذَان يدلان على ضيق الباع وخور الطباع وَمَا هَذَا الَّذِي لبست بِسَبَبِهِ جلد النمر واشتملت عَلَيْهِ بالشحناء والنكر شَذَّ مَا استسعيت إِلَيْهَا وسريت سرى ابْن أنقد إِلَيْهَا إِن الْعوَان لَا تعلم الْخمْرَة وَإِن الحصان لَا تكلم لخبرة مَا أحْوج الصلعاء إِلَى خَال وَمَا اْحوج الفرعاء إِلَى فال لقد خرج رَسُول الله

وَالْأَمر معبد محبس لَيْسَ لأحد فِيهِ ملمس وَلَا مأنس لم يسير فِيك قولا وَلم يسْتَنْزل فِيك قُرْآنًا وَلَا عرف فِي شَأْنك حكما ولسنا فِي كسروية كسْرَى وَلَا قيصرية قَيْصر وَلَا أخذان فَارس وَأَبْنَاء الْأَصْفَر قوما جعلهم

ص: 349

الله جزراً لسيوفنا وأرماحنا ومزعاً لطعاننا وتبعاً لسلطاتنا بل نَحن فِي نور نبوة وضياء رِسَالَة وَثَمَرَة حِكْمَة وَأثر رَحْمَة وعنوان نعْمَة وظل عصمَة بَين أمة مهدية بِالْحَقِّ والصدق مَأْمُونَة على الفتق والرتق لَهَا من الله عز وجل قلب أبي وساعد قوي وَيَد ناصرة وَعين باصرة أتظن ظنا أَن أَبَا بكر الصّديق وثب على هَذَا الْأَمر مفتئتا على الْأمة خادعاً لَهَا متسلطاً عَلَيْهَا أتراه امتلخ أحلامها وأزاغ أبصارها وَحل عقدهَا وأحال عقولها واستلب من صدروها حميتها وانتزع من أكبادها عصبيتها وانتكث رشاها وانتضب ماءها وأضلها عَن هُداها وساقها إِلَى رداها وَجعل نَهَارهَا لَيْلًا ووزنها كَيْلا ويقظتها رقاداً وصلاحها فَسَادًا إِن كَانَ هَكَذَا إِن سحره لمبين وَإِن كَيده لمتين كلا وَالله بِأَيّ خيل وَرجل وَبِأَيِّ سِنَان ونصل وَبِأَيِّ قُوَّة ومنة وَبِأَيِّ ذخر وَبِأَيِّ أيد وَشدَّة وَبِأَيِّ عشيرة وأسرة وَبِأَيِّ تدرع وبسطة لقد أصبح عنْدك بِمَا وسمته منيع الرَّقَبَة رفيع العتبة لَا وَالله وَلَكِن سلا عَنْهَا فولهت بِهِ وتطامن لَهَا فلصقت بِهِ وَمَال عَنْهَا فمالت إِلَيْهِ واشتمل دونهَا فاشتملت عَلَيْهِ حبوة حباه الله بهَا وعاقبة بلغه الله إِيَّاهَا ونعمة سربله الله جمَالهَا وَيَد أوجب الله عَلَيْهِ شكرها وَأمة نظر الله بِهِ إِلَيْهَا ولطالما حلقت فَوْقه فِي أَيَّام رَسُول الله

وَهُوَ لَا يلْتَفت لفتها وَلَا يرتصد وَقتهَا وَالله أعلم بخلقه وأرأف بعباده يخْتَار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة وَإنَّك بِحَيْثُ لَا يجهل موضعك من بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وكهف الْحِكْمَة وَلَا يجْحَد حَقك فِيمَا أَتَاك رَبك وَلَكِن لَك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك وقربى أمس من قرابتك وَسن أَعلَى من سنك وَشَيْبَة أروع من شيبتك وسيادة بهَا عرق من الْجَاهِلِيَّة وَفرع من الْإِسْلَام والشريعة ومواقف لَيْسَ لَك فِيهَا من جمل وَلَا نَاقَة وَلَا تذكر مِنْهَا فِي مُقَدّمَة وَلَا ساقة وَلَا تضرب فِيهَا بِذِرَاع وَلَا إِصْبَع وَلَا تخرج مِنْهَا ببازل وَلَا هُبع فَإِن عذرت نَفسك فِيمَا تهدر بِهِ شقشقتك من صاغيتك فاعذرنا فِيمَا تسمع منا فِي لين وسكوت مِمَّا لَا تبعده مِنْهُ وَلَا تناصله عَلَيْهِ وَلَئِن حدبت بِهَذَا نَفسك

ص: 350

لينتحين عَلَيْك مَا ينسيك الأولى ويلهيك عَن الْآخِرَة وَلَو علم من ضننا بِهِ مَا فِي أَنْفُسنَا لَهُ وَعَلِيهِ لما سكت وَلَا اتَّخذت أَنْت وليجة إِلَى بعض الأرب فَأَما أَبُو بكر الصّديق فَلم يزل حَبَّة سويداء قلب رَسُول الله

وعلاقة همه وعيبة سره ومثوى حربه ومفزع رَأْيه ومشورته وراحة كَفه ومرمق طرفه وَذَلِكَ كُله بِمحضر الصَّادِر والوارد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار شهرته مغنية عَن الدّلَالَة عَلَيْهِ ولعمري إِنَّك أقرب إِلَى رَسُول الله

قرَابَة لكنه أقرب قربَة والقرابة لحم وَدم والقربة روح وَنَفس وَهَذَا فرق وَقد عرفه الْمُؤْمِنُونَ وَلذَلِك صَارُوا أَجْمَعِينَ وَمهما شَككت فِيهِ فَلَا تشك أَن يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة ورضوانه لأهل الطَّاعَة فَادْخُلْ فِيمَا هُوَ خير لَك الْيَوْم وأنفع لَك غَدا والفظ من فِيك مَا تعلق بلهاتك وانفث سخيمة صدرك عَن ثفاتك فَإِن يَك فِي الأمد طول وَفِي الْأَجَل فسحة فستأكله مريئاً أَو غير مريء وستشربه هَنِيئًا أَو غير هنيء حِين لَا راد لِقَوْلِك إِلَّا من كَانَ مِنْك وَلَا تَابع لَك إِلَّا من كَانَ طامعاً فِيك يمض إهابك ويفري قادمتك ويزري على هديك هُنَاكَ تقرع السن من نَدم وتجرع المَاء ممزوجاً بِدَم وَحِينَئِذٍ تيأس على مَا مضى من عمرك ودارج قَوْمك فتود أَن لَو سقيت بالكأس الَّتِي أبيتها ورددت إِلَى الْحَال الَّتِي استبريتها وَللَّه تَعَالَى فِينَا أَمر هُوَ بالغه وغيب هُوَ شَاهده وعاقبة هُوَ المرجو لضرائِها وَهُوَ الْوَلِيّ الحميد الغفور الْوَدُود قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رضي الله عنه فمشيت متزملاً أتوجأ كَأَنَّمَا أخطو على أم رَأْسِي فرقا من الْفرْقَة وشفقاً على الْأمة حَتَّى وصلت إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي خلاء فأبثثته الْكَلَام كُله وبرئت إِلَيْهِ مِنْهُ ورفقت بِهِ فَلَمَّا سَمعهَا ووعاها وسرت فِي أوصاله حمياها قَالَ حلت معلوطة وَوَلَّتْ مخروطة حل لَا حليت التعبيس أدنى لَهَا من قَول لعا

(إحْدَى لَيَالِيكَ فَهيسِي هيسي

لَا تَنْعَمِي بالنومِ والتَّعْرِيسِ)

نعم يَا أَبَا عُبَيْدَة أكل هَذَا فِي أنفس الْقَوْم يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ ويصطفقون قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فَقلت لَا جَوَاب لَك عِنْدِي إِلَّا السُّكُوت إِنَّمَا أَنا قَاض حق الدّين

ص: 351

وراتق فتق الْإِسْلَام وساد ثلمة الْأمة يعلم الله ذَلِك من خلجان قلبِي وقرارة نَفسِي قَالَ عَليّ رضي الله عنه وَالله مَا كَانَ قعودي فِي كسر هَذَا الْبَيْت قصدا للخلافة وَلَا إنكاراً للمعرفة وَلَا زراية على مُسلم بل لما وقذني بِهِ رَسُول الله

بِفِرَاقِهِ وأودعني من الْحزن بفقده وَذَلِكَ إِنِّي لم أشهد بعده مشهدا إِلَّا جدد لي حزنا وذكرني شجواً وَإِن الشوق إِلَى اللحاق بِهِ كَاف عَن الطمع فِي غَيره فقد عكفت على عهد الله أنظر فِيهِ وَأجْمع مَا تفرق مِنْهُ رَجَاء ثَوَاب معد لمن أخْلص عمله وَنِيَّته لرَبه على إِنِّي مَا علمت أَن التظاهر عليَّ وَاقع وَلَا لي عَن الْحق الَّذِي سيق إليَّ دَافع وَإِذا كَانَ قد أفعم الْوَادي لي وحشد النادي من أَجلي فَلَا مرْحَبًا بِمَا سَاءَ أحدا من الْمُسلمين وَفِي النَّفس كَلَام لَوْلَا سَابق قَول وسالف عهد لشفيت غيظي بخنصري وبنصري وخضت لجتي بأخمصي ومفرقي لكني ملجم إِلَى أَن ألْقى رَبِّي عز وجل وَعِنْده أحتسب مَا نزل بِي وَأَنا عَادل إِلَى جماعتكم ومبايع لصاحبكم وصابر على مَا سَاءَنِي وسركم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا وَكَانَ الله على كل شَيْء شَهِيدا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فعدت إِلَى أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فقصصت القَوْل على غره وَلم اختزل شَيْئا من حلوه ومره فَلَمَّا كَانَ صباح يَوْمئِذٍ وافى عَليّ رضي الله عنه فخرق إِلَى أبي بكر الصُّفُوف وَبَايَعَهُ وَقَالَ خيرا وَوصف جميلاً وَجلسَ زَمنا وَاسْتَأْذَنَ فِي الْقيام ونهض فَتَبِعَهُ عمر تكرمة لَهُ واستئثاراً لما عِنْده فَقَالَ لَهُ عَليّ مَا قعدت عَن صَاحبكُم كَارِهًا لَهُ وَلَا أَتَيْته فرقا مِنْهُ وَإِنَّمَا أَقُول مَا أَقُول تعلة وإنى لأعرف مُسَمّى طرفِي ومخطي قدمي ومنزع قوسي وموقع سهمي وَلَكِنِّي قد أزمت على فاسي ثِقَة بِاللَّه فِي الأدالة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ عمر رضي الله عنه كفكف غربك واستوقف سربك ودع الْعَصَا بلحائها والدلاء برشائها فَإنَّا من خلفهَا وورائها إِن قدحنا أورينا وَإِن متحنا أروينا وَإِن جرحنا أدمينا وَإِن نصحنا أربينا وَلَقَد سَمِعت أمانيك الَّتِي لغوت بهَا عَن صدر مَقْصُور بالجوى وَلَو شِئْت لَقلت على مَقَالَتك مَا إِذا سمعته نَدِمت على مَا قلته

ص: 352

زعمت أَنَّك قعدت فِي كسر بَيْتك لما وقذك بِهِ رَسُول الله

بِفِرَاقِهِ أفراق رَسُول الله

وقذك وَحدك وَلم يقذ سواك بل مصابه أعظم وأعز من ذَلِك فَإِن من حق مصابه أَلا يصدع شَمل الْجَمَاعَة بِكَلِمَة لَا عِصَام لَهَا وَلَا يزرى على اخْتِيَارهَا بِمَا لَا يُؤمن كيد الشَّيْطَان فِي عقباها هَذِه الْعَرَب حولنا وَالله لَو تداعت علينا فِي مصبح يَوْم لم نلتق فِي ممساه وَزَعَمت أَن الشوق بك إِلَى اللحاق بِهِ كَاف عَن الطمع فِي غَيره فَمن الشوق إِلَيْهِ نصْرَة دينه ومؤازرة أَوْلِيَاء الله تَعَالَى جده ومعاونتهم فِيهِ وَزَعَمت أَنَّك عكفت على عهد الله تجمع مَا تبدد مِنْهُ فَمن العكوف على عَهده النَّصِيحَة لِعِبَادِهِ والرأفة على خلقه وبذل مَا يصلحون بِهِ ويرشدون إِلَيْهِ وَزَعَمت أَنَّك لم تعلم أَن التظاهر عَلَيْك وَاقع وَلَك عَن الْحق الَّذِي سبق إِلَيْك دَافع فَأَي تظاهر وَقع عَلَيْك وَأي حق لَك ليطردونك قد علمت مَا قَالَت الْأَنْصَار لَك بالْأَمْس سرا وجهراً وَمَا تقلبت عَلَيْهِ بَطنا وظهراً فَهَل ذكرتك أَو أشارت بك أَو وجدنَا رِضَاهَا عنْدك هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ من الَّذِي قَالَ مِنْهُم بِلِسَانِهِ تصلح لهَذَا الْأَمر أَو أَوْمَأ بِعَيْنِه أَو هَمهمْ فِي نَفسه أتظن أَن النَّاس قد ضلوا من أَجلك وعادوا كفَّارًا زهداً فِيك وَبَاعُوا الله عز وجل وَرَسُوله

تحاملاً عَلَيْك لَا وَالله وَلَكِنَّك اعتزلت تنْتَظر الْوَحْي وتتوكف مُنَاجَاة الْملك لَك ذَاك أَمر طواه الله عز وجل بعد نَبينَا مُحَمَّد

أَكَانَ الْأَمر معقوداً بأنشوطة أَو مسدوداً بأطراف ليطة كلا وَالله إِن الْعِنَايَة لمحلقة وَإِن الشَّجَرَة لمورقة وَلَا عجماء بِحَمْد الله إِلَّا وَقد أفصحت وَلَا عجفاء إِلَّا وَقد سمنت وَلَا شوكاء إِلَّا وَقد لقحت وَمن أعجب شَأْنك قَوْلك لَوْلَا سَابق قَول وسالف عهد لشفيت غيظي وَهل ترك الدّين لأحد من أَهله أَن يشفي غيظه بِيَدِهِ وَلسَانه تِلْكَ جَاهِلِيَّة قد استأصل الله شأفتها وَدفع عَن النَّاس آفتها واقتلع جرثومتها وهور لَيْلهَا وغور سيلها وأبدل مِنْهَا الرّوح وَالريحَان وَالْهدى والبرهان وَزَعَمت أَنَّك ملجم فلعمري إِن من اتَّقى الله عز وجل وآثر رِضَاهُ وَطلب مَا عِنْده أمسك لِسَانه وأطبق فَاه وَجعل سَعْيه لما وَرَاءه

ص: 353