المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(حوادث السنة الثامنة) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٢

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْبَاب السَّادِس من الْمَقْصد الثَّانِي فِي ذكر موَالِيه وخدامه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك)

- ‌(الْبَاب السَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(حوادث السّنة الأولى من الْهِجْرَة)

- ‌(حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ)

- ‌(أَمر بني قينقاع

- ‌(حوادث السّنة الثَّالِثَة)

- ‌(وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد)

- ‌(حوادث السّنة الرَّابِعَة)

- ‌(غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْخَامِسَة)

- ‌(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)

- ‌(حوادث السّنة السَّابِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الثَّامِنَة)

- ‌(حوادث السّنة التَّاسِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الْعَاشِرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة)

- ‌(فصل فِي صِفَاته الحسية

- ‌(فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه

- ‌(فصل فِي خَصَائِصه

- ‌(فصل فِي معجزاته

- ‌(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)

- ‌(أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رضي الله عنه

- ‌(نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رضي الله عنه

- ‌(ذكر نسبه رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌(ذكر وَفَاته شَهِيدا رضي الله عنه

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رضي الله عنه

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

الفصل: ‌(حوادث السنة الثامنة)

(حوادث السّنة الثَّامِنَة)

فِيهَا غَزْوَة مُؤْتَةَ بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو بِغَيْر همز لأكْثر الروَاة وَبِه جزم الْمبرد وَجزم ثَعْلَب والجوهري وَابْن فَارس بِالْهَمْز وَحكى غَيرهم الْوَجْهَيْنِ وَهِي من عمل البلقاء بِالشَّام فِي جُمَادَى الأولى وَهِي سَرِيَّة أَمر فِيهَا

زيد بن حَارِثَة على ثَلَاثَة آلَاف رجل وَقَالَ إِن قتل فجعفر فَإِن قتل فعبد الله بن رَواحة فَإِن قتل فليرتض الْمُسلمُونَ بِرَجُل مِنْهُم فَقتلُوا كَذَلِك فَأخذ الرَّايَة ثَابت بن أقرم الْعجْلَاني إِلَى أَن اصْطَلحُوا على خَالِد فَفتح الله بِهِ وَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأخذ غنيمَة كَثِيرَة وَذَلِكَ أَن رَسُول الله

كَانَ أرسل الْحَارِث بن عُمَيْر الْأَزْدِيّ بِكِتَاب إِلَى ملك بصرى فَلَمَّا نزل مُؤْتَة عرض لَهُ شُرَحْبِيل الغساني فَقتله وَلم يقتل لرَسُول الله

رَسُول غَيره فَأمر رَسُول الله

زيد بن حَارِثَة على ثَلَاثَة آلَاف وَقَالَ إِن قتل. . إِلَى آخر مَا تقدم وَفِي حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح إِن قتل زيد فأميركم جَعْفَر

الحَدِيث قَالُوا وَعقد لَهُم

لِوَاء أَبيض وَدفعه إِلَى زيد بن حَارِثَة وأوصاهم أَن يَأْتُوا مقتل الْحَارِث بن عُمَيْر وَأَن يدعوا من هُنَاكَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أجابوا وَإِلَّا استعانوا عَلَيْهِم بِاللَّه وقاتلوهم وَخرج مشيعاً لَهُم حَتَّى بلغ ثنية الْوَدَاع فَوقف فودعهم فَلَمَّا سَارُوا نَادَى والمسلمون دفع الله عَنْكُم وردكم سَالِمين غَانِمِينَ فَقَالَ ابْن رَوَاحَة // (من الْبَسِيط) //

(لَكنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً

وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا)

فَلَمَّا فصلوا من الْمَدِينَة سمع الْعَدو بمسيرهم فَجمعُوا لَهُم وَقَامَ فيهم شُرَحْبِيل ابْن عَمْرو فَجمع أَكثر من مائَة ألف وَقدم الطَّلَائِع أَمَامه وَقد نزل الْمُسلمُونَ مَعَان بِفَتْح الْمِيم مَوضِع من أَرض الشَّام وَبلغ النَّاس كَثْرَة الْعَدو وتجمعهم

ص: 243

وَأَن هِرقل نزل بِأَرْض البلقاء فِي مائَة ألف من الْمُشْركين فأقاموا لَيْلَتَيْنِ لينظروا فِي أَمرهم وَقَالُوا نكتب إِلَى رَسُول الله

فنخبره الْخَبَر فشجعهم عبد الله بن رَوَاحَة على الْمُضِيّ فَمَضَوْا إِلَى مُؤْتَة ووافاهم الْمُشْركُونَ فجَاء مِنْهُم مَا لَا قِبَلَ لأحد بِهِ من الْعدَد وَالسِّلَاح والكراع والديباج وَالْحَرِير وَالذَّهَب والتقى الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فقاتل الْأُمَرَاء يَوْمئِذٍ على أَرجُلهم فَأخذ اللِّوَاء زيد بن حَارِثَة فقاتل وَقَاتل الْمُسلمُونَ مَعَه على صفوفهم حَتَّى قتل طَعنا بِالرِّمَاحِ ثمَّ أَخذ الرَّايَة جَعْفَر بن أبي طَالب فَنزل عَن فرس لَهُ شقراء وَقَاتل حَتَّى قتل ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ فَوجدَ فِي أحد نصفيه بضعَة وَثَمَانُونَ جرحا وَفِيمَا أقبل من بدنه اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ ضَرْبَة بِسيف وطعنة بِرُمْح قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَوجدنَا فِي جسده بضعاً وَتِسْعين من طعنة ورمية وَفِي رِوَايَة أَن ابْن عمر وَقَفَ على جَعْفَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ قَتِيل قَالَ فعددت بِهِ خمسين بَين طعنة وضربة لَيْسَ فِيهَا شَيْء فِي دبره وَذكر ابْن إِسْحَاق بِإِسْنَاد حسن وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد من طَرِيقه عَن رجل من مرّة قَالَ وَالله لكَأَنِّي أنظر إِلَى جَعْفَر بن أبي طَالب حِين اقتحم عَن فرس لَهُ شقراء فعقرها ثمَّ تقدَم فقاتل حَتَّى قتل قَالُوا ثمَّ أَخذ اللِّوَاء عبد الله بن رَوَاحَة فقاتل حَتَّى قتل فَأخذ اللِّوَاء ابْن أقرم الْعجْلَاني إِلَى أَن اصْطلحَ النَّاس على خَالِد بن الْوَلِيد فَأخذ اللِّوَاء وانكشف النَّاس فَكَانَت الْهَزِيمَة فَتَبِعهُمْ الْمُشْركُونَ فَقتل من قتل من الْمُسلمين وَقَالَ الْحَاكِم قَاتلهم خَالِد بن الْوَلِيد فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأصَاب غنيمَة وَقَالَ ابْن سعد إِنَّمَا انهزم بِالْمُسْلِمين وَقَالَ ابْن إِسْحَاق انْحَازَتْ كل طَائِفَة من غير هزيمَة

ص: 244

وَرفعت الأَرْض لرَسُول الله

حَتَّى نظر إِلَى معترك الْقَوْم وَعَن عبد الله بن الزبير قَالَ حَدثنِي أبي الَّذِي أرضعني وَكَانَ أحد بني مرّة قَالَ شهِدت مُؤْتَة مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه فَرَأَيْت جعفراً حِين التحم الْقِتَال اقتحم عَن فرس لَهُ شقراء ثمَّ عقرهَا وَقَاتل الْقَوْم حَتَّى قتل خرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَقطعت فِي تِلْكَ الْوَقْعَة يَدَاهُ جَمِيعًا ثمَّ قتل فَقَالَ رَسُول الله

إِن الله أبدله بيدَيْهِ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ خرجه أَبُو عَمْرو وَفِي البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رضي الله عنها لما جَاءَ قتل ابْن رَوَاحَة وَابْن حَارِثَة وجعفر بن أبي طَالب جلس رَسُول الله

يعرف مِنْهُ الْحزن الحَدِيث وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ قَالَ رَسُول الله

هَنِيئًا لَك أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله

قَالَ رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم // (وَفِي إِسْنَاده ضعف) // لَكِن لَهُ شَاهد من حَدِيث عَليّ عِنْد ابْن سعد وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَيْضا عَن النَّبِي

قَالَ مرّ بِي جَعْفَر اللَّيْلَة فِي ملاً من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مخضب الجناحين بِالدَّمِ أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ على شَرطه وَأخرج أَيْضا هُوَ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا دخلت البارحة الْجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة وَفِي طَرِيق أُخْرَى عَنهُ

ص: 245

أَن جعفراً يطير مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل لَهُ جَنَاحَانِ عوضه الله من يَدَيْهِ وَإسْنَاد هَذَا جيد فقد عوّضه الله عَن قطع يَدَيْهِ فِي هَذِه الْوَقْعَة حَيْثُ أَخذ اللِّوَاء بِيَمِينِهِ فَقطعت ثمَّ أَخذه بِشمَالِهِ فَقطعت ثمَّ احتضنه فَقتل قَالَ السُّهيْلي لَهُ جَنَاحَانِ لَيْسَ كَمَا يسْبق إِلَى الْفَهم كجناحي الطير وريشه لِأَن الصُّورَة الْآدَمِيَّة أشرف الصُّور كلهَا فَالْمُرَاد بالجناحين صفة ملكية وَقُوَّة روحانية وَقَالَ الْعلمَاء فِي أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة إِنَّهَا صِفَات ملكية لَا تفهم إِلَّا بالمعاينة فقد ثَبت أَن لجبريل سِتّمائَة جنَاح وَلَا يعْهَد للطير ثَلَاثَة أَجْنِحَة فضلا عَن أَكثر من ذَلِك وَإِذا لم يثبت خبر فِي بَيَان كيفيتها فنؤمنُ بهَا من غير بحث عَن حَقِيقَتهَا قَالَ حَافظ ابْن حجر وَهَذَا الَّذِي جزم بِهِ فِي مقَام الْمَنْع وَالَّذِي حَكَاهُ عَن الْعلمَاء لَيْسَ صَرِيحًا فِي الدّلَالَة على مَا ادَّعَاهُ وَلَا مَانع من الْحمل على الظَّاهِر إِلَّا من جِهَة مَا ذكره من الْمَعْهُود وَهُوَ قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَهُوَ ضعيفٌ وَكَون الصُّور البشرية أشرف الصُّور لَا يمنعُ من حَمْلِ الْخَبَر على ظَاهره لِأَن الصُّور بَاقِيَة وَقد روى الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من مُرْسل عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَن جناحي جَعْفَر من ياقوت وَجَاء فِي جناحي جِبْرِيل أَنَّهُمَا من لُؤْلُؤ أخرجه ابْن مَنْدَه فِي تَرْجَمَة ورقة وَذكر مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي أَن يعلى بن أُميَّة قدم بِخَبَر أهل مُؤْتَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

إِن شئتَ فَأَخْبرنِي وَإِن شئتَ فأخبرتك قَالَ أَخْبرنِي فَأخْبرهُ خبرهم فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تركتَ من حَدِيثهمْ حرفا لم تذكره وَعند الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي الْيُسْر الْأنْصَارِيّ أَن أَبَا عَامر الْأَشْعَرِيّ هُوَ الَّذِي أخبر النَّبِي

بمصابهم وفيهَا فتح مَكَّة فِي رَمَضَان لنقض قُرَيْش الْعَهْد فَخرج

وَمَعَهُ عشرَة

ص: 246

آلَاف يَوْم الْأَرْبَعَاء بعد الْعَصْر لعشر مضين من رَمَضَان فَفَتحهَا صلحا أَو عنْوَة على الْخلاف وَخرج سادس شَوَّال إِلَى حنين فَهَزَمَهُمْ وَقتل من الْمُشْركين أَكثر من سبعين وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين أَرْبَعَة ونادى مناديه من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَأخذ مِنْهَا غَنَائِم فَقَسمهَا بالجعرانة وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي زَاد الْمعَاد الْفَتْح الْأَعْظَم الْمُبين الَّذِي أعز الله بِهِ دينه وَرَسُوله وجنده وَحرمه الْأمين واستنقذ بِهِ بَلَده وبيته الَّذِي جعله هدى للْعَالمين من أَيدي الْكفَّار وَالْمُشْرِكين وَهُوَ الْفَتْح الَّذِي استبشر بِهِ أهل السَّمَاء وَضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء وَدخل النَّاس بِهِ فِي دين الله أَفْوَاجًا وأشرَقَ بِهِ وَجه الأَرْض ضِيَاء وابتهاجا خرج لَهُ

بكتائب الْإِسْلَام وجنود الرَّحْمَن لنقض قُرَيْش الْعَهْد الَّذِي وَقع بِالْحُدَيْبِية لِأَنَّهُ كَانَ قد وَقع الشَّرْط أَن من أحب أَن يدْخل فِي عقد رَسُول الله

وَعَهده فعل وَمن أحب أَن يدْخل فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ فعل فَدخلت بَنو بكر فِي عقد قُرَيْش وَعَهْدهمْ وَدخلت خُزَاعَة فِي عقد رَسُول الله

وَعَهده وَكَانَ بَين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى فِي الْجَاهِلِيَّة فتشاغلوا عَن ذَلِك لما ظهر الْإِسْلَام فَلَمَّا كَانَت الْهُدْنَة خرج نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلِي من بني بكر فِي بني الديل حَتَّى بيَّتَ خُزَاعَة وهم على مَاء لَهُم يُقَال لَهُ الْوَتِير فَأصَاب مِنْهُم رجلا يُقَال لَهُ مُنَبّه واستيقظت لَهُم خُزَاعَة فَاقْتَتلُوا إِلَى أَن دخلُوا الْحرم وَلم يتْركُوا الْقِتَال وأمدت قُرَيْش بني بكر بِالسِّلَاحِ وَقَاتل بَعضهم مَعَهم لَيْلًا فِي خُفْيَة وَخرج عَامر الْخُزَاعِيّ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا من خُزَاعَة فقدموا على رَسُول الله

يخبرونه بِالَّذِي أَصَابَهُم ويستنصرونه فَقَامَ وَهُوَ يجر رِدَاءَهُ وَيَقُول لَا نصرت إِن لم أَنْصُركُمْ بِمَا أنْصر بِهِ نَفسِي

ص: 247

وَفِي المعجم الصَّغِير للطبراني من حَدِيث مَيْمُونَة أَنَّهَا سمعته

يَقُول فِي متوضئه لَيْلًا لبيْك لبيْك ثَلَاثًا نصرت نصرت ثَلَاثًا فَقَالَت كَأَنَّك تكلم إنْسَانا فَهَل كَانَ مَعَك أحد فَقَالَ

هَذَا راجز بني كَعْب يستصرخني وَيَزْعُم أَن قُريْشًا أعانَتْ عَلَيْهِم بني بكر ثمَّ خرج عليه الصلاة والسلام فَأمر عَائِشَة أَن تجهزه وَلَا تُعْلِم أحدا قَالَت فَدخل عَلَيْهَا أَبُو بكر فَقَالَ يَا بنية مَا هَذَا الجهاز فَقَالَت مَا أَدْرِي فَقَالَ وَالله مَا هَذَا زمَان غَزْو بني الْأَصْفَر فَأَيْنَ يُرِيد رَسُول الله

قَالَت وَالله لَا علم لي قَالَت فَأَقَمْنَا ثَلَاثًا ثمَّ صلى الصُّبْح بِالنَّاسِ فَسمِعت الراجز ينشد // (من الرجز) //

(يَا رّبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا

)

(حِلْفَ أَبِينَا وَأبِيهِ الأَتْلَدَا

)

(إِنَّا وَلَدْنَاكَ فَكُنْتَ الوَلَدَا

)

(ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِع يَدَا

)

(إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا

)

(وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤّكَّدَا

)

(وزعَمُوا أنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا

)

(فَانْصُرْ هَدَاكَ اللهُ نصْرًا أَيّدَا

)

(وادْعُ عِبَادَ اللهِ يَأْتُوا مَدَدَا

)

(فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ قَدْ تَجَرَّدَا

)

(أَبْيَضَ كَالْبَدْرِ تَنَمَّى صُعُدَا

)

(إِن سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا

)

قَالَ فِي الْقَامُوس وَتَربد بالراء تغير انْتهى وَزَاد ابْن إِسْحَاق

(هُمْ بَيَّتُونَا بالْوَتيرِ هُجَّدَا

)

ص: 248

(وقَتَّلُونَا رُكَّعًأ وَسُجَّدا

)

(وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا

)

(وَهمْ أذَلُ وَأقَل عَدَدَا)

فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

نصرت يَا عَمْرو بن سَالم فَكَانَ ذَلِك مَا هاج فتح مَكَّة وَقد ذكر الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بعض الأبيات وَقدم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب على رَسُول الله

الْمَدِينَة يسْأَله أَن يجدد الْعَهْد وَيزِيد فِي الْمدَّة فَدخل على ابْنَته رَملَة زوج النَّبِي

فَذهب ليجلس على فرَاش رَسُول الله

فَقَالَت مَكَانك فطوته عَنهُ وَقَالَت إِنَّك رِجْس فَقَالَ لَهَا لقد أَصَابَك بعدِي شَر يَا بنية فَلَمَّا أَتَى رَسُول الله

سَأَلَهُ فِيمَا جَاءَ لصدده فَأبى عَلَيْهِ وَلم يجبهُ فَكلم أَبَا بكر ثمَّ عمر ثمَّ عليا فَلم يجبهُ أحد مِنْهُم فَدخل بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله

فَقَالَ لَهَا يَا بنة مُحَمَّد إِنِّي دَاخل على ابْنك الْحسن أَن يجير بَين النَّاس فَقَالَت مَا بلغ ابْني أَن يجير بَين النَّاس فَقَالَ لعَلي إِنَّك أمسُ الْقَوْم بِي رحما فَمَا تُشِير بِهِ عَليّ فَقَالَ لَهُ عَليّ إِنَّك سيد كنَانَة وَمَا أرى لَك إِلَّا أَن تقوم فتجير بَين النَّاس وَمَا أرَاهُ مجديَاً شَيْئا فغدا على النَّاس فِي الْمَسْجِد فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أجرت بَين النَّاس ثمَّ ركب نَاقَته فَعَاد إِلَى مَكَّة فَقَالُوا مَاذَا صنعت فَأخْبرهُم بِمَا كَانَ فَقَالُوا أفأجاز ذَلِك مُحَمَّد وَأَبُو بكر وَعمر فَقَالَ لَا فَقَالُوا مَا زِدْت على أَن لعب بك ابْن أبي طَالب وتجهزَ رسولُ الله

من غير إِعْلَام أحد بذلك فَكتب حَاطِب كتابا وأرسله إِلَى مَكَّة يخبر بذلك فَأطلع الله نبيه على ذَلِك فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لعَلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر والمقداد انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا قَالَ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا أَخْرِجِي الْكتاب قَالَت مَا معي كتاب فَقُلْنَا لتخْرجن الْكتاب أَو لنلقين الثِّيَاب قَالَ فَأَخْرَجته من عقاصها فأتينا بِهِ رَسُول الله

فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى نَاس من الْمُشْركين بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول الله

فَقَالَ يَا حَاطِب مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُول الله لَا تعجَل عَليّ إِنِّي كنت امْرأ مُلْصقًا فِي

ص: 249

قُرَيْش يَقُول كنت حليفاً وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قَرَابَات يحْمُونَ أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا يحْمُونَ قَرَابَتي وَلم أَفعلهُ ارْتِدَادًا عَن ديني وَلَا رِضاً بالْكفْر بعد الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله

أما إِنَّه قد صدقكُم فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ إِنَّه قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على من شهد بَدْرًا فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أيُها الذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدوي وَعَدُوكُم أوَلياءَ تُلقُون إلَيهِم بِالمَوَدةِ} إِلَى قَوْله {فقد ضل سَوَاء السَّبِيل} قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَإِنَّمَا قَالَ عمر رضي الله عنه دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق مَعَ تَصْدِيق رَسُول الله

لحاطب فِيمَا اعتذر بِهِ لما كَانَ عِنْد عمر من الْقُوَّة فِي الدّين وبغض الْمُنَافِقين فَظن أَن من خَالف مَا أَمر بِهِ النَّبِي

اسْتحق القتلَ لكنه لم يجْزم بذلك فَلذَلِك اسْتَأْذن فِي قَتله وَأطلق عَلَيْهِ منافقَاً لكَونه أبطن خلاف مَا أظهر وَعذر حَاطِب مَا ذكره فَإِنَّهُ صنع ذَلِك متأولاً أَن لَا ضَرَر فِيهِ وَعند الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْحَارِث عَن على فِي هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم فأرشد إِلَى عِلّة ترك قَتله وَعند الطَّبَرِيّ أَيْضا عَن عُرْوَة فَإِنِّي غَافِر لكم وَهَذَا يدل على أَن المُرَاد بقوله غفرت أَغفر على طَرِيق التَّعْبِير عَن الْآتِي بالواقع مُبَالغَة فِي تحَققه قَالَ وَالَّذِي يظْهر أَن هَذَا الْخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أَن هَؤُلَاءِ حصلت لَهُم حَالَة غفرت بهَا ذنوبهم السالفة وتأهلوا أَن يغْفر لَهُم مَا يسْتَأْنف من الذُّنُوب اللاحقة وَقد أظهر الله صدق رَسُوله فِي كل مَا أخبر عَنهُ بِشَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُم لم يزَالُوا على أَعمال أهل الْجنَّة إِلَى أَن فارقوا الدُّنْيَا وَلَو قدر صُدُور شَيْء من أحدهم لبادر إِلَى التَّوْبَة ولازم الطَّرِيقَة المثلى يعلم ذَلِك من أَحْوَالهم بِالْقطعِ من اطلع على سيرهم قَالَه الْقُرْطُبِيّ

ص: 250

وَذكر بعض أهل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي تَفْسِير يحيى بن سَلام أَن لفظ الْكتاب الَّذِي كتبه حَاطِب أما بعد يَا معشر قُرَيْش فَإِن رَسُول الله

جَاءَكُم بِجَيْش كالليل يسير كالسيل فوَاللَّه لَو جَاءَكُم وَحده لنصره الله وأنجز لَهُ فانظروا لأنفسكم كَذَا حَكَاهُ السُّهيْلي وروى الْوَاقِدِيّ بِسَنَد مُرْسل أَن حاطبَاً كتب إِلَى سُهَيْل بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة وَعِكْرِمَة أَن رَسُول الله

أذنَ فِي النَّاس بالغزو لَا أرَاهُ يُرِيد غَيْركُمْ فَأَحْبَبْت أَن تكون لي عنْدكُمْ يَد انْتهى وَبعث رَسُول الله

إِلَى من حوله من الْعَرَب فجلبهم أسلم وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة وَأَشْجَع وسليم فَمنهمْ من وافاه بِالْمَدِينَةِ وَمِنْهُم من لحقه بِالطَّرِيقِ فَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي غَزْوَة الْفَتْح عشرَة آلَاف وَفِي الإكليل وَشرف الْمُصْطَفى اثْنَا عشر ألفا وَيجمع بَينهمَا بِأَن الْعشْرَة آلَاف خرج بهَا من نفس الْمَدِينَة ثمَّ تلاحق بِهِ الألفان واستخلف على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم وَقيل أَبَا رهم الْغِفَارِيّ وَخرج عليه الصلاة والسلام يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشر خلون من رَمَضَان بعد الْعَصْر فِي ثَمَان من الْهِجْرَة قَالَه الْوَاقِدِيّ وَعند أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي سعيد قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله

عَام الْفَتْح لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان فَمَا قَالَه لَيْسَ بِقَوي لمُخَالفَته مَا هُوَ أصحُ وَفِي تعْيين هَذَا التَّارِيخ أَقْوَال أخر مِنْهَا عِنْد مُسلم لست عشرَة وَلأَحْمَد ثَمَانِي عشرَة وَفِي أُخْرَى لثنتي عشرَة وَالَّذِي فِي الْمَغَازِي لِابْنِ عقبَة لتسْع عشرَة مَضَتْ وَهُوَ مَحْمُول على الِاخْتِلَاف فِي أول الشَّهْر وَوَقع فِي أُخْرَى تسع عشرَة أَو سبع عشرَة على الشَّك وَلما بلغ

الكدِيد بِفَتْح الْكَاف المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان أفطر فَلم

ص: 251

يزل مُفطرا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَفِي أُخْرَى لَهُ أفطر وأفطروا

الحَدِيث وَكَانَ الْعَبَّاس قد خرج قبل ذَلِك بأَهْله وَعِيَاله مُسلما مُهَاجرا فلقي رَسُول الله

بِالْجُحْفَةِ وَكَانَ قبل ذَلِك مُقيما بِمَكَّة على سقايته وَرَسُول الله

عَنهُ رَاض وَكَانَ مِمَّن لقِيه بِالطَّرِيقِ أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث ابْن عَمه عليه الصلاة والسلام وَأَخُوهُ من إِرْضَاع حليمة السعدية وَمَعَهُ وَلَده جَعْفَر بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَبُو سُفْيَان يألف رَسُول الله

فَلَمَّا بعث عَادَاهُ وهجاه وَكَانَ لقاؤهما لَهُ عليه الصلاة والسلام بالأبواء وأسلما قبل دُخُول مَكَّة وَقيل بل لقِيه هُوَ وَعبد الله بن أبي أُميَّة ابْن عمته عَاتِكَة بنيت عبد الْمطلب بَين السقيا وَالْعَرج فَأَعْرض

عَنْهُمَا لما كَانَ يلقى مِنْهُمَا من شدَّة الأذَى والهَجوِ فَقَالَت لَهُ أم سَلمَة لَا يكنِ ابْن عمك وَابْن عَمَّتك أَشْقَى الناسِ بك وَقَالَ عَليّ لأبي سُفْيَان فِيمَا حَكَاهُ ابْن عَمْرو وَصَاحب ذخائر العقبى ائْتِ رَسُول الله

من قبل وَجهه فَقل لَهُ مَا قَالَ إخْوَة يُوسُف ليوسف {تَاللهِ لَقَد آثَرَكَ الله علينا وَإِن كُنَّا لخاطئين} فَإِنَّهُ لَا يرضى أَن يكون أحد أحسن مِنْهُ قولا فَفعل ذَلِك أَبُو سُفْيَان فَقَالَ

{لَا تَثْرِيب عَلَيكمٌ اليوَمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} وَيُقَال إِنَّه مَا رفع رَأسه إِلَى رَسُول الله

مُنْذُ أسلم حَيَاء مِنْهُ قَالُوا ثمَّ سَار رَسُول الله

فَلَمَّا كَانَ بِقديد عقد الألوية والرايات وَدفعهَا إِلَى الْقَبَائِل ثمَّ نزل مر الظهْرَان عشَاء فَأمر أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَلم يبلغ قُريْشًا مسيره وهم مغتمون لما يخَافُونَ من غَزوه إيَّاهُم فبعثوا أَبَا سُفْيَان بن حَرْب وَقَالُوا إِن لقِيت مُحَمَّدًا فَخذ لنا مِنْهُ أَمَانًا فَخرج أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام وَبُدَيْل بن وَرْقَاء حَتَّى أَتَوا مر الظهْرَان فَلَمَّا رَأَوْا الْعَسْكَر أفزعهم قَالَ البُخَارِيّ فَإِذا هم بنيران كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا هَذِه كَأَنَّهَا نيران عَرَفَة فَقَالَ بديل بن وَرْقَاء نيران بني عَمْرو فَقَالَ أَبُو سُفْيَان بَنو عَمْرو أقَل من ذَلِك فَرَآهُمْ نَاس من حَرَسِ رَسُول الله

فأدركوهم فَأَخَذُوهُمْ

ص: 252

فَأتوا بهم إِلَى رَسُول الله

فَأسلم أَبُو سُفْيَان فَلَمَّا سَار قَالَ للْعَبَّاس احْبِسْ أَبَا سُفْيَان عِنْد حطم الْخَيل حَتَّى ينظر إِلَى الْمُسلمين فحبسه الْعَبَّاس فَجعلت الْقَبَائِل تمر مَعَ النَّبِي

كَتِيبَة كَتِيبَة على أبي سُفْيَان فمرت كَتِيبَة فَقَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه قَالَ هَذِه غفار قَالَ مَا لي وَلِغفار ثمَّ مرت جُهَيْنَة فَقَالَ مثل ذَلِك حَتَّى أَقبلت كَتِيبَة لم ير مثلهَا قَالَ من هَذِه قَالَ هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار عَلَيْهِم سعد بن عبَادَة مَعَه الرَّايَة فَقَالَ سعد بن عبَادَة يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَا عَبَّاس حبذا يَوْم الذمَار بِالْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَة أَي الْهَلَاك قَالَ الْخطابِيّ تمنى أَبُو سُفْيَان أَن يكون لَهُ يَد فيحمي قومه وَيدْفَع عَنْهُم وَقيل هَذَا يَوْم الْغَضَب للحريم والأهل والانتصار لَهُم مِمَّن قدر عَلَيْهِ وَقيل هَذَا يَوْم يلزمك فِيهِ حفظي وحمايتي من أَن ينالني مَكْرُوه وَقَالَ ابْن إِسْحَاق زعم بعض أهل الْعلم أَن سَعْدا قَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة فَسَمعَهَا رجل من الْمُهَاجِرين فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا آمنُ أَن يكون لسعد فِي قُرَيْش صولة فَقَالَ لعَلي أدْركهُ فَخذ الرَّايَة مِنْهُ فكنْ أنْتَ الَّذِي تدخلُ بهَا وَقد روى الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي

لما حاذاه أمرتَ بقتل قَوْمك قَالَ لَا فَذكر لَهُ مَا قَالَ سعد بن عبَادَة ثمَّ ناشده الله والرَحِمَ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم المرحمة ن الْيَوْم يَوْم يعز الله قُريْشًا وَأرْسل إِلَى سعد فَأخذ الرَّايَة مِنْهُ فَدَفعهَا إِلَى ابْنه قيس وَعند ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ لما قَالَ سعد بن عبَادَة ذَلِك عارضت امْرَأَة من قُرَيْش رَسُول الله

فَقَالَت // (من الْخَفِيف) //

(يَا نبيَّ الهُدَى إِلَيْك لَجَا

حَتى قُرَيشٍ وَلاتَ حِينَ لجاءِ)

(حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ سَعَةُ الأَرْضِ

وَعَادَاهُمُ إلهُ السَّمَاءِ)

(التقَتْ حَلْقَتَا البِطَانِ عَلَى القَوْمِ

ونُودُوا بالصَّيْلَمِ الصَّلْعَاءِ)

(إِنَّ سَعْداً يُرِيدُ قاصمة الظَّهْرِ

بأَهْلِ الحجُونِ والبطحاءِ)

ص: 253

(خَزْرَجِيٌّ لَوْ يَسْتَطِيعُ مِنَ الغَيْظِ

رَمَانَا بِالنَّسْرِ والعوَّاءِ)

(وَغِرُ الصَّدْرِ لَا يَهِمُّ بِشَيءٍ

غَيْرِ سَفْكِ الدما وسَبْىِ النِّسَاءِ)

(قد تلظَّى عَلَى البِطَاحِ وجاءَتْ

عِنْدَ هِنْدٍ بالسَّوْأَةِ السَّوْدَاءِ)

(إِذْ يُنَادِي بِذُلٍّ حَيٍّ قُريشٍ

وابنُ حَرب بِذَا مِنَ الشُهَدَاءِ)

(فَلَئِنْ أقحَمَ اللوَاء ونَادَى

يَا حمَاةَ اللِّواءِ أَهْلَ اللِّواءِ)

(ثمَّ ثابَتْ إِليه مَنْ بهمُ الخَزْرجُ

والأوسُ أَنْجُمُ الهَيْجَاءِ)

(لتَكُونن بالبِطَاحِ قُرَيْشٌ

فقعة القَاعِ فِي أَكُفِّ الإِمَاءِ)

(فَانْهَيَنْهُ فإِنهُ أَسَدُ الأُسْد

لَدَى الغَابِ والغاً فِي الدّمَاءِ)

(إِنَّهُ مُطْرِقٌ يُدِيِرُ لَنَا الأَمْرَ

سكوناً كالحيَّةِ الصَّمَّاءِ)

قلت وَفِي سيرة ابْن سيد النَّاس عزوا هَذَا الشّعْر لِضِرَار بن الْخطاب الفِهري فَلَمَّا سمع هَذَا الشّعْر دَخلته رأفة لَهُم وَرَحْمَة فَأمر بالراية فأخذَتْ من سعد وَدفعت إِلَى ابْنه قيس وَعند أبي يعلى من حَدِيث الزبير أَن النَّبِي

دَفعهَا إِلَيْهِ فَدخل مَكَّة بلواءين وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا لكنْ جزم مُوسَى بن عقبَة فِي الْمَغَازِي عَن الزُّهْرِيّ أَنه دَفعهَا إِلَى الزبير بن الْعَوام فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِيمَن دفعت إِلَيْهِ الرَّايَة الَّتِي نزعت من سعد وَالَّذِي يظْهر فِي الْجمع أَن عليا أرسل بهَا لينزعها وَيدخل بهَا ثمَّ خشِي تغير خاطر سعد فَأمر بدفعها إِلَى ابْنه قيس ثمَّ إِن سَعْدا خشِي أَن يَقع من ابْنه شَيْء يُنكره

فَسَأَلَ النَّبِي

أَن يَأْخُذهَا مِنْهُ فَأَخذهَا الزبير حِينَئِذٍ

ص: 254

قَالَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ ثمَّ جاءَتْ كَتِيبَة فِيهَا رَسُول الله

وَأَصْحَابه وَرَايَة النَّبِي

مَعَ الزبير فَلَمَّا مر رَسُول الله

بِأبي سُفْيَان قَالَ ألم تعلم مَا قَالَ سعد بن عبَادَة قَالَ مَا قَالَ قَالَ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ كذب سعد وَلَكِن هَذَا يَوْم يعظم الله فِيهِ الْكَعْبَة وَيَوْم تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَة قَالَ وَأمر رَسُول الله

أَن تركز رايته بالحجون قَالَ وَقَالَ عُرْوَة وَأَخْبرنِي نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول للزبير بن الْعَوام يَا أَبَا عبد الله هَا هُنَا أَمرك رَسُول الله

أَن تركز الرَّايَة قَالَ نعم وَأمر رَسُول الله

خَالِد بن الْوَلِيد أَن يدْخل من أَعلَى مَكَّة من كَدَاء بِالْفَتْح وَالْمدّ وَدخل النَّبِي

من كُدى بِالضَّمِّ وَالْقصر فَقتل من خيل خَالِد يَوْمئِذٍ رجلَانِ حُبَيْش بن الْأَشْقَر وكرز بن جَابر الفِهري قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَهَذَا مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْآتِيَة أَن خَالِدا دخل من أَسْفَل مَكَّة وَالنَّبِيّ

من أَعْلَاهَا يعْنى حَدِيث ابْن عمر أَنه

أقبل يَوْم الْفَتْح من أَعلَى مَكَّة على رَاحِلَته مردفاً أُسَامَة بن زيد وَحَدِيث عَائِشَة أَنه

دخل عَام الْفَتْح من كداء الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّة وَغَيرهمَا قَالَ وَقد سَاق ذَلِك مُوسَى بن عقبَة سياقاً وَاضحا فَقَالَ وَبعث رَسُول الله

الزبير بن الْعَوام على الْمُهَاجِرين وخيلهم وأمرهن يدخلنَ من كداء من أَعلَى مَكَّة وَأمره أَن يغرز رايته بالحجون وَلَا يبرح حَتَّى يَأْتِيهِ وَبعث خَالِد بن الْوَلِيد فِي قبائل قضاعة وسُلَيم وَغَيرهم وَأمره أَن يدْخل من أَسْفَل مَكَّة وَأَن يغرز رايته عِنْد أدنى الْبيُوت وَبعث سعد بن عبَادَة فِي كَتِيبَة الْأَنْصَار فِي مُقَدّمَة رَسُول الله

وَأمرهمْ أَن يكفوا أَيْديهم عَن الْقِتَال وَلَا يقاتلوا إِلَّا من قَاتلهم واندفع خَالِد بن الْوَلِيد حَتَّى دخل من أَسْفَل مَكَّة وَقد تجمع بَنو بكر وَبَنُو الْحَارِث بن عبد منَاف وناس من هُذَيْل وَمن الْأَحَابِيش الَّذين استنصرت بهم قُرَيْش فَقَاتلُوا خَالِدا فَقَاتلهُمْ فَانْهَزَمُوا وَقتل من بني بكر نَحْو من عشْرين رجلا وَمن هُذَيْل ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة حَتَّى انْتهى بهم الْقَتْل إِلَى الْحَزْوَرَة إِلَى بَاب الْمَسْجِد حَتَّى دخلُوا الدّور فارتفعت طَائِفَة مِنْهُم على الْجبَال وَصَاح أَبُو سُفْيَان من دخل دَار

ص: 255

أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن فَقَالَت لَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة وَأخذت بشاربه اقْتُلُوا الحميت الدسم الأحمش قُبحتَ من طَلِيعَة قوم وَمَا تغني دَارك ثمَّ قَالَ وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق بَابه وكف يَده فَهُوَ آمن قَالَ وَنظر رَسُول الله

إِلَى البارقة فَقَالَ مَا هَذَا وَقد نهيت عَن الْقِتَال فَقَالُوا نظن أَن خَالِدا قوتل وبدىء بِالْقِتَالِ فَلم يكن لَهُ بُد من أَن يقاتلهم قَالَ وَقَالَ رَسُول الله

بعد أَن اطْمَأَن لخَالِد بن الْوَلِيد لم قاتلتَ وَقد نهيتك عَن الْقِتَال فَقَالَ هم بدءونا بِالْقِتَالِ وَقد كَفَفْت يَدي مَا استطعتُ فَقَالَ قَضَاء الله خير وَعند ابْن إِسْحَاق فَلَمَّا نزل

مر الظهْرَان رقت نفس الْعَبَّاس لأهل مَكَّة فَخرج لَيْلًا رَاكِبًا بغلة النَّبِي

لكَي يجد أحدا فَيعلم أهل مَكَّة بمجيء النَّبِي

فيستأمنوه فَلَمَّا بلغ الْأَرَاك سمع الصَّوْت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَحَكِيم بن حزَام يتناجيان فَقَالَ الْعَبَّاس أَبَا حَنْظَلَة فَقَالَ أَبُو سُفْيَان أَبَا الْفضل فتلاقيا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان واصباح قُرَيْش إِن دَخلهَا عَلَيْهِم عنْوَة فَأرْدف أَبَا سُفْيَان خَلفه وأتى بِهِ النَّبِي

وَانْصَرف الْآخرَانِ ليعلما أهل مَكَّة روى أَن عمر بن الْخطاب لما رأى أَبَا سُفْيَان رَدِيف الْعَبَّاس قَالَ أَبُو سُفْيَان عَدو الله الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك من غير عقد وَلَا عهد قَالَ الْعَبَّاس ثمَّ عدا فركضتُ البغلة فسبقته بِمَا تسبق البغلة الرجل البطيء فَدخل بِهِ على رَسُول الله

فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد أجرته فَقَالَ

اذْهَبْ بِهِ يَا عَبَّاس إِلَى رحلك فَإِذا أَصبَحت فَأتني بِهِ فَذهب فَلَمَّا أصبح غَدا بِهِ على رَسُول الله

فَوقف عمر بن الْخطاب على رَأسه وَقَالَ دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عُنُقه فَقَالَ الْعَبَّاس أما إِنَّه لَو كَانَ من آل الْخطاب لما قلت هَذَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمَكَ وأكرمك وأوصَلَكَ قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم إِنِّي رَسُول الله فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمَكَ وأكرمك وأوصَلَكَ أما هَذِه فَفِي النَّفس مِنْهَا شَيْء فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس وَيحك أسلم واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قبل أَن تضرب عُنُقك فَأسلم وَشهد شَهَادَة الْحق وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي

ص: 256

حِينَئِذٍ فَمَا أصنع بالعُزى فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه تخرأ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان إِنَّك يَا ابْن الْخطاب رجل فَاحش وَلم أخاطبك إِنَّمَا أخاطب ابْن عمي فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله

إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا قَالَ نعم وَأمر

فَنَادَى مناديه من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن إِلَّا المستثنين وهم كَمَا قَالَه مغلطاي وَغَيره عبد الله بن سعد بن أبي سرح أسلم وَابْن خَطَلٍ قَتله أَبُو بَرزَة وقينتاه وهما فَرتَنَا بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَة وَالرَّاء الساكنة والمثناة الْفَوْقِيَّة وَالنُّون وقُلَيبَة بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَة مُصَغرًا أسلمت إِحْدَاهمَا وَقتلت الْأُخْرَى وسَارَة مولاة لبني الْمطلب وَيُقَال كَانَت مولاة عمر بن ضبع بن هِشَام وأرْنَب علم امْرَأَة وقرينة قتلت وَعِكْرِمَة بن أبي جهل أسلم والْحَارث بن نفَيْل قَتله عَليّ وَمقيس بن صُبَابة بِمُهْملَة مَضْمُومَة وموحدتين الأولى خَفِيفَة قَتله نميلَة اللَّيْثِيّ وَهَبَّار بن الْأسود أسلم وَهُوَ الَّذِي عرض لِزَيْنَب بنت رَسُول الله

حِين هَاجَرت فَنَخَسَ بَعِيرهَا حَتَّى سقطَت على صَخْرَة وأسقطت جَنِينهَا وَكَعب بن زُهَيْر أسلم وَهِنْد بنت عتبَة أسلمت وَوَحْشِي بن حَرْب أسلم انْتهى وَابْن خَطَلٍ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وَابْن نُقَيدٍ بِضَم النُّون وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة آخِره دَال مُهْملَة وَقد جمع الْوَاقِدِيّ عَن شُيُوخه أَسمَاء من لم يُؤمن يَوْم الْفَتْح وَأمر بقتل عشرَة أنفس سِتَّة رجال وَأَرْبع نسْوَة روى أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أقبل رَسُول الله

وَقد بعث على إِحْدَى المجنبتين خَالِد بن الْوَلِيد وَبعث الزبير على الْأُخْرَى وَبعث أَبَا عُبَيْدَة على الحُسر بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة أَي الَّذين بِغَيْر سلَاح فَقَالَ لي يَا أَبَا هُرَيْرَة اهتف لي بالأنصار فهتفت بهم فَجَاءُوا فطافوا بِهِ فَقَالَ لَهُم ترَوْنَ إِلَى أوباش قُرَيْش وأتباعهم فَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى احصدوهم حصداً حَتَّى توافوني بالصفا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَانْطَلَقْنَا فَمَا نشَاء أَن نقْتل أحدا مِنْهُم إِلَّا قَتَلْنَاهُ فجَاء أَبُو سُفْيَان فَقَالَ يَا رَسُول الله أُبيحت خضراء قُرَيْش لَا قّريشَ بعد الْيَوْم فَقَالَ

من أغلق بَابه

ص: 257

فَهُوَ آمن قَالَ فِي فتح الْبَارِي وَقد تمسك بِهِ من قَالَ إِن مَكَّة فتحت عنْوَة وَهُوَ قَول الْأَكْثَر وَعَن الشَّافِعِي وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد إِنَّهَا فتحت صلحا لما وَقع من هَذَا التَّأْمِين ولإضافة الدّور إِلَى أَهلهَا لِأَنَّهَا لم تقسم وَلِأَن الْغَانِمين لم يملكُوا دورها وَإِلَّا لجَاز إِخْرَاج أهل الدّور مِنْهَا وَحجَّة الْأَوَّلين مَا وَقع التَّصْرِيح بِهِ من الْأَمر بِالْقِتَالِ ووقوعه بِخَالِد بن الْوَلِيد وبتصريحه عليه الصلاة والسلام بِأَنَّهَا أحلتْ لَهُ سَاعَة من نَهَار وَنَهْيه عَن التأسي بِهِ فِي ذَلِك وَأَجَابُوا عَن ترك الْقِسْمَة بِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم عدم الْقِسْمَة وَقد تفتح الْبَلَد عنْوَة ويمن على أَهلهَا وتترك لَهُم دُورهمْ قَالَ وَأما قَول النَّوَوِيّ وَاحْتج الشَّافِعِي بالأحاديث الْمَشْهُورَة أَن النَّبِي

صَالحهمْ على مر الظهْرَان قبل دُخُول مَكَّة فَفِيهِ نظر لِأَن الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِن كَانَ مُرَاده مَا وَقع من قَوْله

من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن كَمَا تقدم وَكَذَا من دخل الْمَسْجِد كَمَا عِنْد ابْن إِسْحَاق فَإِن ذَلِك لَا يُسمى صلحا إِلَّا إِذا الْتزم من أَشَارَ إِلَيْهِ بذلك الْكَفّ عَن الْقِتَال وَالَّذِي ورد فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ظَاهر فِي أَن قُريْشًا لم يلتزموا ذَلِك لأَنهم اسْتَعدوا للحرب وَإِن كَانَ مُرَاده بِالصُّلْحِ وقوعَ عقده فَهَذَا لم ينْقل وَمَا أَظُنهُ عَنى إِلَّا الِاحْتِمَال الأول وَفِيه مَا ذكرته انْتهى ثمَّ دخل

فِي كتيبته الخضراء وَهُوَ على نَاقَته الْقَصْوَاء بَين أبي بكر وَأسيد بن حضير فَرَأى أَبُو سُفْيَان مَا لَا قبل لَهُ بُد فَقَالَ للْعَبَّاس يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح مَالك ابْن أَخِيك عَظِيما فَقَالَ الْعَبَّاس وَيحك إِنَّه لَيْسَ بملكٍ وَلكنهَا النُّبُوَّة قَالَ نعم روى أَنه

وضع رَأسه تواضعاً لله لما رأى مَا أكْرمه الله بِهِ من الْفَتْح حَتَّى إِن رَأسه ليكاد يُمْسِي مقدم رَحْله شكرا وخضوعاً لعظمته إِذْ أحل لَهُ بَلَده وَلم يحله

ص: 258

لأحد قبله وَلَا لأحد بعده وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي

دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح وعَلى رَأسه المِغْفَرُ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرَّأْس وَفِي الْمُحكم هُوَ مَا يَجْعَل من فضل درع الْحَدِيد على الرَّأْس مثل القلنسوة فَلَمَّا نَزعه جَاءَهُ رجل فَقَالَ ابْن خطل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَالَ اقتله وَفِي حَدِيث سعيد بن يَرْبُوع عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم أَن رَسُول الله

قَالَ أَرْبَعَة لَا نؤمنهم لَا فِي حل وَلَا فِي حرم الْحُوَيْرِث بن نُقيد وهلال بن خطل وَمقيس بن صُبَابة وَعبد الله بن أبي سرح قَالَ فَأَما هِلَال بن خطل فَقتله الزبير

الحَدِيث وَحَدِيث سعد بن أبي وَقاص عِنْد الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل نَحوه قَالَ أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَانِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَذكره لَكِن قَالَ عبد الله بن خطل بدل هِلَال وَقَالَ عِكْرِمَة بدل الْحُوَيْرِث وَلم يسم الْمَرْأَتَيْنِ وَقَالَ فَأَما عبد الله بن خطل فَأدْرك وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَاسْتَبق إِلَيْهِ سعيد بن حُرَيْث وعمار بن يَاسر فَسبق سعيد عماراً وَكَانَ أشب الرجلَيْن فَقتله الحَدِيث وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ أَن أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قتل ابْن خطل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة // (وَإِسْنَاده صَحِيح مَعَ إرْسَاله) // وَرَوَاهُ أَحْمد من وَجه آخر وَهُوَ أصح مَا ورد فِي تعْيين قَاتله وَبِه جزم البلاذري وَغَيره من أهل الْأَخْبَار وَتحمل بَقِيَّة الرِّوَايَات على أَنهم ابتدروا قَتله وَكَانَ الْمُبَاشر لَهُ مِنْهُم أَبُو بَرزَة وَيحْتَمل أَن يكون غَيره شَاركهُ فِيهِ فقد جزم ابْن هِشَام فِي السِّيرَة بِأَن سعيد بن حُرَيْث

ص: 259

وَأَبا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ اشْتَركَا فِيهِ وَإِنَّمَا أَمر بقتل ابْن خطل لِأَنَّهُ كَانَ مُسلما فَبَعثه

مُصدقا يعْنى لأخذ الصَّدقَات وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَه مولى يَخْدمه وَكَانَ مُسلما وَنزل منزلا فَأمر الْمولى أَن يذبح تَيْسًا ويصنع لَهُ طَعَاما ونام فَاسْتَيْقَظَ وَلم يصنع لَهُ شَيْئا فَعدا عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله

وَأما الْجمع بَين الْأَقْوَال فِي اسْمه أَنه كَانَ يُسمى عبد الْعُزَّى فَلَمَّا أسلم سمى عبد الله وَأما من قَالَ هِلَال فألبس عَلَيْهِ بِأَخ لَهُ اسْمه هِلَال وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من حَدِيث مُصعب لما كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمن رَسُول الله

النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر فَذكرهمْ ثمَّ قَالَ وَأما ابْن أبي سرح فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله

النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ على رَسُول الله

فَقَالَ يَا نَبِي الله بَايع عبد الله فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد ثَلَاث ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ أما كَانَ رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين كَفَفْت عَن بيعَته يقْتله فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا نَدْرِي مَا فِي نَفسك أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا قَالَ إِنَّه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين. . الحَدِيث قَالَ مَالك كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلم يكن رَسُول الله

فِيمَا نرى يَوْمئِذٍ محرما انْتهى وَقَول مَالك هَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك جَازِمًا بِهِ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَرِيب وَيشْهد لَهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر

يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سوداءُ بِغَيْر إحرامِ وروى ابْن أبي شيبَة // (بِإِسْنَاد صَحِيح) // عَن طَاوس قَالَ لم يدْخل النَّبِي

مَكَّة إِلَّا محرما إِلَّا يَوْم فتح مَكَّة

ص: 260

وَقد اخْتلف الْعلمَاء هَل يجبُ على من دخل مَكَّة الْإِحْرَام أم لَا فَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي أَن من قَصدهَا لغير النّسك لَا يجبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَام مُطلقًا وَفِي قَول يجب إِن لم يتَكَرَّر دُخُوله كحطاب وحشاش وصياد وَالْمَشْهُور عَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة الْوُجُوب وَفِي رِوَايَة عَن كل مِنْهُم لَا يجب وَجزم بِهِ الْحَنَابِلَة باستثناء ذوى الْحَاجَات المتكررة وَاسْتثنى الْحَنَفِيَّة من كَانَ دَاخل الْمِيقَات وَالله أعلم وَقد زعم الْحَاكِم فِي الإكليل أَن بَين حَدِيث أنس فِي المغفر وَبَين حَدِيث جَابر فِي الْعِمَامَة السَّوْدَاء مُعَارضة وتعقبوه بِاحْتِمَال أَن يكون أول دُخُوله كَانَ على رَأسه المغفر ثمَّ أزاله وَلبس الْعِمَامَة بعد ذَلِك فَحكى كل مِنْهُمَا مَا رَآهُ وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث أَنه خطب النَّاس وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء أخرجه مُسلم أَيْضا وَكَانَت الْخطْبَة عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَذَلِكَ بعد تَمام الدُّخُول وَهَذَا الْجمع للْقَاضِي عِيَاض وَقَالَ غَيره يجمع بِأَن الْعِمَامَة السَّوْدَاء كَانَت ملفوفة فَوق المغفر وَكَانَت تَحت المغفر وقاية لرأسه الشريف من صدأ الْحَدِيد فَأَرَادَ أنس بِذكر المغفر كَونه دخل متأهباً للحرب وَأَرَادَ جَابر بِذكر الْعِمَامَة كَونه دخل غير محرم وَفِي البُخَارِيّ عَن أُسَامَة بن زيد أَنه قَالَ زمن الْفَتْح يَا رَسُول الله أَيْن تنزل بِنَا غَدا قَالَ

وَهل ترك لنا عَقِيلٌ من منزل وَفِي رِوَايَة هَل ترك لنا عَقِيلٌ من رباع أَو دور وَكَانَ عقيلٌ ورث أَبَا طَالب وطالباً وَلم يرثْ عَليّ وَلَا جَعْفَر شَيْئا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسلمين وَكَانَ عقيل وطالب كافرينِ إِذْ ذَاك فَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول لَا يَرث الْكَافِر الْمُؤمن وَلَا الْمُؤمن الْكَافِر وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام منزلنا إِن شَاءَ الله إِذا فتح

ص: 261

الله الْخيف حَيْثُ تقاسموا على الْكفْر يعْنى بِهِ المحصب وَذَلِكَ أَن قُريْشًا وكنانة تحالفت على بني هَاشم وَالْمطلب أَلا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم حَتَّى يسلمُوا إِلَيْهِم النَّبِي

كَمَا تقدم وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ أَن يَوْم فتح مَكَّة اغْتسل فِي بَيت أم هانىء ثمَّ صلى الضُّحَى ثَمَانِي رَكْعَات قَالَت لم أره صلى صَلَاة أخف مِنْهَا غير أَنه يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وأجارت أم هانىء حموين لَهَا فَقَالَ النَّبِي

قد أجرنا من أجرت يَا أم هانىء وَالرجلَانِ الْحَارِث بن هِشَام وَزُهَيْر بن أُميَّة بن الْمُغيرَة كَمَا قَالَ ابْن هِشَام وَقد كَانَ أَخُوهَا عَليّ بن أبي طَالب أَرَادَ أَن يقتلهما فأغلقتْ عَلَيْهِمَا بَاب بَيتهَا وَذَهَبت إِلَى النَّبِي

وَلما كَانَ الْغَد من يَوْم الْفَتْح قَامَ عليه الصلاة والسلام خَطِيبًا فِي النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ومجده بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس إِن لله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات والأرضَ فهى حرَام بِحرْمَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يحل لامرىء يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يسفك بهَا دَمًا أَو يَعضُدَ بهَا شَجَرَة فَإِن أحد ترخص فِيهَا لقِتَال فَقولُوا إِن الله أذن لرَسُوله وَلم يَأْذَن لكم وَإِنَّمَا أحلَّتْ لي سَاعَة من نَهَار وَقد عَادَتْ حرمتهَا الْيَوْم كحرمتها بالْأَمْس فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش مَا ترَوْنَ أَنِّي فَاعل فِيكُم قَالُوا خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء أَي الَّذين أطْلقُوا فَلم يسترقوا وَلم يؤسروا والطليق الْأَسير إِذا أطلق وَالْمرَاد بالساعة الَّتِي أحلتْ لَهُ عليه الصلاة والسلام مَا بَين أول النَّهَار وَدخُول الْعَصْر كَذَا قَالَه فِي فتح الْبَارِي قَالَ فِي الْمَوَاهِب وَلَقَد أَجَاد الْعَلامَة أَبُو مُحَمَّد السَّرقسْطِي حَيْثُ يَقُول فِي قصيدته الْمَشْهُورَة // (من الْبَسِيط) //

(وَيَوْم مكَّة إذْ أشرفْتَ فِي أممٍ

يضيقُ عَنْهَا فِجَاجُ الوَعْثِ والسهلِ)

ص: 262

(خوافقٌ ضَاقَ ذَرْعُ الخافقَيْنِ بهَا

فِي قائمٍ من عَجَاجِ الخَيْلِ والإِبلِ

)

(وَجَحْفَلٍ قَذَفَ الأرْجَاءَ ذِي لَجَبٍ

عَرَمرَمٍ كَزُهَاءِ الليلِ مُنْسَجِلِ)

(وأنتَ صلَّى عليكَ الله تقدمُهُمْ

فِي بَهْوِ إشراقِ نورٍ مِنْك مُكْتَمِلِ)

(تنيرُ فوقَ أغرِّ الوجهِ منتجبٍ

متوِّجٍ بعزيزِ النَّصْرِ مُقْتبلِ)

(تسمو أمامَ جنودِ الله مُرْتدياً

ثوبَ الوَقَارِ لأمرِ اللهِ ممتثلِ)

(خَشَعْتَ تحْتَ بهاء العزِّ حِين سمَتْ

بكَ المهابةُ فعلَ الخائفِ الوَجِلِ)

(وَقد تباشرْنَ أملاكُ السماءِ بِمَا

مَلَكْتَ إِذْ نلْتَ مِنْهُ غايةَ الأملِ)

(والأرضُ تَرْجِفُ من زَهْوٍ وَمن فَرَقٍ

والجوُّ يُزْهِرُ إشراقاً من الجَذَلِ)

(والخيلُ تَخْتَألُ زهواً فِي أَعِنَّتها

والعيشُ يَنْثَالُ زَهْواً فِي ثنى الجدلِ)

(لَوْلَا الَّذِي خطَّتِ الأقلامُ من قدرٍ

وسابقٍ مِنْ قضاءٍ غيرِ ذِي حولِ)

(أهلِّ ثهلانُ بالتهليلِ من طربٍ

وذابَ يذبلُ تهليلاً من الذبلِ)

(المُلكُ لله هَذَا عزَ من عقدَتْ

لَهُ النبوَّةُ فوقَ العرشِ فِي الأزلِ)

(شعبتَ صدْعَ قريشٍ بعد مَا قذفَتْ

بهمْ شعوبٌ شعابَ السهلِ والقللِ)

(قَالُوا محمدُ قد زارَتء كتائبُه

كالأسْدِ تزأرُ فِي أنيابِهِ العصلِ)

(فويلَ مكَّةَ من آثارِ وطأتِهِ

وويلَ أم قريشٍ من جوى الهبلِ)

(فجدت عفوا بفضلِ العفوِ منكَ ولمْ

تلممْ وَلَا بأليمِ اللومِ والعذلِ)

(ضربْتَ بالصفحِ صفحاً عَن غوائِلِهِمْ

طولا أطالَ مقيل النومِ فِي المقلِ)

(رحمتَ واشج أرحامٍ أتيحَ لَهَا

تحتَ الوشيجِ نَسِيج الروعِ والوجلِ)

(عاذوا بظلِّ كريمِ الْعَفو ذِي لطفٍٍ

مباركِ الوجْهِ بالتوفيقِ مشتملِ)

(أزكى الخليقةِ أَخْلَاقًا وأظْهرها

وأَكْرَم الناسِ صفحاً عَن ذوى الزلل)

(وطفْت بِالْبَيْتِ محبوراً وطافَ بِهِ

مَنْ كانَ عَنهُ قبيل الفتحِ فِي شغلِ)

والجحفل الْجَيْش الْعَظِيم قذف الأرجاء أَي متباعدها واللجب بِالْجِيم الضجة من كَثْرَة الْأَصْوَات والعرمرم الضخم الْكثير الْعدَد وَقَوله كزهاء اللَّيْل شبهه بِاللَّيْلِ فِي سَده الْأُفق واسوداده بِالسِّلَاحِ والمنسحل بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَاضِي فِي سيره يتبع بعضه بَعْضًا قَوْله فِي بهو إشراق نور شبه

ص: 263

الَّذِي يَغْشَاهُ عليه الصلاة والسلام ببهو أحَاط بِهِ والبهو الْبناء العالي كالإيوان وَنَحْوه والمنتجب المتخير من أصل نجيب كريم المقتبل الْمُسْتَقْبل ترجف تهتز والزهو الخفة من الطَّرب يَعْنِي أَن الأَرْض اهتزت فَرحا بِهَذَا الْجَيْش وفرقاً من صولته أَي كَادَت تهتز قَالَ تَعَالَى {إِذ جَاءُوكم مِن فَوقكِم وَمِن أسفَلَ مِنكُم وَإِذ زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الحنجر} أَي كَادَت تبلغ الجدل جمع جديل وَهُوَ الزِّمَام المضفور وَثني الجدل مَا انثنى على أَعْنَاق الْإِبِل أَي انعطف وثهلان جبل مَعْرُوف وأهَلَ رفع صَوته ويذبلُ جبل أَيْضا والذبل الرماح الذوابل وَهِي الَّتِي لم تقطع من منابتها حَتَّى ذبلت أَي جَفتْ ويبست وتهليلاً أَي جبنا وفزعاً يَعْنِي لَوْلَا مَا سبق من تَقْدِير الله أَن الْجبَال لَا تنطق لرفع ثهلان صَوته وَهَلل من الطَّرب ولذاب يذبل من الْجزع وَالْفرق وَقَوله شعبت أَي جمعت وأصلحت وقذفت أَي فرقت بهم مَخَافَة شعوب وشعوب اسْم للمنية لِأَنَّهَا تفرق الْجَمَاعَات من شعبت أَي فرقت وَهُوَ من الأضداد والشعاب الطّرق فِي الْجبَال والسهل خلاف الْجَبَل والقلل رُءُوس الْجبَال يَعْنِي أَنه

عَفا عَنْهُم بَعْدَمَا تصدعوا أَي تفَرقُوا وهربوا من خَوفه إِلَى كل سهل وجبل وَقَوله كالأسد تزأر فِي أنيابها العصل أَي المعوجة وَالله أعلم وَلما فتح الله مَكَّة على رَسُوله

قَالَ الْأَنْصَار فِيمَا بَينهم أتَرَوْنَ أَن رَسُول الله

إِذْ فتح الله عَلَيْهِ أرضه وبلده يقيمُ بهَا وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَدْعُو على الصَّفَا رَافعا يَدَيْهِ فَلَمَّا فرغ من دُعَائِهِ قَالَ مَاذَا قُلْتُمْ قَالُوا لَا شَيْء يَا رَسُول الله فَلم يزل بهم حَتَّى أَخْبرُوهُ فَقَالَ

معَاذ الله الْمحيا محياكم والمماتُ مماتكم وهَم فضَالة بن عُمَيْر بن الملوح أَن يقتل رَسُول الله

وَهُوَ

ص: 264

يطوف بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دنا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُول الله

أفضالة قَالَ نَعَمْ يَا رَسُول الله قَالَ مَاذَا كنت تحدَّثُ بِهِ نَفسك قَالَ لَا شَيْء كنت أذكر الله فَضَحِك رَسُول الله

ثمَّ قَالَ اسْتغْفر الله ثمَّ وضع يَده على صَدره فسكن قلبه وَكَانَ فضَالة يَقُول وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا خلق الله شَيْئا أحب إِلَيّ مِنْهُ وَطَاف

بِالْبَيْتِ يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من رَمَضَان وَكَانَ حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنماً فَكلما مر بصنم أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَضِيبِهِ وَهُوَ يَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً فَيَقَع الصَّنَم لوجهه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي رِوَايَة أبي نعيم قد ألزقها الشَّيَاطِين بالرصاص والنحاس وَفِي تَفْسِير الْعَلامَة ابْن النَّقِيب الْمَقْدِسِي أَن الله تَعَالَى لما أعلمهُ بِأَنَّهُ قد أنْجز لَهُ وعده بالنصر على أعدائه وفتحه مَكَّة وإعلائه كلمة دينه أمره إِذا دخل مَكَّة أَن يَقُول وَقل جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَصَارَ

يطعن الْأَصْنَام الَّتِي حول الْكَعْبَة بِمِحْجَنِهِ وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فيخر الصَّنَم سَاقِطا مَعَ أَنَّهَا كَانَت كلهَا مثبتة بالحديد والرصاص وَكَانَت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً بِعَدَد أَيَّام السّنة قَالَ وَفِي معنى الْحق وَالْبَاطِل لعلماء التَّفْسِير أَقْوَال قَالَ قَتَادَة جَاءَ الْحق الْقُرْآن وَذهب الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن جريج جَاءَ الْجِهَاد وَذهب الشّرك وَقَالَ مقَاتل جَاءَت عبَادَة الله وَذَهَبت عبَادَة الشَّيْطَان وَقَالَ ابْن عَبَّاس وجد رَسُول الله

يَوْم الْفَتْح حول الْبَيْت ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ صنماً كَانَت لقبائل الْعَرَب يحجون إِلَيْهَا وينحرون لَهَا فَشَكا الْبَيْت إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ أَي ربِّ حَتَّى مَتى تعبد هَذِه الْأَصْنَام حَولي دُونك فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي

ص: 265

سأحدث لَك نوبَة جَدِيدَة يدفُّونَ إِلَيْك دفوف النسور ويحنون إِلَيْك حنين الطير إِلَى بيضها لَهُم عجيج حولك بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ وَلما نزلت الْآيَة يَوْم الْفَتْح قَالَ جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام لرَسُول الله

خُذ مخصرتك ثمَّ ألقها فَجعل يَأْتِي الصَّنَم فيطعن فِي عينه أَو بَطْنه بمخصرته وَيَقُول جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَينكب الصَّنَم لوجهه حَتَّى أَلْقَاهَا جَمِيعًا وَبَقِي صنم خُزَاعَة فَوق الْكَعْبَة وَكَانَ من قَوَارِير صفر فَقَالَ يَا عَليّ ارمِ بِهِ فَحَمله عَليّ حَتَّى صعد ورمَى بِهِ وكسره فَجعل أهل مَكَّة يتعجبون مِنْهُ انْتهى وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما قدم

أَبى أَن يدْخل الْبَيْت وَفِيه الْآلهَة فَأمر بهَا فأخرجَتْ فأخرجوا صُورَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل فِي أَيْدِيهِمَا الأزلام يَعْنِي القداح الَّتِي كَانُوا يستقسمون بهَا فَقَالَ رَسُول الله

قَاتلهم الله أما وَالله لقد علمُوا أَنَّهُمَا لم يستقسما بهَا قطّ فَدخل الْبَيْت وَكبر فِي نواحيه وَلم يصل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَعَن ابْن عمر قَالَ أقبل رَسُول الله

عَام الْفَتْح على نَاقَته القَصْوَاء وَهُوَ مردف أُسَامَة حَتَّى أَنَاخَ بِفنَاء الْكَعْبَة ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن طَلْحَة فَقَالَ ائْتِنِي بالمفتاح فَذهب إِلَى أمه فَأَبت أَن تعطيه فَقَالَ لتعطينه أَو ليخرجن هَذَا السَّيْف من صلبي فَأَعْطَتْهُ إِيَّاه فجَاء بِهِ إِلَى النَّبِي

فَدفعهُ إِلَيْهِ فَفتح الْبَاب رَوَاهُ مُسلم وروى الفاكهي من طَرِيق ضَعِيفَة عَن ابْن عمر أَيْضا قَالَ كَانَ بَنو طَلْحَة يَزْعمُونَ أَنه لَا يَسْتَطِيع أحد فتح الْكَعْبَة غَيرهم فَأخذ رَسُول الله

الْمِفْتَاح فَفَتحهَا بِيَدِهِ وَعُثْمَان الْمَذْكُور هُوَ عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة بن عبد الْعزي وَيُقَال لَهُ الحَجَبي بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْجِيم وَبَنوهُ يعْرفُونَ الْآن بالشيبيين نِسْبَة إِلَى شيبَة بن عُثْمَان ابْن أبي طَلْحَة وَهُوَ ابْن عَم عُثْمَان وَعُثْمَان هَذَا لَا وَلَدَ لَهُ وَله صُحْبَة وَرِوَايَة وَاسم أم عُثْمَان سُلآفَة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء

ص: 266

وَفِي الطَّبَقَات لِابْنِ سعد عَن عُثْمَان بن طَلْحَة قَالَ كُنَّا نفتح الْكَعْبَة فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأقبل النَّبِي

يَوْمًا يُرِيد أَن يدْخل الْكَعْبَة مَعَ النَّاس فأغلطت لَهُ ونلت مِنْهُ فحلم عَليّ ثمَّ قَالَ يَا عُثْمَان لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شئتُ فَقلت لقد هلكَتْ قُرَيْش يَوْمئِذٍ وذلَتْ قَالَ بل عمرت وعزت يَوْمئِذٍ وَدخل الْكَعْبَة فوَقعت كَلمته مني موقعاً ظَنَنْت أَن الْأَمر يَوْمئِذٍ سيصير إِلَى مَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح قَالَ يَا عُثْمَان ائْتِنِي بالمفتاح فَأَتَيْته بِهِ فَأَخذه منى ثمَّ دَفعه إِلَيّ وَقَالَ خذوها خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم يَا عُثْمَان إِن الله استأمنكم على بَيته فَكُلُوا مِمَّا يصل إِلَيْكُم من هَذَا الْبَيْت بِالْمَعْرُوفِ فَلَمَّا وليت ناداني فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقَالَ ألم يكن الَّذِي قلت لَك قَالَ فَذكرت قَوْله فِي بِمَكَّة قبيل الْهِجْرَة لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت قلت بلَى أشهد أَنَّك رَسُول الله وَفِي التفسر أَن هَذِه الْآيَة {إِن اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} نزلت فِي عُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي أمره عليه الصلاة والسلام أَن يَأْتِيهِ بمفتاح الْكَعْبَة فَأبى عَلَيْهِ وأغلق بَاب الْبَيْت وَصعد إِلَى السَّطْح وَقَالَ لَو علمت أَنه رَسُول الله

لم أمْنَعهُ فَلوى عَليّ يَده وَأخذ مِنْهُ الْمِفْتَاح وَفتح الْبَاب قلت يتَعَيَّن أَن يكون المُرَاد بِالْبَيْتِ فِي وأغلق بَاب الْبَيْت بيتَ نفسِهِ إِذْ لَو كَانَ المُرَاد بِالْبَيْتِ الْكَعْبَة لَا يُمكن عليا كرم الله وَجهه لَيُ يَده وَأما فِي بَيت نَفسه فَيمكن ذَلِك بِنَحْوِ قلع الْبَاب أَو كَسره وَالله أعلم فَدخل

الْبَيْت فَلَمَّا خرج سَأَلَهُ الْعَبَّاس أَن يُعْطِيهِ الْمِفْتَاح وَيجمع لَهُ بَين السِّقَايَة والسدانة فَأنْزل الله الْآيَة وَأمر

عليا أَن يرد الْمِفْتَاح إِلَى عُثْمَان وَيعْتَذر إِلَيْهِ فَفعل ذَلِك عَليّ فَقَالَ أكرهت وَآذَيْت ثمَّ جِئْت ترفق فَقَالَ عَليّ لقد أنزل الله فِي شَأْنك وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة فَقَالَ عُثْمَان أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فجَاء جِبْرِيل فَقَالَ مَا دَامَ هَذَا الْبَيْت أَو لبنة من لبنَاته قَائِمَة فَإِن الْمِفْتَاح والسدانة فِي أَوْلَاد عُثْمَان فَكَانَ الْمِفْتَاح مَعَه فَلَمَّا مَاتَ دَفعه إِلَى شيبَة فالمفتاح والسدانة فِي

ص: 267

أَوْلَادهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ ابْن ظفر فِي ينبوع الْحَيَاة قَوْله وَلَو أعلم أَنه رَسُول الله لم أمْنَعهُ هَذَا وهم لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّن أسلم فَلَو قَالَ هَذَا كَانَ مُرْتَدا وَعَن الْكَلْبِيّ لما طلب عليه الصلاة والسلام الْمِفْتَاح من عُثْمَان مد بِهِ يَده إِلَيْهِ فَقَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله اجْعَلْهَا مَعَ السِّقَايَة فَقبض عُثْمَان يَده بالمفتاح فَقَالَ لَهُ

إِن كنت يَا عُثْمَان تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فهاته فَقَالَ هاكه بالأمانة فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَنزلت الْآيَة قَالَ ابْن ظفر وَهَذَا أولى بِالْقبُولِ وَفِي رِوَايَة لمُسلم دخل رَسُول الله

هُوَ وَأُسَامَة بن زيد وبلال وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي فأغلقوا عَلَيْهِم الْبَاب قَالَ ابْن عمر فَلَمَّا فتحُوا كنت أول من ولج فَلَقِيت بِلَالًا فَسَأَلته هَل صلى فِيهِ رَسُول الله

قَالَ نعم بَين العمودين اليمانيين وَذهب عني أَن أسأله كم صلى وَفِي رِوَايَات البُخَارِيّ جعل عموداً عَن يسَاره وعموداً عَن يَمِينه وَثَلَاثَة أعمدة وَرَاءه وَلَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالفَة لَكِن قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ على سِتَّة أعمدة كَأَنَّهُ يشْعر بِكَوْن مَا عَن يَمِينه أَو يسَاره كَانَ اثْنَيْنِ وَلِهَذَا أعقبه البُخَارِيّ بِرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس الَّتِي قَالَ فِيهَا عمودين عَن يَمِينه وَيُمكن الْجَمِيع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ حَيْثُ ثَنَّى أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْبَيْت فِي زَمَنه

وَحَيْثُ أفرد أَشَارَ إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ بعد ذَلِك ويرشد إِلَيْهِ قَوْله وَكَانَ الْبَيْت يومئد لِأَن فِيهِ إشعاراً بِأَنَّهُ تغير عَن هَيئته الأولى وَيحْتَمل أَن يُقَال لم تكن الأعمدة الثَّلَاثَة على سمت وَاحِد بل اثْنَان على سمت وَالثَّالِث على غير سمتهما وَلَفظ الْمُتَقَدِّمين فِي إِحْدَى رِوَايَات البُخَارِيّ مشْعر بذلك وَفِي رِوَايَة لمُسلم جعل عمودين عَن يسَاره وعموداً عَن يَمِينه عكس رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِي وَبشر بن عَمْرو فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَجمع بعض الْمُتَأَخِّرين بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَال تعدد الْوَاقِعَة وَهُوَ بعيد

ص: 268

لِاتِّحَاد مخرج الحَدِيث وَقد جزم الْبَيْهَقِيّ بترجيح رِوَايَة إِسْمَاعِيل وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ ابْن الْعَرَبِيّ والقعنبي وَأَبُو مُصعب وَمُحَمّد بن الْحسن وَأَبُو حذافة وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي وَابْن مهْدي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا انْتهى مخلصا من فتح الْبَارِي وَقد بَين مُوسَى بن عقبَة فِي رِوَايَته عَن نَافِع أَن بَين موقفه

وَبَين الْجِدَار الَّذِي استقبله قريب من ثَلَاثَة أَذْرع وَجزم بِرَفْع هَذِه الزِّيَادَة مَالك عَن نَافِع فِيمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْغَزْو وَلَفظه وَصلى بَينه وَبَين الْقبْلَة ثَلَاثَة أَذْرع وَفِي كتاب مَكَّة للفاكهي والأزرقي أَن مُعَاوِيَة سَأَلَ ابْن عمر أَيْن صلى رَسُول الله

فَقَالَ اجْعَل بَيْنك وَبَين الْجِدَار ذراعين أَو ثَلَاثَة فعلى هَذَا يَنْبَغِي لمن أَرَادَ الِاتِّبَاع فِي ذَلِك أَن يَجْعَل بَينه وَبَين الْجِدَار ثَلَاثَة أَذْرع فَإِنَّهُ تقع قدماه فِي مَكَان قَدَمَيْهِ

إِن كَانَ ثَلَاثَة سَوَاء وَتَقَع ركبتاه أَو يَدَاهُ أَو وَجهه فِي مَحلهمَا إِن كَانَ أقل من ثَلَاثَة أَذْرع وَالله أعلم وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَخْبرنِي أُسَامَة أَنه عليه الصلاة والسلام لما دخل البَيتَ دَعَا فِي نواحيه كلهَا وَلم يصل فِيهِ حَتَّى خرج فَلَمَّا خرج ركع قبل الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ هَذِه الْقبْلَة // (رَوَاهُ مُسلم) // وَالْجمع بَينه وَبَين حَدِيث ابْن عمر أَن أُسَامَة أخبرهُ أَن النَّبِي

صلى فِي الْكَعْبَة كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِأَن أُسَامَة حَيْثُ أثبتها اعْتمد فِي ذَلِك على غَيره وَحَيْثُ نفاها أَرَادَ مَا فِي علمه لكَونه لم يره حِين صلى وبكون ابْن عمر ابْتَدَأَ بِلَالًا بالسؤال ثمَّ أَرَادَ زِيَادَة الاستثبات فِي مَكَان الصَّلَاة فَسَأَلَ أُسَامَة أَيْضا وَقَالَ النَّوَوِيّ قد أجمع أهل الحَدِيث على الْأَخْذ بِرِوَايَة بِلَال لِأَنَّهُ مُثبت فمعه زِيَادَة علم فَوَجَبَ تَرْجِيحه قَالَ وَأما نفي أُسَامَة فَيُشبه أَنهم لما دخلُوا الْكَعْبَة أغلقوا الْبَاب وَاشْتَغلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأى أُسَامَة النَّبِي

يَدْعُو ثمَّ اشْتغل أُسَامَة فِي نَاحيَة من نواحي الْبَيْت

ص: 269

وَالنَّبِيّ

فِي نَاحيَة أُخْرَى وبلال قريبٌ مِنْهُ ثمَّ صلى النَّبِي

فَرَآهُ بِلَال لقُرْبه مِنْهُ وَلم يره أُسَامَة لبعده واشتغاله وَكَانَت صلَاته عليه الصلاة والسلام خَفِيفَة فَلم يرهَا أُسَامَة لإغلاق الْبَاب مَعَ بعده واشتغاله بِالدُّعَاءِ وَجَاز لَهُ نَفيهَا عملا بظنه وَأما بِلَال فتحققها وَأخْبر بهَا انْتهى وتعقبوه بِمَا يطول ذكره وَأقرب مَا قيل فِي الْجمع أَنه

صلى فِي الْكَعْبَة لما غَابَ عَنهُ أُسَامَة من الْكَعْبَة لأمر نَدبه إِلَيْهِ وَهُوَ أَن يَأْتِي بِمَاء يمحو بِهِ الصُّور الَّتِي كَانَت فِي الْكَعْبَة فَأثْبت الصَّلَاة بِلَال لرُؤْيَته لَهَا ونفاها أُسَامَة لعدم رُؤْيَته وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ دخلت على رَسُول الله

فِي الْكَعْبَة وَرَأى صُورَة فَدَعَا بِدَلْو من مَاء فَأَتَيْته بِهِ فَجعل

يمحوها وَيَقُول قَاتل الله قوما يصورُونَ مَا لَا يخلقون وَرِجَاله ثِقَات وَأفَاد الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة أَن خَالِد بن الْوَلِيد كَانَ على بَاب الْكَعْبَة يذب عَنهُ

النَّاس وَفِي البُخَارِيّ أَنه

أَقَامَ خمس عشرَة لَيْلَة وَفِي رِوَايَة تسع عشرَة وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد سبع عشرَة وَعند التِّرْمِذِيّ ثَمَانِي عشرَة وَفِي الإكليل أَصَحهَا بضع عشرَة يقصر الصَّلَاة وَقَالَ الفاسي فِي تَارِيخ مَكَّة كَانَ فتح مَكَّة لعشر لَيَال بَقينَ من شهر رَمَضَان وَكَانَ مِمَّا قيل من الشّعْر فِي ذَلِك قَول حسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ // (من الوافر) //

(عَفَتْ ذَاتُ الأَصَابعِ فَالْجِوَاءُ

إِلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ)

(دِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ

تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ وَالسَّمَاءُ)

(وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَأ أَنِيسٌ

خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ)

(فَدَعْ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفٍ

يُؤَرِّقُنِي إِذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُ)

(لِشَعْثَاءَ الَّتِي قد تَيَّمْتُه

فَلَيْسَ لِقَلْبِه منْهَا شِفَاءُ)

(كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ

يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ)

ص: 270

(عَلَى أنيابها أَو طعم غض

من التفاحِ هصَّره الجناء)

(إِذَا مَا الأشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا

فَهُنَّ لِطَيِّبِ الرَّاحِ الْفِدَاءُ)

(نولِّيهَا الْمَلَامَةَ إِنْ أَلَمْنَا

إِذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحاءُ)

(وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكنَا مُلُوكًا

وَأُسْداً مَا يُنْهْنِهُنَا اللِّقَاءُ)

(عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا

تُثِيرُ النَّفْعَ مَوْعِدُهَأ كَدَاءُ)

(يُنَازِعْنَ الأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ

عَلَى أَكْتَافِهَا الأسَلُ الظِّمَاءُ)

(تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ

يُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ)

(فَإِمَّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا

وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ)

(وَإِلَاّ فَاصْبِروا لِجِلَادِ يَوْمٍ

يُعِزُّ الله فِيهِ مَنْ يَشَاءُ)

(وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ الله فِينَا

وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ)

(وَقَالَ الله قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا

يَقُولُ الْحَقَّ إِنْ نَفَعَ الْبَلَاءُ)

(شَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدِّقُوهُ

فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُ)

(وَقَالَ الله قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا

هُمُ الأنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ)

(لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ

سِبَابٌ أَوْ قَتَالٌ أوْ هِجَاءُ)

(فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافي مَنْ هَجَانَا

وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ)

(أَلَا بلِّغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي

مُغَلْغَلةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ)

(بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْداً

وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الإِمَاءُ)

(هَجَوْتَ مُحَمَّداً وَأَجَبْتُ عَنْهُ

وَعِندَ اللِه فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ)

(أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ

فَشَرُّكُمَا لِخَيركُمَا الْفِدَاءُ)

(هَجَوْتَ مُبَارَكاً بَرًّا حَنِيفًا

أَمِينَ الله شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ)

(أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُمْ

وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ)

(فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي

لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ)

(لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ

وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ)

قَالَ ابْن هِشَام قَالَهَا حسان قبل الْفَتْح وَبَلغنِي عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله

لما رأى النِّسَاء يلطمنَ الْخَيل بِالْخمرِ تَبَسم إِلَى أبي بكر الصّديق

ص: 271

قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ أنس بن زنيم الديلِي يعْتَذر إِلَى رَسُول الله

مِمَّا كَانَ قَالَ فيهم عَمْرو بن سَالم الْخُزَاعِيّ // (من الطَّوِيل) //

(أأنْتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بِأَمْرِهِ

بَلِ اللهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَكَ اشْهَدِ)

(وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا

أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحمَّدِ)

(أَحَثَّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلاً

إِذَا رَاحَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ الْمُهَنَّدِ)

(وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ

وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ المُتجَرِّدِ)

(تَعَلَّمْ رَسُولَ الله أَنَّكَ مُدْرِكِي

وَأَنَّ وَعِيداً مِنْكَ كَالأخْذِ بِالْيَدِ)

(تَعَلَّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قَادِرٌ

عَلَى كُلِّ صِرْم مُتْهِمِينَ ومُنْجِدِ)

(تَعَلَّمْ بِأَنَّ الرَّكْبَ رَكْبَ عُوَيْمِرٍ

هُمُ الْكَاذِبُونَ المُخْلِفُو كُلِّ مَوْعِدِ)

(وَنَبَّوْا رَسُولَ الله أَنِّي هَجَوتُهُ

فَلاً حَمَلَتْ سَوطِي إِلَى إِذَن يَدِي)

(سِوَى أننِي قَد قلت ويل أم فتية

أصيبوا بنحس لَا بِطَلقٍ وَأسْعُدِ)

(أصَابَهُمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ

كِفَاءً فَعَزَّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلُّدِي)

(فَإِنَّكَ قَدْ أَخْفَرْتَ إِنْ كُنْتَ سَاعِياً

بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنَةَ مَهْوَدِ)

(ذُوَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا

جَمِيعاً فَإِلَاّ تَدْمَعِ الْعَيْنِ أَكْمَدِ)

(وَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيٌّ كَمِثْلِهِ

وَإِخْوتُهُ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ)

(فَإِنّي لَا دِينًا فَتَقْتُ وَلَا دَمًا

هَرَقْتُ تَبَيَّن عَالِمَ الْحَقِّ وَاقْصدِ)

فَأَجَابَهُ بُدَيل بن عبد منَاف بن أم أَصْرَم فَقَالَ // (من الطَّوِيل) //

(بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَزَهُ الْبُكَا

فَأَلَاّ عَدِيًّا إِذْ تُطَلُّ وَتَبْعُدُ)

(بَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا

فَتُعْذِرَ إِذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ مُوقِدُ)

(أَصَابَهُمُ يَومَ الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ

كِرامٌ فَسَلْ مِنْهُمْ نُفَيْلٌ وَمَعْبَدُ)

(هُنَالِكَ إِنْ تُسْفَحْ دُمُوعُكَ لَا تُلَمْ

عَلَيْهِمْ وَإِن لَمْ تَدْمَعِ الْعَيْن فَاكْمَدُوا)

قَالَ ابْن هِشَام وَهَذِه الأبيات فِي قصيدة لَهُ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقَالَ بُجَيرُ بن زُهَيْر بن أبي سلمى فِي يَوْم الْفَتْح // (من الوافر) //

(نَفَى أَهْلَ الْحَبلَّقِ كُلَّ فَجٍّ

مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِ)

ص: 272

(ضَرَبْنَاهُمُ بمَكَّةَ يَوْمَ فَتْح النْنَبِيِّ

الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ)

(صَبحنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ

وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافى)

(نَطَا أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا

وَرَشْقًا بِالْمُرَيَّشَةِ اللِّطَافِ)

(تَرَى بَيْنَ الصُّفُوفِ لَهَا حَفِيفًا

كَما انْصَاعَ الْفُواقُ مِنَ الرِّصَافِ)

(فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ

بِأَرْمِاح مُقَوَّمَةِ الثِّقَافِ)

(فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا

وَآبُوا نَادِمينَ عَلَى الْخِلَافِ)

(وَأعْطَيْنَا رَسُولَ اللهِ مِنَّا

مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التَّصَافِي)

(وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمُّوا

غَدَاةَ الرَّوْعِ مِنَّا بِانْصِرافِ)

وفيهَا غَزْوَة حُنَين بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ وَاد فَوق ذِي الْمجَاز وَقيل بَينه وَبَين مَكَّة ثَلَاث لَيَال قرب الطَّائِف وَتسَمى غَزْوَة هوَازن وَذَلِكَ أَن النَّبِي

لما فرغ من فتح مَكَّة وتمهيدها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا مشت أَشْرَاف هوَازن وَثَقِيف بَعضهم إِلَى بعض وحشدوا وقصدوا محاربة الْمُسلمين وَكَانَ رئيسهم مَالك بن عَوْف النصري فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله

من مَكَّة يَوْم السبت لست لَيَال خلون من شَوَّال فِي اثْنَي عشر ألفا من الْمُسلمين عشرَة آلَاف من أهل الْمَدِينَة وَأَلْفَانِ مِمَّن أسلم من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء يَعْنِي الَّذين خلى عَنْهُم يَوْم فتح مَكَّة وأطلقهم فَلم يسترقَهم واحدهم طليق فعيل بِمَعْنى مفعول وَهُوَ الْأَسير إِذا أطلق سَبيله كَمَا تقدم وَاسْتعْمل

على مَكَّة عتاب بن أسيد وَخرج مَعَه

ثَمَانُون من الْمُشْركين مِنْهُم صَفْوَان بن أُميَّة وَكَانَ

اسْتعَار مِنْهُ مائَة درع بأداتها فوصل إِلَى حنين لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال خلون من شَوَّال فَبعث مَالك بن عَوْف ثَلَاثَة نفر يأتونه بِخَبَر أَصْحَاب رَسُول الله

فَرَجَعُوا إِلَيْهِ وَقد تفرقَت أوصالهم من الرعب وَوجه رَسُول الله

عبد الله بن أبي حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ فَدخل عَسْكَرهمْ فَطَافَ بِهِ وَجَاء بخبرهم

ص: 273

وَفِي حَدِيث سهل بن الحنظلية عِنْد أبي دَاوُد بِإِسْنَاد حسن أَنهم سَارُوا مَعَ رَسُول الله

فأطنبوا السّير فجَاء رجل فَقَالَ انْطَلَقت بَين أَيْدِيكُم حَتَّى طلعت جبل كَذَا وَكَذَا فَإِذا أَنا بهوزان عَن بكرَة أَبِيهِم بظعنهم ونعمهم وشياههم اجْتَمعُوا إِلَى حنين فَتَبَسَّمَ

وَقَالَ تِلْكَ غنيمَة الْمُسلمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله عَن بكرَة أَبِيهِم كلمة للْعَرَب يُرِيدُونَ بهَا الْكَثْرَة وتوفر الْعدَد وَلَيْسَ هُنَاكَ بكرَة فِي الْحَقِيقَة وَهِي الَّتِي يستقى عَلَيْهَا المَاء فاستعيرَتْ هُنَا وَقَوله بظعنهم أَي بنسائهم واحدتها ظَعِينَة وأصل الظعينة الرَّاحِلَة الَّتِي ترحل ويظعن عَلَيْهَا أَي يسَار وَقيل للْمَرْأَة ظَعِينَة لِأَنَّهَا تظعن مَعَ زَوجهَا حَيْثُ مَا ظعن أَو لِأَنَّهَا تحمل على الرَّاحِلَة إِذا ظعنت وَقيل الظعينة الْمَرْأَة فِي الهودج ثمَّ قيل للْمَرْأَة بِلَا هودج وللهودج بِلَا امْرَأَة ظَعِينَة انْتهى روى يُونُس بن بكير فِي زِيَادَة الْمَغَازِي عَن الرّبيع قَالَ قَالَ رجل يَوْم حنين لن نُغلب الْيَوْم من قِلة فشق ذَلِك على النَّبِي

ثمَّ ركب

بغلته الْبَيْضَاء الدلْدل وَلبس درعين والمغفر والبيضة فَاسْتَقْبَلَهُمْ من هوزان مَا لم يرَوا مثله قَط من السوَاد وَالْكَثْرَة وَذَلِكَ فِي غبش الصُّبْح وَخرجت الْكَتَائِب من مضيق الْوَادي فحملوا حَملَة وَاحِدَة فَانْكَشَفَتْ خيل بني سليم مولية وتبعهم أهل مَكَّة وَالنَّاس فَقَالَ أَخُو صَفْوَان بن أُميَّة غلبت هوَازن لَا يرد هاربهم إِلَّا الْبَحْر فَقَالَ لَهُ صَفْوَان أَخُوهُ بفيكَ الكِثْكِثُ لأنْ يَرُبني رجل من قُرَيْش خير لي من أَن يربنِي رجل من هوَازن رئيسهم مَالك بن عَوْف وَلم يثبت مَعَه

يَوْمئِذٍ إِلَّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وعَلى بن أبي طَالب وَالْفضل بن الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَأَبُو بكر وَعمر وَأُسَامَة بن زيد فِي أنَاس من أهل بَيته وَأَصْحَابه قَالَ الْعَبَّاس وَأَنا آخذ لجام بغلته أكُفها مَخَافَة أَن تصل إِلَى الْعَدو لِأَنَّهُ

كَانَ يتَقَدَّم فِي نحر الْعَدو وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بركابه وَجعل عليه الصلاة والسلام يَقُول للْعَبَّاس نَاد يَا معشر الْأَنْصَار يَا أَصْحَاب السمُرَةِ يَعْنِي شَجَرَة بيعَة الرضْوَان الَّتِي بَايعُوهُ تحتهَا إِلَّا يَفروا عَنهُ فَجعل يُنَادي تَارَة يأهل السمرَة

ص: 274

وَتارَة يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة وَكَانَ الْعَبَّاس رجلا صيتًا فَلَمَّا سمع الْمُسلمُونَ نِدَاء الْعَبَّاس أَقبلُوا كَأَنَّهُمْ الْإِبِل إِذا حنت على أَوْلَادهَا يَقُولُونَ يَا لبيْك يَا لبيْك فتراجعوا إِلَى رَسُول الله

حَتَّى إِن الرجل مِنْهُم إِذا لم يطاوعه بعيره على الرُّجُوع انحدر عَنهُ وأرسله فَرجع بِنَفسِهِ إِلَى رَسُول الله

فَأَمرهمْ عليه الصلاة والسلام أَن الحملة فَاقْتَتلُوا مَعَ الْكفَّار فَأَشْرَف رَسُول الله

فَنظر إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ الْآن حَمِيَ الوَطِيسُ وَهُوَ التنورُ وَلم تسمع من أحد قبل النَّبِي

وَتَنَاول

حَصَيَات من الأَرْض ثمَّ قَالَ شَاهَت الْوُجُوه أَي قبحت وَرمى بهَا فِي وَجه الْمُشْركين فَمَا خلق الله مِنْهُم إنْسَانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ من تِلْكَ القبضة وَفِي رِوَايَة مُسلم قَبْضَة من تُرَاب من الأَرْض فَيحْتَمل أَنه رمى بذا مرّة وبالأخرى أُخْرَى وَيحْتَمل أَن يكون أَخذ قَبْضَة وَاحِدَة مخلوطة من حَصى وتراب وَلأَحْمَد وأبى دَاوُد والدارمي من حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري فِي قصَّة حنين فولى الْمُسلمُونَ مُدبرين كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ وليتم مُدبرين} فَقَالَ رَسُول الله

أَنا عبد الله أَنا عبد الله وَرَسُوله ثمَّ اقتحَمَ عَن فرسه وَأخذ كَفاً من تُرَاب قَالَ فَأَخْبرنِي الَّذِي كَانَ أدنى إِلَيْهِ مني أَنه ضرب وُجُوههم وَقَالَ شَاهَت الْوُجُوه فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى قَالَ يعلى بن عَطاء رِوَايَة عَن أبي همام عَن أبي عبد الرَّحْمَن الفِهري فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم قَالُوا لم يبْق منا أحد إِلَّا امتلأتْ عَيناهُ وفمه تُرَابا وَسَمعنَا صلصلةَ من السَّمَاء كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد بِالْجِيم قَالَ فِي النِّهَايَة وصف الطست وَهِي مُؤَنّثَة بالجديد وَهُوَ مُذَكّر إِمَّا لِأَن تأنيثها غير حَقِيقِيّ فأوله على الْإِنَاء والظرف أَو لِأَن فعيلاً يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث بِلَا عَلامَة تَأْنِيث كَمَا يُوصف بِهِ الْمُذكر نَحْو امْرَأَة قَتِيل انْتهى وَلأَحْمَد وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن مَسْعُود فحادت بِهِ

بغلته فَمَال السرج

ص: 275

فَقلت ارْتَفع ارتفعك رفعَكَ الله فَقَالَ ناولني كَفاً من تُرَاب فَضرب وُجُوههم وامتلأت أَعينهم تُرَابا وَجَاء الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار سيوفهم بأيمانهم كَأَنَّهَا الشهب فولى الْمُشْركُونَ الأدبار وروى أَبُو جَعْفَر بن جرير بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن مولى أم برثن عَن رجل كَانَ فِي الْمُشْركين يَوْم حنين قَالَ لما الْتَقَيْنَا نَحن وَأَصْحَاب رَسُول الله

يَوْم حنين لم يقومُوا لنا حلب شَاة فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ جعلنَا نسوقهم فِي آثَارهم حَتَّى انتهينا إِلَى صَاحب البغلة الْبَيْضَاء فَإِذا هُوَ رَسُول الله

قَالَ فتلقانا عِنْده رجال بيض الْوُجُوه حسان فَقَالُوا لنا شَاهَت الْوُجُوه ارْجعُوا قَالَ فَانْهَزَمْنَا وركبوا أكتافنا وَفِي سيرة الدمياطي كَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم حنين عمائم حَمْرَاء أرخَوهَا بَين أكتافهم وَفِي البُخَارِيّ عَن الْبَراء سَأَلَهُ رجل من قيس أَفَرَرْتُم عَن رَسُول الله

فَقَالَ لَكِن رَسُول الله

لم يفر كَانَ هوَازن رُمَاة وَإِنَّا لما حملنَا عَلَيْهِم انكشفوا فأكببنا على الْغَنَائِم فَاسْتقْبلنَا بِالسِّهَامِ وَلَقَد رَأَيْت النَّبِي

على بغلته الْبَيْضَاء وَإِن أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بزمامها يوكلها فيدفعها فِي نحر الْعَدو وَهُوَ يَقُول // (من مجزوء الرجز) //

(أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ

أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)

وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن صفة النُّبُوَّة يَسْتَحِيل مَعهَا الْكَذِب فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنا النبيُ والنبيُ لَا يكذب فلستُ بكاذب فِيمَا أَقُول حَتَّى انْهَزمُوا بل أَنا مُتَيَقن أَن الَّذِي وَعَدَني الله بِهِ من النَّصْر حق فَلَا يجوز عَليّ الْفِرَار وَأما مَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع من قَوْله فَارْجِع مُنْهَزِمًا إِلَى قَوْله مَرَرْت على رَسُول الله

مُنْهَزِمًا فَقَالَ لقد رأى ابْن الْأَكْوَع فَزعًا فَقَالَ

ص: 276

الْعلمَاء قَوْله مُنْهَزِمًا حَال من ابْن الْأَكْوَع كَمَا صرح أَولا بانهزامه وَلم يرد أَن النَّبِي

انهزَمَ وَقد قَالَت الصَّحَابَة كلهم إِنَّه عليه الصلاة والسلام مَا انهزم وَلم ينْقل أحد قطّ أَنه انهزم فِي موطن من المواطن وَقد نقلوا إِجْمَاع الْمُسلمين على أَنه لَا يجوز أَن يعْتَقد انهزامه

وَلَا يجوز ذَلِك عَلَيْهِ بل كَانَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذين ببغلته يَكُفَّانها عَن إسراع التَّقَدُّم إِلَى الْعَدو وَقد تقدم فِي غَزْوَة أحد مَا نسب لِابْنِ المرابط من الْمَالِكِيَّة مِمَّا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض فِي الشِّفَاء أَن من قَالَ إِن النَّبِي

هزم يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وغلا قتل وَإِن الْعَلامَة الْبِسَاطِيّ تعقبه بِمَا لَفظه هَذَا الْقَائِل إِن كَانَ يُخَالف فِي أصل الْمَسْأَلَة يَعْنِي حكم الساب فَلهُ وَجه وَإِن وَافق على أَن الساب لَا تقبل تَوْبَته فمشكل انْتهى قَالَ بَعضهم وَقد كَانَ ركُوبه عليه الصلاة والسلام البغلة فِي هَذَا الْمحل الَّذِي هُوَ مَوضِع الْحَرْب والطعن وَالضَّرْب تَحْقِيقا لنبوته لما كَانَ الله تَعَالَى خصّه بِهِ من مزِيد الشجَاعَة وَتَمام الْقُوَّة وَإِلَّا فالبغال عَادَة من مراكب الطُّمَأْنِينَة وَلَا يصلح لموطن الْحَرْب فِي الْعَادة إِلَّا الْخَيل فَبين عليه الصلاة والسلام أَن الْحَرْب عِنْده كالسلم قوةَ قلب وشجاعة نَفسِ وثقة وتوكلاً على الله تَعَالَى وَقد ركبت الْمَلَائِكَة فِي الْحَرْب مَعَه عليه الصلاة والسلام على الْخَيل لَا غير لِأَنَّهَا بصدد ذَلِك عرفا دون غَيرهَا من المركوبات وَلِهَذَا لَا يُسْهَمُ فِي الْحَرْب إِلَّا للخيل والسر فِي ذَلِك أَنَّهَا المخلوقة للكر والفر بِخِلَاف البغال وَالْإِبِل انْتهى وَعند ابْن أبي شيبَة من مُرْسل الحكم بن عتيبة لم يبْق مَعَه عليه الصلاة والسلام إِلَّا أَرْبَعَة نفر ثَلَاثَة من بني هَاشم ورجلاً من غَيرهم عَليّ وَالْعَبَّاس بَين يَدَيْهِ وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث آخذ بالركاب وَابْن مَسْعُود من الْجَانِب الآخر وَلَيْسَ يقبل نَحوه أحد إِلَّا قتل وَفِي التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث ابْن عمر لقد رَأَيْتنَا يَوْم حنين وَإِن النَّاس لمولون وَمَا مَعَ رَسُول الله

مائَة رجل

ص: 277

وَفِي شرح مُسلم للنووي إِنَّه ثَبت مَعَه عليه الصلاة والسلام اثْنَا عشر رجلا وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَول ابْن إِسْحَاق وَوَقع فِي شعر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أَن الَّذين ثبتوا مَعَه كَانُوا عشرَة فَقَط وَذَلِكَ لقَوْله // (من الطَّوِيل) //

(نَصَرْنَا رَسُولَ اللهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً

وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا)

(وَعَاشِرُنَا لآقَى الحِمَامَ بِنَفْسِهِ

لِمَا مَسَّهُ فِي الله لَا يَتَوَجُّعُ)

وَقد قَالَ الطَّبَرَانِيّ الانهزام المنهيُّ عَنهُ هُوَ مَا وَقع على غير نِيَّة الْعود وَأما الاستطراد للكرة فَهُوَ كالتحيز إِلَى فِئَة وَأما قَوْله عليه الصلاة والسلام // (من مجزوء الرجز) //

(أَنَّا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ

أَنَّا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)

فَقَالَ الْعلمَاء إِنَّه لَيْسَ بِشعر لِأَن الشَّاعِر إِنَّمَا سمي شَاعِرًا لوجوه مِنْهَا أَنه شعر الْمَقُول وقصده واهتدى إِلَيْهِ وأتى بِهِ كلَاما مَوْزُونا على طَريقَة الْعَرَب مقفُّى فَإِن خلا من هَذِه الْأَوْصَاف أَو بَعْضهَا لم يكن شعرًا وَلم يكن قَائِله شَاعِرًا وَالنَّبِيّ

لم يقصدْ بِكَلَامِهِ ذَلِك الشّعْر وَلَا أَرَادَهُ فَلَا يعد شعرًا وَإِن كَانَ مَوْزُونا وَأما قَوْله عليه الصلاة والسلام أَنا ابْن عبد الْمطلب وَلم يقل أَنا ابْن عبد الله فَأُجِيب بِأَن شهرته بجده كَانَت أَكثر من شهرته بِأَبِيهِ لِأَن أَبَاهُ توفّي فِي حَيَاة أَبِيه عبد الْمطلب قبل مولده عليه الصلاة والسلام وَكَانَ عبد الْمطلب مَشْهُورا شهرة ظَاهِرَة شائعة وَكَانَ سيد قُرَيْش وَكَانَ كثير من النَّاس يدعونَ النَّبِي

ابْن عبد الْمطلب ينسبونه إِلَى جده لشهرته وَمِنْه حَدِيث ضمام بن ثَعْلَبَة فِي قَوْله أَيّكُم ابْن عبد الْمطلب وَقيل غير هَذَا وَأمر النَّبِي

أَن يقتل من قدر عَلَيْهِ وأفضى الْمُسلمُونَ فِي الْقَتْل إِلَى الذُّرِّيَّة فنهاهم عليه الصلاة والسلام عَن ذَلِك وَقَالَ من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سلبه واستلبَ طَلْحَة وَحده ذَلِك اليومَ عشرينَ رجلا

ص: 278

قَالَ ابْن الْقيم فِي الْهَدْي النَّبَوِيّ كَانَ الله تَعَالَى وعد رَسُوله إِذا فتح مَكَّة دخل النَّاس فِي دين الله أَفْوَاجًا ودانت لَهُ الْعَرَب بأسرها فَلَمَّا تمّ الْفَتْح الْمُبين اقْتَضَت حكمته أَن أمسك قُلُوب هوَازن وَمن تبعها عَن الْإِسْلَام وَأَن يتجمعوا ويتألبوا لحربه عليه الصلاة والسلام ليظْهر أمره تَعَالَى وَتَمام إعزازه لرَسُوله وَنَصره لدينِهِ ولتكون غنائمهم شكراناً لأهل الْفَتْح وليظهر الله تَعَالَى رَسُوله وعباده وقهره لهَذِهِ الشَّوْكَة الْعَظِيمَة الَّتِي لم يلق الْمُسلمُونَ قبلهَا مثلهَا وَلَا يقاومهم بعدُ أحَد من الْعَرَب فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ أَن أذاق الْمُسلمُونَ أَولا مرَارَة الْهَزِيمَة والكسرة مَعَ كَثْرَة عَدَدِهْم وعددهم وَقُوَّة شوكتهم ليطامن رُءُوسًا رفعت بِالْفَتْح وَلم تدخل بَلَده وَحرمه كَمَا دخل عليه الصلاة والسلام وَاضِعا رَأسه منحنياً على مركوبه تواضعاً لرَبه وخضوعاً لعظمته أَن أحل لَهُ بَلَده وَلم يحله لأحد قبله وَلَا لأحد بعده ليبينَ سُبْحَانَهُ لمن قَالَ لن نُغلب الْيَوْم من قلَّة أَن النَّصْر إِنَّمَا هُوَ من عِنْد الله تَعَالَى وَأَنه من ينصره فَلَا غالبَ لَهُ وَمن يَخْذُلهُ فَلَا نَاصِر لَهُ وَأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تولى نصر رَسُوله وَدينه لَا كثرتكم الَّتِي أَعجبتكُم فَإِنَّهَا لن تغني عَنْكُم شَيْئا فوليتم مُدبرين فَلَمَّا انكسرَتْ قلوبهمِ أرْسلت خلِع الْجَبْر من بريد {أنزَلَ اللهُ سَكيِنتَه عَلىَ رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وَأنزل جُنُودا لم تَرَوْهَا} وَقد اقْتَضَت حكمته تَعَالَى أَن خِلَعَ النصرِ وجوائزه إِنَّمَا تفاض على أهل الانكسار {وَنرُيد أَن نمُنَّ عَلَى الَذِينَ أستُضعِفُوا فيِ الأرضِ} قَالَ وبهاتين الغزاتين أَعنِي حنيناً وبدراً قَاتَلت الْمَلَائِكَة بأنفسها مَعَ الْمُسلمين وَرمى رَسُول الله

وَجه الْمُشْركين فيهمَا انْتهى وَأمر

بِطَلَب الْعَدو فَانْتهى بَعضهم إِلَى الطَّائِف نَحْو نَخْلَة وَقوم مِنْهُم إِلَى أَوْطَاس اسْم مَكَان وَقتل من الْمُشْركين أَكثر من سبعين قَتِيلا وَمِمَّا قيل من الشّعْر فِي غَزْوَة حنين قَول الْعَبَّاس بن مرداس يذكر قَارب بن الْأسود وفراره من بني أَبِيه وَذَا الْخمار وحبسه قومه للْمَوْت // (من الوافر) //

(أَلَا منْ مُبْلِغ غَيْلَانَ عَنِّي

وَسَوْفَ إِخَالُ يَأْتِيهِ الْخَبِيرُ)

(وَعُرْوَةَ إِنَّمَا أُهْدِي جَوَاباً

وَقَوْلَا غَيْرَ قَوْلَكُمَا يَسِيرُ)

ص: 279

(بِأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدٌ رَسُولٌ

لِرَبٍّ لَا يَضِلُّ وَلَا يَجُورُ)

(وَجَدْنَاهُ نَبِيًّا مِثْلَ مُوسى

فَكُلُّ فَتًى يُخَايِرُهُ مَخِيرُ)

(وَبِئْسَ الأَمْرُ أَمْرُ بَنِي قَسِيٍّ

بِوَجٍّ إِذْ تُقُسِّمَتِ الأُمُورُ)

(أَضَاعُوا أَمْرَهُمْ وَلِكُلِّ قَوْمٍ

أَمِيرٌ وَالدَّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ)

(فَجِئْنَا أُسْدَ غَابَاتٍ إلَيْهِمْ

جُنُودُ الله ضَاحِيَةً تَسِيرُ)

(نَؤُمُّ الْجَمْعَ جَمعَ بَنِي قَسيٍّ

عَلَى حَنَقٍ نَكَادُ لَهُ نَطِيرُ)

(وَأُقْسِمُ لَوْ هُمُو مَكَثُوا لَسِرْنَا

إِلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ ولَمْ يَغُورُوا)

(فَكُنَّا أُسْدَ لِيَّةَ ثَمَّ حَتَّى

أَبَحْنَاهَا وأُسْلمتِ النُّصُورُ)

(وَيَومٌ كَانَ قَبْلُ لَدَى حُنَيْنٍ

فَأَقْلَعَ وَالدَّمَاءُ بِهِ تَمُورُ)

(مِنَ الأَيَّامِ لَمْ تَسْمَعْ كَيَوْمٍ

وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ قَوْمٌ ذُكُورُ)

(قَتَلْنَا فِي الْغُبَارِ بَنِي حُطَيْطٍ

عَلَى رَايَاتِهَا والْخَيْلُ زُورُ)

(وَلَمْ يَكُ ذُو الْخِمَارِ رَئيسَ قَوْمٍ

لَهُمْ عَقْلٌ يُعَاتَبُ أَوْ نَكِيرُ)

(أَقَامَ بِهِمْ عَلَى سَنَنِ الْمَنَايَا

وَقَد بَانَتْ لمبْصِرِهَا الأُمُورُ)

(فَأفْلَتَ مَنْ نَجَا مِنْهُمْ جَرِيضاً

وَقُتِّلَ مِنْهُمُ بَشَرٌ كَثِيرُ)

(وَلَا يُغْنِي الأُمُور أَخُو التَّوَانِي

وَلَا الْغَلِقُ الصُّرَيِّرَةُ الْحَصُورُ)

(أَحَانَهُمُ وَحَانَ وَمَلَّكُوهُ

أُمُورَهُمُ وَأفْلَتَتِ الصُّقُورُ)

(بَنُو عَوْفٍ تَمِيحُ بِهِم جِيَادٌ

أُهِينَ لَها الْفَصَافِصُ وَالشَّعِيرُ)

(فَلَوْلَا قَاربٌ وَبَنُو أبِيهِ

تُقُسِّمَتِ الْمَزَارِعُ والْقُصُورُ)

(وَلكِنَّ الرِّيَاسَةَ عُمِّمُوهَا

عَلَى يُمْنٍ أشَارَ بِهِ الْمُشِيرُ)

(أطَاعُوا قارِبًا وَلَهُمْ جُدُودٌ

وَأَحْلَامٌ إلَى عِزٍّ تَصِيرُ)

(فَإِنْ يُهْدَوْا إِلَى الإِسْلَامِ يُلْفَوْا

أُنُوفَ النَّاسِ مَا سَمَرَ السَّمِيرُ)

(وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا فَهُمُ أَذَانٌ

بِحَرْبِ اللهِ لَيْسَ لَهُمْ نَصِيرُ)

(كَمَا حَكَّتْ بَنِي سَعْدٍ وَحَرْبٌ

بِرهْطِ بَنِي غَزِيَّةَ عَنْقَفِيرُ)

(كَأّنَّ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ

إِلَى الإسْلَامِ ضَائِنَةٌ تَخُورُ)

(فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ

وَقَدْ بَرِئَتْ مَنَ الإِحَنِ الصدُورُ)

ص: 280

(كَأّنَّ الْقَومَ إِذْ جَاءُوا إِلَيْنَا

مِنَ الْبَغْضَاءِ بَعْدَ السِّلْمِ عُورُ)

قَالَ ابْن هِشَام غيلَان غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ وَعُرْوَة عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَلما انهزم الْمُشْركُونَ أَتَوا الطَّائِف وَمَعَهُمْ مَالك بن عَوْف وعسكر بَعضهم بأوطاس وَتوجه بَعضهم نَحْو نَخْلَة وَلم يكن فِيمَن توجه نَحْو نَخْلَة إِلَّا بَنو غيرَة من ثَقِيف وتبعت خيل رَسُول الله

من سلك فِي نَخْلَة من النَّاس وَلم تتبع من سلك الثنايا فَأدْرك ربيعةُ بن رفيع بن أهبان بن ثَعْلَبَة بن ربيعَة ابْن يَرْبُوع بن سماك بن عَوْف بن امرىء الْقَيْس وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الدغنة وَهِي أمه فَغلبَتْ على اسْمه وَيُقَال ابْن لذغة فِيمَا قَالَه ابْن هِشَام دُرَيْد ابْن الصمةِ فَأخذ بِخِطَام جمله وَهُوَ يظنّ أَنه امْرَأَة وَذَلِكَ أَنه فِي شجار لَهُ فَإِذا هُوَ بِرَجُل فَأَنَاخَ بِهِ فَإِذا شيخ كَبِير فَإِذا هُوَ دُرَيْد بن الصمَّة فتعرفه الْغُلَام فَقَالَ لَهُ دُرَيْد مَاذَا تُرِيدُ بى قَالَ أَقْتلك قَالَ وَمن أَنْت قَالَ أَنا ربيعَة بن رفيع السّلمِيّ ثمَّ ضربه بِسَيْفِهِ فَلم يُغْنِ فِيهِ شَيْئا فَقَالَ بئْسَمَا سلحتك أمك خُذ سَيفي هَذَا من مُؤخر الرحل ثمَّ اضْرِب بِهِ وارفع عَن الْعِظَام واخفض عَن الدِّمَاغ فَإِنِّي كَذَلِك كنت أضْرب الرِّجَال ثمَّ إِذا أتيت أمك فَأَخْبرهَا أَنَّك قد قتلت دُرَيْد بن الصمَّة فَرُب يَوْم قد منعت فِيهِ نِسَاءَك فَزعم بَنو سليم أَن ربيعَة قَالَ لما ضَربته فَوَقع تكشف فَإِذا عجانه وبطون فَخذيهِ مثل القرطاس من ركُوب الْخَيل إعراء فَلَمَّا رَجَعَ ربيعَة إِلَى أمه أخْبرهَا بقتْله إِيَّاه فَقَالَت أما وَالله لقد أعتَقَ أمهاتٍ لكَ ثَلَاثًا وَقَالَت عمْرَة بنت دُرَيْد فِي قتل ربيعَة دريداً // (من الوافر) //

(لَعَمْرُكَ مَا خَشِيتُ عَلَى دُرَيْدٍ

بِبَطْنِ سُمَيْرَةٍ جَيْشَ الْعَنَاقِ)

(جَزَى عَنهُ الإِلَهُ بَنِي سُلَيْمٍ

وَعَقَّتْهُمْ بِمَا فَعَلُوا عَقَاقِ)

(وأَسْقَانَا إِذَا قُدْنَا إِلَيْهِمْ

دِمَاءَ خِيَارِهِمْ عِنْدَ التَّلاقِي)

(فَرُبَّ عَظِيمَةٍ دَافَعْتَ عَنْهُمْ

وَقَدْ بَلَغَتْ نُفُوسُهُمُ التراقِي)

(وَرُبَّ كَرِيمَةٍ أَعْتَقْتَ مِنْهُمْ

وَأُخْرَى قَدْ فَكَكْتَ مِنْ الْوَثَاقِ)

ص: 281

(وَرُبَّ مُنَوِّهٍ بِكَ مِنْ سُلَيْمٍ

أَجَبْتَ وَقَدْ دَعَاكَ بِلَا رِمَاقِ)

(فَكَانَ جَزَاؤُنَا مِنْهُمْ عُقُوقًا

وَهَمَّا مَاعَ مِنْهُ مُخُّ سَاقِي)

(عَفَتْ آثَارُ خَيْلِكَ بَعْدَ أَيْنٍ

بِذِي بَقَرٍ إلَى فَيْفِ النُّهَاقِ)

وَقَالَ عَبَّاس بن مرداس // (من الطَّوِيل) //

(تَقَطَّعَ بَاقِي وَصْلِ أُمِّ مُؤَمِّلٍ

بِعَاقِبَةٍ وَاسْتَبْدَلَتْ نِيَّةً خُلْفَا)

(وَقَدْ حَلَفَتْ بِاللهِ لَا تَقْطَعُ الْقُوَى

فَمَا صَدَقَتْ فِيهِ وَلَا بَرَّتِ الْحَلْفَا)

(خَفَافِيَّةٌ بَطْنُ الْعَقِيقِ مَصِيفُهَا

وَتَحْتَلُّ فِي الْبَادِينَ وَجْرَةَ فَالْعُرْفَا)

(فإِنْ تَتْبَعِ الْكُفَّارَ أمُّ مُؤَمَّلٍ

فَقَدْ زَوَّدَتْ قَلْبِي عَلَى نَأْيِهَا شَغْفَا)

(وَسَوْفَ يُنَبِّيهَا الْخَبِيرُ بأَنَّنَا

أَبَيْنَا وَلَمْ نَطْلُبْ سِوَى رَبِّنَا حِلْفَا)

(وأنَّا مَعَ الْهَادِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ

وَفِيْنَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا مَعْشَرٌ أَلْفَا)

(بِفِتْيَانِ صِدْقٍ مِنْ سُلَيْمٍ أعزَّةٍ

أَطَاعُوا فمَا يَعْصُونَ مِنْ أَمْرِهِ حَرْفَا)

(خُفَافٌ وَذَكْوَانٌ وَعَوْفٌ تَخَالُهُمْ

مَصَاعِبَ زَافَتْ فِي طُرُوقَتِهَا كُلْفَا)

(كَأَنَّ النَّسِيجَ الشُّهْب وَالْبِيضَ مُلْبَسٌ

اُسُودًا تلاقَتْ فِي مَرَاصِدِهَا غُضْفَا)

(بِنَا عَزَّ دِينُ الله غَيرَ تَنَحُلٍ

وَزِدْنَا عَلَى الْحَيِّ الَّذِي مَعَهُ ضِعْفَا)

(بِمَكَّةَ إِذْ جِئْنَا كَأّنَّ لِوَاءَنَا

عُقَابٌ أَرَادَتْ بَعْدَ تَحْلِيقِهَا خَطْفَا)

(عَلَى شُخَّصِ الأَبْصَارِ تَحْسِبُ بَيْنَهَا

إِذَا هِيَ جَالَتْ فِي مَرَاوِدِهَا عَزْفَا)

(غَدَاةَ وَطِئْنَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ نَجِدْ

لأَمْرِ رَسُولِ اللهِ عَدْلاً وَلَا صِرْفَا)

(بِمُعْتَرَكٍ لَا يَسْمَعُ الْقَوْمُ وَسْطَهُ

لَنَا زَحمَةً إِلَاّ التَّذَامُرَ والنَّفْقَا)

(بِبِيضٍ نُطِيرُ الْهَامَ عَنْ مُسْتَقَرَّهَا

وَنَقْطِفُ أعْنَاقَ الْكُمَاةِ بِهَا قَطْفَا)

(وَكَائِنْ تَرَكْنَا مِنْ قَتِيلٍ مُلَحَّبٍ

وَأَرْمَلَةٍ تَدْعُو عَلَى بَعْلِهَا لَهْفَا)

(رِضَا اللهِ نَنْوِي لَا رِضَا النَّاسِ نَبْتَغِي

وَللهِ مَا يَبْدُو جَمِيعاً وَمَا يَخْفَى)

وَقَالَ مَالك بن عَوْف يعْتَذر من فراره يَوْمئِذٍ // (من الْكَامِل) //

(مَنَعَ الرُّقَادَ فَمَا أُغَمِّضُ سَاعَةً

نَعَمٌ بِأَجْزَاعِ الطَّرِيقِ مُخَضْرَمُ)

ص: 282

(سَائِلْ هَوَازِنَ هَلْ أَضُرَّ عَدُوَّهَا

وَأُعِينُ غَارِمَهَا إِذَا مَا يَغْرَمُ)

(وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتِبَةٍ

فِئَتَيْنِ مِنْهَا حَاسِرٌ وَمُلأَّمُ)

(وَمُقَدَّم تَعْيَا النُّفُوسُ لِضيقِهِ

قَدَّمْتُهُ وَشُهُودُ قَوْمِي أعْلَمُ)

(فَوَرَدْتُهُ وَتَرَكْتُ إِخْوَاناً لَهُ

يَرِدُونَ غَمْرَتَهُ وَغَمْرَتُهُ الدَّمُ)

(فَإِذَا انْجَلَتْ غَمَراتُهُ أَوْرَثْنَنِي

مَجْدَ الْحَيَاةِ وَمَجْدَ غُنْمٍ يُقْسَمُ)

(كَلَّفْتُمُونِي ذَنْبَ آلِ مُحَمَّدٍ

وَالله أَعْلَمُ مَنْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ)

(وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ أُقَاتِلُ وَاحِداً

وَخَذَلْتُمُونِي إِذْ تُقَاتِلُ خَثْعَمُ)

(وَإِذَا بَنَيْتُ الْمَجْدَ يَهْدِمُ بَعْضُكُمْ

لَا يَستَوِي بَانٍ وَآخَرُ يَهْدِمُ)

(وَأَقَبَّ مَخْمَاصِ الشِّتَاءِ مُسَارِعٍ

فِي الْمَجْدِ يُنْمَى لِلْعُلَا مُتَكَرِّمُ)

(أَكْرَهْتُ فِيهِ أَلَّةً يَزَنِيَّةً

سَحْمَاءَ يَقْدُمُهَا سِنَانٌ سَلْجَمُ)

(وَتَرَكْتُ حَنَّتَهُ تَرُدُّ وَلِيَّهُ

وَتَقُولُ لَيْسَ عَلَى فُلَانَهَ مُقْدَمُ)

(وَنَصَبْتُ نَفْسِي لِلرِّمَاحِ مُدَجَّجًا

مِثْلَ الدريئَةِ تُسْتَحَلُّ وَتُشْرَمُ)

وفيهَا غَزْوَة الطَّائِف خرج

فِي شَوَّال فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا أَو ثَلَاثِينَ بل فِي مُسلم عَن أنس حَاصَرَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين اثْنَا عشر وَقَاتل بِنَفسِهِ وَلم يُؤذن لَهُ فِي فَتحه فَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعد غيبَة شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا فَقدم عَلَيْهِ بَعْدُ وفْدُهُمْ فأسلموا وَلما أجمع رَسُول الله

السّير إِلَى الطَّائِف حِين فرغ من حنين قَالَ كَعْب بن مَالك // (من الوافر) //

(قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ

وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَمْنَا السُّيُوفَا)

(نُخَبِّرُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ

قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا)

(فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَم تَرَوْهَا

بِسَاحَةِ دارِكُمْ مِنَّا أُلوفا)

(وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وَجٍّ

وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا)

(وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرْعَانُ خَيْلٍ

يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا)

(إِذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ

لَهَا مِمَّا أَنَاخَ بِهَا رَجِيفَا)

ص: 283

(بِأَيْدِيهِمْ قَوَاضِبُ مُرْهَفَاتٌ

يُزِرْنَ الْمُسْطَلِينَ بِهَا الْحُتُوفَا)

(كَأَمْثَالِ العقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا

قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تُضْرَبْ كَتِيفَا)

(تَخَالُ جَدِيَّةَ الأَبْطَالِ فِيهَا

غَدَاةَ الزَّحْفِ جَادِيًّا مَدُوفَا)

(أَجَدَّهُمُ ألَيْسَ لهُمْ نَصِيحٌ

مِنَ الأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا)

(يُخَبِّرُهُمْ بِأَنَّا قَدْ جَمَعْنَا

عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنُّجُبَ الطُّرُوفَا)

(وَأَنَّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ

يُحِيط بِسُورِ حِصْنِهِمُ صُفُوفَا)

(رَئِيسُهُمُ النَّبِيُّ وَكَانَ صُلْبًا

نَقِيُّ الْقَلْبِ مُصْطَبِرّا عَزُوفًا)

(رَشيدَ الأَمْرِ ذَا حُكْمٍ وَعِلْمٍ

وَحِلْمِ لَمْ يَكُنْ نَزِقًا خَفِيفَا)

(نُطيِعُ نَبِيَّنَا ونُطِيعُ رَبًّاً

هُوَ الرَّحْمنُ كَانَ بِنَا رَءُوفَا)

(فإِنْ تُلْقُوا إِلَيْنَا السِّلْمَ نَقْبَلْ

وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُدًا وَرِيفاَ)

(وَإِنْ تَأْبَوْا نُجَاهدْكُمْ وَنَصْبِرْ

وَلَا يَكُ أمْرُنَا رَعِشًا ضَعِيفَا)

(نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أوْ تُنِيبُوا

إِلَى الإسْلَامِ إِذْعَانًا مُضِيفَا)

(نُجَاهِدُ مَا نُبَالِي مَنْ لَقِينَا

أأهْلَكْنَا التِّلَادَ أمِ الطَّرِيفَا)

(وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا

صَمِيمَ الْجِذْمِ مِنْهُمْ وَالْحلِيفَا)

(أتَوْنَا لَا يَرَوْنَ لَهُمْ كِفَاءً

فَجَدَّعْنَا الْمَسَامِعَ وَالأنُوفَا)

(بِكُلِّ مُهَنَّدٍ لَيْنٍ صَقِيلٍ

نَسُوقُهُمُ بِهَا سَوْقاً عَنِيفَا)

(لأَمْرِ اللهِ وَالإِسْلَامِ حَتَّى

يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلاً حَنِيفَا)

(وَتُنْسَى اللاتُ وَالْعُزَّى وَوَدٌّ

وَنَسْلُبُهَا الْقَلائِد وَالشُّنُوفَا)

(فَأَمْسَوْا قَدْ أقرُّوا وَاطمَأَنُّوا

وَمَنْ لَا يَمْتَنِعْ يَقْبَلْ خُسُوفَا)

قَالَ فِي الْمَوَاهِب بعد ذكر أَن الطَّائِف على ثَلَاث مراحل أَو اثْنَتَيْنِ من مَكَّة من جِهَة الْمشرق كثير الأعناب والفواكه قيل إِن أصبها أَن جِبْرِيل اقتلع الْجنَّة الَّتِي كَانَت لأَصْحَاب الصريم فَسَار بهَا إِلَى مَكَّة فَطَافَ بهَا حول الْبَيْت ثمَّ أنزلهَا هُنَاكَ فَسمى الْموضع بهَا وَكَانَت أَولا بنواحي صنعاء وَاسم الأَرْض وَج بتَشْديد الْجِيم

ص: 284

وَسَار إِلَيْهَا النَّبِي

فِي شَوَّال سنة ثَمَان حِين خرج من حنين وَحبس الْغَنَائِم بالجعرانة وقدَم خَالِد بن الْوَلِيد على مقدمته وَكَانَت ثَقِيف لما انْهَزمُوا من أَوْطَاس دخلُوا حصنهمْ بِالطَّائِف وأغلقوه عَلَيْهِم بعد أَن أدخلُوا فِيهِ مَا يصلحهم لسنة وتهيئوا لِلْقِتَالِ وَلما سَار

مرَ فِي طَرِيقه بِقَبْر أبي رِغَال وَهُوَ أَبُو ثَقِيف فِيمَا يُقَال فاستخرج مِنْهُ غصناً من ذهب وَنزل قَرِيبا من الْحصن وعسْكَرَ هُنَاكَ فرموا الْمُسلمين بِالنَّبلِ رمياً شَدِيدا كَأَنَّهُ رَجل جَراد حَتَّى أُصِيب نَاس من الْمُسلمين بجراحة وَقتل مِنْهُم اثْنَا عشر رجلا فيهم عبد الله بن أبي أُميَّة وَرمى عبد الله بن أبي بكر الصّديق يَوْمئِذٍ بِجرح فاندمل ثمَّ نقض عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَمَاتَ مِنْهُ فِي خلَافَة أَبِيه وارتفع

إِلَى مَوضِع مَسْجِد الطَّائِف الْيَوْم وَكَانَ مَعَه من نِسَائِهِ أم سَلمَة وَزَيْنَب فَضرب لَهما قبتين وَكَانَ يُصَلِّي بَين القبتين حِصَار الطَّائِف كُله فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَيُقَال خَمْسَة عشر يَوْمًا وَنصب عَلَيْهِم المنجنيق وَهُوَ أول منجنيق رمي بِهِ فِي الْإِسْلَام وَكَانَ قدم بِهِ الطُّفَيْل الدوسي مَعَه لما رَجَعَ من سَرِيَّة ذِي الْكَفَّيْنِ وَوضع الْمُسلمُونَ الرَّايَات بِأَصْل الْحصن فَأرْسلت عَلَيْهِم ثَقِيف سِكَك الْحَدِيد المحماة وَهِي أخشاب متسعة الأجواف تدفع فِي جِدَار الْحُصُون فيدخلها الرِّجَال لنقب جدارها فرمتهم ثَقِيف بِالنَّبلِ فَقتل مِنْهُم رجال فَأمر

بِقطع أَعْنَاقهم وَتَحْرِيقهَا فقطعها الْمُسلمُونَ قطعا ذريعاً ثمَّ سَأَلُوهُ أَن يَدعهَا لله وللرحم فَقَالَ عليه الصلاة والسلام إِنِّي أدعها لله وللرحم ثمَّ نَادَى مناديه عليه الصلاة والسلام أَيّمَا عبد نزل من الْحصن وَخرج إِلَيْنَا فَهُوَ حر قَالَ الدمياطي فَخرج مِنْهُم بضعَة عشر رجلا مِنْهُم أَبُو بكرَة وَعند مغلطاي ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ عبدا وَفِي البُخَارِيّ عَن عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ سَمِعت سَعْدا وَأَبا بكرَة عَن النَّبِي

قَالَ عَاصِم لقد شهد عِنْدِي رجلَانِ أما أَحدهمَا فَأول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله

وَأما الآخر فَنزل إِلَى النَّبِي

ثَالِث ثَلَاثَة وَعشْرين من الطَّائِف

الحَدِيث

ص: 285

وَأعْتق

من نزل مِنْهُم وَدفع كل رجل مِنْهُم إِلَى رجل من الْمُسلمين يمونه فشق ذَلِك على أهل الطَّائِف مشقة شَدِيدَة وَلم يُؤذن لَهُ

فِي فتح الطَّائِف وَأمر عمر بن الْخطاب فَأذن فِي النَّاس بالرحيل فَضَجَّ النَّاس من ذَلِك وَقَالُوا نرحل وَلم تفتح علينا الطَّائِف فَقَالَ

فاغدوا على الْقِتَال فَغَدوْا فَأصَاب الْمُسلمين جراحات فَقَالَ

إِنَّا قافلون غَدا إِن شَاءَ الله فسروا بذلك وأذعنوا وَجعلُوا يرحلون وَرَسُول الله

يضْحك قَالَ النَّوَوِيّ قصد

الشَّفَقَة عَلَيْهِم والرفق بالرحيل عَن الطَّائِف لصعوبة أمره وَشدَّة الْكفَّار الَّذين فِيهِ وتقويهم بحصنهم مَعَ أَنه

علم أَو رجا أَنه سيفتحه بعد هَذَا بِلَا مشقة فَلَمَّا حرص الصَّحَابَة على الْمقَام وَالْجهَاد أَقَامَ وجدّ فِي الْقِتَال فَلَمَّا أَصَابَتْهُم الْجراح رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ قَصده أَولا من الرِّفْق وفرحوا بذلك لما رَأَوْا من الْمَشَقَّة الظَّاهِرَة ووافقوا على الرحيل فَضَحِك

تَعَجبا من تغير رَأْيهمْ وفقئت عين أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب يَوْمئِذٍ فَذكر ابْن سعد أَن النَّبِي

قَالَ لَهُ وَهِي فِي يَده

أَيهمَا أحب إِلَيْك عين فِي الْجنَّة أَو أَدْعُو الله أَن يردهَا عَلَيْك فَقَالَ بل عين فِي الْجنَّة فَرمى بهَا وَشهد اليرموك فقاتل وفقئت عينه الْأُخْرَى يَوْمئِذٍ ذكره الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي شرح التَّقْرِيب وَقَالَ

للصحابة قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فَلَمَّا ارتحلوا قَالَ قُولُوا آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فَانْظُر كَيفَ كَانَ

إِذا خرج للْجِهَاد يعْتد لذَلِك بِجمع الصَّحَابَة واتخاذ الْخَيل وَالسِّلَاح وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من آلَات الْجِهَاد وَالسّفر ثمَّ إِذا رَجَعَ عليه الصلاة والسلام يتعرى من ذَلِك وَيرد الْأَمر كُله لمَوْلَاهُ عز وجل لَا لغيره لقَوْله آيبون تائبون عَابِدُونَ لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده

ص: 286

وَانْظُر إِلَى قَوْله عليه الصلاة والسلام وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده فنفى

مَا تقدم ذكره وَهَذَا هُوَ معنى الْحَقِيقَة لِأَن الْإِنْسَان وَفعله خلق لرَبه عز وجل فَهُوَ لله سبحانه وتعالى الَّذِي خلق ودبر وأعان وأجرى الْأُمُور على يَد من شَاءَ وَمن اخْتَار من خلقه فَكل مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَلَو شَاءَ الله أَن يبيد أهل الْكفْر من غير قتال لفعل قَالَ تَعَالَى {ذَلِك وَلَو يشاءُ اللهُ لانتصَرَ مِنهُم وَلَكِن ليبلُوَا بَعضَكم بِبَعض} مُحَمَّد 4 ليثبت الصابرين وَيجْزِي الثَّوَاب للشاكرين قَالَ تَعَالَى {وَلَنَبلُوَنكُم حَتى نَعلَمَ المجاَهِدِينَ مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم} فعلى الْمُكَلف الِامْتِثَال فِي الْحَالَتَيْنِ أَي امْتِثَال تعاطى الْأَسْبَاب تأدباً مَعَ الربوبية كَمَا فعل ذَلِك

أَولا تأدباً مَعَ الربوبية وتشريعاً لأمته ثمَّ يظْهر الله مَا يَشَاء من قدرته الغامضة الَّتِي ادخرها لَهُ عليه الصلاة والسلام قَالَه ابْن الْحَاج فِي الْمدْخل وَلما قيل لَهُ يَا رَسُول الله ادْع على ثَقِيف قَالَ اللَّهُمَّ اهد ثقيفاً وائت بهم وَكَانَ عليه الصلاة والسلام قد أَمر أَن يجمع السَّبي والغنائم مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله يَوْم حنين فَجمع ذَلِك كُله إِلَى الجعرَانة فَكَانَ بهَا إِلَى أَن انْصَرف عليه الصلاة والسلام من الطَّائِف وَكَانَ السَّبي سِتَّة آلَاف رَأس وَالْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير وَالْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألف شَاة وَأَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة فضَّة واستأنى

بهوازن أَي انْتظر وتربص أَن يقدموا عَلَيْهِ مُسلمين بضع عشرَة ثمَّ بَدَأَ يقسم الْأَمْوَال وَفِي البُخَارِيّ وطفق

يُعْطي رجَالًا الْمِائَة من الْإِبِل مِنْهُم أَبُو سُفْيَان وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ والأقرع بن حَابِس التَّمِيمِي وَأعْطى الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ سِتِّينَ فسخطها ثمَّ أَتَى إِلَيْهِ عليه الصلاة والسلام فَأَنْشد // (من المتقارب) //

(أتجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العَبِيدِ

بَين عُيَيْنَةَ والأَقْرَع)

(فَمَا كَانَ حِصْنٌ ولَا حَابِسٌ

يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ)

ص: 287

(ومَا كُنْتُ دُونَ امرِىءٍ مِنْهُمَا

ومَنْ تَضَعِ اليَوْمَ لَا يُرْفَعِ)

فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لعَلي اقْطَعْ لِسَانه عني فأكمل لَهُ مائَة فَقَالَ نَاس من الْأَنْصَار يغْفر الله لرَسُول الله يعْطى قُريْشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دِمَائِهِمْ قَالَ أنس فَحدث رَسُول الله

بمقالتهم فَأرْسل إِلَى الْأَنْصَار فَجَمعهُمْ فِي قبَّة من أَدَم ثمَّ قَالَ لَهُم أما ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بالأموال وَالشَّاء وَالْبَعِير وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ إِلَى رحالكُمْ فوَاللَّه لما تنقلبون بِهِ خير مِمَّا يَنْقَلِبُون بِهِ قَالُوا يَا رَسُول الله قد رَضِينَا وَعَن جُبَير بن مطعم قَالَ بَيْنَمَا أَنا مَعَ النَّبِي

وَمَعَهُ النَّاس مقفلون من حنين علقت برَسُول الله

الْأَعْرَاب حَتَّى اضطرته إِلَى سَمُرَة فخطفت رِدَاءَهُ فَوقف

فَقَالَ أعطوني رِدَائي فَلَو كَانَ لي عدد العضاه نعما لقسمته بَيْنكُم ثمَّ لَا تجدوني بَخِيلًا وَلَا كذوباً وَلَا جَبَانًا رَوَاهُ ابْن جرير فِي تهذيبه وَذكر مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه لما قدم رَسُول الله

من الطَّائِف نزل الْجِعِرَّانَة فقسم الْغَنَائِم ثمَّ اعْتَمر مِنْهَا وَذَلِكَ لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال قَالَ ابْن سيد النَّاس وَهَذَا ضَعِيف وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل السّير أَن النَّبِي

انْتهى إِلَى الْجِعِرَّانَة لَيْلَة الْخَمِيس لخمس لَيَال خلون من ذِي الْقعدَة فَأَقَامَ بهَا ثَلَاث عشرَة لَيْلَة فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَاف إِلَى الْمَدِينَة خرج لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة لَيْلًا فَأحْرم بِعُمْرَة وَدخل مَكَّة وَفِي تَارِيخ الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد أَنه عليه الصلاة والسلام أحرم من وَرَاء الْوَادي حَيْثُ الْحِجَارَة المنصوبة وَعند الْوَاقِدِيّ من الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي تَحت الْوَادي بالعدوة القصوى من الْجِعِرَّانَة فَكَانَت صلَاته عليه الصلاة والسلام إِذا كَانَ بالجعرانة بِهِ والجعرَانة موضعَ بَينه وَبَين مَكَّة بريد يَعْنِي اثْنَي عشر ميلًا كَمَا قَالَه الفاكهي وَقَالَ الْبَاجِيّ ثَمَانِيَة عشر ميلًا وَسمي بِامْرَأَة تلقب بالجعرانة كَمَا ذكره السُّهيْلي أَخذهَا السَّيْل فوصل بهَا

ص: 288

إِلَى هَذَا الْمحل فَوجدت ثمَّة فَسمى الْمحل بهَا قَالُوا وَقدم

الْمَدِينَة وَقد غَابَ عَنْهَا شَهْرَيْن وَسِتَّة عشر يَوْمًا قَالَ ابْن هِشَام وَلما أعْطى رَسُول الله

مَا أعْطى فِي قُرَيْش وقبائل الْعَرَب وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا قَالَ حسان بن ثَابت يعاتبه فِي ذَلِك // (من الْبَسِيط) //

(زار الهُمُومُ فماءُ العَيْنِ مُنْحَدِرُ

سَحًّا إِذا حَفَّلَتْهُ عَبْرَةٌ دررُ)

(وجدا بِشّيْماءَ إِذْ شَيْماءُ بَهْكَنَةٌ

هَيْفَاءُ لَا دَنَسٌ فِيهَا وَلَا خَوَرُ)

(دَعْ عَنْكَ شيماء إِذْ كانَتْ مَوَدَّتُهَا

نَزْرًا وَشَرٌّ وِصَالِ الوَاصِلِ النَّزْرُ)

(وائتِ الرَّسُولَ فَقَلْ يَا خَيْرَ مُؤتَمن

للمُؤْمنينَ إِذَا مَا عُدَّدَ البَشَرُ)

(عَلامَ تُدْعَى سُلَيْمٌ وَهْيَ نَازِحَةٌ

قُدَّامَ قَوْمٍ هَمُ آووا وَهُم نَصَرُوا)

(سمَّاهُمُ اللهُ أَنْصَارًا بِنَصْرِهِمُ

ديِنَ الهُدّى وعَوَانُ الحَرْبِ تَسْتَعِرُ)

(وسَارَعُوا فِي سَبيلِ الله واعْتَرَفُوا

للنَّائِباتِ ومَا خَامُوا ومَا ضَجرُوا)

(والناسُ إلْبٌ عيناَ فيكَ لَيْسَ لَنَا

إِلَاّ السيُوف وأطْرَافُ القَنَا وزرُ)

(نجالد النَّاسَ لَا نُبقِي عَلَى أحَدِ

وَلا نُضَيِّعُ مَا تُوحِي بِهِ السُّوَرُ)

(وَلا تهرُّ جُنَاةُ الحرْبِ ناديناَ

ونحْنُ حينَ تلظَّى نَارُهَا سعر)

(كَمَا رَدَدْنَا ببدرِ دَونَ مَا طَلَبُوا

أَهْلَ النِّفَاقِ وَفينَا يَنْزِلُ الظِّفَرُ)

(ونَحنُ جُنْدُكَ يَوْم النَّعْفِ من أُحُدٍ

إِذ حَزَّبَتْ بَطَرًا أَحْزَابَهَا مُضَرُ)

(فَمَا وَنَيْنَا ومَا خَمْنَا وَمَا خبرُوا

منَّا عَثَارًا وكل النِّاسِ قَدْ عَثَرُوا)

ص: 289