الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5229 -
5230 - * وعن أبي هريرة وأبي خلاد [رضي الله عنهما]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم العبد يعطؤ زهدا في الدنيا، وقلة منطق؛ فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة)). رواهما البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5229]، [5230]
(1) باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الأول
5231 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) رواه مسلم.
ــ
للإسلام)) أي يلطف به بقذف النور فيه حتى يرغب في الإسلام وتسكن إليه نفسه ويحب الدخول فيه. قوله: ((من دار الغرور)) الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان، وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين، وبالدنيا لما قيل: الدنيا تغبر وتضر وتمر، والله أعلم بالصواب.
باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أشعث)) ((قض)): الأشعث: هو المغبر الرأس المتفرق الشعور. وأصل التركيب هو التفرق والانتشار. والصواب مدفوع بالدال أي يدفع عند الدخول على الأعيان والحضور في المحافل فلا يترك أن يلج الباب فضلا أن يحضر معهم.
ويجلس فيما بينهم. و ((لو أقسم على الله لأبره)) أي لو سأل الله شيئا وأقسم عليه أن يفعله لفعله، ولم يخيب دعوته فشبه إجابة المنشد المقسم على غيره بوفاء الحالف على يمينه وبره فيها.
وقيل: معناه لو حلف أن الله يفعله أو لا يفعله صدقه في يمينه وأبره فيها بأن يأتي بما يوفقها. انتهى كلامه. ويشهد لهذا الوجه حديث أنس بن النضر رضي الله عنه: ((لا والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله)) الحديث. ومما يؤيد الأول لفظ ((على الله)) لأنه أراد به المسمى، ولو أريد به اللفظ لقيل: بالله. وأما معنى الإبرار فعلى ما ذهب إليه القاضي من باب الاستعارة والتمثيل، ويجوز أن يكون من باب المشاكلة المعنوية.
الكشاف: شهد رجل عند شريح، فقال: إنك لسبط الشهادة. فقال الرجل: إنها لم تجعد
5232 -
وعن مصعب بن سعد، قال: رأي سعد أن له فضلا على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!)). رواه البخاري.
5233 -
وعن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها من النساء)) متفق عليه.
5234 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء. واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)) متفق عليه.
ــ
عني. والذي سوغ تجعيد الشهادة هو مراعاة المشاكلة، ولولا ذكر سبوطة الشهادة لامتنع تجعيدها.
الحديث الثاني عن مصعب: قوله: ((أن له فضلا)) أي شجاعة وكرما وسخاوة، فأجابه صلى الله عليه وسلم بأن تلك الشجاعة ببركة ضعفاء المسلمين، وتلك السخاوة أيضا ببركتهم، وأبرزه في صورة الاستفهام؛ ليدل على مزيد التقرير والتوبيخ.
الحديث الثالث عن أسامة رضي الله عنه: قوله: ((وأصحاب الجد))، أصحاب الجد هم الأغنياء والجد – بالفتح – الغنى. قوله:((غير أن أصحاب النار)) ((غير)) بمعنى لكن، والمغايرة بحسب التفريق؛ فإن القسم الأول بعضهم محبوس وبعضهم غير محبوس، والثاني غير محبوس، يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو كما سيجيء.
قيل: إن الأغنياء وأرباب الأموال والمناصب محبوسون، حبسوا في العرصات للحساب والجزاء والمكافأة، وقوله:((غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار)) المراد منهم الكفار، أي يساق الكفار إلى النار ويوقف المؤمنون في العرصات للحساب، والفقراء هم السابقون إلى الجنة لفقرهم.
الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((اطلعت في الجنة)) ضمن ((اطلعت)) معنى ((تأملت)) و ((رأيت)) بمعنى ((علمت))؛ ولذا عداه إلى مفعولين، ولو كان الإطلاع بمعناه الحقيقي لكفاه مفعول واحد.
5235 -
وعن عبد الله بن عمرو [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا)) رواه مسلم.
5236 -
وعن سهل بن سعد، قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: ((ما رأيك في هذا؟)) فقال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيك في هذا؟)) فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح. وإن شفع أن لا يشفع. وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هذا خير من ملء الأرض مثل هذا)). متفق عليه.
5237 -
وعن عائشة، قالت ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
5238 -
وعن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل، وقال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري.
5239 -
وعن أنس، أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا بالمدينة عند يهودي، وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول:((ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة)). رواه البخاري.
ــ
الحديث الخامس عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((خريفا)) ((نه)): الخريف الزمان المعروف بين الصيف والشتاء، ويريد به أربعين سنة؛ لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة.
الحديث السادس عن سهل بن سعد رضي الله عنه: قوله: ((ملء الأرض)) وقع مفضلا عليه باعتباره مميزه وهو قوله: ((مثل هذا))؛ لأن البيان والمبين شيء واحد.
الحديث السابع إلى التاسع عن انس رضي الله عنه: قوله: ((وإهالة سنخة)) ((نه)): قيل: هي ما أذيبت من الألية والشحم. وقيل: الدسم الجامد. والسنخة المتغيرة الريح. انتهى كلامه. وضمير المفعول في ((سمعته)) عائد إلى ((أنس)) والفاعل لراوي أنس.
5240 -
وعن عمر، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئا على وسادة من أدم، حشوها ليف. قلت: يا رسول الله: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فقال:((أوفي هذا أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)). وفي رواية: ((أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة!)) متفق عليه.
5241 -
وعن أبي هريرة، قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعيين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته)). رواه البخاري.
5242 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق؛ فلينظر إلى من هو أسفل منه)). متفق عليه. وفي رواية لمسلم،
ــ
الحديث العاشر عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((على رمال حصير)) ((نه)): الرمال ما رمل أي نسج. يقال: رمل الحصير وأرمله فهو مرمول ومرمل، ورملته شدد للتكثير. قال الزمخشري: ونظيره الخطام والزكام لما خطم وزكم. وقال غيره: الرمال جمع رمل بمعنى مرمول كخلق الله بمعنى مخلوقه. والمراد أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف، ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير.
وقوله: ((فليوسع)) الظاهر نصبه؛ ليكون جوابا للأمر، أي ادع الله فيوسع، واللام للتأكيد والرواية بالجزم على أنه أمر للغائب، كأنه التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعء لأمته بالتوسع، وطلب من الله الإجابة، وكان من حق الظاهر أن يقال: ادع الله ليوسع عليك، فعدل إلى الدعاء للأمة؛ إجلالا لمحله صلى الله عليه وسلم وإبعادا لمنزلة من رسخ للنبوة أن يطلب من الله تعالى هذا الدنيء الخسيس لنفسه، ومع ذلك أنكر عليه هذا الإنكار البليغ. وقوله:((أو في هذا؟)) مدخول الهمزة محذوف أي أتطلب هذا وفي هذا أنت؟ وكيف يليق بمثلك أن يطلب من الله التوسعة في الدنيا.
الحديث الحادي عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((رداء)) ((نه)): هو الثوب أو البرد الذي يضعه الإنسان على عاتقه وبين كتفيه فوق ثيابه. انتهى كلامه. أي لم يكن له ثوب يتردى به بل كان له إما إزار فحسب أو كساء فحسب. وتأنيث الضمير في ((منها)) باعتبار الجمعية في الأكسية والإزار وتعدد المكتسين والإفراد في ((بيده)) باعتبار الرجل المذكور.
الحديث الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الخلق)) أي الخليقة والصورة
قال: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)).
الفصل الثاني
5243 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم)) رواه الترمذي. [5243]
ــ
وقوله: ((فهو)) أي النظر إلى أسفل في المال والخلق لا إلى من هو فوق حقيق بعدم الازدراء. و ((أن لا تزدروا)) متعلق بـ (أجدر)) على حذف الجار.
((نه)): والازدراء الاحتقار والانتقاص والعيب، وهو افتعال من زريت عليه زراية إذا عبته. وأزريت به إزراء إذا قصرت به وتهاونت. وأصل ازدريت ازتريت وهو افتعل منه، فقلبت التاء دالا لأجل الزاي.
((مح)): هذا حديث جامع لأنواع الخير؛ لأن الإنسان إذا رأي من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياء؛ ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس. فأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له نعمة الله تعالى، وشكرها وتواضع وفعل بها الخير.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((نصف يوم)) صفة فارقة لأن خمسمائة عام يحتمل أن يراد به ما هو متعارف بين الناس، وأن يراد به ما هو عند الله تعالى لقوله تعالى:{وَإنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} . وأن يكون عطف بيان أو بدلا منه.
((شف)): فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا الحديث والحديث السابق من قوله: ((بأربعين خريفا))؟ قلت: يمكن أن يكون المراد من ((الأغنياء)) في الحديث الأول؛ أغنياء المهاجرين، أي يسبق فقراء المهاجرين إلى الجنة بأربعين خريفا. ومن ((الأغنياء)) في الحديث الثاني: الأغنياء الذين ليسوا من المهاجرين. فلا تناقض بين الحديثين. وقال في جامع الأصول: وجه الجمع بينهما: أن الأربعين أراد بها تقدم الفقير الحريص على الغني الحريص. وأراد بـ ((خمسائة)) تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب. وكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد. وهذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة. ولا تظنن أن هذا التقرير وأمثاله
5244 -
وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين)). فقالت عائشة: لم يا رسول الله؟ قال: ((إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا، يا عائشة! لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة! أحبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة)) رواه الترمذي والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [5244]
5245 -
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد إلى قوله في ((زمرة المساكين)). [5245]
5246 -
وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون – أو تنصرون – بضعفائكم)). رواه أبو داود. [5246]
5247 -
وعن أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين. رواه في ((شرح السنة)). [5247]
ــ
يجري على لسان النبي صلى الله عليه وسلم جزافا ولا بالاتفاق، بل لسر أدركه، ونسبه أحاط بها علمه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى.
الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أحيني مسكينا)) قيل: هو من الممسكنة وهي الذلة والافتقار، فأراد صلى الله عليه وسلم بذلك إظهار تواضعه وافتقاره إلى ربه إرشادا لأمته إلى استشعار التواضع والاحتراز عن الكبر والنخوة، وأراد بذلك التنبيه على علو درجات المساكين وقربهم من الله تعالى.
الحديث الثالث عن أبي الدرداء رضي الله عنه: قوله: ((ابغوني في ضعفائكم)). ((نه)): هو بهمزة القطع والوصل، يقال: بغى يبغي بغاء بالضم إذا طلب وهذا نهى عن مخالطة الأغنياء وتعليم منه.
الحديث الرابع عن أمية رضي الله عنه: قوله: ((يستفتح)) ((نه)): أي يستنصر بهم؛ ومنه قوله تعالى: {إن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ} أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. ((فا)):
5248 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغبطن فاجرا بنعمة، فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته، إن له عند الله قاتلا لا يموت)). يعني النار. رواه في ((شرح السنة)). [5248]
5249 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا سجن المؤمن وسنته، وإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة)) رواه في ((شرح السنة)). [5249]
ــ
الصعلوك هو الذي لا مال له ولا اعتمال، وقد صعلكته إذا ذهبت بماله، ومنه تصعلكت إلابل إذا ذهبت أوبارها.
الحديث الخامس عن أي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يعني النار)) تفسير عبد الله بن أبي مريم راوي أبي هريرة، كذا في ((شرح السنة)) وسماها قاتلا على الاستعارة التبعية. شبه عذابها بقتل القاتل، ثم سرى من المصدر إلى اسم الفاعل، نحو قول الشاعر:
قتل البخل وأحيي السماحة
وقوله: ((لا يموت)) عبارة عن: لا تخمد، فيكون ترشيحا للاستعارة.
الحديث السادس عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: في ((سنته)): ((السنة)): القحط وهي من الأسماء الغالبة قال الإمام الحافظ أبو القاسم الوراق: إن قيل: كيف يكون معنى الحديث وقد نرى مؤمنا في عيش رغد وكافرا في ضنك وقصر يد؟ قلنا: الجواب من وجهين: أحدهما: أن الدنيا كالجنة للكافر في جنب ما أوعد الله له من العقوبة في الآخرة ونعيمها. فالكافر يحب المقام فيها ويكره مفارقتها، والمؤمن يتشوق الخروج منها ويطلب الخلاص من آفاتها كالمسجون الذي يريد أن يخلى سبيله.
والثاني أن يكون هذا صفة المؤمن المستكمل الإيمان الذي قد عزب نفسه عن ملاذ الدنيا وشهواتها، فصارت عليه بمنزلة السجن في الضيق والشدة، وأما الكافر فقد أهمل نفسه وأمرحها في طلب اللذات وتناول الشهوات، فصارت الدنيا كالجنة له في السعة والنعمة.
الحديث السابع عن قتادة رضي الله عنه: قوله: ((حماه الدنيا)): أي منعه منها ووقاه من أن
5250 -
وعن قتادة بن النعمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا، كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء)) رواه أحمد، والترمذي. [5250]
5251 -
وعن محمود بن لبيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب)) رواه أحمد. [5251]
5252 -
وعن عبد الله بن مغفل، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إني أحبك. قال: ((انظر ما تقول)). فقال: والله إني لأحبك، ثلاث مرات. قال:((إن كنت صادقا فأعد للفقر تجحافا، للفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [5252]
ــ
يتلوث بزهرتها؛ كيلا يمرض قلبه بداء محبة الدنيا وممارستها، كما يحني أحدكم سقيمه المستسقى الماء كيلا يزيد مرض جسده بشربه.
الحديث الثامن عن محمود رضي الله عنه: قوله: ((من الفتنة)) ((غب)): الفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، انتهى كلامه. وقد تكون الفتنة في الدين مثل الارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم:((إذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون)).
الحديث التاسع عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((تجحافا)) المغرب: هو شيء يلبس على الخيل عند الحرب كأنه درع، تفعال من جف لما فيه من الصلابة واليبوسة.
أقول: انظر ما تقول، أي رمت أمرا عظيما وخطبا خطيرا ففكر فيه: فإنك توقع نفسك في خطر وأي خطر تشهد فيها غرضا لسهام البلايا والمصائب، فهذا تمهيد لقوله:((فأعد للفقر تجحافا)) فاستعير للصبر وتحمل المشاق التجفاف على الاستعارة التخييلية.
وشبه الفقر بالقرن الذي له سهام وأسنة، وأخرجه مخرج الاستعارة المكنية والقرنية الاستعارة التخييلية يريد رشقه بالبلايا وطعنه بالمصائب فيستعد له من الصبر والقناعة والرضا تجحافا، ثم ترقى منه إلى الاستعارة بالسيل دلالة على أن تلك البلايا والمصائب لاحقة به
5253 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أخفت لي الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم، ومالي ولبلال طعام يأكه ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال)) رواه الترمذي قال: ومعنى هذا الحديث: حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه. [5253]
5254 -
وعن أبي طلحة، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
5255 -
وعن أبي هريرة، أنه أصابهم جوع فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرة تمرة. رواه الترمذي.
ــ
بسرعة، كالسيل إلى منتهاه، فلا خاص له ولا مناص، هذا على مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم:((المرأ مع من أحب))، وقوله في جواب من سأل: أي الناس أشد بلاء؟: ((الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)) وهو سيد الأنبياء فيكون بلاؤه أشد من بلائهم. وفيه أن الفقر أشد البلايا.
الحديث العاشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((لقد أخفت)) ((مظ)): وهو ماض مجهول من أخاف بمعنى خوق، يعني كنت وحيدا في ابتداء إظهاري الدين فخوفني في ذلك، وآذاني الكفار في الله أي في دين الله انتهى كلامه. وقوله:((وما يخاف أحد)) حال أي خوفت في دين الله وحدي. وقوله: ((من بين ليلة ويوم)) تأكيد للشمول، أي ثلاثون يوما وليلة متواترات لا ينقص منها شيء من الزمان. و ((ذو كبد)) أي حيوان، أي ما معنا طعام، سواء كان ما يأكل الدواب أو الإنسان.
الحديث الحادي عشر عن أبي طلحة رضي الله عنه: قوله: ((عن حجر حجر)) ((عن)) الأولى متعلقة بـ ((رفعنا)) على تضمين الكشف. والثانية صفة مصدر محذوف أي كشفنا عن بطوننا كشفا صادرا عن حجر حجر، ويجوز أن يحمل التنكير في ((حجر)) على النوع أي حجر مشدود على بطوننا، فيكون بدلا، وعادة من اشتد جوعه، وخمص بطنه أن يشتد على بطنه حجرا ليتقوم به صلبه.
الحديث الثاني عشر والثالث عشر عن عمرو: قوله: ((فأسف على ما فاته منه)) أي حزن على
5256 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا: من نظر في دينه إلى من هو فوقه، فاقتدى به؛ ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضله الله عليه، كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه؛ لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا)) رواه الترمذي. [5256]
وذكر حديث أبي سعيد: ((أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين)) في باب بعد فضائل القرآن.
الفصل الثالث
5257 -
عن أي عبد الرحمن الحبلي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، وسأله رجل قال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؛ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادما. قال: فأنت من الملوك. قال عبد الرحمن: وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو وأنا عنده فقالوا: يا أبا محمد؛ إنا والله ما نقدر على شيء. لا نفقة ولا دابة ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم إن شئتم رجعتم إلينا، فأعطيناكم ما يسر الله لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان، وإن شئتم صبرتم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا)). قالوا: فإنا نصبر لا نسأل شيئا. رواه مسلم.
ــ
فواته وتحسر، ولا يجوز أن يحمل على الغضب؛ لأنه لا يجوز أن يقال: غضب على ما فات بل على من فوت عليه. وقوله: ((فاقتدى به)) عبارة عن الصبر على مشاق العبادات، كما أن حمد الله تعالى أمارة للشكر ودلالة على الجميل.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي عبد الرحمن الحبلى: هو بالحاء المهملة والباء الموحدة من تحت وضمهما، قوله:((سمعت عبد الله بن عمرو)) لا بد من محذوف، أي سمعته يقول قولا يفسره ما بعده. و ((جاء ثلاثة نفر)) حال، عطف على قوله:((سأل رجل)) وقوله: ((إن شئتم رجعتم إلينا)) أي إن شئتم أن نعطيكم شيئا رجعتم إلينا بعد هذا؛ فإن هذه الساعة ما حضرنا شيء.
5258 -
وعن عبد الله بن عمرو [رضي الله عنهما]، قال: بينما أنا قاعد في المسجد وحلقة من فقراء المهاجرين قعود إذ دخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقعد إليهم، فقمت إليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ليبشر فقراء المهاجرين بما يسر وجوههم، فإنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما)) قال: فلقد رأيت ألوانهم أسفرت. قال عبد الله بن عمرو: حتى تمنيت أن أكون معهم أو منهم. رواه الدارمي. [5258]
5259 -
وعن أبي ذر [رضي الله عنه]، قال: أمرني خليلي بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أقول بالحق، وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن من كنز تحت العرش. رواه أحمد. [5259]
5260 -
وعن عائشة [رضي الله عنها]، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه من الدنيا ثلاثة: الطعام والنساء، والطيب، فأصاب اثنين، ولم يصب واحدا، أصاب النساء والطيب، ولم يصب الطعام. رواه أحمد. [5260]
ــ
الحديث الثاني عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((فلقد رأيت)) اللام جواب للقسم أي فو الله لقد رأيت. و ((أسفرت)) هو من الإسفار إشراق اللون: قال تعالى: {وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} ، {والصُّبْحِ إذَا أَسْفَرَ} ، و ((حتى)) متعلقة به أي أشرقت إشراقا تاما كاملا حتى تمنيت.
الحديث الثالث عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((وإن أدبرت)) أي قطعت على ما ورد: ((صل من قطعك)) أسند الإدبار إلى ((الرحم)) مجازا لأنه صاحبها.
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ولم يصب الطعام)) أي لم يكثر من إصابته إكثارهما.
الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((قرة عيني في الصلاة)) جملة اسمية عطفت على جملة فعلية؛ لدلالة الثبات والدوام في الثاني، والتجدد في الأول. وجيء بالمفعول مجهولا؛
5261 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حبب إلي الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)). رواه أحمد، والنسائي. وزاد ابن الجوزي بعد قوله:((حبب إلي)) ((من الدنيا)) [5261]
5262 -
وعن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به إلى اليمن، قال:((إياك والتنعم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين)) رواه أحمد [5262]
5263 -
وعن علي [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل)) [5263]
5264 -
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جاع أو احتاج، فكتمه الناس، كان حقا على الله عز وجل أن يرزقه رزق سنة من حلال)) رواهما البيهقي في (0شعب الإيمان)) [5264]
5265 -
وعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف أبا العيال)) رواه ابن ماجه.
5266 -
وعن زيد بن أسلم، قال: استسقى يوما عمر، فجيء بماء قد شيب
ــ
دلالة على أن ذلك لم يكن من جبلته وطبعه؛ وأنه مجبور على الحب رحمة للعباد وترأفا بهم. وكأنهما كالقيدين ولاولاهما لم يحط عنه بطائل؛ بخلاف الصلاة فإنها محبوبة لذاتها. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((أرحنا بها يا بلال)) أي أشغلنا عما سواها بها.، فإنه تعب وكدح، وإنما الاسترواح في الصلاة فأرحنا بندائك بها.
الحديث السادس إلى آخر الفصل عن زيد بن أسلم: قوله: ((لكني أسمع الله)) مستدرك عن مقدر يعني أنه لطيب أشتهيه لكني أعرض عنه لأني سمعت الله عز وجل نعى
…
وقوله: ((حسناتنا)) أي ثواب حسناتنا التي نعملها نستوفيها في الدنيا قبل الآخرة، قال الله تعالى: {مَن