الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَاشِرُهَا - أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا تَأْوِيلٌ وَقِيَاسُ أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ أَوْضَحُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ. قَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا هَلْ يَكُونُ تَرْجِيحًا بِالْقِيَاسِ؟ قَالَ الْقَاضِي: جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ تَرْجِيحَ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ، وَالظَّاهِرَ بِالْقِيَاسِ، وَأَنَا أُجَوِّزُ تَرْجِيحَ الظَّاهِرِ دُونَ النَّصِّ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا تَقْدِيمُ حَدِيثٍ غَيْرِ مُؤَوَّلٍ عَلَى حَدِيثٍ مُؤَوَّلٍ، وَلَكِنْ مِنْ التَّأْوِيلِ بِالْقِيَاسِ.
[الْكَلَامُ عَلَى تَرَاجِيحِ الْأَقْيِسَةِ]
ِ وَهِيَ إمَّا أَنْ تَكُونَ قَطْعِيَّةً فَيَدْخُلُهَا التَّرْجِيحُ، وَإِنْ قُلْنَا بِتَفَاوُتِ الْمَعْلُومِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ ظَنِّيَّةً فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَقْيِسَةِ الْمَظْنُونَةِ تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ، وَإِنَّمَا الظُّنُونُ عَلَى حَسَبِ الِاتِّفَاقِ قَالَ: وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَجَالِ الظُّنُونِ مَطْلُوبٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبٌ فَلَا طَرِيقَ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا الْمَظْنُونُ عَلَى حَسَبِ الْوِفَاقِ ثُمَّ عَظَّمَ الْإِمَامُ النَّكِيرَ عَلَى الْقَاضِي وَقَالَ: هَذِهِ هَفْوَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَلْزَمَهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِلِاجْتِهَادِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُرِدْ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْهُ، كَيْفَ وَقَدْ عَقَدَ فُصُولًا فِي التَّقْرِيبِ " فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ الْعِلَلِ عَلَى بَعْضٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ يَعْنِي إنْكَارَ التَّرْجِيحِ فِيهَا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ نَوْعًا عَلَى نَوْعٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَظُنُّهُ الْمُجْتَهِدُ رَاجِحًا، وَالظُّنُونُ تَخْتَلِفُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ فِي آحَادِ النَّوْعِ الْقَوِيِّ شَيْءٌ يَتَأَخَّرُ عَنْ النَّوْعِ الضَّعِيفِ، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ عَنْ تَقْدِيمِ الشَّبَهِ الْجَلِيِّ عَلَى الْمَعْنَى
الْخَفِيِّ، مَعَ أَنَّ غَالِبَ الْمَعْنَى مُقَدَّمٌ عَلَى غَالِبِ الشَّبَهِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: التَّرْجِيحُ فِي الْأَقْيِسَةِ الظَّنِّيَّةِ ثَابِتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ آحَادِ كُلِّ نَوْعٍ، لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَالِبِ كُلِّ نَوْعٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ: إنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ فَضَعِيفٌ، وَشُبْهَةُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: لَا حُكْمَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا مَطْلُوبَ، فَنَقُولُ: إنْ كَانَ كَمَا قُلْت اسْتَحَالَ الظَّنُّ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ الظُّنُونَ لَا تَقْدِيمَ فِيهَا وَلَا تَأْخِيرَ فَرْعُ وُجُودِهَا نَعَمْ، الْقَاضِي يَقُولُ: لَا حُكْمَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ قَبْلَ الظَّنِّ، وَلَكِنْ فِيهَا مَطْلُوبٌ، وَهُوَ السَّبَبُ الَّذِي يُبْنَى عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْحُكْمِ، كَصِحَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الظَّاهِرِ أَوْ الْقِيَاسِ مَثَلًا، فَيَطْلُبُ الْمُجْتَهِدُ ظَنَّ وُجُودِ ذَلِكَ، وَالظُّنُونُ تَخْتَلِفُ.
وَيَكُونُ بِاعْتِبَارَاتٍ الْأَوَّلُ - بِحَسَبِ الْعِلَّةِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: تَعَارُضُ الْعِلَّتَيْنِ ضَرْبَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَتَعَارَضَا فِي حَقِّ مُجْتَهِدَيْنِ، فَلَا يُوجِبُ التَّعَارُضُ فَسَادَهُمَا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَ (الثَّانِي) تَعَارُضُهُمَا فِي حَقِّ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ فَيُوجِبُ التَّعَارُضُ فَسَادَهُمَا، إلَّا أَنْ يُوجَدَ تَرْجِيحٌ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ إنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ مُوجِبَيْنِ لِلْعِلْمِ، وَلَا بَيْنَ دَلِيلٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَآخَرَ يُوجِبُ الظَّنَّ، وَإِنَّمَا يَتَعَارَضَا الْمُفِيدَانِ لِلظَّنِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْجِيحٍ، انْتَهَى. فَنَقُولُ: لَهُ اعْتِبَارَاتٌ: أَوَّلُهَا - يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الْمُعَلَّلُ بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ.
عَلَى الْقِيَاسِ الْمُعَلَّلِ بِنَفْسِ الْحِكْمَةِ، لِلْإِجْمَاعِ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ، فَيَرْجِعُ التَّعْلِيلُ بِالسَّفَرِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِنَفْسِ الْمَشَقَّةِ ثَانِيهَا - تَرْجِيحُ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ: لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَكُونُ عِلَّةً إلَّا إذَا عُلِمَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحِكْمَةِ، فَالدَّاعِي إلَى شَرْعِ الْحُكْمِ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْحِكْمَةُ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْحِكْمَةَ لَا ذَلِكَ الْعَدَمَ كَانَ التَّعْلِيلُ بِهَا أَوْلَى، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ رَاجِحًا عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ الْحَقِيقِيِّ، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ بِالْحَقِيقِيِّ رَاجِحٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُنْضَبِطًا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ.
ثَالِثُهَا - يُرَجَّحُ الْمُعَلَّلُ حُكْمُهُ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ: عَلَى الْمُعَلَّلِ حُكْمُهُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعَدَمِيِّ يَسْتَدْعِي كَوْنَهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَا يَكُونُ عِلَّةً إلَّا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْمُنَاسِبِ أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْأَمَارَةِ هَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمِنْهَاجِ " وَالتَّحْصِيلِ " وَالْفَائِقِ " وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالَيْنِ بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدُهُمَا، هَذَا، وَالثَّانِي عَكْسُهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ أَشْبَهُ بِالْوُجُودِ رَابِعُهَا - يُرَجَّحُ الْمُعَلَّلُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمُعَلَّلِ بِغَيْرِهِ خَامِسُهَا - يُرَجَّحُ الْمُعَلَّلُ بِالْمُتَعَدِّيَةِ عَلَى الْمُعَلَّلِ بِالْقَاصِرَةِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَالْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ وَابْنِ بَرْهَانٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، فَإِنَّهُ أَغْزَرُ فَائِدَةً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: الْقَاصِرَةُ مُتَقَدِّمَةٌ، لِأَنَّهَا مُعْتَضِدَةٌ بِالنَّصِّ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَصْفَى " فَقِيلَ لَهُ: الْحُكْمُ هُوَ الْمُعْتَضِدُ دُونَ الْعِلَّةِ وَقِيلَ: هُمَا
سَوَاءٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي وَاخْتَارَ فِي الْمَنْخُولِ " أَنَّهُمَا إنْ تَوَارَدَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَرْجِيحَ، وَإِنْ تَنَافَيَا فَلَا يَلْتَقِيَانِ، نَعَمْ يَكْفِي طَرْدُ الْمُتَعَدِّيَةِ عَكْسَ الْقَاصِرَةِ، وَلَا يُقَاوِمُ الطَّرْدُ الْعَكْسَ أَصْلًا، وَإِنْ فُرِضَ ازْدِحَامٌ عَلَى حُكْمِ تَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ فَالْمُتَعَدِّيَةُ أَوْلَى، لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِأَكْثَرَ مِنْ عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ - كَمَا اخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ - فَلَا تَعَارُضَ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا مَضْمُونُهُ وُقُوعُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَمَدَّ مِنْهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَّحَ الْقَاصِرَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ تُخَيَّرُ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ وَاخْتُلِفَ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ الْحُرِّ وَنَشَأَ اخْتِلَافُهُمَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا خُيِّرَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ لِفَضْلِهَا حِينَئِذٍ عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ، فَلَا تُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ، فَالْعِلَّةُ حِينَئِذٍ قَاصِرَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا خُيِّرَتْ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا فَتُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُطَّرِدَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِإِبْطَالِ الْعِلَّتَيْنِ جَمِيعًا، أَمَّا عِلَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ الْقَاضِي: لَا مَعْنًى لِتَعْلِيلِ الْخِيَارِ بِتَمَلُّكِهَا نَفْسَهَا، لِأَنَّهَا إنْ مَلَكَتْ مَوْرِدَ النِّكَاحِ انْفَسَخَ فَلَا اخْتِيَارَ، وَإِنْ مَلَكَتْ غَيْرَهُ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَلَا تَخْتَارُ فِي غَيْرِ مَا مَلَكَتْ تَنْبِيهٌ قَدْ يُنَازَعُ فِي دُخُولِ التَّرْجِيحِ مِنْ هَذَيْنِ فِي الْقِيَاسِ، لِأَنَّ الْقَاصِرَةَ لَا وُجُودَ لَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ، وَلَا يَخْفَى امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ بِنَاءً عَلَى عِلَّةٍ يَخْتَصُّ
بِهَا مَحَلُّهَا، فَكَيْفَ صُورَةُ التَّرْجِيحِ؟ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ نَتِيجَةَ التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا إمْكَانُ الْقِيَاسِ وَعَدَمُ إمْكَانِهِ مِثَالُهُ: الثَّمَنِيَّةُ وَالْوَزْنُ فِي النَّقْدَيْنِ لِمَنْ رَجَّحَ الْوَزْنَ مُرَتِّبٌ عَلَى تَرْجِيحِهِ إمْكَانَ الْقِيَاسِ، فَتَرَتَّبَ عَلَى تَرْجِيحِ الثَّمَنِيَّةِ امْتِنَاعُ الْقِيَاسِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ.
سَادِسُهَا - إذَا فَرَّعْنَا عَلَى تَقْدِيمِ التَّعَدِّيَةِ، فَتَعَارَضَتْ عِلَّتَانِ مُتَعَدِّيَتَانِ، وَفُرُوعُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ مِنْ فُرُوعِ الْأُخْرَى، يُقَدَّمُ مَا مَجَالُ تَعَدِّيهِ أَكْثَرُ لِكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَزَيَّفَهُ فِي الْمَنْخُولِ " وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِيهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَرْجِيحَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ كَثْرَةَ الْفُرُوعِ تَقْتَضِي التَّرْجِيحَ، فَلَوْ كَثُرَتْ فُرُوعُ عِلَّةٍ وَقَلَّتْ فُرُوعُ أُخْرَى، وَلَكِنَّ الْقَلِيلَةَ الْفُرُوعُ اعْتَضَدَتْ بِنَظَائِرَ تُضَاهِي فِي عِدَّتِهَا فُرُوعَ الْعِلَّةِ الْكَثِيرَةِ كَانَتْ كَثِيرَةَ النَّظَائِرِ فِي مُقَابَلَةِ كَثِيرَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ مَثَّلَهَا بِعِلَّتَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْجِمَاعِ، فَالْعِلَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي قُبُلِهَا، وَفُرُوعُهُ قَلِيلَةٌ، وَهِيَ الْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ، وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ، لَكِنَّ نَظَائِرَهُ كَثِيرَةٌ فَإِنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى الْوَطْءِ، كَالْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ وَالْحَدِّ وَإِفْسَادِ الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْعِلَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إفْسَادُ الصَّوْمِ، وَفُرُوعُهَا كَثِيرَةٌ، وَهِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَكُلُّ سَبَبٍ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، وَأَسْبَابُ فَسَادِ الصَّوْمِ وَاسِعَةٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ بِمَا يَبْطُلُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ فَقَالَ: النَّظَائِرُ الْمَذْكُورَةُ لَا اعْتِبَارَ بِهَا أَلْبَتَّةَ، وَلَيْسَتْ كَالنَّظَائِرِ الَّتِي اعْتَدَّ بِهَا فِي الْأَشْبَاهِ، كَضَرْبِ الْعَقْلِ الْقَلِيلِ اعْتِبَارًا بِضَرْبِ حِصَصِ الشُّرَكَاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْر الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْمَرْتَبَةُ عَلَى الْوَطْءِ نَائِبَةٌ عَنْ إيجَابِ
الْكَفَّارَةِ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ الْمُنَظَّرِ إلَّا اسْمُ الْحُكْمِ وَلَقَبُهُ خَاصَّةً، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ صَحِيحٌ، فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الِاشْتِرَاكَ فِي عُمُومِ الْحُكْمِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُلَائِمًا، وَلَاسْتَحَالَ الْغَرِيبُ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ فُرُوعًا، وَالْأُخْرَى مُطَبَّقَةً عَلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِلَا تَأْوِيلٍ، وَالْكَثِيرَةُ الْفُرُوعِ تَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ فِي بَعْضِ مَجَارِيهَا، فَهَذَا نَقْصٌ مِنْ جَرَيَانِهَا، وَيُقْدَحُ فِي التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا، كَاعْتِبَارِنَا فِي الْقَرَابَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ بِالتَّعْصِيبِ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عَلَى انْطِبَاقٍ وَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الرَّحِمَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ وَفُرُوعَ عِلَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً أَكْثَرَ، فَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ، غَيْرَ أَنَّ الرَّحِمَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ لَا يَجْرِيَانِ إلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ مِنْ الذَّكَرَيْنِ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ مِنْ رَكِيكِ الْكَلَامِ.
سَابِعُهَا - تَرَجُّحُ الْعِلَلِ الْبَسِيطَةِ عَلَى الْعِلَلِ الْمُرَكَّبَةِ: كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ الرِّبَا بِالطُّعْمِ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ ضَمِّهِ فِي الْقَدِيمِ النَّقْدِيَّةَ إلَى الطُّعْمِ، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَدِّ بَسِيطَةٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَوْجُهِ عِنْدَنَا. هَذَا مَا عَلَيْهِ الْجَدَلِيُّونَ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ بَرْهَانٍ، إذْ يُحْتَمَلُ فِي الْمُرَكَّبَةِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الْأَجْزَاءُ، لَا هِيَ جُمْلَتُهَا وَلِأَنَّ الْبَسِيطَةَ تَكْثُرُ فُرُوعُهَا وَفَوَائِدُهَا، وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهَا يَقِلُّ فَيَقِلُّ خَطَرُهُ، وَلِأَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِي جَوَازِ التَّرْكِيبِ فِي الْعِلَلِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا الْمَسْلَكُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَقِيلَ: بَلْ تُرَجَّحُ الْمُرَكَّبَةُ وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ ": وَلَعَلَّهُ الصَّحِيحُ
ثَامِنُهَا - تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْقَلِيلَةُ الْأَوْصَافِ عَلَى الْكَثِيرَةِ الْأَوْصَافِ: كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ " إجْمَاعَ النُّظَّارِ وَالْأُصُولِيِّينَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا رَجَّحْت بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصْفَ الزَّائِدَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ، وَصَحَّ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِهِ، وَلِأَنَّ الْكَثِيرَةَ الْأَوْصَافِ يَقِلُّ فِيهَا إلْحَاقُ الْفُرُوعِ فَكَانَ كَاجْتِمَاعِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ، قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ، إذْ الْقَلِيلَةُ الْأَوْصَافِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ دَاخِلَةٍ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أَوْصَافُ إحْدَاهُمَا غَيْرَ أَوْصَافِ الْأُخْرَى، مِثْلَ أَنْ تَجْعَلَ إحْدَاهُمَا الْعِلَّةَ الطَّعْمَ وَالْأُخْرَى الْكَيْلَ وَالْجِنْسَ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ: الْقَلِيلَةُ الْأَوْصَافِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ فُرُوعًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ.
تَاسِعُهَا - الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ الْوَصْفُ فِيهِ وُجُودِيًّا: عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَدَمِيًّا، أَوْ كَانَا عَدْمَيْنِ، وَيُرَجَّحُ تَعْلِيلُ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وُجُودِيًّا لِلْمُشَابَهَةِ بَيْنَ التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِيِّ لِلْعَدَمِيِّ هَكَذَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ " وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: إذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مَحْسُوسَةً وَالْأُخْرَى حُكْمِيَّةً فَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمَحْسُوسَةُ لِقُوَّتِهَا، وَقِيلَ: الْحُكْمِيَّةُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَيُقَدَّمُ الْحُكْمِيُّ عَلَى الْحِسِّيِّ وَمِثَالُهُ: تَرْجِيحُ عِلَّتِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ أَنَّهُ مَبْدَأُ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ عَلَى عِلَّتِهِمْ أَنَّ الْمَنِيَّ لَيْسَ فِي عَيْنِهِ وَلَا فِي حُكْمِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ.
عَاشِرُهَا - أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَقَلَّ مُقَدَّمَاتٍ: وَالْأُخْرَى مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَكْثَرِهَا، فَالْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْأَقَلِّ أَرْجَحُ، لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى مُقَدَّمَاتٍ أَقَلُّ صِدْقِهِ أَغْلَبُ فِي الظَّنِّ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَكْثَرَ، وَالْعَمَلُ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ وَاجِبٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ الْقَلِيلَةُ الْأَوْصَافِ عَلَى الْكَثِيرَةِ الْأَوْصَافِ، وَقِيلَ: الْكَثِيرَةُ أَوْلَى، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. حَادِيَ عَشَرَهَا - أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ: وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ، فَالْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُ قَدْ اُشْتُرِطَ الِانْعِكَاسُ فِي الْعِلَلِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُجْمَعًا عَلَى صِحَّتِهَا، وَالْأُخْرَى لَيْسَتْ كَذَلِكَ هَكَذَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الِانْعِكَاسَ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ، قَالَ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّ الِانْعِكَاسَ دَلِيلُ صِحَّةِ الْعِلَّةِ مَعْنًى، فَأَمَّا إذَا جَعَلْنَاهُ شَرْطًا فَلَا تَعَارُضَ فَلَا تَرْجِيحَ، لِأَنَّ الَّتِي لَمْ تَنْعَكِسْ حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ، لِفِقْدَانِ شَرْطِهَا، فَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْأَدِلَّةَ لَا يُرَجِّحُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الْإِخَالَةَ وَالْعَكْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ فَكَيْفَ نُرَجِّحُ مُسْتَقِلًّا بِمُسْتَقِلٍّ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهَا لَا بِذَاتِهَا ثُمَّ اخْتَارَ أَنَّ الْعَكْسَ لَا يُرَجَّحُ بِهِ، لِأَنَّ النَّفْيَ مَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِلَّةِ، بَلْ مِنْ الْأَصْلِ، فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهَا وَلَا مُرَجِّحًا. ثَانِيَ عَشَرَهَا - أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى حُكْمِيَّةٌ: قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فَالْحُكْمِيَّةُ أَوْلَى وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: الذَّاتِيَّةُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَلْزَمُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُكْمِ أَشْبَهُ، فَيَكُونُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ أَوْلَى. ثَالِثَ عَشَرَهَا: أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مُوجِبَةَ الْحُكْمِ: وَالْأُخْرَى لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، فَاَلَّتِي أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ أَوْلَى مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي تُوجِبُ التَّسْوِيَةَ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعِلَلِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّسْوِيَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ قَالَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَهْلٌ الصُّعْلُوكِيُّ فِي بَعْضِ الْمُنَاظَرَاتِ أَنَّ عِلَّةَ التَّسْوِيَةِ أَوْلَى، لِكَثْرَةِ الشَّبَهِ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
الِاعْتِبَارُ الثَّانِي - بِحَسَبِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فَنَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ إمَّا قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَظْنُونَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعِلْمُ بِوُجُودِهَا بَدِيهِيًّا أَوْ ضَرُورِيًّا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّ مَا عُلِمَ وُجُودُهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ هَلْ يُرَجَّحُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؟ كَمَا إذَا عُلِمَ وُجُودُ كُلِّهِ بِالْبَدِيهَةِ وَالْحِسِّ، هَلْ يُرَجَّحُ عَلَى مَا عُلِمَ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ الْمَعْلُومَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَعْلُومَةً بِالْبَدَاهَةِ وَالْأُخْرَى بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي النَّصَّيْنِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا التَّرْجِيحُ لِعَدَمِ قَبُولِهِمَا احْتِمَالَ النَّقِيضِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ ": وَكَلَامُ أَبِي الْحُسَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَالْبَدِيهِيَّاتُ وَالْحِسِّيَّاتُ رَاجِحَةٌ عَلَى النَّظَرِيَّاتِ وَأَمَّا أَنَّ الْبَدِيهِيَّاتِ تُرَجَّحُ عَلَى الْحِسِّيَّاتِ أَوْ الْعَكْسَ فَمَحَلُّ نَظَرٍ وَلَا شَكَّ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ الْبَدِيهِيَّاتِ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ الضَّرُورِيَّاتُ وَالنَّظَرِيَّاتُ وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ أَجْلَى وَأَظْهَرَ عِنْدَ الْعَقْلِ فَهُوَ رَاجِحٌ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ قِيلَ: كُلَّمَا كَانَتْ الْمُقَدَّمَاتُ الْمُنْتِجَةُ لَهُ أَقَلَّ فَهُوَ أَوْلَى قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ الْمُقَدَّمَاتُ الْمُنْتِجَةُ لَهُ أَقَلَّ وَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَكُونُ مُقَدَّمَاتُهُ أَكْثَرَ، بِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمُقَدَّمَاتِ مَظْنُونًا ظَنًّا قَوِيًّا، وَالْمُقَدَّمَاتُ الْقَلِيلَةُ تَكُونُ مَظْنُونَةً ظَنًّا ضَعِيفًا، بَلْ الْأَقَلُّ إنَّمَا يُرَجَّحُ إذَا سَاوَى الْأَكْثَرَ فِي كَيْفِيَّةِ الظَّنِّ، فَحَصَلَ إنْ كَانَ مَا يُفِيدُ ظَنًّا أَرْجَحَ مِنْ الَّذِي يُفِيدُهُ الْآخَرُ فَهُوَ أَوْلَى، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِقِلَّةِ الْمُقَدَّمَاتِ وَكَثْرَتِهَا وَضَعْفِهَا وَقُوَّتِهَا.
إذَا عَلِمْت هَذَا فَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا: أَمَّا النَّصُّ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَيَسْتَحِيلُ تَعَارُضُهُمَا إنْ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا، وَإِنْ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ فَهُمَا فِي مَحَلِّ التَّرْجِيحِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِذَا عَارَضَ الْخَصْمُ قِيَاسَ الْمُسْتَدِلِّ بِقِيَاسٍ آخَرَ وَكَانَ وُجُودُ الْأَمْرِ الَّذِي جَعَلَ عِلَّةً الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ فِي أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ مَعْلُومًا، وَفِي الْآخَرِ مَظْنُونًا، كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى.
الِاعْتِبَارُ الثَّالِثُ - بِحَسَبِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ وَذَلِكَ بِأُمُورٍ: أَوَّلُهَا - يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي تُثْبِتُ عِلِّيَّتُهُ الْوَصْفَ بِحُكْمِ أَصْلِهِ: بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ، عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْقَاطِعِ، لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهِ عَدَمُ الْعِلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى ": ذَكَرُوا فِي التَّرْجِيحِ أَنْ تَثْبُتَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الظَّنَّ يُمْحَى فِي مُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ وَلَا يَبْقَى مَعَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى تَرْجِيحٍ، إذْ لَوْ بَقِيَ مَعَهُ لَتَطَرَّقَ إلَيْهِ الشَّكُّ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِمَعْلُومٍ عَلَى مَعْلُومٍ، وَلَا مَظْنُونٍ عَلَى مَظْنُونٍ. ثَانِيهَا - يُرَجَّحُ مَا يُثْبِتْ عَلِيَّ ةَ الْوَصْفِ بِالظَّاهِرِ: عَلَى مَا لَمْ يُثْبِتْ بِالظَّاهِرِ مِنْ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ سِوَى النَّصِّ الْقَاطِعِ، وَالْأَلْفَاظُ الظَّاهِرَةُ فِي إفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ ثَلَاثَةٌ: اللَّامُ، وَإِنْ، وَالْبَاءُ وَأَقْوَاهَا اللَّامُ، وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِي تَقْدِيمِ (الْبَاءِ) عَلَى (إنْ) وَاخْتَارَ الْهِنْدِيُّ تَقْدِيمَهَا.
ثَالِثُهَا - يُرَجَّحُ مَا يُثْبِتُ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ فِيهِ بِالْمُنَاسَبَةِ:
عَلَى مَا عَدَاهَا مِنْ الدَّوَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ، لِقُوَّةِ دَلَالَةِ الْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِقْلَالِهَا فِي إفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ وَقِيلَ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّوَرَانُ أَوْلَى وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُطَّرِدَةَ الْمُنْعَكِسَةَ أَقْوَى مِمَّا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، لِشَبَهِهَا بِالْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الظَّنَّ بِغَلَبَةِ الْمُنَاسَبَةِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّوَرَانِ، وَيُرَجَّحُ الثَّابِتُ عِلِّيَّتُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالسَّبْرِ، خِلَافًا لِقَوْمٍ وَلَيْسَ هَذَا الْخِلَافُ فِي السَّبْرِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ مُتَعَيَّنٌ، وَلَا يَدْخُلُهُ تَرْجِيحٌ، لِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْمَقْطُوعِ بِهِ عَلَى الْمَظْنُونِ، بَلْ فِي السَّبْرِ الْمَظْنُونِ الَّذِي كُلُّ مُقَدَّمَاتِهِ ظَنِّيَّةٌ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا قَطْعِيًّا اخْتَلَفَ حَالُهُ بِحَسَبِهَا وَإِذَا ثَبَتَ رُجْحَانُ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى الدَّوَرَانِ وَالسَّبْرِ كَانَ رُجْحَانُهُ عَلَى الْبَاقِي أَظْهَرَ ثُمَّ الْمُنَاسَبَةُ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهَا، فَيُرَجَّحُ مِنْهَا مَا هُوَ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَهُوَ الْمَصْلَحِيُّ، أَوْ التَّتِمَّةُ، وَهُوَ التَّحْسِينِيُّ وَالضَّرُورِيَّةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ وَيُرَجَّحُ فِي هَذَا مَا هُوَ أَقْرَبُ اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ، فَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ نَوْعِ وَصْفِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُعْتَبَرِ نَوْعُ وَصْفِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَأَمَّا الْمُرَجَّحُ فِيهِمَا فَقَالَ الْإِمَامُ: هُمَا كَالْمُتَعَارَضِينَ وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: الْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُ وَصْفِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِهِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ تَعَارَضَ قِيَاسَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ بِالْمُنَاسَبَةِ لَكِنَّ مَصْلَحَةَ أَحَدِهِمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالدِّينِ، وَالْأُخْرَى بِالدُّنْيَا، فَالْأُولَى مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ الدِّينِيَّةِ هِيَ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ الَّتِي لَا يُعَادِلُهَا شَيْءٌ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلًا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآمِدِيُّ ذَلِكَ قَوْلًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ سُؤَالًا.
رَابِعُهَا - يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي ثَبَتَ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالدَّوَرَانِ: عَلَى الثَّابِتِ بِالسَّبْرِ وَمَا بَعْدَهُ، لِاجْتِمَاعِ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الدَّوَرَانِ دُونَ غَيْرِهِ، بَلْ قَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ الِاطِّرَادَ وَالِانْعِكَاسَ شَبِيهٌ بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ ثُمَّ الثَّابِتُ بِالدَّوَرَانِ الْحَاصِلُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْحَاصِلِ فِي مَحَلَّيْنِ لِقِلَّةِ احْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي الْأَوَّلِ خَامِسُهَا - يُرَجَّحُ الثَّابِتُ عِلَّتُهُ بِالسَّبْرِ عَلَى الثَّابِتِ بِالشَّبَهِ وَمَا بَعْدَهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي إفَادَةِ الظَّنِّ وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ لِإِفَادَتِهِ لِظَنِّ الْغَلَبَةِ وَبَقِيَ الْمُعَارِضُ، بِخِلَافِ الْمُنَاسِبِ، فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُعَارِضِ، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الدَّوَرَانِ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يُقَدِّمُ الدَّوَرَانِ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ، وَالْمُنَازَعَةِ فِي غَيْرِ الْمَقْطُوعِ بِهِ. سَادِسُهَا - يَتَرَجَّحُ الثَّابِتُ عِلَّتُهُ عَلَى الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالطَّرْدِ، لِضَعْفِ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْهُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَكَذَا عَلَى الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِيمَاءِ وَاَلَّذِي فِي الْمَحْصُولِ " اتِّفَاقُ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ مَا ثَبَتَ عِلَّتُهُ بِالْإِيمَاءِ رَاجِحٌ عَلَى مَا ظَهَرَتْ عِلَّتُهُ بِالْوُجُوهِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَالدَّوَرَانِ وَالسَّبْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: هَذَا ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا: لَا تُشْتَرَطُ الْمُنَاسَبَةُ فِي الْوَصْفِ الْمُومَى إلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا: يُشْتَرَطُ فَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ بَعْضِ الطُّرُقِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَيْهَا، كَالْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ، بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ بِدُونِهَا فَكَانَتْ وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ شَارِحُ الْبُرْهَانِ ": وَقَدْ يُعْكَسُ، كَمَا فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ
- عليه السلام: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ إيمَاءٌ إلَى خُصُوصِ الْغَضَبِ، لَكِنْ قَدَّمُوا عَلَيْهِ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ وَهُوَ الدَّهَشُ وَالْحِيرَةُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: وَإِنَّمَا تَمَسَّكَ بِالْإِيمَاءِ الْمُجَرَّدِ وَلَا اسْتِنْبَاطَ، فَإِنَّهُ أَدَّى بِالْغَضَبِ إلَى الدَّهَشِ الَّذِي اشْتَمَلَ الْغَضَبُ عَلَيْهِ، وَالْغَضَبُ طَرْدٌ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ نَعَمْ، إنْ قَوِيَ اجْتِهَادٌ بِهِ فَلْيُوكَلْ إلَى نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ قُوَّةً وَضَعْفًا وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ مَعَ قَوْلِهِ بِبُطْلَانِ قِيَاسِ الْأَشْبَاهِ قَالَ هُنَا: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ التَّمَسُّكُ بِهِ ابْتِدَاءً.
الِاعْتِبَارُ الرَّابِعُ - بِحَسَبِ دَلِيلِ الْحُكْمِ فَيُرَجَّحُ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ مَا دَلِيلُ حُكْمِ أَصْلِهِ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْآخَرِ (فَمِنْهَا) أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الثَّابِتُ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ، عَلَى الثَّابِتِ بِالنَّصِّ، فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي أَصْلِهِ بِالدَّلَائِلِ اللَّفْظِيَّةِ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَالنَّسْخَ وَالتَّأْوِيلَ، وَالْإِجْمَاعُ لَا يَقْبَلُهَا هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمَ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ عَلَى الْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ فَرْعُ النَّصِّ، لِكَوْنِ الْمُثْبِتِ لَهُ النَّصَّ، وَالْفَرْعُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ " وَالْمِنْهَاجِ " وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْإِجْمَاعُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ فَلَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ (وَمِنْهَا) قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: إذَا كَانَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ مُخَرَّجًا مِنْ أَصْلٍ
مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مُخَرَّجًا مِنْ غَيْرِ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي، كَقَوْلِنَا فِي جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ: يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ: لَا يَطْهُرُ قِيَاسًا عَلَى جِلْدِ الْكَلْبِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) قَالَ فِي الْمَنْخُولِ ": إذَا عَارَضَ قِيَاسٌ عَامٌّ تَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ قِيَاسًا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي مِثَالُهُ: تَوْجِيهُ قَوْلِنَا: لَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْجَانِيَ أَوْلَى بِجِنَايَتِهِ وَيُعَضِّدُ هَذَا سَائِرُ الْغَرَامَاتِ، يُعَارِضُهُ قِيَاسٌ أَخَصُّ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْعَبْدِ الذِّمَّةُ، بِدَلِيلِ الْكَفَّارَةِ وَالْقِصَاصِ، وَضَرْبُ الْعَقْلِ سَبَبُهُ مَسِيسُ حَاجَةِ الْعَرَبِ إلَى مُعَاطَاةِ الْأَسْلِحَةِ، وَإِيقَافِ هَفَوَاتٍ، وَنَقْلِ الْأُرُوشِ عَنْ الْجُنَاةِ، فَإِنَّ هَذَا مِثَالٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ ضَرْبَ الْعَقْلِ مُسْتَثْنًى عَنْ الْقِيَاسِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ تَعْوِيلٌ عَلَيْهَا.
الِاعْتِبَارُ الْخَامِسُ - بِحَسَبِ كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَرْجِيحِ الْأَخْبَارِ فَلْيَأْتِ مِثْلُهُ هَاهُنَا، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ نَاقِلَةً عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ وَالْأُخْرَى مُقَرَّرَةً عَلَى الْأَصْلِ، فَالنَّاقِلَةُ أَوْلَى عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا، لِأَنَّ النَّاقِلَةَ أَثْبَتَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَالْمُقَرَّرَةُ مَا أَثْبَتَتْ شَيْئًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُبْقِيَةُ أَوْلَى، لِاعْتِضَادِهَا بِحُكْمِ الْعَقْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِالنَّفْيِ لَوْلَا هَذِهِ الْعِلَّةُ وَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى تَرْجِيحِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَبِهِ جَزَمَ إلْكِيَا، لِأَنَّ النَّاقِلَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الشَّرْعِ، وَالْأُخْرَى تَرْجِعُ إلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ: النَّاقِلَةُ وَالْمُوَافِقَةُ لِلْعَادَةِ سِيَّانِ، لِأَنَّ النَّسْخَ بِالْعِلَلِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ النَّسْخَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ جَائِزٌ وَالْغَالِبُ فِي النَّسْخِ نَسْخُ
مَا يُوَافِقُ الْعَادَةَ لِمَا يُنْقِلُ عَنْهَا، فَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي الْأَخْبَارِ: إنَّ النَّاقِلَ أَوْلَى قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الطَّبَرِيُّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالْأَخْبَارِ، فَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ: النَّاقِلُ أَوْلَى، وَفِي الْعِلَلِ: إنَّ الْمُبْقِيَةَ فِيهَا عَلَى الْعَادَةِ أَوْلَى مِنْ النَّاقِلَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُثْبِتَةً وَالْأُخْرَى نَافِيَةً فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: تُقَدَّمُ الْمُثْبِتَةُ، قَالَ: وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِتَقْدِيمِ النَّاقِلَةِ عَلَى الْمُبْقِيَةِ لِلْأَصْلِ عَلَى مَا كَانَ قَالَ: وَرُبَّمَا خَلَطَ فِي هَذَيْنِ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ، وَهُمَا يَجْرِيَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله: قَدَّمَ قَوْمٌ الْمُثْبِتَةَ عَلَى النَّافِيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ النَّفْيَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إلَّا شَرْعًا كَالْإِثْبَاتِ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا أَصْلِيًّا رَجَعَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي النَّاقِلَةِ وَالْمُقَرَّرَةِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: الصَّحِيحُ أَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الْعِلَّةِ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ، لِاسْتِوَاءِ الْمُثْبِتِ وَالنَّافِي فِي الِافْتِقَارِ إلَى الدَّلِيلِ قَالَ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ وَكَأَنَّ مَنْ رَجَّحَ بِهِ لَاحَظَ إلْحَاقَهَا بِالْخَبَرِ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ مَدَارَ التَّرْجِيحِ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلِيَّةَ أَشْبَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَمَدَارُ التَّرْجِيحِ فِي الْعِلَلِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ الْمُنَاسَبَةِ وَتَوَفُّرِ الشَّوَاهِدِ وَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَالْحَقُّ - كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ - إنْ قُلْنَا: إنَّ النَّفْيَ فِيهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ أَنْ يُلْتَمَسَ التَّرْجِيحُ مِنْ خَارِجٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّفْيَ لَا يَكُونُ مُقْتَضًى، لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يُقْتَضَى كَمَا لَا يَقْتَضِي وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّتِي تَقْتَضِي الْحَظْرَ أَوْلَى مِنْ الَّتِي تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَقْتَضِي حَدًّا وَالْأُخْرَى تُسْقِطُهُ، أَوْ تُوجِبُ الْعِتْقَ وَالْأُخْرَى تُسْقِطُهُ، فَقِيلَ: الْمُوجِبَةُ لِلْعِتْقِ وَالْمُسْقِطَةُ لِلْحَدِّ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعِتْقَ
مَبْنِيٌّ عَلَى الِاتِّسَاعِ وَالتَّكْمِيلِ، وَالْحَدُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِسْقَاطِ وَالدَّرْءِ وَقِيلَ: عَلَى السَّوَاءِ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُبْقِيَةً لِلْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْأُخْرَى تُوجِبُ تَخْصِيصَهُ قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " فَقِيلَ: يَجِبُ تَرْجِيحُ الْمُبْقِيَةِ لِلْعُمُومِ، لِأَنَّهُ كَالنَّصِّ فِي وُجُوبِ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَمِنْ حَقِّ الْعِلَّةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ النُّصُوصَ، فَإِذَا أَخْرَجَتْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعَامُّ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْأُصُولِ الَّتِي يَجِبُ سَلَامَتُهَا عَنْهُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُخَصِّصَةَ لَهُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ.
الِاعْتِبَارُ السَّادِسُ - بِحَسَبِ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ وَهُوَ بِأُمُورٍ أَوَّلُهَا - أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ مُوَافِقًا لِلْأُصُولِ فِي الْعِلَّةِ: بِأَنْ تَكُونَ عِلَّةُ أَصْلِهِ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ الْمُمَهَّدَةِ فِي الشَّرْعِ، فَيُرَجَّحُ عَلَى مُوَافَقَةِ أَصْلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ وُجُودَهَا فِي الْأُصُولِ الْكَثِيرَةِ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ اعْتِبَارِهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَهِيَ أَوْلَى وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ "، كَمَا لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ عِنْدَهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ فُرُوعًا مِنْ الْأُخْرَى فَهَلْ الْكَثِيرَةُ أَوْلَى لِكَثْرَةِ فَائِدَتِهَا، أَوْ هُمَا سِيَّانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَجَزَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ بِتَقْدِيمِ الْكَثِيرَةِ، وَزَيَّفَهُ الْغَزَالِيُّ، لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمُتَعَدِّيَةِ عَلَى الْقَاصِرَةِ تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ مَسْلَكِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُرُوعِ.
ثَانِيهَا - يُرَجَّحُ الْمُوَافِقُ لِلْأُصُولِ فِي الْحُكْمِ: بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ أَصْلِهِ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ. ثَالِثُهَا - يُرَجَّحُ الَّذِي يَكُونُ مُطَّرِدًا فِي الْفُرُوعِ: بِأَنْ يَلْزَمَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ. رَابِعُهَا - انْضِمَامُ عِلَّةٍ أُخْرَى إلَيْهَا: لِأَنَّهَا تُزِيدُ قُوَّةَ الظَّنِّ وَالْحُكْمَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ بِقُوَّةِ الظَّنِّ، وَاخْتَارَهُ فِي الْقَوَاطِعِ " وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ تَصْحِيحُ عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَقَوَّى إلَّا بِصِفَةٍ فِي ذَاتِهِ، أَمَّا بِانْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَلَا خَامِسُهَا - أَنْ يَكُونَ مَعَ إحْدَاهُمَا فَتْوَى صَحَابِيٍّ: فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِمَّا يُثِيرُ الظَّنَّ بِاجْتِمَاعِهِمَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي تَفَارِيعِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ، فَإِنْ جَعَلْنَا مَذْهَبَهُ حُجَّةً مُسْتَقِلَّةً كَانَ هَذَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، فَهَلْ تَكُونُ لَهُ مَزِيَّةُ تَرْجِيحِ الدَّلِيلِ أَوْ لَا؟ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثِهِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ بِمَزِيَّةٍ كَغَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي وَالثَّانِي - نَعَمْ، مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ - وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ مَشْهُورًا بِالْمَزِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ، كَزَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ، وَعَلِيٍّ فِي الْقَضَاءِ، اقْتَضَى التَّرْجِيحَ، وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَبَنَى الْإِبْيَارِيُّ الْخِلَافَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَوِّبَةِ وَالْمُخَطِّئَةِ فَقَالَ: عَلَى قَوْلِ التَّصْوِيبِ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ، وَعَلَى الثَّانِي بِالتَّرْجِيحِ وَجَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَرَاتِبَ أَرْبَعًا: أَعْلَاهَا الشَّهَادَةُ لِزَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ، لِأَنَّهَا تَامَّةٌ ثُمَّ يَلِيهِ مُعَاذٌ، ثُمَّ يَلِيه عَلِيٌّ، ثُمَّ يَلِيهِ.
الشَّيْخَانِ فِي قَوْلِهِ «اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: (قَوْلُ عَلِيٍّ فِي الْأَقْضِيَةِ كَقَوْلِ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ) وَقَوْلُ مُعَاذٍ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْفَرَائِضِ كَقَوْلِ زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ.