المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب السلام - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٠

[الطيبي]

الفصل: ‌(1) باب السلام

‌كتاب الآداب

(1) باب السلام

الفصل الأول

4628 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق الله آدم على صورته، طول ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر- وهم نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال:

ــ

كتاب الآداب

المغرب: الآداب: أدب النفس وقد أدب فهو أديب، وأدبه غيره فتأدب واستأدب. وتركيبه يدل على الجمع والدعاء. ومنه الأدب وهو أن يجتمع الناس إلى طعامك وتدعوهم.

ومنه قيل للصنيع مأدبة كما قيل له مدعاة: ومنه الآدب، لأنه يأدب الناس إلى المحامد أي يدعوهم إليها. عن الزهيري وعن أبي زيد: الأدب اسم يقع على رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((على صورته)) الهاء مرجعها إلى آدم عليه السلام)، والمعنى: أن ذرية آدم خلقوا أطواراً في مبدأ الخلق، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم صاروا صوراً أجنة إلى أن تتم مدة الحمل، فيولدون أطفالا وينشئون صغاراً إلى أن يكبروا، فيتم طول أجسادهن. يقول: إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصفة، ولكنه أول ما تناولته الخلقة وجد خلقاً تاما طوله ستون ذراعاً.

وقال الشيخ التوربشتي: هذا كلام صحيح في موضعه، فأما في تأويل هذا الحديث إنه غير سديد، لما في حديث آخر:((خلق آدم على صورة الرحمن))، ولما في غير هذه الرواية:((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا يضرب وجه غلام، فقال: ((لا تضرب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته)). والمعنى الذي ذهب إليه هذا المؤول لا يلاءم هذا القول.

وأهل الحق في تأويل ذلك على طبقتين: إحداهما: المتنزهون عن التأويل مع نفي التشبيه وعدم الركون إلى مسميات الجنس، وإحالة المعنى فيه إلى علم الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علما، وهذا ((أسلم الطريقين. والطبقة الأخرى يرون الإضافة فيها إضافة تكريم وتشريف.

وذلك أن الله تعالى خلق آدم أبا البشر على صورة لم يشاكلها شيء من الصور والجمال والكمال وكثرة ما احتوت عليه من الفوائد الجليلة، فاستحقت الصورة البشرية أن تكرم ولا تهان، اتباعا لسنة الله تعالى فيها وتكريماً لما كرمه.

أقول: تأويل أبي سليمان للحديث في هذا المقام سديد يجب المصير إليه؛ لأن قوله: ((طوله))

ص: 3035

السلام عليكم: فقالوا: السلام عليك ورحمة الله)) قال: ((فزادوه ورحمة الله)). قال: ((فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن)). متفق عليه.

ــ

بيان لقوله: ((على صورته)) كأنه قيل: خلق آدم على ما عرف من صورته الحسنة وشكله وهيئته من الجمال والكمال وطول القامة، كما قال تعالى:{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} .

وإنما خص الطول منها؛ لأنه لم يكن متعارفاً بين الناس. وورد أيضاً في رواية أبي هريرة من الترمذي في الفصل الثالث: لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذنه إلى قوله: اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل: السلام عليكم.

وتخصيص الحمد بالذكر إشارة إلى بيان قدرته الباهرة ونعمته المتظاهرة؛ لأن الحمد هو الثناء على الجميل من الفضل والإفضال؛ وذلك أن الله تعالى أبدعه إبداعاً جميلاً، وأنشأه خلقاً سويا صحيحاً فعطس، فإنه مشعر بصحة المزاج فوجب الحمد على ذلك. ولا ارتياب أن وقوفه على قدرة الله تعالى وإفضاله عليه لم يكن إلا بتوفيقه وتيسيره.

وفي فاء التعقيب إشارة إلى هذا المعنى، ثم إنه تعالى لما وفقه لقيام الشر على نعمه السابقة، وأوقفه على قدرته الكاملة البالغة، علمه كيفية المعاشرة مع الخلق، حتى يفوز بحسن الخلق مع الخلق بعد تعظيم الحق. وأما تخصيص السلام بالذكر، فإنه فتح باب المودات، وتأليف قلوب الإخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان كما ورد:((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تجاوبوا- إلى قوله- أفشوا السلام)).

قوله: ((فكل)) بالفاء في البخاري وجميع نسخ المصابيح، وهو مرتب على ما تقدم من قوله:((خلق الله آدم على صورته)) وذلك يؤيد ما ذكرنا في تأييد قول الخطابي من قولنا: خلق آدم على ما عرف من صورته الحسنة، وشكله وهيئته من الجمال والكمال وطول القامة ثم إن أولاده لم يزالوا ينقصون في الجمال والطول حتى الآن. فإذا دخلوا الجنة عادوا إلى ما كان عليه أبوهم من الحسن والجمال وطول القامة فالفاء [إذا] فصيحة. وقوله:((ما يحيونك)) بالحاء المهملة والياء المثناة من تحت، والواو، صح في الأصول، وبالجيم والياء والباء مغير كما في بعض نسخ المصابيح.

ص: 3036

4629 -

وعن عبد الله بن عمرو: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) تعرف عليه.

4630 -

وعن أبي هريرة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للمؤمن على المؤمن ست خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويشمته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد)) لم أجده ((في الصحيحين)) ولا في كتاب الحميدي، ولكن ذكره صاحب ((الجامع)) برواية النسائي. [4630]

4631 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)). رواه مسلم.

ــ

الحديث الثاني عن عبد الله: قوله: ((أي الإسلام خير)) السؤال وقع عما يتصل بحقوق الآدميين من الخصال دون غيرها، بدليل أنه صلى الله عليه ولسم أجاب عنها دون غيرها من الخصال. ((تو)): أي: أي خصال أهل الإسلام وآدابهم أفضل؟ ويدل عليه الجواب بالإطعام والسلام على من عرف أو لم يعرف. ولعل تخصيصهما لعلمه بأنهما يناسبان حال السائل، ولذلك أسندهما إليه فقال:((تطعم الطعام وتقرأ السلام)) أو علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسأل عما يعامل به المسلمين في إسلامة فأخبره بذلك، ثم رأي أن يجيب عن سؤاله بإضافة الفعل إليه؛ ليكون أدعى إلى العمل، والخبر قد يقع موقع الأمر. قوله:((وتقرأ السلام)) ((نه)): يقال: أقرأ فلانا السلام وأقرأ عليه السلام؛ كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ويشمته)) ((نه)): التشميت بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما يقال: شمت فلانا وشمت عليه تشميتا فهو مشمت. واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله. وقيل: معناه أبعدك الله عن الشمتة وجنبك ما يشمت به عليك. انتهى كلامه.

وقيل: ((وينصح له)) أي يريد خيره في حضوره وغيبته، فلا يتملق في حضوره ويغتاب في غيبته، فإن هذا صفة المنافقين، والنصح إرادة الخير.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا)) ((مح)): هكذا في جميع الأصول والروايات: ((ولا تؤمنوا)) بحذف النون إلى آخره.

ص: 3037

3632 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير)). متفق عليه.

4632 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير)). رواه البخاري.

4634 -

وعن أنس، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان، فسلم عليهم. متفق عليه.

ــ

أقول: ولعل سقوط النون من المنفي نظراً إلى لفظ السابق ليعلق به أمر آخر. ونحن استقرأنا نسخ مسلم والحميدي وجامع الأصول وبعض نسخ الأصول، فوجدناها مثبتة بالنون على الظاهر.

واعلم أنه تعالى جعل إفشاء السلام سبباً للمحبة، والمحبة سبباً لكمال الإيمان؛ لأن إفشاء السلام سبب للتحاب والتواد، وهو سبب الألفة والجمعية بين المسلمين المسبب لكمال الدين وإعلاء كلمة الإسلام. وفي التهاجر والتقاطع والشحناء التفرقة بين المسلمين، وهو سبب لانثلام الدين والوهن في الإسلام، وجعل كلمة الذين كفروا العليا؛ قال الله تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} الآية.

الحديث الخامس والسادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يسلم الراكب)) إنما يستحب ابتداء السلام للراكب؛ لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف بين الملتقيين إذا التقيا أو من أحدهما في الغالب، أو لمعنى التواضع المناسب لحال المؤمن، أو لمعنى التعظيم؛ لأن السلام إنما يقصد به أحد الأمرين: إما اكتساب ود، أو استدفاع مكروه، قاله أقضى القضاة الماوردى. فالراكب يسلم على الماشي وهو على القاعد للإيذان بالسلامة وإزالة الخوف، [والكثير على القليل] للتواضع، والصغير على الكبير للتوقير والتعظيم.

((مح)): وهذا الأدب هو فيما إذا تلاقا اثنان في طريق، أما إذا ورد على قعود أو قاعد، فإن الوارد يبدأ بالسلام بكل حال، سواء كان صغيراً أو كبيراً أو قليلاً أو كثيراً، قال المتولي: إذا لقى رجل جماعة فأراد أن يخص طائفة منهم بالسلام كره؛ لأن القصد من السلام المؤانسة والألفة. وفي تخصيص البعض إيحاش الباقين، وربما صار سبباً للعداوة، وإذا مشى في السوق والشوارع المطروقة كثيراً فالسلام هنا إنما يكون لبعض الناس دون بعض؛ لأنه لو سلم على كل لتشاغل به عن كل [مهم] ويخرج به عن العرف.

الحديث السابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فسلم عليهم)) ((مح)): فيه استحباب السلام على

ص: 3038

4635 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)). رواه مسلم.

4636 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليك. فقل: وعليك)). متفق عليه.

4637 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)). متفق عليه.

4638 -

وعن عائشة، قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم. فقلت: بل عليكم السام واللعنة فقال: ((يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)): قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: ((قد قلت: وعليكم)).

ــ

الناس كلهم حتى الصبيان المميزين، وبيان تواضعه وكمال شفقته على العالمين. ولو سلم على رجال وصبيان، ورد صبي منهم، الأصح أنه يسقط فرض الرد، كما تسقط صلاة الجنائز بصلاة الصبي. ولو سلم على جماعة ورد غيرهم، لم يسقط الرد منهم، فإن اقتصروا على رده أثموا.

وأما المرأة مع الرجل: فإن كانت زوجته أو جاريته أو محرماً من محارمه فهي معه كالرجل، وإن كانت أجنبية، فإن كانت جميلة يخاف الافتتان بها، لا يسلم الرجل عليها. ولو سلم لم يجز لها رد الجواب ولا تسلم عليه، فإن سلمت لم تستحق جواباً، فإن أجابها كره له.

وإن كانت عجوزاً لا يفتتن بها، جاز أن تسلم على الرجل وعليه الرد. قاله أبو سعيد المتولي: قال: وإذا كان النساء جماعة فسلم عليهن الرجل، أو كان الرجال جمعاً، فسلموا على المرأة الواحدة جاز، إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها أو عليهم فتنة.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تبدءوا اليهود)) ((مح)): قال بعض أصحابنا: يكره ابتداؤهم بالسلام، ولا يحرم، وهذا ضعيف؛ لأن النهي للتحريم، فالصواب تحريم ابتدائهم. وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم للضرورة والحاجة. وهو قول علقمة والنخعى. وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون. وأما المبتدع، فالمختار أن لا يبدأ بالسلام إلا لعذر وخوف من مفسدة. ولو سلم على من لم يعرفه فبان ذمياً، استحب أن يسترد سلامه بأن يقول: استرجعت سلامي تحقيراً له. وقال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر إلى أضيقه، ولكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ونحوها. وإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج.

الحديث التاسع إلى الحادي عشر عن عائشة رضي الله عنها: ((قد قلت: وعليكم)) ((مح)):

ص: 3039

وفي رواية: ((عليكم)) ولم يذكر الواو. متفق عيه.

وفي رواية للبخاري. قال: إن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك. قال: ((وعيكم)) فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مهلا يا عائشة! عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش)). قال: أولم

ــ

اتفقوا على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا. لكن لا يقال لهم: وعليكم السلام، بل يقال: عليكم فقط أو وعليكم. وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم ((عليكم وعليكم)) بإثبات الواو وحذفها، وأكثر الروايات وعليكم بإثباتها. وعلى هذا ففي معناه وجهان: أحدهما أنه على ظاهره، فقالوا: عليكم الموت. فقال: وعليكم أيضاً، أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت. والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك، وتقديره: وعليكم ما تستحقونه من الذم.

قال القاضي عياض: اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو، لئلا تقتضي التشريك. وقال غيره بإثباتها كما هي في الروايات. وقال بعضهم: يقول: وعليكم السلام- بكسر السين- أي الحجارة، وهذا ضعيف. قال الخطابي: حذف الواو هو الصواب؛ لأنه صار كلامهم بعينة مردوداً عليهم خاصة. وإذا أصبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه.

قال الشيخ محيى الدين: والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صرحت به الروايات، وإثباتها أجود ولا مفسدة فيه؛ لأن السام الموت، وهو علينا وعليهم، فلا ضرر فيه. ((تو)): إثبات الواو في الرد عليكم إنما يحمل على معنى الدعاء لهم بالإسلام، إذا لم يعلم منه تعريض بالدعاء علينا. وأما إذا علم ذلك فالوجه فيه أن يكون التقدير: وأقول عليكم ما تستحقونه.

وإنما اختار هذه الصيغة، ليكون أبعد عن الإيحاش وأقرب إلى الرفق؛ فإن رد التحية يكون إما بأحسن منها، أو يقولنا: وعليك السلام، والرد عليهم، بأحسن مما حيونا به لا يجوز لنا ولا رد بأقل من قولنا: وعليك. وأما الرد بغير الواو فظاهر، أي عليكم ما تستحقونه.

((قض)): إذا علم التعريض بالدعاء علينا، فالوجه أن يقدر: وأقول: عليكم ما تريدون بنا أو تستحقونه. ولا يكون ((وعليكم)) عطفا على ((عليكم)) في كلامهم، وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم، ولذلك قال في الحديث الذي قبله:((فقل: عليك)) بغير واو. وقد روى ذلك بالواو أيضاً: أقول: سواء عطف على ((عليكم)) أو على الجملة من حيث هي، لأن المعنى يدور مع إرادة المتكلم، فإذا أردت الاشتراك كان ذلك، وإن لم ترد حملت ذلك على معنى الحصول والوجود، كأنه قيل: حصل منهم ذاك ومنى هذا. قال ابن الحاجب: حروف العطف هي الحروف التي يشرك بها بين المتبوع والتابع في الإعراب، فإذا وقعت بعدها المفردات فلا إشكال، وإذا وقعت الجمل بعدها، فإن كانت من الجم التي هي صالحة لمعمول ما تقدم، كان

ص: 3040

تسمع ما قالوا؟ قال: ((أو لم تسمعي ما قلت، رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في)).

وفي رواية لمسلم. قال: ((لا تكوني فاحشة، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش)).

4639 -

وعن أسامة بن زيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فسلم عليهم. متفق عليه.

ــ

حكمها حكم المفرد في التشريك، كقولك: أصبح زيد قائما وعمرو قاعداً، وشبهه، وإن كانت الجملة معطوفة على غير ذلك كقولك: قام زيد وخرج عمرو.

وبهذا تبين أن معنى الواو على ما ذكرناه من تقدير حصول الأمرين تم كلامه، هذا على تقدير أن تكون جملتين وعطفت إحداهما على الأخرى. وإذا عطفت على الخبر نظراً إلى عطف الجملة على الجملة لا على الاشتراك جاز أيضاً.

قال ابن جني في قوله تعال: {والنجم والشجر يسجدان} ، إن قوله:{والسماء رفعها} عطف على ((يسجدان)) وهو جملة من فعل وفاعل، نحو قولك: قام زيد وعمرواً ضربته. وقال ابن الحاجب في الأمالى في قوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} : الرفع فيه وجهان: أن يكون مشتركا بينه وبين ((تقاتلون)) في العطف، والآخر أن يكون جملة مستقلة معطوفة على الجملة التي قبلها باعتبار الجملة لا باعتبار الإفراد. وقال في الشرح: الرفع على الاشتراك أو على الابتداء بجملة معربة إعراب نفسها، غير مشترك بينها وبين ما قبلها في عامل واحد، إذ الجملة الاسمية لا تكون معطوفة على جملة فعلية باعتبار التشريك ولكن باعتبار الاستقلال.

انتهى كلامه.

والسام الموت وألفه منقلبه عن واو. ورواه قتادة مهموزاً وقال: معناه: تسأمون دينكم. يقال: سئمة، ورواه غيره:((السام)) وهو الموت، فإن كان عربيا فهو من سام يسوم إذا مضى؛ لأن الموت مضى. و ((الفحِش)) هو ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وأراد به هنا التعدي في القول والجواب لا الفحش الذي هو من رديء الكلام. و ((المتفحش)) الذي يتكلف ذلك ويتعمده.

الحديث الثاني عشر عن أسامة: قوله: ((فسلم عليهم)) ((مح)): لو مر على جماعة منهم مسلمون أو مسلم وكفار، فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين أو المسلم. ولو كتب كتابا إلى مشرك فالسنة أن يكتب كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل:((سلام على من اتبع الهدى)).

وقوله: ((عبدة الأوثان)) بدل من ((المشركين))، وكذا قوله:((واليهود))، وجعلهم مشركين إما لقولهم: عزيز ابن الله، وإما للتغليب أو للتقدير، كقولك:

متقلداً سفا ورمحاً

ص: 3041

4640 -

وعن أبي سعيد الخدرى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إياكم والجلوس بالطرقات)). فقالوا: يا رسول الله! مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها. قال: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)). قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)). متفق عليه.

4641 -

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال:((وإرشاد السبيل)). رواه أبو داود عقيب حديث الخدرى هكذا. [4641]

4642 -

وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال:((وتغيثوا الملهوف، وتهدوا الضال)). رواه أبو داود عقيب حديث أبي هريرة هكذا، ولم أجدهما في ((الصحيحين)). [4642]

الفصل الثاني

4643 -

عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((للمسلم على المسلم ست بالمعروف: يسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه. رواه الترمذي، والدارمى. [4643]

ــ

الحديث الثالث عشر إلى الخامس عشر عن أبي سغيد: قوله: ((مالنا من مجالسنا بد)) ((من مجالسنا)) متلق بقوله: ((بد)) أي مالنا فراق منها. قوله: ((وتغيثوا)) عطف على قوله: وإرشاد السبيل)) وحذف النون على تقدير ((أن)) كقوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا)) الكشاف: {وحياُ

أو يرسل} مصدران واقعان موقع الحال، لأن {أو يرسل} في معنى إرسالا. والفرق بين إرشاد السبيل وهداية الضال إن إرشاد السبيل وهداية الضال أن إرشاد السبيل أعم من هداية الضال.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن علي رضي الله عنه: قوله: ((بالمعروف)) صفة بعد صفة لموصوف محذوف،

ص: 3042

4644 -

وعن عمران بن حصين، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((عشر)). ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه، فجلس، فقال:((عشرون)) ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال:((ثلاثون)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4644]

ــ

يعني للمسلم خصال على المسلم ست ملتبسة بالمعروف، وهو ما عرف في الشرع والعقل حسنه. الحديث الثاني والثالث عن عمران: قوله: ((عشر)) أي له عشر حسنات، أو كتب له عشر حسنات أو المكتوب له. ((مح)): اعلم أن أفضل السلام أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلم عليه واحداً. ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله:((وعليكم السلام)). وأقل السلام أن يقول: السلام عليكم. وإن قال: السلام عليك أو سلام عليك حصل أيضاً. وأما الجواب فأقله: وعليك السلام أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو أجزأه. واتفقوا على أنه لو قال في الجواب: عليكم لم يكن جواباً.

فلو قال: وعليكم بالواو فهل يكون جواباً؟ فيه وجهان: " قال الإمام الحين الواحدي في تعريف السلام وتنكيره بالخيار. قال الشيخ محيى الدين: ولكن الألف واللام أولى. وإذا تلاقى رجلان وسلم كل واحد منهما على صاحبه دفعة واحدة، أو أحدهما بعد الآخر، فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعيد المتولي: يصير كل واحد منهما مبتدئاً بالسلام، فيجب على كل واحد أن يرد على صاحبه. وقال الشاشي: فيه نظر، فإن هذا اللفظ يصلح للجواب، فإذا كان أحدهما بعد الآخر كان جواباً، وإن كان دفعة لم يكن جواباً، قال: وهو الصواب. وإذا قال المبتدئ: وعليكم السلام، قال المتولي: لا يكون ذلك سلاماً فلا يستحق جواباً. ولو قال بغير واو فقطع الإمام الواحدي بأنه سلام، يتحتم على المخاطب به الجواب. وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد، وهو الظاهر وقد جزم به إمام الحرمين: انتهى كلامه.

فإن قلت: بين لي الفرق بين قولك: سلام عليكم والسلام عليكم. قلت: لا بد للمعرف باللام من معهود، إما خارجي أو ذهني، فإذا ذهب إلى الأول كان المراد السلام الذي سلمه آدم عليه السلام على الملائكة في قوله صلى الله عليه وسلم:((قال لآدم: اذهب فسلم على أولئك النفر فإنها تحيتك وتحية ذريتك)).

وإلى الثاني كان المراد جنس السلام الذي يعرفه كل واحد من المسلمين أنه ماهو، فيكون تعريضاً بأن ضده لغيرهم من الكفار، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {والسلام على من اتبع

ص: 3043

4645 -

عن معاذ بن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، وزاد، ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال:((أربعون)) وقال: ((هكذا تكون الفضائل)). رواه أبو داود. [4645]

4646 -

وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود. [4646]

4647 -

وعن جرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على نسوة فسلم عليهن. رواه أحمد. [4647]

4648 -

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يجزئ عن الجماعة إذا

ــ

الهدى))، فظهر من هذا أيضاً الفرق بين توارد السلامين معاً، وبين ترتب أحدهما على الآخر، وذلك أنه إذا تواردا كان الإشارة منهما إلى أحد المعنيين المذكورين فلا يحصل الرد.

وإذا تأخر كان المشار إليه ما يلفظ به المبتدئ، فيصبح الرد، مكانه قال: السلام الذي وجهته إلى فقد رددته عليك. والله أعلم. وذهب إلى مثل هذا الفرق في التنكير والتعريف الكشاف في سورة مريم.

الحديث الرابع عن أبي أمامه: قوله: ((إن أولى الناس)) أي أقرب الناس من المتلاقين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام. الكشاف في قوله تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم} أي إن أخصهم به وأقربهم منه. ((حس)): عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: مما يصفي لك ود أخيك ثلاث: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه، وأن توسع له في المجلس. ((مح)): ابتداء السلام سنة مستحبة ليست بواجبة، وهي سنة على الكفاية، فإن كان المسلم جماعة كفي منهم تسليم واحد منهم، ولو سلموا كلهم كان أفضل. قال القاضي حسين: ليس لنا سنة على الكفاية إلا هذا. وقال الشيخ: تشميت العاطس أيضاً سنة على الكفاية، وكذا الأضحية سنة في حق كل واحد من أهل البيت، فإذا ضحى واحد منهم حصل الشعار والسنة لجميعهم.

الحديث الخامس والسادس عن علي رضي الله عنه: قوله: ((وهو شيخ أبي داود)) كلام

ص: 3044

مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم. رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) مرفوعاً. ورواه أبو داود، وقال: رفعه الحسن بن علي، وهو شيخ أبي داود. [4648]

4649 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ((ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف)). رواه الترمذي، وقال: إسناده ضعيف.

4650 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه، فليسلم عليه)). رواه أبو داود. [4650]

ــ

المؤلف، أراد أن إسناد هذا الحديث قد روى موقوفاً، ورفعه الحسن بن على شيخ أبي داود: حدثنا أبو داود، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الملك بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن خالد قال: حدثني عبد الله بن الفضل؛ حدثنا عبيد الله بن أبي رافع عن على بن أبي طالب ((قال أبو داود: رفعه الحسن بن علي شيخ أبي داود)) قال: يجزئ عن الجماعة إلخ الحديث ويوافقه ما في المصابيح عن علي رضي الله عنه رفعه.

الحديث السابع عن عمرو: قوله: ((إسناده ضعيف)) فيه إيماء إلى أن الحكم قد يكون على خلافه وليس كذلك. ((مح)): روينا عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة؛ يدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث. وقال في روايته:((فسلم علينا)).

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فإن حالت بينهما شجرة)) حث على إفشاء السلام، وأن يكرر عند كل تغير حال، ولكل جاء وغاد. ((مح)): روينا في موطأ الإمام مالك: أن الطفيل أخبر أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق. قال: قلت له ذات يوم: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ فقال: إنما نغدوا من أجل السلام ونسلم على من لقينا.

ويستثنى من ذلك مقامات ومواضع منها: إذا كان مشتغلا بالبول والجماع ونحوهما فيكره أن

ص: 3045

4651 -

وعن قتادة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلتم بيتاً فسلموا على أهله، وإذا خرجتم فأودوا أهله بسلام)). رواه البيهقي في ((شهب الإيمان)) مرسلا. [4651]

4652 -

وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم [يكون] بركة عليك وعلى أهل بيتك)). رواه الترمذي. [4652]

4653 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السلام قبل الكلام)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث منكر. [4653]

ــ

يسلم عليه. ومنهما: إذا كان نائماً أو ناعسا أو مصلياً، أو مؤذناً في حال أذانه أو كان في حمام ونحوه، أو كان آكلا واللقمة في فمه. فإن سلم عليه في هذه الأحوال لا يستحق جواباً. وأما إذا كان في حالة المبايعة من المعاملات فيسلم ويجب الجواب.

وأما السلام في حال خطبة الجمعة فقال أصحابنا: يكره الابتداء به، لأنهم مأمورون بالإنصات، فإن خالف وسلم فهل يرد عليه؟ فيه خلاف: منهم من قال: لا يرد، ومنهم من قال: إن قلنا: إن الإنصات واجب لا يرد، وإن قلنا: سنة، رد عليه واحد من الحاضرين فحسب. وأما السلام على القارئ فقال الواحدي: الأولى ترك السلام عليه، وإن سلم عليه كفاء الرد بالإشارة.

وإن رد باللفظ استأنف الاستعاذة. قال: والظاهر أنه يجب الرد باللفظ.

الحديث التاسع عن قتادة: قوله: ((فأودعوا)) هو من الإيداع أي اجعلوا السلام وديعة عندهم كي ترجعوا إليهم وتستردوا وديعتكم، فإن الودائع تستعاد تفاؤلا للسلامة والمعاودة مرة بعد مرة أخرى. وأنشد:

[فلا بد لي من جهلة في وصاله فمن لي بخل أودع الحلم عنده]

اللطف فيه أنه لم يعزم على مفارقة الحكم؛ لأن الودائع تستعاد.

الحديث العاشر والحادي عشر عن جابر: قوله: ((منكر)) ((تو)): لأن مداره على عنبسة بن عبد الرحمن وهو ضعيف جداً، ثم إنه يرويه عن محمد بن زاذان وهو منكر الحديث. وكذلك حديثه الآخر:((إذا كتب أحدكم كتاباً فليتربه)) والمحنة فيه من قبل حمزة بن عمرو النصيبي، فإنه الراوي عن أبي الزبير عن جابر وكذلك الحديث الذي يتلوه:((ضع القلم على أذنيك)) ومداره

ص: 3046

4654 -

وعن عمران بن حصين، قال: كنا في الجاهلية نقول: أنعم الله بك عيناً، وأنعم صباحاً. فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك. رواه أبو داود. [4654]

4655 -

وعن غالب رحمه الله، قال: إنا لجلوس بباب الحسن البصري، إذ جاء رجل فقال: حدثني أبي، عن جدي، قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام. قال: فأتيته؛ فقلت: أبي يقرئك السلام. فقال: ((عليك وعلى أبيك السلام)). رواه أبو داود. [4655]

ــ

أيضا على عنبسة بن عبد الرحمن، ومحمد بن زاذان، وقد وجدناه في كتاب المصابيح. وقد أخطأ فيه في قوله:((على أذنيك)) وإنما هو على أذنك.

الحديث الثاني عشر عن عمران: قوله: ((أنعم الله بك عيناً)) الجوهري: النعم بالضم خلاف البؤس، ونعم الشيء بالضم نعومة أي صار ناعما لينا ويقال: أنعم الله عليك من النعمة، وأنعم الله صباحك من النعومة. وأنعم الله بك عيناً أي أقر الله عينك بمن تحبه. وكذلك نعم الله بك عيناً.

((نه)) في حديث مطرف: ((لا تقل: نعم الله بك عينا؛ فإن الله لا ينعم بأحد عينا، ولكن قل: أنعم الله بك عينا)). قال الزمخشري: الذي منع منه مطرف صحيح فصيح في كلامهم.

و ((عينا)) نصب على التمييز من الكاف، والباء للتعدية، والمعنى: نعمك الله عينا أي نعم عينك وأقرها. وقد يحذفون الجار ويوصلون الفعل فيقولون: نعمك الله عينا، وأما أنعم الله بك عينا، فالباء فيه للتعدية، لأن الهمزة كافية في التعدية يقال: نعم زيد عينا وأنعمه الله عينا.

ويجوز أن يكون من ((أنعم)) إذا دخل في النعيم فيعدى بالباء. قال: ولعل مطرفاً خيل إليه أن انتصاب المميز في هذا الكلام عن الفاعل فاستعظمه، تعالى الله أن يوصف بالحواس علواً كبيرً كما يقولون: نعمت بهذا الأمر عينا والباء للتعدية فحسب أن الأمر في ((نعم الله بك عينا)) كذلك.

أقول: يحتمل أن تكون الباء سببية و ((عينا)) مفعول ((أنعم)) والتنكير فيه للتفخيم أي أنعم الله بسببك عينا. وأي عين غير من يحبك، فيكون كناية عن خفض عيشة ورفاهية لا يحوم حولها خشونة. وقوله:((وأنعم صباحاً)) معناه طاب عيشك في الصباح، وإنما خص الصباح به؛ لأن الغارات والمكاره تقع صباحاً.

ص: 3047

4656 -

وعن أبي العلاء بن الحضرمي، أن العلاء الحضرمي كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا كتب إليه، بدأ بنفسه. رواه أبو داود.

4657 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا كتب أحدكم كتاباً فليتربه، فإنه أنجح للحاجة)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث منكر. [4657]

4658 -

وعن زيد بن ثابت، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه كاتب، فسمعته يقول:((ضع القلم على أذنك؛ فإنه أذكر للمال)). رواه الترمذي، وقالك هذا حديث غريب، وفي إسناده ضعف. [4658]

4659 -

وعنه، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية وفي رواية: إنه

ــ

الحديث الثالث عشر والرابع عشر عن أبي العلاء: قوله: ((بدأ بنفسه)) ((مظ)): كان يكتب: هذا من العلاء الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبوا من لسانه: هذا من رسول الله إلى عظيم البحرين وغيره من الملوك. انتهى كلامه. والمقصود من إيراد هذا في باب السلام أنهذا كان مقدمة السلام، يدل عليه قوله في كتابه إلى هرقل:((من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى)).

الحديث الخامس عن جابر: قوله: ((فليتربه)) أي يسقطه على التراب حتى يصير أقرب إلى المقصد. قال أهل التحقيق: إنما أمره بالإسقاط على التراب اعتماداُ على الحق سبحانه في إيصاله إلى المقصد. وقيل: المراد به ذر التراب على المكتوب: ((مظ)): قيل: معناه فليخاطب الكاتب خطاباً على غاية التواضع، والمراد بالتتريب المبالغة في التواضع في الخطاب.

الحديث السادس عشر عن زيد: قوله: ((ضع القلم على أذنك)) قيل: والسر في ذلك أن القلم أحد اللسانين المترجمين عما في القلب من الكلام وفنون العبارات، فتارة يترجم عنه اللسان اللحمي المعبر عنه بالقول، وتارة يعبر عنه بالقلم وهو المسمى بالكتابة. وكل واحد من اللسانين يسمع ما يريد من القول وفنون الكلام من القلب، ومحل الاستماع الأذن، فاللسان موضوع دائما على محل الاستماع ودرج القلب، فلم يزل يستمع منه الكلام، والقلم منفصل عنه خارج عن محل الاستماع، فيحتاج في الاستماع إلى القرب من محل الاستماع، والدنو إلى طريقه ليستمع من القلب ما يريده من العبارات وفنون الكلام ويكتب.

الحديث السابع عشر عن زيد رضي الله عنه قوله: ((ماآمن يهود على كتاب)) استعمل

ص: 3048

أمرني أن أتعلم كتاب يهود، وقال:((إني ما آمن يهود على كتاب)) قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت. فكان إذا كتب إلى يهود كتبت، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم. رواه الترمذي. [4659]

4660 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم؛ فإن بدا له أن يجلس فيجلس، ثم إذا قام فليسلم؛ فليست الأولى بأحق منا لآخرة)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4660]

4661 -

وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا خير في جلوس في الطرقات، إلا لمن. هدى السبيل، ورد التحية، وغض البصر، وأعان على الحمولة)). رواه في شرح السنة)). [4661]

ــ

بـ ((على)) فإن نفي الأمن عبارة عن الخوف كأنه قال: أخاف على كتابي، كما قالت إخوة يوسف:{مالك لا تأمنا على يوسف} . ((مظ)): أي أخاف إن أمرت يهوديا بأن يكتب مني كتابا إلى اليهود أن يزيد فيه أو ينقص. وأخاف إن جاء كتاب منا ليهود فيقرأه يهودي فيزيد وينقص فيه.

وقوله: ((حتى تعلمت)) معناه مقدر أي ما مربى نصف شهر في التعليم، حتى كمل تعليمي.

قيل: وفيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا للتوقي والحذر عن الوقوع في الشر.

الحديث الثامن عشر عن أبي هريرة: قوله: ((فليست الأولى بأحق)) قيل: كما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذلك الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند الغيبة، وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة، بل الثانية أولى.

((مح)) ظاهر هذا الحديث يدل على أنه يجب على الجماعة رد السلام على الذي سلم على الجماعة عند المفارقة. قال القاضي حسين وأبو سعيد المتولي: جرت عادة بعض الناس بالسلام عند المفارقة، وذلك دعاء يستحب جوابه ولا يجب، لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف. وأنكره الشاشي وقال: إن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند اللقاء، فكما يجب الرد عند اللقاء كذلك عند الانصراف، وهذا هو الصحيح.

الحديث التاسع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وأعان على الحمولة)) هي بالفتح ما يحمل الأثقال من الدواب وبالضم الأحمال أي يعين صاحبه على حمل الأثقال على الحمولة.

ص: 3049

وذكر حديث أبي جري في ((باب فضل الصدقة)).

الفصل الثالث

4662 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذنه، فقال له ربه: يرحمك الله يا آدم! اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس، فقل: السلام عليكم فقال: السلام عليكم. قالوا: عليك السلام ورحمة الله. ثم رجع إلى ربه، فقال: إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم. فقال له الله ويداه مقبوضتان: اختر أيتهما شئت. فقال: اخترت يمين ربي وكلتا يدى ربي يمين مباركة، ثم بسطها، فإذا آدم وذريته، فقال: أي

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((فقال: الحمد لله)) أي فأراد أن يقول: الحمد لله.

فحمد الله بإذنه أي بتيسيره وتوفيقه. وقد سبق تأويله في الحديث الأول من هذا الباب وقوله: ((إلى ملأ منهم جلوس)) يحتمل أن يكون بدلا، فيكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لكلام الله تعالى، وهو إلى الحال أقرب منه إلى البدل يعني قال الله تعالى:((أولئك)) مشيراً به إلى ملأ منهم، ثم رجع إلى ربه أي مكان كلمه ربه فيه.

[قوله: ((وكلتا يدي ربي يمين)) كالتتميم صوناً لما يتوهم من إثبات الجارحة من الكلام السابق. وللشيخ أبي بكر بن محمد بن الحسن بن فورك كلام تين فيه قال: واليدان إن حملتا على معنى القدرة والملك صح. وإن حملتا على معنى النعمة والأثر الحسن صح، لأن ذلك مما حدث في ملكه بتقديره وعن ظهور نعمته على بعضهم، ثم قال: قد ذكر بعض مشايخنا! أن الله عز وجل هو الموصوف بيد الصفة لا بيد الجارحة، وإنما تكون يد الجارحة يميناً ويساراً؛ لأنهما يكونان لمتبعض ومتجزئ ذي أعضاء، ولما لم يكن ما وصف الرب به يد جارحة بين صلى الله عليه وسلم بما قال، أي ليست هي يد جارحة.

وقيل: إن المراد أن الله عز وجل لما وصف باليدين، ويدا الجارحة تكون إحداهما يميناً والأخرى يساراً، واليسرى ناقصة في القوة والبطش، عرفنا صلى الله عليه وسلم كمال صفة الله عز وجل، وأنها لا نقص فيها، ويحتمل أن يكون معناه أن آدم عليه السلام لما قيل له: اختر أيتها شئت فقال: اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين. أراد به لسان الشكر والنعمة، لا لسان الحكم والاعتراف بالملك، فذكر الفضل والنعمة؛ لأن جميع ما يبديه عز وجل من مننه فضل وطول، من مبتدأ من منفوع ينفعه، ومن مدفوع عنه يحرسه، فقصد الشكر والتعظيم للمنة.

قيل: أراد به وصف الله تعالى بغاية الجود والكرم والإحسان والتفضيل؛ وذلك أن العرب

ص: 3050

رب! ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه، فإذا فيهم رجل أضوؤهم- أو من أضوئهم- قال: يارب! من هذا؟ قال: هذا ابنك داود وقد

ــ

تقول لمن هو كذلك: كلتا يديه يمين، وإذا نقص حظ الرجل وبخس نصيبه، قيل: جعل سهمه في الشمال، وإذا لم يكن عنده اجتلاب منفعة ولا دفع مضرة قيل: ليس فلان باليمين ولا بالشمال. وقال أيضا في حديث آخر نحوه: ((إن ذلك كان من ملك أمره الله عز وجل بجمع أجزاء الطين من جملة الأرض، أمره بخلطها بيديه، فخرج كل طيب بيمينه، وكل خبيث بشماله)) فتكون اليمين والشمال للملك، فأضاف إلى الله تعالى من حيث كان عن أمره. وجعل كون بعضهم في يمين الملك علامة لأهل الخير منهم، وكون بعضهم في شماله علامة لأهل الشر منهم، ولذلك ينادون يوم القيامة بأصحاب اليمين وأصحاب الشمال.

أقول وبالله التوفيق: وتقريره على طريقة أصحاب البيان هو أن إطلاق اليد على القدرة تارة، وعلى النعمة أخرى من إطلاق السبب على المسبب؛ لأن القدرة والنعمة صادرتان عنها وهي منشؤهما، وكذلك القدرة منشأ الفعل، والفعل إما خير أو شر أو إضلال أو هداية. ((واليدان)) في الحديث إذا حملتا على القدرة منشأ الفعل، والفعل إما خير أو شر أو إضلال أو هداية. ((واليدان)) في الحديث إذا حملتا على القدرة منشأ الفعل، والفعل إما خير أو شر أو إضلال أو هداية. فاليمين عبارة عن خلق الهدى والإيمان. وإليه الإشارة بقوله:((فإذا فيهم رجل أضوؤهم)) على أفعل التفضي الذي يقتضي الشركة. والشمال على عكسها. ومعنى ((كلتا يديه يمين)):أن كلا من خلق الخير والشر والإيمان والكفر من الله تعالى عدل وحكمة، لأنه عزيز يتصرف في ملكه كيف يشاء: ولا مانع له فيه ولا منازع، حكيم يعلم بلطيف حكمته ما يخفي على الخلق. قال تعالى:} فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم {فمعنى اليمين كما في قول الشاعر:

إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين

أي بتدبيره الأحسن وتحريه الأصوب. وإذا حملتا على النعمة كان اليمين المبسوطة عبارة عن منح الألطاف وتيسير اليسرى على أهل السعادة من أصحاب اليمين والشمال المقبوضة على عكسها. ومعنى ((كلتا يديه يمين)) على ما سبق، قال تعالى:} الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم {.الفاصلتان في الآيتان أعني} العزيز الحكيم {و} بكل شيء عليم {ملوحتان إلى معنى ما في الحديث في قوله: ((كلتا يديه يمين)).و} الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله {والله أعلم].

ص: 3051

كتبت له عمرة أربعين سنة. قال: يارب زد في عمره. قال: ذلك الذي كتبت له. قال: أي رب! فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة. قال: أنت وذاك. قال: ثم سكن الجنة ما شاء الله، ثم أهبط منها، وكان آدم يعد لنفسه، فأتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد عجلت، قد كتب لي ألف سنة. قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة، فجحد فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته)) قال:((فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود)) رواه الترمذي. [4662]

4663 -

وعن أسماء بنت زيد، قالت: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فسلم علينا. رواه أبو داود، وابن ماجه، والدرامي. [4663]

ــ

قوله: ((فإذا فيها آدم وذريته)) مقول النبي صلى الله عليه وسلم، يعني رأي آدم مثاله ومثل بنيه في عالم الغيب. قوله:((ما هؤلاء)) ذكر ((ما)) أولا؛ لأنه ما عرف ما رآه ثم لما قيل له: وهم ذريتك فعرفهم، فقال: من هذا. وقوله: ((أو من أضوئهم)) هو من شك الراوي. فعلى هذا ((من أضوئهم)) صفة ((رجل)) و ((فيهم)) خبره، وعلى إسقاط ((من)) هو مستأنف، أي: هو أضوؤهم. وليس المعنى بقوله: ((أضوؤهم)) أن سائر الأنبياء دونه في الضوء والإشراق، بل لبيان فضله وجمعه بين النبوة والملك، وإفاضة نور العدل من الله تعالى عليه، وأنه خليفة الله في أرضه. قال الله تعالى:} إنا جعلناك خليفة الله في الأرض فاحكم بين الناس بالحق {،فأفعل هنا كما في قول الأنمرية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. على ما مر مرارا. وقوله: ((عمره أربعين سنة)) مفعول ((كتبت)) ومؤدي المكتوب؛ لأن المكتوب عمره أربعون سنة، ونصب ((أربعين)) على المصدر على تأويل كتبت له أن يعمر أربعين سنة. وقوله:((ذلك الذي)) المبتدأ والخبر معرفتان فيفيد الحصر، أي لا مزيد على ذلك ولا نقصان عنه، وكان ذلك حين وهب ثم رجع.

قوله: ((قال: أي رب فإني قد جعلت)) أي في موضعين ((بأي)) التي تستعمل للمنادى القريب حيث نظر إلى قربه من الحضرة الربوبية، ورأي الكلامين في خاصة نفسه، وفي موضعين بـ ((يا)) المستعملة للبعيد نظرا إلى غيره. وقوله:((أنت ذاك)) نحو قولهم: ((كل رجل وضيعته)) أي أنت مع مطلوبك مقرونان، ويعد لنفسه ما قدر له ويراعي أوقات أجله سنة فسنة، فلما بلغ تسعمائة وأربعين أتاه ملك الموت. وقوله:((نسي فنسيت ذريته)) يشير إلى قوله تعالى:} ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما {.

الحديث الثاني عن أسماء: قوله: ((في نسوة)) غير متعلق بالفاعل، لئلا يلزم منه مرور رسول

ص: 3052

4664 -

وعن الطفيل بن أبي بن كعب: أنه كان يأتي ابن عمر فيغدو معه إلى السوق. قال: فإذا غدونا إلى السوق، ولم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا على صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا على أحد إلا وسلم عليه. قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوما، فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس الأسواق؟ فاجلس بنا ها هنا نتحدث: قال: فقال لي عبد الله بن عمر: يا أبا بطن! –قال: وكان الطفيل ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقيناه. رواه مالك، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4664]

4665 -

وعن جابر، قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لفلان في حائطي عذق، وإنه قد آذاني مكان عذقه، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم:((أن بعني عذقك)) قال: لا. قال: ((فهب لي)).قال: لا. قال: ((فبعني بعذق في الجنة)).فقال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيت ما هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام)) رواه أحمد، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4665]

ــ

الله صلى الله عليه وسلم في زمرة النسوة عليهن، بل هو متعلق بالجار والمجرور وبيان له، وهو من باب قولك: في البيضة عشرون رطلا من حديد، وهي بنفسها هذا المقدار، لا أنها ظرف له يدل عليه ما سبق في شرح الحديث السابع من الفصل الثاني بروايتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما وعصبة من النسوة قعود إلى آخره.

الحديث الثالث عن الطفيل: قوله: ((على سقاط)) هو متاع السقط وهو الرديء من المتاع. وقوله: ((بيعة)) يروى بفتح الباء وهي الصفقة، وبكسرها الحالة كالركبة والقعدة.

الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((عذق)) ((نه)):العذق بالفتح النخلة وبالكسر العرجون بما فيه من الشماريخ، ويجمع على عذاق: قوله: ((قد آذاني مكان عذقه)) أي آذاني عذقه. ونحوه قوله تعالى:} إن كان كبر عليكم مقامي {الكشاف: ((مقامي)) مكاني يعني نفسه كما تقول: فعلت كذا مكان فلان. ويمكن أن يكون الأذى من جهة المكان الذي غرس فيه

ص: 3053