الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن
يعني هذا باب يذكر فيه صفة - أي كيفية - العمل في الصلوات أي كيف تفعل المفروضة يعني على الأعيان أصلا وقضاء لا كفاية وبدلا فتخرج الجنازة لأنها من فروض الكفاية على خلاف فيها والجمعة لأنها بدل من الظهر على ما سيأتي ذكره إن شاء الله وما موصولة بمعنى الذي أي ويذكر فيه الذي يتصل بها أي بالصلوات المفروضة من النوافل أي الزوائد على الفرائض وهي الرواتب والسنن التي هي الوتر باتفاق والفجر على خلاف فيه.
ذكر كيفية العمل في ذلك كله وقد تقدم الجواب عن اهتمامه بالصفة دون الإحكام في باب صفة الوضوء.
وقد تقدم الخلاف فيمن عمل ما لا يعرف فيه فرضا من سنة وأن الصحيح أن يجزئه إن كان أخذ وصفه عن عالم فانظر ذلك وبالله التوفيق.
(والإحرام في الصلاة أن تقول الله أكبر).
الإحرام في الصلاة: الدخول في حرمها وحرمتها والحرمة ما لا يحل انتهاكه لأنه إذا أحرم حرم عليه كل مناف للصلاة وظاهر كلامه أن التكبير عند الإحرام وفي جمل من الفرائض وتكبيرة الإحرام فريضة فجعل الإحرام غير التكبير وإنما هو واجب له، وأجيب بأن التكبير لما كان عنوانه صار كأنه عينه فجاز إطلاقه عليه ابن العربي الإحرام نية (ع) الإحرام ابتداؤها مقارنا لنيتها والتحقيق أنه مركب من عقد هو النية وقول هو التكبير وفعل هو الاستقبال ونحوه وفي المدونة «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وهو حديث خرجه الترمذي. قال حديث حسن وكون الإحرام والسلام متفقا عليهما بالوجوب هو المعروف.
ونص عليه ابن رشد وإنما اختلف هل هو شرط أو ركن والشرط ما تتوقف صحة الماهية عليه وليس منها والركن ما كان داخلا فيها وفي تعليق المازري على
الجوزقي حكى الصائغ في كون الإحرام والسلام من نفس الصلاة قولين (ع) ظاهره في المذهب وفائدته فساد صلاة من قارن إحرامه وسلامه إحرام إمامه وسلامه وصحتها وقطع من ألقي عليه ثوب نجس فسقط عنه وتمامه وفساد صلاة من نظر عورة إمامه حال إحرامه وصحتها عن قول سحنون انتهى.
وفي التنبيهات: معنى الله أكبر عند بعضهم أي أكبر من كل شيء وأبى هذا آخرون وقال الله أكبر وقيل بل جاء على نمط كلام العرب في المبالغة في الوصف ولم يرد المفاضلة انتهى.
وحكمة افتتاحها بالتكبير الإشعار بعظمة الله تعالى حتى يتوجه له بقلب سليم مما سواه على وجه الإجلال والتعظيم وفي قوله (لا يجزئ) غير هذه الكلمة يعني باتفاق المذهب فلا يجزئ الكبير ولا الأكبر خلافا للشافعي ولا كل وصف يقتضي التعظيم خلافا للحنفي لأنه عليه السلام وأصحابه لم يدخلوا الصلاة قط إلا بهذه اللفظة فدل على أن الألف واللام في قوله التكبير للعهد لا للجنس اللفظي ولا للجنس المعنوي.
وإنما تجزئ هذه الكلمة بشروطها وهو القيام والنية حالة الاستقبال فأما القيام لغير المسبوق فواجب عليه فإذا تركها بطلت وفي المدونة في المسبوق إذا كبر للركوع، ونوى به العقد أحزأه ابن يونس وهذا إذا كبر قائما وفسرها الباجي بما ينفي شرطية القيام وتبعه ابن بشير فهما تأويلان وبالأول قال ابن المواز وصرح في التنبيهات بمشهوريته فانظر.
وأما النية فاقترانها بالإحرام شرط دون تأخير بقليل ولا كثير اتفاقا والتقديم الكثير كذلك وفي تقديمها بيسير قولان أبو عمر حاصل مذهب مالك لا يضر عزوب النية بعد قصد النية للصلاة المعينة ما لم يصرفها لغير ذلك ابن بشير في لزوم عدد الركعات قولان والمشهور عدم الوجوب كنية القضاء والأداء وذكر اليوم الذي هو فيه وإنما يلزم استصحابها حكما لا ذكرا فعزوبها مغتفر ومحل النية القلب فلو نطق بها فواسع وإن تخالفا أي النطق والعقد فالمعتبر العقد وفي الإرشاد تستحب الإعادة في الوقت لذلك (خ) والرفض مبطل كسلام أو ظنه فأتم بنفل يعني على المشهور ولو لم يسلم ولا ظن سلاما ولكن ظن أنه في نفل فأتم عليه فصلاته صحيحة على المشهور
ولعدم إتيانه بالمنافي والله أعلم وحكم السهو ونحوه يذكر في محله إن شاء الله.
فرع:
والأخرس تكفيه النية عن التكبير اتفاقا وفي العاجز بعجمة ثلاثة الأبهري مجرد النية أبو الفرج بما دخل به الإسلام بعض شيوخ القاضي يترجم عنه بلغته وفي المدونة أكره إن يحرم بالعجمية (خ) وقال سند لا يجزئ كبار بإشباع الباء واستخف (الله وكبر) بإبدال الهمزة واوا والله أعلم.
(وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك).
يعني مع الإحرام وقيل مكروه وقيل ممنوع ذكره اللخمي وقيل يرفع الرجل دون المرأة والمشهور فصره على تكبيرة الإحرام (ع) وفي رفعهما في غير الإحرام المشهور تركه وروى ابن عبد الحكم يرفع مع الافتتاح وفي الرفع من الركوع زاد في رواية ابن وهب وعند الركوع وقال ابن وهب وعند القيام من اثنتين وروى ابن خويز منداد يرفع في كل خفض ورفع (ع) ومقتضى الروايات الرفع مع التكبير أو مقاربة له وينتهي الرفع إلى المنكبين على المشهور (س).
وروى أشهب إلى الصدر ومال إليه سحنون وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد (خ)(س) الظاهر قائمتين على صفة النابذ قال العراقيون كفاه حذو منكبيه وأصابعه حذو أذنيه وهو قريب مما ذكر الشيخ، وقال سحنون مبسوطتان بطونهما إلى الأرض على صفة الراهب ولبعض المتأخرين قائمتان مع عطف الأصابع عياض قيل مبسوطتان بطونهما إلى السمءا يعني كالراغب وقوله (أو دون ذلك) يحتمل أن يكون تخييرا في الفعل فقط ولم أقف على هذا القول ويحتمل أن يكون تخييرا في الأقوال كقوله مثل ثمانية أو عشرة في الظهر فتأمل ذلك.
فرع:
في حكم الإرسال بعد تمام الرفع اختلاف ولا يضع يمناه على يسراه في الفريضة وذلك جائز في النافلة لطول القيام ليعين نفسه الطرطوشي إنما منعه في الفريضة لأجل الاعتماد وفي العتبية لا أرى به بأساً في الفريضة والنافلة ابن رشد ظاهره اختلاف قول وروى الإخوان يستحب والعراقيون يمنع عبد الوهاب التفرقة بين الفريضة والنافلة غير
صحيح والتأويل بالاعتماد غير صحيح وإنما اختلف الناس هل ذلك من هيئات الصلاة أم لا في البيان يتحصل في ثلاثة أقوال الإباحة مطلقا والكراهة إلا في طول النافلة والاستحباب وهو يقبض اليمنى على كوع اليسرى وتحت صدره.
(ثم تقرأ).
يعني أنه ليس بعد الإحرام إلا القراءة دون فاصل من دعاء ولا غيره وهذا هو المشهور قال في المدونة: ولا يقرأ من صلى وحده أو إمام أو مأموم هذا الذي بقوله الناس «سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» وكان مالك لا يعرفه عياض لا يعرفه سنة وروى ابن شعبان قول مالك وسمع ابن القاسم يقول إذا كبر سبحانك اللهم إلى آخره ولابن رشد من رواية النسائي استحبابه وخرج اللخمي عليه قوله: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي اللهم وبحمدك» أخرجه أصحاب السنن مرفوعا وهو عند مسلم مسند منقطع وهو موقوف.
وفي الزاهي لابن شعبان حق على كل قائم للصلاة قول: «سبحان الله العظيم وبحمده» وقال الباجي كره مالك دعاء التوجه «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» ولابن شعبان روى ابن وهب قوله عن مالك.
وقال ابن حبيب: لا بأس قبل إحرامه وفيه بحث فانظر فيه ثم أصل حديثه في مسلم من رواية علي كرم الله وجهه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وفي رواية وذلك في صلاة الليل.
(فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح حيث الجهر في كلها وتشاركها في ذلك عشاء المسافر يقصر وصلاة الجمعة من الفرائض والعيدين والاستسقاء من السنن والصلوات بالنسبة إلى السر والجهر ثلاثة قسم
يجهر في كل وهو ما ذكر وقسم يسر في كله وهو الظهر والعصر وقسم بجهر في أوييه وهي المغرب والعشاء والله أعلم وسيأتي أن الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه والسر أن يحرك لسانه بالقرآن ولو لم يسمع نفسه خلافا للشافعية وغيرهم ويذكر في محله إن شاء الله. وأم القرآن هي الحمد لله رب العالمين سميت بذلك لأنه أوله أو لأنه دائر على معانيها ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي من الله على نبيه).
فقال عز من قائل: ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم والمشهور وجوبها في كل ركعة الفذ والإمام فقط لأنها لا تلزم المأموم في جهر ولا سر كما سيأتي إن شاء الله في باب السهو إن شاء الله. ثم وجوبها على الفذ والإمام فقط لأنها لا تلزم المأموم في جهر ولا سر كما سيأتي إن شاء الله وإذا كانت واجبة فيلزم جاهلها تعلمها (ع) فإن ضاق الوقت أتم فإن انفرد ففي صحتها قولا أشهب ومحمد مع سحنون فإن لم يجد قال سحنون والشيخ عن ابن القاسم فقال عبد الحق استحب إسماعيل وقوفه قدر الفاتحة والسورة يذكر الله تعالى انتهى.
والمشهور السقوط مع استحباب ويفصل بين إحرامه وركوعه. وقوله لا تستفتح إلى آخره يعني لأن ذلك مكروه على المشهور إذ لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه بسمل في صلاة قط. وقال أنس رضي الله عنه صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها وعند ابن رشد ترك البسملة من فضائل ولأبي عمر عن ابن نافع مسلمة وهو مذهب الشافعي لحديث فاتحة الكتاب سبع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية منها رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصوب وقفه ومذهب مالك إن روى على أنه قرآن لم يثبت أنه من القرآن لأنه خبر آحاد فللشافعي فاعرف ذلك.
وكان المازري يبسمل سرا فقيل له في ذلك فقال مذهب مالك على قول واحد من بسمل لا تبطل صلاته وفي الذخيرة عن الطراز لا يختلف في جواز البسملة في النافلة وأنها لا تبطل صلاة الفريضة ومذهب المدونة التخيير في النافلة في البسملة وحكى ابن رشد روايتين لا يقولها ويقرؤها عياض عن ابن نافع لا يتركها بحال لا فرض ولا نفل
ابن رشد ولمالك في البسملة أول سورة ثلاثة أقوال الاستحباب والكراهة والإباحة.
وفي المدونة لا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة ويتعوذ في قيام رمضان ولم يزل القراء يتعوذون وفي جواز الجهر بالتعوذ وكراهته قولان وفي كون قبل الفاتحة أو بعدها قولان ظاهر المدونة التقديم وجواز الجهر وفي العتبية كراهة الجهر لأنها ليست من الفاتحة بإجماع وفي المجموعة محلها بعد أم القرآن إن كان في صلاة اللخمي والشأن أن التكبير ينوب عن الاستعاذة وقد جاء هروب الشيطان منه في الآذان.
فرع:
وحكم السر والجهر في الفريضة مختلف فيه الباجي عن أكثر الأصحاب سنة ولأشهب لا سجود فيه فهو فضيلة وثالثها وجوبه ابن القاسم إذ قال تبطل صلاة تاركه عمدا والمشهور الأول وظاهر كلام الشيخ تساوي الفاتحة والسورة في حكم تارك البسملة وإن الفرض والنفل في ذلك سواء وقد تقدم ما في ذلك وإن المشهور والتفصيل والله أعلم.
(فإذا قلت ولا الضالين فقل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه ويقولها فيما اسر فيه وفي قوله إياها في الجهر اختلاف).
الشيخ آمين ممدود مخفف وقيل مقصور عياض حكاه ثعلب وأنكره ابن قتيبة الداودي مده وشد ميمه لغة شاذة ثعلب هي خطأ المازري قيل هو لفظ عبراني معرب وبنى على الفتح وقيل بضم النون اسم لله حرف ندائه (ع) وفي كون معناه اللهم استجب لنا واهدنا سبيل من أنعمت عليهم فعد ثلاثة لنقل أبي عمر انتهى.
والأكثر على الأول وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أن معناه قصدناك وأنت لا تخيب القاصدين.
وحكم التأمين الاستحباب للإمام والفذ على قراءتهما وكذا المأموم في السرية على قراءة نفسه وفي الجهرية على قراءة إمامه لقوله عليه السلام: «فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» .
رواه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهل الموافقة في الإجابة أو في خلوص النية أقوال ابن عطية الذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية وقوله (وتخفيها) يعني إن كنت فذا أو مأموما على المشهور.
وقال ابن العربي: كل مصل مخير في السر والجهر في كل صلاة جهرية أو سرية وقوله (ولا يقولها) الإمام فيما جهر فيه يعني على المشهور لقوله بعد وفي قوله (إياها في الجهر اختلاف) يريد روايتان وروى المدنيون يؤمن والمصريون لا يؤمن (خ) والمشهور رواية المصريين (س) رواية المدنيين أصح لثبوت ذلك في السنة وقيل مطلقا الباجي ويقولها في السر اتفاقا والله أعلم.
فرع:
إذا لم يسمع المأموم ختم إمامه فهل يتحراه ويؤمن على تحريه وقاله ابن عبدوس ولقمان بن يوسف وقال الشيخ مع يحيى بن عمر وعيسى بن دينار لا يفعل ورجحه ابن رشد وثالثها سماع ابن نافع التخيير والله أعلم، وخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة الفاتحة رفع صوته وقال آمين.
قال الدارقطني حديث حسن وصححه الحاكم.
(ثم تقرأ سورة من طوال المفصل وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس وتجهر بقراءتها).
أما قراءة السورة إثر الفاتحة فسنة على المشهور في أول كل فرض وفي الصبح والجمعة وقيل بوجوبها وأخذه اللخمي من قول عيسى تعاد الصلاة لترك السورة جهلا أبدا ورده المازري بعدم إعادة ترك السنة عمدا والجاهل كالعامد وقيل فضيلة وإقامه اللخمي من قول مالك وأشهب تاركها سهوا إلا يسجد ورده ابن بشير فبنى هذا القول على القول بقصر السجود على ما ورد فيه ولم يرد في السورة فإن تم التخرج فتتحصل ففيه ثلاثة الوجوب والسنة والاستحباب وظاهر كلامه أن السورة بكمالها سنة وهو المشهور (ع).
وفي المختصر لا يقرأ ببعض سورة وروى الواقدي لا بأس بآية الدين فقول عياض المشهور كلها يعيدها انتهى.
والسورة لغة القطعة من الكلام وشرعا معلوما والمفصل ما كثرت فصوله بالبسملة قيل ما لا نسخ فيه واختلف في أوله فقيل الشورى وقيل الزخرف وقيل الدخان وقيل الجاثية وقيل القتال وقيل الحجرات وهو المعمول به وقيل ق، وقيل سورة الرحمن طواله إلى عبس ومتوسطاته من ثم إلى والنجم وقصاره إلى الختم وقد يوجد من متوسطه في وطواله وفي قصاره ابن حبيب والصبح والظهر نظيرتان وقراءتهما من (البقرة) وقراءتها من البقرة إلى عبس والعصر والمغرب من (والضحى) إلى آخره والعشاء (إذا الشمس كورت) ونحوها.
وقال صلى (بالحاقة) ونحوها وفي المدونة وأطول الصلوات قراءة الصبح والظهر ولا بأس (بسبح) للسفر وإلا كرياء يعجلون الناس وروى ابن حبيب إن افتتح في العصر طويلة تركها وإن قرأ نصفها ركع ولو افتتح قصيرة بدل طويلة فإن أتمها زاد غيرها وإن ركع فلا سجود الباجي إن كان طول ما يطول يوجب ركوع ركعة بعد وقتها خفيفة.
وقوله (وتجهر بقراءتها) يعني كما جهرت بالفاتحة فإن حكمها وصفة الجهر تأتي إن شاء الله.
(فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك للركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطاطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك في ركوعك وسجودك).
ظاهر كلامه أن تمام السورة تمام للسنة وهو المشهور وتقدم تشهير عياض أن السنة بعضها وأن تمامها مستحب واستبعده (ع) وظاهر كلامه أنه عند تمامها لا يمهل شيئاً وذكر الغزالي أنه يستحب وقوفه بعدها قدر تسبيحه تحقيقا لختمتها قائما ولم تقف في المذهب على شيء من ذلك وقوله: (في انحطاطك) يعن يحالة كونك منحطا فتعمر هذا المحل بالتكبير من أوله إلى آخره وهذا مستحب فإن عجل أو أخر فلا بأس بذلك نعم وحكم التكبير في كل خفض ورفع السنة على المشهور اللخمي وقيل مستحب المازري بعض المتأخرين وجوبه لقوله إن طال عدم سجود تاركه ابن رشد وهل كل تكبيرة سنة أو المجموع سنة واحدة قولان وهما في المدونة والأول سماع يحيى عن ابن القاسم.
والثاني: سماع أبي زيد وأخذ لابن القاسم أن كثيره واجب بخلاف اليسير وقوله (فتمكن إلى آخره) ذكر فيه صفة الكمال في الركوع قال ابن بشير الركوع أقله أن ينحني بحيث يسوي ظهره وعنقه وينصب ركبتيه ويضع كفيه عليهما ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه ولا يجاوز الانحناء إلى الاستواء ويقول الله أكبر رافعا يديه عند الهوى قلت: والمشهور لا يرفع وفي رواية ابن وهب ويسبح ما تيسر له الباجي المنحني من الركوع أن يمكن يديه من ركبتيه اللخمي هو قوله في المدونة.
وفي رواية ابن شعبان أخفه بلوغ يديه آخر فخذيه وسع أشهب لا يرفع رأسه ولا ينكسه وأحسنه استواء ظهره ويستحب نصب ركبتيه عليهما يداه ابن العربي وابن شعبان مفترقة أصابعهما وفي المدونة أيفرق أصابعه في ركوعه ويضمها في سجوده قال أكره أن أحج فيه حدا أو رآه بدعة وخرج الحاكم عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع مكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره الحديث ومعنى هصر بهاء
بعدها صاد مهملة مفتوحتين مال بهما إلى الأرض فيبقى مطمئنا بين طرفيه وذلك بالغ في الاستواء والله أعلم والتطأطؤ تصويب الراس لأسفل ضد الرفع.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تدبيح كتدبيح الحمار.
يعني تغييب الظهر حتى يصير كظهر الحمار والتدبيح بالحاء المهملة قال الجوهري ومعنى تجافى تباعد قليلا والضبعين بفتح الضاد المعجمة والموحدة الساكنة هما العضدان وهذا التجافي خاص بالرجل هنا وفي السجود وسيأتي من كلام الشيخ أن المرأة لا تفعله بل تكون منضمة منزوية وقوله (وتعتقد الخضوع إلى آخره) حض على الخشوع وقد عده عياض من فرائض الصلاة التي لا تبطل الصلاة بتركه وقد قال بعض الصوفية من لم يخشع في صلاته فهو إلى العقوبة أقرب.
وقال بعض من اختصر الإحياء حضور القلب في صلاة واجب بإجماع ولا يجب في كلها إجماعا وإنما يجب في جزء وينبغي أن يكون عند تكبيرة الإحرام قلت: ودعوى الإجماع يحتاج على ثبوت وثبوته في هذه المسألة بعيد والمشهور أن التفكر بدنيوي في الصلاة مكروه.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي إن كان ما عرض مما تقدم ذكره بقرب الصلاة فهذا يدخل في الصلاة فيتعين القطع وإلا دفعه والدفع لازم على كل حال، وذكر لنا الفقيه أبو عبد الله القوري رحمه الله أن من طعن بإصبعه في فخذه اليسرى عند الوسوسة في الصلاة انصرفت عنه وعزاه لأبي حنيفة وقد جرب كون الخضوع في الصلاة بقدر الحضور في الطهارة ونص عليه بعض العلماء المتصوفة وبالله التوفيق.
(ولا تدع في ركوعك وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث).
النهي عن الدعاء في الركوع نهي كراهة لقوله عليه السلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» الحديث وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي» .
متفق عليه قال ابن دقيق العيد وهذا يقتضي الدعاء في الركوع ولا يعارضه قوله عليه السلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» فإنه يوجد من الأول والجواز ومن الآخر الأولوية.
وأجاز اللخمي الدعاء في الركوع وعزاه للمازري ولأبي مصعب بن دقيق العيد: يحتمل أن يكون النهي للأفراد والوارد إنما هو مجموع التسبيح والدعاء.
وفي المدونة لا يدع في ركوعه عبد الحق ولا بعد إحرامه قبل القراءة ولا قبل التشهد الطراز ولا في قيامه قبل قراءته ولا في الفاتحة الصقلي وعبد الحق وعن ابن عبد الرحمن إنما يكره قبل الفاتحة في الركعة الأولى.
وفي الكافي إنما يكره في الركوع فقط وتبعه عليه صاحب الإرشاد والمشهور كراهته في التشهد الأول وبعد سلام الإمام للمأموم قبل سلامه ولا يكره بين السجدتين على الأصح.
وقوله: (وقل إن شئت إلى آخره) يعني قل ما شئت من التسبيح من غير تعيين فالتسبيح مستحب، والتعيين غير لازم، وفي المدونة قال مالك: لا أعرف قول الناس في الركوع سبحان ربي العظيم، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ويكره ولم يحد فيه حدا ولا دعاء مخصوصا وهو معنى قول الشيخ وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث ووقع الحديث يقول ذلك ثلاثا وهو أقله وتأوله ابن رشد أن ذلك في حق الإمام الذي يطلب منه عدم التطويل فانظره.
وفي الحديث لما نزل {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال عليه السلام: «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قال: «اجعلوها في سجودكم» ومعنى سبحان الله تنزيها لله والواو في قوله وبحمده سببية أي سبب تسبيحنا له حمده، فالتقدير وإنما سبحناه بحمده أي لما اقتضاه حمده أي ثناؤه الجميل لا لدفع النقص إذ لا يليق به سبحانه حتى يحتاج إلى التنزيه عنه.
ولذلك قال بعضهم في اسمه القدوس هو المنزه عن كل كمال لغيره لأن قوله (المنزه عن النقائص) بمثابة قوله الملك ليس بجزار فافهم وقيل الواو بمعنى مع أي مع
حمده قوله وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا يعني وأقل اللبث أن تطمئن أي تستقر مفاصلك عن الاضطراب اطمئنانا متمكنا فالطمأنينة فرض على المشهور في جميع أركان الصلاة وعزاه اللخمي للمدونة ونحوه في الجلاب ونقل ابن رشد في سماع يحيى أنه سنة وصوبه اللخمي وعن ابن القاسم غير واجبة ومرة قال فضيلة والزائدة على أقل الطمأنينة قال ابن شعبان فرض موسع وبعضهم نقل وصوبه اللخمي واستشكل بإدراك المسبوق في آخر الركوع فانظر ذلك.
(ثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع الله لمن حمد ثم تقول اللهم ربنا ولك الحمد إن كنت وحدك ولا يقولها الإمام ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ويقول اللهم ربنا ولك الحمد).
الرفع من الركوع مطلوب بلا خلاف ابن رشد في كونه سنة أو فرضا قولان عليهما قولا مالك في كون عقد الركعة الركوع أو رفعه وعلى أنه سنة يسجد تاركه سهوا وعمدا يستغفر الله وهي رواية علي، وعلى أن الرفع فرض ويرجع محدود باقي السهو قاله محمد ويسجد قبل فإن فات رجوعه لبعده ألغى الركعة وسجد وسمع ابن القاسم فيمن خر من ركوعه ساجدا أن لا يعتد بتلك الركعة، وأحب تماديه على صلاته معتدا بها ويعيد صلاته سحنون وروى علي لا إعادة عليه.
وقول ابن القاسم لا يعتد بها ظاهره كان ناسيا أو عامدا وتماديه رعيا للخلاف (ع) عزا الشيخ لمالك استحباب تماديه وإعادته وزاد عن ابن المواز إن رجع قائما بطلت صلاته وقوله (وأنت قائل: سمع الله لمن حمده) يعني ويعمر بها المحل كما تقدم في التكبير لأن أفعال الصلاة كعظامها وأذكارها كمخ تلك العظام ولا عبرة بعظم لا مخ فيه، وتحصيل ما ذكر أن الفذ يجمع بين سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد ويفرد الإمام يسمع الله لمن حمده والمأموم بربنا ولك الحمد وهذا هو المشهور، وروى ابن شعبان جمع الإمام بينهما كالفذ وفي الصحيح نحوه عنه عليه السلام ولابن نافع وعيسى
يجمعهما المأموم واختاره عياض وغيره وحكم سمع الله لمن حمده السنة، وربنا ولك الحمد الفضيلة وتفسير سمع الله لمن حمده اللهم استجب لنا وفي لفظة الثاني ثلاثة اللهم ربنا ولك الحمد ربنا لك الحمد.
قال أبو إسحاق وهو أبلغ لأنه دعاء وتحميد إذ تقديره ربنا استجب لنا ولك الحمد ثم الواو هي رواية ابن القاسم خلافا الرواية ابن وهب والله أعلم.
فرع:
قال ابن رشد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رفع رأسه من الركوع «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه» الحديث، وكره مالك ذلك لئلا يعتقد أنه من فرائض الصلاة أن من فضائلها، وقال ابن شعبان تبطل صلاة قائله قال وقول ابن شعبان تبطل صلاة قائله لا معنى له لثبوته والله أعلم.
(وتستوي قائما مطمئنا مترسلا).
ذكر في هذه المسألة الاعتدال والطمأنينة والترسل وهو التمكن بعد الطمأنينة فأما الطمأنينة والزائد عليها فقد تقدم الكلام عليهما قريبا وفسر بعضهم الترسل برجوع العظام إلى مفاصلها.
وأما الاعتدال وهو استواء المفاصل فمن أركان الصلاة قال مالك في رواية ابن وهب إن لم يعتدل استغفر الله ولا شيء عليه وقاله ابن القاسم وقال ابن وهب وأشهب والتونسي: لا يجزئه ويعيد.
وحكى ابن القصار عن بعض الأصحاب يجب ما قرب إلى القيام ابن رشد أوجبه ابن عبد البر ودليل قول ابن القاسم أنه سنة إذ لا يستغفر من ترك فضيلة قال ورواية لا سجود أي لتركه مرة كرواية عدم السجود لترك تكبيرة وصحح ابن رشد السنة واقتصر ابن الحاجب على سنية الزائد على قدر الاعتدال وفيه قولان وأصل الباب في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً دخل المسجد فصلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فسلم عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فصل فإنك لم تصل» .
فرجع فصلى كما صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مثله فرجع فصلى ثم قال في الثالثة أو في الرابعة والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن» وفي رواية لأبي داود «ثم اقرأ بفاتحة الكتاب وبما شاء الله ثم اركع حتى تطمئن راكعا» .
الحديث فأخذ منه علماؤنا وجوب الطمأنينة والاعتدال قالوا: ولم يذكر له عليه السلام إلا الواجبات ومن جمع أطراف رواية حصل له فيها ذلك نعم. وفيه أن العالم لا يجب عليه التعليم حتى يطلب وهو الصحيح عند القاضي أبي بكر وغيره خلافا للطرطوشي ومن قال بقوله والتنبيه بالرفق والإرشاد مطلوب عند الجميع ما لم يخف فتنة والله أعلم.
(ثم تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود).
أهوى وعاد أي مال إلى نزول من علو إلى سفل والمعنى ثم تأخذ في السجود بالهوي من قيامك وهو أول أفعال سجودك وهل المقصود أولا النهي عن الجلوس قبل السجود فيكون قوله (لا تجلس لما بعده) أي لا تجلس ثم تسجد من جلوسك وأنه مضاف لما فيه ويكون ثم تسجد استئنافا لذكر الكيفية ونهيه عن الجلوس خلافا للشافعي وغيره في أن الجلوس قبل السجود بوجه خفيف جدا من سنة وقد صح فعله له عليه السلام فقالت عائشة رضي الله عنه: «إنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم آخر أمره لأنه بدن» .
أي ثقلت حركة أعضائه لارتفاع سنه وقال مالك فهو عادي لا شرعي عنده وهذا الجلوس إن وقع سهوا ولو لم يطل ضر والمتأول على تأويله والله أعلم.
(وتكبر في انحطاطك للسجود).
يعني بحيث يعمر الركن به كما تقدم في الركوع لأن الأذكار مخ الأركان فإذا خلت منها كانت ضعيفة والله أعلم.
(فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض).
يعني أو ما يقوم مقامها والتمكين المذكور إلصاقها بالأرض إلصاقا تستقر معه عليها منهبطة إن أمكن وإلا فالواجب منها أدنى جزء قاله (س).
وكره مالك شد جبهته على الأرض وأنكره أبو سعيد الخدري رضي الله عنه على من ظهر أثره في جبهته، قال علماؤنا ولا يفعلها إلا جهال الرجال وضعفه النسائي وقوله تعالى:{سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] يعني خضوعهم وخشوعهم ونحو ذلك (ع) والسجود مس الأرض وما اتصل بها من مسطح محل المصلى كالسرير بالجبهة والأنف قال وفي صحته بإحداهما يعني الجبهة وحدها وبالأنف وحده (فيها) أي في المدونة بالجبهة وبالأنف يعيد أبدا. أبو الفرج عند ابن القاسم يعيد في الوقت.
قلت: قالوا وهو المشهور ابن حبيب يعيد أبدا فيهما يعني إن ترك الأنف أعاد أبدا وإن ترك الجبهة فكذلك وفي المدونة من بجبهته قروح تمنعه السجود عليها أومأ ولم يسجد على أنفه أشهب إن سجد عليه أجزأه وهل خلاف أو وفاق وقاله ابن القصار قائلا ويسجد على أنفه أو خلاف وهو كمن أبيح له التيمم لبرد ونحوه فاغتسل وقاله ابن يونس وشيخه عتيق (س) ولك في تحصيل الواجب أدنى ما يمكن من الجبهة وما زاد على ذلك فهو كمال والله أعلم.
(وتباشر بكفيك الأرض باسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك).
يعني أن مباشرة الأرض بالكفين من غير حائل من كمال السجود وهو مستحب اللخمي ويبرزهما من كميه واختلف إذا لم يبرزهما وسمع يحيى من ابن القاسم قبض الساجد أصابعه على شيء لعذر أو لغير عذر عمدا يستغفر الله قال سند فحمله أنه مس الأرض ببعض كفه قال ولو لم يسمها إلا بظاهر أصابعه لم يجزه ابن رشد إيجاب الاستغفار يدل أنه سنة فيتخرج في تركه عمدا لا لعذر قولان وسمع ابن القاسم أرجو خفة وضع يديه على الأرض لإمساك عنان فرسه إن لم يجد بدا ابن رشد وهو أحسن من سماعه بزيادة ولا أحب له تعمده.
وسمع ابن القاسم إن لم يضع يديه على ركبتيه ولا بالأرض لجعل كسائه تحت إبطه لعجزه عن جعله في كفه لثقله وبالأرض خوف أن يخطف له لم يعد وإن لم يخف ومنعه ذلك وضع يديه على ركبتيه أعاد وهذا كله من فروع قوله (باسطا يديه)، وقوله (مستويتين إلى القبلة) قال في المدونة ويتوجه بيديه إلى القبلة ولو خالف وهو متوجه بكل ذاته لم يضره ذلك.
وقوله (تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك) يعني استحبابا ثم قوله (أو دون ذلك) يحتمل أن يكون تخييراً في الفعل من القائل الواحد ويحتمل أن يكون على القولين فهو تخيير في النقلين كقوله مثل ثمانية أيام أو عشرة وقوله (وإن نوى إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة) يريد على القول الأول أو الثاني فانظر ذلك وشرط الجبهة في السجود أن تكون ماسة للأرض أو محل المصلى فلو سجد على كور
عمامته فقال في المدونة يكره قال ابن عبد الحكم، وابن حبيب: إن كان قدر طاقة ونحوها وإن كثر أعاد في الوقت وإن مس الأرض بأنفه المازري، هذا فيمن شد على الجبهة لا فيما برز ومنع لصوقها بالأرض اللخمي إن تكتفت العمامة لم يجزه، وقوله:(وذلك واسع) يعني وضع يده حيث شاء من الأرض وجميع ما في هيئة سجوده غير ما يصح السجود إلا به، فإن الهيئات مستحبة لا شيء على من خالفها إلا فيما يجب والله أعلم.
(غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن نجنح بهما تجنيحا وسطا وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض).
قد ثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه في سجوده افتراش الأسد وفي رواية افتراش الكلب.
وهذا غاية ما ينتهي إليه القبح بفعل مكروه بل نص الشافعية على أن استواء العجيزة والرأس في السجود مبطل له قال ابن الفاكهاني ولا نص عندنا في المذهب في ذلك وما ذكر من عدم ضم العضدين والتجنيح بهما قد تقدم نحوه في الركوع وأن ذلك حكم الرجال لا النساء وأنه يعتقد الخضوع بذلك في ركوعه وسجوده أي الذلة والافتقار. وكون الرجلين في السجود قائمتين بطون إبهاميهما إلى الأرض تحقيقا للسجود عليهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» .
الجبهة وأشار بيديه إلى الأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين ابن العربي فقد أجمعوا على السجود السبعة الأعضاء، قال ابن القصار، قوي في نفسه أنه علي الركبتين وأطراف القدمين سنة. وذكر سحنون في ترك رفع اليدين من الأرض عند الرفع من السجود قولين وأخذ منه الخلاف في وجوب السجود عليهما فانظر ذلك.
(وتقول إن شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت).
يعني أنه مخير في سجوده بين أن يسبح أو يدعو أو يجمع بينهما.
وكان الشيخ اختار الجمع بينهما وفي صحيح البخاري وغيره قال أبو بكر يا رسول الله علمني أدعو به في صلاتي قال: «قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيراً» وفي رواية بالموحدة.
قال النووي: فيجمع بينهما من أراد العمل بهذا الحديث «ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» . وفي الصحيح أنه عليه السلام كان يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر» وهذا جمع بينهما وقد تقدم الكلام عليه في الركوع، وروى أنه عليه السلام لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74] قال: «اجعلوها في ركوعكم» ولما
نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: «اجعلوها في سجودكم» . والحاصل أن الدعاء مكروه في الركوع لا في السجود وفي الركوع فيه بحث واختلاف تكره في كل منهما والله أعلم.
(وليس لطول ذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا).
ليس من شأن مالك التحديد في فعل ولا قول بل ذلك شأن الشارع صلوات الله عليه وسلامه فما وقته وقتناه وما تركه تركناه قال مالك إنما يوقت أهل العراق.
فروع مجموعة:
قال اللخمي تستحب مباشرة الأرض بوجهه ويديه ولا بأس بحائل خفيف لبرد أو حر ويستحب القيام عليه ويستحب كون الحائل من نبات لا مستنبت كحصير أو حمرة اللخمي وشبهة مما لا يقصد لترفه وفي ثياب الكتان والقطن والكراهة للمدونة والجواز لابن مسلمة ويحيى وغير نباتها كالصوف مكروه اللخمي وابن رشد ولا يضع يديه إلا على ما يضع عليه جبهته والله سبحانه أعلم.
(ثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولاً).
يعني أن الرفع عند انتهاء السجود يكون كما ذكر وهو فرض بلا خلاف لعدم تصوير السجدة الثانية إلا وبه الاعتدال في سجوده كالاعتدال في الرفع من الركوع.
وذكر المازري الأقوال الثلاثة المذكورة هناك الباجي في كون الجلسة بين السجدتين فرضا أو سنة خلاف وعلى الوجوب، ففي وجوب الطمأنينة خلاف، وروى الشيخ الدعاء بين السجدتين ولا تسبيح ومن دعا فليخفف اللخمي ولا يدعو بينهما وقال سحنون إذا لم يرفع يديه عن الأرض بين سجدتيه قال بعض أصحابنا لا يجزيه وخففه بعضهم وأقيم من القول بالبطلان وجوب السجود على اليدين ومن الثاني عدمه (س) والتخريج ظاهر وأما وضعهما على الركبتين فمستحب ويستحب عند السجود تقديم يديه قبل ركبتيه في القيام وعكسه إذ ورد النهي عن خلاف ذلك والله أعلم.
وفي الحديث أنه عليه السلام كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واجبرني واهدني وعافني واعف عني» .
(ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك).
أما اعتماده على يديه فللاستعانة على القيام وهو خلاف مذهب الحنفية.
وقوله: (لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس) هذه تسمى جلسة الاستراحة وقد أثبتها الشافعية سنة لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلها وقال مالك: إنما فعل ذلك لما أثقلت أعضاؤه فهو عادي لا شرعي وهو تأويل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واستحبه ابن العربي لثبوته في الحديث قائلا وقولهم بالسجود منه وهم عظيم والمذهب أن من جلس عمدا لا شيء عليه لوروده سنة فأما السهو فإن كان قدر التشهد فإنه يسجد له وإن كان دون ذلك فقال أشهب: يسجد.
وقال ابن القاسم وابن كنانة وابن أبي حازم مع رواية ابن وهب وابن أبي أويس لا سجود وهل الاعتماد على اليدين في القيام مباح أو مستحب وهو دليل سماع ابن القاسم تركه مكروه كسماع أشهب وصوبه ابن رشد والله أعلم.
(ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك وتفعل مثل ذلك سواء غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قفت قبل الركوع بعد تمام القراءة).
يعني أنك تقرأ في الثانية بأم القرآن وسورة تجهر بقراءتهما في الصبح ولا تطول الثانية على الأولى.
ابن العربي: من لم يطل الأولى عن الثانية فهو جاهل، وظاهر كلام الشيخ أنه بين المساواة وبين تقصير الثانية، وفي المختصر لا بأس بطول القراءة في ثانية الفرض على الأولى وفي الواضحة استحباب عكسه قال الباجي ويكره في الثانية سورة قبل السورة الأولى في ترتيب المصحف ابن حبيب الترتيب أفضل وعن مالك عكسه ابن رشد وعليه فينبغي أن يبعد من الأولى حتى لا يتحقق العكس وسمع ابن القاسم كراهة تكرار سورة الإخلاص في النفل وسعة ركوع من حصر عن تمام السورة دون قراءة سورة أخرى
قاله الشيخ في المختصر ولا بأس أن يفتح عليه مأمومه لا من ليس معه في صلاة.
وروى ابن حبيب لا يلقن وإن خرج من سورة إلى الأخرى حتى يقف ينتظر الباجي لو غير آية رحمة بآية عذاب تغيير يقتضي كفرا لقن (ع) وكذا إن كان ذلك بوقف قبيح.
(غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة).
يعني تدعو بالدعاء المعروف بالقنوت وهو في الثانية من صلاة الصبح وليس غير
هذا الموضع على المشهور لا في وتر ولا غيره.
وروي القنوت في الوتر في النصف الآخر من رمضان وروي لا قنوت فيه وهو المشهور وكونه بعد الركوع في ثانية الصبح هو مذهب ابن حبيب، وقال الباجي المشهور قبله وظاهر الرسالة التخيير وهو مذهب المدونة والخلاف في محله لا بأس برفع يديه فيه وفي حديث أنس رضي الله عنه كان عليه السلام لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا عليهم متفق عليه زاد الدارقطني ما في الصبح فلم يزل يقنت حتى لقي الله وفي المدونة قال ابن مسعود القنوت في الصبح سنة ماضية يعني مضى العمل بها وليست سنة لازمة. وقال سحنون: سنة.
وفي السليمانية يسجد لسهوه والمشهور مستحب وعبر عنه الشيخ بعد بقوله (والقنوت في الصبح حسن وليس بسنة ويستحب إسراره) وقال علي بن زياد من تركه بطلت إما لأنه واجب عنده أو لأن التهاون بالسنن كالتهاون بالفرائض وقال يحيى بن يحيى هو بدعة وإليه ذهب أبو حنيفة وقال سعيد بن طارق لابنه حين سأله عن القنوت هل كان عليه السلام والخلفاء بعده يفعلونه أي بنى محدث.
(والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق).
يعني هذا مختار مالك في لفظ القنوت.
قيل وهما سورتان في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفي المدونة لا بأس بالدعاء بغيرهما وعلى الظالم ولنفسه بأمر دنياه وآخرته وروى ابن وهب أن قوله اللهم إنا نستعينك إلى آخره علمه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ومعنى نستعينك: نطلب منك العون أي القوة على ما نريده من أمور الدنيا والدين ونستغفرك: أي نطلب منك المغفرة التي هي الستر على الذنوب وعدم المؤاخذة بها ونؤمن بك أي نصدق بوجودك وكمالك مع الإذعان لما جاء عنك من أمر ونهي وغيره ونخنع لك بنونين بينهما خاء معجمة أي نذل غاية الذلة بين يديك لجلال عظمتك ونخلع عن كل
ما لا ترضاه ولا يرضاه رسولك لما فيه رضاك ورضا رسولك ونترك من يكفرك وفي رواية من يكفر بك أي نعاديه ونجانبه لأجل كفره: بك والكفر تغطية الحق بالباطل اللهم أي يا الله أقيمت الميم مقام حرف النداء إياك نعبد يعني لا غيرك لأن تقديم المعمول يؤذن بالحصر والعبادة كل مأمور به شرعاً.
قال القاضي أبو بكر بن العربي وتخفيف الياء من إياك يحيل المعنى لأن إياك بالتخفيف: اسم للشمس ومعنى نصلي نقبل على المعنى اللغوي وعلى وجه خاص إن قصدت الصلاة الشرعية ونسجد يعني في صلاتنا وكأنه أتى بخاص بعد عام لأن الصلاة أفضل الأعمال وأفضل أفعالها السجود لأنه محل القرب وأقرب ما يكون العبد من ربه في السجود.
وقوله (نسعى) يعني نقبل أو نعمل بجد لا تقصير فيه ونحفد بكسر الفاء نسارع في مرضاته (نرجو رحمتك) يعني أن تنالنا فيما نحن فيه من أمر الدنيا والدين ونخاف عذابك الجد بكسر الجيم الذي لا مريه فيه ولا هزل يدخله ولا يعتريه (إن عذابك بالكافرين ملحق) بكسر الحاء يلحق من قضيت عليه به وهم الكفرة حتما وغيرهم إن شئت ذلك وعلى رواية فتح الحاء يلحقه بهم من شئت من خلقك زبانية وغيرهم.
وهذه ألفاظ القنوت عنده من غير زائد.
وفي التلقين اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره وهذا الذي اقتصر عليه الشافعي وأتى به جهراً وهو مشهور رواه علي كرم الله وجهه. وخرجه البيهقي والطبراني ولم يصح حديثه وليس في صحيح الرواية ونتوكل عليك وثبت في بعض النسخ والمشهور لا يتقيد للقنوت دعاء ودعا بما أحب وإن لدنيا ولو قال يا فلان فعل الله بك كذا لم تبطل على الأصح.
وفي الجلاب إنما يدعو في القيام بعد القراءة وفي الجلوس بعد التشهد وروى الشيخ أيدعو بكسوته في سجوده؟ فقال يزيد ذكر السراويل ليدع بما دعا به الصالحون وبما في القرآن والقول بالبطلان في قوله يا فلان فعل الله بك كذا لابن شعبان قال الشيخ رواه لغيره.
(ثم تفعل في السجود والجلوس كما تقدم من الوصف).
يعني وتتقي الإفعاء وهو الجلوس على صدور القدمين ماسا بأليتيه عقبيه كذا في المجموعة وانظر التونسي واللخمي وابن يونس وابن زرقون في ذلك.
(فإذا جلست بين السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك).
يعني فتكون رجلاك معا خارجتين لناحية اليمين ومعنى نصب اليمنى جعلها موجهة للقبلة بركبتها وبحسب ما ذكر فتكون اليسرى معترضة من شمال إلى يمين فتكون مضجعة على يسارها ووراءها إبهام اليمنى قائم على رأسه وكذا كل ما أمكن من أصابعها ومعنى ثنيت عطفت وأفضيت إلى الأرض وضعت بها أو ملت إليها أو خالطت وكل قريب والمراد بأليته هنا الورك اليسرى. وقد رواه بعض الناس بأليتيك بالتثنية وهو يوافق المذهب والله أعلم.
وقوله: (ولا تقعد على رجلك اليسرى) يعني خلافا لأبي حنيفة وهو مقتضى حديث وائل بن حجر رضي الله عنه في صفة الصلاة وذهب الشافعي إلى حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه وهو أن يجلس في الأولى كفعل أبي حنيفة وفي الثانية كفعل مالك متوركا وقال أحمد بن حنبل اختلاف الأحاديث قاض بالتخيير فأيهما جلس كان على السنة ومذهب مالك أن هذا كله مستحب وكيفما جلس أجزأه وقد تقدم حكم الإقعاء قريبا وبالله التوفيق.
(وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع).
يعني أن توقيف الرجل اليمنى وجعل إبهامها وأصابعها إلى الأرض ليس بشرط بل الأمر على التخيير في ذلك وفي هذه وقد زاد الشيخ في صفة الجلوس في هذا الموضع ثلاثا الإفضاء بالألية إلى الأرض والنهي عن الجلوس على الرجل اليسرى وإمالة اليمنى وجعل جنب بهمها إلى الأرض مع أن سنة الجلوس في المذهب واحدة.
وفي قوله (بهمها) مناقشة لفظية وذلك أن الجوهري قال الإبهام أعظم الأصابع والبهم أولاد الضأن فكان صوابه أن يقول جنب إبهامها والله أعلم.
(ثم تتشهد والتشهد التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
قوله (ثم تتشهد) يعني تأخذ في ذكر التشهد بلفظه الوارد شرعاً وقد وردت فيه ألفاظ متقاربة المعنى.
قال في التمهيد: والاختلاف فيها اختلاف في مخيرايه أولى عياض وقد صحت فيه
روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن طريق ابن عباس رواية قال بها الشافعي ومن طريق ابن مسعود قال بها أبو حنيفة وقال مالك بالتشهد الذي علمه عمره رضي الله عنه على المنبر بمحضر الصحابة ولا نكير يعني فكان كالمجمع عليه قلت: وقد أنهيت الروايات فيه إلى نحو العشرة وفي أول بعضها باسم الله وبالله ولم يأخذ به مالك وسمعت بعض الشيوخ يقول تشهد عمر ليس فيه ورحمة الله وبركاته وهو ثابت في بعض روايات الموطأ وصحيح في رواية عبد الله بن عمر وكذلك وجده لا شريك له في التشهد الأول.
والصحيح أن محمدا عبد الله ورسوله بصريح الاسم لا بالضمير وقد اختلف في معنى التحيات بما يطول وأحسن من ذلك قول من قال التعظيمات لله فلا يستحقها سواه لأنه الملك الذي ليس فوقه ملك والعظيم الذي يصغر عند ذكر وصفه كل شيء والله أعلم.
والظاهر أن الزاكيات والطيبات وصف للتحيات ومعنى الزاكيات: الطاهرات من النقص والمتزايدات في الظهور والمعاني والطيبات الخالصات الجليلات وقيل الزاكيات الأعمال الصالحات لله أي اختراعها وإيجادها كغيرها والطيبات من الكلام كذلك لقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] والصلوات الإقبالات وقيل ذوات الركوع والسجود فلا يصح أن تعمل لغيره.
قال ابن العربي وإنما أضيفت هذه كلها إلى الله تعالى تشريفاً وتعظيماً كقوله {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ} وإلا فالكل منه وإليه وقوله (السلام عليك) قيل السلامة الدائمة والنجاة لك يا رسول الله ابن دقيق العيد وقيل بمعنى الانقياد لقوله تعالى: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] وضعفه بجهة التعديل يعلى إذ لو كان المعنى هذا لكان السلام لك وإنما قال أيها النبي ولم يقل أيها الرسول لعموم النبوة قلت: ليس المراد الجنس حتى يكون مثل هذا جوابا وإنما المراد شخص بعينه فالظاهر أنه عدل للوصف والأخصر الذي هو النبوة باعتبار اللفظ والله أعلم.
(ورحمة الله) ما يتعدد من نفحات إحسانه المتداركة وبركاته خيراته المتزايدة لأن البركة هي الخير المتدارك وقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) رجوع في حكم النيابة في رد السلام المتوجه منا للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالصالحين
قيل كل المؤمنين لقوله عليه السلام: «فإذا أصابت كل عبد مؤمن في السماء والأرض» وقال: الزجاج الصالح القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد.
وقيل الصالح من سلم عمله من المفسدات ولسانه من المبطلات أو من الخطيئات وبطنه من الشبهات وقوله: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قد تقدم معناه في الأذان وإنما ذكر بالعبودية لأنها أشرف أسمائه وتبريا مما قاله النصارى وفي نبيهم وقد قال عليه السلام لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ولكن قولوا عبده ورسوله.
تنبيه:
وما يقع للعوام كثيراً قولهم التاحيات بزيادة الألف بعد التاء وتخفيف الياء وقد نص الشافعية على بطلان الصلاة بذلك ولم أقف لأهل المذهب على شيء فيه فانظره.
(فإن سلمت بعد هذا أجزأك).
أي في استعمال سنة التشهد والمشهور أن كلا التشهدين سنة واحدة.
وروى أبو مصعب وجوب الأخير كمذهب الشافعي وقال ابن زرقون ظاهر نقل أبي عمر عنه وجوبها وسيأتي قول الشيخ والتشهد وإن قيل سمي التشهد لاحتوائه على التشهدين قلت مع تضمن معناهما والله أعلم.
(ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور).
يحتمل أن يكون التخيير في الزيادة وتركها وهو الظاهر ويحتمل كونه في المزيد واعترض ابن الفخار هذه الجملة بأنها إنما وردت في تشهد الوصية لا في تشهد الصلاة وبالغ ابن العربي في إنكارها حتى قال: وهذا من تحريف الشريعة وتبديلها وهو إسراف في النكير إذ لم يرفع حكما ولا أخل بحكمة ولا نقل عن محله الذي ورد فيه نقلا يقتضي إسقاطه عما ورد فيه بل هو من كمال العقيدة غر أن الوارد في هذا المحل إنما هو قوله عليه السلام ثم ليتخير من المسألة أحب إليه وهو الذي فعله الشيخ في تمام الزيادة المذكورة.
(اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وإلى
آخره).
المشهور أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة سنة عند ابن شاس.
وقال ابن الحاجب هو الأصح، وقال ابن عطاء الله الأصح فضيلة، وروي عن ابن المواز الوجوب مثل قول الشافعي وظاهر كلام الشيخ والاستحباب لتخييره في الزيادة التي في الصلاة منها وقال ابن العربي حذرا من قول ابن أبي زيد (وارحم محمدا) فإنه قريب من بدعة ورد بحديث ابن مسعود رضي الله عنه إذا تشهد أحدكم في صلاته فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم إلى آخره. رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين فلا وجه لإنكاره.
وذكر عياض اختلافا في الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة هل يجوز أو يكره فكرهه أبو عمر بن عبد البر وقيل: يجوز وإليه ذهب أبو محمد وأنكر عياض أن يكون فيه حديث صحيح فانظر ذلك نعم ويشكل أيضا على قول من قال إن الصلاة هي الرحمة لأنه تكرار ونقل الشارمساحي في شرح أصول ابن الحاجب أن الصلاة عند جمهور العلماء بمعنى الرحمة ورحمة الله لمن أراد رحمته إرادة إنعامه.
وقال القرافي إنها من الله زيادة الإحسان قال بعض المتأخرين هي بمعنى القبول والتكرار أي الإقبال بزيادة التشريف والتعظيم وقد تقدم ذلك، وقوله (كما صليت على إبراهيم) يعني في التحديد والتكرار بعد حصول صلاته عليه في الأصل والله أعلم.
ومعنى حميد محمود في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله مجيد أي عظيم في ذلك، وقوله (أنبيائك والمرسلين) خصوص بعد عموم لأن النبي إنسان أوحى إليه بشرع فإن أمر بتبليغه فهو رسول وإلا فنبني فقط، وقيل: الرسول من جاء بشرع جديد أو كتاب جديد والنبي من لم يجيء بشرع أو جاء مجددا لشريعة غيره وقد تقدم في قوله (وعلى أهل طاعتك أجمعين) فيه جواز الصلاة على غير الأنبياء والمشهور جوازه بالتبع لا مع
الإفراد وعن مالك لا يصلي إلا على محمد صلى الله عليه وسلم.
(اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما).
هذا من تخيير المسالة وقدم نفسه في الطلب لإشعار الافتقار ثم والديه لواجب حقهما ويشكل هذا في حق من والداه على غير الإسلام ومعنى مغفرة عزما غير متوقفة على شرط وقيل يعني ناجز وقوعها وقيل غير ذلك.
وقوله: (اللهم إني أسألك من كل خير سألك
…
إلى آخره) كذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم بعض من سمعه يدعو ويطول التفصيل في دعائه إثر صلاته رواه الترمذي وغيره.
وقوله (ما قدمنا وما أخرنا) يعني ما قدمنا من السيئات وما أخرنا أي وما تركنا من الواجبات وقيل ما قدمنا من الذنوب وما أخرنا من التوبة وقال ابن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى:{يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] بما قدم ما عمل بنفسه وما أخر ما سنه ليعمل به بعد موته وقوله (وما أنت أعلم به منا) يعني وما تعلمه ولا علم لنا به أو لنا به علم لكن في علمك منه ما لا نعلمه لأن علمنا لا يساوي شيئا مع علمك إذ لا نعلم إلا ما علمتنا ومن فهم أن علم العبد بنفسه وغيره ينقي علم الله به أو يقتضي له قصورا ويتبعه فهو كافر إجماعا والله أعلم.
وقد حكى بعض المفسرين في معنى قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] خمسمائة قول سمعت ذلك من شيخنا أبي عبد الله
القوري يذكره غير مرة ويحكي أنه في مسألة الروح سبعمائة قول ومرجع الأقوال كلها في الأول إلى طلب ما هو حسن في الدنيا حسن في الآخرة فكل من فهم في ذلك شيئاً قال إنه المراد والتحقيق أنه من وجوهه والله أعلم.
(اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب النار وسوء المصير).
فتنة المحيا ما يقع من الفتن في حال الحياة وأنواعها كثيرة فضلا عن أعيانها أعاذنا الله منها وفتنة الممات أعظمها خاتمة السوء والعياذ بالله وأقلها الشغل عن الذكر في ذلك الوقت مع الابتلاء بالأمور الشنيعة نسأل الله العافية وفتنة القبر سؤال الملكين وما يتبعه من سؤال القبر ونحوه حتى قالوا إن إبليس يدخل معه في قبره فإذا سأله الملكان من ربك وما نبيك أشار إليه أن يقول إنه هو ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وهو غريب والمسيح بالحاء المهملة والخاء المعجمة سمي بالأول لأنه أمسح اليمنى أو لأنه يمسح الأرض في أقرب مدة وهي أربعون يوما وبالثاني بمعنى أنه ممسوخ فعول بمعنى مفعول والصحيح بالمهملة والدجال لغة: الكذاب البالغ في الكذب للغاية والله أعلم وسوء المصير قبيح المرجع.
تنبيه:
هذا منتهى ما اختاره الشيخ من الأدعية ولك أن تدعو بغيره وأن تنقص منه وتزيد عليه ولا يزيد إلا في آخر التشهد الأخير لأن سنة الأول التخفيف وقوله (السلام عليك أيها النبي إلى آخره) كان يقوله عبد الله بن عمر رضي الله عنه آخر تشهده.
(ثم قال السلام عليك إلخ)
بهذا اللفظ من غير نقص إذ لا يجزئ على المشهور ولا زيادة رحمة الله ولا غيره لأن المذهب خلافه ابن الحاجب وفي اشتراطه نية الخروج به قولان (خ) قال ابن الفاكهاني والمشهور عدم اشتراطه نية الخروج بالسلام وأن النية الأولى منسحبة عليه قال سند ظاهر المذهب اشتراط نية الخروج به وكذا حكاه وعن ابن العربي الافتقار لابن حبيب وعدمه لمعروف المذهب ولم يحك ابن رشد غيره والتعريف شرط على المشهور فلو قال سلام عليكم فقال الشيخ عبد الوهاب لا يجزئ ولو جمع بين التعريف والتممير بأن قال السلام بالتنوين فقال الشارمساحي يجري فيها ما يجري في صلاة اللحان وجزم ابن الفاكهاني عن بعض المتأخرين بالبطلان.
وحكى الشيخ الصالح أبو محمد يمكن في من قال السلام ولم يقل عليكم قولين (وقوله تسليمة واحدة عن يمينك) هو مشهور المذهب وروى اللخمي ثانية على اليسار وقال أبو الفرج: إن كان أحد بيساره (خ) وزيادة الثانية هي رواية ابن وهب وقوله (عن يمينك) تقصد بها قبالة وجهك كالمتنافي والمراد أنك لا تنحرف عن القبلة في حال سلامك بأول وهلة ولكن تسلم قبالة وجهك ثم تنحو برأسك لناحية اليمين لآخره ليدل ذلك على خروجه من الصلاة.
وقال ابن شعبان: من بدأ فسلم عن يساره قبل أن يسلم عن يمينه حتى تكلم بطلت صلاته واستشكله الشيخ بأنه إنما ترك التيامن وهو مندوب على المشهور ونقل اللخمي عن مطرف الأجزاء ولو عمدا فرأى اللخمي إن سلم عن يساره ونوى به التحلل أجزأه وإن نوى به الفضيلة وإنما يتحلل بالثانية فنسي حتى طال انصرافه بطلت وإن كان ظن أنه سلم الأولى بالتحلل ثم أتى بالثانية وإن رأى صحة التحلل بالثانية صحت وإلا فلا (ع).
والصواب في القسم الثاني بطلانها لكلامه ابن رشد إن سلم الإمام في الثانية ونسي الأولى لم يجزه على قول مالك ويجزيه على ما تأولناه من قول ابن شهاب وابن المسيب.
فرع:
ولو سلم شاكا في تمام صلاته فقال ابن حبيب تصح برجوعه لإتمامها والأظهر قول غيره ببطلانها وعن الشيخ صحتها لكتاب ابن سحنون وبطلانها الابن عبدوس عن سحنون وقوله (هكذا يفعل الإمام والرجل وحده) يعني في العدد والهيئة غير أن في الواضحة ليحذف الإمام سلامة ولا يمده قال أبو هريرة وتلك السنة وكان عمر بن عبد العزيز يحذفه يخفض به صوته وفي المدونة يسمع الإمام من يليه ولا يخفض جدا وسمع ابن وهب أحي إلي عدم جهر المأموم بالتكبير (وربنا ولك الحمد)، فإن أسمع من يليه فلا بأس وتركه أحب إلي ولا يحذف تكبيرة ولا تسليمة حتى لا يفهم ولا يطيله جدا.
فرع:
سمع عبد الملك بن وهب من صلى خلف من يسلم تسليمتين فلا يسلم حتى يسلم إمامه الثانية وسمع ابن القاسم وقيامه لقضائه كذلك.
(وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد أخرى على من كان سلم عليه عن يساره).
يعني أن المأموم يسلم ثلاثة واحدة للخروج من الصلاة والأخرى للإمام والثالثة لمن على يساره ولم يقل قبالة وجهه كما قال في الفذ والإمام المازري وظاهر رواية ابن القاسم في المدونة فلا يحتاج أن يسلم قبالة وجهه.
ونقل عياض أنه كالفذ والإمام والبداءة بعد الأولى بالإمام على المشهور ولابن محرز عن أشهب رأيت مالكا بدأ أبيمينه ثم يساره ثم على الإمام في كل ذلك سلام عليكم وفي هذه الرواية أجزاء سلام عليكم في كل سلام.
وقال الباجي لا يجزئ وروى ابن شعبان يجزئ الباجي واختار بعض أصحابنا (سلام عليكم) فتتحصل ثلاثة أقوال مشهورها عدم الإجزاء وروي إنما يسلم واحدة للخروج من الصلاة وأخرى للإمام والجماعة يشركهما فيها واختاره ابن العربي في العارضة.
فرع:
وفي المسبوق إذا ذهب إمامه ومن على يساره هل يسلم عليهما أم لا؟ روايتان المازري على ثبوته ببقاء حكم الإمام عليه ونفيه فإن شرط الرد الاتصال.
(فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئاً).
يعني المأموم فلا يرد على قاض بإزائه وهل يرد الإمام على مصل في يساره هو تأويل أبي الفرج على رواية اللخمي يسلم المأموم اثنتين ابن سعدون ويكون على إمامه تلقاء وجهه وليس عليه أن يشير إلى المأمومين ولأن المأموم لو كان بين يدي الإمام لم يكن سلامه عليه وجهه والنية تجزئ في ذلك.
وقيل: يرد على يساره للملائكة ومؤمني الجن لأنهم هناك والله أعلم.
فرع:
والسلام فرض على المنصوص وأخذ لابن القاسم فيمن أحدث بعد سلام إمامه أنه ينصرف ولا شيء عليه أنه ليس بواجب وقال الباجي هو قول أبي حنيفة ورده المازري عنه بأن أبا حنيفة يجزئ ذلك ابتداء ويجعله كافيا وهذا خلافه فانظره.
(ويجعل يديه في تشهده على فخذيه).
فمن لازمه رفع يديه عن الأرض.
وقد حكى سحنون في وجوبه قولين وجعلهما مستحبا وهو قريب من قوله (وترفع يديك على ركبتيك بلا فرق بينهما)(ع) وكفاه في جلوسه على فخذيه قابضا اليمنى بسبابتها وحرفها إلى وجهه زاد ابن بشير ثلاثا وثلاثين ابن الحاجب شبه
تسعة وعشرين والمروي ثلاثا وخمسين والذي نقله (خ) عن ابن بشير ثلاثا وثلاثين وصوب ابن فرحون ما لابن الحاجب فانظره قلت: وصفة العشرين من الإبهام بعد طول السبابة والثلاثة تحتها ضم الوسطى والبنصر والخنصر لأصلها والتسعة جعل رءوس الثلاث على لحمة الكف وصفة الخمسين جعل الإبهام إلى جانب السبابة كالراكع والله أعلم.
فأما الثلاثون فهي أن يجمع رأس المسبحة إلى رأس الإبهام كحلقة واسعة والثلاث كما تقدم في غيرها ويقال إمساك القملة بالثلاثين وقتلها بالسبعين والله أعلم، وقوله (يشير بها) يعني إلى التوحيد وفي أبي داود أنه عليه السلام رأى رجلاً يشير بأصبعيه السبابتين فقبض له واحدة وقال " إنما هو إله واحد.
وقوله (واختلف في التحريك) يعني في المراد به عند القائل به فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله واحد وهذا يجري على قول يحيى بن عمر أنه لا يحركها إلا عند قوله " أشهد أن لا إله إلا الله " وقال ابن القاسم إنما يجدها ساكنة جنبها الأيسر إلى وجهه ولا يحركها.
وقال يحيى بن سعيد: يقبضها ولا يحركها وفي سماع ابن القاسم التخيير وسمع ابن القاسم يسن تحريكها في جميع التشهد قال ورأيت مالكاً يحركها في التشهد ملحاً من تحت الساجة ابن رشد وهو السنة وقال ابن عمر هو من سنة الصلاة يعني الإشارة خلافاً لابن العربي ابن الفاكهاني وصفة تحريكها أن يشير بها شرقاً وغرباً كالمدية قيل وإنما اختصت السبابة بذلك لأن عروقها متصلة بنياط القلب فإذا حركت انزعج وتنبه يعني فيحضر لبقية الصلاة ولعله ومقصود الشيخ بقوله وأحسب تأويل ذلك) ومن ثم كانت مقمعة للشيطان وإلا فأين الشيطان وكيف تقابله أصبع واحدة بل ولا يد واحدة والمقمعة هو القياس والرواية الفتح من القمع وهو القهر والغلبة وبالله التوفيق.
(ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثاً وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويكبر ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
يعني كما صح ذلك من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قائلاً: «من قاله غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر» أخرجه مسلم.
وفي حديث ثوبان رضي الله عنه كان عليه السلام إذا انصرف من الصلاة استغفر ثلاثا قال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تبارك ذو الجلال والإكرام» رواه مسلم قال الأوزاعي يقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله وقال ابن العربي إنما يقول " رب اغفر لي " والعمل على الأول وفي حديث معاذ رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: «إني أحبك يا معاذ فلا تدعن في دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» رواه أبو داود وغيره في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا الموت صححه ابن حبان وغيره.
وفي حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما " من قرأها في إثر صلاة حفظ إلى صلاة أخرى رواه الطبراني وزاد " قل هو الله أحد " معها، وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه عليه السلام أمره بقراءة المعوذتين في دبر كل صلاة وفي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه عن علي – كرم الله وجهه – من قال في دبر كل صلاة مكتوبة:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] الآية فقد اكتال بالكيل الأوفي من الأجر فهذه وظيفة الخواص عند العلماء واختلفوا هل يجمع الكل أو يقولها ثلاثا وثلاثين وهو مختار جماعة من السلف وأئمة الفقهاء منهم الشيخ الصالح الفقيه ابن (ع) فيما حكى عن الأبي
ومنهم من اختار التفصيل وهو ظاهر الحديث وسألت الشيخ فخر الدين الدمياطي حافظ العصر وإمام الحديث عن ذلك فقال مقتضى الأحاديث الجمع.
وقد صح الترغيب في ذلك عشرا عشرا وكان شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله يقول: إذا استعجلت الأمر عملت بحديث العشر وإذا تأنيت أخذت بالثلاث والثلاثين قلت: ويشكل في صلاتين من يوم لقوله في دبر كل صلاة مكتوبة فانظر ذلك.
وفي الصحيح أنهم قالوا يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال: «جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبة» فالدعاء في أدبار الصلوات مطلوب وفي كونه على الوجه الواقع في المساجد اليوم بدعة مستحسنة أو بدعة مستحبة خلاف بين المتأخرين وحديث حبيب بن مسلمة البهزي رضي الله عنه وكان مجاب الدعوة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجتمع قوم مسلمون فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا استجاب الله لهم دعاءهم» . رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم وهذا كله في إثر المكتوبة للفرق بينها وبين النافلة قاله ابن الفاكهاني وحكى أبو عمر أن السلام كاف فيه والله أعلم.
(ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجب).
أما استحباب الذكر في هذا الوقت فلأنه افتتاح صحيفة النهار ووقت فراغ القلب من أشغال الدنيا ومفتاح الخير ومحل تنزل الخير والبركة، وحديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام كان إذا صلى الصبح تربع في مجلسه يذكر الله حتى تطلع الشمس وعنه «من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الصبح ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يقول الله تعالى: «ابن آدم اذكرني ساعة بعد الصبح وساعة بعد العصر أكفك ما بينهما» وعن علقمة بن قيس رضي الله عنه قال بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من النائم بعد صلاة الصبح وذكر العلماء أن البركة في الغنم باستيقاظها في هذا الوقت وعدمه في الكلاب بنومها فيه حتى إن الكلبة تلد سبعة ولا ذبح والشاة تلد واحدة وإن أكثرت اثنان والغنم مع ذلك أكثر من الكلاب والحاصل أنها أربعة النوم في هذا الوقت مكروه قال في الاستيفاء إلا من اتصل سهرة بصلاته لقيام بليله وقال أحمد بن خالد لا يكره.
الثاني: وهو إن كان بالعلم ونحوه كالذكر وقد كان عليه السلام يقول في هذا الوقت: «هل رأى أحد منكم رؤيا وكانوا يتحدثون بأمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم» وإن كان بغير العلم فيكره عندنا لأنه وقت عبادة.
الثالث: السكوت وقال ابن رشد هو المختص بثواب هذا الوقت فأما الذكر والدعاء فثوابهما في أنفسهما لا يختص بوقت ولكن قد يعتبر بالإضافة هكذا.
وقال أحمد بن خالد من أهل المذهب لا يختص هذا الوقت بشيء وقال أبو حنيفة إنما يختص ما قبل صلاة الصبح والمعول الأول عند الكافة وقد قال مالك كان عمر بن عبد العزيز إذا صلى الصبح لا يكلم أحداً إلا جواباً بما خف وكان مالك رحمه الله إذا أصبح حدث وتكلم في المسائل وغيرها فإذا أقيمت الصلاة كأنه لم يعرف الناس ولم يعرفوه وقال بعض الشيوخ أشرف الذكر بالنهار الذكر بعد صلاة الصبح وكان السلف يثابرون على الاشتغال بالذكر بعد صلاة الصبح إلى آخر وقتها قالوا وإنما يمنع النفل في هذا الوقت ليتفرغ الوقت للذكر وكذا قالوا فيما بعد صلاة العصر إلا أني لم أقف فيه على حديث صحيح وما وقفت لأهل المذهب فيه على شيء وفي غير الصبح وآثار السلف فيه شيء كثير.
وقد ذكر الإمام أبو حامد وظائف هذين الوقتين أربعة الذكر والدعاء والتفكر والتلاوة وأحاديث الأذكار كثيرة فخذ ما صح واتضح ودع عنك البدع واتباع المتبدع وقد أفرد العلماء لذلك كتابا «كالحصن الحصين» لابن الجزري " والأذكار " للنووي وكذا " حلية الأبرار " والرياض " ونحوها فانظر ذلك.
وقد قال عليه السلام: «لن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» يعني ذكر طرفي النهار وآخر الليل فأول النهار للتحصيل وآخره للتفصيل أي النظر في الأعمال بمحاسبة ونحوها وآخر الليل للتوصيل لأن السحر وقت المناجاة فاعرف ذلك وبالله التوفيق. وإنما قال وليس بواجب خلافاً لأهل الظاهر.
(ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها).
هذا أول كلام فيما يتصل بالصلاة المفروضة من النوافل والسنة وهو كلام في ركعتي الفجر وينحصر في ثلاثة أطراف حكمهما وصفتهما ووقتهما فأما حكمهما فلا خلاف في أنها ليست بواجبة وأنها أعلى رتبة من كل ما دون الوتر من الرواتب وهل هي سنة وقاله أشهب وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد أو من الرغائب وقاله أصبغ وابن عبد الحكم قولان وقد صح " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " وما تركها عليه السلام حتى توفي وأما وقتها فقبل صلاة الصبح وبعد طلوع الفجر (ع) وفيها إن تحرى في غيم فركع فلا بأس فإن ظن أنه قبل الفجر ففي إعادتها قولان لابن حبيب مع ابن الماجشون والشيخ مع ابن وهب إن ركع ركعة قبله وركعة بعده فيعيده أحب إلي.
وفي المختصر لا يجزيه وسمع ابن القاسم إن أسفر جداً فلا يركعهما انتهى.
ولو ذكرهما في المسجد وأقيمت الصلاة دخل فيها على المشهور وفي الجلاب يخرج فيركعهما ما لم يخف فوات ركعة وروى أيضاً ما لم يخف فوات الصلاة وروى غيره يدخل ويتركها وروى ابن نافع إن كان قرب المسجد دخل وتركهما وإن بعد ركع ولو وجد الإمام في تشهد الصبح ففي سماع ابن القاسم أرى أن يكبر ويدعهما ابن
القاسم ويركعهما ويركعهما بعد طلوع الشمس ابن رشد هذا أحسن من قول ابن حبيب لا يكبر وإذا سلم الإمام قام فركعهما ثم صلى (ع) وروى الباجي من نسيهما قضاهما بعد طلوع الشمس فحمله ابن العربي على ظاهره وقال الأبهري مجاز عن نقل مكانه ابن محرز على ابن شعبان من فاتاه قضاهما ما لم تزل الشمس الباجي وقتهما إلى الضحى، وعن أشهب في وقت حل النافلة بالليل والنهار وبعد الظهر وروى ابن وهب لا تقضي بعد الزوال (خ).
والقضاء هو المشهور لما في الموطأ من حديث الوادي قال في مختصره ولا تقضي سنة غيرها وأما صفتهما فقال الشيخ يقرأ فيهما بأم القرآن يسرها فذكر حكمين الاقتصار على أم القرآن فيهما وهو المشهور ونحوه في المدونة من فعل مالك وروى ابن القاسم وزيادة سورة من قصار المفصل وروى ابن وهب كان عليه السلام يقرأ فيهما (بقل يا أيها الكافرون)(وقل هو الله أحد) وهو في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي أبي داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وقال به الشافعي وقد جرب لوجع الأسنان فصح وما يذكر من قرأها بـ (ألم) وألم لم يصبه ألم لا أصل له بدعة أو قريب منها وفي ضمن ما ذكر تخفيفها ولا خلاف بأنه سنتها وفيه حديث والسر مأخوذ من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجوز فيهما حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا ومن لازم قصر هما في هذا الوقت إيقاعهما بنية تخصهما.
فروع ثلاثة:
أولها: روى ابن نافع ولا بأس بالنفل بأم القرآن فقط (ع) فقول ابن شاس وتابعيه هي سنة في أولى كل صلاة سوى ركعتي الفجر لا أعرفه.
الثاني: أطلق في المدونة الكراهة على الضجعة بين صلاة الصبح وركعتي الفجر إن يرد بها فصلاً بينهما وإن لم يذكر ذلك فجائز وقال ابن حبيب تستحب (ع) لا بأس بالضجعة بين صلاة الصبح وركعتي الفجر الشيخ لا تفعل استنانا ابن بشير المشهور أنها
غير مشروعة قلت: وقد رأيت للعزى جزءاً سماه اغتنام الأجر في الرد على من أنكر الضجعة بعد الفجر.
الثالث: في كون ركعتي الفجر في البيت أفضل من المسجد قولان فللشيخ عن ابن حبيب في البيت أفضل ولابن محرز عن السليمانية في المسجد أفضل لإظهار السنة والله أعلم.
(والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلاً).
يعني أن السنة تطويلها كالصبح وهل هما نظيرتان وهو قول أشهب وفهم ابن رشد من المذهب أن الصبح أطول وقاله يحيى بن عمر مع مالك ونقله الباجي عن المذهب والمازري وعن مالك وهل هو ثالث أو تخيير بين القولين محتمل ويستحب كون الثانية أقصر في كل صلاة فإن طول الثانية فقال ابن العربي جهل وقال غيره ولا في الحديث ما يشهد للمساواة والله أعلم.
(ولا يجهر فيها بشيء من القراءة)
يعني قلت أو كثرت فإن جهر بالآية والآيتين فلا شيء عليه وإن كان أكثر من ذلك سجد بعد السلام لسهوه وإن تعمد فهي أربعة يعيد أبدا يعيد في الوقت ولا إعادة ولا سجود ويسجد بعد السلام وقد ذكره اللخمي في تارك السنن عمدا والمشهور قول ابن القاسم يستغفر الله ولا شيء عليه والصلاة بالنسبة إلى السر والجهر ثلاثة أقسام قسم يجهر في كله وهو الصبح، والجمعة والعشاء في القصر، وقسم يسر في كله وهو الظهر والعصر، وقسم يجهر في أولييه وهو المغرب مطلقا والعشاء إن كملت وهذا كله مما لا خلاف فيه والله أعلم.
(ويقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سراً).
أما قراءة السورة في الأولى والثانية فقد تقدم أنه سنة وأن من تركها سجد لها وتقدم الخلاف في السنة هل هي كلها سنة وهو المشهور أو بعضها والباقي فضيلة وشهره عياض وأنكره (ع) وإن السر والجهر كل واحد سنة وأن من ترك الجهر يسجد قبل السلام ومن ترك السر يسجد بعده ويأتي منه إن شاء الله.
وقال ابن عبد الحكم إن شاء زاد سورة في الأوليين وإن شاء قرأ بسورة في الأخريين يريد أنه أفضل وكان ابن عمر رضي الله عنه يفعله وعلى المشهور لا يفعل ابتداء وإن فعل فلا سجود عليه كما لو طال في غير محله أو قصر في غير محله بغير إفراط وقال أشهب يسجد لزيادة السورة في الأخريين لأنه لا محل له فيه والله أعلم.
(ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله).
يعني لا يزيد عن ذلك في دعاء ولا غيره وهذا هو المشهور.
وروى ابن نافع جواز الدعاء عقبه، وروى علي ليس بموضع دعاء ووسع فيه ابن القاسم رأى بتشهدهما سواء وجلسة الثاني أطول والجلسة بفتح الجيم فيهما هي المرة وبكسرها الهيئة والله أعلم.
(ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائماً هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضاً فإذا استوى قائما كبر).
يعني كمفتتح صلاة أخرى لا سيما على ما ورد في الحديث من أن الأخيرتين زيادة في صلاة الحضر ومن أنه عليه السلام كان يرفع عند ذلك وقال ابن وهب لابن الحاجب والسنة التكبير حين الشروع إلا في القيام من الجلوس الوسط فإنه بعد أن يستقل قائماً للعمل إذا لم ينتقل عن ركن وقال ابن العربي والشافعي يكبر في الشروع ونقله خلف عن ابن الماجشون (خ) وما ذكر هو المشهور.
(ويفعل في بقية صلاة الظهر من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح).
لأن أفعال الصلاة واحدة من حيث صورها وإنما تختلف أقوالها في الطول والقصر والكيفية ونحوها.
ص: (ويتنفل بعدها ويستحب له أن يتنفل بأربع كلمات يسلم من كل ركعتين ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصر).
الصلوات منها ما يتنفل قبله وبعده وهو الظهر والعشاء ومنه امن ما يتنفل قبله لا بعده وهو الصبح والعصر ومنها ما يتنفل بعده لا قبله وهو المغرب وكل صلاة يتنفل قبلها وبعدها فقال مالك يستحب تنفله بلا حد وظاهر كلام الشيخ التحديد للأحاديث في ذلك فحديث الأربع قبل الظهر وأربع بعدها خرجه الترمذي بسند صحيح عن أم حبيبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار» وفي حديث علي وغيره رضي الله عنهم كان عليه السلام يصلي أربعاً
قبل الظهر وبعدها ركعتين وأخرجه أهل الصحيح من حديث عائشة بزيادة وإذا لم يصل قبل الظهر صلى بعدها أربعا واختلف في العصر هل لها راتبة أم لا؟.
وقد صحح ابن حبان من طريق ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر وذكره في الموطأ» والله أعلم وكونه يسلم من كل ركعتين هو سنة كل نافلة عند مالك ليلية كانت أو نهارية ابن الحاجب، وعدد النوافل في ليل أو نهار ركعتان فإن سها في الثالثة عقدها أكمل أربعا، وقيل إن كان نهارا سجد وفي محله قولان (خ) والمشهور أن محله قبل السلام (س) وإنما يكون أربعا لقوة الخلاف في التنفل بأربع والله أعلم.
(ويفعل في صلاة العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل (والضحى)(وإنا أنزلناه) ونحوهما وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ويقرأ في كل ركعة منها بأم القرآن وسورة من السور القصار وفي الثالثة بأم القرآن فقط ويتشهد ويسلم).
ذكر في هذه الجملة صفة العمل في العصر والمغرب وإنما يشتركان في قصر القراءة إلا أن العصر أطول قليلاً وقيل لا وهو المشهور ويختلفان في السر والجهر في الأوليين فللمغرب الجهر وللعصر السر فيها ومثل للقصار بـ (والضحى)(وإنا أنزلناه) وقد تقدم تفصيل المفصل إلى طويل وقصير ومتوسط وقوله (في ثالثة المغرب بأم القرآن) فقط لقول مالك في المدونة ليس على القراءة في ثالثة المغرب {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] وفي الموطأ أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ بها في ثالثة المغرب فخشي مالك أن يعتقد أنها سنة فنبه عليه الباجي، ولعل أبا بكر لم يقصد بهذه الآية ضمها إلى الفاتحة في ثالثة المغرب بل ذكرها على وجه الدعاء بها تبركا بلفظ القرآن كما يدعو الإنسان في صلاته لأمر يتذكره أو لخشوع يحضره اقتضاه الدعاء وإلا فقد استمر العمل على أن الركعتين الأخيرتين لا يزاد فيهما على أم القرآن شيئاً.
قالوا: وهذا تأويل صحيح يشهد له أن الصديق رضي الله عنه لم ينقل عنه أنه داوم على
ذلك ولم يذكر التشهد الوسط اكتفاء بما تقدم فيه وأشار بذكر الأخير إلى أنه لا شيء بعد ما ذكر والله أعلم.
(ويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين وما زاد فهو خير وإن تنفل بست ركعات فحسن).
يعني أن المغرب يتنفل بعدها بركعتين وأقل التنفل بعدها بالركعتين وجعلهما في الجلاب كركعتي الفجر في التأكيد ولعله لحديث عائشة وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم في أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك ذلك حتى لقي الله بل قال ابن مسعود رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين قبل صلاة الغداة والركعتين بعد صلاة المغرب ما لا أحصي بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وأحاديثها صحيحة كثيرة وحديث الست مشهور وهو قوله عليه السلام: «من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنة صيامها وقيامها» رواه الترمذي وضعفه وقواه غيره وربما صح ما يفعله بعض الناس من تخصيص قراءة الركعتين بعدها بخاتمة البقرة وآية الكرسي ونحوها مما ورد في الترغيب في مساء قريب من بدعة لثبوت قراءتها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وقد نص عليه النواوي. وعلى صلاة الاستخارة وركعتي الفجر والركعتين بعد الظهر وركعتي الطواف والإحرام وأن كل ذلك بالكافرون والإخلاص وقد مر ما في ركعتي الفجر والله أعلم.
(والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه).
هذا من نسبة قوله وما زاد فهو خير إذ لم يأت بحد فيه وقد روى في ذلك عشرون وعن حذيفة رضي الله عنه إحياء ما بين العشاءين وكذا عن غيره وأما الترمذي. وقد قال رحمه الله كل ما كان في كتابي هذا معمول به إلا حديثين حديث جمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر ولا مطر وحديث «إذا شرب الخمر فاجلدوه وإذا شرب الثانية فاجلدوه وإذا شرب في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه» قال وقد عرضت كتابي هذا على علماء العراق وعلماء خراسان وعلماء الحجاز فكلهم قبلوه ورضوا به قال: ومن كان كتابي هذا في بيته
فكأنما في بيته نبي ينطق فانظره وكون حديث الجمع لم يعمل به يعني عن السلف الأول وإلا ففي المذهب قول يجاوزه في الظهرين لغير ضرورة والجمع الصوري أيضاً. وقد حكى ذلك الباجي وغيره وهم أئمة هدى والدليل معهم والله أعلم.
تنبيه:
قد ورد ما بين العشاءين والأوابين وجاء أن صلاة الأوابين حين ترمض الفصال يعني الضحى ومعنى الأواب الرجاع وكل من الوقتين وقت اشتغال الناس بالأسباب والعوائد فلا يتركهما في ذلك الوقت للعبادة إلا أواب راجع إلى ربه وتارك لما سواه والله أعلم.
(وأما غير ذلك من شأنها فكما تقدم ذكره في غيرها).
يعني من أفعال التلبس بها والانصراف منها غير أنه قد صح أن من قال إثرها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم عشر مرات بعث الله له مسلحة من الملائكة يحفظونه حتى يصبح وكتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات وحفظ من الشيطان الرجيم حتى يصبح من المكروه كذلك ولم يتبع بذنب أن يدركه سوى الشرك وكذا إن قاله بعد الصبح يكون له إلى المساء رواه الترمذي من حديث أبي الدرداء، وقال حسن وصححه غيره.
ولا خلاف في أن السنة تقصير القراءة فيها وما ورد في الصحيح من قراءتها بـ (الأعراف) و (الطور) وبـ (المرسلات) إنما ورد لبيان الجواز ومحمول على أنه قد أبغض ذلك وقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بالمعوذتين رواه النسائي وذلك ليبين الجواز والله أعلم.
(وأما العشاء الآخرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى فيجهر في الأوليين بأن القرآن وسورة في كل ركعة وقراءتها أطول قليلاً من قراءة العصر وفي الأخريين بأم القرآن وحدها في كل ركعة سراً ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لغير ضرورة).
استشكل قوله الآخرة لأنه يتضمن إن تم عشاء أولى وليس كذلك عياض لا تسمى مغرب عشاء لا لغة ولا شرعاً.
وأما قوله في المدونة (بين العشاءين) فعلى التغليب كالعمرين والقمرين وأثبت بعضهم اسم المغرب للعشاء لحديث فيه وكون هذا الاسم أولى بها تقدم أن ذلك لأنه نص القرآن والقطعي أولى من الظني وقوله (أخص) يقضي بدخول الغير في هذا الاسم
وهو مقتضى قول من أجاز إطلاق العشاء على المغرب وكونه أطول من العصر هو المشهور فيقرأ بمتوسطات المفصل (كالتين والزيتون) و (الشمس وضحاها)(والليل إذا يغشى) و (إذا السماء انشقت) ونحو ذلك كما ورد في الصحيح وكراهة النوم قبلها خوف تقويتها أو تأخيرها عن وقتها المختار أو صلاتها بكسل وثقل والحديث بعدها لغير ضرورة لئلا يؤدي إلى تفويت صلاة الصبح أو تأخيرها عن وقتها أو عدم الحضور بالتكسل والنعاس فيها.
فرع:
قيام كل ليل لمن يصلي الصبح مغلوب عليه مكروه اتفاقا (ع) وفي كون من لا يغلب عليه كذلك وجوازه روايتان قال الشيخ واتخاذ ذلك عادة من غير حالة غالبة لم يكن من شأن السلف وبالله التوفيق.
(والقراءة التي سر بها في الصلوات كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فإن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده).
يعني أن إسرار القراءة في الصلاة يكفي فيه تحريك اللسان فلا يلزم سماع نفسه ولا يكفي دون تحريك ابن يونس حركة اللسان شرط في صحة القراءة عبد الوهاب وإن لم يتحرك اللسان فهو قصور وتصرف بالقلب وليس بقراءة.
وحكى ابن يونس عن أشهب أن من حلف أن لا يقرأ فقرأ بقلبه لم يحنث وفي سماع سحنون سألت ابن القاسم عن قراءة الظهر والعصر التي يسر فيها إن حرك لسانه ولم يسمع أذنيه قال يجزيه ولو لم أسمع شيئاً يسيراً كان أحب إلي ابن رشد وهو كما قال وقال الشيخ أبو الحسن الصغير المعروف عند المشارقة بالمغربي فللجهر طرف لا يشاركه في السر وللسر طرف لا يشاركه فيه الجهر وواسطة يشتركان فيها بإسماع نفسه ومن يليه خاص بالجهر وتحريك اللسان دون السماع يختص بالسر والمشترك بينهما أن يسمع نفسه فقط وهذا أعلى السر وأدنى الجهر انتهى بمعناه فانظره.
وقوله (بالتكلم القرآني) اعترضه القاضي الباقلاني بأن القرآن قديم فكلف يتكلم به الحديث وأجيب بأن المراد المعني وهو التكلم بالحروف والأصوات المؤدية لمعناه والله أعلم.
وقوله (إن كان وحده) أشار به إلى أن جهر الإمام فوق ذلك لأنه يتعين أن يسمع من مع في الصلاة وفي الموطأ كانت تسمع صلاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند دار أبي جهم بالبلاط موضع بالمدينة الباجي قد يكون ذلك لجهارة صوته وقوته وهو الوسط في حقه إذا قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] الآية ولعل الشيخ إنما قال بالتكلم بالقرآن احترازاً ممن يقرأ ويفسر كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه فإن من قرأ بها في الصلاة بطلت كمن قرأ بالمنسوخ لفظاً أو نحوه فانظر ذلك.
فرع:
ابن رشد لا يجوز لمصل بالمسجد وإلى جنبه مصل رفع صوته بالقرآن ومن قضى ركعة جهراً لا يجوز له أن يفرط في الجهر بقرب مصل مثله.
(والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيئة صلاتها مثله غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية في جلوسها وسجودها وأمرها كله).
يعني أن جهر المرأة تسمع نفسها فقط لأن صوتها عورة وهيئة الصلاة في صفتها والانضمام والانزواء بمعنى واحد وقيل والانزواء أشد ولا تفرج الرواية بفتح الفوقية وسكون الفاء وتخفيف الراء قالوا وهو معنى الانضمام والانزواء وإنما يكره لها ذلك لأنه معين على التذكار لأحوال فراشها وذلك مناف لحال الصلاة والله أعلم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين تصليان فأمرهما بالانضمام والله أعلم.
(ثم يصلي الشفع والوتر جهراً وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار).
هذا الكلام في الوتر ومداره على ثلاثة أطراف حكمه وصفته ووقته فأما حكمه فالمشهور السنة وقال أبو عمر ضارع به مالك الوجوب من قوله (أنه يقطع له صلاة الصبح) وخرج اللخمي وجوبه من قول سحنون يجرح تاركه وقول أصبغ يؤدب وأجيب بأنه تهاون بأمر الدين واستخفاف بالسنة فلذلك يجرح ويؤدب كقول ابن خويز منداد من استخف بترك السنة فسق وإن تمالأ عليه أهل بلد حوربوا.
وأما صفته فقال اللخمي اختلف في عدة فقال مرة الوتر واحدة وفي صيامها وتر بثلاث فمحمد بن سحنون من ذكر سجدة لا يدري من الشفع أو الوتر سجد وأعاد الشفع والوتر فلو كان واحدة كفته السجدة، وقال المازري لم يختلف المذهب في كراهة الاقتصار على الواحدة في الوتر في حق مقيم لا عذر له وإنما اختلفوا في المسافر ففي المدونة لا يوتر بواحدة وأجازه مالك في كتاب ابن سحنون للمسافر وكان سحنون في مرضه يوتر بها ولابن زرقون عن ابن نافع ولا بأس أن يوتر بواحدة ولو كان صحيحاً مقيما للباجي وعلى المشهور لو أوتر دون شفع شفعه بالقرب فإن طال ففي أجزائه وإعادته بعد شفع قولا سحنون وأشهب وللشيخ عن أشهب من أوتر بواحدة دون شفع وأعاد وتره ما لم يصل الصبح والمشهور الفصل بين الشفع والوتر بسلام إلا المصلي خلف من لا يفصل.
ابن زرقون وروى أشهب ثلاثا يسلم لآخرتها لا قبل ثالثها وقاله ابن نافع ولو أدرك ثانية من لا يفصل فقال ابن القاسم يتم ثلاثاً ولا يفصل وقال مطرف وعبد الملك يسلم معه في ثانيته وفي اشتراط اتصال الشفع بالوتر روايتان لابن القاسم وابن نافع، وذكر اللخمي في افتقاره إلى نية تخصه قولين وأما وقته فقال المازري أوله عند الفراغ من العشاء يريد في غير ليلة الجمع فإن صلاة قبل العشاء مع الذكر لم يعتد بها وليلة الجمع يؤخر إلى بعد الشفق على المعروف ولابن مسعود عن ابن القاسم عبد الحق وظنه السيوري يصليه قبل غيبوبة الشفق ليلة الجمع بعد فراغه من العشاء وآخر وقته يأتي إن
شاء الله. وأما الجهر في نوافل الليل والسر في نوافل النهار فللأحاديث في ذلك.
وقال الأبياني يجهر في ركعة الوتر وهو في الشفع مخير ومن أسر في وتره ساهيا سجد قبل السلام وإن كان عامداً أو جاهلاً أعاد ما دام في ليله وقيل لا شيء عليه كما لو قرأ بأم القرآن نقله ابن يونس واستبعد عبد الحق بطلانه والشيخ في مختصره لا بأس بالجهر في نفل الليل والنهار ابن حبيب هو ليل أفضل.
وقوله (وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع) نص في تخفيف الأمر في الجهر نهاراً وقيل يكره الجهر نهاراً فإنما نوافل الليل فالسر جائز ابن الحاجب وكذلك الوتر على المشهور وفي كراهة الجهر نهاراً قولان (خ) يريد مع كونه خلاف الأفضل ومقابل المشهور للأبياني قال وإن أسر فيه ناسياً سجد قبل وإن جهل ذلك أو تعمد فعليه الإعادة قال وأما الشفع فإن شاء جهر فيه أو أسر.
وما حكاه من القولين في كراهة الجهر نهارا وحكاه عبد الوهاب.
فرعان:
أحدهما: سمع أشهب لا بأس برفع صوته في قراءته في بيته وحده ولعله أنشط له وكانوا بالمدينة يفعلونه حتى صار المسافرون يتواعدون لقيام القراءة وسمع ابن القاسم استحبابه.
الثاني: ابن رشد لا يجوز لمصل بالمسجد وإلى جانبه مصل رفع صوتا بالقراءة ومن قضى ركعة جهراً ألا يجوز له أن يفرط في جهره بقرب مصل مثله وقد تقدم تقريباً.
(وأقل الشفع ركعتان).
يعني أكثره لا حد له وعلى هذا فلا يتعين ابن الحاجب وفي كونه لأجله قولان وقال غيره لا يشترط كونه لأجله على الأظهر (خ) وقال اللخمي وغيره للحديث قال وقوله ثم في شرط اتصاله قولان ليس هو مرتبا على أنه لأجله بل هو كما قال ابن شاس وإذا قلنا بتقديم شفع فلا بد هل يلزم اتصاله بالوتر أو يجوز وإن فرق بينهما بزمان طويل والقول باشتراط الاتصال لابن القاسم في العتبية وهو ظاهر رواية ابن القاسم عن مالك في المجموعة والقول بعدم الاشتراط رواه ابن نافع عن مالك ونقل
أيضاً عن ابن القاسم.
(ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون).
يعني سواء اقتصر عليهما أو كان له ورد، وفي المسألة اختلاف ابن الحاجب وفي قراءة الشفع بـ (يسبح) و (قل يا أيها الكافرون) روايتان (خ) والمشهور استحباب ذلك للحديث وقوله (ويتشهد ويسلم) صريح في أنه يفصل بين الشفع والوتر بسلام فيكره وصله إلا للاقتداء بواصل فيتبعه خلافا لأشهب وكان عمر ربما أمر ببعض حاجته قبل أن يوتر.
(ثم يصلي الوتر ركعة إلخ).
يعني متصلة بالشفع ليخرج من الخلاف المتقدم وقوله (يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين) يعني استحباباً مطلقاً ابن الحاجب وفي قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين أو ما تيسر قولان (خ) يعني في استحبابه وهو المشهور لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني أن عائشة رضي الله عنها سئلت بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأولى بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية بـ (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة بـ (قل هو الله أحد) والمعوذتين (ع) والمعلوم منه صلى الله عليه وسلم التجهد اللخمي رجع مالك لقراءة الوتر بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين وروى ابن نافع: التزمه الناس وليس بلازم.
وروى ابن القاسم إني لا أفعله يحيى بن عمر لا يختص (خ) ولعل مقابل المشهور رواية فذكرها وقال ابن العربي يقرأ فيه المتهجد من تمام حزبه وغيره بقل هو الله أحد فقط لحديث الترمذي وهو أصح من قراءته بها مع المعوذتين قال وانتهت الغفلة بقوم يصلون التراويح فإذا انتهوا للوتر قرءوا فيه بقل هو الله أحد والمعوذتين اهـ.
وعليه عول (خ) في مختصره وسنذكر في الوتر حكاية المازري رضي الله عنه إن شاء الله.
فرع:
ابن الحاجب ولا يقنت في الوتر ولا بعد نصف رمضان على المشهور (خ)
والشاذ لمالك أيضاً وابن نافع والخلاف إنما هو في نصف رمضان.
(وإن زاد من الإشفاع جعل آخر ذلك الوتر).
يعني بواحدة وعلى هذا فلا يتعين أن يقال بعد شفعه وقد نص على استحباب ذلك في المدونة وفي الصحيح انتهلا وتره عليه السلام إلى السحر وفي مسلم " بادروا بالوتر الفجر ".
فروع:
ابن الحاجب فإن أوتر ثم تنفل جاز ولم يعد على المشهور (س)(خ) يعني إذا حدثت له نية التنفل بعد أن أوتر وإلا فهو خلاف السنة وأمره في المدونة أن يؤخر التنفل قليلاً (ع) وفي إعادته لنفل بعده روايتا المبسوط وغيره ثم قال وسمع ابن القاسم نعم من أوتر مع الإمام في رمضان أن يصل وتره بركعة ليوتر بعد ذلك بل يسلم ويصلي بعد ذلك ما شاء الله وقال بعد ذلك ويتأنى قليلاً أعجب إلي.
(وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة).
يعني وكلا الحديثين صحيح من رواية عائشة رضي الله عنها والجمع بينهما أنه عليه السلام كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين فتارة اعتبرتهما من الورد فقالت اثنتي عشرة وتارة لم تعتبرهما لأنهما مقصودتان للوضوء أو لحل عقد الشيطان في حق من يتأسى به عليه السلام إذ لا يصح عقد الشيطان عليه لعصمته لكنه كان يفعل ما يأمر به وإن كانت حكمته مقصودة لغيره لتحقيق الحكم وإثبات الاقتداء به كما كان يتقي من نفسه ما هو نجس من غيره ليكون أسوة فيه والله أعلم.
تنبيه:
أكثر ما روي في صلاته عليه السلام من الليل سبع عشرة ركعة وأقل ما روي سبع فقيل إنها لأحوال مختلفة وقيل لقصود مختلفة وقيل بالجمع ومن أحسن ذلك أنه عليه السلام كان له عدد يعتبره بالدورة فإذا أكثر بالنهار قلل بالليل وبالعكس والذي يهدي إليه الاستقراء أنها كانت خمسين ركعة بالفرض والنفل إشارة إلى الأصل ففي حديث علي رضي الله عنه كان يصلي من النهار ست عشرة ركعة في الضحى ستا وقبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين وقبل العصر أربعا وحديث ركعتي المغرب والفجر وثلاثة عشر
من الليل لا يخفى فتلك ثلاث وثلاثون وربما نقص من ليلها وزاد النهار وربما نقص من النهار وزاد في الليل كما اقتضته أحاديث يطول ذكرها.
وقد أشار عياض لشيء من هذا فانظره وحكم قيام الليل وصفته يأتي إن شاء الله تعالى.
(وأفضل الليل آخره في القيام).
يعني لما ورد في ذلك من الأحاديث النبوية قولا وفعلا وذهب الشافعي إلى أن أفضل الليل وسطه لحديث «أفضل القيام قيام داود عليه السلام كان ينام نصف الليل الأول ويقوم ثلثه وينام سدسه» متفق عليه وقال مالك بآخره لحديث النزول وانتهاء وتره عليه السلام إلى السحر وهو لا يأخذ في نفسه الكريمة إلا بما هو الأفضل ولقوله عليه السلام لما سئل أي الدعاء أسمع؟ فقال: «جوف الليل الأخير وأدبار الصلوات المكتوبات» الحديث رواه أبو داود وغيره وبحسب هذا فمن آخر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل له إن لم يكن تأخيره عرضة للتفريط بالترك أو بالخروج عن الوقت غالباً وهو فقوله (إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل) يعني وهذا التقديم أفضل له من التأخير وقد عبر بعضهم عن هذا بقوله وأفضل ليله غالبه في القيام.
وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يقدم وتره أول الليل مبادرة للعبادة واعتباراً بقصد الأهل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أخذت بالعزم» وكان عمر رضي الله عنه يؤخر ثقة بسنة الله في إيقاظه وعملاً على عادته مع الله تعالى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أخذت بالحزم» الحديث.
وقوله (ثم إن شاء إذا استيقظ) يعني من آخر الليل ومن وسطه (تنفل ما شاء منها) أي من الصلاة (مثنى مثنى) أي ركعتين ركعتين لقوله عليه السلام «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح ولو حدثت له نية قبل نومه فله ذلك وقد تقدمت قريباً» فانظرها.
وقوله: (ولا يعيد الوتر) يعني لقوله عليه السلام «لا وتران في ليلة» وقد أشار بما ذكر لمن يقول يتنقل إذا استيقظ حتى يصلي ركعة يضيفها للتي صلى قبل نومه
وتسمى نقض الوتر أو أنه يعيد الوتر دون ذلك فالكل خلاف المذهب والله أعلم.
(ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار).
يعني الإسفار الأعلى الذي تتراءى فيه الوجوه ومعنى غلبته عيناه استغرقه النوم فلم يشعر حتى طلع الفجر والغلبة شرط فلا يجوز التأخير اختياراً وشرط ذلك أيضاً أن يكون ممن عادته الانتباه آخر الليل وله ورد وهذا أيضاً إذا كان وحده وإلا ففضل الجماعة مقدم على ورده كما أن ورده مقدم على أول الوقت ونص على اعتبار الجماعة صاحب الإرشاد وغيره وقد اختلف الشيوخ في قوله بينه وبين طلوع الفجر هل المراد بين قيامه من النوم وطلوع الفجر ثم بين الفجر وأول الإسفار؟ أو المراد بين طلوع الفجر وأول الإسفار؟ فانظر ذلك.
وقوله (ثم يوتر ويصلي الصبح) يعني أنه لا يقدم الوتر إذا خشي الفجر قبل تمام ورده بل يؤخر لإتمامه ثم إن ضاق الوقت عن ورده صلى وتره ابن الحاجب وإذا ضاق الوقت إلا عن ركعة فالصبح فإن اتسع لثانية فالوتر على المنصوص قلت: قال الشيخ الثلاثة ما ذكر أنه المنصوص هو لأصبغ ومقابله في المدونة فكيف يجعله تخريجاً ولكن السهو لا ينفك عنه الإنسان قال: فإن اتسع لرابعة ففي الشفع قولان.
تنبيه:
قال الشيخ ينبغي لطالب العلم أن يكون له ورد من قيام كما ذكر الشيخ من فعله عليه السلام ولو أن يقرأ فيه الفاتحة فقط فإن تيسر له أكثر فهو خير إلا أن ابن الحاجب قال ويقرأ فيه بما خف من القرآن أي يكون له في تلك الركعات جزء معلوم من حزبين إلى ثلاثة لأن أحب العلم إلى الله تعالى أدومه وإن قل كما في الحديث قال: وإذا وجد حلاوة المناجاة في التلاوة فليمض فيها ولا يقتصر على حزبه انتهى.
واستدل على التقليل بقضاء الصحابة أورادهم حيث يغلبهم النوم ثم يدركون الصلاة معه عليه السلام وهو يقرأ بالستين إلى المائة ويسلم والنجوم بادية مشتبكة فاعرف ذلك وتأمله وبالله التوفيق.
(ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن يصلي الصبح).
يعني بخلاف من ذكره فيها أو قبلها فالأقسام إذا ثلاثة قبلها وبعدها وفيها فقبلها إن لم يطلع الفجر يصليها باتفاق إن وسع الوقت وبعدها لا قضاء لها ولا شيء من السنن إلا ما تقدم في ركعتي الفجر (ع) ولا يقضي الوتر بعد صلاة الصبح اتفاقا وفي قضائه بعد الفجر قبلها قولان لها مع الأكثر واللخمي مع أبي مصعب ابن الحاجب وعلى المشهور ولو افتتح الصبح فثالثها يقطع إن كان فذا ورابعها أو إماماً (خ) وعلى إثبات الضروري لم يذكر في المدونة في المنفرد الاستحباب القطع وذكر في المأموم روايتين استحب له أولاً القطع ثم أرخى له في التمادي وصرح المازري وسند بأن المشهور في الفذ القطع اللخمي وفي المبسوط لا يقطع الفذ وهو أظهر وهو قول المغيرة وغيره قال في الاستذكار لم يقل أحد بقطع الصبح إلا أبو حنيفة وابن القاسم والصحيح عن مالك عدم القطع وروى مطرف عن مالك أنه يقطع كان إماماً أو مأموماً أو فذا إلا أن يسفر جداً.
وروى نحوه ابن القاسم وابن وهب وذكره الباجي رواية ثالثة في الإمام بالتخيير بالقطع وعدمه وحكى التلمساني أيضاً في المأموم رواية بالتخيير قال هذا ما رأيته من الأقوال في هذه المسألة انظر بقية كلامه وهل هذا الخلاف ما لم يعقد ركعة أو وإن عقدها طريقتان أيضاً انظر ذلك.
(ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) يعني تحية المسجد فالدخول شرط والمسجد شرط والوضوء شرط والجلوس شرط والوقت شرط فلو أدخل يده أو رأسه أو رجله فقط فلا شيء عليه ولا في غير المسجد من المواضع العظمة ولا إن كان محدثاً ولا إن كان مارا وإن تكرر مروره قال زيد بن
ثابت إذا رجع المار ركع كذا حكاه في المجموعة وحمل عليه ابن عبد البر ما في المدونة عنه ولم يقل به مالك ويشترط كونه في وقت حل النافلة لقوله (إن كان وقت يجوز فيه الركوع) يعني لا بعد الصبح ولا بعد العصر ولا قبل المغرب ولا عند خروج الإمام لخطبة الجمعة لأنها من سائر النوافل وإن كان لها سبب والله أعلم (ع).
والركوع قبل الجلوس في المسجد ووقت النفل في الموطأ حسن لا واجب وأجاز فيها للمار فيه تركه وكره لغيره القعود دونه قال ونقل ابن الحاجب لم يأخذ مالك بجواز تركه للمار وهم يكفي عنه الفرض انتهى.
(خ) وقيد بعضهم ما في المدونة من جواز المرور فيه بما إذا لم يتخذ طريقا يعني إذا لم يكن سابقاً على الطريق لأنه تغيير للحبس ومن أشراط الساعة وتحية مسجد مكة الطواف.
فرع:
استحب ابن القاسم في مسجده عليه السلام أن يبدأ بالركوع قبل السلام عليه صلى الله عليه وسلم ووسع فيه مالك ابن رشد لأن المنهي عنه الجلوس قبل الركوع أنظر بقية فروعه.
(ومن دخل المسجد ولم يركعه الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر).
يعني وكذلك غيرها من الصلوات تجزئ عن التحية حتى الفرض والوتر لأن القصد تعظيم المسجد عند الدخول فيه للجلوس وقال ابن القابسي لا يجزئ ذلك عنها ورجحه ابن عبد السلام بأنهما عبادتان لا تقوم إحداهما مقامهما (خ) والمشهور أظهر يعني الأول والمشهور تأخيرها للمسجد وقيل: صلاتهما في البيت أفضل فانظر ذلك.
(وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع).
وعلى الركوع فهل بنية التحية أو إعادة الفجر قولان (خ).
ابن رشد وروى ابن القاسم وابن وهب الركوع واختاره ابن عبد الحكم وروى ابن نافع عدمه (خ) والروايتان مشهورتان وعن مالك للركوع وعدمه واسع وقد رأيت من فعله وتركه أحب إلي وبه قال سحنون ابن الحاجب ثم في تعيينها قولان (خ) أي إذا
قلنا يركع فهل بنية الفجر أو بنية تحية المسجد وهو الظاهر والقولان للأشياخ.
تنبيه:
لا بد من تنبيه تخصيص ركعتي الفجر كالوتر وغيرهما من المندوبات المطلوبة لذاتها ولو كانت تابعة بخلاف ما طلب لغيره.
(ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس).
يعني ارتفاعها قدر رمح لأن الصلاة ممنوعة في هذا الوقت فأما قبل صلاة الصبح فالصلاة فيه مكروهة إلا ما ذكر من الفجر والورد لمن نام عنه.
وقال اللخمي: لا بأس به (ع) وقول اللخمي لا بأس بالنفل بعد الفجر إلى إقامة الصلاة خلاف قوله لا يعجبني بعد الفجر غير ركعتيه إلا من فاته حزب ليله فانظره وقال: يمنع النفل غير ركعتي الفجر بطلوعه حتى ترتفع وبعد العصر حتى تغرب ابن حارث اتفاقا لغير أسير قرب للقتل بعد العصر في ركعتيه حينئذ رواية الوليد وقول ابن سحنون مع رواية ابن نافع ابن رشد إنما نهي عن النفل بعد العصر والصبح خوف الذريعة لأن توقع عند الطلوع وعند الغروب وسيأتي ذكر النهي عن الصلاة وقت خروج الإمام لخطبة الجمعة وتقدم ما بعد الغروب وقل المغرب؛ لأنه مكروه ويأتي حكم صلاة الجنازة وسجود التلاوة ووقت الوقوف بعد إن شاء الله.
فرع:
ابن الحاجب ومن أحرم في وقت منع قطع (خ) لأنه لا يتقرب إلى الله بما نهى عنه زاد ابن شاس ولا قضاء عليه انتهى.
وبانتهائه ختم هذا الباب ختم الله لنا بالحسنى ونفع به عباده وتمم لنا إحسانه في ذلك وفي غيره بمنه وكرمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلام تسليماً.