المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب القيام - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٠

[الطيبي]

الفصل: ‌(4) باب القيام

(4) باب القيام

الفصل الأول

4695 -

عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وكان قريبا منه، فجاء على حمار، فلما دنا من المسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار:((قوموا إلى سيدكم)).متفق عليه. ومضى الحديث في بطوله في ((باب حكم الأسراء)). [4695]

باب القيام

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي سعيد: قوله: ((قوموا إلى سيدكم)) ((تو)):ليس هذا من القيام الذي يراد التعظيم على ما كان يتعاهده الأعاجم في شيء، فكيف يجوز أن يأمر بما صح أنه نهى عنه وعرف منه التنكير فيه إلى آخر العهد؟ وإنما كان سعد بن معاذ رضي الله عنه وجعا؛ لما رمى في أكحله، مخوفا عليه من الحركة حذرا من سيلان العرق بالدم، وقد أتى به يومئذ للحكم الذي سلمت بنو قريظة إليه عند النزول على حكمه، فأمرهم بالقيام إليه ليعينوه على النزول من الحمار ويرفقوا به، حتى لا يصيبه ألم، فلا يضطر إلى حركة ينفجر منه العرق، وكان معنى قوله:((قوموا إليه)) أي إلى إعانته وإنزاله من المركب، ولو كان يريد به التوقير والتعظيم لقال:((قوموا لسيدكم)).

وما ذكر في قيام النبي صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه عند قدومه عليه، وما روى عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: ما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قام لي أو تحرك، فإن ذلك مما لا يصح الاحتجاج به لضعفه، والمشهور عن عدي:((إلا وسع لي)) ولو ثبت، فالوجه فيه أن يحمل على الترخيص حيث يقتضيه الحال. وقد كان عكرمة من رؤساء قريش، وعدي كان سيد بني طيء. فرأي تأليفهما بذلك على الإسلام، أو عرف من جانبهما تطلعا عليه على حسب ما يقتضيه حب الرياسة والله أعلم.

((مح)):في الحديث إكرام أهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف بالقيام لهم إذا أقبلوا،

ص: 3065

4696 -

وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا)) متفق عليه.

4697 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به)).رواه مسلم.

ــ

هكذا احتج بالحديث جماهير العلماء. قال القاضي عياض: ليس هذا من القيام المنهي عنه، إنما ذاك فيمن يقومون عليه وهو جالس ويمثلون قياما طول جلوسه. قال الشيخ محيي الدين: هذا القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاءت أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح، وقد جمعت كل ذلك مع كلام العلماء عليه في جزء، وأجبت فيه عما يوهم النهي عنه. واختلفوا في الذين عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((قوموا إلى سيدكم)) هل هم الأنصار خاصة أم جميع من حضر من المهاجرين معهم؟

أقول: قوله: ليس هذا من القيام الذي يراد به التعظيم، مسلم، لكن لم قلت: إنه كان هذا القيام للتعظيم لا للإكرام؟ قال الشيخ أو حامد: القيام مكروه على سبيل الإعظام لا على سبيل الإكرام. وقوله: ((قوموا)) لو كان يريد به التوقير والتعظيم لقال: قوموا لسيدكم، ضعيف؛ لأن ((إلى)) في هذا المقام أفخم من اللام، كأنه قال: قوموا واذهبوا إليه تلقيا وكرامة، يدل عليه ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلة؛ فإن قوله:((إلى سيدكم)) علة للقيام له، وليس ذلك لكونه شريفا كريما على القدر، وإليه أشار الشيخ محيي الدين بقوله: أو شرف.

الحديث الثاني عن ابن عمر: قوله: ((لا يقيم الرجل الرجل)) ((مح)):هذا النهي للتحريم، فمن سبق إلى موضع مباح من المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به. وليس لأحد أن ينازعه فيه. وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فهو أحق به)) ((مح)):قال أصحابنا: هذا حديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا، ثم فارقه ليعود، بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلا يسيرا، لم يبطل اختصاصه به، بل إذا رجع فهو أحق به. وإن قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه. وقال بعضهم: هذا مستحب ولا يجب، والصواب الأول. وإنما يكون أحق به في تلك الصورة وحدها.

ص: 3066

الفصل الثاني

4698 -

عن أنس ((بن مالك)) قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. [4698]

4699 -

وعن معاوية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار)) رواه الترمذي، وأبو داود. [4699]

..

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((كراهيته لذلك)) ولعل الكراهية للمحبة والاتحاد الموجب لرفع التكلفة والحشمة، يدل على قوله:((لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛قال الشيخ أبو حامد: مهما تم الاتحاد خفت الحقوق فيما بينهم مثل القيام والاعتذار والثناء؛ فإنها وإن كانت من حقوق الصحبة لكن في ضمنها نوع من الأجنبية والتكلف. فإذا تم الاتحاد، انطوى بساط التكلف بالكلية، فلا يسلك به إلا مسلك نفسه؛ لأن هذه الآداب الظاهرة عنوان الآداب الباطنة وصفاء القلب، ومهما صفت القلوب استغنى عن تكلف إظهار ما فيها. فالحاصل أن القيام وتركه بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص.

الحديث الثاني عن معاوية: قوله: ((أن يتمثل)) ((فا)):المثول الانتصاب، ومنه: فلان متماثل ومتماسك بمعنى تماثل المريض. وقالوا: الماثل من الأضداد يكون المنتصب واللاطئ بالأرض. وقوله: ((فليتبوأ)) لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، كأنه قال: من سره ذلك وجب له أن ينزل منزلة من النار وحق له ذلك.

أقول: ((قياما)) يجوز أن يكون مفعولا مطلقا لما في الانتصاب من معنى القيام، وأن يكون تمييزا لاشتراك المثول بين المعنيين. روى البيهقي في شعب الإيمان عن الخطابي في معنى الحديث: هو أن يأمرهم بذلك ويلزمه إياهم على مذهب الكبر والنخوة. قال: وفي حديث سعد دلالة على أن قيام المرء بين يدي الرئيس الفاضل، والوالي العادل، وقيام المتعلم للعالم مستحب غير مكروه. قال البيهقي: هذا قيام يكون على وجه البر والإكرام، كما كان قيام الأنصار لسعد وقيام طلحة لكعب بن مالك. ولا ينبغي للذي قام له أن يريد ذلك من صاحبه حتى إن لم يفعل حنق عليه أو شكاه أو عاتبه.

ص: 3067

4700 -

وعن أبي أمامة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على عصا، فقمنا له فقال:((لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضها بعض)).رواه أبو داود. [4700]

4701 -

وعن سعيد بن أبي الحسن، قال: جاءنا أبو بكرة في شهادة فقام له رجل من مجلسه، فأبى أن يجلس فيه، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسج الرجل يده بثوب من لم يكسه. رواه أبو داود. [4701]

4702 -

وعن أبي الدرداء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس- جلسنا حوله- فقام، فأراد الرجوع، نزع نعله أو بعض ما يكون عليه، فيعرف ذلك أصحابه فيثبتون. رواه أبو داود. [4702]

4703 -

وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما)) رواه الترمذي وأبو داود. [4703]

ــ

((حس)):عن أبي مخلد أن معاوية رضي الله عنه خرج وعبد الله بن عامر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهماجالسان، فقام ابن عامر وقعد ابن الزبير فقال معاوية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سره أن يتمثل له عباد الله قياما فليتبوأ مقعده من النار)).

الحديث الثالث والرابع عن سعيد: قوله: ((في شهادة)) ((مظ)):أي في أداء شهادة كانت عنده. وقوله: ((عن ذا)) أي أن يقوم أحد ليجلس غيره في مجلسه. وقوله: ((أن يمسح)) معناه إذا كانت يدك ملطخة بطعام فلا تمسح يدك بثوب أجنبي، ولكن بإزار غلامك أو ابنك؛ أو غيرهما ممن ألبسته الثوب. أقول: لعل المراد بالثوب الإزار والمنديل ونحوهما، فلما أطلق عليه لفظ الثوب، عقبه بالكسوة مناسبة للمعنى، نهى أن يمسح يده بمنديل أجنبي، فيمسح بمنديل نفسه أو منديل وهبه من غلامه أو ابنه.

الحديث الخامس إلى السابع عن أبي الدرداء: قوله: ((نزع نعله)) أي تركه هناك ولعله يمشي حافيا إلى حجرة عائشة رضي الله عنها. وقوله: ((فقام)) عطف على ((جلس)) و ((نزع)) جواب الشرط.

ص: 3068