الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقيل: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل زَان يُرجم، وَإِنَّمَا يُرجم بعض الزناة، وَهُوَ الْمُحصن، وَإِنَّمَا معنى الْحجر هُنَا الخيبة والحرمان، يَعْنِي: لَا حَظّ لَهُ فِي النّسَب، كَقَوْل الرجل لمن خيبه وآيسه من الشَّيْء: لَيْسَ لَك غير التُّرَاب، وَمَا فِي يدك إِلا الْحجر.
وَقد رُوي عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«إنْ جَاء يَطْلُبُ ثَمَنَ الكَلْبِ فَاملأ كَفَّهُ تُرابًا» .
وَأَرَادَ بِهِ الحرمان والخيبة، وَقد كَانَ بعض السّلف يرى أَن يوضع التُّرَاب فِي كَفه جَريا على ظَاهر الْحَدِيث.
بَاب القَائِفِ
قَالَ الإِمَامُ: سُمِّيَ القائِفُ قائفًا، لأنَّهُ يَتْبَعُ الآثَارَ، ومنهُ قولهُ سبحانه وتعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاء: 36]، أَي: لَا تَتْبَعْ، يُقَالُ: قَفَوْتُهُ أقْفُوهُ، وقفته، أقُوفُهُ، وَقَفَّيْتُهُ: إِذا اتَّبَعْتَ أَثَرَهُ.
2381 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ:«أَيْ عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا المُدْلِجيَّ دَخَلَ عَلَيَّ» ، فَرَأَى أُسَامَةَ، وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ:«إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ لَيْثٍ
وَقَالَ ابْن جُرَيْج، عَنِ الزُّهْرِيّ: تبرُق أساريرُ وَجهه: وَهِي الخطوط الَّتِي فِي الْجَبْهَة، وَاحِدهَا: سِرَرٌ وسِرٌ، وَجمعه أسرار وأسِرَّة، والأسارير: جمعُ الْجمع.
قَالَ الإِمَامُ: إِذا ادّعى رجلَانِ أَو أَكثر نسب مَوْلُود مَجْهُول النّسَب، أَو اشْتَركَا فِي وَطْء امْرَأَة، فَأَتَت بِولد لمُدَّة يُمكن أَن يكون لكل
وَاحِد مِنْهُمَا، فتنازعاه، يرى الْوَلَد القائفَ مَعَهم، فَأَيهمْ ألحقهُ القائفُ، لحقه، فَإِن أَقَامَ الآخر بيِّنة، كَانَ الحكم للبينة، وَمِمَّنْ أثبت الحكم بالقافة عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَابْن عَبَّاس، وَأنس بْن مَالِك.
قَالَ حُمَيْد: شكّ أَنَس فِي ابْن لَهُ، فَدَعَا لَهُ الْقَافة، وَهُوَ قَول عَطَاء، وَإِلَيْهِ ذهب مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَعَامة أهل الْحَدِيث.
وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ لَا حكم لقَوْل الْقَائِف، بل إِذا ادّعى جمَاعَة من الرِّجَال نسب مَوْلُود يلْحق بهم جَمِيعًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يُلحق برجلَيْن وبثلاثة، وَلَا يُلحق بِأَكْثَرَ، وَلَا يلْحق بامرأتين، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْحق بامرأتين.
والْحَدِيث حجَّة لمن حكم بقول الْقَائِف، وَذَلِكَ أَن النَّاس كَانُوا قد ارْتَابُوا فِي نسب أُسَامَة من زَيْد، إِذْ كَانَ زَيْد أَبيض اللَّوْن، وَجَاء أُسَامَة أسود اللَّوْن، قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعت أَحْمَد بْن صَالِح يَقُول: كَانَ أُسَامَة أسود شَدِيد السوَاد مثل القار، وَكَانَ زَيْد أَبيض مثل الْقطن، وَكَانَ المُنَافِقُونَ يَتَكَلَّمُونَ فيهمَا بِمَا يسوء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَمَاعه، فَلَمَّا سمع قَول مجزِّز فيهمَا، فَرح بِهِ، وسرِّي عَنْهُ، وَلَو لم يكن ذَلِكَ حَقًا، لَكَانَ لَا يظْهر عَلَيْهِ السرُور، بل كَانَ يُنكر عَلَيْهِ، ويمنعه عَنْهُ، وَيَقُول لَهُ: لَا تقل هَذَا، لِأَنَّك إِن أصبت فِي شَيْء، لم آمن عَلَيْك أَن تُخطئ فِي غَيره، فَيكون فِي خطئك قذف مُحصنَة، وَنفي نسب.
وَإِذا دَعَاهُ رجلَانِ، فألحقه الْقَائِف بهما، أَو لم يكن قائف، فَإِن كَانَ الْوَلَد كَبِيرا، قيل لَهُ: انتسب إِلَى أَيهمَا شِئْت، وَإِن كَانَ صَغِيرا، فَيُوقف حَتَّى يبلغ فينتسب.
رُوي أَن رجلَيْنِ تداعيا ولدا، فَدَعَا لَهُ عُمَر الْقَافة، فَقَالُوا: قد اشْتَركَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر: والِ أَيهمَا شِئْت،
وَهَذَا قَول الشَّافِعِيّ، فَإِن انتسب إِلَى أَحدهمَا، ثُمَّ وجد الْقَائِف، فألحقه بِالثَّانِي، كَانَ الحكم لقَوْل الْقَائِف، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا قَالَ الْقَائِف: هُوَ ابنهما.
يلْحق بهما يَرث مِنْهُمَا ويرثانه.
وَقد رُوي عَنْ زَيْد بْن أَرقم، قَالَ: كنتُ عِنْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فجَاء رجل من الْيمن، فَقَالَ: إِن ثَلَاثَة نفر من أهل الْيمن أَتَوا عليا يختصمون فِي ولد، وَقد وَقَعُوا على امْرَأَة فِي طُهر وَاحِد، فَقَالَ: إِنِّي مُقرعٌ بَيْنكُم، فَمن قَرَعَ، فَلهُ الْوَلَد، وَعَلِيهِ لصاحبيه ثلثا الدِّيَة، فأقرع بَينهم، فَجعله لمن قرع، فَضَحِك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
فَذهب إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه إِلَى ظَاهر هَذَا الْحَدِيث، وَقَالَ بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَ: هُوَ السّنة فِي دَعْوَى الْوَلَد، وَكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُول بِهِ فِي الْقَدِيم، وَقيل لِأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي حَدِيث زَيْد بْن أَرقم، فَقَالَ: حَدِيث الْقَافة أحب إِلَيّ، وَقد تكلم بَعضهم فِي إِسْنَاد حَدِيث زَيْد بْن أَرقم.