الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقي مِنْهُ، أَوْ تَفْعَلي خيرا».
وَالنَّخْل لَا يُجَدُّ فِي غَالب الْعرف إِلا بِالنَّهَارِ، وَقد نُهي عَنْ جدَاد اللَّيْل، وَهَذَا قَول ابْن عُمَر، قَالَ: لَا تبيتُ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زوجُها وَلَا المبتوتة إِلا فِي بَيتهَا.
وَإِلَى هَذَا ذهب الشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تخرج المبتوتة لَيْلًا وَلَا نَهَارا، كالرجعية، وَتخرج الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا نَهَارا إِن شَاءَت.
وَقَالَ عُرْوَة بْن الزبير فِي الْمَرْأَة البدوية يتوفى عَنْهَا زَوجهَا: إنَّها تَنْتَوِي حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا.
قَالَ رحمه الله: وَهَذَا قَول أهل الْعلم، قَالَ الشَّافِعِيّ: لِأَن سُكْنى أهل الْبَادِيَة سُكْنى مقَام غِبْطَة، وظعن غِبْطَة.
بَاب المَبتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لهَا إِلا أَنْ تَكُونَ حَامِلا
لقَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاق: 6].
2385 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَأْرسَلَ إِلَيْهَا وَكيْلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ.
فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا:«لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ» ، ثُمَّ قَالَ:«تِلْكَ امْرَأةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، فَاعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ، فَإِذَا حَلَلْتِ، فَآذِنِينِي» ، قَالَتْ: فَلَمَّا حللت، ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعاويةُ، فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» ، قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ:«انْكِحِي أُسَامَةَ» .
فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ صُخَيْرٍ الْعَدَوِيُّ، عَنْ فَاطِمَةَ، وَقَالَ:«وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ»
قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيث أنواعٌ من الْفِقْه، مِنْهَا أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا، أَو المختلعة لَا تستحِق نَفَقَة الْعدة إِلا أَن تكون حَامِلا، وَلها السُّكْنَى، لقَوْل اللَّه عز وجل:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ إِلَى قَوْله: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاق: 6] وَإِنَّمَا سقط سُكنى فَاطِمَة لبذاءة لسانها.
وَمعنى الْبَتَّةَ الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث: هُوَ الثَّلَاث.
وَقد رُوي أَنَّهَا كَانَت آخِرَ تَطْلِيقَة بقيت لَهَا من الثَّلَاث.
وَفِيه جوازُ التَّعْرِيض للْمَرْأَة بِالْخطْبَةِ فِي الْعدة عَنِ الْغَيْر، لِأَن قَوْله لَهَا:«فَإذا حَلَلْتِ فآذِنيني» ، تَعْرِيض بِالْخطْبَةِ، وَاتفقَ أهلُ الْعلم على أَن التَّصْرِيح بِالْخطْبَةِ لَا يجوز فِي عِدَّة الْغَيْر، أما التَّعْرِيض بِالْخطْبَةِ، فَيجوز فِي عدَّة الْوَفَاة، قَالَ اللَّه سبحانه وتعالى وتقدس:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [الْبَقَرَة: 235]، أما الْمُعْتَدَّة عَنْ فرقة الْحَيَاة، نظر إِن كَانَت مِمَّن لَا يحِل لمن بَانَتْ مِنْهُ نِكَاحهَا كالمطلقة ثَلَاثًا، والمبانة باللِّعان، وَالرّضَاع، يجوز خطبتها تعريضًا كالمعتدة عَنِ الْوَفَاة، وَإِن كَانَت مِمَّن يحلُّ للزَّوْج نكاحُها كالمختلعة، والمفسوخة نِكَاحهَا، فَيجوز لزَوجهَا خطبتها تَصْرِيحًا وتعريضًا، وَهل يجوز للْغَيْر تعريضًا؟، فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يجوز كالمطلقة ثَلَاثًا.
وَالثَّانِي: لَا يجوز، لِأَنَّهُ يجوز لصَاحب الْعدة مُعاودتُها، كالرجعية لَا يجوز للْغَيْر تعريضها بِالْخطْبَةِ بالِاتِّفَاقِ، والتعريض بِالْخطْبَةِ: أَن يعرض لَهَا بِمَا يدلها بِهِ على إِرَادَته خطبتها من غير تَصْرِيح، وتُجيبه الْمَرْأَة بِمثل ذَلِكَ، مثل أَن يَقُول: إِذا حللتِ فآذنيني، رُبَّ رَاغِب فِيك، رُبَّ حَرِيص عَلَيْك، من يجدُ مثلك.
قَالَ الْقَاسِم: يَقُول: إِنَّك عليَّ لكريمة، وَإِنِّي فِيك لراغب، وَإِن اللَّه
سائق إِلَيْك خيرا، وَنَحْو ذَلِكَ من القَوْل.
وَقَالَ عَطَاء: يعرض، وَلَا يبوح، يَقُول: إِن لي حَاجَة، أَبْشِرِي، وَأَنت بِحَمْد اللَّه نافقة، وَتقول هِيَ: قد أسمع مَا تَقول: وَلَا تعد شَيْئا، وَلَا يواعدها وليَّها بِغَيْر علمهَا، وَإِن وَاعَدت رجلا فِي عدتهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا بعد، لم يفرق بَينهمَا.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله سبحانه وتعالى: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} [الْبَقَرَة: 235] يَقُول: إِنِّي أُرِيد التَّزْوِيج، ولوددتُ أَنَّهُ يسر لي امرأةٌ صَالِحَة.
وَقَالَ الْحَسَن {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [الْبَقَرَة: 235] الزِّنَى.
قَالَ الشَّافِعِيّ: والتعريض عِنْد أهل الْعلم جَائِز سرا وَعَلَانِيَة، على أَن السِّرّ الَّذِي نهي عَنْهُ الْجِمَاع.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: السِّرّ: الإفصاح بِالنِّكَاحِ، يقَالَ للمجامعة: سر، وللزنى: سر، ولفرجي الرجل وَالْمَرْأَة: سر.
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل على أَن المَال مُعْتَبر فِي الْكَفَاءَة، وَدَلِيل على جَوَاز تَزْوِيج الْمَرْأَة بِرِضَاهَا من غير كُفْء، فَإِن فَاطِمَة كَانَت قرشية زوَّجها من أُسَامَة، وَهُوَ من الموَالِي.
وَفِي دَلِيل على جَوَاز الْخطْبَة على خطْبَة الْغَيْر إِذا لم تكن الْمَرْأَة قد أَذِنت للْأولِ، وركنت إِلَيْهِ، فَإِن أَذِنت فِي رجل، وركنت إِلَيْهِ، فَلَيْسَ للْغَيْر أَن يخطُب على خطبَته، وَالنَّهْي فِي هَذَا الْموضع.
وَفِيه دَلِيل على أَن المشير إِذا ذكر الْخَاطِب عِنْد المخطوبة بِبَعْض مَا فِيهِ من الْعُيُوب على وَجه النَّصِيحَة لَهَا، والإرشاد إِلَى مَا فِيهِ حظها، لم يكن غيبَة مُوجبَة للإثم.