الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب هجْرانِ المرأَةِ وَضَربِهَا عِنْدَ النُّشُوزِ
قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34].
قَوْله: «نُشُوزَهُنَّ» ، أَي: عِصْيَانَهُنَّ وَتَعَالِيَهُنَّ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّه عَلَيْهِنَّ مِنْ طَاعَة الأزْوَاجِ، وَقيل: النُّشوزُ: كراهيةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، يُقَالُ: نَشَزَتِ المرأةُ تَنْشِزُ، فَهيَ نَاشِزٌ بِغَيْر هَاء.
قَالَ الشَّافِعِيّ على الْآيَة: وَفِي ذَلِكَ دِلالَةٌ على اخْتِلاف المرأَةِ فِيمَا تُعَاتَبُ فِيهِ، وَتُعَاقَبُ عَلَيْهِ، فَإِذا رأى مِنْهَا دلالَةً على الخَوْفِ من فِعْلٍ وَقَوْلٍ، وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتْ نشُوزَهَا، هَجَرَهَا، فَإن أقامَتْ عَلَيْهِ، ضَرَبَهَا، وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {
وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النِّسَاء: 128]، وَهُوَ أَنَّ المرأةَ تَشِحُّ على مَكَانِهَا مِنْ زَوْجِهَا، وَالرَّجُلُ يَشِحُّ على المرأةِ بِنَفْسِهِ إِذا كانَ غَيْرُهَا أَحَبَّ إليهِ مِنْهَا، يُقَالُ: شحَّ يَشُحُّ وَيَشِحُّ.
2344 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ، أَنَّهُ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَكَانتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرينَ، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آليْتَ شَهْرًا؟ قَالَ:«الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» .
هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ حُمَيْدٍ
قَوْله: «آلَى» .
أَي: حلف، وَقَوله:«انفَكَّتْ رِجْلُهُ» .
أَي: زَالَت، والمشربَةُ: الغرفة.
2345 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا» .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَضَت تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَعُدُهُنَّ، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: بَدَأَ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ، فَقَالَ:«إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَوْله: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُون» .
هَذَا إِذا عين شهرا، فَقَالَ: لله عليَّ أَن أصومَ شهر كَذَا، فَخرج نَاقِصا لَا يلْزمه سوى ذَلِكَ، فَإِن لم يُعيِّن، فَقَالَ: لله عليَّ صومُ شهر يلْزمه صومُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
قَالَ الإِمَامُ: إِذا نشزَتِ المرأةُ، وعظها الزَّوْج، فَإِن لم تَنْتَهِ، هجرها فِي المضجع، وَلَا تخرج من الدَّار، فَإِن أصرَّت عَلَيْهِ، ضربهَا ضربا غير مُبرِّح، وَيَتَّقِي الْوَجْه فِي الضَّرْب.
2346 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ» ، فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَئِرَ النِّسَاءِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَأَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُنَّ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، وَلا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ»
وَإيَاس بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ذُباب لَا تُعرف لَهُ صُحْبَة، قَالَه مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: «ذَئِرَ النِّسَاء» ، أَي: اجترأن ونشزن، يقَالَ مِنْهُ، امْرَأَة ذَئِر، والذائر: النفور.
قَالَ الْأَصْمَعِي: يقَالَ: امرأةٌ ذائرٌ على مِثَال فَاعل، ويقَالَ: الذائر: المغتاظ على خَصمه، المستعد للشر.
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن ضربَ النِّسَاء فِي منع حُقُوق النِّكَاح مُبَاح، ثُمَّ وَجه تَرْتِيب السّنة على الْكتاب فِي الضَّرْب يحتمِل أَن يكون نَهي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضربهن قبل نزُول الْآيَة، ثُمَّ لما ذئر النِّسَاء، أذن فِي ضربهنَّ وَنزل الْقُرْآن مُوَافقا لَهُ، ثُمَّ لما بالغوا فِي الضَّرْب، أخبر أَن الضَّرْب وَإِن كَانَ مُبَاحا على شكاسة أخلاقهن، فالتحمل وَالصَّبْر على سوء أخلاقهنَّ، وتركُ الضَّرْب أفضلُ وأجمل.
ويحكى عَنِ الشَّافِعِيّ هَذَا الْمَعْنى.
وَأما إِذا كَانَ النُّشوزُ من جِهَة الزَّوْج، فَإِن منعهَا شَيْئا من حَقّهَا، أجبر على أَدَائِهِ وَإِن لم يمْنَعهَا شَيْئا من حَقّهَا، لكنه يكره صحبتهَا، فيفارقُها فِي المضجع، أَو يريدُ طَلاقهَا، فَلَا حِيلَة، لِأَنَّهُ مُبَاح لَهُ، فَإِن سمحت الْمَرْأَة بترك بعض حَقّهَا من قسم، أَو نَفَقَة طلبا للصلح فحسنٌ، قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا} [النِّسَاء: 128]، قَالَت عَائِشَة: هِيَ الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل لَا يستكِثرُ مِنْهَا فيريدُ طَلاقهَا، ويتزوج