الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار
يقول هذا باب ذكر كيفية الوضوء الشرعي وترتيبه وقدم السنن لتقدمها في الفعل وإلا فالفرض آكد وأولى بالتقديم وإنما قدم فعلاً لاختبار الماء فلا يأتي الفرض إلا بعد تحقق أمره واللون بالعين والقوام باليدين والطعم بالمضمضة والريح بالاستنشاق والاستنجاء إزالة الأذى بالماء. وقد اختلف في اشتقاقه فقيل مشتق من النجو الذي هو البراز لأنه يزال به عن محله وقيل من النجوة أي ما ارتفع من الأرض لأنه يقصد الاستنثار به عند ذلك. وقيل لأنه يتخلص به من ذلك. والنجا الخلوص ومنه {خَلَصُوا نَجِياً} [يوسف: 80] وقيل غير ذلك. والاستجمار استعمال الجمار وهي الحجارة في إزالة ذلك وقاله في حديث «من استجمر فليوتر» وارتضاه ابن عيينة والله أعلم.
(وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به بالوضوء).
يعني لا في الفعل ولا في الصفة ولا في الحكم ولا في الأداء ولا في غيرها فلا مدخل له لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه ولا في آدابه ولا في فضائله. وهذا خلاف ما تعتقده العامة من أنه منه ويشترط اقترانه به وللقيام من النوم دون غيره. وعلى معتقدهم نبه بهذا الكلام ثم بين حكمه بقوله وهو من باب إيجاب زوال النجاسة به وبالاستجمار يعني عن البدن وإن كان الاستنجاء أفضل عند الأفراد وجمعهما أحسن ثم لا يلزم تقديمهما بل يجوز تأخيرهما مع الإمكان إذا لم يخل بالوضوء لمس ذكره ونحوه وإيجاب زوال النجاسة إنما هو لأجل أن لا يصلي بها في جسده كما هو في الثوب والبقعة الحكم واحد. وقد تقدم ويأتي حكم من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس.
وفي هذه المسألة بخصوصها اختلاف ابن الحاجب ولو تركها ناسياً فصلى ففي إعادته في الوقت روايتان لابن القاسم وأشهب. فقال بن أبي زيد الناسي يعيد وخرج اللخمي على وجوب إزالة النجاسة يعيد أبداً (س) أما رواية الإعادة ففي الوقت جارية على المشهور. وأما الرواية بعدم الإعادة مطلقاً فمشكلة إذ لا قائل بسقوط الإعادة مطلقاً في إزالة النجاسة إلا أن يثبت بالاستحباب معنى الفضيلة فتكون هذه الرواية منه ولهذا احتاج ابن أبي زيد للتأويل.
فرع: ابن الحاجب وعرق المحل يصيب الثوب معفو عنه على الأصح (ع) وفي العفو عن عرق محل الاستجمار يصيب ونجاسته قولان: الباجي وابن القصار انتهى.
ونظر بعضهم في قوله ونجاسته فانظره. قوله (ويجزئ فعله بغير نية) يعني فعل إزالة النجاسة عن البدن. وكذلك غسل الثوب النجس والمكان النجس لا يفتقر واحد منهما إلى نية حتى لو غسل للنظافة بماء مطلق لصح. وهذا هو المنصوص لأهل المذهب في إزالة النجاسة عينا وحكما حتى بالنضج في محل الشك وإن كان التعبد فيه ظاهر فالماء المطلق شرط في إزالة حكم النجاسة دون النية وهما شرط رفع الحدث بخلاف إزالة العين فإنه لا يشترط واحد منهما والماء يشترط الطاهر فقط. وإذا أزيلت به وهو غير مطلق لم ينجس ملاقي محلها على المشهور.
وينوب المسح في إزالة النجس في مواضع منها ما ذكر من الاستجمار. والسيف الصقيل لإفساده. وأثر المحاجم إلى أمد البرء وسيأتي من الخف والنعل والرجل المجردة في باب مسح الخفين إن شاء الله تعالى.
(وصفة الاستنجاء إلخ).
يعني الكاملة هي الجمع بين الماء والحجارة وما يقوم مقامها لفقد أو غيره هي أن يبدأ بعد غسل يديه معاً لمن قام من النوم أو شك فيهما أو اليسرى فقط وعليهما روايات التثنية والإفراد هو أولى والمراد بلها لئلا يعلق بها شيء من الرائحة عند ملاقاة الأذى وكذلك قال (خ) في مختصره وبلها قبل لقي الأذى.
وقوله (فيغسل مخرج البول) يعني إثر ذلك بلا مهلة وفي هذا تقديمه على الدبر وهو مستحب لانتظار بول فإنه يقدم دبره ثم يعيد لذكره فيأخذ في غسله بعد إزالة ما به بالمسح ثم يمسح ما في المخرج الذي هو الدبر من الأذى ليسهل أو ليأتي بسنة الاستجمار قبل الاستنجاء على اختلاف الشيوخ في قصد الشيخ بذلك. وقوله بمدر وغيره أو بيده يعني بالمدر الطوب.
وقال الخليل المدر الطين اليابس وغيره يريد مما في معناه وهو كل جامد طاهر منق غير مؤذ ولا محترم فلا يجوز بمبتل ولا نجس ولا زجاج ولا أملس ولا محرق ولا ذي حرمة من مطعوم أو مكتوب أو ذهب أو فضة وجدار وعظم وروث على الأصح.
ويجوز بعود وخزف وفحم وشبهه خلافاً لأصبغ. وهذا كله إذا قصد الاستجمار الشرعي وإلا اتقى ما له حرمة وإذابة ونحوها فقط. وفي ذكر اليد جواز الاستجمار بها وإن قلنا إن مقصوده الاستجمار (خ) وذكر في الإكمال عن بعض شيوخه أنه يزاد في الشروط أن يكون منفصلاً احتراز من يد نفسه لكن قال في الرسالة أو بيده انتهى.
وإنما يتم له ذلك لو ذكره في الاستجمار المجرد وقال ابن الحاج في المدخل إن عدم الأحجار فبأصبعه الوسطى بعد غسلها وقوله (ثم يحكها بالأرض ويغسلها مع الحك)(خ) في مختصره وغسلها بالتراب بعد أي بعد الاستنجاء يعني يندب لإزالة الرائحة فيكون ههنا آكد لتلويث المحل بالنجاسة فيطلب فغسلها لئلا تزيد المحل تلويثاً عند مماسة الماء وتضاعف الرائحة بإضافة الثاني للأول قبل زواله وتحلله.
وقوله (ثم يستنجي بالماء) يعني إثر إزالة ذلك بغير الماء لإزالة ما بقي من غير أثر وتحصل فضيلة الجمع بين الماء والحجارة أو ما في معناها لأنه مستحب (خ) في مختصره وندب جمع ماء وحجر ثم ماء وتعين في مني وحيض ونفاس وبول امرأة ومنتشر عن مخرج كثير أو مذي يغسل ذكره كله انتهى. وسيأتي منه إن شاء الله ويواصل صبه أي صب الماء لأنه أعون على الإزالة وأقرب لها وأنظف لليد والمحل وأبعد من الوسواس وأعجل في التخلص لأن كل ما تحرك دفعه الماء ومع الفترة ثبت في المحل واتسع فلا يكفي فيه القليل من الماء ولا تزول أعراضه إلا بمشقة.
(ويسترخي قليلاً
…
إلخ).
ليندفع ما في التكاميش التي في حلقة الدبر ويتهيأ الاستنجاء دون مشقة ولا شك في زوال ما هناك لأن التكاميش تؤدي ما فيها وتمانع ما حواليها ما لم ينفتح. وفي ذلك أيضاً فائدة استكمال استفراغ ما في القليل باندفاعه عند ذلك فيعمل بموجبه والله أعلم ويجيد عرك ذلك بيده بحيث يحكه بقوة تقلعه عن المحل وليست يده بشرط بل ما يستنجي به من يد أو غيرها.
فرع: وقد اختلف فيمن لا تصل يده لمحله وتمكنه الاستنابة بمن يجوز له الإطلاع على عورته كزوجته وأمته فالمشهور الجواز فإن لم يجد توضأ وصلى كذلك وقيل يتيمم واستشكله ابن الطلاع وقوله (حتى يتنظف) يعني حتى يزول ما في المحل من التلويث.
قال في النوادر حتى تذهب الملوسة وتعقبها الخشونة وقيل حتى يغلب على ظنه طيب المحل. وقيل حتى لا يجد نجاسة اللمس شيئاً مما هنالك من الأذى.
(وليس عليه غسل ما بطن من المخرجين).
يعني ولا له ذلك لأنه يضر به ويشبه اللواط في الدبر والسحق في حق المرأة وهو من فعل المبتدعة وقد قال في السليمانية في صفة استنجاء المرأة إنما تغسل قبلها كغسل اللوح ولا تدخل يدها بين شفريها كما تفعل من لا دين لها من النساء.
فرع:
من آداب الاستنجاء كونه باليسرى وفي غير محل قضاء الحاجة إلا في الحواضر وحيث الماء غالب على المحل ولعله مراد الشيخ إذ ظاهر كلامه جواز ذلك. ولا يمس ذكره بيمينه (ابن حبيب) ولا يمتخط بها انتهى. وقد أطال الناس في آداب الأحداث حتى لقد أنهاها ابن الحاج في مدخله لزائد على السبعين فانظرها إن شئت وسيأتي منها آخر الكتاب وبالله التوفيق.
(ولا يستنجي من ريح).
يعني لأنه من فعل اليهود وقد قال عليه السلام «من استنجى من ريح فليس منا» أي ليس على سنتنا قالوا ولو وجب الاستنجاء من الريح لوجب غسل ملاقيه من الثياب ولا يصح تخريج الاستنجاء منه على غسل اليدين من رائحة الإبط لتمكن هذه من اليد وندورها الريح والله أعلم.
(ومن استجمر بثلاثة أحجار يخرج آخرهن نقياً أجزأه).
يعني مع عدم الماء إجماعاً ومع وجوده عند الكافة خلافاً لابن حبيب (خ) وقال ابن حبيب لا تباح الأحجار إلا لمن عدم الماء وتأوله الباجي على الاستحباب. قال وإلا فهو خلاف الإجماع انتهى ومعنى استجمر استعمل الجمار وهي الحجارة في إزالة ما على المحل ابن الحاجب والجامد كالحجر على المشهور (خ) وقاس في المشهور كل جامد كالحجر لأن المقصود الإنقاء ورأى في الشاذ أن هذه رخصة ولا يقاس عليها.
والصحيح الأول لأن الرخصة في نفس الفعل لا في المفعول به وعليه ما في مختصره فقال وجاز بيابس طاهر منق غير مؤذ ولا محرم ولا مبتل ونجس وأملس ومحدد
ومحترم من مطعوم ومكتوب وذهب وفضة وجدار وروث وعظم ثم قال فإن أنقت أجزأت كاليد ودون الثلاث انتهى.
قال في التوضيح في معنى المكتوب الورق غير المكتوب لما فيه من النشا وعلل في الإكمال الجدارات بأن الناس قد يضطرون بالانضمام إليها لا سيما عند نزول المطر وبلل الثياب (خ) وهو كلام ظاهر. وقال في البيان وأجمعوا على أنه لا يجوز الاستجمار بما له حرمة من الأطعمة وكل ما فيه رطوبة من النجاسات انتهى.
وفي الجلاب الاستجمار بالنحاتة وهي بالحاء المهملة نشارة الخرط من العود وهو أولى وأظهر وجاء النهي عن الروث والطعم والحممة. وقال ابن التلمساني ظاهر المذهب في الحممة الجواز ابن الحاجب فلو استجمر بنجس أو ما بمعناه يعني من الروث ونحوه ففي إعادته في الوقت قولان (خ) والإعادة في الوقت لأصبغ وبعدمها لابن حبيب قاله صاحب البيان.
ونقل ابن عبد الحكم أنه إن استجمر بما نهي عنه أو بحجر واحد فصلاته باطلة وهو الظاهر عندي وفيه نظر (خ) فانظره وقد ذكر الشيح الإنقاء والعدد وهي الثالث ولا خلاف أن الإنقاء واجب واختلف في العدد (خ) والمشهور أن الواجب الإنقاء دون العدد (ع) تستحب ثلاثة أحجار وفي أجزاء ما أنقى دونها نقلاً المازري عن المذهب وابن شعبان مع أبي الفرج انتهى ابن الحاجب وفي تعيين ثلاثة لكل مخرج قولان وعلى تعيينها في حجر ذي ثلاثة شعب قولان وفي إمرارها على جميع الموضع أو لكل جهة واحدة والثالث الوسط قولان انتهى.
وفيه فروع ثلاثة وقيل الأخير (خ) فقال وهذا إنما هو في الدبر وأما القبل فلا بد من تعميم المحل انتهى. وهل يمر الحجر في المسح مراراً أو يديره على المحل وهو أنظف قولان وقال بعضهم يمسح ناحية ثم مقابلتها ثم يمر الثالث عرضاً وهذا أقرب للإزالة وأبلغ للتنظيف والله أعلم (ع) ابن شعبان لا يجزئ ذو ثلاث شعب عنها أي عن الثلاثة ونقل ابن بشير يجزئ لهما لا أعرفه. وقول الجلاب لا بأس بالاقتصار على حجر واحد نقياً.
كان ذا شعبة أو شعب لا يثبته الباجي وعليه يجب لكل مخرج ثلاثة ونقل ابن بشير يجزئ لهما لا أعرفه انتهى وما ذكر من ذلك يجزئ في الاستحباب على حكمه
فتأمله وفي قوله (يخرج أخرهن نقياً) أجزأه أنه إن لم يخرج نقياً لم يجز فيزيد عليها إلى الإنقاء ويستحب الإتيان إلى السبع ثم يسقط استحبابه ويجب الماء لانتشاره على المخرج كثيراً فلا تجزئ الأحجار (ع) وما بعد بالماء وفي كون ما خرج حداً كالمخرج أو بالماء قولاً الجلاب مع رواية ابن رشد وابن حارث والشيخ والجلاب مع ابن عبد الحكم مع ابن رشد مع ابن حبيب وابن أبي حازم انتهى. وفي قوله نفيه بالهاء بحث لفظي فانظره إن شئت.
وقوله: (والماء أطهر وأطيب وأحب إلى العلماء) يعني الاستنجاء به أطهر للمحل إذ لا يبقى عيناً ولا أثراً وأطيب للنفس إذ يذهب بالشك والتلويث وينظف المحل بلا ريبة. وأحب إلى العلماء كافة إلا ما يروي عن ابن المسيب من قوله الاستنجاء بالماء من فعل النساء وحمل على أنه واجبهن. وقد تقدم أنه يتعين في بول المرأة وفي الذخيرة إلحاق الخصيب ها والمني بالماء والمذي مثله وشاذ قول ابن بشير على المشهور لا أعرفه.
وقول المازري قال بعض أصحابنا يجزئ معه الاستجمار كالبول مقابل بقول أبي عمر لا يختلف أن صاحب المذي عليه الغسل إنما اختلفوا في غسل محله أو كل الذكر انتهى.
تنبيه:
ربما يقول هذا من إجماعات ابن عبد البر قد حذر الشيوخ منها كاتفاقات ابن رشد وخلافيات الباجي لأنه يحكي الخلاف فيما قال فيه اللخمي يختلف فانظر ذلك فإنه مهم.
(ومن لم يخرج منه بول ولا غائط وتوضأ لحدث أو نوم أو لغير ذلك مما يوجب الوضوء فلا بد من غسل يديه قبل دخولهما في الإناء).
يعني أن غسل اليد قبل إدخالهما في الإناء لا يتوقف على الاستنجاء ولا على موجبه لأنه مطلوب لمطلق الوضوء دون نظر إلى موجب أو غيره ومعنى لا بد هو لازم يريد على وجه الندب لا على الوجوب لقوله بعد ومن سنة الوضوء ومراده هنا بالحدث الريح.
وكذا فسره أبو هريرة رضي الله عنه حيث روى حديث «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» فقال رجل من حضرموت يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط وجعل النوم قسيماً للحدث فهو عنده ليس بحدث وقد جرى في ذلك على المشهور كما تقدم له
في باب ما يجب منه الوضوء. ابن الحاجب وفيها عن زيد بن أسلم إذا قمتم يعني من النوم (س) تفسير الآية هذا في المدونة عن زيد بن أسلم وهو تفسير يقتضي أن النوم حدث فينقض الطهارة في سائر أقسامه.
فائدة:
قال والظاهر أن سحنون إنما يسوق من فتاوى الصحابة ومن بعدهم في المدونة ما يكون موافقاً للمذهب إما نصاً وإما إجزاء وما كان ظاهره على غير هذا نبه عليه واعتذر فيحصل في المسألة قولان في المذهب قول بأن النوم حدث ولم يجعل المؤلف هذا القول منقولاً وقد نقله غير واحد عن ابن القاسم لكن أكثرهم يقولون وقع لابن القاسم ما ظاهره أن النوم حدث أو ما أشبه هذا من الألفاظ والله أعلم.
وقوله (أو لغير ذلك مما يجب الوضوء) يعني كالمذي والودي والاستحاضة حيث يجب بها أو معها وقد يؤخذ من كلامه أن موجب الوضوء حدث وسبب وخارج عنهما كالشك في الحديث والردة والرفض ونحوهما وتكون الإشارة له بغير ذلك والله أعلم.
وقال بعض الشيوخ المقصود غسل اليد أول الوضوء بعدم إدخالها في الإناء قبل غسلها لا يشترط وظاهر كلامهم خلافاً بل حديث «إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في إنائه حتى يغسلها» ثلاثاً صريح في ذلك إلا أن يخصص به وقد قال ابن العربي إنما قلنا إن غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء سنة لأنه عليه السلام لم يتوضأ قط إلا فعله.
(ومن سنة الوضوء غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء
…
إلخ).
يعني إذا تيقنت طهارتهما أو غلبت على الظن لا إن كانتا نجستين أو مشكوكتين فإنه يجب والمراد إلى الكوعين والمشهور ما ذكره من السنة وظاهر الجلاب الاستحباب وتأوله (س) بالسنة لأنها عبارة العراقيين وادعى الاتفاق عليها (ع) ابن رشد في كونه سنة أو مستحباً قولان انتهى واستظهر (س) الوجوب بخارج المذهب (خ) ومذهب ابن القاسم أنه للعبادة ومذهب أشهب للنظافة فعلى التعبد بغسلهما مفترقتين بنية ويعيد إن أحدث في خلاله أو بعده وينوي إن قرب لا على التنظف وحكى الباجي عن ابن
القاسم مجتمعتين. وعن أشهب مفترقتين وهو خلاف أصليهما فانظر ذلك وانظر فيه.
فرع:
لو مس الماء قبل غسل يديه ولم يعلم بهما نجاسة لم يضره ذلك وقيل إن كان جنباً لا يدري ما أصاب يده من ذلك أفسده وقيل إن كان مس فرجه قاله ابن حبيب ولابن حارث عن ابن غافق التونسي يفسده إن كان قائماً من نوم ولو كان طاهرهما ابن رشد إن تيقن نجاستهما فواضح وإن تيقن طهارتهما فظاهر. وإن شك فكذلك وقيل إن كان مس فرجه ولو انتبه أهل بيت أو خدم فاغترفوا من جرة أو نحوها بأيديهم لم يفسده. وكذلك لو جعل أصبعيه في الماء ليختبر حره من برده.
وذكر في الموطأ فانظره وهل ذكر الإناء مقصود فلا يدخل الحوض أولاً أما الجاري فلا إشكال فيه وأما غيره فانظره فإني لم أقف فيه على شيء.
وقوله (والمضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين) يعني من سنة الوضوء فهي معطوفة على غسل اليدين مساوية له في الحكم أما المضمضة والاستنشاق فمساويان في الخلاف إذا قيل سنتان وهو المشهور وقيل فضيلتان وأما مسح الأذنين فالمشهور ما ذكر من السنة. وفي التلقين واختلف في الأذنين هل هما منه حقيقة أو حكما فمن أوجب عدهما منه ومن لم يوجب عدهما زائدتين انتهى.
وأشار به للخلاف في قول مالك الأذنان من الرأس ويستأنف لهما الماء.
والمشهور أن مسح الأذنين ظاهراً وباطناً سنة وذهب الأبهري وابن مسلمة إلى أن مسحهما فرض انتهى. وقال باطنهما سنة وفي وجوب ظاهرهما قولان ابن الحاجب وظاهرهما ما يلي الرأس وقيل ما يواجه (خ) وكلامه يحتمل أن التجديد مع المسح سنة واحدة وإليه ذهب أكثر الشيوخ وجعل ابن رشد التجديد سنة مستقلة انتهى.
والذي في البيان الأذنان عند مالك من الرأس وإنما السنة في تجديد الماء لهما ورده عياض قائلاً إنما معناه من الرأس في أصل المسح لا في الوجوب وقال ابن حبيب من لم يجدد الماء كمن لم يمسحهما وفي المختصر التجديد مستح وفي التلقين المضمضة إيصال الماء إلى الفم وخضخضته ومجه فجعل الخضخضة والمج شرطين فيها وهو من جهة الكمال صحيح ومن جهة الأجزاء مختلف فيه فانظره والاستنشاق وهو جذب الماء بريح
الأنف إلى داخل الخيشوم ليخلل ما هنالك من الرطوبة ولم يذكر الشيخ الاستنثار إما لأنه تابع في الحكم أو في الفعل بحيث إنه مع الاستنشاق سنة واحدة وهو ظاهر كلام ابن الحاجب وابن عرفة إذ قالا: هذا جذب الماء بأنه ونثره بنفسه.
وعد ابن رشد وعياض وغيرهما الاستنثار سنة مستقلة وعدها اللخمي وجماعة من الاستنشاق فانظر ذلك ثم هو دفع الماء بريح الأنف إلا خارجه ليزيل ما هنالك من الرطوبة والله أعلم. وسيأتي حكم من تركها في جميع الصلاة إن شاء الله وصفتها قريباً وبالله التوفيق.
وقوله: (وباقيه فريضة) يعني وباقي أعضائه لا باقي أفعاله لأن أفعاله قد بقيت منها سنن وفضائل بخلاف أعضائه فإنها أربعة سنة. وأربعة فرض اختصارها أن يقول المفتوح سنة والمغلوق فرض ممسوحاً كان أو مغسولاً. وإنما لم يذكر باقي السنن لأنها توابع فهي معتبرة بالأعضاء الجارية فيها لا بالوضوء من حيث حقيقته إذ يقال مثلاً السنة في مسح الرأس رد اليدين فيه والبداءة بمقدم وفي مسح الأذنين تجديد الماء لهما وفي أفعال الوضوء ترتيبها إلى غير ذلك فتأمله.
تنبيه: ذكر الشيخ هنا غسل اليدين أولاً من سنة الوضوء وسكت عنه في باب جمل من الفرائض إما تنبيهاً على الخلاف في حكمه أو في كونه تعبداً أو لعلة أو لأنه مقدمة لا صلب وقد استشكل مع المشهور الذي هو كون النية إنما تجب عند غسل الوجه فانظر ذلك. وقد اكتفى الشيخ هنا بالفرائض المجمع عليها منها لاختصاصها بالوضوء وكذلك فعل في النوادر فلعله قصد به ما يشاركه في حكمه إذ النية فرض كل فرض يفتقر إلى التمييز عن غيره والماء الطاهر شرط كل طهارة مائية والموالاة شرط كل عبادة يتوقف أولها على آخرها فتأمل ذلك.
(فمن قام إلى وضوء من نوم أو غيره فقد قال بعض العلماء يبدأ فيسمى الله).
يعني بقوله (فمن قام) إن القيام المذكور في قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة إنما المراد به القصد لها لا القيام م نوم على ذلك نبه بقوله من نوم أو غيره ونبه صاحب الإرشاد في كتاب المستند شرح المعتمد على أن في الآية دليلاً لوجوب النية في الوضوء من قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) إذا جعل الوجوب مقروناً بقصد القيام للصلاة
فتأمله وقد حكى في المقدمات الاتفاق على وجوبها وقال ابن الحاجب فرائض الوضوء ست النية على الأصح ومقابل الأصح رواية عن مالك تقدم الوجوب حكاها المازري نصاً عنه في الوضوء قال ويتخرج الغسل عليه وفي التخريج نظر لأن التعبد في الغسل أقوى (ع) فرائض الوضوء النية. ابن رشد وابن حارث اتفاقا المازري على المشهور انتهى.
ابن الحاجب وهي القصد إليه إما بتخصيصه ببعض أحكامه كرفع الحارث أو استباحة شيء مما لا يستباح إلا به وإما بفرضيته (خ) وإن مع تبرد أو أخرج بعض المستباح أي على المشهور وثالثها يستبيح المنوي به فقط كان نوى حدثاً ناسياً غيره لا إن أخرجه فإنه لا يصح (خ) والمشهور أنها عند غسل الوجه. قال والظاهر هو القول الثاني يعني عند أوله لأنا إذا قلنا ينوي عند غسل الوجه يلزم أن يعرى غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق عن النية فإن قلنا ينوي له نية مفروضة يلزم أن يكون للوضوء نيتان ولا قائل بذلك وقاله ابن رشد انتهى.
فروع ثلاثة:
أولها: تقدم النية بكثير لا يصح معه الوضوء (خ) وفي تقدمها بيسير خلاف (س) الأشهر عدم التأثير ومقتضى الدليل خلافه (خ) وقال المازري الأصح في النظر عدم الإجزاء ابن بزيزة وهو المشهور عن ابن القاسم فيمن مر إلى حمام أو نهر بنية غسل فنسيها عند غسله الإجزاء وفعله كمن أمر أهله فوضعوا له ما يغسل به وقال سحنون يجزئ في النهر فقط وقيل لا يجزئ فيهما انتهى. وآخره نص الشامل.
الثاني: يلزم استصحابه النية حكماً لا ذكراً فعزو بها مغتفراً اتفاقاً.
الثالث: قال (ع) في إبطال رفضها الوضوء روايتان ابن القصار (خ) وذكر القرافي عن العبدي أنه قال المشهور في الحج والوضوء عدم الارتفاض انتهى. وبقيت فروع كثيرة فانظرها.
وقوله: (فقد قال بعض العلماء) - يعني ابن الحاجب - وقد يكون معه غيره كالأبهري إذ روى نحو قوله الأبهري عن مالك أنه يبدأ فيسمى الله أي يقول باسم الله أول وضوئه عند شروعه وفي شرح ابن الفاكهاني يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ونحوه للنووي من الشافعية ولم يذكر الشيخ حكم هذا القول عند قائله لكن المعزو لابن
حبيب الاستحباب.
وروي عن مالك الإباحة – أي التخيير – (خ) واستشكل بعضهم الإباحة في الإنكار لكونها راجحة الفعل وأجيب بأن مراد من أباح إنما هو اقتران هذا الذكر الخاص بأول هذه العبادة الخاصة لا حصول الذكر من حيث هو ذكر وروي عن مالك الإنكار وقال أهو يذبح وإليه أشار الشيخ بقوله ولم يره بعضهم يعني مالكاً من الأمر المعروف عند السلف وقال ابن زياد يكره (س) وظاهر الحديث الوجوب انتهى وهو مذهب أحمد وإسحاق ولعل إنكار مالك بدليل ذكر الذبح لكن لم أقف على من تأوله عليه فانظره (خ) وتشرع يعني التسمية في غسل وتيمم وأكل وشرب وزكاة وركوب دابة وسفينة ودخول وضوئه ولمنزل ومسجد ولبس وغلق باب وإطفاء مصباح ووطء وصعود خطيب منبراً وتغميض ميت ولحده انتهى.
(وكون الإناء على يمينه أمكن له في تناوله).
يعني فهو مستحب للتمكن لا لذاته فإذا كان غيره أمكن فلا استحباب وقال الشبيي في اختصار الشرح لابن الفاكهاني الأشهر الاستحباب ومقابله التخيير وفضائله موضع طاهر وقلة ماء بلا حد كالغسل وتيمن أعضاء وإناء إن فتح انتهى فشرط في استحبابه انفتاحه لأن غير المنفتح يصعب مع تيمنه التناول منه والله أعلم.
(ويبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً).
يعني بنية ومطلق مفترقتين على المشهور وقال ابن رشد اجتماعهما أشبه بالإتباع والثالث قول ابن القاسم وروى أشهب مرتين وقيل بلا حد وقد تقدم حكمهما إلا أن التثنية للقائم من النوم آكد لنص الحديث وفي قوله يبدأ أن هذا افتتاح وضوئه وقد يستروح منه أنه محل النية إذ جعله أول العبادة وقد مر ما في ذلك.
وقوله: (فإن كان قد بال أة تغوط غسل ذلك منه ثم يتوضأ) يعني أنه لا يشرع في الوضوء الذي بداءته غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء إلا بعد إزالة الأذى إن تعلق به. وإن كان ليس من الوضوء ليكون وقوعه على جسد طاهر ولا خلاف في مطلوبية ذلك وإنما الخلاف في وجوبه.
والمشهور عدم الوجوب لكن يعارضه هنا مس الفرج إذا أخر فلو احتمل عليه
استقام القول به والله أعلم وما ذكر هو قول أبي محمد صالح أراد الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليدين وقواه بقوله ثم يدخل يده في الإناء بعده فتأمله.
(ثم يدخل يده في الإناء فيأخذ الماء).
يعني إن أمكنه إدخال يده وإلا أفرغ فيه قدر حاجته للمضمضة من غير إسراف فيمضمض فاه بحيث يجعله فيه ثم يخضخضه ويمجه بقوة فإن فتح فاه فنزل الماء دون دفع ففي مجهل الجلاب قولان ولو لم يمجه رأساً وإن ابتلعه فقولان أيضاً وفي شرح العمدة لابن الفاكهاني قال النووي الجمهور على أن إدارة الماء في الفم لا يلزم.
فائدة: سمعت بعض شيوخنا يقول إذا قال أهل الخلاف الكبير الجمهور فإنما يعنون مالكاً والشافعي وأبا حنيفة فلعل هذا منه فانظر ذلك وقوله (ثلاثاً) يعني استحباباً لما يذكر إن شاء الله وقوله (من غرفة واحدة إن شاء أو ثلاث غرفات) يعني أنه مخير في ذلك وإن كان الأولى الثلاث لقوله والنهاية أحسن فأصل الحكم التخيير قالوا والغرفة بالضم اسم للفعل وبالفتح اسم للشيء الذي يغترف به والمراد به هنا الحفنة أي ما يؤخذ بالكف الواحدة وأطلقها في الغسل على ما يؤخذ باليدين فانظر موافق اللغة وبالله التوفيق.
وقوله (وإن استاك بأصبعه فحسن) يعني مع المضمضة برفق ليكون ذلك كالدلك وقد روي بأصبعه بالإفراد – يعني السبابة – وبالتثنية مع الإبهام وكل صحيح ثم هو باليمنى وقيل باليسرى ولينق في ذلك بقوة لأنه يزيل البلغم ويضيف الماء بما ينقلع منها وربما أجرى دماء وأثار رائحة كريهة ، وفي سماع أشهب استحباب غسلهما مما عسى أن يكون بها خلافاً لابن عبد الحكم.
فرع: فإن أدخلهما قبل غسلهما فقال مالك لا بأس به واستخفه ليسارة ما يكون عليها كذا ذكره الشبلي وغيره فانظره.
(ثم يستنشق بأنفه الماء).
يعني يجذبه بريحه لداخل الخيشوم كما تقدم ويستنثره أي يدفعه بريح أنفه لخارجه ليزيل ما هناك وقد ذكر هنا الاستنثار ولم يذكر حكمه وقوله (يجعل يده على أنفه كامتخاطه) يعني هذه صفته فلا يمتخط دون جعل يده على أنفه لنهيه عليه
السلام عن امتخاط كامتخاط الحمار (ع) والاستنشاق وهو جذب الماء بأنفه ونثره بنفسه ويده على أنفه ثلاثاً وكرهه مالك دونهما أي دون الثلاث وجعل اليد على الأنف والله أعلم.
قالوا وإنما يمسكه من أعلاه ثم يمره لآخره لأنه الذي ينظف ويشد أصابعه بالإخراج وكون ذلك باليسار هو أولى وقد اختلف فيه وقوله ثلاثاً يعني لتحصيل الفضيلة وهو هنا آكد للحديث وتقدمت كراهة مالك لما دونها لا سيما عند القيام من النوم ففي الصحيح «إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه» متفق عليه وفي رواية مع ذكر الوضوء.
(ويجزئه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق).
يعني معا بحيث يفعل لكل واحدة واحدة أو لواحدة أكثر من الأخرى أو اثنتين اثنتين وسواء الفعلات وهي المقصود هنا أو الغرفات وهو الذي يدل عليه كلامه بعد إذ قال وله جمع ذلك في غرفة واحدة يعني بحيث يفعلها منهما أما ستاً أو ثلاثاً أو غير ذلك. ويحتمل جمع المضمضة والاستنشاق سواء فعل ستاً أو غيرها والست بحيث يستنثر من الكف الذي يتضمضم منه حتى يفعل ستاً من ثلاث وهذا ظاهر الأحاديث وحملت عليه الرواية عن مالك وشهره غير واحد وقال ابن رشد هو أشبه بالاتباع بل جاء صريحاً في حديث علي – كرم الله وجهه -. ورواه أبو داود والنسائي والنهاية أحسن التي هي ست من ست لأنه تفرع النقص بالاحتياط والأخذ بأكمل الاحتمالين في الحديث (خ) وبالغ مطرف وفعلهما بست أفضل وجاز أو إحداهما بغرفة انتهى وسيأتي.
الثالث: أكثر ما يفعل في المغسولات وأنه يجزئ أقل منها فلا أدري ما وجه تخصيصه فانظر ذلك.
(ثم يأخذ الماء إن شاء بيديه جميعاً وإن شاء بيده اليمنى فيجعله في يديه جميعاً).
يعني هو مخير في ذلك وظاهر من غير ترجيح لأحد الفعلين وقال ابن حبيب وعبد الوهاب وعن مالك بهما أولى وقد يستروح من تقديمه هنا. وقال ابن القاسم بواحد أولى لأنه عون على التقليل وأقرب للتحصيل وأيسر في التوصيل فيضيفها إلى
الآخر ثم ينقله إلى وجه لا أنه ينقل وجهه إليه ولا ينفض يديه قبل وصوله إلى وجهه ولا ينصب لمطر ولا ميزاب ولا غيره لأنها كلها خارجة عن المأمور به أما نفض يديه فإنه يبرق وجهه ويمسحه فقط فلا يصح وضوؤه باتفاق وأما عدم نقل الماء فسيأتي إن شاء الله قريباً.
وقوله (فيفرغه عليه) يعني لا يرشه رشاً ولا يلطمه لطماً ولا يكب وجهه في يديه كباً لأن ذلك كله جهل بل يفرغه تفريغاً حالة كونه في ذلك غاسلاً له بيديه يعني أنه يدلكه بهما مع الماء أو أثره متصلاً به دلكاً وسطاً إذ لا يلزم إزالة الوسخ الخفي بل ما ظهر وحال بين مباشرة الماء للعضو وسيأتي حكم الدلك في الغسل وإن المشهور وجوبه والله أعلم.
وقوله (من أعلى جبهته وحد منابت شعر رأسه) – يعني وذلك من أعلاه – والجبهة معلومة وهي ما ارتفع عن الحاجبين إلى مبدأ الرأس المعتاد ابن العربي ويجب أن يأخذ منه بغسله جزء لأنه لا يتوصل إلى استيفاء الوجه إلا به. وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب وآخر اللحية لمن له لحية معتاد اتفاقاً. وكذا لو طالت على المشهور (خ) والذقن مجتمع اللحيين ابن الحاجب والواجب منبت الشعر المعتاد إلى منتهى الذقن فيدخل موضع الغمم ولا يدخل موضع الصلع انتهى.
ولا خلاف في عدم دخول ما تحت الذقن في الخطاب لأنه ليس بوجه وقد رأيت شيخ المالكية نور الدين السنهوري وهو من العلماء العاملين يغسله فلا أدري لورع أو غيره.
وقوله (ودور وجهه كله) يعني يميناً وشمالاً من أعلاه وأسفله وذلك يقتضي أنه من الأذن إلى الأذن. وروى ابن وهب في المجموعة من العذار إلى العذار وحكى عبد الوهاب عن بعض المتأخرين في حق نقي الحد كالأول وفي الملتحي كالثاني وانفرد عبد الوهاب بأن ما بينهما سنة (خ) واستضعف قول القاضي لأنه إذا كان من الوجه وجب وإلا سقط ولا يثبت كونه سنة إلا بدليل ولم يثبت انتهى وقوله من حد عظمي لحييه الحد الذي تحت الأذنين من نواحيها والصدغين تثنيه صدع قال في الغريب هو ما يلي مؤخر العين ويقال بضم الدال قال وقال ثابت هما ما انحدر من الرأس إلى مركب اللحيين وبين
الصدغ والجبهة الجبينان فهما يكتفان الجبهة كذا قال في الغريب والله أعلم.
(ويمر يده على ما غار من ظاهر أجفانه وأسارير جبهته).
يعني التكاسير التي تكون فيها وما تحت مارنه من ظاهر أنفه وهي الوترة فاصل ثقبي الأنف قال في الغريب قال ثابت في خلق الإنسان المارن هو الذي إذا عطفته تثنى وفي الأرنبة وهو طرف الأنف (ع) ويجب غسل ما تحت مارنه وظاهر شفتيه وأسارير جبهته وغائر جفنيه لا ما غار جداً من جرع أو خلقة انتهى.
وذكر بعضهم أن ذلك محدود برؤية قعره عند المواجهة وعدمها. وذكر في التلقين العنفقة وهو الشعر المجتمع تحت وسط الشفة السفلى متصلاً بها فيخلله إن خف كما سيأتي في حكم تخليل اللحية.
تنبيه:
للعاملة في الوضوء أمور منها صب الماء دون الجبهة وهو مبطل ونفض اليد قبل إيصال الماء إليه وهو كذلك ولطم الوجه بالماء لطماً وهو جهل لا يضر والتكبير عند ذلك وأنكره النووي وقال لم يقل به إلا بعض أصحابنا ورد عليه قال والأذكار المرتبة عند الأعضاء لا أصل لها. وأنكر ابن العربي أن يكون في الوضوء ذكر خاص غير التسمية أوله والتشهد آخره نعم ورد في الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه أنه – عليه السلام – قال على وضوئه «اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي داري وبارك لي في رزقي» فسأله عن ذلك فقال: وهل تذكر من خير فترجم النسائي لذلك باب ما يقول بعد الوضوء وابن السني ما يقال بين ظهراني وضوئه وذكرهما النووي في حلية الأبرار فانظره وبالله التوفيق.
وقوله (يغسل وجهه هكذا ثلاثاً) يعني على الصفة المذكورة من الابتداء والانتهاء وتتبع المغابن والدلك وتفريغ الماء من أعلاه وغير ذلك يفعل ذلك ثلاثاً استحباباً ولو اقتصر على ما دونه أجزأه كما سيأتي إلا أن أمرها في هذا آكد لغيبة هذا العضو على العيان مع كثرة مغابنه ولهذا لم يخير فيه الشيخ كما قال في اليدين.
وقوله: (ينقل الماء إليه) يعني على الوجه المتقدم من أنه يأخذ ماء بيده أو بيديه جميعاً ثم يفرغه عليه واختلف في النقل فقال أصبغ واجب وقال ابن القاسم مستحب
فقط ابن الحاجب الثانية يعني من الفرائض غسل جميع الوجه (ينقل الماء إليه) مع الدلك على المشهور وقوله على المشهور عائد على الدلك فقط.
ومقابله لابن عبد الحكم أو على الدلك والنقل وفي الآخر نظر لأن النقل غير مشترك خلافاً لأصبغ وغيره (س) وقوله (ينقل الماء إليه) لا يعني ما يعطيه ظاهر اللفظ من رفع الماء بيده أو يد من يستنيبه إليه بل حصوله على سطح الوجه كيفما اتفق حتى لو لاقى وجهه إلى ميزاب أو مطر وابل واتبعه الدلك لكفاه قال وكذلك المنقول في هذه الصورة (ع) وفي شرط نقل الغاسل لمغسوله وقولان لابن حبيب مع ابن رشد على دليل قول سحنون وابن الماجشون وابن القاسم معها لقولها في خائض النهر ثم قال بعد كلام فقول ابن عبد السلام معنى النقل وصول الماء للعضو من ميزاب لا نقله بفعل الغاسل أو نائبه كما ظنه بعضهم فغلط وقصور انتهى.
والمنصوص في النسخ أنه لا بد من نقله فلا يصح بنصبه لميزاب ونحوه ذكره ابن عبد السلام وأن الغلط إنما وقع لبعض المتأخرين في اشتراط النقل منه فانظر ذلك وقال بعض المتأخرين نقل الماء للمنغمس غير واجب ولمن أخذه ونفضه من يده ثم مر بها على العضو واجب وفي غيرهما خلاف فتأمل ذلك وبالله التوفيق.
وقوله (ويحرك لحيته في غسله وجهه بكفيه) يعني سواء كانت خفيفة أو كثيفة قلنا بوجوب تخليلها أو لم نقل به وما ذلك إلا ليداخلها الماء بتحريكها إياها فيصل الماء إلى وجوه الشعر وأصوله بالتحريك وإنما احتاج للتحريك لدفع الشعر لما يلاقيه من الماء بجساوة وملوسة.
وقوله (وليس عليه تخليلها في الوضوء في قول مالك) يعني وله ذلك لأنه مكروه عنده في إحدى الروايتين واجب في الأخرى (ع) وفي كراهة تخليل اللحية واستحبابه ووجوبه ثلاثة أقوال لسماع ابن القاسم معها وابن حبيب وابن عبد الحكم مع روايتي ابن نافع. وابن وهب الباجي إن لم يستر البشرة وجب إيصال الماء لها وإلا فلا التلقين خفيف شعر الوجه إيصال الماء لبشرته بخلاف كثيفه ابن بشير وقيل يجب (س) هو الأظهر عندي بالقياس على المشهور في الغسل (خ) وهذا القول قاله محمد بن عبد الحكم قال في البيان هو قول مالك في رواية ابن وهب وابن نافع.
وحكى في التلقين أن الخفيف ما تظهر البشرة تحته والكثيف ما لا تظهر وحكى عن البيان أن قول ابن حبيب بالاستحباب هو أظهر الأقوال ملفقاً مختصر الأخير.
وحكى بعض المتأخرين في تخليل العنفقة قولين ثم أحال على نظر القرافي وذكر ابن الحاجب الهدب وفيه مشقة فانظر فيه.
فرع:
ذكر البرزلي في نوازله عن السيوري أن ما تعلق بأشفار العين من القذى يزال ما لم يشق البزلي فإن صلى به وكان يسيراً كخيط العجين والمرود فقولان المشهور الإعادة قال وأحفظ لابن دينار يغتفر انتهى باختصار وتخصيص الشيخ عدم التخليل في الوضوء دليل على أن حكم الغسل خلافه وسيأتي إن شاء الله.
وقوله (ويجري عليها بيديه إلى آخرها) يعني ولو طالت حتى خرجت عن المعتاد ابن الحاجب ويجب غسل ما طال من اللحية على الأظهر كمسح الرأس (خ) أي الأظهر الوجوب قال في البيان وهو الأشهر المعلوم (خ) التشبيه في هذه المسألة مركب لأنه في الوجوب في المسألتين وفي الخلاف وفي الظهور (ع) وفي وجوب ما طال منها عن الذقن قول ابن رشد عن معلوم المذهب وسماع موسى ورواية ابن القاسم. وقال الأبهري انتهى.
وقد أجري الخلاف فيها على شجرة أصلها في الحرم أو في الحل وفروعها في مقابله هل يحل صيدها أم لا فانظر ذلك. والحاصل أن ظاهر اللحية واجب وإن طالت على المشهور.
(ثم يغسل يده اليمنى).
يعني يبدأ بها لاستحباب البداءة بالميامن قبل المياسر لا لأنه من باب الترتيب إذ لا ترتيب بين متماثلين قاله ابن العربي وغيره وخرج أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه السلام: «إذا توضأتم فابدءوها بميامنكم» وصححه ابن خزيمة وقوله ثلاثاً أو اثنتين استحباباً فقد صح أنه عليه السلام غسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين. وإنما كان ذلك لأن اليد شكل مسطح ظاهر للعيان قليل المغابن فيكفي فيه ما لا يكفي في الوجه.
وسيأتي حكم الثلاث والاثنين والواحدة إن شاء الله.
وقوله (يفيض عليها الماء) يعني على جهة الندب لا على جهة الوجوب للخلاف المتقدم في النقل والنقل أولى بكل حال لأنه أتم وأبعد من الخلاف وبعركها بيده اليسرى لأن ذلك لا يمكن إلا بها بخلاف الإفاضة فإنها تمكن بها والعرك هو الدلك ومنه قولهم (لأعركنه) عرك الأديم أي لأدلكنه دلك الجلد كذا قال في الغريب وقد يفهم أن العرك دلك بقوة فانظره وينبغي أن يكون ذلك متصلاً بالإفاضة في كل مغسول لأنه أبرأ من الخلاف وإن كان المشهور جواز التعقيب مع الاتصال وسيأتي في الغسل إن شاء الله وقال في الرجلين قليلاً قليلاً ولم يقل ذلك هنا مع أن المطلوب في الكل التقليل لأن الرجلين مظنة الإسراف بخلاف غيرهما والله أعلم.
ويخلل أصابع يديه بعضها ببعض بحيث يدخل أصابع اليسرى في خلال اليمنى من ظاهرها لا من باطنها واليمنى في خلال اليسرى كذلك عند غسل كل واحد ولا يدخلها من باطنها لأنه تشبيك والتشبيك منهي عنه ولا يتوصل به لمقصود دلك ما بين الأصابع مستوفياً ويحتمل أمر الشيخ بالتخليل الوجوب والندب وهما قولان (ع) وتخليل أصابعهما أوجبه ابن حبيب واستحبه ابن شعبان انتهى (خ) والمشهور الوجوب قال وقال في الذخيرة ظاهر المذهب عدم الوجوب.
فرع:
ينزع ما عدا الخاتم من خيط وكشتوان وغيره. واختلف في الخاتم فقال ابن عبد الحكم بنزعه (س) وقول ابن عبد الحكم ينزعه خلاف قول مالك وأصحابه ابن بشير قول ابن عبد الحكم يحتمل الوجوب انتهى ابن الحاجب وفي إجالة الخاتم ثالثها يجب في الضيق. (س) والقول بإجالته لابن شعبان. وبعدمها لمالك والثالث لابن حبيب انتهى والمشهور عدم النزع وعدم الإجالة وفي مختصره لا إجالة خاتمه ونقض غيره انتهى.
ويروى آخره بالضاد المعجمة والمهملة فانظره.
(ثم يغسل اليسرى كذلك).
يعني سواء بسواء في التخليل والدلك والإفاضة وحكم الخاتم وغيره وقد ذكر بعضهم التحفظ على البراجم والرواجب وهي عقود الأنامل من محل اشتراطها ورءوس الأصابع قائلاً يجمعهم ثم يحكمهما بكفه وباطن الكف وما يكون تحت رءوس الأظفار
من الوسخ المانع إذا طالت وما عسى أن يكون على اليدين من عجين أو شمع أو زفت أو شعر دابغ أو غيره فيزيل ما تمكن إزالته ويبالغ في الدلك ونحوه لغيره حتى يباشر الماء جلده بقدر إمكانه والله أعلم.
وقوله (يبلغ فيهما بالغسل إلى المرفقين) يعني لأنه نص القرآن وفي ذلك البداءة بأعاليها وهي السنة في غسل ما له أول وآخر من الأعضاء ابن شعبان السنة في غسل الأعضاء أن يبدأ من أولها فإن بدأ من أسفلها أجزأه وبئس ما صنع ويغسل بقية المعصم إن قطع كف بمنكب ولا يغسل محل القطع إن قطع من مفصله دون بقية قاله في التلقين.
وقوله (يدخلهما في غسله) يعني يدخل المرفقين في غسل ذراعيه وجوباً على المشهور لأن الغاية داخلة في المغيا وإلى بمعنى مع وهذا قول ابن القاسم وقيل إنما يدخلهما لأن الواجب لا يستوفى إلا بدلكه وقد قيل إليهما حد الغسل الواجب وأن الغاية لا يدخل في المغيا فليس بواجب إدخالهما فيه لا بالأصالة ولا بالاستيفاء إذ يمكن دونهما وهو بعيد وإدخالهما أحوط حكما وأوفى في فعلا وأقرب في التحصيل وأشبه بيسر الدين لزوال تكلف التحديد ومشقته ثم وإدخالهما إلى آخره يحتمل أن يكون من تمام القول بالسقوط وهو الظاهر ويحتمل أن يكون قولاً رابعاً ثم مع ذلك فيمكن أن يكون متقدماً لغير الشيخ ومن اختياره والمنقول ثلاثة وجوبه لذاته ولغيره وثالثها التحديد قالوا ولا تدخل هذه الرواية لمالك عبد الوهاب ما علل به أبو محمد من الاحتياط وزوال التكلف علل به بعض أصحابنا وعليه آخرون فانظر ذلك.
(ثم يأخذ الماء بيده اليمنى فيفرغه على باطن يده اليسرى).
يعني ويرميه حتى لا يبقى فيهما إلا البلل وإن شاء غمسهما في الماء ثم يرفعهما لكن اختيار ابن القاسم الأول واختار مالك الأخير استحباباً فيهما والمنصوص أنه لا يكفي أن يلاقي راسه لمطر ثم يمسحه بيده لأن الممسوح اليد والتقدير وامسحوا برءوسكم أيديكم ولا يكفي ما تعلق بيديه من بلل غسلهما بل لا بد من ماء جديد (ع) وفيها لمالك إن مسح رأسه ببلل لحيته لم يجزه العتبي عن ابن القاسم ويعيد أبداً قال ومقتضى قول المازري الاتفاق على مسحه ببلل لحيته ابتداء وإنما الخلاف بعد الوقوع
يرد بنقل الشيخ عن ابن الماجشون ما نصه إن بعد عن الماء فلم يمسح به انتهى وفي البيان لا تجزئ ببلل لحيته لأنه لا يكفيه لقول ابن القاسم وليس هذا بمسح وقد اختلفت إذا عظمت.
وكان فيما تعلق بها من الماء كفاية للمسح فأجازه ابن الماجشون ومنع مالك من ذلك في المدونة وقوله (ثم يمسح بهما رأسه) يعني كله مباشرة ابن الحاجب ومبدؤه مبدأ الوجه وآخره ما تحوزه الجمجمة (خ) والأحسن لو قال آخره منتهى الجمجمة لأن مقتضى قوله ما تحوزه الجمجمة جوزة الرأس وليس كذلك بل هي من الرأس (ع) الشيخ في نوادره وعظما الصدغين منه الباجي هو ما فوق العظم لحلقة المحرم وما دونه من العذار اللخمي بياض ما فوق الأذن منه انتهى. ابن الحاجب وقيل آخره منبت شعر القفا المعتاد قلت وهو الذي في التلقين.
فروع ثلاثة:
أولها: غسل رأسه بدلا من مسحه فثالثها يكره (ع) وإجزاء غسله لابن شعبان ابن سابق أباه غيره وكرهه آخرون (خ) قال ابن عطاء الله أشهر الثلاثة الإجزاء لأن الغسل مسح وزيادة ابن الحاجب ويجزئ الغسل اتفاقا (ع) إن أراد باعتبار رفع حدث الجنابة فحق إذ هو المعنى وإن أراد باعتبار حصول أفضل تقديم فلا لرواية علي وابن القاسم منع تأخير غسل الرجلين انتهى فتأمله.
الثاني: لو اقتصر على بعض رأسه في المسح فالمنصوص لمالك عدم الإجزاء ابن مسلمة يجزئ الثلثان أبو الفرج الثلث وقال أشهب الناصية وروي أيضاً عن أشهب الإطلاق وقال إن لم يعمم رأسه أجزأه ولم يقدر ما لا يضره تركه (خ) اللخمي لا خلاف أنه مأمور بالجميع ابتداء وإنما الخلاف إذا اقتصر على بعضه وقاله (س) وقال كان بعض أشياخه يحكي عن بعض أشياخه الأندلسيين أن الخلاف ابتداء في المذهب ولم أره وأثبته (ع) من ظاهر قول المازري وابن رشد وابن حارث فانظره.
الثالث: المسح من فوق حائل يذكر بعد إن شاء الله تعالى وقد اختلف فيمن حلق رأسه بعد مسح (ع) وله حلقه ففي إعادة مسحه ثالثها يبتدئ الوضوء اللخمي مع نقله عن عبد العزيز والمذهب فيه تقليم الأظفار وعياض عن عبد العزيز مع نقل الصقلي
انتفض وضوءه كنزع الخف (خ) في مختصره ولا يعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه وفي لحيته قولان انتهى.
وعن (ع) القولان لابن القصار وابن الطلاع فانظره وقوله (يبدأ من مقدمه) يعني استحباباً على المشهور وحكى ابن رشد في ذلك قولين بالسنية وقيل يبدأ من مؤخره وقيل من وسطه ذاهباً إلى وجهه ثم إلى قفاه وقوله (من أول منابت شعر رأسه) يعني المعتاد ويأخذ طرفا من وجهه لأنه مما لا يتوصل للواجب إلا به قاله ابن العربي فلا يعتبر شعر أغم ولا أصلع ولا غيرهما كما تقدم في الوجه فإذا ابتدأ من هنالك أقبل على المسح وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه وجعل إبهاميه في صدغيه يمر بهما ماسحا يتبع راحتاه إبهاميه ويكون رأسه كله قد صار تحت كفيه والأصابع على وسطه ويمر بهما على يمين ذلك وشماله ولا يزال كذلك ماسحا حتى يصل إلى شعر طرف رأسه مما يلي قفاه سواء قلنا إن الوجه ينتهي بذلك أولا لأنه أحوط المطلوب هنا ذكر صفته الكمالية ثم يردهما إلى حيث بدأ من غر تجديد ماء على الوجه الذي تقدم.
ويأخذ إبهاميه خلف أذنيه كما فعل في ذهابه ينتهي إلى صدغيه الذين هما المبتدأ من جانبيه فيرد من مؤخره إلى مقدمه ولو بدأ من مؤخره ردهما إليه كذلك نقله اللخمي وصاحب تهذيب الطالب عن ابن القصار وأن السنة في الرد الرجوع إلى مبدأ المسح أي موضع كان فلذلك قال (ع) ورد اليدين من منتهى المسح لمبدئه انتهى وقد يستشعر من قول الشيخ إلى المكان الذي بدأ منه والله أعلم.
(وكيفما مسح أجزأه إذا أوعب رأسه).
يعني إذا استوفاه لأن الواجب ألا يعاب والكيفية مستحبة وقد قيد بعضهم كلام الشيخ بها فقال وكيفما مسح أجزأه إذا وافق صفة مروية وهو بعيد وقدم الكلام فيمن اقتصر على بعض رأسه في المسح وقال المازري لا خلاف أن الكمال في الإكمال وإنما الخلاف في الإجزاء.
فرعان:
أحدهما: إذا ذهب الماء من يده قبل استيفاء المسح قال اللخمي اختلف في الإجزاء على قولين وعز الإجزاء للقاضي إسماعيل والله أعلم.
الثاني: قال ابن القاسم لا بأس أن يمسح بأصبع واحدة قال بعض الشيوخ واختلف هل يستأنف يعني كلما يبست أم لا وقوله (والأول أحسن) يعني الكيفية المذكورة وهذا على المشهور وقال ابن الحاجب الاختيار أن يبدأ من المقدم فليلصق به أصابعه ويرفع راحتيه عن فوديه ثم يمر بهما إلى قفاه كذلك ثم يرفع أصابعه ويلصق راحتيه بفوديه ثم يردهما إلى مقدمه وهذا مما انفرد به وقال اخترتها لئلا يتكرر المسح (ع) ورده ابن القصار بأن التكرار المكروه بماء جديد انتهى ونظر فيه بعضهم ويحكى أن ابن الجلاب رجع عن الصفة المذكورة والله أعلم بالواقع من ذلك ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما مبلولتين ومسح بهما رأسه أجزأه دون كراهة وفاته المستحب عند ابن القاسم لا عند مالك ومثله في الإجزاء لو نصب كفيه للمطر ثم مسح بهما إلا أن نصب رأسه فإنه لا يجزئه كما تقدم.
(ثم يفرغ الماء على سبابتيه).
يعني من اليمنى واليسرى وكيفية ذلك أن يجمع الإبهام للسبابة ثم يصب اليسرى على اليمنى ويفعل من ذلك لليسرى ويصب عليهما ما اجتمع في كفه اليمنى ولا يقال إن ذلك مستعمل إذ لم تؤد به عبادة وإنما سميت سبابة لأنها التي يشار بها عند السب ويقال لها السباحة لأنها تسبح في الأشياء والسبحة أيضاً هي التي بين الإبهام والوسطى ويليها من الجانب الآخر البنصر ثم الخنصر والله أعلم.
وقوله (وإن شاء غمس ذلك في الماء) أي غمس السبابة والإبهام ولا يكون ذلك استعمالاً وقد يؤخذ من كلامه أن الصب أولى من الغمس لتقديمه عليه والله أعلم. ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بأن يدخل السبابة في الصماخ ويجعل الإبهام من خارج ثم يديرهما كذلك. روى عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل ظاهرهما مما يلي الرأس أو ما يواجه قولان (خ) حكاهما ابن سابق عن المتأخرين.
فرع:
قال ابن حبيب يكره تتبع غضونهما لأن مقصد الشارع بالمسح التخفيف والتتبع ينافيه والاقتصار على إحدى الجهتين من الظاهر والباطن يجرئ على الخلاف المتقدم فيهما وقوله وتمسح المرأة كما ذكرنا يعني في الرأس والأذنين حكما أو صفة أو مقدار
ذاهبا وراجعا لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما يخص من أحكامهن والله أعلم. وتمسح على دلاليها أي على ما استرخى من شعرها وكذلك الرجل إن كان له شعر وقد تقدم الخلاف فيما طال منه مع ما طال من اللحية ولا تمسح على الوقاية ولا ما في معناها من عمامة وخمار وحناء ونحوها لأن الكل حائل وفي مجهول الجلاب يمسح الملبد في الحج ولا شيء عليه بعض الشيوخ واختلف إذا نفضت الحناء ولم تغسل.
فائدة:
ذكر الشيخ أبو العباس بن عمران البجائي عند قول ابن الحاجب ولا تمسح على حناء ولا غيره نظائر قال إثرها فهذا يدل على أن إضافة الماء بعد بلوغه للعضو لا تضر ثم قال وما زال السلف يدهنون ويتمندلون بأقدامهم ومعلوم أن الماء ينضاف بملاقاته للعضو وبما عليه انتهى وكان شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله يقول إني لأفتي للناس بالمسح على الحناء لأنا إذا منعناهم منه تركوا الصلاة رأساً وإذا دار الأمر بين ترك الصلاة وبين فعلها على الخلاف فارتكاب الخلاف أولى فانظر ذلك.
وقوله (وتدخل يديها من تحت عقاص شعر رأسها في رجوع يديها في المسح)
يعني تمسح ما غاب عنها وما وإلي ذلك من دلاليها وكذلك الرجل إن كان له الشعر (خ) في مختصره ولا ينض ضفره رجل أو امرأة ويدخلان يديهما تحته في رد المسح وحكي في التوضيح أن البلنسي ذكر الخلاف في ضفر الرجل قال بعض شيوخنا وعلى المنع فلا بد من نقضه وسيأتي في الغسل إن شاء الله وهل إدخال اليد من تحت العقاص منويا بالوجه لتمام المسح أو بالرد لم أقف على شيء بعد ذلك وهو مشكل فانظره.
(ثم يغسل رجليه .... إلخ).
يعني يأخذ في غسلهما وفي كلامه أنه يترتب على الوجه المذكور في ذلك تفصيل فأما ترتيب المفروض مع مثله فالأشهر سنة واقتصر عليه ابن يونس وابن الحاجب وقال يعني مالكاً ما أدري ما وجوبه وروى علي بن زياد وجوبه وقال ابن حبيب واجب مع الذكر والقدرة ساقط مع العجز والنسيان (س) وفيه قول بالاستحباب وأنا أميل فيه إلى الوجوب لحجج مذكورة في المطولات انتهى وأما ترتيب المسنون مع مثله أو مع المفروض فالمشهور مستحب (ع) ابن رشد وترتيب المسنون مع المفروض مستحب لقوله
في الموطأ من غسل وجهه قبل مضمضته لم يعد غسله ابن حبيب سنة أخف من مفروض مع مفروض قال مرة من نكس عمداً يعيد وضوءه ومرة لا يعيد إن فارق وضوءه وسهوا لا شيء عليه فصل يريد إن فارق وإلا أعاد المقدم وما بعده وأصله في ذكر سنة منه بحضرته.
ابن رشد يحتمل كونه خلاف أصله كالموطأ انتهى فأما الموالاة ومنهم من يعبر عنها بالفور فاختلف فيها أيضاً وشهر في المقدمات القول بالسنية وغيره فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان عليه تجري فروعه. وسيأتي الكلام عليهما مستوفى في جامع الصلاة إن شاء الله.
وقوله (يصب الماء بيده اليمنى على رجله اليمنى) يعني أنه يتناول بيده اليمنى ويفتتح غسل رجله اليمنى قبل اليسرى لأن البداءة بالميامن مستحبة. ويعركها بيده اليسرى مع الصب ولو استعان بيده اليمنى في العرك لم يضره ذلك ويكرر العرك والصب قليلاً قليلاً إن كانت الرجل سليمة من الجساوة والشقوق وإلا عركها بقوة كما سيأتي ورد بعضهم قليلاً قليلاً ليصب الماء لا للعرك لقوله فليبالغ بالعرك والله أعلم.
وقوله (يوعبها بذلك ثلاثاً) يعني استحباباً وظاهره أنه لا يزيد على ذلك كسائر الأعضاء وحكى ابن رشد عن بعض المشايخ أن المشهور في الرجلين عدم التحديد (خ) وكذا قال سند وقال في مختصره وهل الرجلان كذلك والمطلوب الإنقاء وهل تكره الرابعة أو تمنع خلاف يعني قولان مشهوران وكذلك صرح بهما غيره الشيخ ناصر الدين وقال أشهب الفرض غسلهما مرتين لا بد منهما والصحيح وجوب المرة الواحدة يعني من غير زائد عليها كسائر الأعضاء والله أعلم.
وقوله (وإن شاء خلل أصابعه في ذلك) يعني إن شاء خلل أصابع رجليه بأن يدخل أصابع يديه في خلل أصابعهما مع الماء قالوا والمستحب في ذلك أن يخللهما من أسفلهما وكذلك ورد في حديث. رواه الترمذي ويعبرونه بالنحر وتخليل اليدين بالذبح ويبدأ من خنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى فيبدأ باليسرى بإبهامها ويختم اليمنى به والله أعلم.
وقوله (وإن ترك فلا حرج) يعني وإن ترك التخليل فلا إثم ولا ضيق لأنه ليس
بواجب على المشهور. وروي الوجوب والندب والإنكار (ع) وظاهر إجزائها ذلك حائض النهر برجليه إحداهما بالأخرى سقوطه الأعم من الإنكار والإباحة انتهى وهو ظاهر التخيير الذي ذكر الشيخ هنا والله أعلم.
وقوله (والتخليل أطيب للنفس) يعني لأنه أبرأ من اللاخف وأبلغ من الفعل وأتم في التحصيل وكأنه رجع الندب وهو المشهور (خ) والقول في الندب لابن شعبان وبالإنكار رواه أشهب عن مالك ورجع اللخمي وابن بزيزة وابن عبد السلام الوجوب للحديث انتهى.
وذكره (ع) عن مالك فقال ابن حارث عن ابن وهب رجع مالك عن إنكاره إلى وجوبه لما أخبرته بحديث ابن لهيعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخللهما في وضوئه انتهى.
(ويعرك عقبيه).
يعني مؤخر القدمين مما يلي الساق قال في الغريب قال ثابت العقب ما يفصل من مؤخر القدم عن الساق وعرقوبيه يعني العصبتين اللتين وصلتا بين الساقين والعقبين من ظاهرهما وما لا يكاد يداخله الماء بسرعة لصلابته واختلف في أجزائه من جساوة أي غلظ جلد وتشنج نشأ عن قشف أو شقوق أي التفايم التي تكون من البلغم وغيره.
وكذلك التكاميش التي تكون من استرخاء الجلد في أهل الأجساد الغليظة وما يكون في الكعبين من كثرة الجلوس وهذا كله مع الإمكان بلا مشقة فادحة إذ لا حرج في الدين فليبالغ بالعرك لرجليه وخصوصاً في المواضع المذكورة ويكون ذلك مع صب الماء أي مقروناً به لأنه أيسر وأنقى وأقرب للبر والتقوى فإنه جاء الأثر أي الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم وأنه عليه السلام قال: «ويل للأعقاب من النار» وفي رواية لغير الصحيحين «ويل للعراقيب من النار» ثم اختلف العلماء في محله فقيل الوعيد واقع على الأعقاب أنفسها لأن التعذيب إنما يكون للعضو الذي وقع به العصيان وقيل هو على حذف مضاف فالتقدير «ويل لأصحاب العراقيب» لقوله تعالى: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ الَتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] فانظره والويل كلمة تقال لمن وقع في الهلكة أو
لمن استحق العذاب كالويح للترحم والويس للخيفة وقيل غير ذلك.
وفي تسمية الحديث أثراً نظراً لكونه مخالفاً لاصطلاح المحدثين وقوله (وعقب الشيء طرفه وآخره) يعني وهو آخر فالطرف والآخر بمعنى واحد ومنه عقب الإنسان لولده ثم يفعل باليسرى مثل ذلك من الصب والعرك والتقليل والمبالغة في التوصيل وغيره ولم يذكر الشيخ أن منتهى الغسل إلى الكعبين كما في نص القرآن ولا تكلم عن دخولهما وخروجهما كما فعل في المرفقين اكتفاء بذلك لأن ما هنا هو الذي هناك تحديداً أو احتياطاً وغير ذلك تتبع قال اللخمي الكتفان كالمرفقين وفي التلقين على أقطعهما غسل ما بقي له منهما بخلاف المرفقين (ع) وفي كونهما الناشزتين في الساقين والنكائين عند معقد الشراك قولان لها ولعياض عن رواية ابن ناصر مع اللخمي من رواية ابن القاسم (خ) والمعروف عند الفقهاء وأهل اللغة الأول وأنكر الأصمعي الثاني.
تنبيه:
ظاهر كلام الذين يحكوم الخلاف في الكعبين كابن بشير وابن شاس وابن الجلاب أن الخلاف في ذلك خلاف في منتهى الغسل وأن في المذهب من يقول إن الغسل ينتهي إلى الكعب الذي في وجه الرجل عند معقد الشراك قال ابن فرحون وهذا لم يقل به أحد في المذهب ولا خارجه ونقل ابن الفرس أن الكعبين اللذين إليهما حد الوضوء الناتئيين في الساقين بالإجماع قال والزناتي أيضاً نقل اتفاق العلماء على أنهما اللذان في جانبي الساقين قال ابن فرحون فعلى هذا لا فائدة في ذكر القول الثاني لأنه على تقدير ثبوته خلاف راجع إلى لغة وكذا قاله الزناتي انتهى فتأمله فإنه حسن والله أعلم.
(وليس تحديد غسل أعضائه ثلاثاً بأمر لا يجزئ دونه ولكنه أكثر ما يفعل).
يعني بحيث أن الزيادة مكروهة أو ممنوعة والنقص منه بخس فضيلة فقط لأن الثانية والثالثة فضيلة وقيل كلاهما سنة وقيل الثانية سنة والثالثة فضيلة وعن أشهب الثانية فريضة ابن الحاجب وتكره الزيادة يعني على الثلاث (خ) ونحوه في المقدمات وقال عبد الوهاب واللخمي والمازري بل تمتنع ونقل سند عن المنع اتفاق المذهب (ع) والرابعة ممنوعة ابن بشير إجماعاً.
فرع:
وهذا الخلاف مع التحقق في العدد وأما مع الشك فيه فهل يبنى على أقل العدد كالشك في الركعات أو على أكثره خوفاً من الوقوع في المحظور قولان نقلهما المازري عن الأشياخ (خ) في مختصره وإن شك في ثالثة في كراهتها قولان قال شكه في يوم عرفة هل هو العيد انتهى وفي قوله غسل إخراج للمسح لأن تكراره مكروه.
(ومن كان يوعب بأقل من ذلك أجزأه).
يعني وسواء اثنتين أو واحدة وسواء الرجلان أو غيرهما وهذا هو المشهور الشيخ ناصر الدين أجمعت الأمة أن الواحدة المسبغة فرض قال بعد ذكر الخلاف في الزيادة عليها في الرجلين والصحيح وجوب المرة الواحدة قال اللخمي وأجاز مالك في المدونة أن يتوضأ مرة إذا أسبغ وقال أيضاً لا أحب مرة إلا من العالم وقال في سماع أشهب الوضوء مرتين مرتين وثلاثا ثلاثا قيل له فالواحدة قال لا وقال في المختصر لا أحب أن ينقص من اثنتين إذا عمتا وقال ابن رشد الاقتصار على الواحدة مكروه قال واختلف في أوجه الكراهة فقيل لترك الفضيلة وقيل مخافة إن لا يعم بها قال وهو دليل على ما روي عن مالك لا أحب الواحدة إلا للعالم بالوضوء انتهى. وعليه يحوم كلام الشيخ حيث قال إذا أحكم ذلك فجعل الاقتصار دون الثلاث مشروطاً بالأحكام وليس الناس في أحكام ذلك سواء بل هم مختلفون فمنهم من لم يحكم إلا بالثلاث فتتعين عليه فينوي بها الفرض أو ما أسبغ منها ومنهم من لا يحكم إلا باثنين ومنهم من يحكم بالواحدة وهو الذي يصح له تجديد النية.
فرع:
ابن الحاجب ولو ترك لمعة فانغسلت بنية الفضيلة فقولان (خ) القولان هنا في مسألة يشبهان القولين في مسألة المجدد بتبيين حدثه (ع) الباجي في صحة وضوء مجدد بأن حدثه قولان أشهب وسحنون مع ابن عبد الحكم انتهى. وجزم (خ) في مختصره بعدم الإجزاء وذكروا لها سبع نظائر فانظرها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من
أيها شاء» يعني يوم القيامة وقيل في الحال ويدخل من أيها شاء في المآل وقيل المراد أبواب الخير الموصلة إلى الجنة من الصلاة وتوابعها والله أعلم.
وهذا حديث خرجه مسلم ولم يقل فأحسن الوضوء وهذه الزيادة عند الترمذي ولم يقل ثم رفع طرفه إلى السماء وهذا عند الإمام أحمد بلفظ ثم رفع طرفه وهو المراد بالطرف هنا. والذي رواه بن الخطاب رضي الله عنه.
وزاد الترمذي في رواية اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ويحتمل كون هذا الثواب أن يكون لمن قاله مرة واحدة وهو ظاهر الحديث ولمن واظب عليه وهو الذي يقتضيه الترغيب هذا مع أن التكرير مطلوب أبدا لعدم القطع بالقبول واحتمال دخول العلل النفسانية في بعض الأوقات على القصد أو الفعل والله أعلم.
تنبيه:
أفعال الوضوء ثمانية وفصول هذا الذكر ثمانية أبواب الجنة ثمانية وقد أنكر ابن العربي حصر أبواب الجنة الثمانية وقال في العارضة الذين يدعون من أبواب الجنة الثمانية أربعة.
الأول: من أنفق زوجين في سبيل الله وهو متفق عليه.
الثاني: من قال هذا الذكر وهو في صحيح مسلم.
الثالث: من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق خرجه البخاري.
الرابع: من مات يؤمن بالله واليوم الآخر وذكر حديثه عن عقبة بن عامر عن عمر رضي الله عنهما – ثم قال نكتة الوضوء عبادة لم يشرع في أولها ذكر وفي أثنائها وإنما يلزم فيها القصد بها لوجه الله العظيم وهي النية وقد رويت أذكار تقال في أثنائها ولم تصح ولا شيء في الباب يعول عليه إلا حديث عمر المتقدم قال وقد روى أبو جعفر الأبهري عن مالك أنه استحب ذلك من تسمية الله تعالى عند الوضوء. وروى الواقدي أنه مخير قال والذي أراه تركها انتهى بنصبه وحروفه فانظره.
فائدة:
ذكر النووي في حلية الأبرار تثليث هذا الذكر وذكر من رواية النسائي أن من قال إثر وضوئه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك طبه عليه بطابع العرش لا يفك إلى يوم القيامة وذكر حديث أبي موسى على الوجه الذي قدمناه عند غسل الوجه فانظر ذلك ثم قال أشهد معناه أقر وأعترف ومعنى لا إله إلا الله لا مستحق للكمال ولا متصف به غيره تعالى وقوله وحده تأكيد بعد تأكيد في نفي التعدد وإثبات التوحيد وقيل أراد وحدانية الذات ونفي الشريك في الأفعال والصفات. وذكر محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية لأنها أشرف النسبة وأبرأ من دعوى النصارى واليهود في نبيهم وكذلك الرسالة والله أعلم.
(وقد استحب بعض العلماء أن يقول بإثر الوضوء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين).
يعني يقول ذلك بعد الذكر المتقدم لأنه كذا روي إلا أن رواية هذه الزيادة ضعيفة كما ذكره الترمذي وإن كان قد ضعف أصل الحديث فلا يصح تضعيفه لرواية مسلم قاله ابن العربي وغيره والتوابين جمع تواب وهو الكثير التوبة كالمتطهر لكثير التطهير وقد اختلف الناس في المراد به وذلك راجع لدخول كل توبة وتطهر فيهما حسياً كان أو معنوياً والله أعلم.
(ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتساباً لله لما أمره به).
يعني يجب عليه ذلك فلا بد من قصد التقرب إلى الله تعالى به دون شائبة لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص تقرير العبودية بالعبادة وسيأتي في باب جمل من الفرائض إن شاء الله والاحتساب بالشيء الاعتداد به عند الله وهو المراد بقوله (يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به) يعني أنه يعمله خالصاً لوجهه تعالى راجياً منه قبوله بفضله وإثابته عليه حسب وعده الصادق على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتطهيره من الذنوب به من ثوابه إذ قد ورد في صحيح الأخبار أنه يكفر السيئات قال علماؤنا يعني الصغائر قال ابن العربي وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة وإن أضاف إلى غسل كل عضو التوبة من الذنب
الواقع به غفرت كبائره بتوبته وصغائره بوضوئه.
وفي قوله لما أمره به أن يجب أن يكون مقصوداً للامتثال وهو معنى النية فكان قصده هنا لذكرها وقيل بل ذكرها في باب الغسل حيث قال وينويه وقيل بل أشار لها بوقله ويجزئ فعله بغير نية وقد تقدم الكلام على بعض أحكامها ويأتي بعضها في الغسل إن شاء الله.
وقوله: (ويشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه والوقوف بين يديه لأداء فرائضه والخضوع له بالركوع والسجود) يعني أنه مع اعتقاد الإخلاص والتحقق بالرجاء والخوف بشعر نفسه جلال مولاه وعظمته وكبرياءه وأنه يقف بما يفعله بين يديه فيزداد تعظيماً وإجلالاً وحضوراً فيما هو به أو يتوجه له من الطهارة والصلاة وذلك لأن الحضور في الصلاة بقدر الحضور في الوضوء والحضور على قدر التعظيم وعلى قدر المعرفة والله أعلم.
والإشعار الإعلام الخفي والتأهب الاستعداد والتنظف والتنقي من الأدناس والمناجاة المساررة وقد مر معناها في أول باب طهارة الماء وأنها على وجه يليق به تعالى من التتريه وعدم التشبيه والوقوف بين يديه القيام على بساط العبودية مشاهداً التعظيم والإجلال على ظاهر البدن كما هو في حقنا تعالى ربنا وتقدس.
وأداء الفرائض العمل بها كما يجب والمراد هنا الصلوات والخضوع التذلل والخشوع والركوع والسجود معلومان لكن السجود أشرف أفعال الصلاة إذ قال عليه السلام «أقرب ما يكون العبد من ربه في السجود» وقال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
وفي الصحيحين «إذا سجد ابن آدم اعتزل الشيطان يبكي» حتى قال بعض الصوفية لا يوجد خاطر شيطاني لهذا الحديث إنما يوجد نفساني أو ما في معناه ومن عرف الخواطر أدرك ذلك وبالله التوفيق.
وقوله (يعمل على يقين بذلك وتحفظ فيه) يعني أنه إذا أشعر نفسه ما ذكر تمكن من قلبه الإجلال والتعظيم فينتج له العمل على مقتضاه من اليقين بما وعد وأمر ويكون ذلك سبب تحفظه فيما هو به من طهارة وما يتبعها والله أعلم.
وقد أشار في هذا الفصل لما يداخل هذه العبادة من مقام الإحسان الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم لم تكن تراه فإنه يراك كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجري في الأعمال مجرى الأرواح في الأجسام وعليه تدور مقاصد الصوفية وهو المبدأ والمنتهى فإن تمام كل عمل من أعمال البر ظاهراً كان أو باطناً بحسن النية فيه لأن النية أساس الأعمال وأكسيرها وكمالها ومن كان له في كل شيء نية حصل له من كل شيء أمنية قال الإمام أبو حامد رحمه الله وإنما الشأن في النية فإنها معدن غرور الجهال ومزلة أقدام الرجال وقد ألف في أحكام النيات ووجوهها وما يتعلق بها الشيخ أبو عبد الله بن الحاج كتابا «سماه المدخل إلى علم النيات» وبناه على حديث الأعمال بالنيات فذكر فيه كثيراً مما أغفله الناس من مهمات الدين ونبه على عوائد ردية وبدع كثيرة فوجب على كل متدين مطالعته إن أمكنه. وبالله سبحانه التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
خاتمة:
لم يذكر الشيخ في هذا الباب حكم الوضوء ولا اشتقاقه وذكره في باب جمل من الفرائض وكذا ذكر حكم من ترك شيئاً من وضوئه في باب جامع الصلاة وهو أنسب والله أعلم.