المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب استحباب المال والعمر للطاعة - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٠

[الطيبي]

الفصل: ‌(3) باب استحباب المال والعمر للطاعة

(3) باب استحباب المال والعمر للطاعة

الفصل الأول

5284 -

عن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)) رواه مسلم.

وذكر حديث ابن عمر: ((لا حسد إلا في اثنين)) في ((باب فضائل القرآن)).

الفصل الثاني

5285 -

عن أبي بكرة، أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أي الناس خير؛ قال: ((من طال عمره، وحسن عمله)). قال: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله)) رواه أحمد، والترمذي، والدارمي [5285]

ــ

باب استحباب المال والعمر للطاعة

الفصل الأول

الحديث الأول عن سعد رضي الله عنه: قوله: ((التقى)) قيل: هو الذي يتقي المحارم والشبهات ويتوزع عن المشتهيات. قوله: ((الغنى)) ((مح)): المراد بالغنى، غنى النفس، هذا هو الغني المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم:((الغنى غنى النفس)) وأشار القاضي إلى أن المراد به غنى المال، و ((الخفي)) بالخاء المعجمة معناه: الخامل المنقطع للعبادة، والاشتغال بأمور نفسه، وروى بالمهملة ومعناه: الواصل للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء والصحيح الأول.

أقول: إن الصفات الثلاث الجارية على العبد واردة على التفضيل والتمييز فالتقى مخرج للعاصي، والغني للفقير، والخفي على الروايتين لما يضادهما. فإذا قلنا: إن المراد بـ ((الغنى)) عنى القلب اشتمل على الفقير الصابر والغني الشاكر فعم. وكان أولى، وعلى هذا ((الخفي)) بالخاء المعجمة أنسب؛ لأن الغنى حينئذ تكميل للتقى، والخفي تتميم للغنى، لأن غنى القلب مستغن بالله عن الخلق، ويؤثر العزلة استئناسا بالله تعالى، وفي بعض نسخ المصابيح ألحق بعد قوله:((التقى)) ((النقي)) بالنون. ولم يوجد في صحيح مسلم وشرحه ولا في الحميدي وجامع الأصول.

((مح)) وفيه حجة لمن يقول: الاعتزال أفضل من الاختلاط. ومن قال: بتفضيل الاختلاط تأويل هذا بالاعتزال في وقت الفتنة.

ص: 3327

5286 -

وعن عبيد بن خالد، أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين، فقتل أحدهما، ثم مات الآخر بعه بجمعة أو نحوها، فصلوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ما قلتم؟)) قالوا: دعونا الله أن يغفر له ويرحمه ويلحقه بصاحبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأين صلاته بعد صلاته، وعمله بعد عمله؟)) أو قال: ((صيامه بعد صيامه؛ لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)) رواه أبو داود، والنسائي. [5286]

5287 -

وعن أبي كبسة الأنماري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، فأما الذي أقسم عليهن فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا فتح عبد

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي بكرة: قوله: ((من طال عمره وحسن عمله)) قد سبق أن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر، فينبغي أن يتجر فيما يربح فيه، وكلما كان رأس المال كثيرا كان الربح أكثر، فمن مضى لطيبه فاز وأفلح، ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسرانا مبينا.

الحديث الثاني عن عبيد: قوله: ((فأين صلاته بعد صلاته؟)) فإن قلت: كيف تفضل هذه الزيادة في العمل بلا شهادة على عمله معها؟ قلت: قد عرف صلى الله عليه وسلم أن عمل هذا بلا شهادة ساوى عمله مع شهادته بسبب مزيد إخلاصه وخشوعه، ثم زاد عليه بما عمل بعده، وكم من شهيد لا يدرك شأو الصديق رضي الله عنه في العمل.

الحديث الثالث عن أبي كبشة: قوله: ((فأما الذي أقسم عليهن)) أفرده وذكره باعتبار كون المذكورات موعودا، وجمع الراجع إلى الموصول باعتبار الخصال المذكورات، وبه فسر قوله تعالى:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} في وجه أي الجمع أو الفوج وفي المصابيح: ((أما اللاتي أقسم عليهن)) هو الظاهر. ليس المراد تحقيق الحلف بل تأكيد ثبوتها، فإن المدعى ربما يثبت دعواه تارة بذكر القسم، وأخرى بلفظ ((أقسم)).

قوله: ((ما نقص مال عبد من صدقة)) قيل: يحتمل تأويلين: أحدهما: ما نقص بركة ماله بسبب الصدقة. والثاني: ما نقص ثوابه بل يضاعف يوم القيامة إلى سبعمائة ضعف. أقول: هذا

ص: 3328

باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر وأما الذي أحدثكم فاحفظوه)) فقال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل رحمه، ويعمل لله فيه بحقه، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يتخبط في ماله بغير علم؛ لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعمل فيه بحق، فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته ووزرهما سواء)) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث صحيح. [5287]

5288 -

وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا استعمله)). فقيل: وكيف يستعمله يا رسول الله؟ فقال: ((يوفقه لعمل صالح قبل الموت)) رواه الترمذي. [5288]

5289 -

وعن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكيس من دان

ــ

يوهم أنه علق الاستثناء في قوله: ((إلا زاده الله عزا)) بالخصلة الثانية، وجعل الأولى جملة مستقلة، وقد تقرر في الأصول أن الاستثناء إذا ورد عقيب جمل يمكن حمله عليها، وجب الحل على كل واحدة منها على الأصح، وهنا لم يوجد مانع فلا يبعد الحمل عليها. وليوافق الخصال الثلاث في التعليق بالاستثناء.

قوله: ((فهونيته)) مبتدأ وخبر، أي فهو سيء النية. يدل عليه وقوعه في مقابلة قوله:((فهو صادق النية)) في القرينة الأولى. وقوله: ((يقول: لو أن لي مالا

)) إلخ تفسير لقوله: ((صادق النية)). وقوله: ((فهو يقول: لو أن لي مالا

)) إلخ مقابل له. وقوله: ((فأجرهما سواء)) وقوله: ((ووزرهما سواء)) متقابلان.

الحديث الرابع والخامس عن شداد: قوله: ((من دان نفسه)) ((نه)): أي اذلها واستعبدها. وقيل: حاسبها. انتهى كلامه. والعاجر الذي غلبت عليه نفسه وعمل بما أمرته به نفسه، فصار

ص: 3329

نفسه، وعمل لما بعد الموت. والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله)) رواه الترمذي، وابن ماجة. [5289]

الفصل الثالث

5290 -

عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنا في مجلس، فطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء. فقلنا: يا رسول الله! نراك طيب النفس. قال: ((أجل)). قال: ثم خاض القوم في ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا بأس بالغنى لمن اتقى الله عز وجل، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم)) رواه أحمد. [5290]

5291 -

وعن سفيان الثوري، قال: كان المال فيما مضى يكره، فأما اليوم فهو ترس المؤمن. وقال: لولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك. وقال: من كان في

ــ

عاجزا لنفسه فأتبع نفسه وأعطاها ما اشتهته. وقوبل الكيس بالعاجز، والمقابل الحقيقي للكيس السفيه الرأي، والعاجز القدر ليؤذن بأن الكيس هو القادر. والعاجز هو السفيه. ((وتمنى على الله)) أي يذنب ويتمنى الجنة من غير توبة واستغفار.

الفصل الثالث

الحديث الأول والثاني عن سفيان: قوله: ((لتمندل)) قال في أساس البلاغة: ندل المال وغيره نقله بسرعة، ومنه المنديل، وتندلت بالمنديل تمسحت به كنى به عن الابتذال. ((مح)): قيل: هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، ويقال: تندلت بالمنديل. قال الجوهري: ويقال: أيضا: تمندلت به. وقيل لبعضهم: إن المال يدنيك من الدنيا فقال. لئن أدناني من الدنيا لقد صانني عنها. وقيل: لأن أترك مالا يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس.

وقوله: ((لا يحتمل السرف)) يحتمل معنيين: أحدهما: أن الحلال لا يكون كثيرا فلا يحتمل الإسراف. وثانيهما: أن الحلال لا ينبغي أن يسرف فيه ثم يحتاج إلى الغير. قوله: ((كان أول

ص: 3330

يده من هذه شيء فليصلحه، فإنه زمان إن احتاج كان أول من يبذل دينه. وقال: الحلال لا يحتم السرف. رواه في ((شرح السنة)). [5291]

5292 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يننادي مناد يوم القيامة: أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وجَاءَكُمُ النَّذِيرُ})). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5292]

5293 -

وعن عبد الله بن شداد، قال: إن نفرا من بني عذرة ثلاثة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من يكفينيهم؟)) قال طلحة: أنا. فكانوا عنده، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا، فخرج فيه أحدهم، فاستشهد، ثم بعث بعثا فخرج فيه الآخر، فاستشهد، ثم مات الثالث على فراشه؛ قال: قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة في الجنة، ورأيت الميت على فراشه أمامهم والذي استشهد آخرا يليه، وأولهم يليه،

ــ

من يبذل دينه)) أي كان ذلك الشخص أول شخص يبذل دينه فيما يحتاج إليه. وهو حمل ((من)) على ((ما)) كما نقل المالكي عن قطرب كان أبين. ويعضده ما في رواية الكشاف: ((كان أول ما يأكل دينه)) ((ما)) موصوفة و ((أول)) اسم ((كان)) و ((دينه)) خبره.

الحديث الثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ما يتذكر فيه من تذكر)) ((ما)) فيه موصوفة أي ما عمرناكم عمرا يتعظ فيه العاقل الذي من شأنه أن يتعظ فيه.

الحديث الرابع عن عبد الله: قوله: ((من يكفينيهم؟)) ((هم)) ثاني مفعولي ((يكفي)) على تقدير مضاف أي من يكفيني مؤنتهم، قال في الأساس: كفاه مؤنته كفاية. قوله: ((أمامهم)) الظاهر أن يقال: أمامهما إلا أن يقال: إنه المقدم من بينهم. ونحوه قول الشاعر:

تلقى السرى من الرجال بنفسه واين السرى إذا سرا أسراهما

أي أسرى من بينهما، أو يذهب إلى أن أقل الجمع اثنان.

ص: 3331