المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها - شرح زروق على متن الرسالة - جـ ١

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

الفصل: ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

الأوقات جمع وقت وهو الزمان المقدر للعبادة شرعا والصلاة الشرعية عبادة ذات إحرام وسلام أو سجود فقط قال ابن عرفة ودخل فيه صلاة الجنائز لأنها ذات إحرام وسلام وسجود التلاوة في كونه صلاة اختلاف والمراد ذكر أوائل أوقات الصلاة

ص: 189

الواجبة وآخره الاختيار إذا لم يذكر سوى وقت الفريضة ولم يذكر من أوقاتها إلا المختار بطرفيه لأنها إما وقت اختيار وتوسعة أو وقت اختيار وفضيلة فوقت الفضيلة ما قيد الفعل به أولا ووقت التوسعة ما لو لوم على المؤخر إليه بحال.

وفائدة ذكر أسماء الصلوات العلم بإعدادها وهو معلوم من الدين ضرورة ولكن ثمرته تمييزها بالنية عند إرادة التلبس بها والتأدب بآداب الشرع في الإطلاق عليها والله أعلم وقد ذكر عياض في اشتقاق الصلاة عشرة أقوال والخلاف فيها لغة مشهور وسنذكر منه إن شاء الله.

(أما صلاة الصبح فهي الصلاة الوسطى عند أهل المدينة).

الصبح مشتق من الصباح وهو البياض المشوب بالحمرة قال كراع وهو لون يقرب من الصهوبة سمي بذلك لدخول بياضه في حمرته وحمرته في بياضه والوسطى المختارة لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] أي عدولا خيارا، وقوله عز وجل:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28] فالوسط من كل شيء خياره وقد يراد بين الطرفين وصلاة الصبح كذلك بين طرفي الليل والنهار وما ذكر من أن الصبح هو الوسطى هو المشهور وأضافه لأهل المدينة لنوع من الاجتماع بعمل أهل المدينة في مقابلة ما في المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر.

وعلى هذا الحديث أكثر العلماء وقال به ابن حبيب واختار ابن أبي حمزة أن كلا

ص: 190

منهما وسطى لقوله عليه السلام «من صلى البردين وجبت له الجنة» وقوله عليه السلام «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغعلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا» رواه البخاري وغيره.

وقيل: صلاة العصر والعشاء وقيل الجمعة وقيل الوتر وقيل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خارج المذهب وقال القاضي: أبو بكر بن العربي أخفاها الله سبحانه كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة ووليه في خلقه والحسنة الموجبة والسيئة الموجبة ليتحفظ الناس على ذلك وقد قيل لبعضهم بم تتوصل للصلاة الوسطى فقال بالمواظبة على جميع الصلوات. وهو كلام صحيح وبالله التوفيق.

وقوله: (وهي صلاة الفجر) يعني وسمى أيضاً بصلاة الفجر فلها إذا ثلاثة أسماء صلاة الصبح وصلاة الفجر وصلاة الوسطى وفي إطلاق الأخير اسما نظر نعم بقي على الشيخ اسمان وهما صلاة الغداة وصلاة الأولى وكلاهما من الحديث فهي إذا خمسة أسماء وبالله التوفيق.

(فأول وقتها انصداع الفجر المعترض بالضياء في أقصى المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة).

انصداع انشقاق والصدع الشق والمعترض بالضياء المواجهة للناظر به والممتد عرضا بفتح العين أو عرضا بالضم وهو الطول والفجر ظاهر بالوجهين في أقصى المشرق أي غاية ما ينتهي إليه بصر الناظر لناحية المشرق ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة يعني من وجه المستقبل إلى ما خلفه بحسب الأزمنة فيكون في زمان الشتاء في قبلة المصلى ثم لا يزال ينتقل في كل يوم حتى يطلع في الصيف في دبر المصلى أي خلفه من ناحية المشرق في كل ذلك.

وقيل ذاهبا من ناحية القبلة حتى ترتفع فيها فتكون زيادة من الطرفين حتى يرتفع فيعم الأفق قال الشيخ أبو محمد صالح وبهذا يخرج الفجر الكاذب من كلامه وقال أبو عمران الجرائي خرج الكاذب به بجميع القيود لأن الكاذب لا يعترض بالضياء إذ ليس

ص: 191

ضياؤه بواضح وإنما هو كذنب السرحان قال القنازعي في شرح الموطأ وهو الأسد وقال غيره وهو الذئب وهو المعروف وقد ذكروا في تأويل قوله (ذاهبا من القبلة إلى دبر القبلة) عشر تأويلات.

قال بعضهم ولم يصب أحد حقيقة المعنى في ذلك وإنما هي تأويلات فانظر ذلك.

(وآخر الوقت الأسفار البين الذي سلم منها بدا حاجب الشمس).

يعني أن الفجر إذا تحقق دخل وقت صلاة الصبح وتمادى الوقت إلى الإسفار البين الإسفار في اللغة البياض والإيضاح قال الله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر: 34] وأولى ما فسر به كلام الشيخ قوله في النوادر عن ابن حبيب آخره الإسفار الذي إذا تمت الصلاة بدا حاجب الشمس وسقط الوقت وقد اعترض به من كلام ابن الحاجب في

ص: 192

ذلك فانظره عياض في إكماله وكافة العلماء وأئمة الفتوى على أن آخر وقتها طلوع الشمس وهو مشهور قولي مالك.

وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم عنه آخر وقتها عند الإسفار وتأويله أنه الوقت الاختياري وما بعده إلى طلوع الشمس ابن العربي الأصح غره الأكثر وأبو عمر في كونه الإسفار الأعلى وطلوع الشمس روايتان ابن القاسم وابن وهب مع قول الأكثر وفيها وآخره إذا أسفر.

وفي كون الإسفار ما إذا قضيت الصلاة بدا حاجب الشمس أو ما تبين به الأشياء تفسيرا عبد الحق مع أبي محمد وابن العربي مع عبد الحق عن بعض المتأخرين انتهى فتأمله وبالله التوفيق.

(وما بين هذيبن وقت واسع وأفضل ذلك أوله).

يعني وما بين الوقتين وقت واسع لإيقاع الصلاة متى أوقعها فيه لم يكن مفرطا والمذهب أن أول المختار وآخره سواء في نفي الحرج لأن الصلاة تجب بأول الوقت وجوباً موسعا والمصلي يعين على المختار ولا يجب العزم على الأداء خلافا لقوم (خ) وإن مات وسط الوقت بلا أداءئ لم يعص إلا أن يظن الموت انتهى.

وتحقق الوقت شرط فلو شط في دخول الوقت لم تجز ولو وقعت فيه وعلى ذلك حمل العلماء قوله عليه السلام «أسفروا بالفجر فأنه أعظكم لأجوركم» وقالوا: «أفضل وقتها أوله» .

وقال أبو حنيفة آخره لهذا الحديث، وقال ابن حبيب: يستحب تأخيرها في الصيف إلى الأسفار وقال مرة إلى نصف الوقت وهذا للجماعة فأما الفذ فالأفضل له الأول باتفاق المذهب، وروى ابن نافع صلاتها أول الوقت فذا أحب إلى منها في جماعة الإسفار وروى زياد نحوه وأخذ منه الباجي أن الإسفار ضروري ورده المازري وحكى غير واحد الخلاف في ذلك مطلقا ورد ابن العربي ذلك بأن الجماعة آكد من أول الوقت إذ يقاتل عليها ولا يقاتل على أول الوقت وذكره في أول القبس فانظره. (خ) والأفضل للفذ تقديمها مطلقا وعلى جماعة آخره وبالله التوفيق.

ص: 193

(ووقت الظهر إذا زالت الشمس عن كبد السماء وأخذ الظل في الزيادة).

الظهر مأخوذ من الظهور سميت بذلك لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام إذ لم يفصل قبلها غيرها وقيل لأنها توقع في وقت الظهيرة أي ظهور الشمس وارتفاعها عن كل شيء وتسمى الأولى صلاة الهجيرة وصلاة الظهيرة فلها إذا أربعة أسماء لم يذكر الشيخ منها غير الأول وكذا الوسطى على القول بأنها هي إذ ما من صلاة إلا وقيل بأنها وسطى ومعنى زالت الشمس مالت عن كبد السماء أي وسطها استعير من كبد الحيوان لأن كبده في وسطه وأخذ الظل في الزيادة يعني غاية نقصه وتحوله الناحية المشرق عبد الوهاب وتعلم ذلك بأن تنصب عودا مستقيما في أرض معتدلة فيكون الظل أول النهار ممتدا فلا يزال ينقص بارتفاع الشمس حتى يقف وذلك إذا توسطت الشمس قبة السماء فإذا بدأ يزيد بعد نقصانه فذلك زوال الشمس.

قال الغزالي ولا بأس بالميزان وكرهه ابن العربي لأنه ليس من فعل السلف وقال إنما كانوا يعرفون ذلك بظل الجدار وظل الإنسان وغيره، وقال المازري يكره الأسطرلاب، واختلف في علة الكراهة فانظر ذلك.

(ويستحب أن تؤخر في الصيف إلى أن يزيد ظل كل شيء ربعه بعد الظل الذي زالت عليه الشمس وقيل إنما يستحب ذلك في المساجد ليدرك الناس الصلاة وأما الرجل في خاصة فأول الوقت أفضل له وقيل أما في شدة الحر فأفضل له أن يبرد بها وإن كان وحده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم» .

القول الأول لابن حبيب فلذا قال لا تؤخر إلا في الصيف وأما الشتاء فتوقع في أول الوقت وروى أبو الفرج عن مالك مثله وقال عبد الوهاب عزاه بعضهم لابن عبد الحكم وفي التهذيب قال مالك أحب إلي أن تصلي الظهر في الشتاء والصيف والفيء ذراع قال عمر وما دام الظل في نقصان فهو غدوة فإذا مر ذاهبا فثم فيء وذراع كل إنسان ربع قامته وهذا القول لم يذكره الشيخ وقد رام بعضهم رد كلامه إليه اتتفق

ص: 194

الرسالة مع المدونة فقال بعد قوله في الصيف يريد والشتاء وهو بعيد وقد تحصل في إلحاق الفذ بالجماعة في التأخير مطلقاً خلاف وفي الصيف على رأي ابن حبيب.

فقال ابن القاسم في رواية أبي محمد كقول القاضي بإلحاقه وقال ابن حبيب وابن عبد الحكم وبالبغداديون بعدم الإلحاق ورابعها في شدة الحر يبرد أي يؤخر للحديث وأصل الخلاف في زيادة الذراع هل هو مطلوب لتحقق الوقت أو لانتظار الجماعة أو لغير ذلك، وحديث الإبراد متفق عليه وعممه أبو حنيفة في الشتاء والصيف والكلام في تعليله يطول فانظره.

(وآخره أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل نصف النهار).

يعني وآخر وقت الظهر الاختياري الذي لا حرج على من أخر إليه من غير ضرورة أن يصير ظل كل شيء مثله بعد وقوف الظل عن الزيادة وهو نصف النهار وذلك يختلف باختلاف البلدان والزمان ولكن يضبطه زيادة الظل بعد غاية نصفه فمن ثم تعتبر القامة وغيرها.

وقال الأصيلي أول الوقت وآخره سواء في الفضل حتى الضروري وهو شذوذ من القول وفي متعلق الوجوب من الوقت اختلاف الشافعي أوله والحنفي آخره ومشهور مذهبنا أن كل الوقت ظرف للأداء والمصلي يعين وهل المؤخر لآخر المختار كالعازم على الأداء وهو قول القاضي الباقلاني من أصحابنا أو لا يجب وهو قول الباجي ومختار ابن العربي قولان.

(وأول وقت العصر آخر وقت الظهر):

ص: 195

يعني أن آخر هذا بعينه هو أول هذا بعينه (خ) واشتركا بقدر إحداهما وهل في آخر القامة الأولى أو في أول الثانية خلاف.

وقال ابن حبيب وعبد الملك وابن المواز فيما نقله اللخمي لا اشتراك والقبس تالله ما بينهما اشتراك وفي التوضيح عن ابن رشد المشهور الاشتراك والأظهر في الأولى لا الثانية وعزاه ابن الحاجب لأشهب رواية واختاره التونسي.

ص: 196

وقال ابن رشد ما حكاه عن أشهب لم أقف عليه في الأمهات له والذي لأشهب في مدونته إن الظهر تشارك العصر في أول القامة الثانية في مقدار أربع ركعات وقال إنه المشهور ووافقه ابن عطاء الله وحكى في المسألة أربعة أقوال فانظره قال ابن رشد والنقل عن ابن حبيب أن بين الظهر والعصر فاصلا لا يصلح لأحد الصلاتين لا يصح ابن يونس عن أشهب أرجو أن من صلى العصر قبل انقضاء القامة والعشاء قبل مغيب الشفق يكون قد صلى وإن لم يكن بعرفة وظاهر كلام الشيخ الاشتراك وأنه في أول القامة الثانية والله أعلم.

(وآخره أن يصير ظل كل شيء مثليه بعد ظل نصف النهار وقيل إذا استقبلت الشمس بوجهك وأنت قائم غير منكس رأسك ولا مطاطئ له فإن نظرت إلى الشمس ببصرك فقد دخل الوقت وإن لم ترها ببصرك فلم يدخل الوقت وإن نزلت عن بصرك فقد تمكن دخول الوقت والذي وصف مالك رحمه الله أن الوقت فيها ما لم تصفر الشمس).

ذكر في هذه الجملة إن آخر وقت العصر مختلف فيه والقول باعتبار ظل كل شيء مثليه هي رواية ابن عبد الحكم وظاهر كلام الشيخ أن ذلك ليس من قول مالك والموجود خلافه غير أن المشهور رواية ابن القاسم باعتبار الاصفرار وهو الذي عزاه الشيخ لمالك وقوله وقيل إذا استقبلت الشمس إلى آخره ميزان يتعرف به الوقت وقد تعقبه ابن الفخار بأنه لم يوجد قائله بل قال لم يقل بهذا أحد وهذا خطأ وصرح عن الشيخ بإلغائه.

وقال عبد الوهاب: يمكن هذا إذا اعتبر وقال ابن رشد لا يصح لأن الشمس تكون مرتفعة في الصيف منحطة في الشتاء قلت: بل التجربة تعطي أنه يقرب وإن كان لا يوصل إلى التحقيق والله أعلم.

وقيل إن صيرورة ظل كل شيء مثليه قريب من الاصفرار وهو لا يطرد في كل الأزمنة وفي الحديث ما يشهد للقولين والعمدة في ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت لم يغب الشفق

ص: 197

ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس». رواه مسلم وفي الموطأ نحوه عن عمر رضي الله عنه باختلاف ألفاظ فانظر ذلك وسميت العصر عصر الانعصار النهار للفراغ والشمس للغروب، وتسمى أيضاً صلاة العشى وصلاة الوسطى عند من قال به فلها إذا ثلاثة أسماء على خلاف في الأخير والله أعلم.

(ووقت المغرب وهي صلاة الشاهد يعني الحاضر يعني أن المسافر لا يقصرها ويصليها كصلاة الحاضر فوقتها غروب الشمس).

أما تسميتها بالمغرب فلوجوبها بالغروب وأما تسميتها بالشاهد فلما ذكر ونقض الفاكهاني ذلك بتسمية الصبح به أيضاً وخرج النسائي من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم فضيعوها – يعني صلاة العصر – فمن حافظ عليها أوتي أجره مرتين ثم لا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» يعني النجم قلت ولعله سمي بذلك لأنه شاهد بدخول الليل والله أعلم. وقيل سميت بذلك لأنها تقام على من حضر ولا ينتظر بها من غاب عياض ولا تسمى بصلاة العشاء لا شرعا ولا لغة وورد في الصحيح النهي عن تسميتها بالعشاء والله أعلم.

(فإذا توارت بالحجاب وجبت الصلاة لا تؤخر وليس لها إلا وقت واحدة لا تؤخر عنه).

توارت استتر بالحجاب الذي تحجب بها يعني الشمس عن الأبصار أي قرصها وجبت صلاة المغرب وقوله لا تؤخر هو مقتضى الأشهر من الروايتين وأن وقت المغرب لا يمتد إلى العشاء وهو مشهور ومذهب الشافعي وعليه فلا بد من تقديم فعلها بعد تحصل شروطها الناجزة (ع) واعتبار ما يسعها بغسلها واجب لوجوبه وعدمه قبل

ص: 198

وقتها وإجماعهم على امتناع التكليف لا يسعه انتهى وباعتباره قال المازري فاعلها أثر الغروب والمتواني قليلاً أداها في وقتها.

وروى ابن العربي مصرحا باعتبار قدر الأذان والإقامة وليس الثياب مع ما يسع الطهارة والرواية الثانية أن وقتها يتسع إلى مغيب الشفق وهو قول ابن مسلمة وأخذ أبو عمر واللخمي والمازري وابن رشد من قوله في الموطأ فإذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء وقال ابن العربي هو القول المنصور إذ قاله مالك في كتابه الذي ألفه بيده وقرئ عليه طول عمره ورواه الآلاف من الخلق وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وغيرهم.

وحكى اللخمي عن أشهب اتساعه إلى مقدار إيقاعها بعد غيبوبة الشفق وأخذ من قوله في المدونة لا بأس أن يمر المسافر الميل ونحوه ومن مواضع أخر (خ) ما ذكر أنه الأشهر في الاستذكار هو المشهور والله أعلم.

وقال أجمع العلماء على أن الفضيلة تقديمها أول الوقت وفي التنفل قبلها ثلاثة سمع ابن القاسم أدركت بعض الشيوخ يفعله وسمع أيضاً لا يعجبني.

وثالثها يصلي التحية فقط وخرج ابن رشد على حديث الأمر بالتحية ابن العربي وقد كان في عهده عليه السلام فلما توفي ترك تقديما لأول الوقت والله أعلم، وسبب الاختلاف في الامتداد وعدمه اختلاف الأحاديث فانظر ذلك.

(ووقت صلاة العتمة وهي صلاة العشاء وهذا الاسم أولى بها ووقتها غيبوبة الشفق والشفق الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس فإذا لم يبق في المغرب صفرة ولا حمرة فقد وجب الوقت ولا ينظر إلى البياض في المغرب فذلك لها وقتها إلى ثلث الليل لمن يريد تأخيرها لشغل أو عذر).

ص: 199

ش: العتمة: مأخوذة من عتم الليل وهو ظلمته وقال في المغرب سميت بذلك لأن نجما يطلع في وقتها يسمى العاتم، وقيل سميت بذلك لتأخرها من قولهم أعتمت بالأمر إذا أخرته إلى برهة من الليل وتسميتها بصلاة العشاء وهو الذي في القرآن أعني قوله تعالى:{وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} [النور: 58].

وفي الحديث الصحيح: «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال ابن بطال: فالعتمة بالسنة والعشاء بالقرآن يعني وما كان بالقرآن أولى لأنه قطعي بخلاف الآخر وقد جاء النهي عن تسميتها بالعتمة وسمع ابن القاسم أكره تسميتها العتمة واستحب تعليم الأهل والولد تسميتها العشاء قال وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها إلا بالعتمة ابن رشد في

ص: 200

كتاب ابن مزين من قال فيها العتمة كتبت عليه سيئة (ع) فيكون حراما قلت يعني على المشهور لا على من يقول بالتأثيم في المكروه وهو منقول عن علي بن زياد وغيره.

قال وقول الشيخ تسميتها بالعشاء أولى خلافهما وأما كون الشفق الحمرة فقد رواه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصححه أبو حاتم ووافقه ابن شعبان وأكثر أجوبة مالك أنه الحمرة فأخذ منه اللخمي وابن العربي أقلها البياض ورده المازري باحتمال أنه رواية ابن القاسم أنه الحمرة والبياض أبين وهذا تردد منه لا جزم أبو إسحاق لا يعتبر البياض الباقي بعد الحمرة وهو معنى قول الشيخ (لا ينظر إلى البياض في المغرب) يعني في محل غروب الشمس وكذا قوله (فإذا لم يبق في المغرب) إنما يعني محل غروبها.

وذكر عبد الحق وجدنا ثلاثا تلي النهار وهي الفجر الأول والفجر الثاني وطلوع الشمس وثلاثة تلي الليل غروب الشمس والشفق الأول والشفق الثاني واتفقنا على أن الاعتبار بالطالعة الوسطى في الصبح فلزم أن يكون بالغاربة الوسطى في العشاء وأيضاً كما لا يمنعه ذلك البياض من الأكل لا يمنعه هذا من الصلاة وقوله (إلى ثلث الليل) يعني إلى انقضاء وكون آخر وقت المختار إلى ثلث الليل هو المشهور وقال ابن حبيب نصفه ووقع كل منهما في الحديث.

فقال ابن العربي لأن وقتها مأخوذ بالتقريب والثلث من النصف قريب وفي كتاب عمر رضي الله عنه لأبي موسى رضي الله عنه أن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين وفي المدونة أحب للقبائل تأخيرها إلى ما بعد مغيب الشفق قائلا وكذلك في الحرس ولا تؤخر إلى ثلث الليل والحرس بالفتح فقط الثغور ابن حبيب لا يؤخر إلى ثلث الليل إلا المسافر وقال أشهب يؤخر وظاهر الرسالة خلافهما إذا قيده بالشغل والعذر فانظر ذلك.

(والمبادرة بها أولى):

حذرا من تفريطها وهو المشهور (ع) وفي كون فضيلة تأخيرها قليلا أو لثلث الليل ثالثها أوله لرواية أبي عمر ورواية العراقيين ابن حبيب تؤخر شيئاً في الشتاء وفوقه في رمضان والفذ ما لم يخف نوما واللخمي تعجيلها إن حضر الناس وتأخيرها إن

ص: 201

تأخروا وهذا هو الثالث عند ابن الحاجب (س) أكثر نصوص المذهب على الثالث (خ) ليس ما قاله بظاهر لأن المازري وغيره لم ينقلاه إلا عن اللخمي وحديث جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يصلي العشاء أحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم ابطئوا أخر متفق عليه.

وفي حديث أبي برزة رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يستحب أن يؤخر في العشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها متفق عليه وقول الشيخ لا بأس أن يؤخرها أهل المساجد قليلا لاجتماع الناس نحوه في المدونة وظاهرها استحبابه وغاية ما هنا الإباحة وفي حديث أبي أيوب الأنصارؤي رضي الله عنه: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل» رواه الترمذي وغيره.

وقوله (ويكره النوم قبلها والحديث لغير شغل بعدها) يعني لأن الأول مؤد إلى تفريطها والكسل عنها فيها والثاني: ختم للصحيفة بما لا يعني وإعانة على تفريط قيام الليل وصلاة الصبح وتقييد الحديث بعدها بعدم الشغل لما ورد في الحديث كراهيته إلا لعروس قالوا: ولإيناس الضيف ومذاكرة العلم والنظر في مصالح المسلمين وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده والله أعلم.

ص: 202