الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوله: «لَا يَضَعُ عصاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» .
يُتأول على وَجْهَيْن: أَحدهمَا الضَّرْب بهَا، والتأديب.
وَالْآخر: كَثْرَة السّفر، والظعن عَنِ الوطن، يقَالَ: رفع الرجل عَصَاهُ: إِذا سَار، وَوضع عَصَاهُ: إِذا نزل وَأقَام.
قَالَ الإِمَامُ: وَالْأول أولاهما لما روينَا فِي حَدِيث أَبِي بَكْر بْن أَبِي جهم، «أَمَّا أَبُو جَهْم فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ للنِّساء» .
وَفِيه دَلِيل على إِبَاحَة تَأْدِيب النِّسَاء، وَلَو كَانَ غير جَائِز، لم يذكر ذَلِكَ من فعله إِلا مَقْرُونا بِالنَّهْي عَنْهُ، وَالْإِنْكَار لَهُ.
وَفِي قَوْله: «وَأَمَّا مُعَاوية فَصُعلُوكٌ» .
دَلِيل على أَن الرجل إِذا لم يجد نَفَقَة أَهله، وَطلبت فِرَاقه، فرق بَينهمَا.
وَفِيه أَيْضا بَاب من الرُّخْصَة، ومذهبٌ لحمل الْكَلَام على سَعَة الْمجَاز، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ:«وأَمَّا أَبُو جَهْم فَلا يَضَعُ عصاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوية فَصُعلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» ، وَقد كَانَ لَا محَالة يَضَعهَا فِي حَال من الْأَحْوَال، وَقد كَانَ لمعاوية مَال وَإِن قل.
بَاب سُكْنَى المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا
2386 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ، أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ
سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَنْزِلٍ يَمْلِكُهُ، وَلا نَفَقَةٍ.
فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ» .
فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَانيِ، أَوْ أمَرَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«كَيْفَ قُلْتِ؟» قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، فَقَالَ:«امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» .
قَالَتْ: فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ، أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَاتَّبَعَهُ، وَقَضَى بِهِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِي الْمُعْتَدَّة الرَّجْعِيَّة أَنَّهَا تسْتَحقّ النَّفَقَة، وَالسُّكْنَى على زَوجهَا، سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا، أَو عبدا، وَسَوَاء كَانَت الْمَرْأَة حرَّة، أَو أمة.
وَأما البائنة: فلهَا السُّكْنَى عِنْد أَكثر أهل الْعلم، وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَتهَا، مِنْهُم من أوجبهَا، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا نَفَقَة لَهَا إِلا أَن تكون حَامِلا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ.
والملاعنة كالمطلقة ثَلَاثًا فِي اسْتِحْقَاق السُّكْنَى، وَفِي اسْتِحْقَاق النَّفَقَة إِن كَانَت حَامِلا، وَلم ينف الزَّوْج حملهَا، فَأَما الْمُعْتَدَّة عَنْ وَطْء الشُّبْهَة، والمفسوخة نِكَاحهَا بِعَيْب، أَو خِيَار عتق، فَلَا نَفَقَة لَهَا، وَلَا سُكْنى، وَإِن كَانَت حَامِلا.
والمعتدة عَنِ الْوَفَاة لَا نَفَقَة لَهَا حَامِلا كَانَت أَو حَائِلا، لم يخْتَلف فِيهَا أهل الْعلم، وَقَالَ ابْن عَبَّاس:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [الْبَقَرَة: 240]، نسخ بِآيَة الْمِيرَاث بِمَا فرض لهُنَّ من الرّبع، أَو الثّمن، وَنسخ أجلُ الْحول بِأَن جعل أجلهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَقَالَ جَابِر: لَيْسَ للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَة، حسبُها الْمِيرَاث.