المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(خلافة أمير المؤمنين أبي الحسنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٢

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْبَاب السَّادِس من الْمَقْصد الثَّانِي فِي ذكر موَالِيه وخدامه وَكتابه وأمرائه ومؤذنيه وخطبائه وجداته وشعرائه وخيله وسلاحه وغنمه ولقاحه وَمَا يتبع ذَلِك)

- ‌(الْبَاب السَّابِع من الْمَقْصد الثَّانِي)

- ‌(حوادث السّنة الأولى من الْهِجْرَة)

- ‌(حَوَادِث السنَةِ الثانِيَةِ مِنَ الهِجرَةِ)

- ‌(أَمر بني قينقاع

- ‌(حوادث السّنة الثَّالِثَة)

- ‌(وَمِنْهَا غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد)

- ‌(حوادث السّنة الرَّابِعَة)

- ‌(غَزْوَة بدر الْأَخِيرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْخَامِسَة)

- ‌(حَوَادِثَ السنَةِ السَّادِسَةِ)

- ‌(حوادث السّنة السَّابِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الثَّامِنَة)

- ‌(حوادث السّنة التَّاسِعَة)

- ‌(حوادث السّنة الْعَاشِرَة)

- ‌(حوادث السّنة الْحَادِيَة عشرَة من الْهِجْرَة)

- ‌(فصل فِي صِفَاته الحسية

- ‌(فصل فِي صِفَاته المعنوية وأخلاقه

- ‌(فصل فِي خَصَائِصه

- ‌(فصل فِي معجزاته

- ‌(الْمَقْصد الثَّالِث فِي ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَذكر خلَافَة الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(شرح مَا وَقع فِي هَذِه الرسَالَة من الْغَرِيب)

- ‌(أفْضَلِيةُ أبي بَكْرِ الصّديق رضي الله عنه

- ‌(نسب أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر وَفَاته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق رضي الله عنه

- ‌(ذكر نسبه رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(الْآيَات النَّازِلَة بِمَا أَشَارَ بِهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قضايا مُتعَدِّدَة)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌(ذكر وَفَاته شَهِيدا رضي الله عنه

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان ذى النورين رضي الله عنه

- ‌(ذكر إِسْلَامه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عُثْمَان رضي الله عنه

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ذكر أَوْلَاده رضي الله عنه

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

الفصل: ‌(خلافة أمير المؤمنين أبي الحسنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الحسنين عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه

هُوَ عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم أقربهم إِلَى رَسُول الله

نسبا يجْتَمع مَعَه عليه الصلاة والسلام فِي عبد الْمطلب الْجد الْأَدْنَى وينسب إِلَى هَاشم فَيُقَال الْقرشِي الْهَاشِمِي ابْن عَم رَسُول الله

لِأَبَوَيْهِ وَأَخُوهُ بالمؤاخاة وصهره على ابْنَته وَأَبُو السبطين وَأول هاشمى ولد بَين الهاشمين وَأول خَليفَة من بني هَاشم وَأحد الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وَأحد السِّتَّة أَصْحَاب الشورى وَأحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَأحد الْعلمَاء الربانيين والشجعان الْمَشْهُورين والزهاد الْمَذْكُورين والسابقين إِلَى الْإِسْلَام لم يسْجد لصنم قطّ وَبَات لَيْلَة الْهِجْرَة على فرَاشه

يَقِيه بِنَفسِهِ وَخَلفه بِمَكَّة ليرد الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده

وَكَانَ يحمل راية رَسُول الله

الْعُظْمَى فِي الْقِتَال فيتقدم بهَا فِي نحر الْعَدو وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وأبلى فِيهَا بلَاء حسنا وَبَايَعَهُ على الْمَوْت وَكَانَ أَشْجَع النَّاس مَا بارز أحدا قطّ إِلَّا قَتله وَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ مَال لم يتْرك مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يقسمهُ وَكَانَ يكنس بَيت المَال ليصلى فِيهِ وَلَا يخص بالولايات إِلَّا أهل الديانَات وَكَانَ عليه الصلاة والسلام إِذا لم يغز بِنَفسِهِ لم يُعْط سلاحه إِلَّا عليا وَشهد لَهُ عليه الصلاة والسلام بِالشَّهَادَةِ فِي تَحْرِيك حِراء روى أَن مُعَاوِيَة قَالَ لِضِرَار يَا ضرار صف لي عليا قَالَ أعفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مُعَاوِيَة لتصفنه قَالَ ضرار أما إِذْ لَا بُد من وَصفه كَانَ وَالله بعيد المدى شَدِيد القوى يَقُول فصلا وَيحكم عدلا وتتفجر ينابيع الْعلم من جوانبه وتنطق الْحِكْمَة من نواحيه يستوحش من الدُّنْيَا وزهرتها ويأنس إِلَى اللَّيْل ووحشته كَانَ غزير الدمعة طَوِيل الفكرة يُعجبهُ من اللبَاس مَا قصر وَمن الطَّعَام مَا خشن كَانَ فِينَا كأحدنا يجيبنا إِذا سألناه وينبئنا إِذا استنبأناه وَنحن وَالله مَعَ تقريبه إيانا وقربه منا لَا نكاد نكلمه هَيْبَة لَهُ يعظم أهل الدّين وَيقرب الْمَسَاكِين لَا يطْمع الْقوي فِي باطله وَلَا ييأس الضَّعِيف من عدله وَأشْهد لقد رَأَيْته فِي بعض

ص: 551

مرافقه وَقد أرْخى اللَّيْل سدوله وَغَارَتْ نجومه قَابِضا على لحيته يتململ تململ السَّلِيم ويبكي بكاء الحزين وَيَقُول يَا دنيا غري غَيْرِي إِلَيّ تعرضت أم إِلَيّ تشوقت يَا صفراء اصفري وَيَا بَيْضَاء بيضي هَيْهَات قد طَلقتك ثَلَاثًا لَا رَجْعَة لي فِيك فعمرك قصير وخطرك حقير آه آه من قلَّة الزَّاد وَبعد السّفر ووحشة الطَّرِيق قَالَ فَبكى مُعَاوِيَة وَقَالَ رحم الله أَبَا حسن كَانَ وَالله كَذَلِك فَكيف حزنكم عَلَيْهِ يَا ضرار قَالَ حزن من ذبح وَاحِدهَا فِي حجرها أخرج الدولابي وَأَبُو عَمْرو قَالَ ابْن عَبَّاس أعْطى عَليّ تِسْعَة أعشار الْعلم وَوَاللَّه لقد شاركهم فِي الْعشْر الْبَاقِي وَإِذا ثَبت لنا الشَّيْء عَن عَليّ لم نعدل عَنهُ إِلَى غَيره روى ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بعجة بن عبد الله الْجُهَنِىّ قَالَ تزوج رجل امْرَأَة فَولدت لَهُ غُلَاما لسِتَّة أشهر فاتهمها فَأمر عُثْمَان برجمها فَبلغ ذَلِك عليا رضي الله عنه فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مَا تصنع قَالَ عُثْمَان ولدت غُلَاما لسِتَّة أشهر وَهل يكون ذَلِك فَقَالَ لَهُ عَليّ أما سَمِعت الله يَقُول {وَحَملهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً} الْأَحْقَاف 15 وَقَالَ {حَوْلَيْنِ كامِلَين لِمَن أرادَ أَن يُتِمَ الرضاعَةَ} الْبَقَرَة 233 فَلم نجده بَقِي إِلَّا سِتَّة أشهر فَقَالَ عُثْمَان وَالله مَا فطنت لهَذَا عَليّ بِالْمَرْأَةِ فَوَجَدَهَا قد فرغ مِنْهَا وَكَانَ من قَوْلهَا لأختها يَا أخية لَا تحزني فوَاللَّه مَا كشفت ثوبي لأحد قطّ غَيره وَقَالَ فشب الْغُلَام بعد فاعترف بِهِ الرجل وَكَانَ أشبه النَّاس بِهِ قَالَ فَرَأَيْت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا عياذاً بِاللَّه قَالَ سعيد بن الْمسيب لم يكن أحد يَقُول سلوني غير عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَهُوَ أول من أسلم وَأول من صلى وَأَجْمعُوا أَنه صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر وَلم يزل اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام عليا وَكَانَ يكنى أَبَا حسن

ص: 552

وَسَماهُ رَسُول الله

صديقا وَكَانَ يكنى أَبَا قثم وَأَبا تُرَاب كناه النبى

بهما وَكَانَت أحب الكنى إِلَيْهِ وَمَا أحسن قَول بَعضهم // (من الوافر) //

(إِذَا مَا رَمِدَتْ عَيْنى فَكُحلى

تُرَابٌ مَسَّ نَعْلَ أَبى تُرَابِ)

(هُوَ البَكَّاءُ فِى المِحرابِ لَيْلاً

هُوَ الضَّحَّاكُ فِى يَوْمِ الضِّرَابِ)

أمه فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف قَالَ أَبُو عَمْرو هِيَ أول هاشمية ولدت هاشمياً أسلمت ودفنت بِالْمَدِينَةِ وشهدها رَسُول الله

وَتَوَلَّى دَفنهَا وأشعرها قَمِيصه وأضجعها فِي قبرها وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِرِجَال الصَّحِيح عَن أنس بن مَالك قَالَ مَاتَت فَاطِمَة بنت أَسد أم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَدَخَل عَلَيْهَا رَسُول الله

فَجَلَسَ عِنْد رَأسهَا فَقَالَ رَحِمك الله يَا أُمِّي كنت أُمِّي بعد أُمِّي تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نَفسك طيبا وتطعميني تريدين بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة ثمَّ أَمر أَن تغسل ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلم بلغ المَاء الَّذِي فِيهِ الكافور سكبه رَسُول الله

بِيَدِهِ ثمَّ خلع رَسُول الله

قَمِيصه فألبسها إِيَّاه وكفنها بِبرد فَوْقه ثمَّ دَعَا أُسَامَة بن زيد وَأَبا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَعمر بن الْخطاب وَغُلَامًا أسود يحفرون قبرها فَلَمَّا بلغُوا اللَّحْد حفر رَسُول الله

فَأخْرج ترابه ثمَّ لما فرغ اضْطجع فِيهِ ثمَّ قَالَ الله الَّذِي يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت اغْفِر لأمي فَاطِمَة بنت أَسد ولقنها حجتها ووسع عَلَيْهَا مدخلها بِحَق نبيك والأنبياء الَّذين من قبلي فَإنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ وَكبر عَلَيْهَا أَرْبعا وأدخلها اللَّحْد هُوَ وَالْعَبَّاس وَأَبُو بكر الصّديق قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَمَّا سوى عَلَيْهَا التُّرَاب قيل يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك صنعت شَيْئا لم نرك صَنعته لأحد فَقَالَ إِنِّي ألبستها قَمِيصِي لتلبس من ثِيَاب الْجنَّة واضطجعت فِي قبرها لأخفف عَنْهَا من ضغطة الْقَبْر إِنَّهَا كَانَت أحسن خلق الله إِلَيّ صنعا بعد أبي طَالب

ص: 553

ولد رضي الله عنه وَأَبوهُ غَائِب فَسَمتْهُ أمه حيدرة وَهُوَ اسْم الْأسد فَلَمَّا قدم أَبوهُ كره هَذَا الِاسْم وَسَماهُ عليا صفته رضي الله عنه كَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَوق الربعة من الرِّجَال أدعج الْعَينَيْنِ عظيمهما حسن الْوَجْه كَأَنَّهُ قمر لَيْلَة الْبَدْر ضخم الْبَطن عَظِيم المشاش ضخم الذراعين عَظِيم اللِّحْيَة قد مَلَأت صَدره إِن عاينته من قريب قلت أسمر أصلع شَدِيد الصلع عَن أبي سعيد الرسمي قَالَ كُنَّا نبيع الثِّيَاب على عواتقنا فِي السُّوق فَإِذا رَأينَا عليا قد أقبل قُلْنَا بُزُرك شكم فَيَقُول عَليّ مَا تَقولُونَ قُلْنَا نقُول عَظِيم الْبَطن قَالَ أجل أَعْلَاهُ علم وأسفله طَعَام وَكَانَ عَظِيم الْمَنْكِبَيْنِ لمنكبيه مشاش كمشاش السَّبع الضاري لَا يبين عضده من ساعده قد أدمج إدماجاً شثن الْكَفَّيْنِ عَظِيم الكراديس أصلع لَيْسَ فِي رَأسه شعر إِلَّا من خَلفه وَعَن أبي لبيد قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب يتَوَضَّأ فحسر الْعِمَامَة عَن رَأسه فَرَأَيْت رَأسه مثل راحتي عَلَيْهِ مثل خطّ الْأَصَابِع من الشّعْر وَعَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ رَأَيْت عَليّ بن أبي طَالب وَرَأسه ولحيته قطنة بَيْضَاء وَكَانَ إِذا مَشى تكفأ وَإِذا أمسك بِذِرَاع رجل أمسك بِنَفسِهِ فَلم يسْتَطع أَن يتنفس وَهُوَ قريب إِلَى السّمن شَدِيد الساعد وَالْيَد وَإِذا مَشى إِلَى الْحَرْب هرول ثَبت الْجنان مَا صارع قطّ أحد إِلَّا صرعه مَا اعتلى ضريبة إِلَّا قد وَلَا اعْترض إِلَّا قطّ شُجَاع مَنْصُور على من لاقاه رضي الله عنه عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَنه بلغه أَن عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر أسلما وهما ابْنا ثَمَان سِنِين وَقَالَ ابْن إِسْحَاق أسلم وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَعَن الْحسن أسلم عَليّ وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقيل أَربع عشرَة وَهُوَ يخْتَلف إِلَى الْكتاب لَهُ ذؤابة حَكَاهُ

ص: 554

الجندري عَن عَاصِم بن عمر قَالَ لَقِي عمر بن الْخطاب عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن نشدتك بِاللَّه هَل كَانَ رَسُول الله

ولاك الْأَمر قَالَ إِن قلت لَك فَمَاذَا تصنع أَنْت وَصَاحِبك فَقَالَ أما صَاحِبي فقد مضى وَأما أَنا فوَاللَّه لأخلعنها من عنقِي فِي عُنُقك فَقَالَ عَليّ جدع الله أنف من أبعدك من هَذَا وَلَكِن رَسُول الله

جعلني عَلماً فَإِذا أَنا مت فَمن خالفني ضل أخرجه السمان فِي الْمُوَافقَة عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ أَتَى رجل وَعُثْمَان مَحْصُور فَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ مقتول السَّاعَة قَالَ فَقَامَ عَليّ قَالَ مُحَمَّد فَأخذت بوسطه تخوفاً فَقَالَ حل لَا أم لَك قَالَ فَأتى على الدَّار وَقد قتل الرجل فَأتى دَاره فَدَخلَهَا وأغلق بَابه فَأَتَاهُ النَّاس فَضربُوا على الْبَاب ودخلوا فَقَالُوا إِن هَذَا الرجل قد قتل وَلَا بُد للنَّاس من خَليفَة وَإنَّهُ لم نَرَ أحدا أَحَق بهَا مِنْك فردد فَأَبَوا قَالَ فَإِذا أَبَيْتُم عَليّ فَإِن بيعتي لَا تكون سرا وَلَكِن ائْتُوا الْمَسْجِد فَمن شَاءَ أَن يبايعني بايعني فَخرج إِلَى الْمَسْجِد فَبَايعهُ النَّاس وَعَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ قتل عُثْمَان وَعلي فِي الْمَسْجِد فَمَال النَّاس إِلَى طَلْحَة قَالَ فَانْصَرف عَليّ يُرِيد منزله فَلَقِيَهُ رجل من قُرَيْش عِنْد مَوضِع الْجَنَائِز فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى رجل قتل ابْن عَمه وسلب ملكه قَالَ فولى عَليّ رَاجعا لرقي الْمِنْبَر فَقيل ذَاك عَليّ على الْمِنْبَر فَمَال النَّاس إِلَيْهِ فَبَايعُوهُ وَتركُوا طَلْحَة أخرجه فِي المناقب وَغَيره وَلَا تضَاد بَين هَذَا وَمَا قبله بل يحمل على أَن طَائِفَة من النَّاس أَرَادوا بيعَة طَلْحَة وَالْجُمْهُور أَتَوا عليا فِي دَاره وسألوه فأجابهم على مَا تقدم تَقْرِيره فَخرج بعد انصرافهم عَنهُ فِي بعض شئونه فَلَمَّا سمع كَلَام ذَلِك الرجل خشِي الْخلف بَين النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فِي وقته ذَلِك وبادر إِلَى الْبيعَة لهَذَا الْمَعْنى لَا لحب المملكة وخشية فَوَاتهَا فَإِنَّهُ الزَّاهِد فِيمَا سوى الله وَلَا قيمَة لسَمَاع كَلَام ذَلِك الرجل

ص: 555

قَالَ ابْن إِسْحَاق إِن عُثْمَان لم اقْتُل بُويِعَ عَليّ بن أبي طَالب بيعَة الْعَامَّة فى مَسْجِد رَسُول الله

وَبَايع أهل الْبَصْرَة وَبَايع لَهُ أهل الْيمن وبالمدينة طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَاجْتمعَ على بيعَته الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وتخلف عَن بيعَته نفر فَسئلَ عَنْهُم فَقَالَ أُولَئِكَ قوم قعدوا عَن الْحق وَلم يقومُوا مَعَ الْبَاطِل بُويِعَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة الْحَرَام من سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة قَالَ الْعَلامَة الْحَافِظ الذهبى وروى عَن أبي حَارِثَة وَأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَا لما أَتَى مُعَاوِيَة الْخَبَر أرسل إِلَى حبيب بن مسلمة الفِهري فَقَالَ أشر عَليّ بِرَجُل ينفذ بأَمْري وَلَا يقصر قَالَ مَا أعرف لذَلِك غَيْرِي قَالَ أَنْت لَهَا وَجعل على مقدمته يزِيد بن شجعة الْحِمْيَرِي فِي ألف وَقَالَ إِن قدمت يَا حبيب وَقد قتل فَلَا تدعن أحدا أَشَارَ إِلَيْهِ وَلَا أعَان عَلَيْهِ إِلَّا قتلته وَإِن أَتَاك الْخَبَر قبل أَن تصل فأقم حَتَّى أنظر وَبعث يزِيد بن شجعة فِي ألف على البغال يقودون الْخَيل مَعَهم الْإِبِل عَلَيْهِم الروايا فأغذ السّير فَأَتَاهُ خبر قَتله بِقرب خَيْبَر ثمَّ أَتَاهُ النُّعْمَان بن بشير مَعَه الْقَمِيص الَّذِي قَتَلُوهُ فِيهِ بالدماء وأصابع نائلة امْرَأَة عُثْمَان قد قطعهَا السَّيْف حِين أَرَادَت الدفاع عَنهُ والخصلة الشّعْر من لحية عُثْمَان أرْسلت ذَلِك أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان ابْن حَرْب زَوجته عليه الصلاة والسلام فَرَجَعُوا فلفه مُعَاوِيَة فِي الْقَمِيص على مِنْبَر دمشق والأصابع معلقَة فِيهِ فآلى رجال من أهل الشَّام لَا يأْتونَ النِّسَاء وَلَا يمسِون الْغسْل إِلَّا من حلم وَلَا ينامون على فرَاش حَتَّى يقتلُوا قتلة عُثْمَان أَو تفنى أَرْوَاحهم وبكوه سنة فَلَمَّا كَانَت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ كَانَت فتْنَة الْجمل قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى مروج الذَّهَب ومعادن الْجَوْهَر قَالَ ابْن عَبَّاس قدمت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة بعد قتل عُثْمَان بِخَمْسَة أَيَّام فَجئْت لأدخل على عَليّ فَقيل لي عِنْده الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَجَلَست بِالْبَابِ سَاعَة فَخرج الْمُغيرَة عَليّ وَقَالَ مَتى قدمت قلت السَّاعَة فَدخلت عَلَى عَليّ فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ لي أَيْن لقِيت الزبير وَطَلْحَة قلت بالمراصف وَكَانَا قد استأذنا عليّاً فِي الْعمرَة

ص: 556

فَقَالَ لَهما لعلكما تريدان الْبَصْرَة أَو الشَّام فأقسما أَنَّهُمَا لَا يقصدان غير مَكَّة للْعُمْرَة وَكَانَت عَائِشَة بهَا قد خرجت من قبل حَاجَة ثمَّ قَالَ عَليّ وَمن مَعَهُمَا قلت أَبُو مَسْعُود بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي فِي فتية من قُرَيْش فَقَالَ عَليّ أما إِنَّهُم لن يدعوا أَن يخرجُوا يَقُولُونَ نطلب بِدَم عُثْمَان وَالله يعلم إِنَّهُم قتلة عُثْمَان فَقلت لَهُ أَخْبرنِي عَن شَأْن الْمُغيرَة ودخوله عَلَيْك فَقَالَ جَاءَنِي بعد مقتل عُثْمَان بيومين فَقَالَ إِنَّنِي نَاصح لَك وَإِنِّي أُشير عَلَيْك بإبقاء عُمَّال عُثْمَان فأكتب إِلَيْهِم بإبقائهم على أَعْمَالهم فَإِذا بايعوك وَاطْمَأَنَّ أَمرك عزلت من كرهت وأبقيت من أَحْبَبْت فَقلت وَالله لَا أداهن فِي ديني وَلَا أعطي الرِّيَاء فِي أَمْرِي قَالَ فَإِن كنت قد أَبيت فانزع من شِئْت وَأثبت مُعَاوِيَة فَإِن لَهُ جرْأَة وَهُوَ فِي أهل الشَّام مسموع مِنْهُ وَلَك حجَّة فِي إبقائه فقد كَانَ عمر ولاه الشَّام كلهَا وَعُثْمَان بعده فَقلت وَالله لَا أسْتَعْمل مُعَاوِيَة يَوْمَيْنِ فَخرج من عِنْدِي على إِشَارَته ثمَّ عَاد إِلَيّ بعد يَوْم فَقَالَ إِنِّي أَشرت عَلَيْك بِمَا علمت فَنَظَرت فِي الْأَمر فَإِذا أَنْت مُصِيب لَا يَنْبَغِي أَن تَأْخُذ أَمرك بخدعة وَلَا يكون لَك فِيهِ دُلْسَة قَالَ ابْن عَبَّاس فَقلت لعَلي أما أول مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْك فقد نصحك وَأما الآخر فقد غشك وَإِنِّي أُشير عَلَيْك بتثبيت مُعَاوِيَة فَإِن بَايع لَك فلك على أَن أنقله من منزله فَقَالَ عَليّ وَالله لَا أعطي مُعَاوِيَة إِلَّا السَّيْف حَتَّى يدْخل فِي الْحق وتمثل بقول الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //

(فَمَا مِيْتَةٌ إنْ مِتهَا غَيْرَ عَاجِزٍ

بِعَارٍ إِذَا مَا غَالَتِ النَّفْسُ غَوْلَهَا)

فَقلت وَهُوَ وَالله لَا يعطيك إِلَّا السَّيْف حَتَّى يغلب بباطله حَقك قَالَ عَليّ وَكَيف ذَاك قلت إِنَّك تطاع الْيَوْم وتعصى غَدا وَإنَّهُ يطاع وَلَا يعْصى فَلَمَّا انْتَشَر عَليّ على أَصْحَابه وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذْ ذَاك بِالْبَصْرَةِ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لله در ابْن عَبَّاس كَأَنَّهُ ينظر إِلَى الْغَيْب من ستر رَقِيق وَفِي رِوَايَة فَقلت لَهُ بعد تمثله بِالْبَيْتِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت رجل شُجَاع أما سَمِعت قَوْله

الْحَرْب خدعة قَالَ بلَى فَقلت أما وَالله لَئِن أطعتنى

ص: 557

لأصدرن لَهُم بعد ورد ولأتركنهم ينظرُونَ فِي أدبار الْأُمُور كَمَا لَا يَدْرُونَ مَا كَانَ وَجههَا فِي غير نقض وَلَا إِثْم فَقَالَ لي يَا بن عَبَّاس لست من هناتك وَلَا هَنَات مُعَاوِيَة فِي شَيْء تُشِير عَليّ بِرَأْي فِيهِ فَإِذا عصيتك فأطعني فَقلت فَأَنا أفعل وأيسر مَالك عِنْدِي الطَّاعَة فَقَالَ سر إِلَى الشَّام فقد وليتكها قلت مَا هَذَا بِرَأْي يضْرب عنقِي بعثمان وَأدنى مَا هُوَ صانع أَن يخلصني قَالَ عَليّ ولمَ قلت لقرابتي مِنْك فَإِن كل من حمل عَلَيْك حمل عَليّ وَلَكِن اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَة فَمِنْهُ وعِدهُ فَأبى عَليّ وَقَالَ وَالله لَا كَانَ هَذَا أبدا ثمَّ تَلا {وَما كنُتُ مُتخَذَ المُضِلِينَ عضداً} الْكَهْف 51 وروى الْوَاقِدِيّ عَن رِجَاله قَالَ كَانَ يعلى بن منية التَّمِيمِي عَامل عُثْمَان على الْيمن فَوَافى الْمَوْسِم عَام قتل عُثْمَان فجَاء إِلَى عَائِشَة وَهِي بِمَكَّة لِلْحَجِّ فَقَالَ قد قتل خليفتك الَّذِي كنت تحرصين عَلَيْهِ فَقَالَت بَرِئت إِلَى الله من قَاتله وَعَن الْوَلِيد بن عبد الله قَالَ قَالَ يعلى بن منية أَيهَا النَّاس من خرج يطْلب بِدَم عُثْمَان فعلي جهازه وَكَانَ مَعَهم بِمَكَّة عبد الله بن عَامر بن كريز عَامل عُثْمَان على الْبَصْرَة فهرب مِنْهَا لما أَخذ الْبيعَة بهَا لعَلي على النَّاس جَارِيَة بن قدامَة السَّعْدِيّ وَأعْطى يعلى بن مُنَبّه عَائِشَة أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم وَقَالَ هَذِه من عين مالى أقوى بهَا من طلب بِدَم عُثْمَان فَبلغ عليا قَوْله فَقَالَ من أَيْن لَهُ سرق الْيمن ثمَّ جَاءَ وَأَعْطَاهَا كُرَاعًا وسلاحاً والجمل الَّذِي عَلَيْهِ هودجها واسْمه عَسْكَر فَلَمَّا انكشفوا يَوْم الْجمل هرب يعلى الْمَذْكُور قَالَ الذَّهَبِيّ لما قتل عُثْمَان سقط فِي أَيدي أَصْحَاب النبى

فَبَايعُوا عليا رضي الله عنه ثمَّ إِن طَلْحَة وَالزُّبَيْر ومروان وَعَائِشَة وَمن تَابعهمْ من بني أُميَّة رَأَوْا أَنهم لَا يخلصهم مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ من توانيهم فِي نصْرَة عُثْمَان إِلَّا أَن يقومُوا فِي الطّلب بدمه وَالْأَخْذ بثأره مِمَّن قَتله فَسَار طَلْحَة وَالزُّبَيْر من الْمَدِينَة واستأذنا عليا فِي الْعمرَة فَقَالَ لَهما مَا تقدم فأقسما أَنَّهُمَا يُريدَان مَكَّة للْعُمْرَة وَكَانَت عَائِشَة بِمَكَّة حَاجَة فَاجْتمعُوا وَمَعَهُمْ يعلى بن منية عَامل الْيمن

ص: 558

وَعبد الله بن عَامر عَامل الْبَصْرَة فأرادوا الشَّام فصدهم عبد الله بن عَامر وَقَالَ إِن مُعَاوِيَة لَا ينقاد إِلَيْكُم وَلَا يعطيكم من نَفسه الظنة لَكِن هَذِه الْبَصْرَة لي بهَا صنائع وعدة فجهزهم بِأَلف ألف دِرْهَم وَسَار الْقَوْم نَحْوهَا فِي نَحْو سِتّمائَة رَاكب فَانْتَهوا بِاللَّيْلِ إِلَى مَاء لبني كلاب يعرف بالحوأب فعوت كلابه على الركب فَسَأَلت عَائِشَة عَن اسْم هَذَا المَاء فَقيل لَهَا الحوأب فَذكرت قَوْله

لنسائه وَعَائِشَة مَعَهُنَّ أيتكن صَاحِبَة الْجمل الْأَدَب أَو الأديب تنبحها كلاب الحوأب تنجو بعد مَا كَادَت فاسترجعت وَقَالَت ردوني إِلَى حرم رَسُول الله

لَا حَاجَة لي فِي الْمسير هَذَا فَقَالَ لَهَا الزبير تالله مَا هَذَا بالحوأب وَأَشَارَ إِلَى جبل هُنَاكَ وَلَقَد غلط من أخْبرك فَأتوا إِلَى الْبَصْرَة فَخرج إِلَيْهِم عُثْمَان بن حنيف الْأنْصَارِيّ عَامل على عَلَيْهَا فمانعهم وَجرى بَينهم قتال ثمَّ اصْطَلحُوا على ترك الْحَرْب إِلَى قدوم عَليّ فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيَالِي أَسرُّوا عُثْمَان ونتفوا لحيته وَقتلُوا سبعين رجلا فهم أول من قتل فِي الْإِسْلَام ظلما وتشاح الزبير وَطَلْحَة فِي الصَّلَاة بِالنَّاسِ ثمَّ اتَّفقُوا لهَذَا يَوْم وَللْآخر يَوْم وَسَار عَليّ رضي الله عنه من الْمَدِينَة بعد أَرْبَعَة أشهر مَعَه أَرْبَعَة آلَاف حَتَّى انْتهى إِلَى الربذَة وَفَاته طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَكَانَ أَرَادَهُم فَانْصَرف حِين فاتوه إِلَى الْعرَاق وَأرْسل ابْنه الْحسن وعمار بن يَاسر إِلَى الْكُوفَة يستنفران لَهُ النَّاس وَكتب من الربذَة إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَكَانَ ولاه على الْكُوفَة فَقَالَ أَبُو مُوسَى إِنَّمَا هِيَ فتْنَة

ص: 559

فثبط النَّاس فَبلغ ذَلِك عليا فولى على الْكُوفَة بدله قرظة بن كَعْب الْأنْصَارِيّ وَكتب إِلَى أبي مُوسَى اعتزل عَملنَا يَا بن الحائك مذموماً مَدْحُورًا فَمَا هَذَا أول يَوْمنَا مِنْك وَخرج مَعَ الْحسن وعمار نَحْو سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتُّونَ رجلا فيهم الأشتر النَّخعِيّ وَقَالَ عمار لأهل الْكُوفَة أما وَالله إِنِّي لأعْلم أَنَّهَا يَعْنِي عَائِشَة زَوْجَة نَبِيكُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَكِن الله ابتلاكم بهَا لينْظر أتبغونه أم إِيَّاهَا فَخرج الْقَوْم مَعَ الْحسن وعمار حَتَّى قدمُوا على عَليّ بِذِي قار اسْم مَكَان فَسَار فِي نَحْو عشرَة آلَاف حَتَّى أَتَى الْبَصْرَة قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كَانَ على خيل عَليّ يَوْم الْجمل عمار بن يَاسر وعَلى الرجل مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وعَلى الميمنة عَليّ بن الْهَيْثَم السدُوسِي وَيُقَال عبد الله بن جَعْفَر وعَلى الميسرة الْحُسَيْن بن عَليّ وعَلى الْمُقدمَة عبد الله بن عَبَّاس وَدفع اللِّوَاء إِلَى ابْنه مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ على خيل طَلْحَة وَالزُّبَيْر طليحة وعَلى الرجل عبد الله بن الزبير وعَلى الميمنة عبد الله بن عَامر بن كريز وعَلى الميسرة مَرْوَان بن الحكم وَكَانَ اللِّوَاء مَعَ عبد الله بن حَكِيم بن حزَام المَخْزُومِي وَقَالَ الْمطلب بن زِيَاد عَن السّديّ شهد مَعَ عَليّ يَوْم الْجمل مائَة وَثَلَاثُونَ بَدْرِيًّا وَسَبْعمائة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قلت وَرَأَيْت نقلا عَن الشّعبِيّ أَنه بَالغ فَقَالَ لم يشْهد الْجمل من الصَّحَابَة إِلَّا عَليّ وعمار وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَهُوَ مُخَالف لما نَقله الثِّقَات غَيره وَذكر عَن الْمُنْذر ابْن أبي الْجَارُود فِيمَا حدث بِهِ الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي عَن ابْن عَائِشَة عَن معن ابْن عِيسَى أَنه لما قدم على الْبَصْرَة دخل مِمَّا يَلِي الطف قَالَ ابْن الْجَارُود فَخرجت أنظر إِلَيْهِ فورد فِي موكب عَظِيم وَله ألف فَارس يقدمهم فَارس على فرس أَشهب عَلَيْهِ قلنسوة وَثيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا مَعَه راية وَإِذا تيجان الْقَوْم الْأَغْلَب عَلَيْهَا الْبيَاض مدججين فِي الْحَدِيد وَالسِّلَاح فَقلت من هَذَا فَقيل لى

ص: 560

هَذَا أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ خَالِد بن زيد وَقيل ابْن زيد صَاحب رَسُول الله

الَّذِي نزل عَلَيْهِ مقدمه الْمَدِينَة وَأقَام فِي بَيته إِلَى أَن عمر الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وبيوت نِسَائِهِ وَهَؤُلَاء الْأَنْصَار مَعَه ثمَّ تلاه فَارس آخر عَلَيْهِ عِمَامَة صفراء وَثيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا متنكباً قوساً مَعَه راية على أشقر فِي نَحْو ألف فَارس فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا حُذَيْفَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس كميت معتماً بعمامة صفراء من تحتهَا قلنسوة بَيْضَاء وَعَلِيهِ قبَاء أَبيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا متنكباً قوساً فِي نَحْو ألف فَارس من النَّاس وَمَعَهُ راية فَقلت من هَذَا فَقيل أَبُو قَتَادَة بن ربعي الْأنْصَارِيّ ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس أدهم عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة سَوْدَاء قد مد لَهَا بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه شَدِيد الأدمة عَلَيْهِ سكينَة ووقار رَافعا صَوته بالقران مَعَه راية فِي ألف فَارس من النَّاس مختلفي الألوان والتيجان من شُيُوخ وكهول وشيب وشباب عَلَيْهِم السكينَة وَالْوَقار كَأَنَّمَا أوقفوا ليَوْم الْحساب وَأثر السُّجُود فِي جباههم فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا عمار بن يَاسر المَخْزُومِي فِي عدَّة من الصَّحَابَة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ ثمَّ تلاه فَارس على فرس أشقر وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض مُتَقَلِّدًا سَيْفا تخط رِجْلَاهُ فِي الأَرْض طولا فِي ألف من النَّاس الْغَالِب على تيجانهم الصُّفْرَة وَالْبَيَاض مَعَه راية صفراء فَقلت من هَذَا فَقيل هَذَا قيس بن سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي فِي عدَّة من الْأَنْصَار وَأَبْنَائِهِمْ وَغَيرهم من قحطان ثمَّ تلاه فَارس آخر على فرس أشكل مَا رَأينَا أحسن مِنْهُ عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة سَوْدَاء أسدلها بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَبِيَدِهِ لِوَاء فَقلت من هَذَا فَقيل لي هَذَا عبيد الله بن الْعَبَّاس أَخُو عبد الله ثمَّ تلاه موكب آخر فِيهِ فَارس أشبه النَّاس بالأولين قبله فَقلت من هَذَا قيل هَذَا قثم بن الْعَبَّاس ثمَّ أَقبلت الرَّايَات والمواكب يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا واشتبكت الرماح ثمَّ ورد موكب فِيهِ خلق من النَّاس عَلَيْهِم السِّلَاح وَالْحَدِيد مختلفي الرَّايَات فِي أَوله راية عَظِيمَة فِي أَوله فَارس كَأَنَّهُ قد كسر وجبر نظره إِلَى الأَرْض أَكثر من نظره إِلَى فَوق حوله أُمَم كَأَنَّمَا على رُءُوسهم الطير عَن يَمِينه شَاب حسن الْوَجْه وَبَين يَدَيْهِ شَاب مثلهمَا قلت من هَؤُلَاءِ فَقيل لي هَذَا عَليّ بن أبي طَالب وَأما من عَن يَمِينه فالحسن وَعَن شِمَاله الْحُسَيْن وَهَذَا مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة بَين يَدَيْهِ مَعَه الرَّايَة

ص: 561

الْعُظْمَى وَهَذَا الَّذِي خَلفه عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَهَؤُلَاء أَوْلَاد عقيل وَغَيرهم من فتيَان بني هَاشم وَهَؤُلَاء الْمَشَايِخ من أهل بدر الَّذين شهدوها مَعَ النَّبِي

من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَسَار عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَتَّى نزل بالموضع الْمَعْرُوف بالزاوية فصلى أَربع رَكْعَات وعفر خديه فِي التُّرَاب وَقد خلط ذَلِك بدموعه ثمَّ رفع يَدَيْهِ يَدْعُو ثمَّ بعث رجلا من أَصْحَابه يُقَال لَهُ مُسلم مَعَه مصحف يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَرَمَوْهُ بِسَهْم فَقَتَلُوهُ فَحمل إِلَى عَليّ فَقَالَت أم مُسلم // (من الرجز) //

(يَا رَبِّ إنَّ مُسْلِماً أَتَاهُمْ

يَتْلُو كِتَابَ اللهِ لَا يَخْشَاهُمْ)

(فَخَضَّبُوا مِنْ دَمِهِ لِحَاهُمْ

وَأُمُّهُ قَائِمَةٌ تَرَاهُمْ)

ثمَّ إِن عليا رضي الله عنه راسل الْقَوْم وناشدهم فَأَبُو إِلَّا الْقِتَال فَكَانَت وقْعَة الْجمل قَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه اصطف الْفَرِيقَانِ وَلَيْسَ لطلْحَة وَلَا لعَلي رَأْسِي الْفَرِيقَيْنِ قصد فِي الْقِتَال بل ليتكلما فِي اجْتِمَاع الْكَلِمَة فترامى أوباش الطَّائِفَتَيْنِ وشبت نَار الْحَرْب وثارت النُّفُوس وَبَقِي طَلْحَة يَقُول أَيهَا النَّاس أنصِتوا والفتنة تغلى فَقَالَ أُفٍّ فرَاش النَّار وذباب طمع وَقَالَ اللَّهُمَّ خُذ لعُثْمَان مني الْيَوْم حَتَّى ترْضى إِنَّا داهنا فِي أَمر عُثْمَان كُنَّا بالْأَمْس يدا على من سوانا وأصبحنا الْيَوْم جبلين من حَدِيد يزحف أَحَدنَا إِلَى صَاحبه وَقد كَانَ مني فِي أَمر عُثْمَان مَا لَا أرى كَفَّارَته إِلَّا بسفك دمي وَعَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما كَانَ عَليّ بالربذة مُتَوَجها إِلَى الْبَصْرَة لِلْقِتَالِ قَامَ إِلَيْهِ ابْنه الْحسن فَبكى بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لي فأتكلم قَالَ تكلم ودع عَنْك أَن تحن حنين الْأمة فَقَالَ لقد كنت أشرتُ عَلَيْك بالْمقَام وَأَنا أُشير بِهِ عَلَيْك الْآن إِن للْعَرَب جَوْلَة وَلَو رجعت إِلَيْهَا عوازب أحلامها لضربوا إِلَيْك آباط الْإِبِل حَتَّى يستخرجوك وَلَو كنت فِي مثل جُحر الضَّب

ص: 562

فَقَالَ عَليّ أَترَانِي لَا أَبَا لَكَ كنتُ منتظراً كَمَا ينْتَظر الضبع اللدم وَعَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عَم لَهُ أَنه لما كَانَ يَوْم الْجمل نَادَى عَليّ فِي النَّاس لَا تراموا أحد بِسَهْم وكلوا الْقَوْم فَإِن هَذَا مقَام من فلج فِيهِ فلج يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِن الْقَوْم نادوا بأجمعهم يَا ثَارَاتِ عُثْمَان قَالَ وَابْن الْحَنَفِيَّة أمامنا برتوة مَعَه اللِّوَاء فَمد عَليّ رضي الله عنه يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ كب قتلة عُثْمَان لوجوههم ثمَّ إِن الزبير قَالَ لأساورة مَعَه ارموهم وَلَا تبلغوا فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن ينشب الْقِتَال فَلَمَّا نظر أَصْحَاب عَليّ إِلَى النشاب لم ينتظروا أَن يَقع إِلَى الأَرْض وحملوا عَلَيْهِم فهزموهم وَخرج عَليّ رضي الله عنه بِنَفسِهِ حاسراً على بغلة رَسُول الله

فَنَادَى يَا زبير اخْرُج إِلَيّ فَخرج شاكي السِّلَاح حَتَّى الْتَقت أَعْنَاق دَوَابِّهِمَا فَقيل ذَلِك لعَائِشَة فَقَالَت واخفرتك يَا أَسمَاء فَقيل لَهَا الزبير شاكي السِّلَاح وَعلي حاسر فاطمأنت قَلِيلا فَقَالَ لَهُ عَليّ وَيحك يَا زبير مَا الَّذِي أخرجك قَالَ دم عُثْمَان فَقَالَ عَليّ قتل الله أولانا بِدَم عُثْمَان ثمَّ قَالَ لَهُ أَتَذكر يَا زبير يَوْم لقِيت رَسُول الله

وضحكتُ إِلَيْهِ وَأَنت مَعَه فَقلت مَا يدع ابْن أبي طَالب زهوه فَقَالَ لَك لَيْسَ بِهِ زهو أَتُحِبُّهُ يَا زبير فَقلت وَالله إِنِّي لَأحبهُ فَقَالَ لَك إِنَّك ستقاتله وَأَنت لَهُ ظَالِم

ص: 563

فَقَالَ الزبير أسْتَغْفر الله لَو ذكرتها مَا خرجت فَكيف أرجع الْآن وَقد الْتَقت حلقتا البطان هَذَا وَالله الْعَار الَّذِي لَا يغسل أبدا فَقَالَ عَليّ يَا زبير ارْجع بالعار قبل أَن يُجْمَعَ الْعَار وَالنَّار فَرجع الزبير وَهُوَ يَقُول // (من الْبَسِيط) //

(إِخْتَرتُ عَاراً عَلَى نَارٍ تُؤَجِّجْه

أَنَّى يَقُومُ بِهَا خَلْقٌ مِنَ الطِّينِ)

(نَادَى عَليٌّ بِأَمْر لَسْتُ أَجْهَلُهُ

عَارٌ لَعَمْرُكَ فِي الدُّنْيا وَفى الدِّينِ)

(فَقُلْتُ حَسْبُكَ مِنْ عَذْلٍ أَبَا حَسَنٍ

فَبَعْضُ هَذَا الَّذِى قَدْ قُلْتَ يَكْفِينى)

فَقَالَ لَهُ ابْنه عبد الله بن الزبير إِلَى أَيْن تذْهب فَقَالَ أذكرني عَليّ أمرا كنت نَسِيته قَالَ لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لَكِن فَرَرْت من سيوف بني هَاشم فَإِنَّهَا حداد يحملهَا فتية أنجاد فَقَالَ رَاوِيه قَالَ لَهُ جبنا جبنا فَقَالَ لَا وَالله وَلكنه أذكرني أمرا أنسانيه الدَّهْر فاخترت الْعَار على النَّار أباِلجبن تعيرني لَا أَبَا لَك ثمَّ قلع سِنَان رمحه وَسَار فِي ميمنة عَليّ فَقَالَ عَليّ أفرجوا لَهُ فقد هاجوه ثمَّ رَجَعَ فَشد فِي الميسرة ثمَّ رَجَعَ فَشد فِي الْقلب ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ لِابْنِهِ أيفعل هَذَا جبان ثمَّ مضى منصرفاً بوادي السبَاع والأحنف بن قيس التَّمِيمِي منحاز فِي قومه من بني تَمِيم فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ هَذَا الزبير مار فَقَالَ مَا أصنع بالزبير وَقد جمع بَين جيشين عظيمين يقتل بَعضهم بَعْضًا وَهَا هُوَ صَار إِلَى منزله سالما فَلحقه عَمْرو بن جرموز بوادي السبَاع وَقد نزل الزبير للصَّلَاة فَأَتَاهُ من خَلفه فطعنه وَهُوَ فِي الصَّلَاة ثمَّ استسقى الزبير لَبَنًا فشربه فَخرج من جرحه فَمَاتَ رحمه الله فاحتز رَأسه وأتى بِهِ وسيفه إِلَى عَليّ رضي الله عنه فَقَالَ عَليّ يَا أَعْرَابِي تبوأ مَقْعَدك من النَّار سَمِعت رَسُول الله

يَقُول قَاتل ابْن صَفِيَّة فِي النَّار

ص: 564

وَقَالَ عَليّ طالما جلا الكروب عَن وَجه رَسُول الله

وَلَكِن حُلُول الْحِين وَمِقْدَار السوء وَقَالَ قَاتله لما قَالَ لَهُ عَليّ مَا قَالَ // (من المتقارب) //

(أَتَيْتُ عَلِيَّا بِرَأْسِ الزُّبَيْرِ

وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو بِهِ الزُّلفَهْ)

(فَبَشَّرَ بِالنَّارِ قَبْلَ العِيَانِ

وَلَيْسَتْ بِشَارَة ذِى التُّحفَه)

(لَسيَّانِ عِنْدِىَ قَتْلُ الزُّبَيْرِ

وَضَرْطَةُ عيْرٍ بِذِى الْجُحفَهْ)

وَقَالَ حسان بن ثَابت يرثيه // (من الطَّوِيل) //

(أَقَامَ عَلَى هَدْىِ النَّبِيِّ وَهَدْيِهِ

حَوَارِيُّهُ وَالقوْلُ بِالْفِعْلِ يَكْمُلُ)

(أَقَامَ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَطَريقِهِ

يُوَالِى وَلِىَّ الحَقِّ وَالْحَقُّ أَعْدَلُ)

(هُوَ الفَارِسُ المَشْهُورُ وَالْبَطَلُ الَّذِى

يَصُولُ إِذا مَا كَانَ يَوْمٌ محَجَّلُ)

(إِذَا كَشَّفْتْ عَن سَاقِهَا الحَرْبُ حَثَّهَا

بِأَبْيَضَ سَبَّاقٍ إِلى الموتِ يَرْفُلُ)

(فَمَا مِثْلُه فيهِمْ وَلَا كَانَ قَبْلَهُ

وَلَيْسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَا دَامَ يَذْبُلُ)

(ثَنَاؤُكَ خَيْرٌ مِنْ فِعَالِ مَعَاشِرٍ

وَفِعْلُكَ يَابْنَ الهَاشميةِ أَفْضَلُ)

(فَكَمْ كرْبَةٍ ذَبَّ الزُّبَيْرُ بِسَيْفِهِ

عَنِ المُصْطَفَى وَاللهُ يُعْطِى فَيُجْزِلُ)

وَفِيه يَقُول بعض بني آل الزبير // (من الْكَامِل) //

(جَدِّى ابْنُ عمَّة أحمدٍ وَوَزِيرُهُ

عِنْدَ البَلاءِ وَفَارِسُ الشُّعَرَاءِ)

(وَغَدَاةَ بَدْرٍ كَانَ أوَّلَ فَارِسٍ

شَهِدَ الوَغَى فِي اللأَّمةِ الصَّفْرَاءِ)

(نَزَلَتْ بِسيمَاهُ المَلائِكُ نُصْرَةً

بِالحَوْضِ يَوْم تأَلُّبِ الأَعْداءِ)

وَقَالَ جرير يرثيه // (من الْكَامِل) //

(إنَّ الرزيَّةَ مَنْ تَضَمَّنَ قَبْرَهُ

وَادِى السباعِ لِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ)

ص: 565

(لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزبيرِ تَواضَعَتْ

سُورُ المَدِينَةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ)

وَقَالَت زَوجته عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أُخْت سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة الْكِرَام رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم // (من الْكَامِل) //

(غَدَرَ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِفَارِسٍ مُهْجَةٍ

يَوْمَ اللِّقَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُعَذِّرِ)

(يَا عَمْرو لَوْ نَبَّهْتَهُ لَوَجَدتهُ

لَا طَائِشاً رَعِشَ البَنَانِ وَأَبْتَرِ)

ونادى عَليّ رضي الله عنه بعد رُجُوع الزبير طَلْحَة فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد مَا الَّذِي أخرجك قَالَ الطّلب بِدَم عُثْمَان قَالَ عَليّ قتل الله أولانا بِدَم عُثْمَان أما سمعته

يَقُول اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَأَنت أول من بايعني ثمَّ نكثت وَقد قَالَ الله تَعَالَى {فَمَن نكث فَإِنَّمَا يَنكث علَىَ نَفسِه} الْفَتْح 10 فَقَالَ طَلْحَة أسْتَغْفر الله ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ مَرْوَان رَجَعَ الزبير وَيرجع طَلْحَة وَالله لَا أطلب ثَأْرِي بعد الْيَوْم فَرمى مَرْوَان طَلْحَة بِسَهْم شكّ سَاقه بِجنب فرسه فَمَا زَالَ ينشج حَتَّى مَاتَ وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ هَذَا مِمَّن أعَان على قتل عُثْمَان والتفت إِلَى أبان بن عُثْمَان وَقَالَ لَهُ قد كَفَيْنَاك بعض قتلة أَبِيك ثمَّ اقْتَتَلُوا فَقطعت على خطام الْجمل سَبْعُونَ يدا مختمة كُلما أَخذ رجل بخطامه قطعت يَده وَكلهمْ من بني ضبة وهم يرتجزون بقَوْلهمْ

(نَحْنُ بَنُو ضَبَّةَ أَصْحَابُ الجَمَلْ

لَا نَرْهَبُ المَوْتَ إِذَا المَوْتُ نَزَلْ)

(رَدُّوا عَلَيْنا شَيْخنا ثمَّ بجلْ

عُثْمَان رُدُّوهُ بِأَطْرَافِ الأَسَلْ)

قَالَ الْعَلامَة إِبْرَاهِيم البيهقى فى كِتَابه المحاسن والمساوى لما سَارَتْ عَائِشَة

ص: 566

أَقبلت فِي هودج من حَدِيد وهى تنظر من ينظر قد صير لَهَا فِيهِ فَقَالَت لرجل من ضبة وَهُوَ آخذ بِخِطَام جملها أَيْن ترى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لَهَا هُوَ ذَاك رَافعا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء فَنَظَرت عَائِشَة إِلَيْهِ ثمَّ قَالَت مَا أشبهه بأَخيه فَقَالَ الضَّبِّيّ وَمن أَخُوهُ قَالَت رَسُول الله

فنبذ خطام جملها من يَده وَمَال إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ لعَائِشَة رضي الله عنها يَوْم الْجمل يَا أم الْمُؤمنِينَ هَل عهد إِلَيْك رَسُول الله

هَذَا الْمسير قَالَت اللَّهُمَّ لَا فَقَالَ هَل وجدتيه فِي كتاب الله تَعَالَى قَالَت مَا نَقْرَأ إِلَّا مَا تقرءون قَالَ فَهَل رَأَيْت رَسُول الله

اسْتَعَانَ بِشَيْء من نِسَائِهِ إِذا كَانَ فِي قلَّة وَالْمُشْرِكُونَ فِي كَثْرَة قَالَت اللَّهُمَّ لَا قَالَ الْأَحْنَف فَإِذن مَا هُوَ ذنبنا وَحمل أَصْحَاب الْجمل على ميمنة على وميسرته فكشفوها فَأتى عليا بعض ولد عقيل وَهُوَ يخْفق نعاساً فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا النعاس فَقَالَ لَهُ عَليّ اسْكُتْ يَا بن أخي إِن لعمك يَوْمًا لَا يعدوه وَالله مَا يُبَالِي عمك أوقع على الْمَوْت أَو الْمَوْت وَقع عَلَيْهِ ثمَّ بعث إِلَى وَلَده مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَانَ صَاحب رايته كَمَا تقدم ذكره وَقَالَ لَهُ احْمِلْ على الْقَوْم فَأَبْطَأَ مُحَمَّد بالحملة وَكَانَ بإزائه قوم من الرُّمَاة ينْتَظر نفاد سِهَامهمْ فَأَتَاهُ عَلِي فَقَالَ هلَاّ حملت على الْقَوْم فَقَالَ مَا أجد مُتَقَدما إِلَّا على سِنَان وَإِنِّي أنْتَظر نفاد سِهَامهمْ فَقَالَ لَهُ عَليّ احْمِلْ بَين الأسنة فَإِن للْمَوْت عَلَيْك جنَّة فَحمل مُحَمَّد فَشك بِالرِّمَاحِ والنبل فَأَتَاهُ عَليّ فَضَربهُ بقائم سَيْفه وَقَالَ لَهُ أذرعك عرق سوء أمك وَأخذ الرَّايَة من يَده وَحمل وَحمل النَّاس مَعَه فَمَا كَانَ الْقَوْم إِلَّا كرماد اشْتَدَّ بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف وَرمى الهودج بالنشاب حَتَّى صَار كَأَنَّهُ قنفد وصرخ صارخ اعقروا الْجمل فعقره رجل اخْتلف فِي اسْمه وَكَانَ

ص: 567

الهودج ملبساً بالدروع وداخله أم الْمُؤمنِينَ وَهِي تشجع النَّاس الَّذين حول الْجمل فَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ إِنَّهَا نَدِمت وَنَدم عَليّ عَلَى مَا وَقع ثمَّ أَتَى عَليّ كرم الله وَجهه إِلَى الهودج فَضرب أَعْلَاهُ بقضيب فِي يَده فَقَالَ أَبِهَذَا أَمرك رَسُول الله

يَا حميراء وَالله مَا أنصفك الَّذين أخرجوك إِذْ أبرزوك وصانوا حلائلهم فسُمِعَ صَوت من الهودج ملكت فَأَسْجِحْ وَلما سقط الْجمل بعد الْوَقْعَة أَتَى مُحَمَّد بن أبي بكر فحط هودجها عَن الْجمل فَأدْخل يَده فَقَالَت مَن قَالَ أقرب النَّاس إِلَيْك قرَابَة وأبغضهم إِلَيْك مُحَمَّد بن أبي بكر يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل أَصَابَك شَيْء فَقَالَت مَا أصابني إِلَّا سهم لم يضر فِي شَيْئا والتقى الأشتر مَالك بن الْحَارِث النخعى من فرسَان على هُوَ وَعبد الله بن الزبير من فرسَان الْجمل فاعتركا وسقطا عَن فرسيهما وَطَالَ اعتراكهما فعلاه الأشتر وَلم يجد سَبِيلا إِلَى قَتله وَالنَّاس يجولون وَعبد الله بن الزبير يُنَادي وَيَقُول // (من مجزوء الْخَفِيف) //

(أُقْتُلُونِى وَمَالِكاً

وَاقْتُلُوا مَالِكَا مَعِى)

فَلَا يسمعهُ أحد لشدَّة الصياح وَوَقع الْحَدِيد على الْحَدِيد وَلَا يراهما رَاء لظلمة النَّقْع وترادف العجاج وكلم خُزَيْمَة بن ثَابت عليا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ينكس الْيَوْم بِرَأْس مُحَمَّد واردد إِلَيْهِ الرَّايَة فَدَعَا بِهِ ورد إِلَيْهِ الرَّايَة ثمَّ قَالَ لَهُ // (من الرجز) //

(إِطْعَنْ بِهَا طَعْنَ أَبِيكَ تُحْمَدِ

)

(لَا خيْر فِى الْحَرْبِ إِذَا لَمْ تُوقَدِ

)

(بِالمَشْرَفِيِّ وَالْقَنَا المُسَدَّدِ

)

ثمَّ استسقى عَليّ فَأتى بِعَسَل وَمَاء فحسا حسوة فَقَالَ هَذَا الطائفى وهوغريب بِهَذَا الْبَلَد فَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر أما يشغلك مَا نَحن فِيهِ عَن علم هَذَا فَقَالَ وَالله يَا بني مَا مَلأ صدر عمك شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا

ص: 568

ثمَّ جهز عَليّ رضي الله عنه عَائِشَة وَبعث مَعهَا أخاها عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَثَلَاثِينَ رجلا وَعشْرين امْرَأَة من ذَوَات الدّين والشرف من نسَاء عبد الْقَيْس وهمدان وألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وَقَالَ لَا تعلمن عَائِشَة أنكن نسْوَة فَكُن هن اللَّاتِي يلين جملها وَخدمتهَا وَبعث على ابْن عَبَّاس إِلَى عَائِشَة يأمرها بِالْخرُوجِ إِلَى الْمَدِينَة مَعَ من هيأهم لِلْخُرُوجِ بهَا فَدخل عَلَيْهَا ابْن عَبَّاس بِغَيْر إِذْنهَا وَأخذ وسَادَة فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَقَالَت يَا بن عَبَّاس أَخْطَأت السّنة دخلت بِغَيْر إذننا وَجَلَست على رحلنا بِغَيْر أمرنَا فَقَالَ لَهَا لَو كنت فِي الْبَيْت الَّذِي خَلفك

فِيهِ مَا دَخَلنَا إِلَّا بإذنك وَلَا جلسنا إِلَّا بِأَمْرك إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَأْمُرك بِسُرْعَة الأوبة وَالتَّأَهُّب للرُّجُوع للمدينة ثمَّ خرج ابْن عَبَّاس من عِنْدهَا ثمَّ أَتَاهَا عَليّ فِي الْيَوْم الثَّانِي وَمَعَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن وَبَاقِي أَوْلَاده وَأَوْلَاد إخْوَته وَنسَاء من بنى هَاشم وَغَيرهم من شيعته من هَمدَان فَلَمَّا بصرن بِهِ النِّسَاء صحن فِي وَجهه يَا قَاتل الْأَحِبَّة فَقَالَ لَو كنت قَاتل الْأَحِبَّة لقتلت من فِي الْبَيْت وَأَشَارَ إِلَى بَيت من الْبيُوت كَانَ قد اختفى فِيهِ مَرْوَان بن الحكم وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَامر وَغَيرهم فَضرب من كَانَ مَعَ عَليّ رضي الله عنه بِأَيْدِيهِم إِلَى قَوَائِم سيوفهم لما علمُوا أَن فِي الْبَيْت نَاسا حذرا من الاغتيال فَقَالَت لَهُ عَائِشَة بعد كَلَام طَوِيل كَانَ بَينهمَا إِنِّي أُرِيد أَن أكون مَعَك فأسير إِلَى قتال عَدوك عِنْد مسيرك فَقَالَ ارجعي إِلَى الْبَيْت الَّذِي تَركك فِيهِ رَسُول الله

فَسَأَلته تَأْمِين ابْن أُخْتهَا عبد الله بن الزبير لِأَنَّهُ ابْن أَسمَاء بنت أبي بكر أُخْت عَائِشَة وَتكلم الْحسن وَالْحُسَيْن فِي مَرْوَان فَأَمنهُ وَأمن الْوَلِيد بن عقبَة وَولده عُثْمَان وَغَيرهم من بني أُميَّة وَأمن النَّاس جَمِيعًا وَقَالَ رضي الله عنه كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام من دخل دَاره فَهُوَ آمن وَمن ألْقى سلاحه فَهُوَ آمن ثمَّ ارتحلت عَائِشَة فَلَمَّا وصلت الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَت كنت بِخَير فِي مسيري وَقد أعْطى ابْن أبي طَالب فَأكْثر وَلكنه بعث معي رجَالًا أنكرتهم فعرفها النسْوَة

ص: 569

حالهن حِينَئِذٍ فَقَالَت مَا ازددت وَالله يَا ابْن أبي طَالب إِلَّا كرماً وددت إِنِّي لم أخرج هَذَا الْمخْرج وَأَنِّي أصابني كَيْت وَكَيْت من أُمُور شاقة ذكرتها وَإِنِّي قيل لي تخرجين فتصلحين بَين الْمُسلمين فَكَانَ مَا كَانَ ثمَّ ولى على الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس وَسَار إِلَى الْكُوفَة ثمَّ بعث إِلَى الْأَشْعَث بن قيس فَعَزله عَن أذربيجان وأرمينية وَكَانَ عَاملا لعُثْمَان عَلَيْهَا وَصرف جَرِيرًا عَن هَمدَان وَكَانَ عَاملا لعُثْمَان عَلَيْهَا وَكَانَ فِي نفس الْأَشْعَث عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء فَكَانَ مِنْهُ الْميل إِلَى خديعة عَمْرو بن الْعَاصِ قد أَرَادَ بِهِ تحكيم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَمَا سيأتى روى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ كَانَ بَين الْعَبَّاس وعَلى بن أبي طَالب مباعدة فَلَقِيت عليا فَقلت لَهُ إِن كَانَ لَك فِي النّظر إِلَى عمك حَاجَة فَإِنَّهُ وجع وَمَا أَرَاك تَلقاهُ فَوَجَمَ لَهَا على وَأَقْبل على يَده وَرجله يقبلهَا وَيَقُول يَا عَم ارْض عني رَضِي الله عَنْك قَالَ قد رضيت عَنْك ثمَّ قَالَ يَا بن أخي كنت قد أَشرت عَلَيْك بأَشْيَاء فَلم تقبل مني فَرَأَيْت فِي عَاقبَتهَا مَا كرهت وَهَا أَنا الْآن أُشير عَلَيْك بِرَأْي آخر فَإِن قَبلته وَإِلَّا نالك مَا نالك فَقَالَ عَليّ وَمَا الَّذِي أَشرت بِهِ عَليّ يَا عَم قَالَ أَشرت عَلَيْك لما مرض عليه الصلاة والسلام أَن تسأله فَإِن كَانَ الْأَمر فِينَا أعطاناه وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أوصى بِنَا فقلتَ إِنْ منعناها لم يعطناها أحد فمضت تِلْكَ فَلَمَّا قُبِضَ عليه الصلاة والسلام أَتَانَا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب تِلْكَ السَّاعَة فدعوناك إِلَى أَن نُبَايِعك فقلتُ ابْسُطْ يدك لنبايعك فَإنَّا إِن بايعناك لم يخْتَلف عَلَيْك منافي وَإِن بَايَعَك بَنو عبد منَاف لم تخْتَلف عَلَيْك قُرَيْش وَإِن بَايَعْتُك قُرَيْش لم يخْتَلف عَلَيْك أحد من الْعَرَب فقلتَ فِي جهاز النَّبِي شغل وَلَيْسَ على ثوب فَلم نَلْبَث أَن سمعنَا التَّكْبِير من سَقِيفَة بني سَاعِدَة فقلتَ مَا هَذَا يَا عَم قلت هَذَا مَا دعوناك إِلَيْهِ فأبيت فَقلت سُبْحَانَ الله وَيكون هَذَا قلت وَهل يرد مثل هَذَا ثمَّ أَشرت عَلَيْك حِين طعن عمر أَلا تدخل نَفسك فِي الشورى فَإنَّك إِن اعتزلتهم قدموك وَإِن ساويتهم تقدموك فَدخلت مَعَهم فَكَانَ مَا رَأَيْت

ص: 570

وَهَا أَنا أَقُول لَك أرى هَذَا الرجل يعْنى عُثْمَان بن عَفَّان يَأْخُذ فِي أُمُور وَكَأَنِّي بالعرب وَقد سَارَتْ إِلَيْهِ حَتَّى ينْحَر كَمَا تنحر الْجَزُور وَالله لَئِن كَانَ ذَلِك وَأَنت بِالْمَدِينَةِ ليرمينك النَّاس بدمه وَلَئِن فعلوا لَا تنَال من هَذَا الْأَمر شَيْئا إِلَّا بعد شَرّ لَا خير مَعَه انْتهى قَالَ ابْن عَبَّاس فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ أبي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَعَن عبد الله بن مُعَاوِيَة بن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ كَانَ إِيَاس بن مُعَاوِيَة لي صديقا فَدَخَلْنَا على عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه وَعِنْده جمَاعَة يتذاكرون السّلف ففضل قوم أَبَا بكر وَقوم عمر وَقوم عليا رضي الله عنهم فَقَالَ إِيَاس إِن عليا يرى أَنه كَانَ أَحَق النَّاس بِالْأَمر فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بكر وَرَأى أَنهم قد اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وَأَن ذَلِك قد أصلح الْعَامَّة اشْترى صَلَاح الْعَامَّة بِنَقْض رَأْي الْخَاصَّة يَعْنِي بني هَاشم ثمَّ لما ولي عمر فعل مثل ذَلِك بِهِ وبعثمان فَلَمَّا قتل عُثْمَان وَاخْتلف النَّاس وفسدت الْخَاصَّة والعامة وجد أعواناً فَقَامَ بِالْحَقِّ ودعا إِلَيْهِ رضي الله عنه وكرم وَجهه كَذَا فِي المحاسن للبيهقي قَالَ المَسْعُودِيّ وَكَانَت وقْعَة الْجمل يَوْمًا وَاحِدًا وَقتل من أهل الْبَصْرَة وَغَيرهم ثَلَاثَة عشر ألفا وَمن أَصْحَاب على سَبْعَة آلَاف وَقيل خَمْسَة آلَاف وَقَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ قتل بَينهمَا ثَلَاثُونَ ألفا وَكَانَت يَوْم الْخَمِيس لعشرِ خلون من جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ الْمَذْكُورَة قتل فِيهَا الْمَشَاهِير طَلْحَة بن عبيد الله الْقرشِي التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة المبشرة وَهُوَ أول قَتِيل يَوْم الْجمل بعد مُسلم الْجُهَنِيّ الَّذِي أمره على أَن يَدْعُو الْقَوْم بالمصحف إِلَى مَا فِيهِ فَرمي بِسَهْم فَقتل وَقد ذكرنَا أَن مَرْوَان من جَيش طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَأَنه الْقَاتِل لَهُ بِسَهْم رَمَاه بِهِ وَقَالَ مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ رأى عَليّ رضي الله عنه طَلْحَة ملقى قَتِيلا فَنزل فَمسح التُّرَاب عَن وَجهه

ص: 571

ولحيته وَهُوَ يترحم عَلَيْهِ وَيَقُول لَيْتَني مت قبل هَذَا الْيَوْم بِعشْرين سنة ثمَّ قَالَ عَزِيز عَليّ أَبَا مُحَمَّد أَن أَرَاك مجدلاً فِي الْأَدْوِيَة ثمَّ قَالَ إِلَى الله أَشْكُو عُجَري وبُجري وَقَالَ الْأَصْمَعِي مَعْنَاهُ سرائري وأحزاني وَلها معانٍ أخر مَذْكُورَة فِي اللُّغَة وَقَالَ اللَّيْث عَن طَلْحَة بن مصرف فدفنا طَلْحَة على شاطىء الكلاء بِالْمدِّ وَالتَّشْدِيد وَهُوَ مرسى المراكب فَرَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام يَقُول لَهُ أَلا ترى نجوني من هَذَا المَاء قد غرقت ثَلَاث مَرَّات يَقُولهَا فنبشوه فَإِذا هُوَ أَخْضَر كَأَنَّهُ السلق فنزحوا عَنهُ المَاء فاستخرجوه فَإِذا مَا يَلِي الأَرْض من لحيته وَوَجهه قد أَكلته الأَرْض فاشتروا لَهُ دَارا من دور أبي بكرَة بِعشْرَة آلَاف فدفنوه بهَا ومِمن قتل فِيهَا مُحَمَّد بن طَلْحَة وَكَانَ زاهداً عابداً صَالحا دينا قواماً ذكر ابْن سعد أَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبيد الله تقدم فَأخذ بِخِطَام الْجمل فَحمل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ لَهُ أذكرك حَامِيم فطعنه فَقتله ثمَّ قَالَ // (من الطَّوِيل)

(وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بآياتِ رَبِّهِ

قَلِيلِ الأّذَى فِيمَا تَرَى العَين مُسْلِم)

(هَتَكْتَ لَهُ بالرَّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ

فَخَرَّ صَرِيعاً لليدّيْنِ وَلِلْفَمِ)

(يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ والرُّمْحُ شَاجِرٌ

فَهَلَاّ تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)

(عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعاً

عَلِيًّا وَمَنْ لَا يَتْبَعِ الْحَقِّ يَنْدَمِ)

فَسَار على ليلته فِي الْقَتْلَى مَعَه النيرَان فَمر بِمُحَمد بن طَلْحَة هَذَا قَتِيلا فَقَالَ لِابْنِهِ الْحسن يَا حسن مُحَمَّد السَّجَّاد وَرب الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ أَبوهُ صرعه هَذَا المصرع وَلَوْلَا بره بِأَبِيهِ مَا خرج فَقَالَ لَهُ الْحسن مَا كَانَ أَغْنَاك عَن هَذَا يَا أَبَت فَقَالَ مَا لي وَلَك يَا حسن

ص: 572

وَمِمَّنْ قتل حُكيم بن جبلة العبدى كَانَ متدينا عابدا وشريفا مُطَاعًا بطلاً وَهُوَ أحد من سَار إِلَى الْفِتْنَة وألب على عُثْمَان وَهُوَ من جمَاعَة عَليّ وَلم يزل يُقَاتل حَتَّى قطعت رجله فَأَخذهَا وَضرب بهَا الَّذِي قطعهَا فَقتله ثمَّ أَخذ يُقَاتل وَهُوَ يَقُول // (من منهوك الرجز) //

(يَا سَاقُ لَنْ تُرَاعِي

إِنَّ مَعَي ذِرَاعِي)

(أَحْمِي بِهِ كُرَاعِي

)

حَتَّى نزفه الدَّم فاتكأ على الْمَقْتُول الَّذِي قطع رجله فَمر بِهِ رجل فَقَالَ من قطع رجلك فَقَالَ وِسَادَتِي هَذِه ثمَّ أَتَاهُ سحيم الْحدانِي فَقتله وَذكر الْمَدَائِنِي أَنه رأى رجلا مصلم الْأُذُنَيْنِ فَسَأَلَهُ عَن قصَّته فَذكر أَنه خرج يَوْم الْجمل ينظر الْقَتْلَى فَنظر إِلَى رجل مِنْهُم يخْفق رَأسه وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) //

(لَقَدْ أَوْرَدتْنَا أُمُّنَا حَوْمةَ الرَّدَى

فَلَمْ نَنْصَرِفْ إِلَاّ وَنَحْنُ رِوَاءُ)

(أَطَعْنَا بَنِي تَيْمٍ لِشِقْوَةِ جَدِّنَا

وَمَا تَيْمُ إِلَاّ أَعْبُدٌ وَإِمَاءُ)

فَقلت سُبْحَانَ الله تَقول هَذَا عِنْد الْمَوْت قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ يَا بن اللخناء أتأمرني بالجزع عِنْد الْمَوْت فوليت عَنهُ مُتَعَجِّبا فَقَالَ ادن مني لقني الشَّهَادَة فصرتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا قربت مِنْهُ استدناني ثمَّ الْتَقم أُذُنِي فَذهب بهَا فَجعلت ألعنه وأدعو عَلَيْهِ فَقَالَ إِذا صرت إِلَى أمك فَقَالَت لَك من فعل هَذَا بك فَقل عُمَيْر بن الأهلب الضَّبِّيّ مخدوع الْمَرْأَة الَّتِي أَرَادَت أَن تكون أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ كَانَت فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وقْعَة صفّين اسْم مَكَان كَانَت بِهِ الْوَقْعَة وَذَلِكَ أَن سيدنَا عليا كرم الله وَجهه ورضى الله عَنهُ وَجَه جرير بن عبد الله

وَهُوَ الْمَقُول فِيهِ // (من الرجز) //

(لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَهْ

نِعْمَ الفَتَى وَبِئْسَتِ الْقَبِيلَهْ)

إِلَى مُعَاوِيَة وَقد كَانَ الأشتر النَّخعِيّ حذر عليا من إرْسَاله جَرِيرًا وخوفه من

ص: 573

ذَلِك فَقَالَ جرير ابعثني فَإِنَّهُ لم يزل بِي مستنصحاً وداداً فآتيه فأسأله أَن يسلم إِلَيْك هَذَا الْأَمر وأدعو الشَّام إِلَى طَاعَتك فَقَالَ الأشتر لسيدنا عَليّ لَا تبعثه فوَاللَّه لأَظُن هَوَاهُ هواهم وَنِيَّته نيتهم فَقَالَ عَليّ دَعه حَتَّى نَنْظُر مَا يَأْتِي إِلَيْنَا بِهِ فَبعث بِهِ وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُعلمهُ بمبايعة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار واجتماعهم عَلَيْهِ ونكث الزبير وَطَلْحَة وَمَا أوقع الله بهما وَأمره بِالدُّخُولِ فِي طَاعَته وأعلمه أَنه من الطُّلَقَاء الَّذين لَا تحل لَهُم الْخلَافَة فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ جرير دافعه وَسَأَلَهُ الْإِقَامَة أَيَّامًا وَقد كَانَ كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ فَقدم إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مصر طعمة فَأَشَارَ عَمْرو بِالْبَعْثِ إِلَى وُجُوه الشَّام وَأَن يلْزم عليا دم عُثْمَان ومقاتلته فَقدم جرير على عَليّ فَأخْبرهُ خبرهم واجتماع أهل الشَّام مَعَ مُعَاوِيَة على قِتَاله وَأَنَّهُمْ يَبْكُونَ على عُثْمَان وَيَقُولُونَ إِن عليا قَتله وَإِنَّهُم لَا بُد لَهُم من قِتَاله حَتَّى ينفوه وَمن مَعَه أَو يعينهم فَقَالَ الأشتر لعَلي قد كنت أَخْبَرتك بعداوته وغشه يعْنى جَرِيرًا وَلَو أرسلتني لَكُنْت خيرا من هَذَا الَّذِي أرْخى جنَاحه وَأقَام حَتَّى لم يدع بَابا يَرْجُو مُعَاوِيَة فَتحه إِلَّا فَتحه وَلَا بَابا يخلفه إِلَّا غلقه فَقَالَ لَهُ جرير لَو كنت ثمَّ لقتلوك لقد ذكرُوا أَنَّك من قتلة عُثْمَان فَقَالَ لَو رَأَيْتهمْ وَالله يَا جرير لم يعيني جوابهم وَلَا ثقل عَليّ خطابهم ولحملت مُعَاوِيَة على خطة أعجلته فِيهَا من الْفِكر وَلَو أَطَاعَنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فحَبَسك وأشباهك فِي مجْلِس فَلَا تخرجُونَ مِنْهُ حَتَّى تستقيم هَذِه الْأُمُور فَخرج جرير إِلَى الرحبة من شاطىء الْفُرَات وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُعلمهُ بِمَا نزل بِهِ وَأَنه أحب مجاورته فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يَأْمُرهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة يَقُول لَهُ قد ظهر من رَأْي ابْن أبي طَالب وَمَا كَانَ تقدم من توعده لَك فِي طَلْحَة وَالزُّبَيْر فَمَا الَّذِي بَقِي من رَأْيه فِينَا

وَذكر يحيى بن عبيد قَالَ قَالَ أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ وَجَمَاعَة لمعاوية أَأَنْت تنَازع عليا أم أَنْت مثله فَقَالَ لَا وَالله إِنِّي لأعْلم أَن عليا أفضل مني وأحق بِالْأَمر وَلَكِن ألستم تعلمُونَ أَن عُثْمَان قتل مَظْلُوما وَأَنا ابْن عَمه وَإِنَّمَا أطالب بدمه فَأتوا عليا فَقولُوا لَهُ فليدفع إِلَيّ قتلة عُثْمَان وَأسلم لَهُ فَأتوا عليا فكلموه بذلك فَلم يدفعهم إِلَيْهِ

ص: 574

وَحدث يحيى الْجعْفِيّ أَن مُعَاوِيَة قَالَ لجرير بن عبد الله البَجلِيّ الْمَذْكُور اكْتُبْ إِلَى عَليّ أَن يَجْعَل لي الشَّام وَأَنا أُبَايِعهُ وَقَالَ وَبعث الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى مُعَاوِيَة يَقُول // (من الطَّوِيل) //

(مُعَاوِيَ إنَّ الشَّامَ شَامُكَ فَاعْتَصِمْ

بِشَامِكَ لَا تُدْخِلْ عَلَيْنَا الأَفَاعِيَا)

(وَحَامِ عَلَيْهَا بِالْقَنَابِلِ وَالْقَنَا

وَلَا تَكُ مَحْبُوسَ الذِّرَاعَيْنِ دَانِيَا)

(فَإِنَّ عَلِيًّا نَاظرٌ مَا لِجَيْشِهِ

فَأَهْدِ لَهُ حَرْبًا تُشِيبُ النَّوَاصِيَا)

وَعَن جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ لما ظهر أَمر مُعَاوِيَة دَعَا عَليّ رضي الله عنه رجلا وَأمره أَن يسير إِلَى دمشق فيعقل رَاحِلَته على بَاب الْمَسْجِد وَيدخل بنية السّفر فَفعل الرجل فَسَأَلُوهُ من أَيْن جِئْت قَالَ من الْعرَاق قَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ تركت عليا قد حشد إِلَيْكُم ونهد فِي أهل الْعرَاق فَلَمَّا بلغ الْخَبَر مُعَاوِيَة نُودي الصَّلَاة جَامِعَة وامتلأ الْمَسْجِد فَصَعدَ مُعَاوِيَة الْمِنْبَر فَتشهد ثمَّ قَالَ إِن عليا قد نهد إِلَيْكُم فِي أهل الْعرَاق فَمَا الرأى فَضرب النَّاس بأذقانهم إِلَى صُدُورهمْ وَلم يرفع أحد طرفه إِلَيْهِ فَقَامَ ذُو الكلاع الْحِمْيَرِي فَقَالَ عَلَيْك امْرأي يَعْنِي الرَّأْي وعلينا امفِعالُ يَعْنِي الفعال فَنزل مُعَاوِيَة وَنُودِيَ فِي النَّاس اخْرُجُوا إِلَى عسكركم وَمن تخلف بعد ثَلَاث أخل بِنَفسِهِ فَخرج رَسُول عَليّ حَتَّى وافاه فَأخْبرهُ بذلك فَأمر عَليّ فَنَادَى الصَّلَاة جَامِعَة فَاجْتمع النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن رَسُولي الَّذِي أَرْسلتهُ إِلَى الشَّام قد قدم عَليّ وَأَخْبرنِي أَن مُعَاوِيَة قد نهد إِلَيْكُم فِي أهل الشَّام فَمَا الرَّأْي فَقَالَ أهل الْمَسْجِد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الرَّأْي كَذَا الرَّأْي كَذَا فَلم يفهم عَليّ كَلَامهم من كَثْرَة من تكلم وَكَثْرَة اللَّغط فَنزل وَهُوَ يَقُول إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بهَا ابْن أكالة الأكباد يَعْنِي مُعَاوِيَة فَسَار عَليّ وَكَانَ مسيره من الْكُوفَة إِلَى صفّين لخمس خلون من شَوَّال سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ واستخلف على الْكُوفَة أَبَا مَسْعُود عقبَة بن عمر الْأنْصَارِيّ واجتاز عَليّ الْمَدَائِن ثمَّ الأنبار ثمَّ سَار حَتَّى نزل الرقة وَسَار مُعَاوِيَة من الشَّام فَسبق عليا إِلَى صفّين فَالْتَقوا بصفين فَكَانَت وقْعَة صفّين لسبع بَقينَ

ص: 575

من الْمحرم من سنة سبع وَثَلَاثِينَ وشبت الْحَرْب بَينهم أول صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على ميمنة عَليّ الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ وعَلى الميسرة عبيد الله بن الْعَبَّاس وعَلى الرجالة عبد الله بن بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فَقتل يَوْمئِذٍ وَمن أُمَرَاء عَليّ الْأَحْنَف بن قيس التَّمِيمِي وعمار بن يَاسر وعدي بن حَاتِم الطَّائِي وَالْأَشْتَر مَالك بن الْحَارِث النَّخعِيّ وَعَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ وشبث ابْن ربعي الريَاحي وَسَعِيد بن قيس الْهَمدَانِي فَكَانَ رَئِيس هَمدَان وَالْمُهَاجِر بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي وَغَيرهم فَكَانَ عَليّ فِي خمسين ألفا وَقيل تسعين ألفا وَقيل مائَة ألف وَكَانَ على ميمنة مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ وعَلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفِهري وعَلى الْخَيل عبيد الله بن عمر بن الْخطاب وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد المَخْزُومِي وَمن أمرائه أَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ وَزفر بن الْحَارِث وَذُو الكلاع الْحِمْيَرِي ومسلمة بن مخلد وَبسر بن أَرْطَاة العامري وحابس بن سد الطَّائِي وَيزِيد بن أبي هُبَيْرَة السكونِي وَغَيرهم وَكَانَ مُعَاوِيَة فِي سبعين ألفا وَقيل فِي مائَة ألف وَعشْرين ألفا فَاقْتَتلُوا أَيَّامًا وَوَقع الْقِتَال وَعلي على بغلة رَسُول الله

وَهُوَ يَقُول رضي الله عنه // (من الرجز) //

(مِنْ أَيِّ يَوْمَيَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرّ

أَيومَ لَمْ يُقَدَّرَ امْ يَوْمَ قُدِرْ)

وَحمل وحملوا مَعَه فَلم يبْق لأهل الشَّام صف إِلَّا انْتقض وعَلى لَا يمر بِفَارِس إِلَّا قده وَهُوَ يَقُول // (من الرجز) //

(أَضْرِبُهُمْ وَلَا أَرَى مُعَاوِيَهْ

)

(الأَمْرَهَ الْعَيْنِ الْعَظِيمَ الْحَاوِيَهْ

)

(تَهْوِي بِهِ فِي النَّارِ أُمٌّ هَاوِيَهْ

)

وَقيل إِن الشّعْر لبديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ قَالَ الزُّهْرِيّ اقْتَتَلُوا أَيَّامًا حَتَّى قتل خلق كثير قتل من أهل الشَّام خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا وَمن أهل الْعرَاق خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا واقتتلوا قتالاً لم تقتَتِل هَذِه الْأمة مثله

ص: 576

قطّ وَغلب أهل الْعرَاق على قَتْلَى حِمص وَغلب أهل الشَّام على قَتْلَى أهل الْعَالِيَة وَفِي كتاب المحاسن والمساوىء كتب أَمِير الْمُؤمنِينَ يَوْم صفّين إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان مَا لَك تقتل النَّاس بَيْننَا ابرز إِلَيّ فَإِن قتلتني استرحت مني وَإِن قتلتك استرحت مِنْك فَقَالَ لَهُ عَمْرو أنصفك الرجل فابرز إِلَيْهِ قَالَ كلا يَا عَمْرو أردْت أَن أبرز إِلَيْهِ فَيَقْتُلنِي وتثب على الْخلَافَة بعدِي قد علمت قُرَيْش أَن ابْن أبي طَالب أَشدّهَا وأسدها ثمَّ أنشأ يَقُول // (من الْكَامِل) //

(يَا عَمْرُو قَدْ أَسْرَرْتَ تُهْمَةَ غَادِرٍ

بِرِضَاكَ لِي تَحْتَ العَجَاجِ بِرَازِي)

(مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرازِ وَإِنّمَا

حَتْفُ المُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِي)

(إِنَّ الَّذِي سَوَّلْتَ نَفْسَكَ طَالِبًا

قَتْلِي جَزَاكَ بِمَا نَوَيْتَ الْجَازِي)

(فَلَقَدْ كَشَفْتَ قِنَاعَهَا مَذْمُومةً

وَلَقَدْ لَبِسْتَ لَهَا ثِيَابَ الحَازي)

فَأَجَابَهُ عَمْرو بقوله // (من الوافر) //

(مُعاوِيَ إِنَّنِي لَمْ أَجْنِ ذَنْبًا

وَمَا أَنَا بِالَّذِي يُدْعَى بِحَازِي)

(فَمَا ذَنْبِي بِأَنْ نَادَى عَلِيٌّ

وَكَبْشُ الْقَوْمِ يُدْعَى لِلْبِرَازِ)

(فَلَوْ بَارَزْتَهُ لَلَقِيتَ قِرْنًا

حَدِيدَ النَّابِ سَهْمًا ذَا اعْتِزَازِ)

(أَجَبْنَا فِي العَشِيرَةِ يَا بن هِنْدٍ

وَعِنْدَ البَاهِ كَالتَّيْسِ الحِجَازِي)

ثمَّ إِن مُعَاوِيَة أقسم على عَمْرو بمبارزة عَليّ فبرز فَلَمَّا التقيا سل عَليّ سَيْفه فكشف عَمْرو ثَوْبه عَن عَوْرَته وَقَالَ مكره أَخَاك لَا بَطل فحول عَليّ رضي الله عنه وَجهه عَنهُ وَقَالَ قبحت قَالَ السُّهيْلي جَاءَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ إِن عمار بن يَاسر قد قتل قَالَ مُعَاوِيَة فَمَاذَا قَالَ عَمْرو سَمِعت رَسُول الله

يَقُول لعمَّار تقتلك الفئة الباغية فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو رخصت فِي بولك أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتله الَّذِي أخرجه فَبلغ قَوْله عليا فَقَالَ إِذا مَا قتل حَمْزَة إِلَّا النَّبِي

لِأَنَّهُ الَّذِي أخرجه

ص: 577

وَاخْتَلَطَ النَّاس بِالنَّاسِ وَبَطل النبل وقصفت الرماح وأجنهم اللَّيْل وتنادوا بالشعار وتكادم الْقَوْم فَكَانَ يعتنق الفارسان فيقعان فِي الأَرْض جَمِيعًا عَن فرسيهما قلت التكادم التعاضض من الكدم وَهُوَ العض وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَهِي لَيْلَة الهرير كَانَ جملَة من قَتله عَليّ فِي يَوْمهَا وليلتها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَعشْرين رجلا أَكْثَرهم فِي الْيَوْم وَكَانَ إِذا قَاتل رجلا لم يكن يضْرب إِلَّا قتل وانكشفت الشَّمْس وتقطعت الألوية والرايات وَلم يعرفوا مَوَاقِيت الصَّلَاة فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو هَات مخبآتك وأدركنا مِمَّا نَحن فِيهِ وَلَك مصر طعمة فَقَالَ نَاد فِي الْعَسْكَر بِرَفْع الْمَصَاحِف فَنُوديَ فَوجدَ فِي الْعَسْكَر أَكثر من خَمْسمِائَة مصحف فَأمر برفعها على الرماح وَأَن ينادوا بَيْننَا وَبَيْنكُم كتاب الله وَفِي ذَلِك يَقُول النَّجَاشِيّ بن الْحَارِث // (من الطَّوِيل) //

(فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ رَفَعُوا القَنَا

عَلَيْهَا كِتَابُ اللهِ خَيْرُ قرَانِ)

(وَنَادَوْا عَلِيًّا يَابن عَمِّ مُحُمَّدٍ

أَمَا تَتَّقِي أَنْ يَهْلِكَ الثُّقَلَانِ)

فَلَمَّا رأى أهل الْعرَاق ذَلِك قَالُوا نجيب إِلَى كتاب الله وَأحب الْقَوْم الْمُوَادَعَة وَقَالَ لعَلي كثير من أَصْحَابه قد أَعْطَاك مُعَاوِيَة الْحق دعَاك إِلَى كتاب الله فاقبل مِنْهُ وَكَانَ أَشد الْقَوْم فِي ذَلِك الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ فَقَالَ عَليّ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لم ينزل بِي من أَمركُم مَا أحب حِين قدحتكم الْحَرْب وَقد وَالله أخذت مِنْكُم وَتركت وَإِنِّي كنت بالْأَمْس الْأَمِير فَأَصْبَحت الْيَوْم مَأْمُورا وَقد أَحْبَبْتُم الْبَقَاء قَالَ الْأَعْمَش حَدثنِي من رأى عليا يَوْم صفّين يصفق بيدَيْهِ ويعض على إبهامه وَيَقُول يَا عجبا أعصى ويطاع مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ الأشتر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن مُعَاوِيَة لَا خلف لَهُ من رِجَاله وَلَك بِحَمْد الله الْخلف وَلَو كَانَ لَهُ مثل رجالك لما كَانَ لَهُ مثل صبرك وَلَا نصرك فاقرع الْحَدِيد بالحديد واستعن بِاللَّه فَقَالَ الْأَشْعَث يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا لَك الْيَوْم على مَا كُنَّا بالْأَمْس وَلَيْسَ نَدْرِي كَيفَ

ص: 578

يكون غَدا وَقد وَالله فل الْحَدِيد وكلت البصائر وَتكلم بِكَلَام كثير وَلَكِن إِن شِئْت أتيتُ مُعَاوِيَة فَسَأَلته مَا يُرِيد قَالَ عَليّ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة نرْجِع نَحن وَأَنْتُم إِلَى مَا أَمر الله فِي كِتَابه تبعثون رجلا مِنْكُم ترْضونَ بِهِ وتختارونه ونبعث رجلا منا ونأخذ عَلَيْهِمَا الْعَهْد والميثاق أَن يعملا بِكِتَاب الله فصوب الْأَشْعَث قَوْله وَذهب إِلَى عَليّ فَقَالَ أَكثر الْقَوْم رَضِينَا وَسَمعنَا وأطعنا فَاخْتَارَ أهل الشَّام عَمْرو بن الْعَاصِ وَقَالَ الْأَشْعَث وَمن ارْتَدَّ بعد ذَلِك إِلَى رأى الْخَوَارِج رَضِينَا نَحن بِأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَقَالَ عَليّ عصيتموني أَولا فَلَا تعصوني الْآن إِنِّي لَا أرتاح إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ الْأَشْعَث لَا نرضى إِلَّا أَبَا مُوسَى قَالَ عَليّ وَيحكم وَلَيْسَ هُوَ بِثِقَة فعل كَذَا وَكَذَا وَقد فارقني وخذل النَّاس عني ثمَّ هرب شهرا حَتَّى أمنته وَلَكِن هَذَا عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَ الْأَشْعَث وَأَصْحَابه وَالله لَا يحكم فِينَا مضريان قَالَ عَليّ فالأشتر فَقَالُوا وَهل أشعل مَا نَحن فِيهِ إِلَّا الأشتر فَقَالَ عَليّ فَاصْنَعُوا مَا أردتم وافعلوا مَا بدا لكم فبعثوا إِلَى أبي مُوسَى وأفهموه بالقضية وَقيل لأبي مُوسَى قد اصْطلحَ النَّاس فَقَالَ الْحَمد لله قيل وَقد جعلوك حكما فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فافترقوا بعد أَن صيروا الْأَجَل إِلَى شهر رَمَضَان من الْعَام الْقَابِل على اجْتِمَاع الْحكمَيْنِ فِي مَوضِع عدل بَين الْكُوفَة وَالشَّام يُسمى دومة الجندل وَكَانَ الْوَقْت الَّذِي كتبت فِيهِ الصَّحِيفَة بِالرِّضَا بالحكمين لأيام بَقينَ من صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَقَرَأَ الْأَشْعَث الصَّحِيفَة على النَّاس ماراً بهَا فَرحا وسروراً فَقَالَ عُرْوَة بن أدية أتحكمون يَا أشعب فِي دين الله وَأمره وَنَهْيه الرِّجَال لَا حكم إِلَّا لله وَهُوَ أول من قَالَهَا ونبذ سَيْفه على الْأَشْعَث فهمز فرسه عَن الضَّرْبَة فأصابت عجز الْفرس وَنَجَا الْأَشْعَث وَفِي فعل عُرْوَة بالأشعث يَقُول رجل من تَمِيم // (من الْخَفِيف) //

(عْروُ يَا عروَ كُل فِتْنَة قَوْمٍ

سَلَفَتْ إِنَّمَا تَكُونُ فُتَيْنَه)

(ثَمَّ تَنْمُو وَيَعْظُمُ الَخطْبُ فِيهَا

فَاحْذَرَنْ غِبَّ مَا صَنَعْتَ عريَّهْ)

(أَعَلَى الأَشْعَثِ المعصبِ بِالتّاجِ

حَمَلْتَ السِّلَاح يَابْنَ أديَّهْ)

ص: 579

(فانْظُرِ اليَوْمَ مَا يَقُولُ عليٌّ

واتَّبِعْهُ فَذَاكَ خَيْرُ البَرِيهْ)

عَن صعصعة بن صوحان قَالَ خرج يَوْم صفّين رجل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ كريز بن الصَّباح الْحِمْيَرِي فَوقف بَين الصفين وَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل من أَصْحَاب عَليّ فَقتله فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ آخر من أَصْحَاب عَليّ فَقتله وألقاه على الأول فَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ الثَّالِث فَقتله وألقاه على الْأَوَّلين وَقَالَ من يبارز فأحجم النَّاس عَنهُ وَأحب من كَانَ فِي الصَّفّ الأول أَن يكون فِي الآخر فَخرج إِلَيْهِ عَليّ على بغلة رَسُول الله

الْبَيْضَاء فشق الصُّفُوف فَلَمَّا انْفَصل مِنْهَا نزل عَنِ البغلة وسعى إِلَيْهِ فَقتله وَقَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل آخر فَقتله وألقاه على الأول ثمَّ قَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ رجل فَقتله وألقاه على الْأَوَّلين ثمَّ قَالَ من يبارز فَخرج إِلَيْهِ آخر فَقتله وألقاه على الثَّلَاثَة ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الله عز وجل يَقُول {الشهرُ الحرامُ بِالشهرِ الْحَرَام والحُرماتُ قِصاص} الْبَقَرَة 194 وَلَو لم تبتدئوا هَذَا مَا ابتدأناه ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ عَن ابْن عَبَّاس وَقد سَأَلَهُ رجل أَكَانَ عَليّ يُبَاشر الْقِتَال يَوْم صفّين فَقَالَ ابْن عَبَّاس وَالله مَا رَأَيْت رجلا أطرح لنَفسِهِ فِي متْلف من عَليّ وَلَقَد كنت أرَاهُ يخرج حاسر الرَّأْس بِيَدِهِ السَّيْف إِلَى الرجل الدارع فيقتله أخرجهَا الواحدي ذكر أَبُو مخنف لوط بن يحيي عَن ابْن الْأَغَر التَّمِيمِي قَالَ بَينا أَنا وَاقِف بصفين إِذْ مر الْعَبَّاس بن ربيعَة بن الْحَارِث بن الْمطلب مكمل فِي سلاحه وَعَيناهُ تبرقان من تَحت المغفر كَأَنَّهُمَا شعلتا نَار أَو عينا أَرقم وَبِيَدِهِ صفيحة يَمَانِية يقلبها والمنايا تلوح فِي شفرتيها وَهُوَ على فرس صَعب فَبَيْنَمَا هُوَ يَبْعَثهُ ويلين من عريكته إِذْ هتف بِهِ هَاتِف من صف مُعَاوِيَة يُقَال لَهُ عزاز بن أَرقم لزهل الشَّامي يَا عَبَّاس هَلُمَّ إِلَى النُّزُول قَالَ فَنزل الْعَبَّاس إِلَى الشَّامي وَهُوَ يَقُول // (من الْبَسِيط) //

(الله يَعْلَمُ أنَّا لَا نُحِبُّكُمُ

وَلا نَلُومُكُم إِذْ لَمْ تُحِبُّونَا)

ثمَّ زحف كل مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه وكف الْفَرِيقَانِ عَنْهُمَا ينظرُونَ مَا يكون من الرجلَيْن فتكافحا بسيفهما نهارهما لَا يصل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه لكَمَال لأمته

ص: 580

إِلَى أَن لحظ الْعَبَّاس فتقاً فِي درع الشَّامي فَأَهوى إِلَيْهِ بِيَدِهِ وهتكه إِلَى ثندوته ثمَّ عَاد لمجاولته وَقد انفرج لَهُ بعض الدرْع فَضَربهُ الْعَبَّاس ضَرْبَة انتظم بهَا جوائح صَدره فحول وَجهه وَكبر النَّاس تَكْبِيرَة ارتجت الأَرْض من تَحْتهم بهَا فَإِذا قَائِل يَقُول {قاتِلُوهُم يعُذِبهُمُ الله بأيدِيكم} التَّوْبَة 14 الْآيَة قَالَ ابْن الْأَغَر فَالْتَفت فَإِذا عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ لي يَا بن الْأَغَر من المبارز لعدونا قلت ابْن أخيكم هَذَا الْعَبَّاس بن ربيعَة فَقَالَ عَليّ للْعَبَّاس ألم أَنْهَك وَعبد الله بن عَبَّاس أَن تحلا بمركز كَمَا لَو تناشر آخِرنَا قَالَ الْعَبَّاس إِن ذَلِك كَمَا قلت قَالَ عَليّ فَمَا عدا مِمَّا بدا قَالَ الْعَبَّاس أفأدعى إِلَى البرَاز باسمي فَلَا أُجِيب فَقَالَ عَليّ طَاعَتك إمامك أولى من إِجَابَة عَدوك وتغيظ واستطار ثمَّ تطامن وَسكت وَرفع يَدَيْهِ مبتهلاً وَقَالَ اللَّهُمَّ اشكر للْعَبَّاس واغفر ذَنبه وتأسف مُعَاوِيَة على عزاز بن أَرقم ثمَّ قَالَ أَلا رجل شري نَفسه يطْلب بِدَم عزاز فَانْتدبَ لَهُ رجلَانِ من لخم من أهل الْبَأْس من صَنَادِيدهمْ قَالَ فاذهبا فأيكما قتل الْعَبَّاس فَلهُ مائَة أُوقِيَّة من التبر وَمثلهَا من اللجين وبعددها من برود الْيمن فَأتيَاهُ فدعواه للبراز وصاحا بَين الصفين يَا عَبَّاس اخْرُج إِلَى الدَّاعِي فَقَالَ الْعَبَّاس إِن لي سيداً أُرِيد أوامره فَأتى عليا وَهُوَ فِي جنَاح الميمنة يَخُوض النَّاس فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ عَليّ وَالله لود مُعَاوِيَة أَنه مَا بَقِي من بني هَاشم نافخ ضرمة إِلَّا طعن فِي بَطْنه إطفاءً لنُور الله ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس ناقلني سِلَاحك بسلاحي فناقله عَليّ ووثب على فرس الْعَبَّاس وَقصد اللخميين فَلم يشكا أَنه الْعَبَّاس فَقَالَا لَهُ أذن لَك صَاحبك فحرج أَن يَقُول نعم فَقَالَ {أُذِنَ لِلَذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنهُم ظُلِمُوا} الْحَج 39 الْآيَة وَكَانَ الْعَبَّاس أشبه النَّاس فِي جِسْمه وركوبه بعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فبرز لَهُ أَحدهمَا فكأنهما أَخطَأ رَأسه ثمَّ برز الآخر فألحقه بِالْأولِ ثمَّ أقبل يَقُول {الشهرُ الحرامُ بِالشهرِ الْحَرَام} الْبَقَرَة 194 الْآيَة ثمَّ قَالَ يَا عَبَّاس خُذ سِلَاحك وهات سلاحي فَإِن عَاد لَك أحد فعد لي ونمى الْخَبَر إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ قبح الله اللجاج وَمَا ركبته قطّ إِلَّا خذلت فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ المخذول وَالله اللخميان فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة اسْكُتْ أَيهَا الرجل فَلَيْسَ هَذَا من شَأْنك قَالَ عَمْرو فَإِن لم يكن الله رحم اللخميين وَلَا أرَاهُ يفعل قَالَ مُعَاوِيَة ذَاك

ص: 581

وَالله أضيق لحجتك وأخسر لصفقتك قَالَ عَمْرو قد علمت ذَلِك وَلَوْلَا مصر وولايتها لركبت المسحاة عَنْهَا فَإِنِّي أعلن أَن ابْن أبي طَالب على الْحق وَأَنا على هَذِه فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مصر وَالله أعمتك وَلَوْلَا مصر لألفيت بَصيرًا وَكَانَ مَعَ عَليّ من الصَّحَابَة رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة قتل مِنْهُم خَمْسَة وَعِشْرُونَ صحابياً وَلما تفَرقُوا عَليّ إِلَى الْكُوفَة وَمُعَاوِيَة إِلَى الشَّام كثر اخْتِلَاف الْكَلِمَة بَين أَصْحَاب عَليّ وتفاوت الرَّأْي وَعدم انتظام الْأُمُور وتبرأ الْأَخ من أَخِيه وتضارب الْقَوْم بنعال السيوف وَقيل بالنعال وتسابوا وَلَام كل الآخرَ وَلما وصل عَليّ الْكُوفَة انحاز عَنهُ سِتَّة آلَاف وَقيل اثْنَا عشر ألفا من الْقَوْم وَغَيرهم فنزلوا حَرَوراء قَرْيَة من قرى الْكُوفَة وَجعلُوا شبيب بن ربعي التَّمِيمِي عَلَيْهِم فَخرج إِلَيْهِم عَليّ وأدخلهم جَمِيعًا الْكُوفَة فَجعلُوا ينادون عليا وَهُوَ على الْمِنْبَر جزعت من البلية ورضيت بالقضية وَقبلت الدنية لَا حكم إِلَّا لله فَقَالَ عَليّ حكم الله انتظم فِيكُم فَيَقُولُونَ {وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الذَينَ مِن قَبلِكَ لئين أشركَت ليحبطن عمُلُكَ} الزمر 65 الْآيَة فَيَقُول عَليّ رضي الله عنه {إنَ وَعدَ الله حق وَلَا يستخفنك الَّذين لَا يُؤمنُونَ} الرّوم 60 انْتهى بِحَمْد الله

ص: 582