الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي التَّرْجِيحِ]
ِ وَهُوَ تَقْوِيَةُ إحْدَى الْإِمَارَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى بِمَا لَيْسَ ظَاهِرًا مَأْخُوذٌ مِنْ رُجْحَانِ الْمِيزَانِ وَفَائِدَةُ الْقَيْدِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْقُوَّةَ لَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّرْجِيحِ قَالَ إلْكِيَا: التَّرْجِيحُ إظْهَارُ الزِّيَادَةِ لِأَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَصْلًا مَأْخُوذٌ مِنْ رَجَّحْت الْوَزْنَ إذَا زِدْتَ جَانِبَ الْمَوْزُونِ حَتَّى مَالَتْ كِفَّتُهُ وَلَوْ أَفْرَدْتَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْوَزْنِ لَمْ يَقُمْ بِهَا الْوَزْنُ فِي مُقَابِلَةِ الْكِفَّةِ الْأُخْرَى قُلْت: هَذَا حَدٌّ لِلْمُرَجِّحِ لَا لِلتَّرْجِيحِ، وَقِيلَ: بَيَانُ اخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ بِمَزِيدِ قُوَّةٍ عَنْ مُقَابِلِهِ لِيَعْمَلَ بِالْأَقْوَى وَرَجَحَ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَجْرِي فِي الظَّوَاهِرِ وَالْأَخْبَارِ تَارَةً، وَفِي الْمَعَانِي أُخْرَى فَالتَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ يَخْرُجُ مِنْهُ الْأَخْبَارُ وَالظَّوَاهِرُ، لِاخْتِصَاصِ اسْمِ الْأَمَارَةِ بِالْمَعَانِي، وَهَذَا مُنْدَفِعٌ بِالْغَايَةِ.
وَفِيهِ مَسَائِلُ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ التَّرْجِيحُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَإِهْمَالُ الْآخَرِ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَخْبَارِ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ التَّرْجِيحَ فِي الْأَدِلَّةِ، كَمَا يَنْبَغِي فِي الْبَيِّنَاتِ، وَقَالَ: عِنْدَ التَّعَارُضِ يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ أَوْ الْوَقْفُ قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْبَصْرِيِّ الْمُلَقَّبِ بِ " جُعَلٍ " قَالَ: وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ مَعَ بَحْثِي عَنْهَا وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ أَلْزَمَهُ
إنْكَارَ الرَّاجِحِ إلْزَامًا، عَلَى مَذْهَبِهِ فِي إنْكَارِ التَّرْجِيحِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَاسْتَبْعَدَ الْإِبْيَارِيُّ وُقُوعَ الْقَاضِي فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَيْسَ بِبَعِيدٍ، لِلْخِلَافِ فِي أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ؟ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي وَجَدَ لَهُ نَصًّا فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ بَلْ أَلْزَمَهُ بِجَعْلِهِ مَذْهَبًا لَهُ فَصَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ التَّرْجِيحَ الثَّانِيَةُ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا كَانَ التَّرْجِيحُ مَعْلُومًا أَوْ مَظْنُونًا قَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالتَّرْجِيحِ الْمَظْنُونِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَظْنُونِ، وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الظُّنُونُ الْمُسْتَقِلَّةُ بِأَنْفُسِهَا، لِانْعِقَادِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَالتَّرْجِيحُ عَمَلُ نَظَرٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دَلِيلًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ كَمَا انْعَقَدَ عَلَى الْمُسْتَقِلِّ.
الثَّالِثَةُ أَنَّ الْمَرْجُوحَ هَلْ هُوَ كَالْعَدَمِ شَرْعًا، أَمْ نَجْعَلُ لَهُ أَثَرًا؟ يَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ، وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ وَادَّعَى الْإِبْيَارِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ كَالْعَدَمِ لَمَا ضَعُفَ الظَّنُّ بِالرَّاجِحِ، وَلِذَلِكَ لَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ عَلَى ظَنِّهِ فِي الرَّاجِحِ، بِمَثَابَةِ مَا لَوْ كَانَ الرَّاجِحُ مُنْفَرِدًا، بَلْ ظَنًّا بِالرَّاجِحِ إذَا لَمْ يُعَارِضْ أَقْوَى مِنْ ظَنِّنَا بِهِ بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ وَخَالَفَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَرْجُوحَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ.