المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب الأمل والحرص - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ١٠

[الطيبي]

الفصل: ‌(2) باب الأمل والحرص

بعسل، فقال: إنه لطيب؛ لكني أسمع الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم، فقال:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا واسْتَمْتَعْتُم بِهَا} فأخاف أن تكون حسناتنا عجلت لنا فلم يشربه. رواه رزين.

5267 -

وعن ابن عمر، قال: ما شبعنا من تمر حتى فتحنا خيبر. رواه البخاري.

(2) باب الأمل والحرص

الفصل الأول

5268 -

عن عبد الله، قال: خط النبي خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال:((هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهسه هذا، وإن أخطأه هذا نهسه هذا)). رواه البخاري.

ــ

كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا}.

باب الأمل والحرص

الجوهري: الأمل الرجاء، يقال: أمل خيره يأمله أملا، وكلك التأميل. ((غب)): الحرص فرط الشره والإرادة؛ قال تعالى: {إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} أي إن تفرط إرادتك في هدايتهم.

الفصل الأول

الحديث الأول عن عبد الله: قوله: ((خطا مربعا)) صورة الخط هذه:

والمراد بالخط الرسم والشكل وقوله: ((أخطأه هذا)) أي إن جاوزه هذا أصابه هذا. فوضع موضع الإصابة، النهس وهو لدغ ذوات السم مبالغة في الإضرار.

الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فبينما هو كذلك)) أي هو طالب لأمله البعيد فتدركه الآفات التي هي أقرب أليه فتؤديه إلى الأجل المحيد به، هذا التأويل محمول على

ص: 3321

5269 -

وعن أنس، قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال: ((هذا الأمل، وهذا أجله، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب)) رواه البخاري.

5270 -

وعنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان: الحرص على المال، والحرص على العمر)) متفق عليه.

5271 -

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا يزال قلب الكبير شابا في اثنين: في حب الدنيا وطول الأمل)) متفق عليه.

5272 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة)) رواه البخاري.

5273 -

وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)). متفق عليه.

ــ

معنى الحديث السابق ويجوز أن يحمل على حديث أبي سعيد في الفصل الثاني: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا بين يديه

)) الحديث.

الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((ويشب)) ((مح)): هو استعارة، ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال يحتكم احتكاما مثل احتكام قوة الشباب في شبابه. أقول: يجوز أن يكون من باب المشاكلة والمطابقة لقوله: ((يهرم)).

الحديث الرابع والخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أعذر الله)) ((تو)): المعنى أنه أفضى بعذره إليه فلم يبق له عذر، يقال: أعذر الرجل إلى فلان أن بلغ به أقصى العذر. ومنه قولهم: أعذر من أنذر أي اتى بالعذر وأظهره. وهذا مجاز من القول فإن العذر لا يتوجه على الله تعالى، وإنما يتوجه له على العبيد وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك له سببا في الاعتذار يتمسك به.

الحديث السادس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ولا يملأ جوف ابن آدم)) ((مح)): معناه أنه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت؛ ويمتلئ جوفه من تراب قبره. وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا، ويؤيده قوله:((ويتوب الله على من تاب)) وهو متعلق بما قبله، ومعناه أن الله تعالى يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات.

أقول: ويمكن أن يقال: معناه أن بني آدم مجبولون على حب المال، والسعي في طلبه،

ص: 3322

5274 -

وعن ابن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور)) رواه البخاري.

ــ

وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله تعالى، ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه، وقليل ما هم، فرضع ((ويتوب الله على من تاب)) موضعه؛ إشعارا بأن هذه الجبلة المركوزة فيه مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة، ولكن بتوفيق الله وتسديده، ونحوه قوله تعالى:{ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} أضاف الشح إلى النفس؛ دلالة على أنها غريزة فيها، وبين إزالتها بقوله:((يوق)) ورتب عليه قوله: ((فأولئك هم المفلحون)).

وهنا نكتة دقيقة: فإن في ذكر بني آدم تلويحا إلى أنه مخلوق من التراب، ومن طبيعته القبض واليبس فيمكن إزالته بأن يمطر الله سبحانه وتعالى عليه السحائب من غمائم توفيقه. فيثمر حينئذ الخلال الزكية والخصال المرضية:{والْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلَاّ نَكِدًا} فمن لم يتداركه التوفيق وتركه حرصه، لم يزدد إلا حرصا وتهالكا على جمع المال.

وموقع قوله: ((ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) موقع التذييل والتقرير للكلام السابق؛ ولذلك أعاد ذكر ابن آدم ونيط به حكم أشمل وأعم، كأنه قيل: ولا يسبع من خلق من التراب إلا بالتراب. وموقع ((ويتوب الله على من تاب)) موقع الرجوع، يعني أن ذلك لعسير صعب، ولكن يسير على من يسره الله تعالى، فحقيق أن لا يكون هذا من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر.

روينا عن الترمذي عن أبي كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقرأ فيها (إن الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ومن يعمل فيه خيرا فلن يكفره). وقرأ عليه: ((لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا. ولو أن له ثانيا لابتغى إليه ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)).

الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أو عابر سبيل)) ((تو)) فيه للتنويع وفي الحديث معنى الترقي، وقد مضى تحقيقه في باب تمني الموت.

ص: 3323

الفصل الثاني

5275 -

عن عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما]، قال: مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وأمي نطين شيئا، فقال:((ما هذا يا عبد الله؟)) قلت: شيء يصلحه. قال: ((الأمر أسرع من ذلك)) رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

5273 -

وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهرق الماء فيتيمم بالتراب، فأقول: يا رسول الله؛ إن الماء منك قريل، يقول:((ما يدريني لعلي لا أبلغه)) رواه في ((شرح السنة))، وابن الجوزي في كتاب ((الوفاء)). [5276]

5277 -

وعن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((هذا ابن آدم وهذا أجله)) ووضع يده عند قفاه، ثم بسط، فقال:((وثم أمله)) رواه الترمذي. [5277]

5278 -

وعن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا بين يديه، وآخر

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عند عبد الله: قوله: ((الأمر أسرع من ذلك)) أي كوننا في الدنيا كعابر سبيل أو راكب مستظل تحت شجرة أسرع مما أنت فيه من اشتغالك بالبناء.

الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((يهريق الماء)): ((شف)): يعني يستعمل الماء قبل الوقت فإذا لم يبق في الوقت تيمم. وقيل: يهريق الماء أي يبول.

الحديث الثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((ووضع يده)) الواو فيه للحال، وفي قوله:((وهذا أجله)) للجمع مطلقا فالمشار إليه مركب. فوضع اليد على قفاه معناه: أن هذا الإنسان الذي يتبعه أجله هو المشار إليه. وبسط اليد عبارة عن مدها إلى قدام.

الحديث الرابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((دون الأمل)) حال من الضمير المنصوب، أي لحقه وهو متجاوز عما قصده من الأمل. قال أمية:

يا نفس ما لك دون الله من واق

أي إذا تجاوزت وقاية الله، ولم تبالها لم يقك غيره.

ص: 3324

إلى جنبه، وآخر أبعد [منه]. فقال:((أتدرون ما هذا؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((هذا الإنسان وهذا الأجل)) أراه قال: ((وهذا الأمل، فيتعاطى الأمل فلحقه الأجل دون الأمل)) رواه في ((شرح السنة)). [5278]

5279 -

وعن أبي هريرة [رضي الله عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [5279]

5280 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)) رواه الترمذي، وابن ماجة. [5280]

وذكر حديث عبد الله بن الشخير [رضي الله عنه] في ((باب عيادة المريض)).

الفصل الثالث

5281 – عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول

ــ

الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه. قوله: ((عمر أمتي من ستين)) قيل: معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا بلغ ستين سنة وانتهاؤه سبعون سنة، وقل من يجوز سبعين.

هذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال، فإن منهم من لم يبلغ ستين، ومنهم من يجوز سبعين.

الفصل الثالث:

الحديث الأول عن عمرو رضي الله عنه: قوله: ((اليقين)) معناه: التيقن أن الله هو الرزاق المتكفل للأرزاق: {ومَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} * فمن تيقن هذا، زهد في الدنيا فلم يأمل ولم يبخل؛ لأن البخيل إنما يمسك المال لطول الأمل وعدم التيقن.

ص: 3325

صلاح هذه الأمة اليقين والزهد، وأول فسادها البخل والأمل)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5281]

5282 -

وعن سفيان الثوري، قال: ليس الزهد في الدنيا بلبس الغليظ والخشن، وأكل الجشب، إنما الزهد في الدنيا قصر الأمل. رواه في ((شرح السنة)). [5282]

5283 -

وعن زيد بن الحسين، قال: سمعت مالكا وسئل أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: طيب الكسب وقصر الأمل. رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [5283]

ــ

روى عن الأصمعي قال: تلوت على أعرابي: {وَالذَّارِيَاتِ} فلما بلغت قوله تعالى: {وفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها، ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه، فكسرهما، وولى، فلقيته في الطواف قد نحل جسمه واصفر لونه فسلم علي، واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ والأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ} فصاح، وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، فلم يصدقوه حتى ألجأ إلى اليمين قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه.

الحديث الثاني عن سفيان قوله: و ((أكل الجشب)) بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة هو الغليظ الخشن من الطعام وقيل: غير المأدوم وكل شيء يبشع الطعم جشب، والبشع الخشن الكريه الطعم.

الحديث الثالث عن زيد: قوله: ((طيب الكسب)) فإن قلت: أي مدخل لطيب الكسب في الزهد؟ قلت: هذا رد لمن زعم أن الزهد في مجرد ترك الدنيا، ولبس الخشن، وأكل الجشب، أي ليس حقيقة الزهد ما زعمته، بل حقيقته أن تأكل الحلال، وتلبس الحلال، وتقنع بالكفاف، وتقصر الأمل، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم:((الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديل أوثق بما في يدي الله تعالى)).

ص: 3326