الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل إلا بدين وتقوى، كفي بالرجل أن يكون بذيئاً فاحشاً بخيلاً)). رواه أحمد، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4910]
(14) باب البر والصلة
الفصل الأول
4911 -
عن أبي هريرة، قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحق بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك)). قال: ثم من؟ قال: ((أمك)). قال: ثم من؟ قال: ((أمك)). قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)). وفي رواية، قال:((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)). متفق عليه.
ــ
((بالصاع)) للحال أي: طف الصاع مقابلا بمثله من النقصان. والمراد التسوية بينهم في النقصان. وقوله: ((بالرجل)) فاعل ((كفي)) والتمييز محذوف أي نقصا. وقوله: ((أن يكون بذيئاً)) بيان للميز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كفي بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع)). والله أعلم بالصواب.
باب البر والصلة
((نه)): البر بالكسر الإحسان، وهو في حق الأبوين والأقربين ضد العقوق، وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقوقهم. يقال: بر يبر فهو بار، وجمعه بررة، وجمع البر أبرار. وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم، وقطع الرحم ضد ذلك، يقال: وصل رحمه يصلها وصلا وصلة. والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر.
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((صحابتي)) الجوهري: صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة بالفتح. ((مح)): هو بفتح الصاد هنا بمعنى الصحابة. وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب. قالوا: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها. وقوله: ((أمك)) الخ جاء مرفوعاً في رواية وفي أخرى منصوباً. أما الرفع فظاهر، وأما النصب على أن معناه: من أبره، يدل على رواية بهز بن حكيم:((من أبر)).
4911 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه)) قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهم، ثم لم يدخل الجنة)). رواه مسلم.
ــ
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عند الكبر)) بالإضافة وأحدهما أو كلاهما مرفوعان. هكذا هو في جميع روايات مسلم. وفي كتاب الحميدي، وجامع الأصول، وفي بعض نسخ المصابيح. وقد غيروا في بعضها إلى قوله:((عنده)) بالهاء. وكليهما بالنصب، نعم هو في الترمذي كذا عن أبي هريرة أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة.
قال الشيخ محيي الدين: معناه أن يبرهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة والنفقة وغير ذلك سبب لدخول الجنة، فمن فاته قصر في ذلك فاته دخول الجنة. ((مظ)):((عند الكبر)) ظرف في موضع الحال. والظرف إذا كان في موضع الحال يرفع ما بعده. وكلاهما مرفوع بالظرف وكلاهما معطوف على أحدهما فـ ((أحدهما)) مرفوع بالظرف، و ((كلاهما)) معطوف على ((أحدهما)). ((شف)): يجوز أن يكون ((أحدهما)) خبراً لمبتدأ محذوف، أي مدركه أحدهما أو كلاهما؛ فإن من أدرك شيئاً فقد أدركه ذلك الشيء. وهذه الجملة بيان لقوله:((من أدرك والديه)).
أقول: ((ثم)) في قوله ((ثم لم يدخل الجنة)) استبعاد، يعني ذلك وخاب وخسر من أدرك تلك الفرصة التي هي موجبة للفلاح والفوز بالجنة ثم لم ينتهزها. وانتهازها هو ما اشتمل عليه قوله تعالى:{وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما} إلى قوله: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} ؛ فإنه دل على الاجتناب عن جميع الأقوال المحرمة، والإتيان بجميع كرائم الأقوال والأفعال، من التواضع والخدمة والإنفاق عليهما، ثم الدعاء لهما في العاقبة.
فإن قلت: بين لي الفرق بين قوله صلى الله عليه وسلم عليه السلام: ((عند الكبر)) وقوله تعالى: ((عندك الكبر))؟ قلت: معنى ((عندك)) أن يكبرا ويعجزا وكانا كلا عليك، ولا كافل لهما غيرك فهما عندك وفي بيتك وكتفك. ومعنى ((عندك الكبر)) في حال حضوره ومكان حصوله، أي تدركهما والحال أنهما عاجزان، والضعف ممكن فيهما وكأنهما لحم على وضم، فتزاول إنقاذهما من
4913 -
وعن أسماء بنت أبي بكر [رضي الله عنه]، قالت: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد قريش، فقلت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها. قال: ((نعم صليها)). متفق عليه.
4914 -
وعن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها)). متفق عليه.
ــ
تلك الورطة بالإحسان قولا، وخفض الجناح بالذل فعلا، وطلب الرحمة من الله تعالى فإنه يدل على الاعتراف بالعجز والقصور في أداء حقهما، والإحالة على الله تعالى ورحمته؛ لأنه هو الكافي والحسيب. وإليه الإشارة بقوله تعالى:{كما ربياني صغيرا} كما يقال: أدركته وهو في ورطة الهلاك فأنقذته منها.
الحديث الثالث عن أسماء: قوله: ((راغبة)). ((تو)): قد روي بالباء وكذلك هو في المصابيح، وهو الصواب ((راغمة)) بالميم بدل الباء. ((مح)): في شرح هذا الحديث: ((قدمت علي أمي وهي راغبة أو راهبة)). وفي الرواية الأخرى: ((راغبة)) بلا شك وهي مشركة. قال القاضي عياض: الصحيح ((راغبة)) بلا شك. وفي رواية أبي داود: ((راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة)) قيل: معناه راغبة عن الإسلام أو كارهة له. وقيل: طامعة فيما أعطتها حريصة عليه. ومعنى ((راغمة)) بالميم كارهة للإسلام ساخطة له. وفيه جواز صلة القريب المشرك.
أقول: تحريره أن قوله: ((راغبة)) إذا أطلقت من غير تقييد يقدر راغبة عن الإسلام لا غير، وإذا قرنت بقوله:((وهي مشركة أو في عهد قريش)) يقدر راغبة في صلتي ليطابق ما رواه أبو داود: ((وهي راغمة)).
الحديث الرابع عن عمرو بن العاص: قوله: ((إنما وليي الله وصالح المؤمنين)) ((تو)): المعنى: أني لا أوالي أحداً بالقرابة، وإنما أحب الله سبحانه لما يحق له على العباد، وأحب صالحي المؤمنين لوجه الله سبحانه، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح، وأراعي لذوي الرحمن حقهم بصلة الرحم. وقوله:((أبلها ببلالها)) أي أنديها بما يجب أن يندى. ومنه قوله: ((بلوا أرحامكم)) أي صلوها وندوها. والعرب تقول للقطيعة: اليبس، قال الشاعر:
فلا تيبسوا بيني وبينكم الثرى فإن الذي بيني وبينكم ثرى
شبه قطيعة الرحم بالحرارة تطفأ بالماء ويندى بالصلة
((قض)): ويقال للوصل: بلل يقتضى الالتصاق والاتصال، والهجر يبس يفضي إلى التفتت والانفصال.
4915 -
وعن المغيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)). متفق عليه.
ــ
أقول: قوله: ((أبلها ببلاها)). فيه مبالغة كقوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} . أي زلزالها الذي يستوجبه في مشيئة الله سبحانه وتعالى، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده. فالمعنى أبلها بما عرف واشتهر عند الله وعند الناس ما هو، فلا أترك من ذلك شيئاً. شبه الرحم بأرض إذا بلت بالماء حق بلالها، أثمرت ويرى في ثمرتها أثر النضارة. وإذا تركت يبست وأجدبت، فلم تثمر إلا العداوة والقطيعة. هذا هو الوجه. والبيت ينظر إلى هذا المعنى. وعلى ذلك قول أهل اللغة: سنة جماد لا مطر فيها، وناقة جماد لا لبن لها. ولا تجعل السنة والناقة جمادا إلا على معنى أن السنة بخيلة بالمطر والناقة لا تستحق باللبن.
الحديث الخامس عن المغيرة: قوله: ((عقوق الأمهات)) ((نه)): يقال: عق والده يعقه عقوقا فهو عاق إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وأصله العق وهو الشق والقطع. ((خط)) لم يخص الأمهات بالعقوق، فإن عقوق الآباء محرم أيضاً، ولكن نبه بأحدهما على الآخر؛ فإن بر الأم مقدم على بر الأب؛ لأن لعقوق الأمهات مزية في القبح. وحق الأب مقدم في الطاعة وحسن المتابعة لرأيه والنفوذ لأمره وقبول الأدب منه.
قوله: ((ووأد البنات)) أي دفنهن أحياء. قيل: قدم عقوق الأمهات، لأنهن الأصول وعقبه بوأد البنات: لأنهن الفروع. وكان ذلك تنبيهاً على أن أكبر الكبائر هو قطع النسل الذي هو موجب لخراب العالم. قوله: ((ومنع وهات)) ((نه)): أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه وطلب ما ليس لكم أخذه انتهى كلامه. وقيل: نهى عن منع الواجب من ماله وأقوله وأفعاله وأخلاقه من الحقوق اللازمة فيها، ونهى عن استدعاء ما لا يجب عليكم من الحقوق. وتكليفه إياهم بالقيام بما لا يجب عليهم، وكان ينصف ولا ينتصف، فهذا من أسمج الخلال.
قوله: ((قيل وقال)) ((فا)): نهى عن فضول ما يتحدث به المجالسون من قولهم: قيل كذا وقال كذا، بناؤهما على كونهما فعلين محكمين متضمنين للضمير، والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خاليين من الضمير. ومنه قوله:((إنما الدنيا قال وقيل)) وإدخال التعريف عليهما كذلك في قولهم: ما يعرف القال والقيل. ((نه)): وهذا النهي إنما يصح في قول لا يصح ولا يعلم حقيقته. فأما من حكى: ما يصح ويعرف حقيقته، وأسنده إلى ثقة صادق فلا وجه
4916 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من الكبائر شتم الرجل والديه)). قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: ((نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه؛ ويسب أمه، فيسب أمه)). متفق عليه.
ــ
للنهي عن ولا ذم، وقال أبو عبيد: فيه تجوز عربية، وذلك أنه جعل القال مصدراً كأنه قال: نهى عن قيل وقال يقال: قلت قولا وقالا وقيلا. وهذا التأويل على أنهما اسمان. وقيل: أراد النهي عن كثرة الكلام مبتدئاً ومجيبا. وقيل: هذا الكلام يتضمن لعمومه حرمة النميمة والغيبة؛ فإن تبليغ الكلام من أقبح الخصال، والإصغاء إليها أقبح وأفحش.
قوله: ((كثرة السؤال)) فيه وجوه: أحدها: ((فا)) السؤال عن أمور الناس وكثرة البحث عنها، وثانيها مسألة الناس أموالهم. ((تو)): ولا أدري حمله على هذا؛ فإن ذلك مكروه وإن لم يبلغ حد الكثرة. وثالثها: كثرة السؤال في العلم للامتحان وإظهار المراء. ورابعها: كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} .
قوله: ((وإضاعة المال)) ((فال)): هو إنفاقه في غير طاعة الله تعالى والسرف انتهى كلامه. قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي لجميع الأقسام أن تقول: إن الذي يصرف إليه المال، إما أن يكون واجباً كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، وهكذا إن كان مندوباً إليه، وإما أن يكون حراماً أو مكروهاً، وهذا قليلة وكثرة إضاعة وسرف. وإما أن يكون مباحاً ولا إشكال إلا في هذا القسم؛ إذ كثر من الأمور يعده بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك كتشييد الأبنية وتزيينها، والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة، والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تعلم أن الفسق وغلظة الطبع يتولد من لبس الرقاق وأكل الرقاق. ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع فتهلك. وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران. وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه، وهو سفيه حقيق بالحجر. وهذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق الذي هو منبع جميع الأخلاق الحميد والخلال الحميدة.
الحديث السادس عن عبد الله: قوله: ((من الكبائر)) قيل: ((وإنما يصير ذلك من الكبائر، إذا كان الشتم مما يوجب حدا كما إذا شتمه بالزنا والكفر، وقال له: أبوك زان أو كافر أو نحوهما. فقال في جوابه: بل أبوك كافر أو زان. أما إذا شتمه بما دون ذلك بأن قال له: أبوك أحمق أو جاهل أو نحوهما فلا يكون من الكبائر.
4917 -
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي)). رواه مسلم.
4918 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه)). متفق عليه.
ــ
أقول: ويمكن أن يقال: إنه من الكبائر مطلقاً؛ لأن سبب السبب سب، فكأنه واجه أباه بأن قال له: أنت أحمق أو جاهل. ولا شك أن هذا من الكبائر. وقد قال تعالى: {ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما} ، ونحوه قوله تعالى:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} . ((مح)): وفيه قطع تحريم الوسائل والذرائع، فيؤخذ منه النهي عن بيع العصير لمن يتخذ الخمر والسلاح ممن يقطع الطريق ونحو ذلك.
الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنه: قوله: ((بعد أن يولي)). ((تو)): هذه الكلمة مما يتخبط الناس فيها، والذي أعرفه هو أن الفعل مسند إلى ((أبيه))، أي بعد أن يغيب أبوه أو يموت من ولى يولى، يؤيده حديث أبي أسيد الساعدي، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما، انتهى كلامه.
وهكذا صحح في مشاق جامع الأصول ومشارق الأنوار ((أن يولى)) بضم الياء وفتح الواو وكسر اللام المشددة. والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل مع أحباء أبيه؛ فإن مودة الآباء قرابة الأبناء أي إذا غاب الأب أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم؛ فإنه من تمام الإحسان إلى الأب. وإنما كان أبر لأنه إذا حف غيبته فهو بحفظ حضوره أولى وأحرى.
الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((وينسأ له)). ((مح)): النسأ التأخير يقال: نسأت الشيء نسأ وأنسأته إذا أخرته والنساء الاسم. ويكون في العمر والدين. و ((الأثر)) الأجل وسمي به؛ لأنه يتبع العمر. قال زهير:
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها والنفس واحدة والهم منتشر
المرء ما عاش ممدود له أمل لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر
وأصله من ((أثر مشيه في الأرض))؛ فإن من مات لا يبقى له أثر، فلا يرى لأقدامه في الأرض أثر.
((مح)): في تأخير الأجل سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص. ((فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)).
4919 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق الله الخلق، فلما
ــ
وأجاب العلماء بوجوه: أحدهما: أن هذه الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
وثانيها: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح المحفوظ أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون. وقد علم الله سبحانه وتعالى بما سيقع له من ذلك، وهو من معنى قوله تعالى:{ويمحو الله ما يشاء ويثبت} . فبالنسبة إلى ما في علم الله تعالى وما سبق به قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين يتصور الزيادة، وهو مراد الحديث.
وثالثها: أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يمت، وهو ضعيف.
أقول: كأن هذا الوجه أظهر؛ فإن أثر الشيء هو حصول ما يدل على وجوده، فمعنى ((يؤخر في أثره)) أي يؤخر ذكره الجميل بعد موته، أو يجري له ثواب عمله الصالح بعد موته. قال الله تعالى:{ونكتب ما قدموا وآثارهم} وعليه كلام صاحب الفائق حيث قال: ويجوز أن يكون المعنى، أن الله يبقى أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً، فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم. ولم أنشد أبو تمام أبا دلف ما رثى به محمد بن حميد:
توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل مع السقر
الأبيات المذكورة في التبيان. بكى وقال: وددت أنها في. فقال أبو تمام:
((بل يطيل الله عمر الأمير)).
فقال: لم يمت من قيل فيه هذا، وعليه قول الخليل عليه السلام:{واجعل لي لسان صدق في الآخرين} .
الحديث التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فلما فرغ)). تو)) ((تو)): أي قضاه الله وأتمه، أو نحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز القول؛ فإنه سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن، أو يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل. ويقال: مه فلان أي: ما تقول، على الزجر والاستفهام. وههنا إن كان على الزجر فبين، وإن كان على الاستفهام فالمراد منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام؛ فإن الله تعالى يعلم السر وأخفي. وقيل: هو في الحقيقة ضرب مثلا واستعارة؛ إذا الرحم معنى، وهو اتصال القرب بين أهل النسب.
فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوى الرحمن فقال: مه؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يارب! قال: فذاك)) متفق عليه.
ــ
((قض)): لما كان من عادة المستجير أن يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف إزاره، وربما يأخذ بحقو إزاره- وهو مشده- تفظيعاً للأمر ومبالغة وتوكيداً في الاستجارة. وكأنه يشير به إلى أن المطلوب أن يحرسه ويذب عنه ما يؤذيه. كما يحرص ما تحت إزاره ويذب عنه، وأنه لاصق به لا ينفك عنه، فاستعير ذلك للرحم، واستعاذتها بالله من القطيعة. وإليه أشار بقوله:((هذا مقام العائذ بك))، وهي أيضاً مجاز إدناء للمعنى المعقول، إلى المثال المحسوس المعتاد بينهم؛ ليكون أقرب إلى فهمهم وأمكن في نفوسهم.
((مح)): الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني، والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام، فيكون المراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظم إثم قاطعها.
أقول: القول الأول مبني على الاستعارة التمثيلية التي الوجه فهيا منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول، فما كانت ثابتة للمشبه به المحسوس؛ وذلك أن شبهت حال الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة. والذب عنها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره. ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في حال المشبه به في الألفاظ بدلالة قرائن الأحوال. ويجوز أن تكون مكنية، بأن يشبه الرحم بإنسان مستجير بمن يحميه ويجيره ويذب عنه ما يؤذيه، ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام؛ لتكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثم رشحت الاستعارة بأخذ الحقو والقول.
وقوله: ((بحقوى الرحمن)): استعارة أخرى مثلها. والقول الثاني على الكناية الإيمائية. وهي أخذ الزبدة والخلاصة من مجموع الكلام من غير نظر إلى مفردات التركيب حقيقتها ومجازها.
الكشاف)) في قوله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} الغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز. ثم قال: ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات من كلام الله في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء! فإن أكثره وأغلبه تخيلات قد زلت فيها الأقدام قديماً وحديثاً. والله أعلم بالصواب.
4920 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم شجنة من الرحمن. قال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)) رواه البخاري.
ــ
((مح)): لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعها معصية كبيرة. وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بكلام ولو بالسلام. ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب. ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً. ولو قصر عما يقدر عليه- وينبغي له- لا يسمى واصلاً.
وقوله: ((فذلك)) مبتدأ خبره محذوف، أي فلك ذاك. قوله:((فقال: مه؟)). قال المالكي: أصله ((ما)) الاستفهامية حذفت ألفها، ووقف عليه بهاء السكت. والشائع أن لا يفعل ذلك بها إلا وهي مجرورة. ومن استعمالها هكذا غير مجرورة قول الحجاج لليلى الأخيلية: ثم مه: قالت: ثم لم يلبث أن مات، وقول أبى ذؤيب: مه: فقيل له: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى الكسائي: أن بعض كنانة يقولون: معندك ومصنعت؟ فيحذفون الألف دون جر، ولا يصلون الميم بهاء السكت لعدم الوقف. وفي الاقتصار على الميم- في:((معندك ومصنعت)) - دليل على أن الهاء في قول أبي ذؤيب والحجاج هاء سكت، لا بدل من الألف كما زعم الزمخشري؛ لأنها عوملت معاملة المتصلة بالمجرورة من السقوط وصلا والثبوت وقفا. ولو كانت بدلا من الألف، لجاز أن يقال في الوصل: مه عندك، ومه صنعت؟.
الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((شجنة من الرحمن)) ((تو)): الشجنة بالكسر عروق الشجر المشتبكة. وكذلك الشجنة بالفتح، والشجنة بالسكون واحد شجون الأودية وهي طرفها. ويقال: الحديث ذو شجون، أي يدخل بعضه في بعض. والمراد من الرحمن أي من هذا الاسم يدلك عليه حديثه الآخر. قال الله تعالى:((أن الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي)) المعنى: الرحم أثر من آثار رحمته مشتبكة بها، فالقاطع منها قاطع من رحمة الله.
الحديث الحادي عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((معلقة بالعرش)) في الأحاديث الثلاثة بيان مراتب الرحم بعضها من بعض، كبيان مراتب اللياذ. فالأولى لمن هو أخص الأرحام بوساطة الولادة؛ لأن الأخذ بحقوى الرحمن أبلغ في القرب، والثانية دونها؛ لأن الاشتقاق اللفظي مستدع للتناسب بين معنييها، فالقريب دون الأول كالأخوة والأعمام ونحوهما وفرعيهما. والثالثة دونهما؛ لأن التعلق بالعرش دون التعلق بالرحمن وبحقويه. فالقريب منهم أولو الأرحام.
((مح)): للصلة درجات بعضها أرفع من بعض. واختلفوا في حد الرحم التي يجب صلتها،
4921 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)). متفق عليه.
4922 -
وعن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة قاطع)). متفق عليه.
4923 -
وعن ابن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)). رواه البخاري.
4924 -
وعن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: ((لئن
ــ
فقيل: في كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى، حرمت مناكحتهما. فعلى هذا لا يخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال. واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح ونحوه، وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال. وقيل: هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث، يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:((ثم أدناك ثم أدناك)).
الحديث الثاني عشر عن جبير: قوله: ((لا يدخل الجنة))، ((مح)): قد سبق نظائره، حمل تارة على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها، وأخرى لا يدخلا مع السابقين.
الحديث الثالث عشر عن ابن عمرو: قوله: ((ليس الواصل بالمكافئ)) التعريف في ((الواصل)) للجنس، أي ليس حقيقة الواصل ومن يعتد وصله من يكافئ صاحبه بمثل فعله. ونظيره: قولك: هو ليس بالرجل بل الرجل من يصدر منه المكارم والفضائل. والرواية ((لكن)) بالتشديد وإن جاز التخفيف.
الحديث الرابع عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((قرابة)) أي ذوي قرابة، والضمير في ((أصلهم)) إلى المقدر. قوله:((فكأنما تسفهم)) ((نه)): هو من قولهم: سففت الدواء بالكسر أسفه وأسففته غيري، وهو السفوف بالفتح. والمل والملة الرماد الذي يحمي ليدفن فيه الخبز لينضج. أراد إنما تجعل الملة لهم سفوفاص يسفونه، يعني إذا لم يشكروا، فإن عطاءك إياهم حرام عليهم ونار في بطونهم.
((تو)): أي إحسانك إليهم إذا كانوا يقابلونه بالإساءة يعود وبالا عليهم، حتى كأنك في إحسانك إليهم مع إساءتهم إياك أطعمتهم النار.
كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)). رواه مسلم.
الفصل الثاني
4925 -
عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)). رواه ابن ماجه. [4925]
ــ
أقول: قوله: ((فكأنما)) كذا في المصابيح ومسلم وكتاب الحميدي وجامع الأصول بالفاء والظاهر اللام؛ لأن اللام في قوله: ((لئن كنت)) موطئة للقسم، وهذه جوابه سد مسد جواب الشرط، اللهم إلا أن يعكس ويجعل جزاء الشرط سادا مسد جواب القسم. وقد ورد في شرح السنة:((لكأنما)).
وقوله: ((يجهلون)) متعلقة بمحذوف أي على، يعني يغضبون ولعله صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك؛ لما عرف أن قومه يبغون عليه، فغضب له عليهم وقال ذلك، ومنه قول الحماسي:
وإن الذي يبني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جداً
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيي هويت لهم رشداً
الفصل الثاني
الحديث الأول عن ثوبان: قوله: ((لا يرد القدر)) ((حس)): ذكر أبو حاتم السجستاني في معنى الحديث: أن دوام المرء على الدعاء يطيب له ورود القضاء. فكأنما رده، والبر يطيب عيشه، فكأنما يزيد في عمره. والذنب يكدر عليه صفاء رزقه إذا فكر في عاقبة أمره، فكأنما حرمه.
((تو)): ويحتمل أن يكون المراد من القدر الأمر الذي كان يقدر لولا دعاؤه، ومن العمر العمر الذي كان يقصر لولا بره فيكون الدعاء والبر سببين من أسباب ذلك. وهما مقدران أيضاً، كما أن الأعمال حسنها وسيئها سببان من أسباب السعادة والشقاوة، ولا شك أنهما مقدران أيضاً.
4926 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر، كذلكم البر)). وكان أبر الناس بأمه رواه في ((شرح السنة))، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). وفي رواية: قال: ((نمت فرأيتني في الجنة)) بدل: ((دخلت الجنة)). [4926]
ــ
((مظ)): قوله: ((ليحرم الرزق بالذنب)) يؤول على تأويلين: أحدهما: أن يراد بالرزق الثواب في الآخرة. وثانيهما: أن يراد به الرزق الدنيوي من المال والصحة والعافية، وعلى هذا إشكال، فإنا نرى الكفار والفساق أكثر مالا وصحة من الصلحاء. والجواب أن الحديث مخصوص بمسلم يريد الله تعالى أن يرفع درجته في الآخرة يعذبه بسبب ذنبه، فيصفيه من الذنوب في الدنيا.
أقول: ويدل على الاختصاص تقييد هذه القرينة بالرجل دون القرينتين السابقتين، فالتعريف فيه: إما للجنس، فيكون المعنى: الرجل الكامل الحازم هو الذي يتفكر في عاقبة أمره، فإذا أذنب تكدر عليه صفاء رزقه، كما قال السجستاني، أو للعد فيراد منه بعض الجنس من المسلمين على ما عليه كلام المظهر.
الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((كذلك البر)) المشار إليه ما سبق والمخاطبون الصحابة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم رأي هذه الرؤيا، وقصة على أصحابه، فلما بلغ إلى قوله:((حارثة بن النعمان)) نبههم على سبب نيل تلك الدرجة، فقال: كذلكم البر، أي مثل تلك الدرجة تنال بسبب البر.
فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: موقعها التذييل كقوله تعالى: {وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون} .
وفيه من المبالغة أنه جعل جزاء البر برا، وعرف الخبر بلام الجنس تنبيهاً على أن هذه الدرجة القصيا لا تنال إلا ببسر الوالدين، وذلك أنه ورد في الحديث:((أنه يقال لصاحب لقرآن يوم القيامة: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) وفي معنى التكرار أيضاً استيعاب وتقرير وتوكيد.
فإن قلت: فما موقع ((وكان أبر الناس))؟ قلت: قوله: ((وكان أبر الناس)) الواو فيه إن كان
4927 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،:((رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)). رواه الترمذي. [4927]
4928 -
وعن أبي الدرداء، أن رجلا أتاه، فقال: إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيع)) رواه الترمذي، وابن ماجه. [4928]
4929 -
وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله! من أبر قال: ((أمك)) قلت ثم من؟ قال: ((أمك)). قلت: ثم من؟ قال: ((أمك)). قلت: ثم من؟ قال ((أباك، ثم الأقرب فالأقرب)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4929]
4930 -
وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته)). رواه أبو داود. [4930]
4931 -
وعن عبد الله بن أبي أوفي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع الرحم)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [4931]
ــ
للعطف، فيكون من جملة مقول الملائكة. وإن كان لحال فذو الحال الضمير المستتر في ((قال)) المقدر، أي قال رسول الله صلى عليه وسلم:((ذلكم)) والحال أن حارثة كان أبر الناس بأمه.
وإنما قلنا: إنه في رؤيا رآها، لما جاء في رواية أخرى عن الزهري: قال: ((نمت فرأيتني في الجنة)). والله أعلم.
الحديث الثالث والرابع عن أبي الدرداء رضي الله عنه: قوله: ((أوسط أبواب الجنة)) ((قض)): أي خير الأبواب وأعلاها. والمعنى: أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوصل به إلى الوصول إليها، مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه.
4932 -
وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أحرى أن يعجب الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4932]
4933 -
وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر)). رواه النسائي، والدارمي. [4933]
4934 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [4934]
ــ
الحديث الخامس إلى السابع عن عبد الله قول: ((على قوم فيهم قاطع الرحم)) ((تو)) يحتمل أنه أراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم، ولا ينكرون عليه. ويحتمل أنه أراد بالرحمة المطر أي يحبس عنهم المطر بشؤم القاطع.
الحديث الثامن عن أبي بكرة: قوله: ((أن يعجل الله)) صلة أخرى وعلى تقدير الباء و ((من)) في قوله: ((من البغي)) تفصيلية.
الحديث التاسع عن عبد الله: ((منان)) قبل: هو من المنة أي يمن على الناس بما يعطيهم، وذلك مذموم؛ قال الله تعالى:{لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} . أو من المن بمعنى القطع، أي قاطع الرحم؛ قال الله تعالى:{وإن لك لأجراً غير ممنون} ومنه المنية. وأراد ((بالعاق)) العاصي للوالدين.
((تو)): محمل هذا أنه لا يدخل مع الفائزين، أو لا يدخل حتى يعاقب بما اجترحه من الإثم بكل واحد من الأعمال الثلاثة.
الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((محبة)) مفعلة من الحب كالمظنة من الظن. قوله: ((مثراة)) ((نه)): هي مفعلة من الثرى وهو الكثرة. و ((المنسأة)) المفعلة من النسأ التأخير.
((قض)): ((منسأة في الأثر)) أي تأخير في الأجل. وقيل: دوام واستمرار في النسل، والمعنى أن يمن الصلة يفضي إلى ذلك.
4935 -
وعن ابن عمر، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أصبت ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟)) قال: لا. قال: ((وهل لك من خالة؟)) قال: نعم: قال: ((فبرها)). رواه الترمذي. [4935]
4936 -
وعن أبي أسيد الساعدي، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله! هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: ((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنقاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)). رواه أبو داود. وابن ماجه. [4936]
4937 -
وعن أبي الطفيل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبسط لها رداءه، فجلست عليه. فقلت: من هي؟ فقالوا: هي أمه التي أرضعته. رواه أبو داود. [4937]
ــ
الحديث الحادي عشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((ذنباً عظيماً)) ((مظ)): يجوز أنه أراد عظيماً عندي؛ لأن عصيان الله تعالى عظيم، وإن كان الذنب صغيراً. ويجوز أن يكون ذنبه كان عظيما من الكبائر، وأن هذا النوع من البر يكون مكفراً له، وكان مخصوصاً بذلك الرجل، علمه النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الوحي.
الحديث الثاني عشر عن أبي أسيد: قوله: ((التي لا توصل إلا بهما)) ليس بصفة للمضاف إليه بل للمضاف، أي الصلة الموصوفة بأنها خالصة لحقهما ورضاهما لا لأمر آخر، ونحوه. قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: وهو هذا أن العباد أمروا أن لا يعبدوا إلا الله، ولا يريدوا بطاعتهم غيره. وكذلك من يخدم أبويه لا ينبغي أن يخدم لطلب منزلة عندهما إلا من حيث أن رضي الله في رضى الوالدين. ولا يجوز أن يرائي بطاعته لينال بها منزلة عند الوالدين؛ فإن ذلك معصية في الحال، وسيكشف الله رياءه، ويسقط منزلته من قبلهما أيضاً.
الحديث الثالث عشر عن أبي الطفيل: قوله: ((فبسط لها رداءه)) قيل: فيه إشارة إلى وجوب رعاية الحقوق القديمة، ولزوم إكرام من له صحبة قديمة وحقوق سابقة.
الفصل الثالث
4938 -
عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها. فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدين أسقيهما قبل ولدي، وإنه قد نأي بي الشجر، فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحالب، فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل بي دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فأفرج لنا فرجة نرى منها السماء. ففرج الله لهم حتى يرون السماء.
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((صالحة)) صفة أخرى لـ ((أعمالا)) أي خالصة لوجهه لا رياء ولا سمعة فيها؛ يدل عليه قوله: ((ابتغاء وجهك)) فيما بعد. وضمن ((أرعى)) معنى الإنفاق، وعداه بـ ((على)) أي أنفق عليهم راعياً الغنيمات. وكذا ضمن ((رحت)) معنى رددت أي إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع مبيتها.
قوله: ((فحلبت)) عطف على ((رحت)) و ((بدأت)) جواب ((إذا))، و ((أسقيهما)) إما حال أو استئناف بيان للعلة. قوله:((وإنه قد ناء بي الشجر)). ((مح)): وفي نسخ مسلم: ((نأي)) بجعل الهمزة قبل الألف، وبه قرأ أكثر القراء السبعة، وهما لغتان.
((نه)): أي بعد بي المرعى في الشجر. قوله: ((والحلاب)) بكسر الحاء، هو الإناء الذي يحلب فيه. وقيل: قد يراد بالحلاب هنا اللبن المحلوب. و ((يتضاغون)) أي يضجون ويصيحون من الجوع، والضمير في ((دأبهم)) للوالدين والصبية. و ((الفرجة)) بضم الفاء وفتحها. و ((يرون)) بإثبات النون في بعض نسخ شرح السنة، فيكون حكاية الحال الماضية، كقولك: شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه، وفي بعضها بإسقاطه. قوله:((إنه كانت لي)) ذكر ضمير الشأن والمذكور في التفسير مؤنث، وهذا يدل على جواز ذلك.
قال الثاني: اللهم إنه كانت لي بنت عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى أتيتها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار،
ــ
قوله: ((كأشد)) يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف. و ((ما)) مصدرية، أي أحبها حباً مثل أشد حب الرجال النساء، أو حالا أي أحبها مشابها حبي أشد حب الرجل النساء. ونظيره قوله تعالى:{يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية} ، فإن قوله تعالى:{أو أشد خشية} حال على تقدير مشبهين أو أشد خشية من أهل خشية الله. ويجوز أن يكون صفة المصدر نحو خشية الله على أن يكون الخشية خاشية. وما نحن فيه لم يحتج إلى هذا التأويل؛ لأنه مضاف كما قدرنا. وفي الآية: ((خشية)) منصوبة على التمييز. ولو قدر الإضافة بأن يقال: أشد خشية بالجر كان سواء بسواء حذو القذة بالقذة.
قوله: ((فطلبت إليها نفسها)) ((نه)): يقال: طلب إلي فأطلبته أي أسعفته بما طلب. والطلبة الحاجة والإطلاب إنجازها. انتهى كلامه. ويجوز أن يضمن فيه معنى الإرسال، أي أرسلت إليها طالباً نفسها. والخاتم كناية عن البكارة. والفاء في ((فإن كنت)) عطف على مقدر، أي اللهم فعلت فإن كنت تعلم .... إلخ. ويجوز أن يكون ((اللهم)) مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه لتأكيد الابتهال والتضرع إلى الله تعالى، فلا يقدر معطوف عليه وهو الوجه، يدل عليه القرينة السابقة واللاحقة. وإنما كرر ((اللهم)) في هذه القرينة دون أختيهما؛ لأن هذا المقام أصعب المقامات وأشقها؛ فأنه ردع لهوى النفس خوفاً من الله تعالى ومقامه. قال الله تعالى:{وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} .
قال الشيخ أبو حامد: شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها عند الهيجان على العقل. فمن ترك الزنا خوفاً من الله تعالى مع القدرة، وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب لاسيما عند صدق الشهوة، نال درجة الصديقين. و ((الفرق)) بفتح الراء مكيال يسع ستة عشر رطلاً. وهي اثنا عشر مداً، وثلاثة آصع عند أهل الحجاز.
قوله: ((ذلك البقر)) ((ذلك)) إشارة إلى البقر باعتبار السواد المرئي. كما يقال: هند ذلك الإنسان أو الشخص فعل كذا. قال الذبياني:
تبيت نعمي على الهجران عاتبة سقياً ورعياً لذاك العاتب الزاري
وأنث الضمير الراجع إلى البقر باعتبار جمعية الجنس.
((مح)): استدل أصحابنا بهذا على أنه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه وفي الاستسقاء
فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها. قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفتح الخاتم، فقمت عنها. اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة.
وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي. فعرضت عليه حقه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي. فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها فقال: اتق الله ولا تهزأ بي. فقتل: إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق بها. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج ما بقى ففرج الله عنهم)). متفق عليه.
4939 -
وعن معاوية بن جاهمة، أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك. فقال: ((هل لك من أم؟)) قال:
ــ
وغيره. ويتوسل بصالح عمله إلى الله تعالى، فإن هؤلاء فعلوه واستجيب لهم. وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم. وفيه فضل بر الوالدين وإيثارهما على من سواهما من الأهل والوالد. وفيه فضل العفاف والانكفاف عن المحرمات، لاسيما بعد القدرة عليها. وفيه جواز الإجازة وفضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة. وفيه إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل الحق.
وتمسك بالحديث أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، ممن يجوز بيع الإنسان مال غيره والتصرف فيه بغير إذنه، إذا أجازه المالك بعد ذلك. وأجاب أصحابنا بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وفي كونه شرعاً لنا خلاف. فإن قلنا: إنا متعبدون به، فهو محمول على أنه استأجره في الذمة، ولم يسلم إليه بل عرضه عليه، فلم يقبضه، فلم يتعين ولم يصر ملكه. فالمستأجر قد تصرف في ملك نفسه، ثم تبرع بما اجتمع منه من البقر والغنم وغيرهما.
الحديث الثاني عن معاوية: قوله: ((عند رجلها)) كناية عن غاية الخضوع ونهاية التذلل، كما في قوله تعالى:{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} . ولعله صلى الله عليه وسلم عرف من حاله وحال أمه حيث ألزمه خدمتها ولزومها أن ذلك أولى به.
نعم. قال: ((فالزمها، فإن الجنة عند رجلها)). رواه أحمد، والنسائي، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [4939]
4940 -
وعن ابن عمر، قال: كانت تحتي امرأة أحبها، وكان عمر يكرهها. فقال لي: طلقها، فأبيت. فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((طلقها)). رواه الترمذي، وأبو داود. [4940]
4941 -
وعن أبي أمامة، أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما حق الوالدين على ولدهما؟ قال: ((هما جنتك ونارك)). رواه ابن ماجه. [4941]
4942 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليموت والداه أو أحدهما وإنه لهما لعاق، فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله باراً)). [4942]
4943 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح مطيعاً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحداً فواحداً، ومن أمسى عاصياً في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار، إن كان واحداً فواحداً)) قال رجل: وإن ظلماه؟ قال: ((وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه)). [4943]
ــ
الحديث الثالث والرابع عن أبي أمامة: قوله: ((هما جنتك)) الجواب من الأسلوب الحكيم، أي حقهما البر والإحسان، وترك العقوق، الموجبان لدخول الجنة وعداً، وترك الإحسان والعقوق الموجبان لدخول النار وعيداً، فأوجز كما ترى. وقوله:((جنتك ونارك)) على الخطاب العام؛ لأن سؤاله عام فيدخل فيه السائل دخولاً أولياً.
الحديث الخامس والسادس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((مطيعاً لله في والديه)). فيه: أن طاعة الوالدين لم تكن طاعة مستقلة، بل هي طاعة الله التي بلغت توصيتها من الله تعالى فحسب طاعتهما كطاعته. وكذلك العصيان والأذى. وهو من باب قوله تعالى: {إن
4944 -
وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظرة رحمة إلا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة)). قالوا: وإن نظر كل يوم مائة مرة؟ قال: ((نعم، الله أكبر وأطيب)). [4944]
4945 -
وعن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل الذنوب يغفر الله منها ما شاء إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات)).
4846 -
وعن سعيد بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حق كبير الإخوة على صغيرهم حق الوالد على ولده)). رواه البيهقي الأحاديث الخمسة في ((شعب الإيمان)). [4946]
ــ
الذين يؤذون الله ورسوله}. و ((من الجنة)) يجوز أن يكون صفة أخرى لقوله: ((بابان))، وأن يكون حالا من الضمير في ((متفوحان)). وقوله:((فواحداً)) أي فكان الباب المفتوح واحداً. ((وإن ظلماه)) يراد بالظلم ما يتعلق بالأمور الدنيوية لا الأخروية.
الحديث السابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((الله أكبر)) رد لاستبعاد من أن يعطي الرجل بسبب النظرة حجة، وإن نظر مائة مرة. يعني: الله أكبر مما في اعتقادك من أنه لا يكتب له تلك الأعداد الكثيرة، ولا يثاب عليه ما هو أطيب.
الحديث الثامن عن أبي بكرة: قوله: ((منها)) ((من)) تبعيضية منصوب المحل مفعول ((يغفر)) مجازاً، و ((ما شاء)) بدل منه. ويجوز أن يتعلق بـ ((يغفر)) وتكون ابتدائية. ومعنى الشمول في الكل للاستغراق. يعني: كل فرد من أفراد الذنوب مغفور إذا تعلقت مشيئة الله تعالى به إلا عقوق الوالدين. وهذا وارد على سبيل التغليظ والتشديد. ومفعول ((يعجل)) محذوف، أي ((العقوبة))، يدل عليه سياق الكلام.
باب الشفقة والرحمة على الخلق
الشفقة اسم من الإشفاق. وكذلك الشفق وهو الخوف. قال: