الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جامع في الصلاة
يقول هذا باب جامع لمسائل في الصلاة وما يرجع إليها من طهارة ولباس وسهو وهيئة وما يعرض من جمع وتيمم ورعاف ونحوه وسجود التلاوة وغير ذلك.
وأول من وضع الجامع في كتابه مالك ثم استحسنه الناس فتبعوه عليه.
(وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الحصيف ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد).
المراد بالمرأة الحرة لأن الحرة هي التي يجب لها ما ذكر فأما الأمة فكالرجل.
قال ابن الحاجب يتأكد ومن ثم جاء الرابع المشهور تعيد الأمة خاصة في الوقت (خ) ابن رشد لا خلاف في أن فخذ الأمة عورة وإنما الخلاف في فخذ الرجل وما نقله أنه المشهور هو كذلك عند اللخمي وابن يونس والتونسي وعزاه لأصبغ (ع) وفي الأمة ثلاث فيها ما عدا الوجه والكفين ومحل الخمار.
وروى إسماعيل وسوى الصدر ونقد ما لأصبغ وأنها كالرجل بل يتأكد قال وكل ذات رق فكالأمة إلا أم الولد ففيها كالحرة وتقدم في باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة ما يغني عن الإعادة والتكرار وإنما كرر هذه المسألة في هذا
الباب ليعلم أنه صالح لذكره في الصلاة كما أنه صالح لذكره في الطهارة والله أعلم.
و (القميص) جميع ما يسلك في العنق ومعنى (الحصيف) المحكم النسج بالحاء المهملة ومن قاله بالمعجمة فقد صحف وقيل لا وقوله (وتجزئ الرجل الصلاة في ثوب واحد) يعني كان مخيطا أو لا لقوله عليه السلام «أو لكلكم ثوبان» .
وقال «إن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به» .
وقد تقدم إن صلى بثوب ليس على أكتافه منه شيء وفي البخاري قال سلمان نعم الثوب التبان وهو سراويل قصير الرجلين وسئل مالك عن الصلاة في الرداء والسراويل في المسجد فقال لا، والله ما الصلاة في السراويل لقبيحة وما هو من لباس الناس إلا أن يكون من تحت القميص والحياء من الإيمان وتقدم في الصلاة في السراويل بمفردها ثالثها يعيد أبدا والمشهور يكره ولا إعادة.
(ولا يغطي أنفه أو وجهه في الصلاة أو يضم ثيابه أو يكفت شعره).
يعني ينهي عن ذلك قوله عليه السلام «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكفت شعراً ولا ثوباً» .
يعني في الصلاة وقيل مطلقاً يريد لأن ذلك من أفعال المتكبرين وهو مناف لمقصود الصلاة الذي هو الخضوع والذلة فهو مكروه وقد ينتهي إلى التحريم إذا قصد لكبر ونحوه قاله ابن بشير وفي الإكمال كراهيته مطلقاً كظاهر ما هن أو عزاه لجمهور المحققين قائلاً:
وقال الداودي: إنما يكره إذا كان لأجل الصلاة وفي المدونة ما يوافقه وهو قوله ومن صلى محتزما أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة فلا بأس به وإن تعمد إكفات ثوبه أو شعره فلا خير فيه.
قال أبو محمد ولا يعيد وفي الطراز كل موضع في المدونة فلا خير فيه على المنع إلا هذا وأقام ابن رشد من قوله ((إن كان لباسه جواز صلاة المرابطين)) يعني أهل اللثام بالتلثم لأنه لباسهم الذي يعرفون به ذكره في الأجوبة.
(وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما ويسلم منها).
السهو الذهول في الشيء أو عنه بما يؤدي إلى الإخلال به بزيادة أو نقصان أو كل منهما وكل يقع في الصلاة فيجبر بالسجود ما لم يكثر جدا فتبطل أو يقل جداً فيغتفر كما إذا أبيح والزيادة إما أن تكون في الأقوال أو في الأفعال وكلاهما إما أن
يكون أجنبيا عن الصلاة أو من جنسها وفي ذلك تفصيل واختلاف يطول وهو وهم فلينظر وبالله التوفيق.
ثم قوله: (في الصلاة) يعني: المفروضة وغيرها لأن سهو الزيادة في النفل كالفرض على تفصيل في مسائله وقوله: (سجدتين) شرط فلو سجد واحدة ام تجزئ ولو سجد ثلاثاً لم تجزئ ولو شك في السجدتين أو في إحداهما ففي المدونة سجد ما شك فيه ولا شيء عليه ولو شك هل سجد واحدة أو اثنتين سجد أخرى وتشهد وسلم وكذا لو سجد لسهو ثلاث سجدات فلا سهو عليه.
اللخمي: إن كان بعديا وإلا سجد قبل السلام وقوله (يتشهد لهما ويسلم منهما) ابن حبيب ولا يطول ولا يدعو (ع) وفي الإحرام لهما ثالثها إن طال تأخيرها اللخمي عن روايتين وسماع عيسى رجوع ابن القاسم عن الثانية قائلا لا يهوي لهما من قيام بل يجلس ويسجد.
ابن رشد أجمعوا على عدمه في القرب (خ) ولم يحك المازري وابن يونس الخلاف إلا مع الطول ولابن عطاء الله المشهور افتقاره إلى الإحرام وفي سر سلامه روايتان لابن وهب وابن القاسم (س) وهذا والله أعلم لغير الإمام وإلا فهو يجهر ليقتدي به واتحاد الطهارة شرط عياض فلو أحدث بينهما أعادهما اتفاقا ولو أحدث قبل سلامهما فقال مالك يعيدهما وقال ابن القاسم لا.
فرع:
في سجود السهو البعدي هل هو سنة أو واجب قولان المشهور سنة وفي الطراز قول بالوجوب وهو مذهب أبي حنيفة وجزم ابن هارون بنفي الخلاف في أنه لا يجب ورده (ع) بوجوه إذ قال وسجود سهو الزيادة – المازري والقاضي – سنة الطراز واجبتان قائلا: ولا يبطلها تركهما وإنما شرع البعدي ترغيما للشيطان والله أعلم.
(خ) وفي المختصر وصح إن قدم أو أخر وفي المسألة اختلاف يذكر إن شاء الله.
(وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد).
يعني إذا كان النقص في السنن المؤكدة لا في الأركان فإنه مبطل ولا في الفضائل
والسنن الخفيفة فإنه لغو والسنن المؤكدة سبعة السورة مع أم القرآن والتكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وسمع الله لمن حمده حيث كان والجهر في موضع الجهر والسر في موضع السر والتشهد الأول مع الجلوس له والتشهد الآخر مع الجلوس له إلا قدر إيقاع السلام فإنه فرض.
وقال أبو مصعب كل هذا الجلوس فرض وهل السنة مجموع التكبير أو كل تكبيرة سنة قولان أقامهما ابن رشد من المدونة والأول سماع يحيى من ابن القاسم والثاني سماع أبي زيد منه والسهو عن هذه فيه تفصيل يذكر بعد إن شاء الله.
وأنواع النقص ثلاثة نقص في السنن وهو المذكور هنا ونقص في الأركان ويذكر في قوله (ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة إلى آخره ونقص في الفضائل) وهو المذكورة في قوله ومن سها عن تكبيرة إلى آخره والمتروك من السنن إما أن يكون عمدا أو جهلاً أو نسياناً فأما العمد فالمشهور يستغفر الله ولا شيء عليه.
وقاله ابن القاسم وقال عيسى تبطل صلاته لأن المتهاون بالسنن كالمتهاون بالفرائض وثالثها يجبر بالسجود ورابعها يعيد في الوقت وأما الجهل فالمشهور إلحاقه بالعمد وأما النسيان فإن تأكدت جبر بالسجود وإن لم تتأكد فعفو كما سيذكر إن شاء الله وقد اختلف في سجود السهو القبلي على ثلاثة أقوال الوجوب، والسنة والتفصيل وأخذ المازري الوجوب من بطلان الصلاة بتركه، والثاني: لابن عبد الحكم، والثالث: بالتفصيل وفيه طرق وأقواله والله أعلم.
وقوله (إذا تم تشهده) يعني الأخير لا قبل ذلك إذ ليس من صلب الصلاة وإنما هو إجبار بعد تحقق الموجب وقد يتعدد فيما بقي منها وقوله (ثم يتشهد) يعني بعد سجوده لسهوه ليسلم إثره ليكون سلامه إثر تشهد وقيل لا يعيد التشهد اكتفاء بالأول (ع) وفي تشهد القبلي ثالثها يستحب والقول بثبوته رواية ابن القاسم وسقوطه رواية أشهب والاستحباب لابن عبد الحكم مع ابن رشد عن ابن وهب.
(ومن نقص وزاد سجد قبل السلام).
يعني تغليباً للنقص إذ هو للإجبار لا للزيادة لأنها ترغيم للشيطان وقال ابن أبي حازم وابن أبي سلمة يسجد للزيادة بعده وللنقص قبله وقال الشافعي السجود كله قبل
وقال الحنفي كله بعد وفصل مالك بين الزيادة والنقص وهو مشهور المذهب.
وقال النواوي وهو أحسن المذاهب وأحسن منه قول أحمد بن حنبل أسجد لكل سهو حيث سجد له عليه السلام ولا أسجد في غيره وهو جمود مع الظواهر والله أعلم.
وقال الشيخ أبو محمد الشبيبي رحمه الله وصور السهو ثمانية اثنان يسجد فيهما بعد السلام وهما الزيادة المتيقنة والزيادة المشكوكة ويسجد في ذلك بعد السلام وستة يسجد فيها قبل السلام وهو تيقن النقصان والشك فيه وتيقن النقصان والزيادة معا والشك فيهما وتيقن أحدهما والشك في الآخر وتأمل ذلك.
(ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكر وإن طال ذلك وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريباً وإن بعد ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرة أو التشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليه).
ولو طال كالشهر ونحوه قاله في المدونة وفي الواضحة والمجموعة ولو بعد سنة وفي أي محل ذكر إلا من الجمعة في اشتراط المسجد لهما إن كانتا قبيلتين لمحمد وابن شعبان في الرعاف بالنفي أحرى ولم أقف عليه (خ) ولو ذكرهما في وقت نهي سجدهما أو في صلاة فبعدهما.
وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه إن كان عن نافلة فلا يسجد في وقت كراهتها وإن كان عن فرض سجد وكل وقت والقريب أن يذكر وهو في مصلاه إثر صلاته فيرجع فيسجد ما بقي وقد تمت صلاته، وروي عن ابن المواز أن ذكرهما بعد إحرامه رجع إليهما بإحرام وكذلك من رجع لباق عليه، فالقرب والبعد معتبر بالعرف لأنه كذاكر جزء من الصلاة.
وقوله: (إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة) إلى آخره يعني فإنها تصح وله مع تدارك السجود أو لا قولان، وفي الذي تبطل الصلاة بسهوه إن فات محل السجود له ستة أقوال معولها قول (س) كان يفتي غير واحد ممن لقيناه بأنها تبطل إن كان السجود عن ترك الجلوس الوسط وعن ترك ثلاث سنن سواه يعنون من السنن التي يسجد لها ولا يعيد لها ثم سنن لا يسجد لها وإن نظرها في المقدمات وإنما لا
تبطل بترك السجود للسهو لأنهم لم يعدوا القيام لها سنة مستقلة فهي في حكم السنتين والتكبيرتين والتسميعتين مثلها ومفهوم كلامه أن التكبيرة الواحدة والتسمية أحرى في عدم السجود وفي التهذيب إن نسي التشهدين سجد قبل السلام وتعقب القرافي تصويره بأن التشهد يمكن استدراكه بالرجوع للإتيان به.
(ع) وفيها مع الشيخ عن رواية ابن حبيب إن نسي التشهد الأخير وسلم رجع إن قرب فتشهد وسلم وسجد بعد سلامه وإن طال فلا شيء عليه قال قلت: وهذا معارض لقول المازري في المدونة إن ذكر تارك التشهد الأخير وهو بمكانه سجد لسهوه وإن طال فلا شيء عليه ونحوه للصقلي فيكون فيها قولان يعني هل يسجد لإجبار صلاته أو لا يسجد لفواته فانظر ذلك وصور القرافي وجود التشهدين في مسائل البناء والقضاء في الرعاف حيث تصير الرباعية كلها جلوساً فانظر ذلك. وقوله (وشبه ذلك) يعني كالتكبير والتسميعة ونحو ذلك وقد تقدم ويأتي.
(ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها).
أما ما ذكر في شأن الركعة والسجدة فلأنها أركان والأركان لا تجبر إلا بالإتيان بها ما لم تفت أو لا يمكن استدراكها فالنية والإحرام لا يمكن استدراكهما فيستأنف الصلاة من نسيهما وما وقع في الركعة الأولى يستدرك ما لم تفت فيأتي بركعة مكانها ويصلح الثانية ما لم يعقد الثالثة والثالثة ما لم يعقد الرابعة والرابعة ما لم يسلم وقيل إن سلم على المشهور فإنه يجبرها فتفوت الركعة بعقد ركعة تليها (خ).
وهذا ظاهر إن كانت أصلية ولو كانت غير أصلية كالقيام إلى خامسة غلطا فاختلف هل هي كالأصلية أم لا قولان حكاهما المازري وابن الحاجب والمشهور أن السلام غير مفيت وقال ابن القاسم السلام فوت ومقابل المشهور لابن القاسم فانظر ذلك.
والمراد بترك القراءة في الصلاة ترك قراءة الفاتحة لأن ما بعدها سنة. وقد تقدم حكمه فيمن ترك القراءة في الصلاة كلها بطلت على المشهور لأن الفاتخة واجبة في كل ركعة أو في جزء ولم يقرأ في شيء من صلاته وهذا على قول مالك إن الفاتحة واجبة
في كل ركعة والقول الثاني أنها واجبة في جلها وهما مشهوران وقالهما في المدونة أو في ركعتين منها بناء على أنها تجب في نصف الصلاة ونقله أبو عمر عن مالك ولابن رشد وابن حارث والشيخ لم يختلف قول مالك في أن تركها في ركعتين من الرباعية مفسد والركعة من الصبح كالركعتين من غيرها لأنها نصف الصلاة.
(واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها إلخ).
يعني من غير الصبح كالرباعية والثلاثية فقيل يجزئ فيها سجود السهو قبل السلام وهذا على أنها فرض في جل الصلاة أو جزء منها وأنها سنة في الباقي والقول بالجزء هو للمغيرة في النوادر قال فيها إن لم يقرأ إلا في ركعة من الظهر أجزأه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة وهو مبني على القول بوجوبها في كل ركعة وقد تقدم أنه في المدونة واختاره عبد الوهاب وقيل يسجد قبل السلام.
ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطا قال ابن رشد وهذا استحسان أشار إليه الشيخ بقوله وهذا أحسن ذلك أنه شاء الله وهو قول ابن القاسم وجعله اللخمي المشهور وأشعر الشيخ بقوله إن شاء الله إن اختيار من عند ابن رشد وعلى التفريع عليه إن ذكر قبل الركوع من الأولى أنه ترك الفاتحة وقرأ فإنه يقرأ الفاتحة والسورة بعدها وهل يسجد لزيادة القراءة قبلها قولان وإن ذكر بعد رفع رأسه من الركوع أو سجدة قطع وابتدأ وبعد تمام السجدتين قولان سماع أبي زيد من ابن القاسم يقطع ورواية ابن المواز عنه لا يقطع ويتمها نافلة والكلام في المسألة واسع فانظره وبالله التوفيق.
فرع:
ترك الآية من الفاتحة كترك كلها ونقله المازري عن بعضهم ولإسماعيل عن المذهب يسجد لها قبل السلام وقيل لا سجود عليه والله سبحانه أعلم.
(ومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة أو القنوت فلا سجود عليه).
يعني لا أولا ولا آخرا لا سجودا ولا غيره وهذا على المشهور لأن الأولين سنة مخففة والآخر مستحب على المشهور (ع) وفي السجود لنقص تكبيرة قولان للجلاب عن ابن القاسم، ولها عزاهما ابن رشد لها إن القنوت فضيلة (ع) فلا سجود لتركه (خ)
والمشهور ابن سحنون سنة وفي السليمانية يسجد لسهوه وقال علي بن زياد من ترك القنوت متعمدا فسدت صلاته انتهى ملفقا.
فرع:
ابن رشد عن أشهب: من سجد لترك قنوت أو تسبيح قبل السلام فسدت صلاته قال (ع) قلت: هو دليلها وجزم (خ) في مختصره ببطلانها بالسجود لفضيلة أو تكبيرة فانظره.
(ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه).
يعني بالانصراف الخروج من الصلاة وهل بسلام وهو الظاهر أو مطلقا وكل ذلك سهوا مع اعتقاده الإتمام هو المقصود لقوله (ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها) أي من أركانها المفروضة فيها كالركوع والسجود أو السلام ونحوه وهل يدخل في ذلك التشهد الأخير والسجود القبلي محتمل ثم ليس من شرط ذكره لما ذكر أن يتيقنه بل إذا شك فيه وهو غير مستنكح فكذلك.
وقوله: (فليرجع) يعني ينوي الرجوع إلى الصلاة ظاهره وسواء ذكر قائما أو قاعدا ويحتمل أن يريد فليرجع إلى المحل الذي فارق منه الصلاة قياما كان أو جلوسا إن كان قد فارقه وسيأتي إن شاء الله فيكبر تكبيرة واحدة يحرم بها ظاهره ولو قرب جدا ابن الحاجب ويبني بغير إحرام إن قرب جدا اتفاقا وإلا فقولان.
ابن هارون وهكذا حكي ابن بشير وصاحب الطراز الاتفاق وحكى الباجي وغيره عن ابن القاسم عن مالك أن كل من جاز له أن يبني في القرب فليرجع بإحرام (ع) وفي وصفي بنائه طرق على إخراج سلام السهو من الصلاة يبني بإحرام وقاله ابن القاسم ورواه انتهى وعليه يجري ما ذكره الشيخ والله أعلم. (خ) وقوله يعني: قول ابن الحاجي وإلا فقولان المازري المشهور إذا قرب ولم يطل جداً أنه يرجع بإحرام فإنه تركه لم تبطل ابن الحاجب وعلى الإحرام ففي قيامه له قولان وعلى قيامه ففي جلوسه بعده ثم ينفض ليتم قولان.
(خ) نحوه لابن بشير وابن شاس وظاهره أن القولين جاريان ولو كان جالسا
(س) وابن هارون وإنما القولان في حق من نذكر بعد أن قام هل يطلب بجلوس وهو قول ابن شبلون لأنه الحالة التي فارق عليها الصلاة وهو الأصل أو يجوز له أن يحرم وهو قائم ليكون إحرامه بالفور وهو وقول قدماء أصحاب مالك وعلى القيام فهل يجلس بعد ذلك قولان، وأما من تذكر وهو جالس فإنه يحرم كذلك ولا يطلب منه القيام اتفاقا انتهى. فانظره.
والقرب في ذلك معتبر بالعرف ويتبين بقوله (فإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته) يعني أن خروجه من المسجد طول ولو كان عند بابه أو خرج عنه بأدنى شيء وكذلك الحدث وظاهر كلام بعضهم أن هذا متفق عليه وقال (خ) في قول ابن الحاجب وقيل وإن بعد ظاهره وإن خرج من المسجد لحديث ذي اليدين فأما التباعد فمقابل القرب وقد قال بعضهم كل حكم يحتاج إلى فرق بين القرب والبعد لم يرد فيه حكم من الشارع فالعرف يبين المقصود من ذلك.
وقال أشهب القرب ما لم يجاوز ما يصلي فيه بصلاة الإمام وقد مر الكلام فيه في نسيان السجود القبلي وقد تقدم إلحاق سجدتي القبلي في نسيانه بهذا وقوله (وكذا من نسي السلام) يعني فإنه يرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر محرما ثم يسلم ويسجد بعد السلام إن كان قد انحرف عن القبلة وإلا فلا إحرام ولا سجود وإن طال ابتدأ الصلاة.
ابن الحاجب وفي إعادة التشهد في الطول قولان (ع) وناسي سلامه وقال اللخمي إن كان ذكره بمحله ولا طول سلم دون تكبير وتشهد وسجد لسهوه ونقله الشيخ وظاهره عن ابن القاسم وقال ابن بشير وتابعه لا سجود عليه لا أعرفه منصوصاً انتهى.
قالوا وهذه المسألة داخلة في التي قبلها لكن كررها إشارة للخلاف في السلام وفي الاكتفاء دونه بالمنافي فانظره.
(ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد السلام).
يعني من شك في صلاته ولم يدر كم صلى منها أثلاث ركعات أم أربعا فهو شاك في التي هو فيها هل هي ثالثة أو رابعة بنى على اليقين الذي هو الثلاث وصلى ما شك فيه التي هي الرابعة وعلى هذا فقوله (وأتى برابعة) تفسير لما شك فيه وقيل مراده من شك في الثالثة والرابعة فعلهما معا وعليه فالتقدير ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا ولم يتيقن غير اثنتين بنى على اليقين التي هي الاثنتان وصلى ما شك فيه التي هي الثالثة وأتى برابعة وقيل بنى على اليقين الثنتين وصلى الثالثة التي وقع له الشك وهو فيها وأتى برابعة فهذه وجوه ثلاثة ترفع ما يتوهم من ظاهر الكلام وهو أنه قد صلى ما شك فيه وأتى برابعة بعد قوله (لم يدر ثلاثا أم أربعا) فكان ظاهره أنه يأتي بخمس ولا يصح.
وقوله: (بنى على اليقين) مفهومه أنه لا يبني على شك ولا ظن فأما على الشك فلا يصح باتفاق وأما على الظن فقولان والمعول أن الذمة عامرة لا تبرأ ألا بيقين (ع) والشك في النقص كتحققه وفي كون ظن الإكمال كذلك أو كتحققه نفلا
اللخمي فانظره وقوله (وسجد بعد سلامه) يعني ما لم يكن موسوسا على المشهور فيها ابن الحاجب وسجود المتم للشك بعده على المشهور (خ)(س).
وقال ابن لبابة في هذه الصورة يسجد قبله لحديث أبي سعيد الصحيح قال وفي سجود الموسوس قولان (خ) والموسوس هو الذي تكثر شكوكه (س) وظاهر المدونة سقوط حكم الوسوسة مطلقا إما للمشقة أو للشبهة غير العقلاء (خ) والقولان في سجوده لمالك.
(ومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام).
يعني إلا أن يكون مأموما فيحمله الإمام عنه وسواء سها عن كونه في الصلاة أو سها عن كونه متكلما ولا يجزئ فيه السجود إلا إذا لم يكن كثيرا جدا فإن كثر بطلت وما كان من جنس أقوال الصلاة وخف فلا سجود فيه كان سهوا أو عمدا ويأتي الكلام فيه إن شاء الله.
(ومن لم يدر أسلم أم لم يسلم سلم ولا سجود عليه).
يعني ذلك بقرب تشهده ولم يتحول عن القبلة ولا أتى بفعل ولا قول يخيل الإعراض عن الصلاة وإلا رجع لصلاته بإحرام فتشهد وسلم كما تقدم فيمن نسي السلام لأن الشك في الإسقاط كالتحقق وعلى هذا فيتقيد ما هنا بما تقدم بأن يقال ما لم يطل أو يتحول عن القبلة ويتقيد ما هناك بما هنا بأن يقال: ما لم يكن على هيئة ولم يحدث شيئاً وفيه نظر.
(ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه ولكن عليه أن يسجد بعد السلام إلخ).
يعني يسجد بعد السلام ترغيما للشيطان ولا يصلح لأنه ساقط الاعتبار إما للمشقة أو لشبهه بالمجانين كما تقدم وقوله (فليله عنه) قال في الغريب معناه فليضرب
عنه أي فليكف عنه بمعنى أنه لا يعول على ما يجده في نفسه من ذلك وعلى هذا فمذهب الشيخ مخالف لمن يقول يعمل على أول خاطريه وخاطر تؤول أيضا وكلامه به وهو بعيد وقوله (ولكن عليه أن يسجد بعد السلام) يعني استحبابا وعلى السجود على المشهور إذ قد تقدم فيه قولان وعلى السجود ففي محله قولان.
وتقدم أن مذهب المدونة عدم اعتباره مطلقا عند ابن عبد السلام وسواء كان الشك في زيادة أو نقصان ويكون جوابه في النقص للشيطان كملت وفي الزيادة نفيها ومتى اشتغل بالتحقيق والنظر فيما وقع له تزايد عليه لأن الشيطان كالكلب إن اشتغلت برده أولع بك فقطع الثياب ومزق الإهاب وإن رجعت إلى ربه رده عنك برفق فاستعن بالله عليه وهو أي المستنكح الذي يشك كثيراً بحيث يعتريه ذلك في اليوم مرات أو يتكرر عليه كل يوم فأما إن كان لا يعتريه إلا في الأيام مرة فليس بمستنكح وموقع شكه هو أن يكون سها ونقص في نسخة زاد ونقص والأول أصح لأن محل الإصلاح إنما هو النقص والشك في الزيادة والنقص يكون مع إثبات أحدهما وهو بعيد من قصد الكلام وإن جعلت الواو بمعنى أو فيكون المراد سها بنقص أو زيادة ولا يوقن بسهوه هل حصل أم لا فليسجد بعد السلام فقط كرر أمر السجود وأكده بقوله فقط احترازاً ممن يرى أن عليه الإصلاح وإبعاد الذهن الموسوس عن التوهم.
وقد قال بعضهم أصل الوسوسة جهل بالسنة أو خبال في العقل وإذا أيقن المستنكح في صلاته بالسهو فيها بزيادة أو نقصان سجد لسهوه على سنته بعد إصلاح صلاته لأنه في حكم الصحيح كما إذا بال صاحب السلس بوله المعتاد أو أمنى المنى المعتاد أو أمذى كذلك ونحوه فإن الطهارة واجبة عليه ولا يعذر إلا فيما خرج عن العادة وإن كثر ذلك منه أي كثر الشك من المستنكح فهو يعتريه أي يصيبه ويعتريه كثيراً بحيث يكون عليه فيه مشقة والحالة أنه يوقن بالسهو أو يشك فيه.
وقد تيقن في هذا إصلاح صلاته لما وقع وتيقن من الحال ولم يسجد لسهوه للمشقة اللاحقة له فيه وهذا هو المشهور وقيل يسجد كغيره والله أعلم وقد حصل بعضهم كلام الشيخ في الشك فقال يخرج من كلامه أن الشاكين على قسمين موقن وشاك والشاك على قسمين سليم ومستنكح والمستنكح على قسمين موقن ومتردد
والموقن على قسمين قوي الاستنكاح وغيره قوية فالشاك المستنكح هو قوله (ومن لم يدر ما صلى) والسليم قبله والمستنكح بأقسامه بعده والله أعلم.
(ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه وإذا فارقتها تمادى ولم يرجع وسجد قبل سلامه).
يعني من افتتح القيام وإلا فهو متزحزح لا قائم إذ لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه وقد يقال أطلق القيام على التزحزح مجازا وفيه نظر فإن رجع قبل مفارقتها فلا سجود على المشهور وقوله (فإذا فارقها تمادى) يعني على المشهور ولمالك في الواضحة يرجع ما لم يستقل قائما وقيل يرجع ما لم يكن إلى القيام أقرب. (ع) وفيها إن نسي الجلوس الأول حتى إذا استقل عن الأرض تمادى فصوب عياض تفسير الشيخ بمفارقتها بركبتيه ويديه قال وقبولهم تفسير ابن المنذر وابن شعبان بمفارقتها أي الأرض بأليتيه لا يتصور لمنع مالك رجوعه قبل قيامه على أليتيه انتهى.
وقوله (ولم يرجع) أتى به لتحقيق التمادي ونفي التخيير ابن الحاجب فإذا رجع
ففي السجود قولان أي فإذا رجع بعد التزحزح وقبل الاستقلال عمدا أو جهلا فأما سهو فلا خلاف أنها لا تبطل قاله (ع) ابن الحاجب وبعد الاستقلال في البطلان قولان (خ) قال المازري والمشهور الصحة والبطلان حكاه في الجلاب عن عيسى بن دينار ومحمد بن عبد الحكم وحكاه في النوادر عن ابن سحنون وصححه مصنف الإرشاد ثم قال ابن الحاجب في محل السجود قولان أي على القول بالصحة والمشهور بعده والله أعلم.
وقوله: (وسجد قبل الإسلام) يعني لأنه نقص الجلوس وهذا إذا تمادى ساهيا أو حيث تعين عليه التمادي فأما أن تعين رجوعه فتمادى جاهلا أو عامدا فهو جار على من ترك سنة عمدا أو جهلا والجهل كالعمد على المشهور والله أعلم.
(ومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما فاتته) يعني من سر جهر أو إتمام أو قصر ذكرها في ليل أو نهار في سفر أو إقامة فإن شك أسفرية أو حضرية صلى مع كل حضرية سفرية ولو شك هل إحداهما حضرية والأخرى سفرية ولا يدري السابقة فكذلك وقيل يصلي كل صلاتين حضر بينهما سفرية وقبل بالعكس وقيل يصليهما تامتين ثم مقصورتين ثم تامتين وإن بدأ بالقصر ختم به ولو جهل عين منسية صلى خمسا ولو ذكرها دون يومها صلاها ناويالها ويؤخذ من قوله على نحو ما
فاتته ترتيب الفوائت في أنفسها وهو واجب وقيل مع الذكر والقدرة وقيل سنة فإن قدم بعضها على بعض عمدا أو جهلا فثالثها إن تعمد الثانية قبل الأولى أعادها إلا أن ذكرها في أثنائها وأسقط بعضهم الترتيب من المتماثلات فانظر ذلك وظاهر كلامه أنه يقنت في الصبح ويعتبر طول القراءة وقصرها كالحواضر وكل ذلك خفيف بخلاف الإقامة.
وقوله: (ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها) يعني لتحصيل الترتيب بينها وبين الحاضرة والفائتة كالترتيب بين الحاضرتين وبين الفوائت أنفسها إن كانت الفوائت يسيرة فإن كانت كثيرة فلا ترتيب مع الحواضر كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وظاهر كلامه أن هذا خاص بالنسيان مع إبهامه في الوقت وفي الكل اختلاف ابن الحاجب فلو بدأ بالحاضرة سهوا صلى المنسية وأعاد في الوقت وفي تعيين وقت الاختيار أو الاضطرار قولان (خ) المشهور الضروري. والقائل بالاختيار هو ابن حبيب.
فرع:
قال وفيها رجع إلى أنه لا إعادة على مأموميه (خ) وإعادتهم أقيس – ابن بشير – وهو المشهور بناء على الارتباط فانظر ذلك وبالله التوفيق.
(ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها وكيفما تيسر له).
يعني سواء كان تركها عن نسيان أو غفلة أو ذهول أو نوم أو عمد لأن قضاء الكل واجب بإجماع إلا الأخير فعن الجمهور وروى عن مالك لا قضاء عليه وأنكره عياض وقوله (في كل وقت) تكرار مع قوله قبل (متى ما ذكرها) وذكر الليل والنهار للمبالغة في البيان وأشار بذكر طلوع الشمس وغروبها لمذهب الحنفي إذ يمنع من ذلك في الوقتين المذكورين وقوله: (وكيفما تيسر له) يعني من القلة والكثرة ما لم يخرج لحد التفريط ولا حد في ذلك بل يجتهد بقدر استطاعته كما قال ابن رشد مع التكسب لعياله ونحوه لا كما قال ابن العربي. وعن أبي محمد صالح إن قضى كل يوم يومين لم يكن مفرطا ويذكر خمسا فأما مع كل صلاة صلاة فكما تقول العامة فعل لا يساوي بصلة ومن لم يقدر إلا على ذلك فلا يدعه لأن بعض الشر أهون من بعض وقد منعوه من التنفل مطلقا وكان بعض
…
الشيوخ يفتي بأنه إن كان يترك الجميع فلا يترك النافلة
وإن كان يفعل الفرض فلا يتنفل ابن الحاجب ويعتبر في الفوائت براءة الذمة فإن شك أوقع أعداد تحيط بجهات الشكوك (خ).
قوله (فإن شك) أي في الإتيان أو في الأعيان أو في الترتيب وبيان ذلك واسع فانظره.
تنبيه:
الشك الذي لا يستند لعلامة لغو لأنه وسوسة فلا قضاء إلا لشك عليه دليل وقد أولع كثير من المنتمين للصلاح بقضاء الفوائت مع عدم تحقق الفوت أو ظنه أو الشك فيه ويسمونه صلاة العمر ويرونها كمالا ويزيد بعضهم لذلك أنه لا يصلي نافلة أصلاً بل يجعل في محل كل نافلة فائتة لما عسى أن يكون من نقص أو تقصير أو جهل وذلك بعيد عن حال السلف وفيه هجران المندوبات وتعلق بما لا آخر له وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن يوسف السنوسي ثم التلمساني يذكران النهي عن ذلك منصوص فحققته عليه فقال: نص عليه القرافي في «الذخيرة» ولم أقف عليه نعم رأيت لسيدي أبي عبد الله البلالي في اختصار الإحياء عكسه وقد أخذ بعضهم من كلام الشيخ أن قضاء الفوائت على الفور ومأخذه من باب جمل من الفرائض أظهر إذا قال وكل ما ضيع من فرائضه فليفعله الآن.
وفي قوله (وكيف تيسر) أن في التطويل في محله والتقصير لا يلزم ونية القضاء والأداء كذلك وكذلك إسقاط الإقامة إلا أنها على سنتها في الحكم فتأمل ذلك وانظره.
وقوله (وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم بدأ بهن وإن فاته وقت ما هو في وقته) يعني أن ترتيب الفوائت مع الحواضر لا يلزم إلا إذا كانت الفوائت يسيرة وفي المسألة اختلاف أولاً ثم في حد اليسير ثانياً وقد جزم الشيخ بأن اليسير أقل من صلاة يوم (ع) وفي المشهور تقديم يسير ما فات على ما حضر ولو ضاق وقته.
بعض الشيوخ عبد الحق اليسير بقية كاليسير أصلا ورجع ابن القاسم لسقوط قضاء الوقتية عن ذاكر ما يستغرق وقتها من ذي عذر ابن وهب الوقتية أحق وخير أشهب بن بشير عن البغداديين تقديم المنسية مستحب وقد مر من كلام ابن الحاجب فلو بدأ بالحاضرة سهوا على المنسية أعاد في الوقت ثم قال وعمدا فكذلك.
وروى ابن الماجشون يعيد أبدا بناء على أنه – يعني الترتيب بين الحاضرة والفائتة – شرط أم لا (خ) المشهور نفي الشرطية قال وتظهر ثمرة الخلاف لو ذكر صلاة في صلاة ولم يقطع فعلى المشهور تصح لأنه إنما خالف واجبا ليس بشرط وعلى الشرطية لا تصح (ع) وعمدا أو جهلا في إعادة أبدا أو في الوقت ثالثها إن ذكرها فيها أو في الوقت إن أحرم ذاكر السماع عيسى بن القاسم مع رواية ابن الماجشون وسحنون والمقدمات عنها مجريا الثلاثة من تقديم عصر على ظهر فات فانظره.
فأما حد اليسير فشهر المازري أن اليسير خمس فما دونها ومقتضى ما هنا أربع وتؤول القولان على المدونة قال في البيان وقيل إن الكثير أربع على ظاهر المدونة وقال ابن يونس إن كانت أربعا فأقل فلا خلاف بين أصحابنا أنه يبدأ بهن وإن فات وقت الحاضرة فانظر ذلك.
وقوله (وإن كثرت بدأ بما يخاف فوات وقته) يعني وإن زادت على أربع صلوات كما هو ظاهر كلامه أو على خمس كما هو المشهور ثم بداءته بالوقتية هنا على المشهور ابن الحاجب في وجوب ترتيب كثير الفوائت قولان (خ) أي مع الحاضرة والمشهور سقوط الوجوب ثم قال ابن الحاجب ولا تقدم إن ضاق الوقت اتفاقا أي كما قال ابن رشد المازري عن ابن القصار أجمعوا ونقضه (ع) يقول ابن مسلمة تقدم المنسيات ولو كثرت وإن خرج وقت الحاضرة إذا كان لا يفارقها حتى يستوفي جميعها مرة واحدة والله أعلم.
(ومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه عليه).
يعني كانت المذكورة وقتية أو فائتة والمذكور فيها كذلك جمعة كانت أو غيرها وفي الكل اختلاف مبني على وجوب الترتيب وعدمه فلو ذكر ظهرا في عصر أو مغربا في عشاء قطع اتفاقا عند بعضهم إن كان فذا أو إماما وتمادى وأعاد إن كان مأموما على ما يذكر إن شاء الله وإن ذكر فائتة في وقتية ففي وجوب القطع واستحبابه قولان (خ) والقولان لمالك وهما في حق المنفرد. فأما الإمام والمأموم فيأتي وفي إتمام ركعتين قولان مقتضى كلامه أنه لو عقد ركعة أضاف إليها أخرى وسلم عن نافلة وحصل فيها في البيان سبعة أقوال (ع) وفيها قطع ما لم يركع ثم ذكر بقية السبعة فانظره ابن
الحاجب وإن كان إماما قطع أيضاً.
وروى ابن القاسم يسري فلا يستخلف ورجع عنه وروى أشهب لا يسري فيستخلف (خ) والمشهور سيران الفساد إلى صلاة المأمومين فلا يستخلف وقد ذكر الشيخ لذكر المنسية ثلاث حالات قبل الحاضرة وبعدها وفيها أعطى كلا حكمه من قوله ومن ذكر صلاة صلاها إلى هنا فتأمل ذلك.
(ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء).
يعني ضحك قهقهة فيه أعادها أبدا كان عامداً أو ساهيا أو مغلوبا وقيل يلحق سهوها بسهو الكلام والمشهور ما هنا (خ).
وقال اللخمي قال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن الضحك يقطع الصلاة يريد أنهم فرقوا بينه وبين الكلام لأن فيه أمرا زائداً على الكلام وهو قلة الوقار وفيه ضرب من اللعب ابن هارون وهذا الإجماع عندي مقيد بالعمد دون الغلبة والسهو وقوله (ولم يعد الوضوء) أشار به لأبي حنيفة الذي يقول إنه يعيد الوضوء من القهقهة في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك لما ضحك من معه في الصلاة وتأوله غير واحد بأنه عليه السلام علم في القوم من أحدث ممن ضحكوا وأراد الستر على الجميع فأمر الكل بإعادة الوضوء والله أعلم.
(وإن كان مع إمام تمادى وأعاد).
يعني يتمادى المأموم لحرمة الصلاة فتماديه استحبابا وإعادته وجوبا ابن الحاجب وفيها يتمادى المأموم – ابن هارون – إذا كان غلبة أو سهو وإلا قطع (خ) وكذلك قال سند وعلى قول سحنون إنه كالكلام يحمله الإمام في السهو ويقطع في العمد (ع) وفيها يقطع الفذ ويتمادى المأموم ويعيد المازري ظاهر الواضحة يقطع انتهى.
وهذا أحد مساجين الإمام الأربعة والثاني: من ذكر صلاة في صلاة والثالث: من ذكر الوتر في الصبح، والرابع: من كبر للركوع ناسيا للإحرام وهل للإمام ملحق فيقطع
ويستخلف أو يستخلف ويتخلف فيكون له حكم المأموم بعد واختلف فيه.
(ولا شيء عليه في التبسم).
يعني وإن كان عمدا لأنه مما يباح في غير الصلاة وليس بعمل كثير ولا قادح.
وروى ابن القاسم لا يسجد وروى أشهب قبله وابن عبد الحكم بعده ذكرها ابن يونس. (س) رواية ابن القاسم أظهر (خ) واستحسن اللخمي قول أشهب لنقصه الخشوع.
فرع:
قال ابن القاسم في المدونة وكان مالك إذا تثاءب سد فاه بيده ونفث في غير الصلاة ولم أدر ما فعله في الصلاة ابن هارون أي في النفث وأما سد فيه فكان يفعله في الصلاة وغيرها (خ) روي أنه كان يسد فاه في الصلاة فإن احتاج إلى نفث نفث في طرف ثوبه.
(والنفخ في الصلاة كالكلام).
يعني يفرق فيه بين السهو والعمد لأنه مركب من ألف وفاء ومد إن كان فهذا هو المشهور (ع) وفيها النفخ كالكلام وروى على ليس مثله والعامد لذلك أي للنفخ وللكلام مفسد لصلاته على المشهور في النفخ إلا أن يكون لضرورة مرض لا يمكنه رده معه، وفي الكلام عمدا تفصيل هو أنه إن لم يكن لإصلاحها فإن كان بعد السلام أتى به معتقد التمام مثل ما لم تكمل فيقول: أكملت ومثل أن يسأل فيخبر فالمشهور لا تبطل وهو قول ابن القاسم في المدونة.
قال الباجي: وعليه تناظر شيوخنا بالعراق، وقال ابن عبد البر أصحاب مالك على خلافه وهو قول ابن كنانة وقال سحنون: إن كان بعد السلام من اثنتين فلا تبطل ابن هارون وإذا قلنا بالجواز على المشهور فليس على إطلاقه بل لا بد من تقييد بأمرين أحدهما: تعذر الإعلام بالتسبيح وهو ظاهر المدونة حيث قال وإذا نسي الإمام فإنه يسبح به فإن لم يفقه فحينئذ يكلم والقيد الثاني عدم إطالة الكلام وكثرته (ع) ابن رشد
وسؤال الإمام قبل سلامه مبطل لوجوب بنائه على يقينه حتى ينبه بخلاف سماع موسى بن القاسم جواز سؤال من استخلف كم صلى الأول إذا لم يفهم إشارة (خ) وأما إذا شك الإمام قبل سلامه فحكى اللخمي والمازري في ذلك ثلاثة أقوال المشهور أنه لا يجوز له أن يسأل المأمومين كان في صلاة أو انصراف منها بسلام ثم حدث له الشك بعد سلامه وهذا لفظ المازري وعبر اللخمي عن المشهور بالمعروف ووجهه أنه مع الشك مخاطب بالبناء على اليقين.
وقال أصبغ يجوز السؤال بعد التسليم خاصة، وقال محمد بن عبد الحكم يجوز قبل السلام وبعده انتهى.
فرع:
سمع ابن القاسم التنحنح للإفهام منكر لا خير فيه ابن رشد كتنحنح الجاهل للإمام يخطئ في قراءته وفي صحة صلاته قولان ابن الحاجب والتنحنح لضرورة غير مبطل ولغيرها في إلحاقه بالكلام روايتان (س) الظاهر عدم إلحاقه بالكلام لمباينته له بجميع وجوهه وكذلك القول في النفخ (ع) المازري هو لضرورة الطبع وأنين الوجع عفو فنقل عياض القولين في تنحنح المضطر وهم انتهى.
(ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت).
يعني من يجب عليه الاجتهاد فاجتهد ثم أخطأ ولم يتبين له الخطأ إلا بعد الصلاة فيعيد في الوقت قاله في المدونة قال فيها والوقت في الظهر والعصر للاصفرار بخلاف ذي العذر.
وقال ابن مسلمة إلا أن يستدبر فيعيد أبدا ابن سحنون يعيد أبدا أبناء على أن الواجب الاجتهاد والإصابة (خ) في مختصره وإن تبين خطأ بصلاة قطع غير أعمى ومنحرف يسيراً وقال أشهب يدور إلى القبلة مطلقا (ع) وفي تكرير اجتهاده لكل صلاة وإن مضى زمن تغير الأدلة قولاً ابن وهب وسند (خ) وما في الطراز أظهر (ع) وإن اختلف مجتهدان لم يأتما ولو قال لأعمى فيها أخطأ مقلدك المجتهد فصدقه انحرف وبنى ابن سحنون إن أخبره عن اجتهاده ولو أخبره عن عيان قطع قال: كونه عن عيان مع كون أولا عن اجتهاد مشكل.
ونظر في هذا الإشكال بعض الشيوخ (ع) وفي إعادة الجاهل في الوقت أو أبدا قولا ابن الماجشون وابن حبيب ورجحه اللخمي بأنه صلى لغير القبلة قطعا وجعله ابن الحاجب المشهور وقبله ابن عبد السلام في شرحه وهو مقتضى قولهم المشهور أن الجهل في العبادات كالعمد وفي الكافي من صلى لغيرها دون اجتهاد وهو يمكنه فلا صلاة له قال: وبلغني عن ابن عبد السلام أنه رجع إلى أن الأول هو المشهور وهو ظاهر قولها من استدبر أو شرق أو غرب يظن أنها القبلة وعلم في الصلاة قطع وابتدأ بإقامة وبعدها يعيد في الوقت ولم يقيدوه (خ).
قال ابن يونس الرواية في الناسي أنه يعيد أبدا وعلى هذا فيعيد الجاهل أبدا من باب أولى.
وقال ابن الماجشون يعيدان في الوقت وقال ابن الرشد في البيان مشهور المذهب في الناسي والمجتهد يعيدان في الوقت قال (خ) والظاهر أن المراد بالجاهل الجاهل بالأدلة ولا يصح أن يراد الجاهل بوجوب القبلة لأن هذا لا يختلف في وجوب الإعادة عليه أبدا قاله ابن رشد والله أعلم.
وسيذكر بيان القبلة وأقسامها وأدلتها في جمل من الفرائض إن شاء الله تعالى.
وقوله: (وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس) يعني أو في بدنه
نجاسة ناسيا ولم يذكر حتى فرغ من صلاته يعيد في الوقت على المشهور وكذلك العاجز ووقته في الظهرين الأصفرار وفي العشاءين الليل كله وقيل لآخر الضروري وقيل المضطر للغروب وغيره للأصفرار وشهر الأول وهذا كله على أنها فرض مع الذكر والقدرة لا مع العجز والنسيان أو سنة واجبة وهما قولان مشهوران تقدما.
فائدة:
ثمان مسائل في المذهب فيها الوجوب مع الذكر والسقوط مع النسيان إزالة النجاسة والنضج والموالاة في الوضوء وترتيب الصلوات والتسمية في الذبيحة والكفارة في رمضان وطواف القدوم وقضاء التطوع من صلاة وصوم واعتكاف يعني إذا قطعت عمدا من غر عذر لزم القضاء وإن كان لعذر لم يلزم انتهى.
وظاهر كلام الشيخ أن المصلي بثوب نجس إنما يعيد في الوقت ولو كان عامدا وهو وقول أشهب في المدونة وخلاف المشهور (خ) وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيها ولا قبلها أو كانت أسفل نعل فخلعها يعني وهذا على المشهور في الجميع إذ في الكل اختلاف قال (في التوضيح والقطع) يعني في الأولى والثانية مشروط بسعة الوقت وأما مع ضيقه فقال ابن هارون لا يختلفون في التمادي إذا خشي فوات الوقت لأن المحافظة على الوقت أولى من النجاسة سحنون ولو رآها في سعة الوقت قطع على المشهور (ع) ومن علم نجاسة ثوبه في صلاته وفيها يقطع وروى أبو الفرج وإسماعيل إن أمكنه نزع وإلا قطع اللخمي عن ابن الماجشون وإلا تمادى وأعاد ولو سقطت على مصل ثم وقعت عنه ابتدأ ولو رآها في صلاة فنسي وتمادى فقال ابن حبيب تبطل صلاته (س) وهو الجاري على مذهب المدونة.
وقال ابن العربي لا تبطل قال وما أظنه يوجد منصوصاً عليه لغيره وأما رؤيتها قبلها ثم نسيها فالمشهور كمن لم يرها (س) الشاك هنا ليس بثابت في المذهب والله أعلم وإنما اعتمد فيه ابن الحاجب على ابن شاس وابن شاس ذكره عن ابن العربي وابن العربي لم يسم قائله وشأنه في كتبه إدخال مسائل وأقاويل من غير المذهب استحسانا لها أو استغرابا أو تضعيفا ومن أكثر النظر في كتبه علم ذلك والله أعلم. انتهى.
وإنما قرن الشيخ هذه بالتي قبلها والتي بعدها لاستوائها في الحكم والتقدير وقوله
(أو توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته) يعني بماء محكوم بنجاسته عنده وهو قوله وقيل بنجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره فهذا الماء نجس عنده مختلف فيه عند العلماء غيره وهو في ذلك تابع لابن القاسم إذ قال يتركه ويتيمم فإن توضأ به وصلى أعاد في الوقت وأظنه أشار بذكر الخلاف لأن الاقتصار على الوقت إنما هو مراعاة للخلاف فيه وعلى ذلك حمله عبد الحق والسيوري وحمله ابن رشد على أن الماء عنده مكروه لكونه أمر بالإعادة في الوقت (خ).
ومن الأشياخ من عده تناقضا وحمله عبد الوهاب على أنه يجمع بين الماء والتيمم وضعفه عياض لبعده عن اللفظ انتهى (خ).
قال ابن رشد في المقدمات ولم يفرق ابن القاسم في الإعادة في الوقت بين أن يكون ناسيا أو جاهلا أو عامدا وقال ابن حبيب في الواضحة إن كان عامدا أو جاهلا أعاد أبدا وقيد أبو محمد والبراذعي في اختصارهما الإعادة بعدم العلم وتعقب عليهما بعدم وجوده في الأصل وأجيب بأنهما عولا على ما في صلاتها الأولى فانظره والله أعلم.
وقوله: (وأما من توضأ بماء تغير لونه أو طعمه أعاد صلاته أبدا ووضوءه) وفيه تعيين أن مراده بالماء النجس المختلف فيه هو القليل بنجاسة لم تغيره لأن الكثير طهور باتفاق ما لم يتغير وإنما الخلاف في القليل وقد تقدم وإنما لم يذكر تغير ريحه لدلالة الطعم واللون عليه أو لأنه لم يتفق عليه إذ لا عبرة به عند ابن عبد الحكم والله أعلم.
(وأرخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وكذلك في طين وظلمة).
يعني على المشهور وروى ابن القاسم إنكاره وأوجب إعادة العشاء على من فعله أبدا وسيأتي ما فيه من الخلاف بعد إن شاء الله وحقيقة الرخصة أباحة الشيء الممنوع مع قيام السبب المانع قال في جمع الجوامع والحكم إن تغير للسهولة مع قيام السبب للحكم الأصلي فرخصه (خ) وأعلم أنه إن اجتمع المطر والطين والظلمة أو اثنان منها جاز الجمع اتفاقا وإن انفردت الظلمة لم يجزأ الجمع اتفاقا أي عند من يقول بالجمع فيهما. وإن انفرد الطين أو المطر.
فقال صاحب العمدة المشهور جواز الجمع لوجود المشقة قال في الذخيرة المشهور في الطين عدمه وهو الأظهر لأن المازري وسند أو ابن عطاء الله وغيرهم قالوا ظاهر المذهب عدم الجواز في انفراد الطين وحده لقوله في المدونة ويجمع في الحضر بين المغرب والعشاء في المطر والطين والظلمة فاشترط الظلمة مع الطين وفي التنبيهات هذا الذي قاله الشيوخ.
وقال ابن الفاكهاني وظاهر المذهب في الطين وحده الجواز ونحوه لمالك في العتبية (ع) وفي الطين طريقان ابن رشد فيه ذا وحل قولان لسماع ابن القاسم وأشهب مع الواضحة والمدونة اللخمي أجازه مرة وقال مرة أرجو في الطين وكثرة الوحل انتهى واستقراء الباجي وابن الكاتب من قوله في الموطأ جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير جوف ولا سفر إذ قال مالك أراه في المطر (ع) ورد بأنه تفسير
لفظ لا نتيجة اجتهاد ونظر في هذا الرد (خ) بل رده فانظره وشرط المطر أن يكون وإبلا لا خفيفا جدا وسواء كان واقعا أو متوقعا لا إن ارتفع وصحت قبلها والمراد بالظلمة التي لا قمر فيها فلو كان تحت السحاب فليس بظلمة ودليل الرخصة وجهها يأتي ف جمل من الفرائض إن شاء الله.
وقوله (يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد) يعني على المنار ونحوه كما هي سنة الأذان كله أول الوقت كسائر الصلوات لا يقدم ولا يؤخر وأخذ بعضهم من هنا إن للمغرب وقتين وفي ذكر المسجد والأذان دليل أن الجمع خاص بالجماعة فلا يجمع منفرد لأنه إنما شرع لرفع المشقة في إدراك فضل الجماعة (ع) ولفضل الجماعة بمسجد بين العشاءين في جوازه ثالثها بمسجده صلى الله عليه وسلم فقط ورابعها دون مساجد المدينة فقط وخامسها بالمسجدين فقط وسادسها: بالبلاد المطيرة الباردة كالأندلس فقط فانظر عزوها.
وقوله: (ثم يؤخر قليلا في قول مالك) يعني الواقع في المدونة إذ قال فيها تؤخر المغرب شيئاً ويجمعان قبل مغيب الشفق ينصرفون وعليهم أسفار قليل (ع) فسره ابن رشد بنصف الوقت وقال ابن عبد الحكم وابن وهب وأشهب أول الوقت ابن رشد ومن جعلهما على رأي امتداد وقت المغرب واتحاده اللخمي وروى ابن عبد الحكم تؤخر المغرب ويطيلون أذان العشاء لمغيبه وقاله أشهب المازري وهذا يخيل معنى الجمع (خ) وهو جمع صوري قال مع (س) وضعفه المشهور أيضاً لأن فيه إخراج كل صلاة عن وقتها وقوله (ثم يقيم في داخل المسجد يصليها) يعني: المغرب كما هو الشأن دائما (ثم يصليها) يعني؟ على سنتها من تقصير القراءة وغيره على المشهور خلافا لمن رأى تطويلها إلى دخول وقت العشاء إذ لا فائدة له (ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد ويقيم ثم يصليها) يعني: ويكون هذا الأذان بصوت منخفض واختلف في محله (ع) وعلى المشهور في كون الأذان في مقدم المسجد داخله أو صحنه وقلا علي عن مالك وابن حبيب قائلا يخفض صوته وقوله (ويقيم ثم يصليها) يعني دون أن يتنفل شيئاً قاله مالك والمازري وكل صلاتين يجمع بينهما فالتنفل بينهما ممنوع ونحوه للخمي (ع) والمشهور منع التنفل بين جمعهما وروى العتبي ولا بعده بالمسجد لابن الحاجب.
وفي الأذان في الجمع ثالثها المشهور يؤذن لكل منهما قال وينوي الجمع أول الأولى فإن أخره إلى الثانية فقولان (خ) هذا الخلاف ذكره ابن بشير وابن شاس وابن عطاء الله ولم يعزه واحد منهم (ع) وقول ابن الحاجب في تأخير نية الجمع للثانية قولان لا أعرفه يعني نصا وإلا فقد أشار (خ) للتخريج وكذلك هو المفهوم من نقل المازري والله أعلم.
(فروع ثلاثة):
أولها: حدوث سبب الجمع بعد الفراغ من الأولى ففي النوادر إن فرغوا من الأولى قبل نزول المطر لا يجمعون وعزاه لابن القاسم.
الثاني: قال ابن القاسم في المدونة إن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد فوجدهم في العشاء ليلة الجمع فله الدخول معهم وفي المبسوط خلافه.
الثالث: إن وجد الناس قد فرغوا من الجمع فلا يصلي العشاء إلا بعد مغيب الشفق إلا أن يكون في مسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس فيصليها بعد الجماعة وقبل مغيب الشفق لأن الصلاة في هذه المساجد الثلاثة أفضل من صلاة الجماعة.
وكذا نقله الباجي وابن يونس عن مالك ولم يذكروا فيه بيت المقدس وقد ذكره (خ) في مختصره.
(ثم ينصرفون وعليهم أسفار قبل مغيب الشفق).
الإسفار البياض الباقي من النهار وقوله (قبل مغيب الشفق) تفسير فلو قعدوا إلى مغيب الشفق أعادوا العشاء وقبل لا يعيدون وثالثها إن قعد الجل أعادوا الأقل وظاهر
كلامه أنهم ينصرفون بإثر صلاة بلا مهلة فلا يتنفلون كما رواه العتبي ولا يوترون على المشهور وروى ابن القاسم لا يوتر جامع قبل الشفق وأجازه بعضهم لقوم لا يقرءون واضح ابن سعدون عن ابن القاسم عبد الخالق يعني السيوري يوتر ليلة الجمع بعد العشاء قبل الشفق.
فرع:
سمع القرينان يجمع جار المسجد وإن قرب أبو عمران والغريب يبيت به يحيى بن عمر والمعتكف عبد الحق وإن كان إماماً رجع مأموماً (ع) ونقل ابن عبد السلام استحباب إتمامه ولا أعرفه واختلف في الضعيف والمرأة في بيتهما فقيل يجمعون بالسمع وقيل لا والقولان للمتأخرين والمنع لأبي عمران وقال المازري خالف غيره من أشياخ عبد الحق والله أعلم.
(والجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزوال سنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك في جمع المغرب والعشاء بمزدلفة إذا وصل إليها).
لا خلاف في سنية الجمع للجماعة في هذا الموضع.
وفي الفذ اختلاف وجمع عرفة بالتقديم ومزدلفة بالتأخير وإنما يصلي بعد حط رحله وقيل يصلي المغرب ثم يحط ثم يصلي العشاء وأفاد قوله (وكذلك في جمع المغرب والعشاء بمزدلفة) أنهما بأذانين وإقامتين كما تقدم في جمع عرفة وفي وقوله (إذا وصل إليها) أنه لا يصليها حتى يصل ولو منعه مانع وسئل مالك إذا وصل قبل مغيب الشفق فقال ما أظنه يكون ويؤخر إلى مغيب الشفق والله أعلم.
(وإذا وجد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الصلاتين في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر).
ظاهر كلام الشيخ شرط الجد لإباحة الجمع وقال ابن رشد في المقدمات لا شرط على المشهور إلا سفر قصر ابن الحاجب ولا يكره على المشهور ولا يختص بالطويل (ع) دليل قول الأصحاب جوازه في سفر غير القصر وقال الصقلي نقله القاضي عن المذهب وصرح به المازري ثم بحث فيه فانظره وقوله (في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر) يعني إذا كان على ظهر سفر نعم وكذلك المقيم لأنه جمع صوري ليس فيه إخراج صلاة عن وقتها بتقديم ولا تأخير واتفق فقهاء الأمصار على جوازه للصحيح والمقيم فضلا عن غيره.
ولذلك قال المازري لا وجه له وهذا الجمع من الرخص وتأول ذلك بما فيه من فوت فضيلة أول الوقت وفيه نظر والله أعلم.
فرع:
في النكت إنما يجمع مسافر البر لا البحر لأن الجمع إنما أبيح لمشقة النزول والله أعلم.
(وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ).
لا جمع إلا بين مشتركتين وهما الظهر والعصر والمغرب والعشاء فالظهر والعصر هو المنقول في الأحاديث والمغرب والعشاء بالحمل عليه فكان حكمهما متعديا.
وقد اختلف في هذا الإلحاق والمشهور الإلحاق وأنه إذا ارتحل في أول وقت الأولى من النهاريتين أو الليليتين يجمع حينئذ بشرط نية النزول إلى آخر الوقت أو فراغه وهذا كله إذا كان ارتحاله بعد النزول في النهاريتين (ع) فإن زالت بمنهله ونوى النزول
بعد الغروب جمع وبعد الأصفرار لا جمع وبينهما قال المازري في جمعة نظر للزوم كون الثانية في غير مختارها اللخمي يجوز تأخيره الثانية وهو أولى المازري هذا على عدم تأثيم من أخر إليه وإلا ففيه نظر.
قال: قلت: رده اللخمي بقوله: لا إثم للضرورة ابن بشير المشهور الجمع وقيل يؤخر الثانية قال وإن رحل قبل الزوال ونوى بعد الغروب جمعهما لوقتيهما وقبل الأصفرار لآخرهما وبينهما قال اللخمي والمازري جاز تأخيره لجمعه وقال ابن مسلمة وابن رشد لوقتيهما قال: وفيها إن ارتحل بعد الزوال جمع حينئذ ولم يذكر في العشاءين الرحيل من المنهل سحنون هما سواء يعني رحيلان فقيل وفاق وقيل خلاف لنزوله بعد الغروب ابن رشد والأول أصح للحديث.
تنبيه:
وهذا كله إذا كان يضبط نزوله وإلا فلا يصح له التقديم بل يجمع جمعا صوريا فقط قاله ابن بشير والله أعلم.
فروع ثلاثة:
أولها: لو حدثت له نية السفر بعد صلاة الأولى جرى على الخلاف في وجوب نية الجمع في الأولى.
الثاني: إذا نوى الإقامة بعد الجمع فلا يعيد الصلاة الثانية على المشهور وحكى التلمساني قولا لمالك في المجموعة أنه يعيد في الوقت.
الثالث: لو ارتحل قبل الزوال وقد جمع بينهما فروى علي يعيد العصر ما دام في الوقت الباجي لأنه خلاف سنة الجمع فاستحب الإتيان به على سنة الجمع والله أعلم.
(وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال وعند الغروب).
يعني ليحصل الصلاة حرصا على الخير وإلا فلو دفع إلى ما يمنعه الصلاة سقطت وهو أرفق به لا عكسه وعند الزوال يعني للظهرين وعند الغروب يعني للعشاءين (ع) جمع المشتركتين للمريض خوف الإغماء أو مشقة الحركة المشهور جوازه المازري منعه مطلقا عن ابن نافع الباجي خوفه ما يمنعه الثانية أو حمى كخوف إغمائه ولم يحك الثاني فقول ابن بشير يجمع للمرض مطلقا اتفاقا قصور.
وقال ابن الحاجب يجمع للإغماء وفي غيره قولان وعكسه لابن عبد السلام لا أعرفها ابن الحاجب وفي الخوف لابن القاسم قولان (خ) هما في العتبية والذي رجع إليه الجواز قال الباجي: ووجهه أم مشقته أكثر من مشقة المرض والسفر والمطر.
فروع خمسة:
أولها: روى علي لمريد طلوع البحر بعد الزوال يخاف عجزه عن القيام في العصر لعلمه بميده جمعه بينهما بالبر قائما.
الثاني: سمع ابن القاسم لذي صحة تأخيرهما لزوال إغمائه ما لم يخرج وقتها ابن
رشد مختارها وقيل مختار مشاركتها وظاهر سماع ابن القاسم في المغرب ما لم يطلع الفجر.
الثالث: للعتب وأصبغ وعيسى وابن مزين إن جمع لخوف ذهاب عقله فسلم أعاد قال سند يعني في الوقت.
الرابع: سمع عيسى بن القاسم لا يجمع لخوف عذر فإن فعل فلا بأس.
وعلى الثاني قال الباجي: إن توقع الخوف مع تأخير الصلاة جمع أول الوقت فإن كان خوف يمنع الإقبال عليها والانفراد بها جمع لوقتها المختار كالمريض.
الخامس: (خ) حكى الباجي وصاحب المقدمات عن أشهب أجازة الجمع لغير سبب.
(س) وإنما حكوه مطلقا لا اعتباراً بالصوري والله أعلم.
(وإن كان الجمع أرفق به لبطن به ونحوه جمع وسط وقت الظهر وعند غيبوبة الشفق).
يعني أن الجمع إذا كان لقصد الرفق مجرداً عن دواعي الوجوب فالحكم إيقاعه وسط وقت الصلاتين المجموعتين وذلك عند انتهاء القامة الأولى في الظهر وعند غيبوبة الشفق في العشاءين قال في المدونة فأما إن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن منحرق ولم يخف على عقله جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر وبين العشاءين عند غيبوبة الشفق لا قبل ذلك قال في التنبيهات وكذلك ألحقنا وسطه من كتاب ابن عتبا وغيره وعليه اختصرها ابن أبي زمنين قال ابن وضاح وابن سحنون بطرح وسطه وبإسقاطها يوافق الجواب في الظهر والعصر الجواب في المغرب والعشاء وبإثباتها يخالفه فنأول بعض الشيوخ أن المراد بالوقت وقت الاختيار وهو نصف القامة وإليه ذهب ابن أخي هشام فهذا على المخالفة بين هذه الصلاة ولابن سفيان القروي وسط الوقت في الظهر ثلث القامة وحمل سحنون وغيره على الجمع الصوري وأن المراد بوسط الوقت آخر القامة ابن الحاجب ويقدم خائف الإغماء على الأصح لا غيره على الأصح (خ). أي لا غير خائف الإغماء يريد كصاحب البطن المتخرق ونحوه فمقابله لابن شعبان أنه يجمع عند الزوال وعند الغروب انتهى.
وتقدم ما في المدونة فوقه وهو موافق لما هنا والله أعلم.
(والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه).
المغمى عليه هو الغائب العقل لحمى ونحوها وكونه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه أي في حال كونه غائب العقل لأن العقل من شروط الوجوب فلا تجب على مغمى حال غيبته ولا مجنون حال جنونه وكذلك الحائض والنفساء في حال كونهما كذلك.
وكذلك الكفار قبل إسلامه والصبي دون احتلامه وهؤلاء هم أصحاب الأعذار يعني الكافر يسلم والصبي يحتلم والحائض تطهر والمغمى والمجنون يفيقان فإذا خرج الوقت وهم كذلك فلا صلاة عليهم إلا أنهم يختلفون في التأثيم والتدارك والله أعلم.
تنبيه:
قد ذكر الشيخ في هذا الفصل أنواع الصلوات المرخص في جمعها والتي قد أذن في التقديم والتأخير فيها ومن العلماء من جعلها من أقسام الصلوات المعتبرة وفي ذلك نظر ثم ذكر أحكام المريض في صلاته وهو من باب الرخص وذكر حكم السقوط بالمرض بوجه لا يفيد وهو الإغماء ونحوه وفرق بين الصلاة والصوم فيها إذ قال في الصوم لا يقضي مطلقا وفي الصلاة لا يقضي ما خرج وقته ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات يعني من وقت الضرورة ابن الحاجب والضروري ما يكون فيه دون الصلاة مؤديا وقيل من غير كارهة لتحقق المكروه (ع) والضروري تال الاختياري للغروب في النهاريتين وفي الليليتين الفجر.
وذكر في الصبح اختلافا هل لها ضروري أم لا؟ فقال ابن العربي الصحيح من ذلك أن وقتها الاختياري يمتد إلى طلوع الشمس ولا وقت لها ضروري ومشهور المذهب ما في المدون وهو قول ابن حبيب أن لها ضروريا هو ما بعد الأسفار والمعتبر للإدراك ركعة على المشهور وقيل الركوع فقط وقيل غير ذلك وقد حصل فيها (ع) أربعة.
وقوله: (وكذلك الحائض تطهر) يعني لمقدار ما تدرك به الصلاة بركعة بعد الأولى فإنها تقضي الأولى والثانية أو لدون ذلك فإنها تقضي الثانية فقط وكذلك كل ذي عذر في زوال عذره إذ أدرك لزمه قضاء ما أدرك وذو الأعذار جماعة منهم الكافر
يسلم والصبي يحتلم والمغمى والمجنون يفيقان والحائض والنفساء لطهرهما كذلك فإذا بقي عليهما من النهار بعد طهرهما بغير توان خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن كان بقي من الليل أربع ركعات صلت المغرب والعشاء وإن كان من الليل أو من النهار أقل من ذلك صلت الصلاة الآخرة يعني تدرك الأولى من النهاريتين بقدرها وهو أربع ركعات ثم تدرك ثالثتها بركعة، وفي الليليتين تدرك الأولى بثلاث ركعات والثانية بواحدة.
هذا إن كان في الحضر وإلا فالمعتبر الأولى ركعتين في النهاريتين والثالث لإدراك الثانية ولا يزال في الليليتين على أربع حاضر أو مسافر لعدم تغير الأولى والله أعلم.
وهذا كله على المشهور وهو التقدير بالأولى وهو قول ابن القاسم وأصبغ لا على التقدير بالثانية وهو قول ابن عبد الحكم وعبد الملك وابن مسلمة وسحنون فتكون العشاء قد حازت الوقت كله والمغرب قد خرج وقتها في زمن حيضها ابن الحاجب وقال أصبغ سأل ابن القاسم آخر مسألة فقال أصبت وأخطأ ابن عبد الحكم وسئل سحنون فعكس ابن القاسم والصحيح قول سحنون (ع).
وفي وجوب أولى المشتركتين بإدراك ركعة فوق قدرها أو قدر الثانية ثالثها فوق قدر أقلها وما روي عن ابن القاسم عزاه المازري لمالك وأصل الكلام في هذا كله يرجع لقوله عليه السلام: «ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الوقت» إذ قال علماؤنا إنما هذا في أصحاب الأعذار لا غيرهم إذ لا يجوز لغيرهم التأخير لمثل هذا الوقت والله أعلم.
وقوله: (بعد طهرها بغير توان) يعني أن الإدراك المذكور إنما يعتبر للحائض مقدراً بطهرها فإذا كان الوقت بحيث نقدر أنها تتطهر فيه ثم تدرك المقدار المذكور للصلاتين لزمتا أو لإحداهما وجبت وإلا فلا وظاهر كلامه إنما يعتبر ذلك دون غيرها من أصحاب الأعذار الذي جزم به (خ) تقديره لكل معذور إلا الكافر إذ قال في مختصره والمعذور غير كافر يقدر له الطهر (م) ويعتبر في مقدار الطهر للصبي اتفاقا وفي غيره أربعة اعتباره للجميع ونفيه واعتباره لغير الكافر وقيل والمغمى عليه وجرد في النوادر الحائض عن الخلاف كالصبي وأجرى غيره الخلاف في الجميع حتى الصبي انتهى.
ومعنى قوله (بغير توان) أي بغير تراخ ولا مهلة وهو تنبيه حسن وبالله التوفيق.
(وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط).
يعني أن التقدير المعتبر للوجوب هو المعتبر للسقوط فلو حاضت لمقدار خمس ركعات من النهاريتين أو لأربع من الليليتين على المشهور (ع) المازري فلو حاضت سقط ما يجب عند قائله ولا يعتبر مقدار الطهر في السقوط لأنه لا تعلق له به وأما لو حاضت لأقل من خمس في النهاريتين أو أربع في الليليتين فإنما تقضي الأولى لأن الأخيرة إنما جاء وقتها بعد حصول العذر فهي ساقطة.
وقوله (إلى ركعة) تنبيه على أن بقاء الركعة موجب للسقوط لا دونها كالوجوب وفيه اختلاف (ع) وفي سقوطها لطهوره لقدر ركعة أو أقل لحظة منها إلا ثالثها لا تسقط عن متعمد التأخير إلا بقدر الصلاة ورابعها إلا لقدر ركعة إن كان متعمد التأخير متوضئاً الظاهر المذهب وابن الحاجب واللخمي عن بعض المتأخرين
والمازري عن بعض أشياخه واختاره المازري انتهى فانظره فإن التلفيق غير كاف فيه والله أعلم.
(واختلف في حيضها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل ذلك وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهما).
يعني أنه اختلف في التقدير بالأولى فتكون المغرب ثلاثا وفد خرج وقتها في حال العذر والعشاء مثلها إذ قد بقي من وقتها هذا ركعة فيسقطان معا وهذا هو المشهور والقول الآخر التقدير بالثانية فتكون الأربع للعشاء لأنه قدرها وليس للمغرب شيء فلا يسقط غيرها وقد تقدم عزو القولين وأن المشهور الأول وهو قول ابن القاسم وعزاه المازري لمالك فانظر ذلك متأملاً وبالله التوفيق.
فرع:
ذكر عبد الحق في تهذيب الطالب له عن غير واحد من شيوخه أن وقت الاختيار يدرك بالإحرام وفهم (س) وابن رشد عن ابن الحاجب لا يدرك إلا بكمال الصلاة وفهم (خ) عن ابن هارون أنه يدرك بركعة وهو مقتضى عموم الأحاديث والله أعلم.
(ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء).
يعني كما قال في المدونة وحملها أبو الفراج وابن القصار على ظاهرها من الوجوب وقال أبو يعقوب الرازي هو: على الندب (س) وحمل المدونة في ذلك على الوجوب أبين لتشبيهها فيها بمن شك في عدد الركعات وهذا في غير المستنكح فإنه عفو وفي ذلك خمسة أقوال وما ذكر هو المشهور من الخمسة وهي الوجوب والندب وتؤولا
على المدونة. وفيها من تيقن الطهارة وشك في الحدث أعاد وضوءه قيل وعليه الأكثر وقيل استحبابا وقال ابن حبيب إن خيل إليه أن ريحا خرجت منه فلا وضوء إلا أن يوقن بها وإن أدخله الشك بالحس فلا وضوء عليه.
ورابعها: إن شك في صلاته لم يقطع وإن كان قبل دخوله فلا بد من وضوئه واختاره ابن أبي حمزة قائلاً: لأن الصلاة دخول على الملك فلا تكون إلا بأمر محقق والقطع خروج عنه فلا يكون إلا كذلك.
وخامسها: عدم الوجوب مطلقا وهو مذهب الشافعي وهو الأصل لأنه لا عمل بشك لكن قال ابن العربي أما لو شك في إكمال الطهارة فلا خلاف في الاستئناف وكذلك لو تيقن الحدث وشك في الطهارة أو مع الشك في السابق منهما وجب الوضوء اتفاقا.
فرع:
فلو صلى شاكا في الطهارة ثم تذكرها لم يعد خلافا لأشهب وابن وهب.
تنبيه:
قال شيخنا أبو عبد الله القوري – رحمه الله – وعلى القول بالاستحباب فلا يصح عمله إلا بنية الوجوب للاحتياط فانظر ذلك.
(ومن ذكر من وضوئه شيئاً مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك وإن كان قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدا ووضوءه).
يعني: أن المتروك من الوضوء إما فرض أو سنة وكل منهما إما عمدا أو نسيان أما الفرض فاركه عمدا مبطل إن طال وإن كان بالقرب أعاده وما يليه للترتيب وإن بعد أعاده فقط دون ما بعده وهل الطول معتبر بجفاف الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل. وهو المشهور أو باجتهاد المتطهر قولان حكاهما الباجي وما ذكر من الابتداء عند التعمد هو المشهور لأن الموالاة فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وقيل سنة وشهر أيضاً واغتفر إن خف وفي غير ثلاثة لابن وهب وابن عبد الحكم وابن القاسم.
ثالثها: يغتفر مع النسيان وكذلك العجز على المشهور ففي النسيان يبني على
وضوئه مطلقاً وفي العجز ما لم يطل الفصل وكذلك القول في الترتيب فيعاد المنكس خاصة عند ابن القاسم ومع ما بعده لابن حبيب.
فرع:
من ذكر لمعة ولم يجد ما يغسلها به قال الأبياني لا يبطل وضوءه إذا غسلها ولو بعد طول ما لم يفرط وقال بعض شيوخ عبد الحق هو كمن عجز ماؤه تجري فيه الأقوال الثلاثة التي ثالثها إن أعد ما يكفيه فأريق أو غصب بنى وإلا فلا وإعادة الصلاة في ذلك مبنية على وجوب الموالاة مع الذكر والله أعلم.
(وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك).
يعني إن ترك سنة من سنن الوضوء سهوا فلا شيء عليه وإنما يفعل ذلك لما يستقبل ولا يعيد ما صلى بعده اتفاقا وفي العامد اختلاف فعن ابن القاسم يعيد في الوقت.
وقال ابن حبيب لا إعادة ابن رشد ويتخرج فيه الإعادة أبدا من ترك السنة عامدا في الصلاة أنه يبطلها قال وهو المشهور والمعلوم من قول ابن القاسم.
(ومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر منه نجاسة فلا شيء عليه).
قد تقدم أن المصلي مأمور بالطهارة فلا يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى إلا ببدن طاهر وثوب طاهر وبقعة طاهرة والمعتبر من البقعة محل قيامه وقعوده وسجوده ووضع يديه لا أمامه أو خلفه أو يمينه أو شماله فقوله (وبموضع آخر منه نجاسة) يعني لا تماسه وظاهره تحركت بحركته أم لا.
وقيل إن تحركت بحركته اعتبرت وإلا فلا وحكى ابن الحاجب قولا باعتبارها مطلقا فتحصلت في ذلك ثلاثة ثالثها إن تحركت بحركته ضرت وإلا فلا والثالث حكاه عبد الحق في عدم اعتبارها حكاه عن بعضهم وهو ظاهر الرسالة والعمامة الطويلة جدا يكون في طرفها نجس معتبر لأنه لابس لها سواء تحركت بحركته أم لا قاله عبد الحق وابن يونس فيقتضي أنها إذا لم تتحرك لا تضر وللقرافي عن السليمانية يعيد في الوقت ولو طالت وله عن أبي العباس الأبياني من نزع نعله ووقف عليه فنجاسة أسفله لا تضره كنجاسة ظهر الحصير إذا كان ما يلي وجه المصلي طاهرا لا يضر والله أعلم.
(والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا ويصلي عليه).
يعني وكذلك الصحيح على الأرجح قاله ابن يونس لكن المريض أعذر في ذلك ووقوع مثل ذلك له في الغالب وقيل إن هذا خاص بالمريض قيل بكراهة وقيل بغير كراهة وهو المشهور وكونه كثيفا شرط لأنه لا يكون حائلاً إلا بذلك وكونه طاهرا شرطا لمباشرته محل المصلى والمشهور في استقباله محل النجس الكراهة إن بعد عن نفسه وهو في قبلته والله أعلم.
وصلاة المريض إن لم يقدر على القيام صلى جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته إلخ).
يعني إن فرض القيام في الصلاة يسقط عن المريض العاجز عنه بلا مشقة فادحة ابن شاس إن عجز ففرضه التوكؤ يعني لأنه غاية مقدوره لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فإن عجز جلس من غير استناد فإن عجز استند وإن انتقل عما هو فرضه أعاد أبدا ولأشهب في المجموعة في المريض الذي لو تكلف الصوم والصلاة قائما قدر على ذلك إلا أنه بمشقة وتعب فيفطر ويصلي جالسا فإن دين الله يسر.
ابن رشد إن لم يقدر أن يستقل قائما إلا أن يعتمد على شيء فقد سقط عنه القيام وجاز له أن يصلي جالسا في المكتوبة وإن كان أحب إلي أن يصلي قائما متكئا لأنه لما سقط عنه فرض القيام صار له نافلة وفضيلة كما هو في النافلة قال بعض الشيوخ وهو خلاف ما لابن شاس وتبعه ابن الحاجب عليه (ع) ابن مسلمة مشقة القيام
عجز وقاله ابن عبد الحكم خوف عود علته وعدم ملك ريح للقيام عجز عنه فلت والأواخر سنة إباحة التيمم (خ) واستشكل سند مسألة الريح لا سلس لا يترك الركن لأجله وحيث يستند فلغير حائض وجنب عبد الحق عن الشيخ لنجاسة ثوبيهما يعني غالبا أو بدنهما فإن طهرا جاز عبد الوهاب لإعانتهما في الصلاة فألزم غير المتوضئ اللخمي لأنهما كنجس لمنعهما المسجد وخرج جوازه على إجازة ابن سلمة دخولهما إياه.
فرع:
لو استند لحائض فلابن القاسم يعيد في الوقت والله أعلم، وقال المازري وهو على سبيل الأولى وقال أشهب إن استند إليهما فلا شيء عليه نقله الباجي وإن تيقنت الطهار فلا إشكال وقيل إنما الخلاف مع تيقنها وقوله (إن قدر على التربع) يعني: لأنه أولى على المشهور وقال ابن عبد الحكم: الأولى مثل جلوس الصلاة، وظاهر كلام الشيخ أن التربع واجب وليس كذلك بل هو مستحب وإلا فالمطلوب انتصاب ما قدر عليه من قامته في حالته التي يصلي عليها وغير ذلك مستحب والله أعلم وقوله (وإن لم يقدر على السجود فليومئ بالركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه) يعني أنه ينتقل إلى الإيماء عند العجز عن الركوع والسجود فيومئ إلى الركوع من قيامه وإلى السجود الأول كذلك وإلى الثاني من جلوسه ويفرق بينهما بكون إيمائه لسجوده أخفض من ركوعه. (ع) وفيها الإيماء برأسه وظهره المازري أو الطرف لمن أعجزه غيره (خ).
وأخذ المازري واللخمي من قوله (فيها يومئ القائم بالسجود أخفض من الركوع) أنه ليس عليه نهاية طاقته ورده ابن العربي بأنه لا فرق لأنه إنما يومئ وسعه ابن الحاجب وفي إيمائه وسعه قولان (س) الأظهر ينهي وسعه لأنه الأقرب إلى الأصل (ع) وهو ظاهر رواية ابن شعبان إن أومأ صحت وإلا فسدت (خ) في مختصره وهل (يومئ بيديه) يعني في السجود أو يضعهما على الأرض وهو المختار كحسر عمامته تأويلان وعزا الأول في التوضيح لأبي عمران قائلا واعلم أنه لا يسقط عندنا ركن للعجز عن آخر ابن الحاجب ويكره وضع شيء يسجد عليه.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض فرآه يسجد على وسادة فرمى بها
وقال: «اسجد على الأرض إن استطعت وإلا فأومئ إيماء» الحديث.
(وإن لم يقدر صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك).
يعني إن لم يقدر على الصلاة جالسا مستندا صلى على جنبه الأيمن ثم الأيسر ثم على ظهره ولابن القاسم تقديم الظهر على الأيسر ولابن محرز عن أشهب تقديم الظهر على الجنبين. (س) ترتيب حالات المريض من القيام إلى الاضطجاع على الوجوب وما بين جنبه وظهره على الاستحباب (خ) والقول بتقديم الاستلقاء لابن القاسم وبتقديم الأيسر لابن المواز وابن عبد الحكم ومطرف وأصبغ والقول بالتسوية لظاهر المدونة إذ قال فيها ويصلي على جنب أو ظهر لكن تؤول على أنه أراد تقدمه الأيسر وقد صرح اللخمي بأن في نص المدونة تقديم الأيسر على الظهر قال (خ) لم أر من صرح بهذا القول غير أنه مقتضى قول التونسي.
(ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق).
يعني إن لم يقدر إلا على نية أو مع إيماء بطرف.
فقال المازري وغيره: لا نص ومقتضى المذهب الوجوب هذا نص مختصر (ع) قلت: قوله – أي ابن بشير ومن تبعه – لا نص في فاقد غير النية قصور لقول ابن رشد وفي سقوطها عن الغريق العاجز عن الإيماء وغيره وقضائها رواية معن عن مالك في المكتوف كذلك وقوله فيها (ومن تحت الهدم لا يستطيع الصلاة) يقضي ابن فرحون أي فلا نص صريح وأما الظواهر فلا لأن الجلاب والكافي لا تسقط الصلاة عنه ومعه شيء من عقله ونحوه في الرسالة (ع) قلت: الغالب لا نص فقهي والله أعلم.
(وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم به).
هذا حكم المريض العادم القدرة على استعمال الماء أو لا يجده وكذلك الصحيح
وأنه يجوز له التيمم بالتراب المنقول وإن كان في حائط أو غيره ما لم تغيره الصناعة فيصير جيراً أو جبساً أو آجرا أو يكون به حائل يمنع من مباشرته والمريض والصحيح في ذلك سواء إذا جرى مبيح التيمم والله أعلم.
(والمسافر يأخذه الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن دابته ويصلي فيه قائما يومئ بالسجود أخفض من الركوع).
المسافر ليس بشرط وإنما خرج للغالب والحكم فيه وفي الحاضر سواء وقوله (يأخذه الوقت) يعني الذي لا يمكنه معه تأخير بحيث يضيق جداً (والخضخاض) الذي يصعب خضه وقوله: (لا يجد أين يصلي) يعني راكعا ساجدا إلا بمشقة فلينزل إلى آخره هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم.
وقال ابن عبد الحكم وابن نافع وأشهب يصلي فيه راكعا وساجدا وإن تلوثت ثيابه وقيل إلا أن تكون رفيعة يؤدي التلويث إلى إفسادها فكقول ابن القاسم وإلا فكقول ابن عبد الحكم ومن معه وعلى المشهور فينوي بإيمائه مواضعه من الركوع والسجود والجلوس للتشهد إلى غير ذلك من مواضع الإيماء.
(فإن لم يقدر أن ينزل فيه صلى على دابته إلى القبلة).
بعد توقيفها نحوها وهذا إن خاف ضرراً بينا والله أعلم).
(وللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة إلخ).
يعني المسافر الراكب فلا يتنفل الرجل حيثما توجه والتوجه شرط فلا يصلي محولا رأسه لدير البعير ابن رشد ولو كان تحوله تلقاء القبلة ولا يشترط ابتداؤه إلى القبلة ولا تلحق السفينة بالدابة خلافا لابن حبيب فيهما (ع) وروى اللخمي ويرفع عمامته عن جبهته إذا أومأ ويقصد الأرض ابن حبيب لا يسجد على قربوسة ويضرب دابته لركوبه وغيره ولا يتكلم وسمع ابن القاسم للمصلي في محله يعيا فيمد رجله أرجو خفته وسمع القرينان لا بأس بتنحية وجهه من الشمس.
وكون ذلك في سفر القصر شرط ككون الصلاة نفلا وقد نبه على ذلك بقوله (ويوتر على دابته إن شاء) لأن وتره من نافلته لعدم وجوبه وقد كان عليه الصلاة والسلام يوتر على دابته ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا بالأرض يعني لأن مطلوب النفل التحصيل فبأي وجه أمكن جاز ما لم يكن مناف والفرض واجبه الإتمام ما أمكن فلا يسمح فيه إلا بما لا يمكن والله أعلم إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرضه فليصل بعد أن توقف له (ويستقبل بها القبلة) يعني أنه إذا كان حكمه في النزول والركوب سواء لم يلزمه النزول.
قال في المدونة والشديد المرض والذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلي
المكتوبة في المحمل ولكن على الأرض قال أبو محمد معناه لا يصلي على دابته وبهذا التأويل يرجع ما في المدونة لما هنا والله أعلم.
ابن رشد وتجوز الصلاة على السرير اتفاقا.
(ومن رعف مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكلم أو يمشي على نجاسة).
الرعاف سيلان الدم من الأنف يقال رعف بالفتح للماضي يرعف بالضم ويريد لا قبلة للمستقبل وقوله (مع الإمام) وحده ولا هو إمام لأنه إن كان قبله أمسك إلى آخر الوقت المختار ثم صلى كما هو إن لم يكف وإن رعف وحده فقيل لا بناء له وقيل يبني بناء على أن بناءه لحرمة الجماعة وهو ظاهر كلام الشيخ أو لحرمة الصلاة والخلاف في الإمام على ذلك والمشهور عدم ذلك في الفذ والمشهور استحباب البناء وجواز القطع.
وفي المسألة خمسة أقوال وعلى المشهور فله شروط جمعها (خ) في مختصره بقوله فيخرج ممسكا أنفه فيغسل إن لم يجاوز أقرب مكان ممكن قرب لم يستدبر قبله بلا عذر ويطأ نجسا ويتكلم ولو سهوا انتهى (ع).
ويخرج ممسكا أنفه ساكتا غير واطئ نجس لأقرب مما يمكن اللخمي ولو مستدبر القبلة ابن حبيب غير متفاحش بعده قال وجهل كلامه مبطل وفيه ناسيا ثالثها إن كان في مضيه لابن رشد مع ابن حارث عن ابن حبيب ومحمد يعني ابن سحنون عن أبيه واللخمي مع الشيخ عن ابن حبيب قال ونقل ابن شاس الثالث معكوسا خلاف ما تقدم انتهى.
(ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها).
سواء رعف في أثنائها أو قبل عقدها كانت أولى أو غيرها خلافا لابن مسلمة (خ) وهو أظهر (س) الأشهر الإلغاء والأظهر الاعتداد ابن الحاجب ثم يبتدئ في القراءة وإن كان سجد واحدة بخلاف السجدتين.
(ولا ينصرف لدم خفيف وليفتله بأصابعه إلخ).
يعني لا ينصرف عن الصلاة إذا كان دم الرعاف خفيفا ويفتله بأصابعه اليسرى إلا أنه وقع في المدونة كذلك الباجي وعليا أنامل اليد يسير ونقل الباجي عن ابن نافع أن أنامل الأربع قليل وإنما يفتل بالأنامل العليا فإن زاد إلى الوسطى قطع كذلك حكى الباجي وذكر معها الإبهام عن المجموعة وهذا كله إن ظن انقطاعه بذلك وإلا قطع.
(ولا يبني في قيء ولا حدث).
خلالا لمن يرى ذلك وإن ورد فيه حديث لأن الحدث مناف والقيء مشغل إلا يسير القلس والقلس الماء الحامض الذي يخرج مع الجشاءة أشهب أن بنى في غسل نجاسة صح.
ابن الحاجب ولا يبني في قرحة ولا جرح ولا قيء ولا حدث ولا شيء غير الرعاف يعني لأنه خصصه عمل السلف بخلاف غيره.
(ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف).
يعني لأن صلاته قد انقضت وقوله (وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فجلس وسلم) يعني ولا يعيد التشهد إلا أن يكون لم يتشهد قبل ذلك ونحوه في المدونة ابن يونس لو رعف قبل سلامه ثم سلام الإمام في الوقت سلم وانصرف.
(وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في
الجمعة فلا يبني إلا في الجامع).
المشهور ما ذكر في إتمامه في محل غسله إن تيقن فراغ صلاة إمامه أو ظن وأنه يرجع في الجمعة لأول الجامع فلو خالف بطلت في المسألتين (خ) ورجع إن ظن بقاءه أو شك ولو بتشهد وفي الجمعة مطلقا لأول الجامع وإلا مطلقا فانظره.
وحكى اللخمي فيها ثلاثة أقوال ومسائل الرعاف كثيرة واسعة وغالبها نادر الوقوع وقد رجح قوم القطع على البناء وهو أولى بالعامي ومن لا يحكم التصرف بالعلم لجهله وبالله التوفيق.
(ويغسل قليل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره).
غسل قليل الدم قيل واجب وقيل مندوب لعدم الإعادة بعدم غسله واليسارة والكثرة معتبرة بالعرف.
وقال ابن الحاجب في اليسير والكثير طريقان ابن سابق ما دون الدرهم يعني يسير وما فوقه كثير وفي الدرهم روايتان ابن بشير قدر الخنصر والدرهم يسير وفيما بينهما قولان والمراد بالدرهم البغلي وقيل نسبته إلى البغل لأنه يشبه العلامة التي في ذراع البغل أو لأنه من سكة قديمة ضربها ملك يقال له رأس بغل ذكره النووي في تحريره ويدل عليه قول مالك - رحمه الله تعالى - إن هذه الدراهم تختلف بعضها أكبر بعض (خ) والخنصر قال مصنف الإرشاد في العمدة والمراد به والله أعلم مساحة رأسه لا طوله فإن طوله أكثر من الدرهم وفي مجهول الجلاب يعنون الأنملة العليا.
وقال ابن هارون والمراد الخنصر عند من اعتبره إذا كان مطويا انتهى. فتأمل ذلك.
وقوله: (ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره) يعني أنه إن صلى بكثير الدم وهو ما فوق الخنصر أو الدرهم أو هما على الخلاف المتقدم أعاد أبدا إن تعمد أو جهل وفي النسيان والعجز يعيد في الوقت على المشهور ويقطع الصلاة لدم إن كان كثيراً أو قد رآه فيها بخلاف اليسير والله أعلم.
(وقليل كل نجاسة غيره وكثيرها سواء).
يعني يغسل قليله وكثيره وتعاد الصلاة منه بالعمد أبدا وفي العجز والنسيان في الوقت وإن كان قدر رءوس الإبر وعن مالك يعفي عما تطاير من البول كرءوس الإبر.
(س) فيحتمل أن يكون عموما في كل يسير من البول ويحتمل قصره على المتطاير حين البول لأنه محل الضرورة لتكرره في كل وقت والله أعلم والمشهور ما ذكره الشيخ هنا والله أعلم.
والنجاسة بالنظر إلى العفو أربعة أقسام قسم يعفى عن قليله وكثيره وهي كل نجاسة لا يقدر على إزالتها بمشقة فادحة أو لا يمكن إزالتها أصلا وقسم لا يعفى عن قليله ولا عن كثيره وهي كل نجاسة قدر على إزالتها لا بمشقة فادحة سوى الدم وقسم يعفى عن قليله دون كثيره وهو الدم على المشهور وما تطاير من رشاش البول على الآخر وقسم يعفي عن أثره دون عينه وهي التي يعسر زوال لونها وريحها مع ذهاب طعمها وكعرق المحل يصيب الثوب ونحو ذلك.
فرعان:
قال سند يعفى عن يسير البول والعذرة يعلق بالذباب ثم يجلس على المحل وقال عبد الله بن عمر لولا أن أزيد في الدين علما لم يكن فيه لقلت أنه نجس وسئل عنه الشافعي فقال يجوز أن يكون في طيرانه ما يذهب ما بجناحه وإلا فالأمر إذا ضاق اتسع.
الثاني: قال في المدونة والقيح والصديد مثل الدم يعني في العفو عن اليسير (ع) وفي يسير القيح والصديد روايتا اللخمي انتهى وأخذ بعضهم القولين من كلامه هنا اعتبارا بأنه من الدم أو من غيره فيلحق بأصله والله أعلم.
(ودم البراغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش).
يعني فيكون عليه غسله إذا تفاحش وجوبا هذا ظاهر كلامه قاله (خ)(ع) وفيها ولا دم البراغيث إلا ما تفاحش فظاهره وجوبه (خ) ورأيت في نسخة من التهذيب لا يغسل من الدم البراغيث إلا ما تفاحش فيستحب غسله (س) التفاحش على قسمين نادر وغير نادر الثاني معفو عنه والأول غير معفو عنه (خ) وندب غسله إلا في صلاة أي فلا يندب قطعها له قالوا والتفاحش أن يستحيا به.