الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ:«لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، أَمْ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
المُجِحُّ: الْحَامِل المقرب، وَفِيه بيانُ تَحْرِيم وَطْء الحبالى من السبايا، وَقَوله:«كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، أَمْ كَيْفَ يُوَرَّثُهُ» .
يُرِيد: أَن ذَلِكَ الْحمل قد يكون من غَيره، فَلَا يحل لَهُ استلحاقه، وتوريثه، وَقد ينفشُّ مَا كَانَ حملا فِي الظَّاهِر، فَتعلق الْجَارِيَة مِنْهُ، فَيكون ولدا لَا يحل لَهُ استرقاقه واستخدامه، فليجتنب من وَطئهَا حَتَّى تضع الْحمل.
وَالله أعلم.
بَاب نفقَةِ الزَّوْجَةِ
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطَّلَاق: 7] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النِّسَاء: 3]، قَالَ الشَّافِعِيّ: أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولونَ.
فِيهِ دليلٌ على أنَّ
على الرَّجُلِ نَفَقَةَ امرأَتِهِ.
قَالَ الكسَائي: يُقَالُ: عالَ الرَّجُلُ يَعوُلُ: إِذا كَثُرَ عِيَالُهُ، واللُّغَةُ الجَيَّدَةُ: أَعَالَ: أَمَّا عالَ يَعُولُ، فَمَعْنَاه: جَار، وعَالَ يَعيلُ: إِذا افْتَقَرَ.
وقولهُ عز وجل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النِّسَاء: 3]، أَيْ: أَقْرَبُ أَن لَا تَجُوروا.
وَقيل: مَعْنَاهُ أَن لَا تعولُوا جَمْعَ نسَاء، أَي: تَمونُوهُنَّ.
يُقَالُ: عالَ العِيالَ: إِذا مَانَهُمْ.
وَرَوَى جابِرُ بْن عبدِ اللَّه، عَنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الوداعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروفِ» .
قَالَ الشَّافِعِيّ: فَفِي الْقُرْآن والسُّنة بيانُ أَن على الرجل مَا لَا غنى بامرأته عَنْهُ من نَفَقَة، وَكِسْوَة، وخدمة فِي الْحَال الَّتِي لَا تقدر على مَا لَا صَلَاح لبدنها من زمانةٍ وَمرض إِلا بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيّ: النفقةُ نفقتان: نفقةُ المقتر، وَنَفَقَة الموسع، فَأَما مَا يلْزم المقتِر لامْرَأَته إِن كَانَ الْأَغْلَب ببلدها أَنَّهَا لَا تكون إِلا مخدومة مُدٌّ بمُدِّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي كل يَوْم من طَعَام الْبَلَد الْأَغْلَب من قوت مثلهَا، ولخادمها مثله، ومكيلةٌ من أَدَم بلادها، زيتًا كَانَ أَو سمنًا، ويفرض لَهَا من دهن، ومشط أقلُّ مَا يكفيها، وَلَا يكون ذَلِكَ لخادمها، وَفِي كل جُمُعَة رَطْل لحم، وَفرض لَهَا من الْكسْوَة مَا يكتسي مثلُها ببلدها عِنْد المقتر، وَإِن كَانَ زَوجهَا موسعًا، فرض لَهَا مُدَّان، وَمن الْأدم وَاللَّحم ضعف مَا لامْرَأَة المقتر، وَكَذَلِكَ فِي الدّهن والمشط، وَاجُعِلَ لخادمها مدا وَثلثا، وَإِنَّمَا جعلت أقل الْفَرْض مدا بِالدّلَالَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي دَفعه إِلَى الَّذِي أصَاب أَهله فِي شهر رَمَضَان عرقًا فِيهِ خَمْسَة عشر صَاعا لستين مِسْكينا، وَإِنَّمَا جعلت أَكثر مَا افترضت مُدين، لِأَن أَكثر مَا أَمر بِهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي فديَة الْأَذَى مُدان لكل مِسْكين، وَالْفَرْض على الْوسط الَّذِي لَيْسَ بالموسع، وَلَا المقتر بَينهمَا مُد وَنصف، ولخادمها مُد.
هَذَا كَلَام الشَّافِعِيّ ومذهبه.
2396 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا، أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا، بَعَثُوا بِنَفَقَةٍ مَا حَبَسُوا "
قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ دليلٌ على أَن الزَّوْج إِذا غَابَ عَنْ زَوجته لَا تسْقط نفقتُها، وَإِذا لم يُنفق عَلَيْهَا مُدَّة تكون نَفَقَتهَا دينا عَلَيْهِ، وَكَذَا الإدام، وَالْكِسْوَة، وَنَفَقَة الْخَادِم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَن نَفَقَة الزَّوْجَة لَا تصير دينا فِي الذِّمَّة مَا لم يفرضها الْقَاضِي، فَأَما إِذا غَابَتْ الْمَرْأَة بِغَيْر إِذْنه، أَو هربت، أَو نشزت، فتسقُط نفقتُها.
وَلَو امْتنع عَلَيْهِ مباشرتها لمَرض، أَو حيض، أَو نِفَاس، أَو رتق، أَو قرن، لَا تسْقط نَفَقَتهَا، وَإِن كَانَت هِيَ صَغِيرَة لَا تحتمِل الْجِمَاع، فَلَا نَفَقَة لَهَا، وَإِن كَانَت هِيَ كَبِيرَة، وَالزَّوْج صَغِير، فَعَلَيْهِ النَّفَقَة، وَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بِالصَّوْمِ، وَالصَّلَاة، وَلَو أسلمت الْكَافِرَة بعد الدُّخُول، وتخلَّف زَوجهَا، فَلَا تسْقط نفقتُها، لِأَنَّهَا أدَّت فرضا عَلَيْهَا، كَمَا لَو صلَّت، أَو صَامت، وَإِن أسلم الزَّوْج، وَتَخَلَّفت الْمَرْأَة، فَلَا نَفَقَة لَهَا، لِأَنَّهَا بالامتناع عَنِ الْإِسْلَام نَاشِزَة.