الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الإِمَامُ: وَقد رُوِيَ عَنْ أَسمَاء بنت يَزِيد بْن السَّكن، قَالَت: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، يَقُول:«لَا تَقْتُلُوا أَوْلادكُم سِرّا، فإنَّ الغَيْلَ يُدْرِكُ الفَارِسَ فيدعثره عَنْ فَرَسِهِ» .
يَعْني: يصرعهُ ويسقطه، وَأَرَادَ بهَذَا أَن الْمُرْضع إِذا جُومعت، فَحملت، فسد لَبنهَا، وينُهك الولدُ إِذا اغتذي بذلك اللَّبن، فَإِذا صَار رجلا، وَركب الْخَيل، فركضها رُبمَا أدْركهُ ضعف الغيل، فَزَالَ وَسقط عَنْ متونها، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْقَتْلِ لَهُ غير أَنَّهُ سر لَا يُرى وَلَا يُعرف.
بَاب خِيَارُ العِتْقِ
قَالَت عَائِشَة فِي بَريرَةَ: إنَّها عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِها.
2299 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدٌ، أَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، نَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا، يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبَّاسُ، أَلا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ
مغيث بَريرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغَيثًا».
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ» ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قَالَ:«إِنَّمَا أَشْفَعُ» .
قَالت: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: لَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن الْأمة إِذا عتقتْ وَهِي تَحت عبد، أَن لَهَا الْخِيَار بَين الْمقَام تَحْتَهُ، وَبَين الْخُرُوج عَنْ نِكَاحه، وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عتقت وَزوجهَا حر، فَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَا خِيَار لَهَا، وَهُوَ قولُ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَذهب قوم إِلَى أَن لَهَا الْخِيَار، وَهُوَ قولُ الشَّعْبِيّ، والنِّخعي، وَحَمَّاد، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوي عَنِ الْأسود، عَنْ عَائِشَة، قَالَت: كَانَ زوج بَرِيرَة حرا، فَخَيرهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم.
هَكَذَا روى أَبُو مُعَاوِيَة، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الْأسود، وَرَوَاهُ أَيْضا جرير، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الْأسود، وروى أَبُو عوَانَة، عَنْ مَنْصُور، وَالْأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنِ الْأسود، عَنْ عَائِشَة، قصَّة بَرِيرَة، وَقَالَ: قَالَ الْأسود: كَانَ زَوجهَا حرا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قَول الْأسود مُنْقَطع، وَقَول ابْن عَبَّاس: رَأَيْته عبدا أصح.
وروى الْقَاسِم، وَعُرْوَة بْن الزبير، عَنْ عَائِشَة، قَالَت: كَانَ زوجُ بَرِيرَة عبدا، وروايتهُما أولى من رِوَايَة الْأسود إِن ثبتَتْ مُسندَة، لِأَن عَائِشَة عمةُ
الْقَاسِم، وخالةُ عُرْوَة، فَكَانَا يدخلَانِ عَلَيْهَا، ويسمعان كَلَامهَا بِلَا حجاب، وَالْأسود يسمع كَلَامهَا من وَرَاء حجاب، وَلَئِن تَعَارَضَت الرِّوَايَة عَنْ عَائِشَة، فَحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ عبدا، لَا معَارض لَهُ، فَكَانَ أولى.
وروى عَبْد اللَّهِ بْن دِينَار، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة، أَنَّهَا أَرَادَت أَن تعْتق مملوكين لَهَا زَوْجَيْنِ، فَسَأَلت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَأمرهَا أَن تبدأ بِالرجلِ قبل الْمَرْأَة، فَفِيهِ دَلِيل على أَنَّهَا إِذا عُتقت تَحت حر لَا خِيَار لَهَا، إِذْ لَو كَانَ يُثبت لَهَا الْخِيَار لم يكن للبداية بِعِتْق الزَّوْج معنى، وَلَا فَائِدَة، وَكَذَلِكَ لَو عُتقا مَعًا لَا خِيَار لَهَا، وَلَو عُتقت قبله، فَلم تعلم بِعتْقِهَا حَتَّى عُتق الزَّوْج، فَفِي ثُبُوت الْخِيَار قَولَانِ: أظهرهمَا: لَا خِيَار لَهَا، وَخيَار الْعتْق على الْفَوْر بعد الْعلم بِالْعِتْقِ على أحد قولي الشَّافِعِيّ، فَإِن أخرت الْفَسْخ مَعَ الْإِمْكَان، بَطل حَقّهَا، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن لَهَا الْخِيَار مَا لم يصبهَا الزَّوْج، وَهُوَ قَول ابْن عُمَر، وَحَفْصَة، ويروى عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَة، قصَّة بَرِيرَة: خَيرهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ لَهَا:«إِنْ قَربكِ فَلَا خِيَار لَك» .
قَالَ الإِمَامُ: مَتى صَحَّ الْحَدِيث، فالمصير إِلَيْهِ هُوَ الْوَاجِب، وَقد قَالَ الشَّافِعِيّ: كَانَ لَهَا الْخِيَار مَا لم يُصبها بعد الْعتْق، وَلَا أعلم فِي تأقيت الْخِيَار شَيْئا يتبع إِلا قَول حَفْصَة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا لم يَمَسهَا، وَإِذا اخْتَارَتْ فِرَاقه، فَلَا صدَاق لَهَا إِن كَانَ قبل الدُّخُول، وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول، فالمهر وَاجِب.