المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَاخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث قيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي - شرح السنة للبغوي - جـ ٩

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌16 - كتاب النِّكَاح

- ‌بَاب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ

- ‌بَاب اخْتِيَار ذَاتِ الدِّينِ

- ‌بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ النِّساءِ

- ‌بَاب نِكَاحِ الأَبْكَارِ

- ‌بَاب النَّظَرِ إلَى المَخْطُوبَةِ

- ‌بَاب إرْسَالِ الرَّسُول

- ‌بَاب النَّهْيِ عَنْ مُبَاشَرَةِ المَرْأَةِ المَرأةَ ثُمَّ تَنْعَتها لِزَوْجِهَا

- ‌بَاب النَّهي عَنْ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بالمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ

- ‌بَاب استِئْذَانِ المَرْأَةِ البَالِغَةِ فِي النِّكَاحِ

- ‌بَاب تَزْوِيجِ الصَّغِيرةِ

- ‌بَاب رَدِّ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الوَلِيِّ

- ‌بَاب إعْلانِ النِّكَاحِ بِضَربِ الدُّفِّ

- ‌بَاب خُطْبَةِ النِّكَاحِ والحَاجَةِ

- ‌بَاب لَفْظِ النِّكَاحِ

- ‌بَاب الوَفَاءِ بِشَرطِ النِّكاحِ

- ‌بَاب مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّرْطِ

- ‌بَاب إِذا أنْكَحَ الوَلِيَّانِ

- ‌بَاب مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ نَكَحَها

- ‌بَاب نِكاحِ العَبْدِ وَعَدَدِ المَنْكُوحَاتِ

- ‌بَاب مَا يَحِلّ وَيَحْرُمُ مِنَ النِّسَاءِ والجَمْع بَيْنَهُنَّ

- ‌بَاب المُحَرَّمَاتِ بِالَّرضَاعِ

- ‌بَاب مَا تَثْبُتُ بِهِ الحُرْمَةُ مِنْ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ

- ‌بَاب رَضَاعَةِ الكَبِيرِ

- ‌بَاب شَهَادَةِ المُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعَةِ

- ‌بَاب لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ

- ‌بَاب الْمُشْرِكِ يُسْلِمُ وتحتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبعِ نِسْوَةٍ أَوْ أُخْتَان

- ‌بَاب الزَّوْجَيْنِ المُشْرِكَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا

- ‌بَاب النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ

- ‌بَاب نِكَاحِ المُتْعَةِ

- ‌بَاب نِكَاحِ المُحَلِّلِ

- ‌بَاب العَزْلِ والإِتْيَانِ فِي غَيْرِ المَأْتَى

- ‌بَاب الغِيلَةِ

- ‌بَاب خِيَارُ العِتْقِ

- ‌بَاب خِيَارِ العَيْبِ

- ‌بَاب الصَّداقِ

- ‌بَاب اسْتِحْباب تَخْفيفِ المَهْرِ

- ‌بَاب مَنْ تَزَوَّجَ بِلا مَهْرٍ

- ‌بَاب الخِلْوةِ بالْمَنْكُوحَةِ

- ‌بَاب الْمُتْعَةِ

- ‌بَاب الوَلِيمَةِ

- ‌بَاب الإجَابَةِ إِلَى الوَليمةِ إذَا دُعِيَ إلَيْهَا

- ‌بَاب مَنْ دَعَا رَجلا فَجَاءَ مَعَهُ آخَرُ

- ‌بَاب الرُّجُوعِ إذَا رَأَى مُنْكَرًا

- ‌بَاب القَسْمِ بَيْنَ الضَّرَائِرِ

- ‌بَاب هِبَةِ المَرْأَةِ نَوْبَتَهَا لِضَرَّتِها

- ‌بَاب القرْعَةِ بَيْنَ النَّسَاء إِذا أرَادَ سَفَرًا

- ‌بَاب تَخْصِيصِ الجَديدَة بِسَبْعِ لَيَالٍ إِن كانَتْ بِكْرًا وَثَلَاث إِن كانَتْ ثَيِّبًا

- ‌بَاب حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى المرأَةِ وَحَقِّها عَلَيْهِ

- ‌بَاب

- ‌بَاب المُدَارَاةِ مَعَ النَّسَاء

- ‌بَاب حُسْنِ العِشْرَةِ مَعَهُنَّ

- ‌بَاب النَّهْي عَنْ ضرب النِّسَاء

- ‌بَاب هجْرانِ المرأَةِ وَضَربِهَا عِنْدَ النُّشُوزِ

- ‌بَاب الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ

- ‌بَاب مَنْ سَأَلَهُ أَبُوهُ تَطْليِقَ امْرَأَتِهِ

- ‌17 - كِتَابُ الطَّلاقِ

- ‌بَاب الخُلْعِ

- ‌بَاب الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ

- ‌بَاب تَحْريمِ الطَّلاقِ فِي الحَيْضِ

- ‌بَاب الجَمْعِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ الثَّلاثِ وطَلاقِ البَتَّة

- ‌بَاب الخيَارِ

- ‌بَاب الطَّلاقِ على الْهَزْلِ

- ‌بَاب لَفْظِ التَّحْرِيمِ

- ‌بَاب فِيمَنْ طَلَّقَ البِكْرَ ثَلاثًا

- ‌بَاب المُطَلَّقَةِ ثَلاثًا لَا تَحِلُّ إِلا بَعْدَ إِصَابة زَوْجٍ غَيْره

- ‌بَاب الإِيلاءِ

- ‌بَاب الظِّهَارِ

- ‌بَابُ مَا يُجْزِئُ مِنَ الرِّقَابِ فِي الكَفَّارَةِ

- ‌بَاب اللِّعانِ

- ‌بَاب الرجُلِ يَجِدُ مَعَ امْرأَتِهِ رَجُلا

- ‌بَاب الغَيْرةِ

- ‌بَاب إِثمِ مَنْ جَحَدَ وَلَدَهُ أَوِ ادَّعَى إِلى غَيْرِ أَبِيه

- ‌بَاب الشَّكِّ فِي الوَلَدِ

- ‌بَاب الوَلدِ لِلفِراشِ

- ‌بَاب القَائِفِ

- ‌بَاب نِكاحِ الزَّانيَةِ

- ‌18 - كتابُ العِدَّة

- ‌بَاب مقامِ المُطَلَّقَةِ فِي الْبَيْتِ حتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا

- ‌بَاب المَبتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لهَا إِلا أَنْ تَكُونَ حَامِلا

- ‌بَاب سُكْنَى المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌بَاب عِدَّةِ المُتَوفَّى عَنها زَوْجُها إِذا كانَتْ حَاملا

- ‌بَاب عِدَّةِ المُتَوفَّى عَنها زَوْجُها والإحداد

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَاب امْرَأَةِ المَفْقُودِ

- ‌بَاب اجْتِمَاعِ العِدَّتَيْنِ

- ‌بَاب اسْتِبْراء أُمِّ الوَلَدِ

- ‌بَاب اسْتِبراء الأمةِ المسْبِيَّةِ والمُشْتَراةِ

- ‌بَاب نفقَةِ الزَّوْجَةِ

- ‌بَاب نَفَقَةِ الأَوْلادِ والأَقَارِبِ

- ‌بَاب أَيِّ الوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بالوَلدِ

- ‌بَاب حَدِّ البُلُوغِ

- ‌بَاب نَفَقَةِ المَمَالِيكِ

- ‌بَاب الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ

- ‌بَاب ثَوَابِ المَمْلُوكِ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ

- ‌بَاب وَعيدِ مَنْ ضَرَبَ عَبْدَهُ أَوْ قَذَفَهُ

- ‌19 - كتاب العتق

- ‌ثَوَابُ العِتْقِ

- ‌بَاب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكا لَهُ مِنْ عَبْدٍ

- ‌بَاب مَنْ أَعْتَقَ مَمَالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ

- ‌بَاب العِتْقِ عَنِ الْمَيِّت

- ‌بَاب مَنْ يُعْتِقَ بالمُلْكِ

- ‌بَاب بَيْعِ المُدَبِّرِ

- ‌بَاب عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ

- ‌بَاب الْمكَاتب

- ‌بَاب العِتْقِ على الخِدْمَةِ

الفصل: وَاخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث قيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي

وَاخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث قيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي رجل بِعَيْنِه كَانَ موسومًا بالشرِّ، ورُوي أَن ابْن عُمَر كَانَ إِذا قيل لَهُ: وَلَدُ الزِّنَا شرُّ الثَّلَاثَة، قَالَ: بل هُوَ خير الثَّلَاثَة.

وَقيل معنى قَوْله: «شَرُّ الثَّلاثة» أصلا ونسبًا، لِأَنَّهُ خلق من مَاء خَبِيث، وَلَا يُؤمن أَن يُؤثر ذَلِكَ فِيهِ، ويدُبَّ فِي عروقه، فيحمله على الشَّرّ.

وَقَول ابْن عُمَر هُوَ خير الثَّلَاثَة، فوجهه أَنَّهُ لَا إِثْم لَهُ فِي الذَّنب الَّذِي بَاشرهُ الزانيان، فَهُوَ خير مِنْهُمَا لبراءته من الذَّنب.

‌بَاب اللِّعانِ

قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6].

الْآيَات.

2366 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، أخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرَ الْعَجْلانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا أَيَقْتُلُهُ، فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ، رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 250

الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَّمَا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ، جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم؟، فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» .

فَقَالَ سَهْلٌ، فَتَلاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاعُنِهِمَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

قَالَ مالكٌ: قَالَ ابْن شِهَاب: فكانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ المتلاعِنَيْنِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.

ص: 251

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَزَادَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ، فَلا أُرَاهُ إِلا قَدْ صَدَقَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلا أُرَاهُ إِلا كَاذِبًا» ، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ

الأَسْحَمُ: الشَّديد السوَاد، يُقَالُ: غُرابٌ أسحم، أَي شَدِيد السوَاد، والوحرةُ: دُويبةٌ شبه الوزغة تلزق الأَرْض، جمعهَا وَحَرٌ، وَمِنْه وحرُ الصَّدر، وَهُوَ الحقد والغيظ، سمي بِهِ لتشبُّثه بِالْقَلْبِ، ويُقَالُ: فلانٌ وَحِرُ الصَّدر، إِذا دبَّت الْعَدَاوَة فِي قلبه كدبيب الوَحَر.

ص: 252

وَإِنَّمَا كره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَسْأَلَة عَاصِم، لِأَنَّهُ كَانَ يسْأَل لغيره، وَلم يكن بِهِ إِلَيْهِ حَاجَة، وَلما فِيهِ من هتك الْحُرْمَة، فأظهر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْكَرَاهِيَة إيثارًا لستر العورات.

قَالَ الإِمَامُ رحمه الله: وحكمُ هَذَا الْمَسْأَلَة أَنَّهُ من رمى إنْسَانا بالزنى، فَإِن كَانَ الْمَقْذُوف مُحصنا، يجب على الْقَاذِف جلدُ ثَمَانِينَ إِن كَانَ حرا، وَإِن كَانَ عبدا، فجلد أَرْبَعِينَ، قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، وَإِن كَانَ الْمَقْذُوف غير مُحصن، فعلى قَاذفه التَّعْزِير.

وشرائطُ الْإِحْصَان خَمْسَة: الْإِسْلَام، وَالْعقل، وَالْبُلُوغ، وَالْحريَّة، والعفة من الزِّنَى، حَتَّى إِن من زنى فِي أول بُلُوغه مرّة، ثُمَّ تَابَ، وحسُنت حَالَته، وامتد عمره، فقذفه قَاذف لَاحَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا حدَّ فِي النِّسْبَة إِلَى غير الزِّنَى من الْفَوَاحِش، إِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِير، سُئل عَليّ عَنْ قَول الرجل للرجل: يَا فَاجر، يَا خَبِيث، يَا فَاسق، قَالَ: هنَّ فواحشُ، فِيهِنَّ تَعْزِير، وَلَيْسَ فِيهِنَّ حد.

وَكَانَ الشَّعْبِيّ يَقُول فِي الرجل إِذا دخل بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ: لم أَجدهَا عذراء: إِن عَلَيْهِ الْحَد.

وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعي لَا يرى عَلَيْهِ الْحَد، وَيَقُول: العُذرة تذْهب من النَّزوة وَمن التعنيس.

قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَول الْعلمَاء.

وَلَا فرق فِي مُوجب الْقَذْف بَين من يقذف أَجْنَبِيّا، أَو زَوجته، غير أَن الْمخْرج مِنْهُمَا مُخْتَلف، فَإِذا قذف أَجْنَبِيّا، لَا يسْقط الحدُّ عَنْهُ إِلا بِالْإِقْرَارِ من جِهَة الْمَقْذُوف، أَو إِقَامَة أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء على زِنَاهُ، وَإِذا قذف زَوجته، فَلَا يسْقط إِلا بِأحد هذَيْن، أَو بِاللّعانِ، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي لَا حدَّ على من قذف زَوجته، إِنَّمَا مُوجبه اللّعان، وَالشَّرْع جعل اللّعان فِي حق الزَّوْج بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة، فَقَالَ اللَّه جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ

ص: 253

يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6]، فثبتَ أَن اللِّعان حجَّة الْقَاذِف على صدقه كالبيِّنة، وَلَو شهد الزَّوْج على زَوجته بالزنى مَعَ ثَلَاثَة، فشهادة الزَّوْج مَرْدُودَة عِنْد بعض أهل الْعلم، وَهُوَ قَاذف عَلَيْهِ الحدُّ إِلا أَن يُلاعن، وَهُوَ قَول النَّخعي، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَذهب قوم إِلَى أَن شَهَادَة الزَّوْج مَقْبُولَة، وَعَلَيْهَا الْحَد، وَهُوَ قَول الشَّعْبِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَمن جعل الزَّوْج قَاذِفا بِهَذِهِ الشَّهَادَة، قَالَ: حكم الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا حكم شُهُود الزِّنَى إِذا لم يكملوا أَرْبَعَة.

وَاخْتلف فيهم أهل الْعلم، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنهم قذفة، عَلَيْهِم حد الْقَذْف، لما رُوي عَنْ عُمَر أَنَّهُ شهد عِنْده ثَلَاثَة على رجل بالزنى، وَلم يكمل الرَّابِع شَهَادَته، فجلد الثَّلَاثَة، وَهُوَ قَول أَصْحَاب الرَّأْي، وَأظْهر قولي الشَّافِعِيّ، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنهم لَا يحدُّون، لأَنهم جَاءُوا مَجِيء الشُّهُود، وَلَو شهد أَربع على زنى امْرَأَة، وأقامت الْمَرْأَة أَربع نسْوَة على أَنَّهَا عذراء، لَا حدَّ عَلَيْهَا، لِأَن عذرتها تَنْفِي زنَاهَا، وَلَا حدَّ على قاذفها لقِيَام الْبَيِّنَة على زنَاهَا، وَقد يتَصَوَّر عود العُذرة.

قَالَ الشَّعْبِيّ: مَا كنتُ لأقيم الْحَد على امْرَأَة عَلَيْهَا من اللَّه خَاتم، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَن الحدَّ يُقَام عَلَيْهَا.

وَيجْرِي اللِّعان بَين الزَّوْجَيْنِ الرقيقين والذميين، كَمَا يجْرِي بَين الحرَّين الْمُسلمين عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَسليمَان بْن يَسَار، وَالْحَسَن، وَبِهِ قَالَ ربيعَة، وَمَالك، وَاللَّيْث، وَالثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق.

وَجُمْلَته أَن من صَحَّ يَمِينه، صَحَّ لِعَانه، وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهُ لَا يَصح اللّعان إِلا مِمَّن هُوَ من أهل الشَّهَادَة، وَهُوَ قَول حَمَّاد، وَالزُّهْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، حَتَّى قَالُوا: لَو

ص: 254

كَانَ أحد الزَّوْجَيْنِ ذِمِّيا، أَو رَقِيقا، أَو محدودًا فِي قذف، فَلَا لعان.

وَاتَّفَقُوا على جَوَاز لعان الْفَاسِق، وَالْأَعْمَى، وَفِي قَول سهل:«فَتَلاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ» .

دَلِيل على أَن اللِّعان يَنْبَغِي أَن يكون بِمحضر جمَاعَة من الْمُؤمنِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُستر، كَمَا أَن الحدَّ يُقَام بِمحضر جمَاعَة من النَّاس، ليَكُون أبلغ فِي الزّجر، قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النُّور: 2].

ويُلاعَن فِي الْمَسْجِد، فقد رُوي فِي حَدِيث سهل بْن سَعْد:«فَتَلاعَنَا فِي المَسْجِدِ وأَنا شَاهِدٌ» .

وَقَوله: «فَطَلَّقَهَا ثَلاثًا» فِيهِ دَلِيل على أَن الْجمع بَين الطلقات الثَّلَاث لَا يكون بِدعَة، إِذْ لَو كَانَ بِدعَة، لأنكر عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَإِن لم يكن يَقع فِي هَذَا الْموضع لوُقُوع الْفرْقَة بِاللّعانِ، وَلَكِن الرجل كَانَ جَاهِلا بالحكم، فَلَو لم يكن جَائِزا، لمَنعه عَنْهُ حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ الحكم، فَلَا يجترئ عَلَيْهِ فِي الْموضع الَّذِي يَقع.

وَاخْتلف أهل الْعلم فِي الْوَقْت الَّذِي تقع فِيهِ الْفرْقَة بَين الزَّوْجَيْنِ فِي اللِّعان، فَذهب قوم إِلَى أَنَّهُ تقع بفراغ الزَّوْج من اللّعان، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ يَقع بتلاعنهما جَمِيعًا، رُوي ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَحْمَد، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ يَقع بتفريق الْقَاضِي بَينهمَا بعد تلاعنهما، حَتَّى لَو طَلقهَا قبل قَضَاء الْقَاضِي يقعُ، وَذهب عُثْمَان البتي إِلَى أَن الْفرْقَة لَا تقع وفراق الْعجْلَاني امْرَأَته كَانَ بِالطَّلَاق.

ص: 255

وَفرْقَة اللَّعان فرقة فسخ عِنْد كثير من أهل الْعلم حَتَّى لَا تسْتَحقّ الْمَرْأَة نَفَقَة الْعدة، وَلَا السُّكْنَى، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: اللَّعان تطليفة بَائِنَة، وَلها السُّكْنَى وَالنَّفقَة فِي الْعدة، ويحتج من لَا يُوقع الْفرْقَة بِنَفس اللّعان بتطليق الْعجْلَاني الْمَرْأَة بعد اللِّعان، فَلَو كَانَت الْفرْقَة وَاقعَة، لم يكن للتطليق معنى، وَمن أوقع بِاللّعانِ الْفرْقَة، حمل ذَلِكَ مِنْهُ على الْجَهْل بالحكم، أَو يحْتَمل أَنَّهُ لما قيل لَهُ: لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا.

وجد من ذَلِكَ فِي نَفسه، فَقَالَ:«كَذبتُ عَلَيْهَا إِن أمسكتُها هِيَ طَالِق ثَلَاثًا» .

يُرِيد بذلك تَأْكِيد تِلْكَ الْفرْقَة، يدل عَلَيْهِ أَن الْفرْقَة لَو لم تكن وَاقعَة، لكَانَتْ الْمَرْأَة فِي حكم المطلقات ثَلَاثًا، وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا لَيست فِي حكم المطلقات ثَلَاثًا تحلُّ لَهُ بعد زوج آخر.

وَقَول ابْن شِهَاب: «فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ المُتَلاعِنَين» .

يُرِيد أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ بعد اللِّعان.

وَفِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ لَا أَرَاهُ إِلا قَدْ صَدَقَ» .

دَلِيل على أَن التحلية بالنعوت الْمَكْرُوهَة إِذا أُرِيد بهَا التَّعْرِيف، لَا تكون غيبَة يَأْثَم بهَا قائلُها، وَفِيه دَلِيل على جَوَاز الِاسْتِدْلَال بالشبه، وَفِيه بَيَان أَن مَعَ جَوَاز الِاسْتِدْلَال بِهِ لَا يُحكم بِهِ إِذا كَانَ هُنَاكَ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ فِي الدّلَالَة على ضد مُوجبه، لِأَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يُوجب الحدِّ عَلَيْهَا بالشبه لما جَاءَت بِهِ على النَّعْت الْمَكْرُوه، لوُجُود الْفراش، كَمَا لم يُعتبر الشّبَه فِي ولد وليدة زَمعَة لوُجُود مَا هُوَ أقوى، وَهُوَ الْفراش.

وَفِيه دَلِيل على أَن الْمَرْأَة كَانَت حَامِلا، وَأَن اللّعان وَقع على نفي الْحمل، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَالشَّافِعِيّ، أَن اللّعان على نفي الْحمل جَائِز، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي

ص: 256

إِلَى أَن اللِّعان على نفي الْحمل لَا يجوز، فَإِن فعل صحِّ، تعلق بِهِ أَحْكَامه، غير أَن الْوَلَد يلْزمه لُزُوما لَا يُمكنهُ نَفْيه بعده.

2368 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْلَدِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، أَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:«لاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالأُمِّ» .

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّد، عَنْ يَحْيَى بْن بُكير، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى، وَقُتَيْبَة، كلٌّ عَنْ مَالِك

ويحتج بهَذَا الْحَدِيث من لَا يرى وقوعَ الْفرْقَة إِلا بتفريق الْحَاكِم بَينهمَا، وَمن أوقع الْفرْقَة بِنَفس اللِّعان، قَالَ: إِضَافَة التَّفْرِيق إِلَيْهِ، لِأَن سَببه كَانَ بِحَضْرَتِهِ عليه السلام، كَمَا لَو ادّعى على رجل شَيْئا بَين يَدي الْقَاضِي، فَأقر الْمُدعى عَلَيْهِ، فألزمه الْقَاضِي الْأَدَاء، يُضَاف الحكمُ فِيهِ إِلَى القَاضِي، وَثُبُوت الْحق بِإِقْرَار الْمُدَّعِي عَلَيْهِ، أَو مَعْنَاهُ: أَنَّهُ بيَّن أَن الْفرْقَة قد وَقعت بَينهمَا باللِّعان يدل عَلَيْهِ أَن الْوَلَد يكون لاحقًا بِالْأُمِّ من غير حكم الْحَاكِم، ثُمَّ أضيف الإلحاقُ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 257

2369 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلالُ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح وَأَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: أَنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُتَلاعِنَيْنِ:«حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» .

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي، قَالَ:«لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقَتْ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

قَالَ الإِمَامُ فِي قَوْله: «لَا سبيلِ لكِ عَلَيْهَا» دليلٌ على وُقُوع الْفرْقَة باللِّعان، وَأَنَّهَا لَا تحلُّ لَهُ أبدا، وَإِن أكذب الرجل نَفسه، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم، يُروى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وَأَبُو يُوسُف، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيّ: لَو لاعنَ زَوجته الْأمة، ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تحِلُّ لَهُ إصابتها، كَمَا لَو اشْترى أُخْته من الرَّضَاع

ص: 258

لَا يحلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، لِأَن حُرْمَة الرَّضَاع مؤبَّدة، وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى أَنَّهُ إِذا أكذب نَفسه، يرتفعُ تَحْرِيم العقد، فَيجوز لَهُ نِكَاحهَا، كَمَا يلْحقهُ النسبُ الْمَنْفِيّ بعد الإكذاب، يُروى ذَلِكَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَير: تعود مَنْكُوحَة لَهُ إِذا أكذب نَفسه.

وَفِيه دَلِيل على أَن زوج الْمُلَاعنَة لَا يرجع عَلَيْهَا بِالْمهْرِ إِن كَانَ قد دخل بهَا، وَإِن أقرَّت الْمَرْأَة بالزنى، فَأَما إِذا تلاعنا قبل الدُّخُول، فَاخْتلف فِيهِ أهلُ الْعلم، فَذهب قوم إِلَى أَن لَهَا نصفَ الْمهْر، وَهُوَ قَول قَتَادَة، وَالشَّعْبِيّ، وَالْحَسَن، وَسَعِيد بْن جُبَير، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ الحكم، وَحَمَّاد: لَهَا الصَدَاق كَامِلا، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا صدَاق لَهَا.

2370 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، نَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» .

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«البَيِّنَةُ وَإِلا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» .

فقَالَ هِلالٌ: وَالَّذِي

ص: 259

بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6 - 9]، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلالٌ، فَشَهِدَ وَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟» .

ثُمَّ قامَتْ فَشَهِدتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ، وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ العَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ» ، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْلا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ: عظيمُهما، ويُروى: خدل السَّاقَيْن، أَي: الممتلئ السَّاق، المكتنز اللَّحْم.

ص: 260

وَفِيه دَلِيل على أَن مُوجب قذف الزَّوْجَة الحدُّ، كَمَا فِي قذف الْأَجَانِب، فَإِن لم يُقم بيِّنة، وَلم يُلاعن، يُحَدُّ، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُ إِذا قذف امْرَأَته بِرَجُل بِعَيْنِه، ثُمَّ لَاعن، سقط عَنْهُ حدُّ المرمي بِهِ، كَمَا يسْقط حدُّ الزَّوْجَة، لِأَنَّهُ مُضْطَر إِلَى ذكر من يقذفها بِهِ، كَمَا هُوَ مُضْطَر إِلَى قذف زَوجته، لإِزَالَة الضَّرَر عَنْ نَفسه، ثُمَّ اللِّعان كَانَ حجَّة لَهُ فِي حقِّ الزَّوْجَة، كَذَلِك فِي حق المرمي بِهِ، هَذَا إِذا سمَّى المرمي بِهِ فِي اللِّعان، فَإِن لم يُسمِّه، فَفِي سُقُوط حدِّه للشَّافِعِيّ قَولَانِ: فَإِن قُلْنَا: لَا يسقُط، فَلهُ إِعَادَة اللّعان لإسقاطه، وَذهب قوم إِلَى أَن حد المرمي بِهِ لَا يسْقط اللّعان، وَهُوَ قَول مَالِك، وَأَصْحَاب الرَّأْي.

وَفِي قَوْله عِنْد الْخَامِسَة: «إنَّها مُوجِبَةٌ» .

دَلِيل على أَن حكم اللّعان لَا يثبت إِلا بِاسْتِيفَاء الْكَلِمَات الْخمس، وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيّ، وَذهب أَبُو حنيفَة إِلَى أَنَّهُ إِذا أَتَى بِالْأَكْثَرِ، قَامَ مقَام الْكل.

والسُّنة فِي اللّعان أَن يُوقف الْملَاعن عِنْد الْكَلِمَة الْخَامِسَة، ويُحذِّر، ويقَالَ: إِنَّهَا مُوجبَة.

يَعْنِي: تُوجب الْغَضَب فِي حَقّهَا، واللَّعن فِي حَقه.

ورُوي فِي حَدِيث عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس، فَلَمَّا كَانَت الْخَامِسَة قيل:«يَا هِلالُ، اتَّقِ اللَّه، فإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، وإنَّهَا المُوجِبَةُ الَّتي تُوجِبُ عَلَيْكَ العَذَابَ» .

وقيلَ لَهَا عِنْدَ الخَامِسَةَ كَذَلِك.

ص: 261

ورُوي عَنِ ابْن عَبَّاس أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم " أَمر رجلا حِين أَمر المتلاعنين أَن يتلاعنا أَن يضع يَده على فِيهِ عِنْد الْخَامِسَة يَقُول: إنَّها مُوجِبَةٌ ".

ويُبدأ فِي اللِّعان بِالرجلِ: فيقيمه الْحَاكِم، ويلقنه كلمة كلمة، ثُمَّ يُقيم الْمَرْأَة، فيلقنها كلمة كلمة.

ورُوي فِي حَدِيث ابْن عُمَر، أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم «وَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنيا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ» ، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنيا أَهْوَنُ من عَذَابِ الآخِرَةِ.

قَالَت: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ.

وَفِي قَوْله: «لَوْلَا مَا مضى مِنْ كتاب اللَّه، لَكَانَ لي وَلها شأَنٌ» .

دَلِيل على أَن الْقَاضِي يجب عَلَيْهِ أَن يحكم بِالظَّاهِرِ، وَإِن كَانَت هُنَاكَ شُبْهَة تعترض، وَأُمُور تدل على خِلَافه، فَإِن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمضى حكم اللِّعان، وَلم يحكم عَلَيْهَا بالزنى بِظَاهِر الشّبَه.

ورُوي عَنْ عباد بْن مَنْصُور، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْن عَبَّاس فِي قصَّة هِلَال بْن أُميَّة بعد ذكر التلاعن، «فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَينهمَا، وَقضى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لأَبٍ، وَلا تُرْمَى وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا، وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدهَا، فَعَلَيْهِ الحدُّ، وَقضى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَتَفَّرَقانِ مِنْ غَيْرِ طَلاقٍ، وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا» .

ص: 262

وَفِيه من الْفِقْه أَن الرجل إِذا قذف زَوجته، ولاعَنَ عَنْهَا، وَنفى وَلَدهَا، ثُمَّ قَذفهَا قَاذف، يجب عَلَيْهِ الْحَد، سَوَاء لاعنت بعد لِعَانه، أَو امْتنعت، فحدَّث للزنى، وَلَو قَذفهَا زوجُها، فَعَلَيهِ التَّعْزِير بِخِلَاف مَا لَو ثَبت زنَاهَا بِبَيِّنَةٍ، أَو إِقْرَار من جِهَتهَا لَا يجب الحدُّ على قاذفها، سَوَاء قَذفهَا زَوجهَا أَو غَيره، لِأَن البيِّنة وَالْإِقْرَار حجَّة عَامَّة، واللِّعان حجَّة خَاصَّة فِي حق الزَّوْج، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ إِن كَانَ هُنَاكَ ولدٌ حيّ قد نَفَاهُ باللِّعان لَا يجب الْحَد على قاذفها، وَإِن كَانَ بعد موت الْوَلَد الْمَنْفِيّ، أَو كَانَ اللِّعان جرى بَينهمَا لَا على نفي ولد، فَيجب الحدُّ على قاذفها، وَهَذَا تَفْصِيل لَا يَصح فِي أثر وَلَا نظر.

وَفِيه دَلِيل على أَن فرقة اللِّعان فرقة فسخ، وَلَا سُكنى للملاعنة، وَلَا نَفَقَة كَمَا قَالَه الشَّافِعِيّ رحمه الله.

قَالَ الإِمَامُ: وَيتَعَلَّق بِلعان الزَّوْج عِنْد الشَّافِعِيّ خمسةُ أَحْكَام: سُقُوط حد الْقَذْف عَنْهُ، وَوُجُوب حد الزِّنَى على الْمَرْأَة، كَمَا لَو أَقَامَ بيِّنة على زنَاهَا، وَانْقِطَاع الْفراش عَنْهُ، وتأبُّدُ التَّحْرِيم، وَنفي النّسَب.

وَلَا يتَعَلَّق بِإِقَامَة البيِّنة شَيْء مِنْهَا إِلا سُقُوط حد الْقَذْف عَنْهُ، وَوُجُوب حد الزِّنَى عَلَيْهَا، ثُمَّ بعد لعان الزَّوْج إِذا أَرَادَت الْمَرْأَة إِسْقَاط حد الزِّنَى عَنْ نَفسهَا فَإِنَّهَا تلاعن، لقَوْل اللَّه سبحانه وتعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النُّور: 8]، وَالْمرَاد بِالْعَذَابِ: الحدُّ، وَلَا يتَعَلَّق بِلعان الْمَرْأَة إِلا هَذَا الحكم الْوَاحِد.

وَلَو أَقَامَ الزَّوْج بيِّنة على زنَاهَا، لم يكن لَهَا إِسْقَاط الْحَد بِاللّعانِ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن الزَّوْج إِذا امْتنع عَنِ اللّعان، يُحبس حَتَّى يُلاعن،

ص: 263