الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب الْمكَاتب
قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33].
قَالَ مُجاهدٌ وَعَطَاء: مَالا.
وَقَالَ ابْن جُرَيْج: قُلْتُ لعَطَاء: أَوَاجِبٌ عليَّ إِذا عَلِمْتُ لَهُ مَالا أَنْ أُكاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلا وَاجِبًا.
وَقَالَهُ عُمَر بْن دِينَار.
قُلْتُ لِعَطَاء: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا.
ثُمَّ أَخبرني أَنَّ مُوسَى بْن أَنسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتبَة، وكانَ كثير المَال، فَأبى، فانطَلَقَ إِلَى عُمَرَ،
فَقَالَ عُمَرَ: كَاتِبْهُ.
فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بالدِّرَّةِ ويتلوا عُمَرُ:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33] فكاتَبَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيّ: وأَظْهَرُ مَعَاني الْخَيْر فِي العَبْد بدلالةِ الكتابِ الاكْتِسَابُ، مَعَ الأمانةِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِذَا كَانَ هَكَذَا.
2429 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاق الهاشميُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ»
ويُروى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ، وَإِنْ مَاتَ، وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قَالَ الإِمَامُ: ويُروى عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب، عَنْ أَبِيه، عَنْ جده، أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«المُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بقيِ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبتِهِ دِرْهَمٌ» .
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد، أَن زَيْد بْن ثَابِت، قَالَ: المُكَاتَبُ هُوَ عبدٌ مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.
وَمثله عَنْ عَائِشَة، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا سُلَيْمَان بْن يَسَار، فعرفته بالصوت، فَقَالَت سُلَيْمَان، ادخل فَإنَّك مَمْلُوك مَا بَقِي عَلَيْك شَيْء.
قَالَ رحمه الله: الْكِتَابَة جَائِزَة بِاتِّفَاق أهل الْعلم، وَهُوَ أَن يُكاتب عَبده على مَال مَعْلُوم، فَإِذا أَدَّاهُ، عتق، فَيصير العَبْد بِالْكِتَابَةِ أَحَق بمكاسبه، وَإِذا أدّى، عتق، وَمَا فضل من النُّجُوم من مَاله يكون لَهُ، ويتبعه أَوْلَاده فِي الْعتْق، وَلَا يجوز عِنْد الشَّافِعِيّ على أقل من نجمين، وجوَّز أَبُو حنيفَة الْكِتَابَة على نجم وَاحِد وَحَالَة، وَإِذا عجز الْمكَاتب عَنْ أَدَاء بعض مَا عَلَيْهِ عِنْد الْمحل، وَإِن قل، فللسيِّد فسخ كِتَابَته، وردُّه إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الرّقّ، وَإِذا مَاتَ قبل أَدَاء النُّجُوم، اخْتلف أهل الْعلم، فَذهب كثير مِنْهُم إِلَى أَنَّهُ يَمُوت رَقِيقا، وترتفع الْكِتَابَة، سَوَاء ترك وَفَاء، أَو لم يتْرك، كَمَا لَو تلِف الْمَبِيع قبل الْقَبْض يَنْفَسِخ البيع، وَهُوَ قَول عُمَر، وَابْن عُمَر، وَزَيْد بْن ثَابِت، وَبِهِ قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيّ، وَقَتَادَة، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ إِن ترك وَفَاء بِمَا بَقِي عَلَيْهِ من الْكِتَابَة، كَانَ حرا، وَإِن كَانَ فِيهِ فضل، فَالزِّيَادَة لأولاده الْأَحْرَار، رُوي ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَابْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَطَاوُس، وَالنَّخَعِيّ، وَالْحَسَن، وَشُرَيْح، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَإِذا أدّى الْمكَاتب بعض كِتَابَته فِي حَيَاته، فَلَا يعْتق شَيْء مِنْهُ مَا لم يؤدِّ آخر النُّجُوم عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق.
وَقَالَ بَعضهم: يُعتق بِقدر مَا يُؤَدِّي.
يُروى ذَلِكَ عَنْ عَليّ، وَقَالَهُ النَّخعِيّ، وَقد رُوِيَ يَزِيد بْن هَارُون، عَنْ حَمَّاد بْن سَلمَة، عَنْ أَيُّوب، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذَا أَصَابَ المُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا، وَرِثَ بِحسابِ مَا عَتَقَ منهُ» .
قَالَ: وَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «يُؤَدِّي المكاتَبُ بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَّةَ حُرٍّ، وَمَا بقيَ
دِيَّةَ عَبْدٍ».
وَهَكَذَا روى يَحْيَى بْن أَبِي كثير، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وروى خَالِد الحذَّاء، عَنْ عِكْرِمَة، عَنْ عَليّ قَوْله.
وَعَامة أهل الْعلم على أَن الْمكَاتب إِذا قُتِل، وَقد بَقِي شَيْء من النُّجُوم يجب على قَاتله قِيمَته كَالْعَبْدِ، إِلا إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ بِظَاهِر هَذَا الْحَدِيث، وَالْآخرُونَ لَعَلَّهُم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْحَدِيث غير ثَابِت وَلَو ثَبت، وَجب القَوْل بِهِ إِذا لم يكن مَنْسُوخا، أَو مُعَارضا بِمَا هُوَ أولى مِنْهُ.
وروى الزُّهْرِيّ عَنْ نَبهَان، مُكاتب لأم سَلمَة، عَنْ أمِّ سَلمَة، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» .
وَهَذَا عِنْد أهل الْعلم على التورع، وَالِاحْتِيَاط، لِأَنَّهُ بِعرْض أَن يعْتق فِي كل سَاعَة، بِأَن يُؤَدِّي نجومه، لَا أَنَّهُ يعْتق قبل أَدَاء النُّجُوم، قَالَ الشَّافِعِيّ: وَيجْبر السَّيِّد على أَن يضع من كِتَابَته شَيْئا، لقَوْل اللَّه عز وجل:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النُّور: 33] وَاحْتج بِأَن ابْن عُمَر كَاتَبَ عبدا لَهُ على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، ثُمَّ وضع عَنْهُ خَمْسَة آلَاف من أخر كِتَابَته، وَلم يُوجب قوم ذَلِكَ.
وَإِذا كَاتب الرجل عَبده كِتَابَة فَاسِدَة، يعْتق بأَدَاء المَال، ويتبعه الْأَوْلَاد والأكساب كَمَا فِي