الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يجب منه الوضوء والغسل
يقول هذا باب ذكر ما أي الشيء الذي يجب أي يفترض ويكتسب ويلزم منه أي به إذا حصل أو وقع أو وجد الوضوء الشرعي الذي هو تطهير أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص لتنظيف وتحسين ويرتفع عنها حكم الحدث المانع من أداء العبادة وقوله (والغسل) يعني وذكر ما يجب به الغسل لأن موجب الغسل غير موجب الوضوء فلذلك لزم إدخال التقدير ثابت والمراد الغسل الشرعي الذي هو تعميم ظاهر الجسد بالماء إجماعاً ومع الدلك على المشهور فما موصولة بمعنى الذي والوضوء بضم الواو اسم للفعل وبفتحها اسم للماء وقيل بالعكس وأنكر الأصمعي ضم الواو في الوضوء أن يكون مسموعاً من العرب. قال وإنما هو قياس قاسه النحويون.
وقال ثعلب: الوضوء الفعل والوضوء الاسم، وقال في الغريب لا خلاف أعلمه أن الغسل بفتح الغين اسم للفعل وبضمها اسم الماء وذكر غيره الخلاف فيه كالوضوء وقال هو بالكسر اسم لما يغتسل به من أشنان وطفل ونحوه والصحيح سقوط الباب من الترجمة هنا وقد مر الكلام عليه وعلى حقيقة الباب عند قوله باباً باباً والمقصود هنا ذكر ما يجب الوضوء منه وما يوجب الغسل وما ينقضهما بعد صحتهما وكذلك ترجمة القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر في تلقينه إذ قال باب ما يوجب الوضوء وما ينقضه بعد صحته فأما حكم الوضوء وأقسامه وشروطه وأحكامه وحكمته وصفته واشتقاقه فيأتي بعد إن شاء الله تعالى.
(الوضوء يجب لما يخرج من أحد المخرجين).
يعني لما شأنه أن يخرج منهما إذا خرج يريد على وجه الصحة والعادة لا على وجه المرض والسلسل بدليل ما يذكره بعد من استحبابه لذلك فلو خرج منهما ما ليس من شأنهما كالحصى والدود ونحوهما ففي البيان في هذه المسألة ثلاثة أقوال المشهور لا
وضوء عليه خرجت الدودة نقية أو غير نقية وهو ظاهر ما هنا لقوله (من بول) إلى آخره فأتى بمن لبيان ما تعلق عليه الحكم حتى لا يتناول غيره وقال ابن عبد الحكم يجب بها الوضوء وإن خرجت نقية وثالثها إن خرجت ببلة وجب وإلا فلا وعزاه اللخمي لابن نافع، وقوله (من أحد) المخرجين يعني القبل والدبر وألحق بهما ما يقوم مقامهما من ثقبة تحت المعدة إن أنسد المخرج فإن لم ينسد أو كان الخرق فوق المعدة فقولان ولو اعتاد القيء بصفة المعتاد ففي النقض قولان والأظهر النقض إن صار الفم محلاً له دون محله لا إن كان خروجه من محله أكثر (خ).
ولا يجب إن كان خروجه نادراً بلا خلاف انتهى بمعناه (ع). وفي كون القيء المتغير لأحد أوصاف العذرة مثلها في النقض نقله اللخمي وصوب الأول كصيرورة أحد النجاستين تخرج من جائفة على المعدة قال تكررها كالسلس انتهى.
وأفاد قوله (يخرج) أن الداخل غير موجب فلا وضوء في حقنة ومغيب الحشفة موجب لما هو أعم فلا يعترض به والله أعلم، وقوله (من بول أو غائط أو ريح) يهني إذا خرج كلها على وجه الصحة والعادة لا على وجه المرض والسلس في الجميع فليس الغائط والريح كالبول وهو مثلهما وحكم الجميع في الصحة متحد والمعتبر ريح الدبر لا القبل وسواء خرج بصوت أو بغير صوت.
وجوز بعض الأندلسيين الصوت بغير ريح وجعله موجباً وأنكر ابن بشير وجوده ولا خلاف في وجوب الوضوء بالثلاثة أو أحدها فقول ابن سحنون الوضوء من البول سنة يعني وجب بها ولا أصل له في القرآن وأخذه من ملازمته للغائط بعيد لعدم اشتراط التلازم وإمكان انفكاكه والغائط لغة المطمئن من الأرض سمي به ما علم من باب تسمية الشيء بلازمه أو محله والله أعلم.
وقوله (أو لما يخرج من الذكر من مذي) يعني يجب لما ذكر أو لما يختص بالذكر ولا يخرج من غيره وهو المذي يريد إذا خرج معتاداً فأما إن خرج على وجه السلس فإن كان لأبربرة ونحوها فكسلس البول وإن كان لطول عزبة أو تذكر فعند ابن الحاجب وإن كثر المذي للعزبة أو للتذكر فالمشهور الوضوء وفي قابل التداوي قولان (خ) والظاهر في هذا المحل أن يقال المشهور وجوب الوضوء بطول العزبة أو
التذكر كما في المدونة ومقابله لا يجب إلا لمجموعهما كما في كتاب ابن المواز لطول عزبة إذا تذكر والقولان في القادر على رفع المذي حكاه ابن شاس وابن بشير عن العراقيين انتهى.
باختصار آخره (ع) ابن بشير ما قدر على رفعه المشهور كمعتاد ونقل ابن الحاجب والعفو عنه لا أعرفه انتهى وفي الجلاب لا خلاف إذا تذكر أن عليه الوضوء وفي قوله من الذكر يستر و (ح) منه أن المرأة لا مذي لها أولها مذي لا ينقض وفي الذخيرة مذيها بلة تجدها فيجب بها الوضوء كذا وذكره شيخنا أبو العباس حلو لو كان الله له في شرحه مختصر (خ) فانظره والمذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء وبكسر المعجمة أيضاً وتشديد الياء قال صاحب الغريب قال ثابت هو بالسكون الاسم وبالكسر الفعل ثم قال فعلى هذا التشديد أحسن لأن الفعل لا يوصف بالخروج والله أعلم.
وإنما أفرده الشيخ بالذكر عما قبله لاختصاصه بحكم دونه وبينه بقوله مع غسل الذكر كله منه يعين لأنه يسري مع العسيب ويقتضي حرارة وعلى هذا فلا نية إذا كان معللاً بالتبريد والاحتياط من النجاسة وهذا مذهب الشيخ أنه لا تجب فيه النية وقال أبو العباس الأبياني تجب فيه النية فحمل الأمر به على التعبد وهما جاريان على قول المغاربة بوجوب غسله كله خلافاً للعراقيين في اختصارهم على محل الأذى فقط ابن الحاجب ففي مغسوله قولان تحتملهما أي المدونة جميع الذكر للمغاربة ففي النية قولان وموضع الأذى لغيرهم فلا نية (خ).
ووجه احتمالها للقولين أنه قال فيها والمذي عندنا أشد من الودي لأن المذي يجب منه الوضوء مع غسل الفرج قال فقوله (مع غسل الفرج) محتمل أن يريد جميع الفرج أو بعضه أي موضع الأذى منه انتهى وعلى القول بوجوب الكل فرع (خ) في مختصره حيث قال ففي النية وبطلان صلاة تاركها كتارك كله قولان (ع) وفي إعادة
صلاة من اقتصر على محله أبداً وصحتها قولان للأبياني ويحيى بن عمر انتهى.
وأفاد تعيين القائل في الأخيرة فانظره وقوله: " وهو ماء أبيض رقيق " يعني في قوام لعاب السفرجل وبياضه وهذا عند اعتدال الطبيعة وإلا فقد يخلف ويختلف ثم هو غالباً إنما يخرج عند اللذة بالإنعاظ أي انتباه الذكر وانتعاشه قال الخليل يقال نعظ ذكر الرجل ينعظ نعظاً ونعوظاً يعني انتبه يقع الإنعاظ غالباً للذة عند الملاعبة مع الأهل ونحوهم والتذكار بفتح التاء أي سريان الفكر فيما يقع بين الرجل وأهله من أمر الجماع وما يرجع إليه وقد يخرج بلا لذة ولا إنعاظ وهذا لا يجب به شيء على المشهور وقد يكون بلذة دون إنعاظ فيجب به إن لم يكن عن سلس ونحوه وقد يكون إنعاظ دونه فإن كان خفيفاً فلا نقض وإن كان كاملاً فاختلف فيه.
(ع) وفي نقض بين الإنعاظ ثالثها إن اختلفت عادته في تعقبه بمذي للباجي عنها مع نقله عن ابن شعبان رواية ابن نافع واللخمي (خ) وقال ابن عطاء الله الصحيح أن لا وضوء فيه بمجرده قال فإن انكسر عن مذي توضأ للمذي وإلا فلا وليس الإمذاء من الأمور الخفية حتى تجعل له مظنة انتهى.
وخروجه بالتذكار أو دونه كخروجه بالإنعاظ أو دونه الحكم في ذلك سواء فإن عرى التذكار عن المذي وصحبته اللذة ولو مع النظر فلا نقض على المشهور (خ) وذهب أبن بكير والأبياني إلى أن اللذة بالنظر ناقضة انتهى.
وهو المنقول عنه بالتذكر والله أعلم.
(وأما الودي) يعني بفتح الواو وسكون الدال المهملة قال صاحب الغريب ومن رواه بالمعجمة فقد صحف ثم حكى عن صاحب ألفاظ المدونة اختياره قال وتبع فيه الأبهري وقال ابن السيد في الاقتضاب ولا أدري من أين نقله الأبهري، ويقال أيضاً بكسر الدال والتشديد وعلى كل حال فهو ماء أبيض خاثر دون بياض المذي ودون خثارة المني بل في قوام المخاط ولونه هذا شأنه في اعتدال الطبيعة وغالب الأمر.
وقد يخلف ويختلف والغالب أنه يخرج بأثر البول عند حصره أو حدوث برد
ونحوه وقد يخرج معه أو قبله أو دونه وكل ذلك مشاهد وقوله (يجب منه ما يجب من البول) يعني خرج مع البول أو قبله أو بعده أو دونه والذي يجب من البول ثلاثة تنجس محله والوضوء بمعتاده والاستبراء منه وهو استفراغ ما في الفرج بالسلت والنتر الخفيفين لأن قوة النتر يورث عللاً ولا تنقطع المادة ولا يجب التحنح ولا القيام ولا المشي ولا حركة الرجلين إلا لمن اعتاد أن لا يخرج منه إلا وبه قد جرب لطوله أن يهمز بأصبعه بين السبيلين فإنه يدفع الحاصل ويمنع الواصل والله أعلم.
(وأما المني فهو الماء الدافق) يعني الذي يدفق بعضه بعضاً أي يدفعه بقوة ويقال المني مضعف الياء مكسور النون ولبعضهم بسكون النون والتخفيف ومعناه المهراق لأن أصل الإمناء الإراقة قال تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم: 46] أي تهراق في الرحم وسميت منى لأنها تهراق فيها دماء الهداية والله أعلم، ومن صفات المني خروجه بتدفق وأنه يخرج عند اللذة الكبرى الواقعة عند انتهاء نضجه واندفاعه حاراً بالجماع غالباً إذ بلا لذة أو بلذة غير كبرى أو بالجماع بلذة أو دونها ولكل حكم يخصه يأتي بعد إن شاء الله.
وقوله (رائحته كرائحة الطلع) يعني طلع النخل وهو فقاحه ونوره الذي يتكون منه فأول حمل النخلة يقال له الطلع يعني طلع النخل وعند اشتقاقه يقال له الضحك وكذا قال في الغريب قال: وإنما تكون له رائحة الطلع ما دام رطباً فإذا يبس كان برائحة البيض أشبه وماء المرأة ماء رقيق أصفر كما أن ماء الرجل ماء ثخين أبيض قيل وماء الرجل مر زعاق وماء المرأة رقيق أصفر مالح (ع).
وفي حديث صححوه ماء المرأة رقيق أصفر، وماء الرجل غليظ أبيض قالوا كرائحة الطلع انتهى.
وهل التشبيه به لأنه الموجود بأرضهم غالباً أو لأن أصله مشارك لأصله إذا خلقت النخلة من فضلة طين آدم أو غير ذلك انظره (خ) وللمني تدفق كرائحة طلع أو
عجين قال غيره ومني الرجل في حال اعتداله أبيض ثخين له رائجة طلع أو عجين ذو تدفق وخروج بشهوة ويعقبه فتور انتهى. وهو جامع حسن وبالله التوفيق.
وقوله (يجب به) يعني بماء المرأة إذا برز الطهر أي الغسل إذا كان على وجه العادة والصحة لا على وجه المرض والسلس كما مر ويأتي وقال بعض الأندلسيين لا يبرز ولكن إذا أحست به وجب غسلها وهو خلاف ما ذكره الشيخ بعد من قوله ويجب الطهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة إلا أن يقال الحكم يترتب على الإحساس به لأن الغالب عدم خروجه ويكون الخروج فيه أحرى فانظر ذلك وقوله (فيجب من هذا طهر جميع الجسد كما يجب من طهر الحيضة) يعني بجميع ظاهره إذ لا يجب مضمضة ولا استنشاق ولا صماخ وشبهه بطهر الحيضة لأنها تعرفه أو لأنه متفق عليه فيكون فيه نوع من التنظير والاحتجاج على من لم يوجب به وهو مجاهد رضي الله عنه ومن قال بقوله وقد صح الحديث أن أم سليم رضي الله عنها قالت يا رسول الله أن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال: «نعم إذا رأت الماء» الحديث فقوله رأت أعم من أن يكون بالإحساس البروز والله أعلم.
تنبيه:
استطراد الشيخ تعريف هذه المياه لإفادة أحكامها على وجه التفرقة والبيان ولبيان أعيانها إذا المخاطب من لا يعرفها وهم الولدان مع حاجتهم لذلك في أقرب الأزمة إليهم وليعمل عليها عند الإشكال فلو وجد في لحافه بللاً اعتبره بأوصافه فعمل على حكمه (خ).
وإن شك أمذي أم مني اغتسل وأعاد من آخر نومه كتحققه يعني كما إذا تحقق أنه مني ولم يدر زمنه فإنه يعيد من آخر نومه قاله في الموطأ والمجموع وثالثها إن كان ينزعه فمن آخر نومه وإلا فمن الأولى ولابن سابق إن كان طرياً فمن آخر نومة اتفاقاً فأما الشك في عينه فقال مالك لا أدري ما هذا وأجراه ابن سابق واللخمي وغيرهما على الشك في الحدث ابن الفاكهاني والمشهور الوجوب كما مر الجزم به عند (خ).
وعليه فلا يلزمه وضوء مع الغسل وقال علي: ليس عليه إلا الوضوء مع غسل ذكره والله أعلم.
(وأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويستحب لها ولسلس البول أن يتوضأ لكل صلاة).
يعني الدم الجاري على المرأة من علة وفساد في رحمها فيجب منه الوضوء إذا انقطع وقيل إذا كان انقطاعه أكثر من إتيانه ويستحب لها أي المستحاضة ولسلس البول أي الذي يخرج منه البول كثيراً بلا حرقة أن يتوضأ لكل صلاة ما دام يجري أو إذا كان إتيانه أكثر من انقطاعه على اختلاف التأويلين في ذلك لأن المسألة مشكلة من جملة إطلاق الوجوب والاستحباب في محل واحد إذ لا يصح جمعهما فتؤول ذلك بنحو عشرة أوجه من أحسنها ما ذكرناه ورد الأول بعد وجوده نصاً في المذهب وبتعارضه بما يذكر بعد من قوله أو انقطاع دم الحيض والاستحاضة فيجاب بأنه لابد من تقدير فيقدر أو مجيء الاستحاضة لمميزة أو الحكم بها مطلقاً ويعضد هذا تغيير العبارة بقوله (أو دم نفاس) والله أعلم.
وعلى الوجه الآخر فله صور أربعة إن لازم أكثر الزمان استحب وإن فارق أكثر الزمان وجب وإن تساوياً فقولان بالوجوب والاستحباب ابن رشد والمشهور ولا يجب ابن هارون الظاهر الوجوب أما إن لم يفارق فلا فائدة فيه وهذه طريقة المغاربة في السلس وعليها العمل خلافاً للعراقيين في القول باستحبابه مطلقاً ابن الحاجب والاستحاضة كالسلس يستحب منها الوضوء.
(خ) أشار ابن عبد السلام إلى أن معناه أن الاستحاضة كالسلس في جميع الصور المذكورة وقال الباجي إذا ثبت أن دم الاستحاضة لا يجب به غسل فهل يجب به الوضوء المشهور من المذهب لا يجب وقال القاضي أبو الحسن ما يكون منه مرة بعد مرة وجب منه الوضوء وما تكرر بالساعات استحب (ع) والمستحاضة في وجوب وضوئها لكل صلاة واستحبابه رواية اللخمي انتهى.
وقد يخرج عليه كلام الشيخ بأن يقال يجب على رواية ويستحب على أخرى فانظر في ذلك وتأمله وبالله التوفيق.
(ويجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون).
يعني بزوال العقل ذهاب التمييز في الحال ولو لم يزل أصله ليدخل النوم إذ ليس بذهاب العقل وإنما هو تغطية له ولم يشترط الاستثقال في غيره فقليل ما سواه وكثيره سواء ويتفصل هو إلى أربعة أوجه ذكرها غير واحد عن اللخمي الطويل الثقيل ينقض مقابله وهو الخفيف القصير لا ينقض الطويل الخفيف يستحب وحكى غيره فيه قولين.
والمشهور عدم النقض والقصير قولان والمشهور النقض وعليه دل ما ههنا والله أعلم، وعلامة الاستثقال سقوط شيء من يده أو انحلال حبوته أو سيلان لعابه أو بعده عن الأصوات المتصلة به ولا يتفطن لشيء من ذلك وهذا كله على أن النوم سبب الحدث وهو المشهور ووقع لابن القاسم ما ظاهره أنه حدث وعليه فقليله وكثيره سواء والله أعلم. والإغماء: غيبة العقل بما يعتري البدن من حمى ونحوها وألزم اللخمي عبد الوهاب التفصيل فيه ولا يصح بل القليل والكثير سواء كالسكر والجنون والمعتوه كالمجنون تخبط أو لم يتخبط وفي كلام الشيخ إثبات الجن وتخبطه وهو نص القرآن ومذهب أهل الحق خلافاً للفلاسفة وبعض المعتزلة والنشوان الذي يخطئ ويصيب كالطافح الذي لا يعرف الأرض من السماء لسكره.
(فرع) قال مالك فيمن حصل له هم أذهل عقله يتوضأ وعن ابن القاسم لا وضوء عليه وذكر التادلي الوضوء من غيبة العقل بالوجد والحال ونظره غيره بمن استغرق في حب الدنيا حتى غاب عن إحساسه وفيه نظر لعدم اعتباره والله أعلم.
(ويجب الوضوء من الملامسة للذة والمباشرة بالجسد للذة والقبلة للذة).
يعني إذا قصدت ووجدت اتفاقاً في الجميع وكذا إن وجدت ولم تقصد عند ابن رشد وابن شاس وغيرهما (خ) ونقض عليه ابن هارون الاتفاق بما نقله ابن يونس عن سحنون في التي كست زوجها أو نقضت خفه لا وضوء عليهما وإن التذا قال وفيه نظر بأنه ليس فيه نص صريح على اللمس ونقضوه أيضاً بقول التلمساني في "اللمع" واختلف إذا وجد ولم يقصد أو قصد ولم يجد ابن الحاجب فإن قصد ولم يجد فكذلك على المنصوص يعني ينتقض ثم قال وخرج اللخمي من الرفض ولا ينتقض. (خ) وتخريج اللخمي ضعيف لأن رفض النية قصد منفرد وهنا قصد وفعل ولا يلزم من إلغاء الأخف إلغاء الأشد قال ومقابل المنصوص منصوص لأشهب وروى عيسى في مريض مس ذراع امرأته ليختبر هل يجد لذة فلم يجدها أنه يتوضأ فحمله ابن رشد على النقض بالقصد.
وظاهر كلام الشيخ إن قصده اللذة شرط حتى في القبلة إلا أن يكون أتى باللام للتعليل فلزم أنه إذا لم يقصد ولم يجد أنه ينقض والمشهور خلافه والقول بالنقض به نص عليه الحضرمي ولم يعزه والمعول أن التفصيل المذكور إنما هو الملامسة فقط والقبلة على سائر الجسد منها فأما على الفم. فقال ابن الحاجب تنقض للزوم اللذة (خ) هي رواية أشهب عن مالك وقول أصبغ قال في المدونة وهو دليل المدونة ومقابله لا وضوء كالملامسة قول ابن الماجشون عياض وهو قول مالك في المجموعة ابن رشد، وأما قاصد اللذة بالقبلة ولم يجدها فالوضوء واجب عليه ولا أعلم في ذلك خلافاً ولا يبعد دخول الخلاف فيها معنى، وحكى ابن بزيزة في القبلة مطلقاً ثالثها إن كانت على غير الفم اعتبرت وإلا فلا وظاهر ما هنا أن اللذة إذا وجدت أو قصدت انتقض ولو في محرم وصغيرة لا تشتهي والمشهور أنه لا أثر لمحرم ولا لصغيرة لا تشتهي (خ) وهو ظاهر الجلاب.
ونص عبد الوهاب وغيره أنه إن وجدها في محارمه انتقض (ع) وقبلة ترحم للصغيرة ووداع للكبيرة المحرم ولا لذة لغو ابن رشد ولو قصدها في الصغيرة وجدها إلا على النقض بلذة التذكر ثم قال قلت يرد بقوة الفعل قال يعني ابن رشد وقصدها لفاسق في المحرم ناقض انتهى.
وعند اللخمي أنه إن ضمها إليه انتقض بلا تفصيل فلعله مراد الشيخ بالمباشرة وإلا فمن اللمس، وقال ناصر الدين: إذا التقى جسمان فذلك الالتقاء يسمى مسا ثم قال إذا كان الالتقاء بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة وإن كان الجسد سمي مباشرة وإن كان باليد سمي لمساً انتهى.
فروع أحدها:
الحائل الكثيف كالعدم وفي غيره قولان (ع) والحائل سمع ابن القاسم لا يمنع وعلى إن كان خفيفاً ابن رشد تفسير اللخمي رواية على أحسن إن كان باليد وإن ضمها فالكثيف كالخفيف الثاني: (خ) قال في التهذيب والملموس إن وجد اللذة توضأ وإلا فلا قالوا ما لم يقصدها فيكون لامساً انتهى ولابن نافع الكره والاستغفال في القبلة كالقصد.
الثالث: لمس الشعر والظفر كغيره وقيل لا والله أعلم.
وقوله (ومن مس الذكر) يعني أن مس الذكر موجب الوضوء كما يوجبه ما قبله وظاهره مطلقاً كما في الحديث وليس كذلك لاتفاق أهل المذهب على تقييده بالرواية الأخيرة في المدونة أنه بباطن الكف أو بباطن الأصابع ابن الحاجب أشهب بباطن الكف وفي المجموعة العمد والعراقيون اللذة (خ) يعني بأي عضو وحصلت هكذا.
نص عليه السيوري وغيره انتهى.
ولابن نافع اعتبار الحشفة فقط وللوقار مع باطن الكف باطن الذراع وفي
الأحوذي فيما بين الأصابع روايتان وفي باب الغسل اعتبار باطن الكف فقيد به ما هنا والمشهور أطراف الأصابع ودائرة جنب الكف والله أعلم والاتصال شرط (ع) ومسه مقطوعاً لغو المازري كذكر الغير قال قلت يرد بأن الحياة مظنة اللذة ونقيضها مظنة نقيضها وقال ومسه من آخر ابن العربي لغو المازري الجمهور كذكر نفسه إلا داود لحديث من مس ذكره فليتوضأ ورده بعض أصحابنا بحديث من مس الذكر الوضوء قال والملموس التلذا انتقض وإلا فقول الأبلي المصري وابن العربي انتهى من مواضع والله أعلم.
فروع أولها:
في مسه من فوق حائل وثالثها إن كان خفيفاً نقض (خ) حكى المازري وصاحب الأحوزي وابن رشد الثلاثة والظاهر عدم النقض مطلقاً لما في صحيح ابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام: «من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما ستر ولا حجاب فقد وجب عليه الوضوء» انتهى.
الثاني: إن مس ذكره وصلى ولم يتوضأ أعاد أبداً على المشهور وقيل في الوقت.
وثالثها: في العمد أبداً وفي السهو في الوقت.
ورابعها: مثله وفي السهو السقوط.
وخامسها: أبداً في الكمرة وفي العسيب السقوط.
وسادسها: الإعادة.
وسابعها: يعيد فيما قرب كاليومين والثلاثة حكاها كلها في اختصار شرح ابن الفاكهاني لأبي محمد عبد الله الشبيبي القروي فانظره.
الثالث: في سماع عيسى من كتاب الصلاة. الرابع من جس امرأة للذة ثم نسي فصلى ولم يتوضأ يعيد في الوقت وبعده ابن رشد معناه إن جسها للذة فالتذ فلو جسها للذة ولم يلتذ لما انبغى أن تجب عليه الإعادة إلا في الوقت لأن كل من عمل في وضوئه أو صلاته بما اختلف أهل العلم فيه فلا إعادة عليه إلا في الوقت انتهى.
وأتيت به هنا للقاعدة التي في آخره وهي معارضة للمشهور في التي فوقه ولكثير من المسائل فانظر ذلك وقوله (واختلف في مس المرأة فرجها في إيجاب الوضوء
بذلك) يعني على ثلاث روايات لابن زياد والمدونة وابن أبي أويس ثالثها إن ألطفت وقال قلت ما ألطفت قال أن تدخل يديها بين الشفرين فقيل باتفاقهما أي أنها راجعة للقول الآخر وعزاه ابن عرفة للأبهري قائلاً ابن بشير وعبد الحق وقيل بظاهرها ابن رشد رابع الروايات يستحب وردها الأبهري.
(تحصيل موجبات الوضوء ثلاثة أنواع).
أحداث وأسباب وخارج عنهما فالحدث ما نقض بنفسه وهو بالخارج المعتاد من المخرج المعتاد على وجه الصحة والاعتياد وقد ذكره الشيخ أول الباب والأسباب ما نقض بما يؤدي إليه وهو المذكور من قوله ويجب الوضوء من زوال العقل إلى هنا والخارج عنها ضربان راجع إليهما كالشك في الحدث ويأتي إن شاء الله وقادح في الأصل أو الحكم كالردة والرفض وفي الكل اختلاف فانظره وبالله التوفيق.
(خاتمة):
لا وضوء بمس انثييه أو أليتيه أو عانته أو رفغيه أو فرج صبي أو صبية أو بهيمة أو لحم طري ولا بتقطير في مخرجين أو إدخال شيء فيهما ولا بأكل شيء مما مسته النار أو شربه أو لحم الإبل ولا بقلس أو قيء أو حجامة أو فصد أو ذبح أو قلع ضرس أو قهقهة في صلاة ولا بكلمة قبيحة أو إنشاد شعر أو سم صليب أو وثن أو حمل ميت أو وطئ على نجاسة رطبة ولا بمس دبر وأجراه حمديس على فرج المرأة ورده ابن بشير بأنه ليس بقياس وعبد الحق باللذة ونظر فيه غيره وبالله التوفيق.
(ويجب الطهر مما ذكرنا من خروج الماء الدافق للذة في نوم أو يقظة).
يعني المعتاد إذا خرج مقارناً لها إجماعاً عبد الوهاب فإن عرى عن اللذة فلا غسل فيه ابن الحاجب فإن أمنى بغير لذة أو بلذة غير معتادة كمن حك لجرب أو لدغته عقرب أو ضرب فأمنى فقولان (خ) ابن بشير: المشهور السقوط واختار سحنون وأبو إسحاق القول بالوجوب ابن الحاجب، وعلى النفي ففي الوضوء فقولان:(خ) ويقع في بعض النسخ مفسرين بالوجوب والاستحباب وهو أحسن ابن الحاجب ولو التذ ثم
خرج بعد ذهابها جملة فثالثها إن كان عن جماع وقد اغتسل له فلا يعيد (خ) هذه المسألة على وجهين:
أحدهما: أن يجامع ولم ينزل ثم يغتسل ثم يخرج منه مني.
والثاني: أن يلتذ بغير جماع ولا ينزل ثم ينزلن وقيل بالوجوب فيها، فقيل لا فيهما لعدم المقارنة.
والثالث: التفرقة فيجب في الثاني دون الأول وقد ذكر المازري واللخمي وغيرهما هذه الثلاثة الأقوال هنا وهكذا كان شيخنا يقرر هذا المحل وكذلك قرره ابن هارون انتهى والمشهور التفرقة.
(فرعان: أحدهما):
قال ابن الحاجب وعلى وجوبه لو كان صلى ففي الإعادة قولان (خ) الإعادة لأصبغ ومقابله لابن المواز واختاره ابن رشد المازري وغيرهما الثاني قال وعلى النفي ففي الوضوء قولان أي بالإيجاب والاستحباب قال الباجي قال القاضي أبو الحسن والظاهر من مذهب مالك أن الوضوء واجب انتهى.
وظاهر كلام الشيخ أن خروج الماء باللذة موجب معتادة كانت أو غير معتادة ولم يتعرض لما وراء ذلك بنفي ولا إثبات الحكم لهذا لا يلزم نفيه عن غيره بأي وجه والله أعلم، وقوله في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة يعني أن الخروج موجب بأي وجه حصل لقوله عليه السلام «إنما الماء من الماء» ولا يلزم من وجود اللذة إدراكها فلذلك لا يشترط في النوم ولعدم ضبط النائم حمل على أغلب أحواله وهو وجود اللذة المقارنة ثم أحواله أربعة أن تجد قصة ويجد ماء وعكسه أو يجد ماء ولا ترى قصة وعكسه فيجب فيما وجد فيه لا فيما لم يوجد مطلقاً فيهما والله أعلم.
وظاهر ما هنا أن ماء المرأة يبرز وقد تقدم ما فيه والظاهر أنه يختلف باختلاف النساء وقد يختلف باختلاف الأحوال لكن خروجه موجب على كل حال وفي دخول ماء الرجل فرجها دون جماع اختلاف (ع) وفيها إن دخل فرجها ماء واطئها دونه فلا غسل ما لم تلتذ ابن القاسم أي تنزل ابن شعبان لا غسل ما لم تنزل وقيل وإن لم تنزل وهو المختار احتياطاً قال قلت: ظاهره وإن لم تلتذ وقال ابن شاس وإن لم تلتذ فلا
غسل وإلا فقولان ولأبي إبراهيم عن رواية ابن وهب تغتسل لا بشرط لذة انتهى.
فتأمله وبالله التوفيق.
وقوله أو انقطاع دم الحيض أو الاستحاضة أو دم النفاس يعني أن انقطاع هذه الثلاثة موجب كخروج الماء الدافق وقد يريد أو مجيء الاستحاضة للمميزة أو الحكم بخا لغيرها لأنهما موجبان دون انقطاع بل هما خلف منه إذ لهما حكمة وقد يرادان به من جهة المعنى ولكن لا يؤديه الإطلاق كالتصريح فلذلك بينه وقد يدل لهذا قوله في جمل من الفرائض والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة فلم يذكر الاستحاضة إلا أن يقال اكتفى بهما لأنها فرعهما وفيه بعد ومما يؤيد هذا الوجه تكرير لفظة دم التي وقع عليها ذكر الانقطاع في الحيض في النفاس لا في الاستحاضة مع أنها مستغنى عنها فيها فتأمل ذلك وعلى التقرير الأول وهو الانقطاع استشكل الرسالة غير واحد من طريق النقل ولما ذكر (ع) موجبات الغسل قال وانقطاع دم الحيض والنفاس لا الاستحاضة.
وفيها ثم قال تتطهر أحب إلي واختاره ابن القاسم والباجي واللخمي والمازري قال مالك مرة تغتسل ومرة لا غسل عليها وابن القاسم واسع فقول ابن عبد السلام استشكلوا ظاهر الرسالة بوجوبه إن كان لمخالفة ظاهر المدونة فالمشهور قد لا يتقيد بها وإن كان لعدم وجوده فقصور انتهى ولا إشكال في استحباب الغسل لها وقد مر بها في وجوب الوضوء فانظره.
والاستحاضة: الدم الجاري على المرأة من علة الخليل والمستحاضة: التي لا يرقأ دمها أي لا ينقطع. دم خرج بنفسه من قبل من تحمل عادة.
والنفاس الدم الخارج للولادة كذا قال (خ) في مختصره وسيأتي ما لغيره إن شاء الله.
(فرع) ابن الحاجب وإن حاضت الجنب أو أنفست أخرت (خ) هذا هو المشهور
(ع) ابن وهب إذا أرادت القراءة اغتسلت لأن الجنب لا يقرأ انتهى وفيه نظر من جهة أن الحيض مانع رفع الجنابة بل الحدث مطلقاً فانظر ذلك.
وقوله (أو بمغيب الحشفة في الفرج) يعني من حي أو ميت آدمي أو بهيمة قبل أو دبر على من غابت فيه أو منه من أنثى أو ذكر بشرط البلوغ فيهما ويعتبر لمقطوعها قدرها (ع) موجب الغسل خروج المني بلذة ومغيب حشفة غير خنثى أو مثلها من مقطوعها في دبر أو قبل غير خنثى ولو من بهيمة ماتت على من هي منه أو غابت فيه ولو مكرها أو ذاهباً عقله انتهى.
فوطء الكبير الكبيرة موجب عليهما باتفاق والصغيران دون مراهقة لغو باتفاق ابن الحاجب ولو وطئ الصغير كبيرة فلم تنزل فلا غسل عليها على المشهور (خ) الخلاف إنما هو في المراهق ونحوه على ما قال عبد الوهاب وأما ما دون المراهق فلا غسل عليها اتفاقاً قال وتؤمر الصغير على الأصح (خ) أي إذا وطئها الكبير والأصح قول أشهب وابن سحنون ومقابله في مختصر الوقار انتهى فإن تركت أعادت عند أشهب أبداً وقيل في الوقت وقال سحنون: فيما قرب كاليومين والثلاثة والله أعلم.
والحشفة: حلمة الذكر وهي الكمرة بفتح الكاف والميم ومن العرب من يسميها الفيشة والفيشلة انظر الغريب وقوله: «وإن لم تنزل» يعني وأما إن أنزل فأحرى وهو مجمع عليه ولم يخالف في مغيب الحشفة غير داود والبخاري فقال في آخر كلامه والغسل أحوط وهذا الآخر إنما بيناه لاختلافهم وأما داود فلم يعتدوا بخلافه في كثير من الأشياء بل قال ابن العربي هو عامي لا حديث عليه والتحقيق أنه إمام هدي كما ذكره ابن السبكي وغيره فلا يطعن فيه ولا يتبع مذهبه لضعفه وانقراض جملته ومحققيه والله أعلم.
(تحصيل موجبات الغسل ستة).
أربعة متفق عليها وأثنان مختلف فيهما ويعم الرجال والنساء شرطهما ويختص الآخر بالنساء فالعامة الإنزال ومغيب الحشفة وإسلام الكافر على الخلاف فيه والخاصة
الحيض والنفاس وخروج الولد جافاً وسيأتي ما فيه من الخلاف إن شاء الله.
(ومغيب الحشفة يوجب الغسل ويوجب الحد ويوجب الصداق ويحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثاً للذي طلقها ويفسد الحج ويفسد الصوم).
يعني إن غابت كلها لا بعضها وفي كونها بحائل ثلاثة كما تقدم في اللمس ومس الذكر وفي النوادر عن ابن شعبان إن أدخلت امرأة العنين فرجه وجب الغسل فظاهره لا يشترط الانتشار فانظر ذلك ويوجب الحد على الزاني واللائط بشرط الانتشار كما هو مذكور في بابه، ويوجب الصداق كاملاً على المتزوج إذا وقع مع زوجته التي لم يدخل بها وظاهر هذا أن الصداق إنما يجب بالدخول ونصفه بالطلاق ولا يجب بالعقد شيء وثالثها نصفه بالعقد وكماله بالدخول وسيأتي إن شاء الله.
ويحصن الزوجين الحرين البالغين إن كانا على نكاح صحيح بوجه صحيح كما قال بعد والإحصان أن يتزوج الرجل المرأة نكاحاً صحيحاً ويطأها وطأ صحيحاً ويحل المطلقة ثلاثاً إن وقع من زوج ثان بنكاح صحيح سالم من الدلسة للذي طلقها أولاً إذ لا تحل إلا بعد زوج ذاق عسيلتها وذاقت عسيلته كما في حديث امرأة رفاعة مع عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة بعدها مثناة وراء.
ويفسد الحج إن وقع قبل الوقوف بعرفة فيجب إتمامه وقضاؤه والهدي والعمرة وسواء العمد والنسيان والتطوع والفرض لأن نفل الحج كفرضه نية وكفارة وغيرهما والله أعلم.
ويفسد الصوم فيوجب القضاء عمدة للفرض والنفل مع الكفارة في الفرض وفي إيجابها في النسيان اختلاف قال بعض الشيوخ وهذا إذا غابت في المنكح لا في المبال وقال ابن العربي أرانا فلان من شيوخه فرج المرأة بأن عقد خمساً وثلاثين وأشار بأن المعتبر الوسط لا الدائرة فانظر ذلك.
تنبيه:
ذكر الشيخ هنا من موجبات مغيب الحشفة سبعة أشياء وأنهاها بعضهم لزائد على المائة قال بعضهم والمختص منها بذلك أربعة الإحصان والإحلال والحد في محله وسقوط الخيار في العنة والاعتراض والله أعلم.
(افتتاح).
لما انتهى كلام الشيخ في موجبات الغسل أراد الكلام على الحيض والنفاس لأنهما من متعلقاته فأردنا تقديم حقيقة الحيض وتقسيم الحيض ليسهل التقرير ومن الله التيسير أما حقيقته فقال (ع) الحيض دم تلقيه رحم معتاد حملها دون ولادة خمسة عشر يوماً في غير حمل وفي حمل ثلاثة أشهر خمسة عشر ونحوها وبعدها ستة وعشرين ونحوها فأقل في الجميع فيخرج دم بنت سبع ونحوها والآيسة انتهى.
والنساء خمسة صغيرة لا تشبه أن تحيض وكبيرة مثلها كابنة سبعة وابنة سبعين فلا يعتبر دمهما اتفاقاً في العدة وفي العبادة على المشهور في الآخرة (ع) والآيسة في كون دمها حيضاً في العبادات نقل الصقلي عن أشهب مع الشيخ عن رواية محمد ونقل ابن حبيب معها وعليه في وجوب الغسل لانقطاعه قولاً ابن حبيب وابن القاسم انتهى ثم صغيرة يشبه أن تحيض وكبيرة مثلها فيعتبر اتفاقاً كابنة تسع وابنة أربعين وفيما تردد بينها اختلاف وبالغ في سن من تحيض لا إشكال فيها والدماء الخارجة من النساء ثلاثة حيض ونفاس واستحاضة وقد تقدم تعريفها ودرجات الحيض في قوامه ولونه ونحوهما ستة أوله أسود غليظ منتن ثم يصير أحمر ثم صفرة كماء العصفر ثم كدرة كغسالة اللحم ثم ترية وهي أفتح منها ثم قصة وكلها علامة الحيض فيجب فيها ما يجب فيه إلا الأخير فإنه علامة الطهر كما قال الشيخ هنا.
(وإذا رأت المرأة القصة البيضاء تطهرت إلخ).
يعني لأنه علامة انقضاء دمها من حيض أو نفاس بإجماع وإن اختلف في تقديمها على الجفوف وفي الغريب قال أبو عبيد القصة التراب الأبيض فإذا رأت المرأة بياضاً
على رحمها استدلت بذلك براءة رحمها ابن الحاجب وهو ماء أبيض كالقصة وهو الجير قال غيره وروي كالبول وقيل كماء العجين وقيل كالخيط الأبيض وروي كالمني وقوله (وكذلك إن رأت الجفوف) يعني: جفوف المحل مما كان فيه من الحيض وما في معناه بأن تخرج لها الخرقة جافة فللطهر إذا علامتان القصة والجفوف (خ) والطهر بجفوف أو قصة وهي أبلغ لمعتادتها فتنتظرها لآخر المختار وفي المبتدأة تردد انتهى.
وما ذكره من أن القصة أبلغ لمعتادتها هو قول ابن قاسم وقال ابن عبد الحكم الجفوف أبلغ لها وقال ابن حبيب وعبد الوهاب والداودي هما سواء وفائدة الخلاف انتظار الأقوى لآخر المختار على المشهور وقيل لآخر الضروري (خ) وجعل ابن رشد الخلاف في الانتظار للاختياري أو الضروري مبني على أن الأقوى هو من باب الأولى أو من باب الأوجب (س) والأظهر الاختيار قال والانتظار إنما هو على القولين.
وأما الثالث: فأي العلامتين سبقت عنده اغتسلت انتهى وهو ظاهر قوله هنا تطهرت مكانها يعني فلا تنتظر شيئاً والمعتادة كالمبتدأ في هذا القول بخلاف الأولين ففي المبتدأة خلاف يخصها ابن الحاجب أما المبتدأة فقال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون تنتظر الجفوف وغيرهما سواء قال الباجي نزع ابن القاسم إلى قول ابن عبد الحكم (خ).
وكذلك صرح به ابن شاس أنها إذا رأت القصة تنتظر الجفوف وفي المنتقى نحوه إذ قال لا ظهر إلا بالجفوف ونحوع في النوادر عن ابن حبيب عن ابن القاسم وقال المازري: وافق ابن القاسم ابن عبد الحكم على أن المبتدأة إذا رأت الجفوف تطهرت ولم يقل إذا رأت القصة تنتظر الجفوف ونقل عبد الوهاب عن ابن القاسم مثل ما قاله المازري قال في المقدمات ونقله أصح في المعنى انتهى باختصار لفظه فانظره وقد يريد بقوله مكانها الحث على المبادرة للعبادة عند إمكانها والأول أبين وأفيد والله أعلم.
وقوله (ثم إن عاودها دم أو رأت صفرة أو كدرة تركت الصلاة):
يعني لأن الصفرة والكدرة حيض وحده أي في أيام حيضتها وقال عبد الملك لا يكون حيضاً إذا انفرد ولا حد لأقله في العبادات بل الدفعة حيض في العبادات اتفاقاً.
وفي العدة والاستبراء على المشهور وفي النوادر وعن ابن حبيب لو رأت في اليوم قطرة دم كان يوم دم، وفيه عن ابن القاسم في التي لا ترى الدم إلا مرة في اليوم فإن
رأته وقته وتركت الصلاة ثم رأت الطهر قبل العصر فلا تحسبه يوم دم الظهر انتهى.
ولعله مراد الشيخ هنا بما تقدم مع قوله: إذا انقطع عنها فاغتسلت وصلت يعني أن انقطاعه موجب للطهر وإتيانه موجب للمنع فلا تنتظر هل يأتيها دم آخر أم لا لأن المحقق لا يؤخر للمشكوك انتهى وكلام الشيخ إشارة لحال الملفقة وهي التي تقطع طهرها فصارت تحيض قبل تمام الطهر الفاصل فتغتسل كلما انقطع وتصوم وتوطأ (خ) لأنها لا تدري هل يعاود الدم أم لا وقوله: (ولكن ذلك كله كدم واحد في العدة والاستبراء) يعني أنها تلفق أيام الدم بعضها لبعض حتى تنتهي لما هو حكمها من عادة أو غيرها ثم تكون مستحاضة في بقية عمرها.
وقال ابن مسلمة وابن الماجشون إن كان الدم أكثر وإلا جمعت أيام الطهر طهراً وأيام الحيض حيضاً حقيقة (خ) فتكون طاهراً حائضاً على قولهما ولو بقيت كذلك طول عمرها انتهى بمعناه والمعتبر وقوع الدم في الأيام لا استغراق اليوم به لما تقدم من أن أقل الحيض الدفعة الواحدة وظاهر كلام الشيخ أنها تكون حائضاً طاهراً في العبادة أبداً بخلاف العدة والاستبراء فلا تكون طاهراً حتى يبعد ما بين الدمين بعداً بينا بحيث لا يشك فيه مثل ثمانية أيام على قول سحنون أو عشرة على قول عبد الملك بن حبيب فهذا أقل الطهر عندهما والمشهور خلافه (ع) وأقله روى ابن القاسم العادة وابن الماجشون خمسة أيام ابن حبيب عشرة سحنون ثمانية وابن مسلمة خمسة عشر واعتمده القاضي وجعله ابن شاس المشهور انتهى وعزى الأخير في الجلاب مع ابن مسلمة للمتأخرين من أصحاب مالك وفي التلقين هو الظاهر من المذهب ورجحه ابن عطاء الله وابن عبد السلام وغيرهم وقال ابن عبد السلام أكثر النصوص في الكتب المشهور لمالك عليه والله أعلم.
وقوله: (فيكون حيضاً مؤتنفاً) يعني إذا بعد ما بين الدمين فالثاني حيض ولا حد لا كثر الطهر إجماعاً ومعنى مؤتنفاً مبتدأ يعتد به وحده في العدة والاستبراء.
(فرع) يجب تفقد المرأة طهرها عند النوم ليلاً (ع) وفي وجوبه قبل الفجر لإدراك المغرب والعشاء قول الباجي عن الداودي وسماع ابن القاسم إذ ليس من عمل الناس ابن رشد يجب في وقت كل صلاة موسعاً ويتعين آخره بحيث تؤديها انتهى.
(ومن تمادى بها الدم بلغت خمسة عشر يوماً ثم هي مستحاضة إلخ).
يعني أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً وهذا هو المشهور في الجملة وإلا فالمشهور التفرقة بين المبتدأة والمعتادة والحامل ابن الحاجب والنساء مبتدأة ومعتادة وحامل فالمبتدأة إن تمادى بها الدم فالمشهور خمسة عشر روى ابن زياد تطهر لعادة لذاتها وروى ابن وهب وثلاثة أيام استظهار (س) والاستظهار في رواية ابن وهب بشروطه المعروفة أن لا تجاوز خمسة عشر يوماً.
قال ابن الحاجب والمعتادة إن تمادى فخمسة أقوال فيها روايتان خمسة عشر ورجع إلى عادتها مع الاستظهار بثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً قال والثالث عادتها خاصة والرابع خمسة عشر واستظهار يوم أو يومين والخامس قال ابن نافع واستظهار ثلاثة أيام وأنكره سحنون انتهى بإسقاط بعض كلام من خلاله للاختصار (ع).
وقول ابن عبد السلام تردد بعضهم في صحته عن ابن نافع قصوراً لرواية ابن حارث واللخمي عنه وترجيحه إياه على رواية محمد يعني التي هي استظهارها بيومين وعليها فأكثر الحيض سبعة عشر وعلى قول ابن نافع ثمانية عشر والله أعلم.
والمشهور إن الحامل تحيض وقيل ليس دمها بحيض وعلى المشهور فإن تمادى ففيها قال ابن القاسم تجلس بعد ثلاثة أشهر ونحوها نصف شهر وبعد ستة فأكثر عشرين ونحوها وهل حكم ما قبل ثلاثة كما بعدها أو كالمعتادة قولان وهل الستة كالثلاثة أو كالأكثر قولان.
وعن مالك فيها تمكث قدر ما يجتهد لها بلا حد وليس أوله كآخره وروى
أشهب كالحامل وروى مطرف أوله العادة والاستظهار والثاني مثل العادة وفي الثالث ثلاثة أمثالها وكذلك إلى ستين فلا تزيد وقال ابن وهب ضعف عادتها خاصة ولابن القاسم وغيره أقوال أخر فانظر ذلك.
(فرع): المشهور في غير المبتدأة والحامل أن الاستظهار على عادتها شرط فإن اختلفت عادتها فقيل تقتصر على أقلها والمشهور على أكثرها (خ) والقول بالأكثر مذهب المدونة والقول بالأقل لابن حبيب ابن الحاجب وأما دم الاستظهار عند قائله فحيض وما بينه وبين خمسة عشر قيل ظاهر (خ) وهو نص قول ابن القاسم في الموازية وظاهر المدونة في الحج وقيل تحتاط فتصوم وتقضي وتمنع الزوج ثم تغتسل ثانياً وعزاه (ع) لرواية ابن وهب وذكر (خ) عن اللخمي وغيره أنها رواية في المدونة والمشهور الأول والله أعلم.
وقوله (تتطهر وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها يعفى أن لها حكم الطاهر ما لم تميز بعد طهر تام فتعمل على تميزها)(ع) وما ميزته مستحاضة بعد طهر تام
حيض في العادة ابن حارث اتفاقاً وفي العدة قولان لها ولسحنون مع محمد وأشهب وابن الماجشون وفيها لابن القاسم والنساء يزعمن أن دم الحيض مباين للاستحاضة برائحته ولونه وصح حديث النسائي دم الحيض أسود يعرف بأن رجاله رجال مسلم انتهى.
وما ذكر من التلفيق يجري في كل النساء ويعتبر فيه ما قيل في الطهر والحيض على تفصيله والله سبحانه أعلم وفي قوله (تتطهر إلى آخره) إشارة لموانع الحيض وهي نوعان متفق عليها ومختلف فيها فيمنع الحيض وجوب الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم ومس المصحف والطلاق وابتداء العدة والوطء في الفرج ورفع الحدث ودخول المسجد والطواف والاعتكاف باتفاق وعلى المشهور الوطء بطهر التيمم وبين الطهر والغسل وفيما دون الإزار.
ووجوب الصوم ورفع حدث الجنابة بخلاف القراءة والتطهر بفضل مائها على المشهور فانظر ذلك.
(وإذا انقطع دم النفساء وإن كان قرب الولادة اغتسلت وصلت إلخ).
يعني وكذلك إن خرج الولد جافاً بلا دم على المشهور هو الراجح من روايتين (ع) وسمع أشهب من ولدت دون دم اغتسلت اللخمي هذا استحسان لأنه للدم لا للولد ولو اغتسلت لخروجه دون الدم لم يجزها ابن رشد معنى سماع أشهب دون دم كثير إذ خروجه بلا دم ولا بعده محال عادة قال ونقل ابن الحاجب نفيه رواية وابن بشير قولاً لا أعرفه انتهى والدفعة نفاس كالحيض (خ) ونقطعه ومنعه كالحيض ابن الحاجب وما يجيء بعد طهر تام حيض وإلا ضم ومنع فيه كالحيض فإذا كمل فاستحاضة قال: ولا تقرأ (خ) هذا مما تفرد به وقد صرح في المقدمات بتساوي حكم الحائض والنفساء في القراءة (ع) وعلل ابن عبد السلام قول ابن الحاجب ولا تقرأ بعدم تكرره كالحيض وهو ظاهر نقلهم رواية الجواز في الحيض فقط.
وفي التلقين دم الحيض والنفاس يمنع أحد عشر شيئاً وفي قراءة القرآن روايتان فظاهره أنهما سواء انتهى فانظره وقوله (وإن تمادى بها الدم جلست ستين ليلة) يعني من يوم ولادتها وذلك شهران تامان وهذا هو القول المرجوع عنه وهو المشهور (ع) وفيها إن دام جلست شهرين ثم قال قدر ما يراه النساء ابن الماجشون والستون أحب إلي من السعبين والقول بالأربعين لا عمل عليه ابن حارث عن عبد الملك المعتبر الستون ولا يسأل نساء الوقت لجهلهن مطرف به رأيت مالكاً يفتي (خ) ابن الماجشون لا يلتفت إلى قول النساء لقصر أعمارهن وقلة معرفتهن وقد سئلن قديماً فقلن من الستين
إلى السبعين حكاه ابن رشد وحكى الباجي عنه أن أقصاه ستون وسبعون انتهى وقوله: (ثم اغتسلت) يعني بعد الستين بالاستظهار وقيل به إلى السبعين وقيل غير ذلك ومعنى قوله (وكانت مستحاضة) يعني أنه يجري فيها ما يجري في المستحاضة ما لم ينقطع بطهر فأصل أو تمييز فتعمل على ذلك كما تقدم فإن ولدت بعد ستين ليلة ولداً آخر فله حكم نفسه بنفاس آخر. وإن ولدته قبل تمامها ففي كونه حيضاً أو نفاساً قولان وهما في المدونة أحدهما كالحامل في الأول والمشهور نفساء.
وعلى الآخر فهل الثاني نفاس مستقل أو بإضافتها لما قبله قولان للشيخ مع أبي سعيد وغيرهما تبنى على الأول وقال أبو إسحاق تستأنف واستظهره غير واحد والله أعلم.
فرعان: الأول الدم الخارج للولادة قبلها حكى عياض فيه قولين للشيوخ أحدهما أنه حيض والآخر نفاس، الثاني: الماء الأبيض المعروف بالهادي الذي يخرج من الحامل قرب ولادتها في العتبية عن ابن القاسم يجب منه الوضوء وقال مالك ليس بشيء وأرى أن تصلي به قال ابن رشد وهو الأحسن لكونه ليس بمعتاد.
(خ) في مختصره ووجب وضوء بهاد والأظهر نفيه وقوله: (تصوم وتصلي وتوطأ) يعني كمستحاضة الحيض ما لم تميز كما تقدم والمقصود تفعل جميع ما منعت منه وبالله التوفيق.