الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت
يعني الدعاء الخاص بالجنائز والجنازة بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وقيل بفتح الجيم اسم للمجهول وبالكسر اسم لما يحمل عليه الميت من نعش ونحوه واشتقاقه من جنزت الشيء إذا سترته والله أعلم.
(والتكبير على الجنائز أربع تكبيرات يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس).
صلاة الجنازة إحرام وسلام بينهما أربع تكبيرات يدعو إثر كل واحدة بشرط الصلاة من الطهارتين والاستقبال وترك المنافي من كلام وغيره مع القيام في كلها وذكر لنا بعض شيوخنا أن في التكبيرة الأولى منها اختلافا هل هي مقام الركعة كغيرها أو هي للإحرام قولان نقلهما ابن محرز وبنى عليهما أما إذا أتي بجنازة في أثنائها فعلى أن لها إحراماً يستأنف بعد سلامه وعلى الآخر يزيد في التكبير ما فاته قبلها وقد صحت، ولا قراءة فيها خلافا لأشهب والمشهور لا قراءة وحكى القرافي قولا بوجوب الفاتحة كالشافعي والعمل به ورع للخروج من الخلاف.
وقال أشهب إن صلى عليها جالسا أعاد إلا من ضرورة ويستأنف إن قهقه أو تكلم عمداً فيتأخر مؤتما ويستأنف وفي استحباب إعادته إذا تبين أنه لغير القبلة أو تجب أو لا تعاد أقوال وإن ذكر فائتة تمادى وإن أحدث أو رعف استخلف وإن سها عن تكبيرة أتى بها في القرب وإلا استأنف فإن والى التكبير اختياراً أو تعمداً لنقص وإن دفن فكمن لم يصل عليه وإن زاد الإمام ففي انتظاره وتسليمه روايتان لابن القاسم والمسبوق يصبر بالتكبير إلى ما يليه قال ويدعو في انتظاره وأخذ به عبد الملك وأصبغ
ورواه ابن القاسم وروى أشهب يدخل بينهما واختاره ابن حبيب وروي يدخل بالنية فإذا كبر كبر معه ولو لم يدرك شيئاً معه صبر وإلا كبر وهل يحتسب بما كبر معه إن زاد أو لا قولان لأصبغ وأشهب وعلى النفي يقضي بعد سلام إمامه ما فاته ويدعو إن تركت وإلا والى التكبير نسقا وقيل يواليه مطلقا وقيل يدعو فانظر ذلك.
فرع:
سمع ابن القاسم يباح لمن شهد الجنازة أن ينصرف قبل الصلاة عليها وسمع أشهب كراهة ذلك والمشهور في رفع اليدين أولا فقط كالصلوات وروى ابن وهب يرفع في الأربع وكلاهما في المدونة وفي الأسدية ومختصر ابن شعبان لا يرفع أصلا ورابعها يخير في الأولى والله أعلم.
(وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه).
يعني هو مخير في ذلك ولا يوجد التخيير هنا لغير الشيخ وفي المذهب قولان بالدعاء لسحنون وعدمه لابن حبيب (خ) والتخيير في الرسالة ثالث ابن ناجي ولم أقف عليه لغيره.
(ويقف الإمام في الرجل عند وسطه وفي المرأة عند منكبيها).
يعني على المشهور ونحوه في المدونة عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال ابن شعبان يقف حيث شاء وروى ابن غانم الوسط في الجميع وقال اللخمي الأحسن التيامن في صدر الرجل مطلقا والمرأة إن كانت عليها قبة أو كفنها قطن وإلا فوسطها والمطلوب كون رأس الميت على يمين المصلي ولو عكس.
فقال ابن القاسم وسحنون لا تعاد الصلاة عليهم والصواب أن لا يصلي عليه إلا عند القبر أو خارج المسجد ويصلي أهل المسجد بصلاة الإمام فيه إذا ضاق خارجه بأهله قاله في المدونة ابن رشد النداء بها في المسجد لا يجوز باتفاق وكراهة رفع الصوت فيه ولو بالعلم وعند بابه مكروه وأجازه ابن وهب والإعلام بغير نداء جائز إجماعاً.
فرع:
في المدونة أكره أن توضع الجنائز في المسجد ابن حبيب: يجوز ابن شعبان: يمنع، عياض: يقوم من قوله فيها يكره أن الميت ليس بنجس يعني أن الكراهة على بابها ولو
كان نجسا لم يقله وعليها لما يتوقع من تفجيره قال وفي كتاب الرضاع أن لبن الميتة نجس والقولان معلومان في المذهب وبنجاسته قال ابن القاسم وابن عبد الحكم وابن شعبان وبطهارته قال سحنون وشهره ابن القصار وجماعة من البغداديين واستظهره ابن رشد وخرج الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنه «لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً» قال صحيح على شرط مسلم وشواهده كثيرة.
(والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفيفة للإمام والمأموم).
يعني على المشهور وهو مذهب المدونة في كونها واحدة وقال أشهب تسليمتين وقيل للمأموم تسليمتان بخلاف الإمام وكونها خفيفة في حق المأموم وفي إسرار الإمام به قولان ولا خلاف في إسرار المأموم وفي بعض النسخ خفية فانظر ذلك.
(وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه).
هما قيراطان وزاد بعضهم في إتباعها قيراطا ثالثا وفي البقاء معها حتى يفرغ من الدفن قيراطا رابعا قال التادلي ظاهر كلام الشيخ حصول قيراط الدفن وإن لم يتبعها وهو ظاهر المدونة في قوله لا بأس أن تسبق وتنتظر وفي الجواهر الأفضل أن يتبع الجنازة ولا ينصرف إلا بإذن أهلها ما لم يطل لحد يتضرر به.
فرع:
والتعزية بالميت المسلم سنة وهي الدعاء للميت والتذكير بالصبر ونحوه ويعزى في الصغير والكبير والذكر والأنثى وصح في الصغير لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب وفي المرأة بزوجها اللهم اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيراً منها إلى غير ذلك.
وقوله: وذلك في التمثيل (مثل جبل أحد) ثوابا يعني قدر القيراط وأحد جبل بالمدينة معلوم وقع التمثيل به تقريبا للأذهان في عظم الثواب وقيل إن لو كان طعام أو ذهبا يتصدق به وقيل غير ذلك.
(ويقال في الدعاء على الميت غير شيء).
يعني أن الدعاء لا يتقيد بوجه ولا ينحصر فيه ولا يتعين إلا على وجه الاستحباب (خ) إن قلت قول ابن الحاجب: لا يستحب دعاء معين اتفاقا يعارضه قول
الرسالة ومن مستحسن ما قيل في ذلك وقوله المدونة أحب ما سمعت إلي في ذلك فالجواب: أن في الرسالة إنما قال ومن مستحسن ما قيل والاستحسان لا يلزم منه الاستحباب والمدونة رجح فيها ولم يعين والمشهور الابتداء بحمد الله والصلاة على رسوله والدعاء.
وعن مالك لا يبتدأ فيها بذلك وظاهر المذهب كراهة قراءة الفاتحة فيها قال عبد الحق والميت لا ينتفع بالقرآن فلا معنى للعمل بها (خ) قال ابن رشد كان شيخنا القرافي يحكي عن أشهب قراءة الفاتحة فيها واجبة وقال أبو عمران لا يقال لولد الزنا وابن عبدك إنما يقال وابن أمتك فقط ولابن القاسم يصلى على ولد الزنى وإثمه على والديه.
وقوله: (فشفعنا فيه) قال ابن العربي رب ميت يقال فشفعه فينا وفي الإرشاد يثني على الله إثر التكبيرة الأولى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أثر الثانية ويدعو إثر الثالثة وهو مذهب الشافعي وفي قول الشيخ تقول ذلك إثر كل تكبير فيه حرج لطوله وحكى عبد الحق عن القاضي إسماعيل إن قدر الدعاء بين كل تكبيرتين قدر الفاتحة وسورة وقال ابن رشد أقله اللهم اغفر له وسمع زياد أن كبر الإمام دون دعاء أعاد الصلاة، وقوله:(وإن كانت امرأة قلت: اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على التأنيث) يعني في بقية الدعاء فإن كان معها ذكر غلب التذكير ولو نوى الإمام الصلاة على رجل فإذا هي امرأة أو العكس أجزأت قاله ابن نافع قال وذلك صواب لأنه نوع بالصلاة الشخص الذي يصلي عليه ولا يضر الجهل به قال وقد يصلي على الجنازة من لا يعرف أنها رجل ولا امرأة في الليل وآخر الناس وذلك واسع.
(ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والرجل يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواج).
يعني وقصرهن اختيار لأنه لا قهر في الآخرة والمرأة في الآخرة إذا كان لها أزواج قيل تخير فيهم وقيل هي لمن افتضها وقيل لأرفقهم بها وقيل لأعلاهم درجة.
(ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة وبلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء وإن كانوا رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونهم النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة).
يعني أن الجنائز ترتب على ما يليق بها فيقدم الأفضل في الدين كالإمامة ابن رشد وفي تقديم العالم على الصالح أو العكس قولان وعن ابن القاسم يقدم ذكور الأرقاء على صغار الأحرار لأنهم يؤمرون بالفرض والمشهور خلافه وحكى الباجي عن ابن حبيب عن من لقي من أصحاب مالك تقدم الحرة البالغة على صغار الرقيق والمشهور العكس.
ابن ناجي وعلى نقل ابن حبيب هو اعتماد الشيخ والرسالة لا تتقيد بالمشهور وعدم نقله في النوادر لا يدل على عدم وقوفه عليه، وقول ابن العربي أخذ عليه في تقديم النساء على الصبيان ويجاب بأن الواو لا ترتب ويقدم من الأولياء للصلاة على الجنازة أفضل على العصبة فإن استووا فالقرعة وفي تقديم ولي الذكر إذا كان مفضولا اختلاف قال مالك ولي المرأة إذا كان أفضل أولى وقال عبد الملك ولي الذكر وإن كان مفضولا أولى فانظر ذلك فإن الكلام فيه متسع جدا والله أعلم.
(ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب للإمام أفضلهم وأما في دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة).
يعني أنه يخير في جعلهم صفا واحدا أو مرتبين وهذا قول مالك في رواية أشهب وثالثها لابن كنانة إن قلوا كالاثنين فالمطلوب جعلهما واحدا بعد واحد وإن جعلوا سطرا فواسع بخلاف إن كثروا وقال الإخوان يرتبون في العشرين فما دونها وفيما فوقها التخيير.
وأما الدفن في القبر الواحد فلا يجوز إلا من ضرورة قال أصبغ وعيسى بن دينار فأما لغير الضرورة فلا يجوز وفي الغضب من التهذيب أن دفن الرجل وامرأة في قبر واحد جعل الرجل مما يلي القبلة فيل أيجعل بينهما حاجز من الصعيد ويدفنان في قبره من غير ضرورة قال: ما سمعت منه فيه شيئاً ابن رشد وفي سماع موسى إن جعلوا في قبر للضرورة فالرجل مما يلي القبلة والصبي مما يلي الرجل والمرأة خلفهما.
قال غيره: وتعتبر هذه الأولية في ترتيب قبورهم فيجعل قبر الأفضل مما يلي القبلة (ع) ويؤخذ منه تقديم الأفضل في الإقبار قال: ونزلت هذه النازلة في شيخنا ابن هارون وزوجه وحضر السلطان أبو الحسن المريني فسأل شيخنا أبا عبد الله السطي في تعيين من يقدم فقال الأمر واسع وذكر نص المدونة المذكور فوقه والله أعلم.
(ومن دفن ولم يصل عليه ووري فإنه يصلي على قبره).
يعني على قول ابن القاسم وابن وهب لأن الفراغ من دفنه فوت للصلاة عليه.
وقال أشهب وسحنون: لا يفوت إلا بخوف التغيير وحكى ابن بشير إخراجه ما لم يخف تغيره وما لم يطل وكأنه راجع للذي قبله واللخمي نحوه مطلقا وأقصى ما قيل في الطول شهر وعن مالك في المبسوط لا يصلي على قبره وإنما يدعون وينصرفون.
(ولا يصلي على من قد صلي عليه).
يعني على المشهور والمنع والجواز مطلقا ذكر اللخمي من رواية ابن القصار وابن عمر عن ابن عبد الحكم وثالثها ما لم يطل وهو نقل ابن رشد عنه واللخمي نحوه مطلقا.
فرع:
جعل ابن رشد كون الصلاة على الميت بإمام شرط إجزاء فيجب التلافي ما لم يفت وفي إعادة الصلاة على من صلى عليه رجل واحد قولان.
(ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل).
يعني والصلاة على الأكثر باتفاق ومنع مالك في مثل اليد والرجل وأجازه ابن حبيب وابن مسلمة وقال ابن حبيب في النصف أيضاً وقال ابن رشد إنما منع مالك لأنها صلاة على الغائب وحكى ابن القصار في الصلاة على الغائب الجواز عن مالك وقاله ابن وهب وغيره واحتجوا بصلاته عليه السلام على النجاشي وتؤول بأنه رفع إليه حتى صلى إليه معاينة كما أخبر به تحقيقا والأمر خارق فلا يقاس به والمعتاد والله أعلم وقد حصل بعض الشيوخ في الصلاة على البعض خمسة أقوال فانظرها وبالله التوفيق.