الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب الظلم
الفصل الأول
5123 -
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الظلم ظلمات يوم القيامة)) متفق عليه.
5124 -
وعن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} الآية متفق عليه.
5125 -
وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال: ((لا تدخلوا مساكن
ــ
باب الظلم
((غب)): الظلم عند أهل اللغة: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه. والظلم يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة.
الفصل الأول
الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((الظلم ظلمات)). ((مح)): قال القاضي عياض: هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه، لا يهتدي يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا، كما أن المؤمن يسعى بنوره هو مسبب عن إيمانه في الدنيا؛ قال تعالى:{يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد، وبه فسروا قوله تعالى:{قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} أي شدائدها، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.
أقول: قوله: ((على ظاهره)) يوهم أن قوله: ((ظلمات)) هنا ليس مجازاً بل حقيقة لكنه مجاز؛ لأنه حمل المسبب على المسبب، فالمراد ظلمات حقيقية مسببة عن الظلم. والفرق بين الشدائد والأنكال: أن الشدائد كائنة في العرصات قبل دخول النار والأنكال بعد الدخول.
الحديث الثاني عن أبي موسى رضي الله عنه: قوله: ((ليملي))، ((نه)): أي يمهل ويطول عمره و ((لم يفلته))، أي لم ينفلت منه. ويجوز أن يكون بمعنى: ((لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه.
الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لما مر بالحجر)) ((تو)) الحجر منازل
الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم ما أصابهم)) ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى اجتاز الوادي. متفق عليه.
5126 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)). رواه البخاري.
5127 -
وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أتدرون ما الملفس؟)). قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: ((إن المفلس من أمتي من يأتي يوم
ــ
ثمود وذلك في مسيره إلى تبوك، خشى على أصحابه أن يجتازوا على تلك الديار ساهين غير متعظين بما أصاب أهل تلك الديار، وقد أمرهم الله بالانتباه والاعتبار في مثل تلك المواطن.
((قض)): ولذلك استثنى عن النهي. و ((أن يصيبكم)) نصب على المفعول لأجله أي مخافة أن يصيبكم، انتهى كلامه. والمعنى لا تدخلوا مساكنهم في حال من الأحوال إلا في حال كونكم باكين. ((خط)): معناه أن الداخل في دار قوم أهلكوا بخسف أو عذاب إذا لم يكن باكيا، إما شفقة عليهم وإما خوف من حلول مثلها به، كان قاسي القلب قليل الخشوع، فلا يأمن إذا كان هكذا أن يصيبه ما أصابهم.
((تو)): ((قنع رأسه)). يحتمل وجهين: أحدهما: أنه أخذ قناعاً على رأسه شبه الطيلسان، وهو الأظهر. والآخر أن يكون مبالغة من الإقناع أي أطرف فلم يلتفت يميناً ولا شمالاً لئلا يقع بصره عليها. وقد حلت بأهلها المثلات وهم فيها، فصارت معلمة بمقت الله وغضبه. وفي الحديث: أنه نهاهم أن يشربوا ماءها وكانوا قد خمروا به عجينهم، فأمرهم أن يعلفوها دوابهم. ولم يرخص لهم في الأكل منها. ((حس)): فيه دليل على أن منازل هؤلاء لا تتخذ مسكناً ووطناً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن دخولها إلا مع البكاء؛ فالمتوطن يكون دهره باكيا.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مظلمة)) المغرب: المظلمة الظلم واسم للمأخوذ. يقال: عند فلان مظلمتي وظلامتي، أي حقي الذي اخذ مني ظلما. انتهى كلامه. والمراد من ((اليوم)) أيام الدنيا لمقابلته بقوله:((قبل أن لا يكون دينار ولا درهم)) وهو معبر عن يوم القيامة. ((نه)): يقال: تحللته واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل من قبلك. أقول: قوله: ((إن كان)) استئناف كأنه لما قيل: فليتحلله منه اليوم قبل أن يكون لا يكون دينار ولا درهم ويؤخذ منه بدل مظلمته، توجه لسائل أن يسأل فما يؤخذ منه بدل مظلمته؟ قيل ((إن كان ....)) الخ.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أتدرون ما المفلس؟)) كذا في صحيح
القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا. وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) رواه مسلم.
5128 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)). رواه مسلم.
وذكر حديث جابر: ((اتقوا الظلم)). في ((باب الإنفاق)).
ــ
مسلم وجامع الترمذي وكتاب الحميدي وجامع الأصول وشرح السنة، فعلى هذا السؤال عن وصف المفلس لا عن حقيقته؛ ومن ثم أجاب صلى الله عليه وسلم بوصفه بقوله:((شتم وأكل وقذف)). وفي مشارق الأنوار وبعض نسخ المصابيح: ((من المفلس؟)) وهذا سؤال إرشاد لا استعلام؛ ولذلك قال: ((إن المفلس كذا وكذا ....)).
((مح)): يعني حقيقة المفلس هذا الذي ذكرت، وأما من ليس له مال، ومن قل ماله، فالناس يسمونه مفلساً، وليس هو حقيقة المفلس؛ لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته، وربما انقطع بيسار يحصل له بعد ذلك من حياته، بخلاف ذلك المفلس فإنه يهلك الهلاك التام.
قال المازري: زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وهو باطل وجهالة بينة؛ لأنه إنما عوقب بفعله ووزره، فتوجهت عليه حقوق لغرماته فدفعت إليهم من حسناته، فلما فرغت حسناته أخذت من سيئات خصومه فوضعت عليه. فحقيقة العقوبة مسببة عن ظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لتؤذن الحقوق)) ((تو)): هو على بناء المجهول، و ((الحقوق)) مرفوع، هذه هي الرواية المعتد بها. ويزعم بعضهم ضم الدال ونصب ((الحقوق)). والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به، والصحيح ما قدمناه.
أقول: إن كان الرد لأجل الرواية فلا مقال، وإن كان بحسب الدراية، فإن باب التغليب واسع فيكون قد غلب العقلاء على غيرهم. وجعل ((حتى)) غاية بحسب التغليب، كما في قوله تعالى:{جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذروكم فيه} فالضمير في ((يذروكم)) راجع إلى الأناسي والأنعام، على تغليب المخاطبين العقلاء على الغيب والأنعام.
الفصل الثاني
5129 -
عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسناً، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)). رواه الترمذي. [5129]
ــ
((مح)): ((الجلحاء)) - بالمد- هي الجماء التي لا قرن لها، والقرناء ضده. وهذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها كما يعاد أهل التكليف من الأدميين والأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة، ولعى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة. قال الله تعالى:{وإذا الوحوش حشرت} وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهرة شرع ولا عقل وجب حمله على ظاهره. قالوا: وليس من شرط الحشر والإعادة من القيامة المجازاة والعقاب والثواب. وأما القصاص في القرناء والجلحاء فليس هو من قصاص التكليف؛ إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((لا تكونوا إمعة)). ((نه)): هو بكسر الهمزة وتشديد الميم، والهاء للمبالغة، وهمزته أصلية، ولا يستعمل ذلك في النساء، فلا يقال: امرأة إمعة. ((فا)): هو الذي يتابع كل ناعق، ويقول لكل أحد: أنا معك؛ لأنه لا رأي له يرجع إليه، ووزنه فعلة كـ ((ديمة))، ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة؛ لأنه ليست في الصفات إليه، ووزنه فعلة كـ ((ديمة))، ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة؛ لأنه ليست في الصفات ((أفعلة))، وهي في الأسماء أيضاً قليلة. ومعناه المقلد الذي يجعل دينه تابعاً لدين غيره بلا رؤية وتحصيل برهان. انتهى كلامه.
قوله: ((تقولون: إن أحسن الناس ....)) الخ بيان وتفسير لـ ((إمعة)) على نحو قول الشاعر:
الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأي وقد سمعا
لأن معنى قوله: ((إن أحسن الناس)) ((وإن ظلموا)) إنا نقلد الناس في إحسانهم وظلمهم ونقتفي أثرهم.
قوله: ((ولكن وطنوا أنفسكم)). قال في أساس البلاغة: أوطن الأرض ووطنها واستوطنها. ومن المجاز: وطنت نفسي على كذا فتوطنت قال الشاعر:
ولا خير في من لا يوطن نفسه على نائبات الدهر حين تنوب
5130 -
وعن معاوية، أنه كتب إلى عائشة [رضي الله عنها] أن اكتبي إلى كتاباً توصيني فيه ولا تكثري. فكتبت: سلام عليك؛ أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من التمس رضي الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضي الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)) والسلام عليك. رواه الترمذي. [5130]
الفصل الثالث
5131 -
عن ابن مسعود، قال لما نزلت:{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيماهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ذاك، إنما هو الشكر، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم})). وفي رواية: ((ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه)) متفق عليه.
ــ
ومعنى الحديث: أوجبوا على أنفسكم الإحسان بأن تجعلوها وطناً للإحسان. فعلى هذا ((أن تحسنوا)) متعلق بقوله: ((وطنوا)) وجواب الشرط محذوف، يدل عليه ((أن تحسنوا)) والتقدير" وطنوا أنفسكم على الإحسان، إن أحسن الناس تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا؛ لأن عدم الظلم إحسان.
الحديث الثاني عن معاوية رضي الله عنه: قوله: ((وكله الله)) ((مظ)): يعني إذا عرض له أمر في فعله رضي الله عنه وغضب الناس أو عكسه. فإن فعل الأول رضي الله عنه ودفع عنه شر الناس، وإن فعل الثاني وكله إلى الناس، يعني سلط الله الناس عليه حتى يؤذوه ويظلموا عليه ولم يدفع عنه شرهم. ((نه)): يقال: وكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((أينا لم يظلم نفسه؟)) فهموا من معنى اللبس أن المراد من الظلم المعصية؛ لأن لفظ اللبس يأبى أن يراد به الشرك، فالمعنى لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم، كذا في الكشاف. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ليس ذاك)) معناه: ليس كما تعتقدون أن اللبس يقتضي الخلط، ولا يتصور خلط الشرك بالإيمان، بل هو واقع كمن يؤمن بالله ويشرك في عبادته غيره. وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} .
5132 -
وعن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، عبد أذهب آخرته بدنيا غيره)) رواه ابن ماجه. [5132]
5133 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله: الإشراك بالله. يقول الله عز وجل {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، وديوان لا يتركه الله: ظلم العباد فيما بينهم حتى يقتص بعضهم من بعض، وديوان لا يعبأ الله به: ظلم العباد فيما بينهم وبين الله، فذاك إلى الله: إن شاء عذبه وإن شاء تجاوز عنه)). [5133]
5134 -
وعن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياك ودعوة المظلوم، فإنما يسأل الله تعالى حقه، وإن الله لا يمنع ذا حق حقه)). [5134]
5135 -
وعن أوس بن شرحبيل، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من مشى مع ظالم ليقويه وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام)). [5135]
ــ
قال الحسن: هم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان به. وقيل: النفاق لبس الإيمان الظاهر بالكفر الباطن. وفي الآية دلائل شاهدة على أن المراد بالظلم فيها الشرك. ومن أراد زيادة اطلاع عليه فلينظر في فتوح الغيب)).
الحديث الثاني والثالث عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((الدواوين ثلاثة)) يراد به ها هنا صحائف الأعمال. المغرب: الديوان: الجريدة من دون الكتب إذا جمعها؛ لأنها قطع من القراطيس مجموعة. قوله: ((لا يعبأ الله)). ((غب)): يقال: ما عبأت به، أي لم أبال به، وأصله م العبء أي الثقل كأنه قال: ما أرى له وزناً وقدراً. وقال الله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} انتهى كلامه.
وإنما قال في القرينة الأولى: ((لا يغفر)) ليدل على أن الشرك لا يغفر أصلا. وفي الثانية: