المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب المزاح - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٠

[الطيبي]

الفصل: ‌(12) باب المزاح

قالت: أردت أن أعطيه تمرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة)).رواه أبو داود، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4882]

الفصل الثالث

4883 -

عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من وعد رجلا فلم يأت أحدهما إلى وقت الصلاة، وذهب الذي جاء ليصلي، فلا إثم عليه)).رواه رزين. [4883]

(12) باب المزاح

الفصل الأول

4884 -

عن أنس، قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: ((يا أبا عمير! ما فعل النغير؟)) كان له نغير يلعب به فمات. متفق عليه.

ــ

المصابيح جوابا للأمر وفي بعضه بإثبات الياء. وهو الرواية في سنن أبي داود وشعب الإيمان على أنه استئناف، كقوله تعالى:} فهب لي من لدنك وليا {بالرفع. وكذلك في السنن والشعب بعد قوله: ((أعطيك)) فقال لها: ((ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرا)).وليس هذا في المصابيح فكأنه سقط من النساخ.

باب المزاح

المزاح الدعابة. وقد مزح يمزح والاسم المزاح- بالضم- والمزاحة أيضا، وأما المزاح- بالكسر- فهو مصدر مازح.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((إن كان)) أي إنه كان ((فإن)) هي المخففة من المثقلة. و ((حتى)) غاية قوله: ((يخالطنا)) وضمير الجمع لأنس وأهل بيته، أي انتهت مخالطته لأهلنا كلهم حتى الصبي وحتى المداعبة معه، وحتى السؤال عن فعل النغير. وعن مسلم:((أنه صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا أم سليم، فإنه قد يدخل عليها)) وأم

ص: 3139

الفصل الثاني

4885 -

عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله! إنك: تداعبنا. قال: إني لا أقول إلا حقا)) رواه الترمذي. [4885]

ــ

سليم أم أنس بن مالك. الجوهري: النغير هو تصغير نغر وهو طائر كالعصفور. والنغرة كالحمرة واحدها.

((غب)):الفعل: التأثير من جهة مؤثرة، والعمل كل فعل يكون من الحيوان بقصد. وهو أخص من الفعل؛ لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد، وقد ينسب إلى الجمادات. انتهى كلامه. فالمعنى ما حاله وشأنه؟

((حس)):فيه فوائد: منها: أن صيد المدينة مباح بخلاف صيد مكة. وأنه لا بأس بأن يعطي الصبي الطير ليلعب به من غير أن يعذبه. وإباحة تصغير الأسماء. وإباحة الدعابة ما لم تكن إثما، وجواز تكني الصبي، ولا يدخل ذلك في باب الكذب.

وقد نقل عن الشيخ نجم الدين الكبير غير ذلك من الفوائد، وهو: أن يجوز للرجل أن يدخل في بيت فيه امرأة أجنبية، إذا أمن على نفسه من الفتنة، وأن يجوز للرجل أن يسأل عما هو عالم به تعجبا منه. وفيه كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رعاية الضعفاء من مكارم الأخلاق، وأنه يستحب استمالة قلوب الصغار وإدخال السرور إلى قلوبهم.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((تداعبنا)) الدعابة المزاح. وتصدير الجملة بـ ((إن المؤكدة)) يدل على إنكار أمر سابق، كأنهم قالوا: لا ينبغي لمثلك في صدر الرسالة ومكانتك من الله تعالى المداعبة، فأجابهم بالقول الموجب، أي نعم أداعب ولكني لا أقول إلا قولا حقا. لله در مزاح هو حق وصدق فكيف بجده؟.

((مح)):المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين. ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار. فأما من سلم من هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على الندرة لمصلحة وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهو سنة مستحبة. فاعلم هذا؛ فإنه مما يعظم الاحتياج إليه.

ص: 3140

4886 -

وعن أنس، أن رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((إني حاملك على ولد ناقة؟)) فقال: ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهل تلد الإبل إلا النوق؟)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4886]

4887 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:((يا ذا الأذنين!)). رواه أبو داود، والترمذي. [4887]

4888 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لامرأة عجوز:((إنه لا تدخل الجنة عجوز)) فقالت: وما لهن؟ وكانت تقرأ القرآن فقال لها: ((أما تقرئين القرآن؟} إنا أنشأنانهن إنشاء فجعلناهن أبكار {)) رواه رزين. وفي ((شرح السنة)) بلفظ ((المصابيح)).

4889 -

وعنه، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، وكان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم من البادية، فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه)) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان دميما. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره. فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألوا ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين

ــ

الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((استحمل)) أي سأله الحملان، والمراد به أن يعطيه حمولة يركبها.

الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((يا ذا الأذنين)) ((نه)):معناه: الحض والتنبيه على حسن الاستماع والوعي لما يلقى إليه لا المزاح؛ لأن السمع بحاسة الأذن. ومن خلق الله تعالى له أذنين، فأغفل ولم يحسن الوعي لم يعذر. وقيل: إن هذا القول من جملة مداعباته صلى الله عليه وسلم ولطيف أخلاقه.

الحديث الرابع والخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فيجهزه)) أي يعد ما يحتاج إليه في البادية من أمتعة البلدان. وقوله: ((إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه)) معناه: إنا نستفيد منه ما

ص: 3141

عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((من يشتري العبد؟)) فقال: يا رسول الله! إذا والله تجدني كاسدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لكن عند الله لست بكاسد)).رواه في ((شرح السنة)). [4889]

4890 -

وعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم، فسلمت، فرد علي وقال:((ادخل)) فقلت: أكلي يا رسول الله. قال: ((كلك)) فدخل. قال عثمان بن أبي العاتكة: إنما قال: أدخل كلي من صغر القبة. رواه أبو داود. [4890]

4891 -

وعن النعمان بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليا، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

يستفيد الرجل من باديته من أنواع النباتات، ونحن نعد له ما يحتاج إليه من البلد ((وكان دميما)) أي قبيح الوجه كريه المنظر. وقوله:((فاحتضنه)) أي أخذه في حضنه، وهو ما دون الإبط إلى الكشح. ((فجعل لا يألوا)) أي طفق لا يقصر في لزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم تبركا. وقوله:((إذا)) جواب وجزاء أي إن بعتني إذا تجدني كاسدا، أي من المتاع الكاسد لما فيه من الدمامة.

الحديث السادس عن عوف: قوله: ((كلك)) يجوز فيه الرفع والنصب، فالتقدير: أيدخل كلي؟ فقال: كلك. أي يدخل كلك أو أأدخل كلي؟ فقال: أدخل كلك. قوله: ((أدخل كلي)) الظاهر أنه مضموم الهمزة على أنه من باب الإفعال. ولو ذهب إلى الفتح، فوجهه أن يحمل ((كلي)) على أنه تأكيد، وهو بعيد.

الحديث السابع عن نعمان: قوله: ((لا أراك ترفعين)) أي لا تتعرضي لما يؤدي إلى رفع صوتك، فالنهي وارد على المتكلم. والألف في ((لا أراك)) للإشباع. ويجوز أن يحمل على النفي الواقع موقع النهي، أي لا ينبغي لك أن أراك على هذه الحالة.

قوله: ((أنقذتك من الرجل)) الظاهر أن يقال: من أبيك، فعدل إلى الرجل أي من الرجل الكامل في الرجولية حين غضب لله تعالى ولرسوله. وقولها:((فمكث أبو بكر)) بدل ((أبي)) لما

ص: 3142

حين خرج أبو بكر: ((كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟)). قالت: فمكث أبو بكر أياما، ثم استأذن فوجدهما اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد فعلنا، قد فعلنا)).رواه أبو داود. [4891]

4892 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا تمار أخاك، ولا تمازحه، ولا تعده موعدا فتخلفه)).رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [4892]

((وهذا الباب خال عن الفصل الثالث))

ــ

حدث في سجيتها من غضبه عليها، فجعلته كأنه أجنبي؛ إذ في الأبوة استعطاف. وقوله:((قال: فمكث)) هذا يدل على أن النعمان سمع هذا الحديث من عائشة رضي الله عنها.

الحديث الثامن عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((فتخلفه)) إن روى منصوبا كان جوابا للنهي على تقدير ((أن)) فيكون مسببا عما قبله. فعلى هذا التنكير في ((موعدا)) لنوع من الموعد، وهو ما لا يرضاه الله تعالى بأن يعزم عليه قطعا ولا يستثنى. فيجعل الله تعالى ذلك سببا للإخلاف. أو هو ينوي في الوعد الخلف كالمنافق؛ فإن آية المنافق الخلف في الوعد كما ورد:((إذا وعد أخلف)).ويحتمل أن يكون المنهي مطلق الوعد؛ لأنه كثيرا ما يفضي إلى الخلف. ولو روي مرفوعا كان المنهي الوعد المستعقب للإخلاف، أي لا تعده موعدا فأنت تخلفه، على أنه جملة خبرية معطوفة على إنشائية. وعلى هذا يتفرع عليه مسائل.

((مح)):أجمعوا على من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه، فينبغي أن يفي بوعده. وهل ذلك واجب أم مستحب، فيه خلاف: ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب. فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولا يأثم. وذهب جماعة إلى أنه واجب، منهم عمر بن عبد العزيز. وبعضهم إلى التفضيل. ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الإحياء حيث قال: وكان صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعدا قال: ((عسى)). وكان ابن مسعود لا يعد وعدا إلا يقول: إن شاء الله عزوجل وهو الأولى. ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد، فلا بد من الوفاء إلا أن يعتذر. فإن كان عند الوعد عازما على أن لا يفي به فهذا هو النفاق. والله أعلم.

ص: 3143