الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِيَةُ نَاقِصَةً شَارَكَتْ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا هِيَ عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ، طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ ثَلَاثًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: وَهَذِهِ طَالِقٌ، لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً، لِاسْتِقْلَالِ الْجُمْلَةِ بِتَمَامِهَا وَعَلَى هَذَا بَنَوْا بَحْثَهُمْ الْمَشْهُورَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَسَبَقَ فِي بَابِ الْعُمُومِ.
وَقَدْ الْتَزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ، فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ فِي " مُخْتَصَرِهِ ": أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: ضَرَبَ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَمْرًا، يَتَقَيَّدُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عِنْدَهُ عَلَى الْكَامِلَةِ يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلِهِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُصْفُورٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَكَلَامُهُمْ مُخْتَلِفٌ، فَقَالُوا: إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ، أَنَّ الثَّانِيَةَ تَتَقَيَّدُ أَيْضًا بِالشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ، وَقَالُوا فِيمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ: إنَّهُ لَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ مُفَسِّرًا لِلْأَلْفِ، بَلْ لَهُ تَفْسِيرُهَا بِمَا شَاءَ وَهُوَ مَذْهَبٌ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ، وَأَشَارَ إلَى أُخْرَى، فَهَلْ تَطْلُقُ أَوْ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ؟ وَجْهَانِ وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَأَنْتِ يَا أُمَّ أَوْلَادِي فَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: لَا تَطْلُقُ.
فَرْعٌ: حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ قَرَنَهَا بِأَشْيَاءَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَسَقْيِ الْمَاءِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الِاقْتِرَانَ قَرِينَةٌ تُفِيدُ أَنَّهُ قَصَدَ كَوْنَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ اقْتِرَانَ الشَّيْئَيْنِ فِي اللَّفْظِ لَا يُوجِبُ اقْتِرَانَهُمَا فِي الْحُكْمِ.
[دَلَالَة الْإِلْهَام]
.
دَلَالَةُ الْإِلْهَامِ ذَكَرَهَا بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ وَقَالَ: مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ فَهُوَ إلْهَامٌ، أَوْ الشَّرِّ فَهُوَ وَسْوَاسٌ وَقَالَ بِهَا بَعْضُ الشِّيعَةِ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ " قَالَ الْقَفَّالُ: وَلَوْ ثَبَتَتْ الْعُلُومُ بِالْإِلْهَامِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ مَعْنًى، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَالَمِ دَلَالَةٌ وَلَا عِبْرَةٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] فَلَوْ كَانَتْ الْمَعَارِفُ إلْهَامًا لَمْ يَكُنْ لِإِرَادَةِ الْأَمَارَاتِ وَجْهٌ قَالَ: وَيُسْأَلُ الْقَاتِلُ بِهَذَا عَنْ دَلِيلِهِ، فَإِنْ احْتَجَّ بِغَيْرِ الْإِلْهَامِ فَقَدْ نَاقَضَ قَوْلَهُ، وَإِنْ احْتَجَّ بِهِ أَبْطَلَ بِمِنْ ادَّعَى إلْهَامًا فِي إبْطَالِ الْإِلْهَامِ.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِي حُجِّيَّةِ الْإِلْهَامِ خِلَافًا، وَفَرَّعَا عَلَيْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ هَلْ يَجُوزُ انْعِقَادُهُ لَا عَنْ دَلِيلٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا جَوَّزْنَا الِانْعِقَادَ لَا عَنْ دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَائِلُ بِانْعِقَادِهِ لَا عَنْ دَلِيلٍ هُوَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْإِلْهَامَ دَلِيلًا قُلْت: وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِمَادَ الْإِلْهَامِ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِهِ " فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، وَابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ " فَقَالَ: إلْهَامُ خَاطِرٍ حَقٌّ مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: وَمِنْ عَلَامَاتِهِ أَنْ يُشْرَحَ لَهُ الصَّدْرُ وَلَا يُعَارِضَهُ مُعَارِضٌ مِنْ خَاطِرٍ آخَرَ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ ": ذَهَبَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْمَعَارِفَ تَقَعُ اضْطِرَارًا لِلْعِبَادِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْهَامِ بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ سبحانه وتعالى بِشَرْطِ التَّقْوَى، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] أَيْ تُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] أَيْ مَخْرَجًا عَلَى كُلِّ مَا الْتَبَسَ عَلَى النَّاسِ وَجْهُ الْحُكْمِ فِيهِ،
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] فَهَذِهِ الْعُلُومُ الدِّينِيَّةُ تَحْصُلُ لِلْعِبَادِ إذَا زَكَتْ أَنْفُسُهُمْ وَسَلِمَتْ قُلُوبُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، بِتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ وَامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ، إذْ خَبَرُهُ صِدْقٌ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ، فَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ بَعْدَ الْقَلْبِ لِحُصُولِ الْمُعَارَضَةِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْإِلْهَامِ بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ كَإِعْدَادِهِ بِإِحْضَارِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِيهِ مَعَ التَّفَطُّنِ لِوُجُوهِ لُزُومِ النَّتِيجَةِ عَقِيبَ النَّظَرِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ اضْطِرَارًا، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ وَأَمَّا حُصُولُ هَذِهِ الْمَعَارِفِ عَلَى سَبِيلِ إلْهَامِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ، فَأَحَدُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْعَقْلِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَدَارَكَ الْعُلُومِ الْإِلْهَامُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَهُوَ غَلَطٌ فِي الْحَصْرِ إذْ لَيْسَ هُوَ جَمِيعُ الْمَدَارِكِ، بَلْ مُدْرَكٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا بَيِّنَاهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُمْ، وَقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدُوا أَنَّ الْعُلُومَ كُلَّهَا ضَرُورِيَّةٌ مُخْتَرَعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِي رحمه الله فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ مُحْتَجًّا عَلَى الْإِلْهَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7] وَقَوْلِهِ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] فَهَذَا الْوَحْيُ مَجْرَدُ الْإِلْهَامِ، ثُمَّ إنَّ مِنْ الْإِلْهَامِ عُلُومًا تَحْدُثُ فِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ الْمُطْمَئِنَّةِ قَالَ عليه السلام:«إنَّ مِنْ أُمَّتِي لَمُحَدَّثِينَ وَمُكَلَّمِينَ، وَإِنَّ عُمَرَ لَمِنْهُمْ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7]{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] .
فَأَخْبَرَ أَنَّ النُّفُوسَ مُلْهَمَةٌ، فَالنَّفْسُ الْمُلْهَمَةُ عُلُومٌ لَدُنِّيَّةٌ هِيَ الَّتِي تَبَدَّلَتْ صِفَتُهَا وَاطْمَأَنَّتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَمَّارَةً قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ مِنْ عَالِمِ الْمُلْكِ وَالشَّهَادَةِ، بَلْ تَخْتَصُّ فَائِدَتُهُ بِصَاحِبِهِ دُونَ غَيْرِهِ، إذْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ثَمَرَةُ السِّرَايَةِ إلَى الْغَيْرِ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِبَارِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ السِّرَايَةُ إلَى الْغَيْرِ عَلَى طَرِيقِ الْعُمُومِ عَنْ مَفَاتِيحِ الْمُلْكِ لِكَوْنِ مَحَلِّهَا النَّفْسَ، وَقُرْبِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَالْعَالَمِ السُّفْلِيُّ، بِخِلَافِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى، وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي قَامَ [بِنَقْلِهِ] الْمَلَكُ الْمُلَقَّى، لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ الْمُجَانِسُ لِلرُّوحِ الرُّوحَانِيِّ الْعُلْوِيِّ قَالَ: وَبَيْنَهُمَا ثَالِثَةٌ وَهِيَ النَّفْثُ فِي الرَّوْعِ يَزْدَادُ بِهَا الْقَلْبُ عِلْمًا بِاَللَّهِ وَبِإِدْرَاكِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَهِيَ رَحْمَةٌ خَاصَّةٌ تَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ فِيهَا نَصِيبٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْثًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَّصِلُ بِرُوحِ الْقُدْسِ، وَتَرِدُ عَلَيْهِ كَمَوْجَةٍ تَرِدُ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَكْشِفُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عَقِبَ وُرُودِهَا عَلَى جِبْرِيلَ عليه السلام، فَتَصِيرُ الرَّحْمَةُ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ وَاصِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْثٍ فِي رَوْعِهِ. انْتَهَى.
وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» قَالَ ابْنُ وُهَيْبٍ: يَعْنِي مُلْهَمُونَ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ ": جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ أَنَّهُمْ الْمُلْهَمُونَ، وَالْمُلْهَمُ هُوَ الَّذِي يُلْقَى فِي نَفْسِهِ الشَّيْءُ فَيُخْبِرُ بِهِ حَدْسًا وَفِرَاسَةً، وَهُوَ نَوْعٌ يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، كَأَنَّهُمْ حُدِّثُوا بِشَيْءٍ فَقَالُوهُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَفْتِ قَلْبَك وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ» فَذَلِكَ فِي الْوَاقِعَةِ الَّتِي تَتَعَارَضُ فِيهَا الشُّبَهُ وَالرِّيَبُ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَاسْتِفْتَاءُ الْقَلْبِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ أَبَاحَ الشَّيْءَ، أَمَّا حَيْثُ حُرِّمَ فَيَجِبُ الِامْتِنَاعُ، ثُمَّ لَا يُعَوَّلُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ، فَرُبَّ مُوَسْوَسٍ يَنْفِي كُلَّ شَيْءٍ، وَرُبَّ مُسَاهِلٍ نَظَرَ إلَى كُلِّ شَيْءٍ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذَيْنِ الْقَلْبَيْنِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِقَلْبِ الْعَالِمِ الْمُوَفَّقِ الْمُرَاقِبِ لِدَقَائِقِ الْأَحْوَالِ، فَهُوَ الْمِحَكُّ الَّذِي تُمْتَحَنُ بِهِ حَقَائِقُ الصُّوَرِ، وَمَا أَعَزَّ هَذَا الْقَلْبَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ ": هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْرَفُ فِي شَأْنِهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا عَسَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ يُحَدِّثُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ:«وَكَيْفَ يُحَدَّثُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ الْمَلَكُ عَلَى لِسَانِهِ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يَعْنِي يُلْقَى فِي رَوْعِهِ تَنْبِيهٌ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَإِلَّا فَمِنْ جُمْلَةِ طُرُقِ الْوَحْيِ الْإِلْهَامُ.
الْهَاتِفُ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ مِثْلُ الَّذِي سَمِعُوهُ يَأْمُرُ بِغُسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصِهِ كَذَا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمُسَوَّدَةِ " فِي ذَيْلِ الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا قَالَ: لَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْفَضَائِلِ وَكَذَلِكَ مَا اسْتَخَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ، كَقَوْلِ الْعَبَّاسِ فِي حَدْوِ الصَّارِخِ: اللَّهُمَّ خِرْ لِنَبِيِّك، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْعَةِ فَعَلَهُ تَكْرِيمًا لَهُ
قُلْت: وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا كِتَابًا فِي الْهَوَاتِفِ، وَصَدَّرَهُ بِحَدِيثِ «هَتَفَ جِبْرِيلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .
رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، عَلَى وَجْهٍ حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، يَكُونُ حُجَّةً وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَنَامَ لَا يُثْبِتُ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَلَا بَيِّنَةً، وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا، وَالشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ، وَلَكِنْ النَّائِمُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ وَالرِّوَايَةِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ وَأَمَّا الْمَنَامُ الَّذِي رُوِيَ فِي الْأَذَانِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَمَلِ بِهِ، فَلَيْسَ الْحُجَّةُ فِيهِ الْمَنَامَ، بَلْ الْحُجَّةُ فِيهِ أَمْرُهُ بِذَلِكَ فِي مَدَارِكِ الْعِلْمِ.