المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة غريبة تعم بها البلوى] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٨

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا]

- ‌[الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ]

- ‌[الِاسْتِقْرَاءُ]

- ‌[اسْتِصْحَابُ الْحَالِ]

- ‌[الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ]

- ‌[شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا]

- ‌[إطْبَاقُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ]

- ‌[دَلَالَةُ السِّيَاقِ]

- ‌[قَوْلُ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّفْرِيعُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا انْضَمَّ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْقِيَاسُ]

- ‌[الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ]

- ‌[سَدُّ الذَّرَائِعِ]

- ‌[الِاسْتِحْسَانُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا اسْتَحْسَنَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُرَادُ مِنْهُ]

- ‌[دَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ]

- ‌[دَلَالَة الْإِلْهَام]

- ‌[كِتَابٌ التَّعَادُلُ وَالتَّرَاجِيحُ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي التَّعَارُضِ وَالنَّظَرِ فِي حَقِيقَتِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّرْجِيحِ]

- ‌[شُرُوطٌ التَّرْجِيحِ]

- ‌[سَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَاتِ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى تَرَاجِيحِ الْأَقْيِسَةِ]

- ‌[مَبَاحِثُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُجْتَهِدِ مِنْ الْقُدَمَاءِ وَمَنْ الَّذِي حَازَ الرُّتْبَةَ مِنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زَمَانِ الِاجْتِهَاد]

- ‌[الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي زَمَانِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَظِيفَةِ الْمُجْتَهِدِ إذَا عَرَضَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ الِاجْتِهَادُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ الْحَقَّ فِيهَا وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّد]

- ‌[تَفْرِيعُ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ]

- ‌[التَّقْلِيدُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي مُجْتَهِدُ الصَّحَابَةِ]

- ‌[غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى]

- ‌[الْإِفْتَاءُ وَالِاسْتِفْتَاءُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا مُفْتٍ وَاحِدٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تتبع الرُّخْص فِي كُلِّ مَذْهَبٍ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[مسألة غريبة تعم بها البلوى]

وُجُودِ مُجْتَهِدٍ حَيٍّ خِلَافٌ، وَإِمَّا أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقَلَّدُ حِينَئِذٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْمُجْتَهِدِ الْحَيِّ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْغَزَالِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَثَانِيهِمَا: إذَا خَلَا عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَنَقَلَ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ نَاقِلُونَ، هَلْ يُؤْخَذُ بِنَقْلِ كُلِّ عَدْلٍ، أَمْ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِنَقْلِ عَارِفٍ مُجْتَهِدٍ فِي مَذْهَبِ مَنْ يَنْقُلُ عَنْهُ؟ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ.

وَقَوْلُ الْإِمَامِ: " فُتْيَا غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ "، إنْ أَرَادَ رِوَايَتَهُ، فَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إذَا كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا الْعَمَلُ بِالْمَرْوِيِّ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَ نَاقِلًا مَحْضًا عَنْ نَصٍّ، أَمَّا إذَا كَانَ مُخْرِجًا فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الْعَامِّيَّ الصِّرْفَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّخْرِيجِ، فَلَا يُمْكِنُهُ، فَعَلَى هَذَا فَالْخِلَافُ فِي النَّاقِلِ الْمَحْضِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِنَقْلِ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَذْهَبِ، قَادِرٍ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَرَجَّحَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِنَقْلِ كُلِّ عَدْلٍ، وَلَا يَخْفَى فِي أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ فِي النَّقْلِ. .

فَرْعٌ لَوْ اسْتَفْتَى مُجْتَهِدًا فَأَجَابَهُ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِفَتْوَاهُ حَتَّى مَاتَ الْمُجْتَهِدُ. فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ،: وَالْجَوَازُ هُنَا أَقْرَبُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. .

[مَسْأَلَةٌ غَرِيبَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى]

مَنْ عَاصَرَ مُفْتِيًا أَفْتَى بِشَيْءٍ، وَصَادَفَ فَتْوَاهُ مُخَالِفَةً لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الَّذِي تَقَلَّدَهُ، فَهَلْ يَتَّبِعُ الْمُفْتِيَ، لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إلَّا بَعْدَ اعْتِقَادِ تَأْوِيلِهِ، أَوْ الْإِمَامَ الْمُتَقَدِّمَ، لِظُهُورِ كَلَامِهِ؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْغِيَاثِيِّ وَقَالَ: فِيهِ تَرَدُّدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ اتِّبَاعُ مُفْتِي الزَّمَانِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِتَأَخُّرِهِ سَبَرَ مَذَاهِبَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَنَظَرُهُ فِي التَّفَاصِيلِ أَشَدُّ مِنْ نَظَرِ الْمُقَلَّدِ عَلَى

ص: 353

الْجُمْلَةِ، قَالَ: وَلَا يَجِيءُ ذَلِكَ فِي اتِّبَاعِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، لِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ وَعُسْرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا. قُلْت: وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ، وَقَدَّمَ فَتْوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ عَلَى ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ الْمُقَلَّدُ نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ مَذْهَبٌ، فَلَيْسَ إلَّا تَقْلِيدُ مُفْتِي الزَّمَانِ.

مَسْأَلَةٌ إذَا اجْتَهَدَ مُجْتَهِدٌ فِي حَادِثَةٍ، فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ، فَيَعْمَلُ بِهِ، ثُمَّ لَا يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُهُ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الثَّانِي - أَيْضًا - ظَنًّا، فَإِنْ كَانَ فِي حُكْمٍ لَمْ يَنْقُضْهُ، إذْ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ أَخَذَ بِالثَّانِي الَّذِي رَجَحَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الثَّانِي أَيْضًا يَقِينًا أَخَذَ بِهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالْأَصَحُّ الِامْتِنَاعُ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِيءُ خِلَافُ التَّخْيِيرِ أَوْ الْوَقْفِ.

مَسْأَلَةٌ إذَا اجْتَهَدَ مُجْتَهِدٌ فِي حُكْمِ وَاقِعَةٍ، وَبَلَغَ إلَى حُكْمِهَا، ثُمَّ تَكَرَّرَتْ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ، وَتَجَدَّدَ مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، وَجَبَ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَجَدَّدْ، لَا إنْ كَانَ ذَاكِرًا عَلَى الْمُخْتَارِ.

ص: 354

وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النَّظَرِ، لَعَلَّهُ يَظْفَرُ بِخَطَأٍ أَوْ زِيَادَةٍ لِمُقْتَضٍ. ذَكَرَ بَعْضَ هَذَا التَّفْصِيلِ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ، وَفَصَّلَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ، وَأَمَّا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، فَأَطْلَقَ حِكَايَةَ وَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرِيرُ الِاجْتِهَادِ، وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا، حِكَايَةَ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُ الِاجْتِهَادِ، قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ مَا قَدْ يُوجِبُ رُجُوعَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعًا، وَإِنْ تَجَدَّدَ مَا قَدْ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لَزِمَهُ قَطْعًا. وَقَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْحُكَّامِ ": إذَا اجْتَهَدَ لِنَازِلَةٍ، فَحَكَمَ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ، ثُمَّ حَدَثَتْ تِلْكَ النَّازِلَةُ ثَانِيًا، فَهَلْ يَسْتَأْنِفُ الِاجْتِهَادَ؟ وَجْهَانِ: وَالصَّحِيحُ: إنْ كَانَ الزَّمَانُ قَرِيبًا لَا يَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الِاجْتِهَادُ لَا يَسْتَأْنِفُ الِاجْتِهَادَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ اسْتَأْنَفَ. انْتَهَى. وَهَكَذَا الْعَامِّيُّ، يَسْتَفْتِي ثُمَّ تَقَعُ لَهُ الْوَاقِعَةُ هَلْ يُعِيدُ السُّؤَالَ؟ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " وَالْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي " وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: يَنْظُرُ، إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ كَانَ قَدْ تَبَحَّرَ فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَلَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ، فَأَفْتَاهُ عَنْ نَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَلَّدُ مَيِّتًا، وَجَوَّزْنَاهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَفْتَاهُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ شَكٍّ فَلَا يَدْرِي، وَالْمُقَلَّدُ حَيٌّ، فَوَجْهَانِ:(أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ ثَانِيًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ.

ص: 355

وَأَصَحُّهُمَا: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ ثَانِيًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ، فَعَلَى هَذَا يُعْمَلُ بِالْفَتْوَى الثَّانِيَةِ، سَوَاءً وَافَقَتْ الْأُولَى أَمْ لَا، قَالَ فِي الْبَحْرِ ": وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إلَى جِهَةِ الِاجْتِهَادِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، هَلْ يَعْمَلُ عَلَى اجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ؟ وَجْهَانِ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْفَتْوَى الْأُولَى يَجُوزُ لِغَيْرِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا غَالِبًا، فَإِنْ قَرُبَ، لَمْ يَلْزَمْ الِاسْتِفْتَاءُ ثَانِيًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ وُقُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْعَامِّيِّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ قَطْعًا، وَحَكَى فِي الْمَنْخُولِ " وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْمُرَاجَعَةِ، ثُمَّ اخْتَارَ التَّفْصِيلَ، بَيْنَ أَنْ تَبْعُدَ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا، أَوْ تَكَرَّرَ الْوَاقِعَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، فَلَا يُرَاجِعُ قَطْعًا، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ " الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى الْمُقَلِّدِ عِنْدَ التَّكْرَارِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدًا فِيهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُفْتِي حِينَ أَفْتَاهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَنْ نَصٍّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ، وَجَعَلَ الْهِنْدِيُّ فِي النِّهَايَةِ " فِيمَا إذَا كَانَ الْعَامِّيُّ ذَاكِرًا لِلْحُكْمِ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْتَاءُ ثَانِيًا قَطْعِيًّا، وَخَصَّ ابْنُ الصَّلَاحِ الْخِلَافَ بِمَا إذَا قَلَّدَ حَيًّا، وَقَطَعَ فِيمَا إذَا كَانَ خَبَرًا عَنْ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَامِّيَّ تَجْدِيدُ السُّؤَالِ. .

مَسْأَلَةٌ إذَا اجْتَهَدَ فِي حَادِثَةٍ، وَأَفْتَى فِيهَا، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ. لَزِمَ إعْلَامُ الْمُسْتَفْتِي بِالرُّجُوعِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَكَذَا بَعْدَهُ، حَيْثُ يَجِبُ النَّقْضُ، ذَكَرَهُ

ص: 356

النَّوَوِيُّ، وَنَقَلَ فِي، الْقَوَاطِعِ " أَنَّهُ إنْ كَانَ عَمِلَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِهِ يَلْزَمُهُ، لِأَنَّ الْعَامِّيَّ إنَّمَا يَعْمَلُ بِهِ، لِأَنَّهُ قَوْلُ الْمُفْتِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَهَلْ يَجِبُ نَقْضُ مَا عَمِلَ؟ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَنْقُضْهُ، وَإِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ وَجَبَ نَقْضُهُ لَا مَحَالَةَ.

مَسْأَلَةٌ إذَا رَجَعَ الْمُجْتَهِدُ عَنْ قَوْلٍ تَقَدَّمَ لَهُ، وَلَمْ يَقْطَعْ بِخَطَأِ نَفْسِهِ، فَهَلْ يَسُوغُ تَقْلِيدُهُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ؟ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، فَإِنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ فِي حِلٍّ مَنْ رَوَى عَنِّي الْقَدِيمَ.

ص: 357