المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب المصافحة والمعانقة - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٠

[الطيبي]

الفصل: ‌(3) باب المصافحة والمعانقة

4676 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تأذنو لمن لم يبدأ بالسلام)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [4676]

(3) باب المصافحة والمعانقة

الفصل الأول

4677 -

عن قتادة، قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.قال: نعم. رواه البخاري.

4678 -

وعن أبي هريرة، قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع ابن حابس. فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا.

فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:((من لا يرحم لا يرحم)).متفق عليه.

وسنذكر حديث أبي هريرة ((أثم لكع)) في ((باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين)) إن شاء الله تعالى.

ــ

باب المصافحة والمعانقة

المصافحة الإفضاء بصفحة اليد. ((مح)):اعلم أن المصافحة سنة مستحبة عند كل لقاء، وما اعتاده الناس بعد صلاة الصبح والعصر، لا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سنة. وكونهم حافظين عليها في بعض الأحوال مفرطين فيها في كثير من الأحوال لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها، وهي من البدعة المباحة. وقد شرحنا أنواع البدع في أول كتاب الاعتصام مستوفي. وينبغي أن يحترز عن مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظر إليه حرام كما بسطنا القول فيه في كتاب النكاح. قال أصحابنا: كل من حرم النظر إليه مسه بل المس أشد، فإنه يحل النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها، وفي حال البيع والشراء ونحو ذلك. ولا يجوز مسها في شيء من ذلك.

الفصل الأول

الحديث الأول والثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا يرحم)) يجوز فيه الجزم والرفع على أن ((من)) موصولة أو شرطية. ولعل وضع الرحمة في الأولى للمشاكلة، فإن المعنى

ص: 3058

وذكر حديث أم هانئ في ((باب الأمان))

الفصل الثاني

4679 -

عن البراء بن عازب (رضي الله عنهما)،قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا)).رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه. [4679]

وفي رواية أبي داود، قال:((إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله واستغفراه، غفر لهما)) [4679]

4680 -

وعن أنس، قال: قال رجل: يا رسول الله! الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال:((لا)).قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: ((لا)).قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: ((نعم)).رواه الترمذي. [4680]

من لم يشفق على الأولاد لا يرحمه الله تعالى، وأتى بالعام لتدخل فيه الشفقة دخولا أوليا. ((مح)):تقبيل الرجل خد ولده الصغير واجب، وكذا غير خده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة سنة، سواء كان الولد ذكرا أو أنثى. وكذلك قبلة ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال على هذا الوجه. وأما التقبيل بالشهوة فحرام بالاتفاق سواء في ذلك الولد أو غيره.

الفصل الثاني

الحديث الأول والثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أينحني له)) ((مح)):حتى الظهر مكروه للحديث الصحيح في النهي عنه، ولا تعتبر كثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم وصلاح. والمعانقة وتقبيل الوجه لغير القادم من سفر ونحوه مكروهان، صرح به البغوي وغيره للحديث الصحيح في النهي عنه كراهة تنزيه.

ص: 3059

4681 -

وعن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته، أو على يده، فيسأله: كيف هو؟ وتمام تحياتكم بينكم المصافحة)).رواه أحمد، والترمذي، وضعفه [4681]

4682 -

وعن عائشة (رضي الله عنها)،قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبله. رواه الترمذي. [4681]

4683 -

وعن أيوب بن بشير، عن رجل عن عنزة، أنه قال: قلت لأبي ذر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا وصافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت، فأتيته وهو على سرير، فالتزمني، فكانت تلك أجود وأجود. رواه أبو داود. [4683]

4684 -

وعن عكرمة عن أبي جهل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جئته: ((مرحبا بالراكب المهاجر)) رواه الترمذي.

4685 -

وعن أسيد بن حضير- رجل من الأنصار- قال: بينما هو يحدث القوم- وكان فيه مزاح- بينما يضحكهم، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني.

ــ

الحديث الثالث عن أبي أمامة: قوله: ((وتمام تحياتكم)) يعني لا مزيد على هذين فلو زدتم على هذا دخل في التكلف وهو بيان لقصد الأمور لا أنه نهى عن الزيادة أو النقصان.

الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ما رأيته عريانا)) ((قض)):لعلها أرادت ما رأيته عريانا استقبل رجلا واعتنقه، فاختصرت الكلام لدلالة الحال. أقول: هذا هو الوجه؛ لما يشم من سياق كلامها رائحة الفرج والاستبشار بقدومه وتعجيله للقائه بحيث لم يتمكن من تمام التردى بالرداء حتى جره، وكثيرا ما يقع مثل هذا والله أعلم.

الحديث الخامس عن أيوب: قوله: ((تلك)) إشارة إلى الالتزام على تأويل المعانقة وعبر عنها به؛ ليكون أقرب إلى الأدب. وأشار إليها بـ ((تلك)) والمشار إليه قريب بعدا لمرتبتها، وكرر أفعل ولم يذكر المتعلق ليعم، ويحتمل أن يكون التقدير: أجود من المصافحة. والواو في قوله: ((وأجود)) للتعاقب بمنزلة الفاء في قولهم: الأحسن فالأحسن والأفضل فالأفضل.

الحديث السادس والسابع عن أسيد: قوله: ((رجل من الأنصار)) ((شف)):في لفظ هذا الحديث في المصابيح اضطراب، وجامع الأصول ينبئ عنه، وهو فيه هكذا: عن أسيد بن

ص: 3060

قال: ((اصطبر)).قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه قال: إنما أردت هذا يا رسول الله، رواه أبو داود. [4685]

4686 -

وعن الشعبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقي جعفر بن أبي طالب، فالتزمه وقبل ما بين عينيه. رواه أبو داود، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) مرسلا.

وفي بعض نسخ ((المصابيح)):وفي ((شرح السنة)) عن البياضي متصلا [4686]

ــ

حضير قال: إن رجلا من الأنصار كان فيه مزاح، فبينما هو يحدث القوم يضحكهم، إذ طعنه النبي صلى الله عليه وسلم بعود كان في يده قال: اصبرني يا رسول الله، قال: اصطبر إلى اخره. فليس المراد بقوله رجل من الأنصار هو أسيد بن حضير، فلا يجوز جره بل هو مرفوع على أنه مبتدأ ومخصصه قوله:((من الأنصار)) وخبره قوله: ((قال)) مع فاعله المستكن فيه و ((بينما)) ظرف: ((قال)).والضمير في قوله: ((فيه)) ((للرجل))،و ((كان فيه مزاح)) جملة حالية ((يحدث)) وقعت بين قوله:((يضحكهم)).وقوله: ((بينما)) مع ما بعده مقول لـ ((قال)) و ((بينما)) ظرف لقوله: ((طعنه)) أو لمحذوف دل عليه الفعل الظاهر، والتقدير: بينما يضحكهم فأضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم عطف على قوله ((يضحكهم)).

أقول: الحديث على ما هو في المتن والمصابيح مثبت في سنن أبو داود وفي نسخة يعتمد عليها. فبقي أن يقال: إن الرجل الذي طعن النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته هل هو أسيد بن حضيره أو غيره؟،فعلى ما في جامع الأصول غيره، وعلى ما في شرح السنة أنه هو: ولفظه هكذا: ((عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، ((بينما هو يحدث القوم ويضحكهم وكان فيه مزاح، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث. وكان أسيد بن حضير من نقباء الأنصار. وتنزيل الحديث على هذه الرواية أسهل وأبعد من التكلف من تلك الرواية، وما قيل: أن ((قال)) خبر و ((بينما)) ظرف له خارج عن السداد. فقوله: ((رجل)) بدل من ((أسيد)).وقال قول الراوي، أي قال الراوي- وهو عبد الرحمن- بينما أسيد يحدث

إلى آخره. ولو كان القائل أسيد رضي الله عنه لقال: بينما أنا و ((بينما)) الثانية بدل منها، وقوله:((فطعنه)) هو الجوب والعامل في ((بينما)).

الجوهري: المزاح بالضم الاسم والمزاحة أيضا، وأما المزاح بالكسر فهو مصدر مازحه وهما يتمازحان. قوله:((أصبرني)) ((نه)):أي أقدني من نفسك. قال: استقد. يقال: أصبر فلان

ص: 3061

4687 -

وعن جعفر بن أبي طالب في قصة رجوعه من أرض الحبشة، قال: فخرجنا حتى أتينا المدينة، فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتنقني ثم قال:((ما أدري: أنا بفتح خيبر أفرح، أم بقدوم جعفر؟)). ووافق ذلك فتح خيبر. رواه في ((شرح السنة)). [4687]

4688 -

وعن زارع، وكان في وفد عبد القيس، قال: لما قدمنا المدينة، فجعلنا: نتبادر من رواحلنا فنقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله. رواه أبو داود. [4688]

4689 -

وعن عائشة (رضي الله عنها)،قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلا. وفي رواية: حديثا وكلاما برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها. رواه أبوو داود. [4689]

ــ

من خصمه واصطبر أي اقتص منه، وأصبره الحاكم أي أقصه من خصمه ((فا)):وأصله الحبس حتى يقتل، وأصبره القاضي إصبارا أي أقصه، واصطبر أي اقتص انتهى كلامه. ((وليس على قميص)) حكاية الحال الماضية. ومن الظاهر أن يقال:((ولم يكن على قميص)) وضمن معنى رفع الكشف، وعداه بـ ((عن)) أي كشف عما ستره قميصه برفعه عنه: وقوله: ((فاحتضنه)) أي اعتنقه وأخذه في حضنه وهو ما دون الإبط إلى الكشح. وفيه إشعار بإباحة المزاح إذا لم يكن فيه محذور شرعا وباستماعه أيضا، وبأن الانبساط مع الوضيع من شيم الشريف.

الحديث الثامن والتاسع عن جعفر رضي الله عنه: قوله: ((أفرح، أم بقدوم جعفر؟)) هذا الأسلوب من باب الذهاب إلى التشابه من التشبيه مبالغة في إلحاق الناقص بالكامل.

الحديث العاشر عن زارع: قوله: ((فنقبل)) ((مح)):إذا أرد تقبيل يد غيره إن كان ذلك لزهده وصلحه أو علمه وشرفه وصيانته ونحو ذلك من الأمور الدينية، لم يكره بل يستحب. وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهية. وقال المتولي: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام.

الحديث الحادي عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((سمتا)) ((تو)) السمت أخذ النهج ولزوم المحجة، وسمت فلان ويسمت. ثم قالوا: ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري

ص: 3062

4690 -

وعن البراء، قال: دخلت مع أبي بكر (رضي الله عنهما)،أول ما قدم المدينة، فإذا عائشة ابنته مضطجعة، قد أصابها حمى، فأتاها أبو بكر، فقال: كيف أنت يا بنية؟ وقبل خدها. رواه أبو داود. [4690]

4691 -

وعن عائشة (رضي الله عنها).أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي، فقبله، فقال:((أما إنهم مبخلة مجبنة، وإنهم من ريحان الله)) رواه في ((شرح السنة)). [4691]

الخير والتزي بزي الصالحين، والهدى السيرة السوية يقال: هدى هدي فلان إذا سار مسيره. قال الشاعر:

ويخبرني عن غائب المرء هديه كفي الهدى عما غيب المرء مخبرا

والدل حسن الشمائل، وأصله من دل المرأة وهو شكلها، وذلك يستحسن منها وقد دلت تدل ((تو)) كأنها أشارت بالسمت إلى ما يرى على الإنسان من الخشوع والتواضع لله، وبالهدى إلى ما يتحلى به من السكينة والوقار، وإلى ما يسلكه من المنهج المرضي وبالدل إلى دماثة الخلق وحسن الحديث.

الحديث الثاني عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((مبخلة)) ((نه)):المبخلة مفعلة من البخل ومظنة له، أي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه فيبخلان بالمال بأجله.

((فا)):معناه أن الولد يوقع أباه في جبن خوفا من أن يقتل- أي في الحرب- فيضيع ولده بعده. وفي البخل إبقاءه على ماله له، والواو في ((وأنهم)) للحال، كأنه قال: مع أنهم من ريحان الله أي فيعلان من الروح؛ لأن انتعاشه بالرزق. ويجوز أن يراد بالريحان المشموم، لأن الشمامات تسمى ريحانا. ويقال: حباه بطاقة نرجس وبطاقة ريحان، فيكون المعنى: وإنهم مما أكرم الله به الأناسى وحباهم به؛ أو لأنهم يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين التي أنبتها الله تعالى. أقول: قوله: ((أما إنهم إلى آخره)) تذييل للكلام السابق، ولذلك جمع الضمير الراجع إلى الصبي ليعقب الحكم الخاص بالعام. ويؤكده فيدخل فيه دخلولا أوليا. وقوله:((وإنهم لمن ريحان الله)) من باب الرجوع، ذمهم أولا ثم رجع منه إلى المدح.

ص: 3063

الفصل الثالث

4692 -

عن يعلى، قال: إن حسنا وحسينا رضي الله عنهما استبقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضمهما إليه، وقال:((إن الولد مبخلة مجبنة)).رواه أحمد. [4692]

4693 -

وعن عطاء الخرساني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((تصافحوا، يذهب الغل، وتهادوا، تحابوا وتذهب الشحناء)) رواه مالك مرسلا. [4693]

4694 -

وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى أربعا قبل الهاجرة، فكأنما صلاهن ليلة القدر، والمسلمان إذا تصافحا لم يبق بينهما ذنب إلا سقط)).رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [4694]

الفصل الثالث

الحديث الأول عن يعلى: قوله: ((مبخلة مجبنة)) هما هاهنا كنايتان عن المحبة على ما يقتضيه المقام فيكون مدحا، وإن كان في الحديث السابق كناية عن الذم.

الحديث الثاني والثالث عن البراء: قوله: ((لم يبق بينهما ذنب)) أي غل وشحناء؛ يدل عليه الحديث السابق فوضع الذنب موضعهما؛ لأنه مسبب عنهما. والفرق بين الغل والشحناء أن الغل هو الحقد، والشحناء العداوة.

ص: 3064